نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الحادي عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الحادي عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 103

أبي معاوية أنا مدينة العلم، فقال: هو من حديث أبي معاوية، أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديما ثم كف عنه، وكان أبو الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويلزم المشايخ (1). وتجده كذلك في نقد الصحيح كما تقدم، وفي تهذيب التهذيب. 4 - إنه أثبته في جواب صالح جزرة وكذلك أثبت ابن معين هذا الحديث في جواب سؤال صالح بن محمد جزرة عن أبي الصلت الهروي، قال الحاكم: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القباني إمام عصره ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول: وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال: دخل يحيى بن معين - ونحن معه - على أبي الصلت فسلم عليه، فلما خرج تبعته، فقلت له: ما تقول - رحمك الله - في أبي الصلت؟ فقال: هو صدوق، فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية عن الأعمش، كما رواه أبو الصلت (2). وفي اللآلي المصنوعة عن الخطيب البغدادي: وقال عبد المؤمن بن خلف النسفي: سألت أبا علي صالح بن محمد عن أبي الصلت الهروي فقال: رأيت يحيى بن معين يحسن القول فيه، ورأيته سئل عن الحديث الذي روى عن أبي معاوية: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فقال: رواه أيضا الفيدي. قلت: ما اسمه؟ قال: محمد بن جعفر (3).

(هامش)

(1) قوت المغتذي - كتاب المناقب، مناقب علي. (2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 127. (3) اللآلي المصنوعة: 1 / 332. (*)

ص 104

وفي قوت المغتذي عن الحافظ العلائي - بعد نقل رواية الدوري السالفة الذكر - وكذلك روى صالح جزرة أيضا عن ابن معين (1). وفي نقد الصحيح كذلك: وكذلك روى صالح بن محمد الحافظ وأحمد ابن محمد بن محرز عن يحيى بن معين أيضا (2). أقول: فظهر أن يحيى بن معين ممن يصحح حديث مدينة العلم ويثبته، وقد علم من الوجوه المذكور أنه قد سعى - السعي الجميل - في سبيل إثبات هذا الحديث ورد الشبهات عنه، فكيف يجوز نسبة كلمة لا أصل له إليه؟ اللهم إلا أن يقال بأن هذه الكلمات قد صدرت منه قبل وقوفه على حقيقة أمر الحديث، ثم صرح بما هو الحق الثابت والحقيقة الراهنة، وهذا هو الذي اختاره المولوي حسن الزمان حيث قال: تنبيه: من أحسن بينة على معنى ختم الأولياء الحديث المشهور الصحيح الذي صححه جماعات من الأئمة، منهم أشد الناس مقالا في الرجال، سند المحدثين ابن معين، كما أسنده عنه ووافقه الخطيب في تاريخه، وقد كان قال أولا: لا أصل له.. (3). لكن المستفاد من كلام السخاوي أن هذه الكلمة لم تصدر من ابن معين بالنسبة إلى حديث مدينة العلم في حين من الأحيان، بل إن ذلك - على فرض ثبوته - كان منه بالنسبة إلى حديث: أنا دار الحكمة... قال السخاوي: حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها. الحاكم في المناقب من مستدركه، والطبراني في معجمه الكبير، وأبو الشيخ ابن حيان في السنة له، وغيرهم، كلهم من حديث أبي معاوية

(هامش)

(1) قوت المغتذي - كتاب المناقب، مناقب علي. (2) نقد الصحيح لمجد الدين الفيروز آبادي. (3) القول المستحسن: 452. (*)

ص 105

الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا به بزيادة: فمن أراد العلم فليأت الباب. ورواه الترمذي في المناقب من جامعه، وأبو نعيم في الحلية، وغيرهما، من حديث علي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها. قال الدارقطني في العلل عقيب ثانيهما: إنه حديث مضطرب غير ثابت، وقال الترمذي: إنه منكر، وكذا قال شيخه البخاري وقال: إنه ليس له وجه صحيح، وقال يحيى بن معين - فيما حكاه الخطيب في تاريخ بغداد - إنه كذب لا أصل له. وقال الحاكم عقيب أولهما: إنه صحيح الإسناد (1). أقول: لكن صدوره بالنسبة إلى هذا الحديث أيضا مستبعد عندي، لأنه - كحديث مدينة العلم - حديث صحيح، وقد نص على صحته ابن جرير الطبري، والعلائي، والفيروز آبادي، وغيرهم. فالعجب من (الدهلوي) كيف غفل عن هذا كله؟! وكأنه لم يحفظ من كلمات أعلام طائفته شيئا، واقتصر على استراق هفوات الكابلي العنيد في صواقعه! ولقد بلغ دفاع ابن معين عن حديث مدينة العلم من المتانة والقوة حدا لم يتمكن أحد من القادحين فيه من الإتيان بجواب عنه، ومن هنا قال العلائي - فيما نقل عنه السيوطي في (قوت المتغذي) -: ولم يأت كل من تكلم على حديث أنا مدينة العلم بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين . وقال ابن حجر المكي في المنح المكية نقلا عن العلائي: ولم يأت أحد ممن تكلم في هذا

(هامش)

(1) المقاصد الحسنة: 97. (*)

ص 106

الحديث بجواب عن هذه الروايات الصحيحة عن يحيى بن معين . ومن شواهد ما ذكره العلائي والفيروز آبادي ما جاء في سير أعلام النبلاء بترجمة أبي الصلت الهروي، حيث حكى توثيق يحيى بن معين إياه وإثباته حديث مدينة العلم بقوله: وقال عباس: سمعت ابن معين يوثق أبا الصلت، فذكر له حديث أنا مدينة العلم فقال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية (1). وقد أقر الذهبي ما رواه عباس الدوري عن يحيى بن معين، غير أنه اعترض عليه من ناحية أخرى فعقبه بقوله: قلت: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وكان هذا بارا بيحيى، ونحن نسمع من يحيى دائما ونحتج بقوله في الرجال، ما لم يتبرهن لنا وهن رجل انفرد بتقويته أو قوة من وهاه . وهذا الكلام يضر بمذهب أهل السنة، بل يمكن القول بأنه يهدم أساس مذهبهم، إذ لا يخفى علو قدر ابن معين وجلالة منزلته في علوم الحديث - ولا سيما. فن الجرح والتعديل - عن من راجع تراجمه في تهذيب التهذيب 11 / 280 وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 156 ووفيات الأعيان 6 / 139 وتذكرة الحفاظ 2 / 429 ومرآة الجنان حوادث: 203 وغيرها. بل ذكر ابن الرومي - فيما نقل عن ابن خلكان -: ما سمعت أحدا قط يقول الحق غير ابن معين، وغيره كان يتحامل بالقول

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 11 / 446. (*)

ص 107

رد قدح البخاري

 قوله: وقال البخاري: إنه منكر وليس له وجه صحيح . أقول: أولا: صدور هذا الكلام من البخاري بالنسبة إلى حديث أنا مدينة العلم ممنوع، بل إنه قد تفوه به بالنسبة إلى حديث أنا دار الحكمة كما علمت بذلك من عبارة السخاوي المتقدمة، فذكر (الدهلوي) إياه بصدد رد حديث أنا مدينة العلم باطل. وثانيا: لو سلمنا صدوره بالنسبة إلى حديث أنا مدينة العلم فإنه مردود بوجوه: 1 - البخاري مجروح إن البخاري مقدوح ومجروح، حسب إفادات أكابر علماء أهل السنة،

ص 108

فلاحظ نبذا من مثالبه وقوادحه في كتاب (استقصاء الافحام) ومجلد حديث الغدير من هذا الكتاب، فلا وزن لكلامه لدى أهل النظر والتحقيق ولا سيما في خصوص هذا الحديث العظيم. 2 - البخاري منحرف وإن البخاري من أعداء أهل البيت عليهم السلام والمنحرفين عن أمير المؤمنين، والشواهد الصحيحة على هذا كثيرة، وهو أمر قد اعترف به أعاظم علمائهم، كما لا يخفى على من طالع كتاب (استقصاء الافحام) ومجلد حديث الولاية، من هذا الكتاب، فلا يلتفت إلى طعنه في هذه الفضيلة العظيمة والمنقبة الباهرة الثابتة لسيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام. 3 - رواية عبد الرزاق الحديث ولقد روى عبد الرزاق بن همام الصنعاني حديث مدينة العلم بطريقين صحيحين كما دريت سابقا، وعبد الرزاق - هذا - من كبار مشايخ البخاري، وقد أكثر من الرواية عنه في صحيحه كما لا يخفى على المتتبع، ومع هذا لا يبقى ريب في سقوط قدح البخاري. 4 - رواية أحمد ولقد أخرج أحمد بن حنبل حديث مدينة العلم، وأحمد أحد الأئمة الأربعة، ومن مشايخ البخاري أيضا، أخرجه - كما علمت سابقا - بطرق متعددة، وقد نص سبط ابن الجوزي وغيره على أن أحمد متى روى حديثا وجب المصير إلى روايته، فلا يعبأ حينئذ بقدح البخاري أو غيره في هذا الحديث

ص 109

الشريف. 5 - رواية ابن معين وقد رواه يحيى بن معين أيضا، وهو من أركان ثقات علمائهم، ومن أعاظم مشايخ البخاري كذلك، وقد أثبته وصرح بصحته مرة بعد أخرى كما سبق آنفا، فلا قيمة لقدح البخاري بعد تصحيح ابن معين إياه. 6 - رواية الطبري ولقد حكم محمد بن جرير الطبري بصحة حديث أنا دار الحكمة في كتابه (تهذيب الآثار) كما علمت سابقا، واختار اتحاده مع حديث أنا مدينة العلم . ومع تصحيح هذا الإمام العظيم لا يصغي منصف إلى قدح البخاري في هذا الحديث. 7 - رواية الحاكم وأخرج الحاكم النيسابوري حديث أنا مدينة العلم في (المستدرك على الصحيحين) وصححه على شرط الشيخين، وهذا من أوضح الشواهد على أن قد البخاري ليس إلا من تعصبه وعناده مع الحق وأهله، وهو يكفي دليلا على سقوط هذا القدح. 8 - رواية الترمذي وأخرج الترمذي حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها في صحيحه، على ما نقل

ص 110

عنه ابن طلحة الشافعي في (مطالب السئول) كما تقدم، وهذا أيضا يسقط قدح البخاري فيه عن درجة الاعتبار. 9 - جزم جماعة من الحفاظ بصحته كما جزم وحكم جماعة من أعيان حفاظ أهل السنة بصحة حديث مدينة العلم، غير مبالين بقدح البخاري فيه، ومنهم: سبط ابن الجوزي، وأبو عبد الله الكنجي، وجلال الدين السيوطي، والمتقي الهندي، ومحمد صدر العالم، ومحمد البدخشاني، والأمير الصنعاني، والمولوي حسن زمان. وإعراض هؤلاء عن قدح البخاري دليل آخر على وهنه.. 10 - تحسين جماعة وحكم بحسن حديث أنا مدينة العلم جماعة آخرون من الحفاظ والعلماء، وصرحوا ببطلان قدح القادحين فيه، ومنهم: العلائي، والفيروز آبادي، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، ومحمد بن يوسف الشامي، وابن حجر المكي، ومحمد طاهر الفتني، ومحمد حجازي، وعبد الحق الدهلوي، والعزيزي، والشبراملسي، والزرقاني، والصبان، والشوكاني، والميرزا حسن علي المحدث.. فقدح البخاري باطل لدى كل هؤلاء المحققين.. 11 - كلام الزركشي وحكم بدر الدين الزركشي الشافعي بأن حديث أنا مدينة العلم ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفا فضلا عن كونه موضوعا، فهو - إذن - يرى بطلان دعوى البخاري كما هو واضح.

ص 111

12 - فتوى ابن حجر المكي وأفتى ابن حجر المكي في (فتاواه الحديثية) بحسن حديث أنا مدينة العلم، بل صرح بصحته تبعا للحاكم، ثم اعترض على قدح البخاري وغيره فيه، وهذا نص كلامه: وأما حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، فهو حديث حسن، بل قال الحاكم صحيح، وقول البخاري: ليس له وجه صحيح، والترمذي: منكر، وابن معين: كذب - معترض، وإن ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه الذهبي على ذلك . 13 - إعراض جماعة عن قدح البخاري ولقد نقل جماعة من أعيان علماء أهل السنة كلمة البخاري في حديث أنا مدينة العلم ثم أعرضوا عنها ولم يعبأوا بها، وذهبوا إلى اعتبار الحديث وتحسينه والاحتجاج به، ومنهم: السيوطي - في (الدرر المنتثرة) - والسمهودي، والقاري، والمناوي وثناء الله باني بتي - وهو بيهقي عصره في رأي (الدهلوي) -. فاستناد (الدهلوي) إلى كلام البخاري مع رواية مشايخ البخاري الحديث وتصحيحهم له، وتصحيح جماعة من الحفاظ وتحسين آخرين له، وهكذا إعراض كبار العلماء عن قدح البخاري - عجيب جدا.

ص 112

رد نسبة القدح إلى الترمذي

 قوله: وقال الترمذي: إنه منكر غريب . أقول: إن نسبة القدح في حديث أنا مدينة العلم إلى الترمذي كذب محض لوجوه: (1) نقل جماعة الحديث عن صحيح الترمذي 1 - ابن طلحة الشافعي قال ابن طلحة الشافعي في مطالب السئول في حق أمير المؤمنين عليه السلام: ولم يزل بملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيده الله تعالى علما، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نقله الترمذي في صحيحه بسنده عنه: أنا مدينة العلم وعلي بابها .

ص 113

2 - ابن تيمية فقد أورده عن صحيح الترمذي واستدل به، ولو كان ثمة قدح من الترمذي لما تم استدلاله. قال ابن تيمية في منهاجه: وحديث أنا مدينة العلم أضعف وأوهى ولهذا إنما يعد في الموضوعات وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي وبين أن سائر طرقه موضوعة . ولو كان للترمذي قدح في حديث مدينة العلم لذكره هذا الناصب العنيد، إذ هو بصدد رد هذا الحديث، كما هو واضح! 3 - ابن روزبهان لقد اعترف الفضل ابن روزبهان برواية الترمذي هذا الحديث في صحيحه، اعترف به في رده على كلام العلامة الحلي قدس سره، ولو كان الترمذي قد قال فيه إنه منكر غريب لذكر كلامه ألبته، وهذا من الظهور بمكان... 4 - الميبدي ونقل الحسين الميبدي حيث أنا مدينة العلم في (الفواتح) عن صحيح الترمذي واحتج به لمرامه، كما وقفت فيما سبق على نص كلامه،.. 5 - محمد بن يوسف الشامي وتقدم نص كلام محمد بن يوسف الشامي في سيرته حيث قال روى الترمذي وغيره مرفوعا: أنا مدينة العلم وعلي بابها، والصواب إنه حديث

ص 114

حسن.. ولو كان الترمذي قد قدح فيه لما جاز له السكوت عن نقل قدحه. 6 - ابن حجر المكي وذكر ابن حجر المكي في صواعقه رواية الترمذي هذا الحديث الشريف، ولم ينسب إليه أي قدح فيه، ولو كان لذكره قطعا. 7 - الميرزا مخدوم ونقل الميرزا مخدوم حديث مدينة العلم في نواقضه عن الترمذي، وأورده في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، أخرجه الترمذي . ولو كان ما نسب (الدهلوي) إلى الترمذي صحيحا لما أثبت الميرزا مخدوم هذا الحديث في فضائل علي عليه السلام، ولذكر - على الأقل - قدح الترمذي فيه. 8 - العيدروس اليمني وذكر العيدروس اليمني في العقد النبوي حديث مدينة العلم برواية الترمذي في فضائل سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا يدل على عدم صدور القدح فيه من الترمذي. 9 - الشيخاني القادري وكذلك الشيخاني القادري في الصراط السوي، رواه عن الترمذي وهو بصدد ذكر رواته، فلو كان ثمة قدح منه لذكره أو نوه به في الأقل.

ص 115

10 - عبد الحق الدهلوي والشيخ عبد الحق الدهلوي ذكر إخراج الترمذي حديث مدينة العلم في رجال المشكاة. 11 - الشبراملسي وتقدم في محله قول نور الدين الشبراملسي في تيسير المطالب: قوله مدينة العلم: روى الترمذي وغيره مرفوعا: أنا مدينة العلم وعلي بابها، والصواب إنه حديث حسن كما قاله الحافظ العلائي وابن حجر وهذا أيضا يبطل دعوى قدح الترمذي في هذا الحديث الشريف. 12 - الكردي وقال إبراهيم الكردي الكوراني في نبراسه كما سمعت فيما مضى: وأما أنه باب مدينة علمه ففي قوله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه البزاز والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، والترمذي والحاكم عن علي . وهذا أيضا مما يدفع نسبة صدور القدح في هذا الحديث عن الترمذي. 13 - الزرقاني وهكذا رواه محمد بن عبد الباقي الزرقاني في شرح المواهب اللدنية وقد مضت عبارته.

ص 116

14 - الصبان وذكر الصبان المصري في إسعاف الراغبين رواية الترمذي حديث مدينة العلم وهو بصدد إثباته كما دريت في مضى، وهذا دليل آخر على كذب ما نسب إلى الترمذي.. 15 - العجيلي وتقدم أيضا قول العجيلي في ذخيرة المآل: وأخرج الترمذي أنه قال صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، ولهذا كانت الطرق والسلسلات راجعة إليه . فالعجيلي رواه عن الترمذي وهو بصدد إثباته وبيان أعلمية أمير المؤمنين عليه السلام من غيره على ضوء الحديث، ولو كان الترمذي قادحا فيه لما استند إليه، وذلك ظاهر كل الظهور. (2) تحسين الترمذي الحديث بل إن الترمذي قد حسن حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، فضلا عن روايته له، جاء ذلك في اللمعات في شرح المشكاة وهذه عبارته - كما سمعت سابقا - واعلم أن المشهور من لفظ الحديث في هذا المعنى: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقد تكلم النقاد فيه، وأصله من أبي الصلت عبد السلام وكان شيعيا وقد تكلم فيه، وصحح هذا الحديث الحاكم وحسنه الترمذي.. . فهل يبقى شك في كذب دعوى (الدهلوي)؟!

ص 117

(3) إعتراض السيوطي على ابن الجوزي لقد ذكر السيوطي إخراج الترمذي حديث مدينة العلم في النكت البديعات على الموضوعات، معترضا به على قدح ابن الجوزي في الحديث وإيراده إياه في الموضوعات، وهذا نص كلامه: حديث - ق - ك - أنا مدينة العلم وعلي بابها. أورده من حديث علي وابن عباس وجابر. قلت: حديث علي أخرجه الترمذي والحاكم، وحديث ابن عباس أخرجه الحاكم والطبراني، وحديث جابر أخرجه الحاكم.. . وقال السيوطي في اللآلي المصنوعة بعد ذكر قدح ابن الجوزي: قلت: في الموضوعات وتقدح فيه وقد أخرجه الترمذي..؟! (4) كلام الشوكاني وقد نقل الشوكاني في الفوائد المجموعة القدح في هذا الحديث عن بعض المتعنتين ثم قال: وأجيب عن ذلك بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي قد وثقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثقه ابن معين والحاكم، وقد سئل عن هذا الحديث فقال: صحيح، وأخرجه الترمذي عن علي مرفوعا، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس مرفوعا وقال: صحيح الإسناد. .

ص 118

رد قدح ابن الجوزي

 قوله: وذكره ابن الجوزي في الموضوعات . أقول: احتجاج (الدهلوي) بذكر ابن الجوزي حديث مدينة العلم في الموضوعات غريب جدا، وذلك لسقوط ابن الجوزي وكتابه المذكور عن درجة الاعتبار، لدى أكابر العلماء الأعلام، ولنذكر شطرا من كلماتهم في هذا المضمار: من كلمات العلماء في ابن الجوزي قال ابن الأثير في حوادث سنة 597 من الكامل: - وفي هذه السنة في شهر رمضان توفي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي الواعظ ببغداد، وتصانيفه مشهورة، وكان كثير الوقيعة في الناس، لا سيما في العلماء المخالفين

ص 119

لمذهبه والموافقين له، وكان مولده سنة 510 . وكذا في الخميس في حوادث السنة المذكورة. وفي المختصر في أخبار البشر: وكان كثير الوقيعة في العلماء . وفي الكامل بترجمة عبد الكريم السمعاني: وقد جمع مشيخته فزادت عدتهم على أربعة آلاف شيخ، وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي فقطعه، فمن جملة قوله فيه: إنه كان يأخذ الشيخ ببغداد ويعبر به إلى فوق نهر عيسى فيقول: حدثني فلان بما وراء النهر. وهذا بارد جدا، فإن الرجل سافر إلى ما وراء النهر حقا، وسمع في عامة بلاده من عامة شيوخه، فأي حاجة به إلى هذا التدليس البارد، وإنما ذنبه عند ابن الجوزي أنه شافعي، وله أسوة بغيره، فإن ابن الجوزي لم يبق على أحد إلا مكثري الحنابلة (1). وذكره ابن الوردي (2). وقال اليافعي في مرآة الجنان حوادث 595 وفيها أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وتلقاه الناس، وبقي في المطمورة خمس سنين، كذا ذكره الذهبي، ولم يتبين لأي سبب سجن، وكنت قد سمعت فيما مضى أنه حبس بسبب الشيخ عبد القادر بأنه كان ينكر عليه، وكان بينه وبين أبيه عداوة بسبب الانكار المذكور، وأخبرني من وقف على كتاب له أنه ينكر فيه على قطب الأولياء تاج المفاخر الذي خضعت لقدمه رقاب الأكابر الشيخ محي الدين عبد القادر قدس الله روحه ونور ضريحه، وإنكار ابن الجوزي عليه وعلى غيره من الشيوخ أهل المعارف والنور من جملة الخذلان وتلبيس الشيطان والغرور، والعجب منه في إنكاره، عليهم وبمحاسنهم يطرز كلامه فقد ملأت - والحمد لله - محاسنهم الوجود، فلا مبالاة بذم كل مغرور وحسود .

(هامش)

(1) الكامل - حوادث: 597. (2) تتمة المختصر - حوادث: 597. (*)

ص 120

وقال الذهبي بترجمة أبان بن يزد العطار: ثم قال ابن عدي: هو حسن الحديث متماسك، يكتب حديثه، وعامتها مستقيمة، وأرجو أنه من أهل الصدق. قلت: بل هو ثقة حجة، ناهيك بأن أحمد بن حنبل ذكره فقال: كان ثبتا في كل المشايخ، وقال ابن معين والنسائي: ثقة. وقد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء ولم يذكر فيه أقوال من وثقه، وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق، ولولا أن ابن عدي وابن الجوزي ذكر أبان بن يزيد لما ذكرته أصلا (1). وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: قرأت بخط الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدا، وكان يخضبها بالسواد، وكان كثير الغلط فيما يصنفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره. قلت: له وهم كثير في تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحول إلى مصنف آخر، ومن أن جل علمه من كتب وصحف ما مارس فيه أرباب العلم كما ينبغي (2). وقال ابن حجر بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري: وذكر أبو منصور بن طاهر التميمي في كتاب الفرق بين الفرق، أن الواثق لما قتل أحمد بن نصر الخزاعي - وكان ثمامة ممن سعى في قتله - فاتفق أنه حج فقتله ناس من خزاعة بين الصفا والمروة. وأورده ابن الجوزي هذه القصة في حوادث سنة ثلاث عشرة، وترجم لثمامة فيمن مات فيها وفيها تناقض، لأن قتل أحمد بن نصر تأخر بعد ذلك بدهر طويل، فإنه قتل في خلافة الواثق سنة بضع وعشرون، فكيف يقتل قاتله سنة ثلاث عشرة، والصواب أنه مات في سنة ثلاث عشرة، ودلت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينتقد ما يحدث به (3).

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 16. (2) تذكرة الحفاظ: 4 / 1342. (3) لسان الميزان: 2 / 84. (*)

ص 121

وفي طبقات الحفاظ للسيوطي وطبقات المفسرين للداودي بترجمة ابن الجوزي قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه (1). من كلمات العلماء في الموضوعات لابن الجوزي قال ابن الصلاح: ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه، وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة (2). وقال محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني في المنهل الروي في علم أصول حديث النبي: وصنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابه في الموضوعات، فذكر كثيرا من الضعيف الذي لا دليل على وضعه . وقال ابن كثير وقد صنف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابا حافلا في الموضوعات، غير أنه أدخل فيه ما ليس منه، وأخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه ولم يهتد إليه (3). وقال الزين العراقي بشرح قوله: وأكثر الجامع فيه إذ خرج * لمطلق الضعف عني أبا الفرج . قال: قال ابن الصلاح: ولقد أكثر الذي جمع.. وأراد ابن الصلاح بالجامع المذكور أبا الفرج ابن الجوزي، وأشرت إلى ذلك بقولي عنى أبا الفرج (4).

(هامش)

(1) طبقات الحفاظ: 478، طبقات المفسرين: 1 / 274. (2) علوم الحديث: 212. (3) الباعث الحثيث: 75. (4) شرح الألفية: 1 / 261. (*)

ص 122

وقال ابن حجر العسقلاني بعد إثبات حديث سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام: وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته، وليس بقادح، لما ذكرت من كثرة الطرق، وأعله أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر. إنتهى، وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا فإنه سلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن . وقال ابن حجر أيضا في بحثه حول الحديث المذكور: قول ابن الجوزي في هذا الحديث إنه باطل وإنه موضوع، دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين، وهذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم، ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك، لأن فوق كل ذي علم عليم، وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على الحديث بالبطلان، بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له، وهذا الحديث من هذا الباب، هو حديث مشهور له طرق متعددة، كل طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها مما يقطع بصحته على طريقة كثير من أهل الحديث (1). وقال السخاوي: ويوجد الموضوع كثيرا في الكتب المصنفة في الضعفاء وكذا في العلل، ولقد أكثر الجامع فيه مصنفا نحو مجلدين، إذ خرج عن موضوع كتابه لمطلق الضعف، حيث أخرج فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة التي لا دليل معه على وضعها، وعنى ابن الصلاح بهذا الجامع الحافظ الشهير أبا الفرج ابن الجوزي، بل ربما أدرج فيها الحسن والصحيح مما هو في أحد الصحيحين فضلا

(هامش)

(1) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: 19. (*)

ص 123

عن غيرهما، وهو - مع إصابته في أكثر ما عنده - توسع منكر ينشأ عنه غاية الضرر، من ظن ما ليس بموضوع بل هو صحيح موضوعا، مما قد يقلده فيه العارف تحسينا للظن به، حيث لم يبحث فضلا عن غيره، ولذا انتقد العلماء صنيعه إجمالا، والموقع له استناده في غالبه بضعف رواية الذي رمي بالكذب مثلا، غافلا عن مجيئه من وجه آخر... (1). وفيه: ثم إن من العجب إيراد ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية كثيرا مما أورده في الموضوعات، كما أن في الموضوعات كثيرا من الأحاديث الواهية، بل قد أكثر في تصانيفه الوعظية وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه. قال شيخنا: وفاته من نوعي الموضوع والواهي في الكتابين قدر ما كتب، قال: ولو انتدب شخص لتهذيب الكتاب ثم لإلحاق ما فاته لكان حسنا، وإلا فيما تقرر عدم الانتفاع به إلا للناقد، إذ ما من حديث إلا ويمكن أن لا يكون موضوعا (2). وقال السيوطي: وقد جمع في ذلك الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي كتابا، فأكثر فيه من إخراج الضعيف الذي لم ينحط إلى رتبة الوضع بل ومن الحسن ومن الصحيح، كما نبه على ذلك الأئمة الحفاظ ومنهم ابن الصلاح في علوم الحديث وأتباعه (3). وفيه: واعلم أنه جرت عادة الحفاظ كالحاكم وابن حبان والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون على حديث بالبطلان من حيثية سند مخصوص، لكون رواية اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفا من وجه آخر، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به، فيغتر ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن

(هامش)

(1) فتح المغيث - شرح ألفية الحديث 1 / 236. (2) نفس المصدر 1 / 237. (3) اللآلي المصنوعة: 1 / 2. (*)

ص 124

بالوضع مطلقا ويورده في كتاب الموضوعات، وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر.. . وفيه في تحقيق حديث من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة.. قال: وقال الحافظ ابن الحجر في تخريج أحاديث المشكاة: غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات، وهو أسمج ما وقع له. وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في جزء جمعه في تقوية هذا الحديث: محمد بن حمير القضاعي الشبلنجي الحمصي كنيته أبو عبد الحميد، احتج به البخاري في صحيحه، وكذلك محمد بن زيد الالهاني أبو سفيان الحمصي، احتج به البخاري أيضا، وقد تابع أبا أمامة علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاصي، والمغيرة بن شعبة، وجابر، وأنس، فرووه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأورد حديث علي من الطريقين السابقين، وحديث ابن عمرو، والمغيرة، وجابر، وأنس، من الطرق التي سأزيدها، ثم قال: وإذا انضمت هذه الأحاديث بعضها إلى بعض أخذت قوة. وقال الذهبي في تاريخه: نقلت من خط السيف أحمد بن أبي المجد الحافظ قال: صنف ابن الجوزي كتاب الموضوعات فأصاب في ذكره أحاديث مخالفة للنقل والعقل، ومما لم يصب فيها إطلاقه الوضع على أحاديث بكلام بعض الناس في أحد رواتها، كقوله فلان ضعيف، أو ليس بالقوي، أو لين، وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفة ولا معارضة لكتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا حجة بأنه موضوع سوى كلام ذلك الرجل في راويه، وهذا عدوان ومجازفة. قال: فمن ذلك أنه أورد حديث أبي أمامة في قراءة آية الكرسي بعد الصلاة، لقول يعقوب بن سفيان في راويه محمد بن حمير: ليس بالقوي، ومحمد هذا روى له البخاري في صحيحه، ووثقه أحمد وابن معين (1).

(هامش)

(1) اللآلي المصنوعة: 1 / 230. (*)

ص 125

وفيه في الكلام حول حديث أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما علي ابن أبي طالب : والعجب من المصنف أنه قال في العلل باب فضل علي بن أبي طالب: قد وضعوا أحاديث خارجة عن الحد ذكرت جمهورها في كتاب الموضوعات، وإنما أذكر ههنا ما دون ذلك، ثم أورد هذا الحديث، وهذا يدل على أن متنه عنده ليس بموضوع فكيف يورده في الموضوعات؟ وقد عاب عليه الحافظ هذا الأمر بعينه فقالوا: إنه يورد حديثا في كتاب الموضوعات ويحكم بوضعه، ثم يورده في العلل وموضوعه الأحاديث الواهية التي لم تنته إلى أن يحكم عليها بالوضع، وهذا تناقض (1). وفيه بعد حديث إن طالت بك مدة أو شك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر وذكر قدح ابن الجوزي: قلت: لا والله ما هو بباطل، بل صحيح في نهاية الصحة، أخرجه مسلم في صحيحة، قال شيخ الإسلام ابن حجر في القول المسدد: هذا حديث صحيح خرجه مسلم عن جماعة من مشايخه.. وقد أخطأ ابن الجوزي في تقليده لابن حبان في هذا الموضع خطأ شديدا، وغلط ابن حبان في أفلح فضعفه بهذا الحديث... ولقد أساء ابن الجوزي لذكره في الموضوعات حديثا في صحيح مسلم، وهذا عن عجائبه . وفيه بعد حديث إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه قلت: بل واعجبا من المؤلف كيف يحتم على رد الأحاديث الثابتة من غير تثبت ولا تتبع، فإن حديث إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ورد من رواية أكثر من عشرة من الصحابة، فهو متواتر على رأي من يكتفي في التواتر بعشرة.. وقال السيوطي في صدر النكت البديعات على الموضوعات وبعد، فإن كتاب الموضوعات جمع الإمام أبي الفرج ابن الجوزي قد نبه الحفاظ قديما وحديثا

(هامش)

(1) اللآلي المصنوعة: 1 / 326. (*)

ص 126

على أن فيه تساهلا كثيرا، وأحاديث ليست بموضوعة، بل هي من وادي الضعيف، وفيه أحاديث حسان وأخرى صحاح، بل وفيه حديث من صحيح مسلم نبه عليه الحافظ أبو الفضل ابن حجر، ووجدت فيه حديثا من صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر، وآخر متنه في البخاري من رواية صحابي غير الذي أورده عنه... . وقال في خاتمته: هذا آخر ما أوردته في هذا الكتاب في الأحاديث المتعقبة، التي لا سبيل إلى إدراجها في سلك الموضوعات، وعدتها نحو ثلاثمائة حديث، منها في صحيح مسلم حديث، وفي صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر حديث، وفي مسند أحمد ثمانية وثلاثون حديثا، وفي سنن أبي داود تسعة أحاديث، وفي جامع الترمذي ثلاثون حديثا، وفي سنن النسائي عشرة أحاديث، وفي سنن ابن ماجة ثلاثون حديثا، وفي مستدرك الحاكم ستون حديثا، على تداخل في العدة، فجميع ما فيه من الكتب الستة والمسند والمستدرك مائة حديث وثلاثون حديثا، وفيه من مؤلفات البيهقي: السنن، والشعب، والبعث، والدلائل، وغيرها، ومن صحيح ابن خزيمة والتوحيد له، وصحيح ابن حبان، ومسند الدارمي، وتاريخ الطبري، وخلق أفعال العباد، وجزء القراءة له، وسنن الدارقطني جملة وافرة . وقال السيوطي: وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر في كتابه كثيرا مما لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف بل وفيه الحسن بل والصحيح.. (1). وقال الشامي في سبل الهدى والرشاد: وقد نص ابن الصلاح في علوم الحديث وسائر من تبعه على أن ابن الجوزي تسامح في كتابه الموضوعات، فأورد فيه أحاديث وحكم بوضعها وليست بموضوعة، بل هي ضعيف فقط وربما تكون

(هامش)

(1) تدريب الراوي 1 / 235. (*)

ص 127

حسنة أو صحيحة، قال زين الدين العراقي في ألفيته: وأكثر الجامع فيه إذ خرج * لمطلق الضعف عنى أبا الفرج. وألف شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر - رحمه الله تعالى - كتابا سماه: القول المسدد.. . وإن شئت المزيد من كلماتهم فراجع: صدر (مختصر تنزيه الشريعة) وصدر (تذكرة الموضوعات) و(أسماء رجال المشكاة لعبد الحق) و(كشف الظنون) و(المسلك الوسط الداني إلى الدر الملتقط للصغاني) و(شرح المواهب اللدنية) و(نيل الأوطار) و(القول المستحسن في فخر الحسن) و(الفوائد المجموعة).

ص 128

رد العلماء على قدح ابن الجوزي

 وبالاضافة إلى ما تقدم: فإن كبار الحفاظ والعلماء أبطلوا بالأدلة القاطعة دعوى ابن الجوزي، وانتقدوا إيداعه حديث أنا مدينة العلم في الموضوعات، وقد تقدمت نصوص عباراتهم في ذلك في مواضعها من الكتاب، ونكتفي هنا بذكر أسمائهم: 1 - الحافظ صلاح الدين العلائي. 2 - الحافظ بدر الدين الزركشي. 3 - شيخ الإسلام الحافظ العسقلاني. 4 - الحافظ السخاوي. 5 - الحافظ السيوطي. 6 - الحافظ السمهودي. 7 - الحافظ ابن عراق. 8 - الحافظ ابن حجر المكي. 9 - العلامة مجد الدين الفيروز آبادي. 10 - العلامة المتقي الهندي. 11 - العلامة القاري. 12 - العلامة المناوي. 13 - العلامة الشيخ عبد الحق الدهلوي. 14 - العلامة الزرقاني. 15 - العلامة البدخشاني. 16 - العلامة محمد صدر العالم. 17 - العلامة الأمير الصنعاني.

ص 129

18 - العلامة الصبان المصري. 19 - العلامة القاضي ثناء الله الهندي. 20 - قاضي القضاة الشوكاني. 21 - العلامة الميرزا حسن علي المحدث. 22 - العلامة ولي الله اللكهنوي. 23 - العلامة المولوي حسن الزمان. 24 - العلامة الدمنتي الشاذلي.

ص 130

رد قدح ابن دقيق العيد

 قوله: وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد: هذا الحديث لم يثبتوه أقول: إن هذا الكلام بعيد عن الصدق والصواب غاية البعد، فقد علمت فيما تقدم إثبات كبار المحدثين وأعاظم المسندين ومشاهير الحفاظ المعتمدين هذا الحديث الشريف، في كتبهم المعتبرة وأسفارهم المعتمدة، مصرحين بصحته أو حسنه أو ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن جماعة كبيرة منهم وصفوا سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام ب‍ باب مدينة العلم و باب مدينة الحكم والعلوم وأمثال ذلك، كما نظم آخرون منهم هذه المأثرة في أشعارهم.. فهل يبقى مع هذا كله وزن لقول هذا الرجل هذا الحديث لم يثبتوه ؟! وهل يجوز لأحد أن يحتج بمثل هذا الكلام؟! ومن هنا ترى إعراض جماعة من محققيهم عن هذا الكلام مع ذكرهم له،

ص 131

كالزركشي في (اللآلي المنثورة) والسخاوي في (المقاصد الحسنة) والسيوطي في (الدرر المنتثرة) والقاري في (المرقاة)..

ص 132

الكلام على رأي النووي والذهبي والجزري

 قوله: وقال الشيخ محي الدين النواوي والحافظ شمس الدين الذهبي والشيخ شمس الدين الجزري: إنه موضوع . أقول: لا بد من تحقيق الحال وبيان الحقيقة في مقامات: (1) رأي الشيخ محيي الدين النواوي أما محيي الدين النواوي، فالواقع أنه قد قدح في حديث أنا دار الحكمة وعلي بابها ، وهذا نص كلامه وأما الحديث المروي عن الصنابحي عن علي قال

ص 133

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. وفي رواية: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فحديث باطل، رواه الترمذي وقال: هو حديث منكر، وفي بعض النسخ: غريب، قال: ولم يروه من الثقات غير شريك، وروي مرسلا (1). فظهر أن قدحه متوجه في الأصل إلى حديث أنا دار الحكمة ، غير أنه توهم أن حديث أنا مدينة العلم رواية من روايات ذاك الحديث، ولا يخفى سقوط هذا التوهم على من لاحظ روايات المحدثين وطرق الحديثين المذكورين في مختلف الكتب والأسفار، لأن كلا منهما قد روي وأخرج فيها بطرق وأسانيد كثيرة خاصة به، بحيث لا يلزم من القدح في أحدهما القدح في الآخر.. فهذا وهم من (الدهلوي) إن لم يكن كذب وتدليس. ثبوت حديث: أنا دار الحكمة وعلي بابها على أن حديث أنا دار الحكمة وعلي بابها حديث ثابت، قد أخرجه جهابذة الحديث وأعلام الحفاظ والعلماء، فدعوى بطلانه ساقطة، ومن المناسب أن نعيد ذكر بعض من أخرجه من مشاهير محدثي أهل السنة.. فنقول: 1 - رواية أحمد: لقد روى أحمد حديث أنا دار الحكمة وعلي بابها عن الصنابحي عن أمير المؤمنين عليه السلام.. ذكر ذلك المولوي حسن علي في (تفريح الأحباب)، وقد تقدم سابقا عن جماعة قولهم: إذا روى أحمد حديثا وجب المصير إليه... 2 - رواية الترمذي وتحسينه: ولقد أخرجه الترمذي في صحيحه وحكم بحسنه كما في ذخائر العقبى حيث

(هامش)

(1) تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 348. (*)

ص 134

قال: ذكر أنه - رضي الله عنه - باب دار الحكمة: عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها، أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن (1). وقوله حديث حسن دليل على اعتباره، لأنه قال وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن . 3 - رواية الطبري وتصحيحه: وعلم فيما تقدم رواية أبي جعفر محمد بن جرير الطبري هذا الحديث في (تهذيب الآثار) وحكمه بصحته.. 4 - رواية الحاكم وتصحيحه: وأخرجه الحاكم في (المستدرك على الصحيحين) وصححه، قاله محمد بن يوسف الشامي في سبل الهدى والرشاد، والشبراملسي في تيسير المطالب السنية والزرقاني في شرح المواهب اللدنية. 5 - رواية جماعة آخرين: كما علم مما تقدم رواية جماعة آخرين لحديث أنا دار الحكمة وعلي بابها وهم بين من يثبته، ومن يصححه، ومن يقول إنه حسن ومنهم: الكنجي، والمحب الطبري، والعلائي، والفيروز آبادي، والجزري، والعسقلاني، والسيوطي، والعلقمي، والشامي، والمناوي، والدهلوي، والعزيزي، والزرقاني، والبدخشاني، وشاه ولي الله،.. فظهر بطلان قول النواوي: فحديث باطل .

(هامش)

(1) ذخائر العقبى: 77. (*)

ص 135

رد نسبة القدح في الحديث المذكور للترمذي

 وأما قوله رواه الترمذي وقال: هو حديث منكر، وفي بعض النسخ: غريب فمن المنكرات الفاضحة، بل الحق الثابت أنه رواه وقال حسن غريب كما تقدم عن المحب الطبري في (ذخائره) وسيأتي عن (رياضه) أيضا. تحريف عبارة الترمذي غير أن الأيدي الأثيمة قد غيرت وحرفت عبارة الترمذي، وقد عمد النواوي إلى اعتماد هذه العبارة المحرفة، جحدا لفضيلة من فضائل سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام.. لقد قال الترمذي في هذا الحديث إنه حسن غريب كما علمت من رواية محب الدين الطبري عنه في (ذخائر العقبى). وقال في الرياض النضرة: عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب (1). هذا ما نقله المحب الطبري عن الترمذي، وهو من أقدم وأوثق نقلة هذا الحديث عن صحيح الترمذي.. لكن بعض المعاندين أسقطوا كلمة حسن وتركوا كلمة غريب من كلام الترمذي من بعض نسخ صحيحه، ومن هنا نسب غير واحد ممن تأخر عن المحب الطبري إلى الترمذي قوله في هذا الحديث غريب من دون كلمة حسن ! كالخطيب التبريزي في (المشكاة)، والعلائي في (أجوبته)، وابن كثير في

(هامش)

(1) الرياض النضرة: 2 / 255. (*)

ص 136

(تأريخه)، الفيروز آبادي في (نقد الصحيح)، والسيوطي في (القول الجلي)، والوصابي في (الاكتفاء)، والمناوي في (التيسير) و(فيض القدير)، والعزيزي في (السراج المنير).. وجاء آخرون.. فلم يتركوا كلمة غريب بعد حذف حسن على حالها، بل أبدلوها بلفظ منكر ، وكأن النواوي قد قدم هذه النسخة على تلك، إذ نسب إلى الترمذي أنه حديث منكر ، ثم قال: وفي بعض النسخ: غريب ! كما اغتر بهذا التحريف السخاوي في (المقاصد الحسنة). وقد ترقى آخرون حتى جمعوا في بعض نسخ صحيح الترمذي - بعد حذف لفظ حسن - بين منكر و غريب ، وقد نسب ذلك بعضهم إلى الترمذي غفلة أو تغافلا، كما فعله ولي الله الدهلوي في (قرة العينين)! فتنبه، ولا تكن من المغترين الغافلين، والمنخدعين الذاهلين، واستعذ بالله من تبديل المدغلين وتحريف المبطلين.. وكم له من نظير! ولا تستبعد هذا الذي حققناه، فكم له من نظير عندهم، ولا بأس بذكر أحد موارد تحريفاتهم: لقد التزم البغوي في (مصابيحه) الإعراض عن ذكر الحديث المنكر، فإنه قال في صدر كتابه ما نصه وتجد أحاديث كل باب منها تنقسم إلى صحاح وحسان، وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري - رحمهما الله - في جامعيهما، وأعني بالحسان ما أورده أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وغيرهما من الأئمة في تصانيفهم - رحمهم الله، وأكثرها صحاح بنقل العدل عن العدل، غير أنها لم

ص 137

تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة من صحة الإسناد، إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن. وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه، وأعرضت عن ذكر ما كان منكرا أو موضوعا، والله المستعان وعليه التكلان . ولكنك تجد كلمة منكر بعد حديث في مدح قبيلة حمير ، وهذا نص عبارته في باب في مناقب قريش وذكر القبائل : عن أبي هريرة قال: كنا عند النبي عليه السلام، فجاءه رجل أحسبه من قريش فقال: يا رسول الله العن حميرا! فقال النبي عليه السلام: رحم الله حميرا، أفواههم سلام، وأيديهم طعام، وهم أهل أمن وإيمان. منكر (1). ولقد صرح شارحه الخلخالي بإلحاق بعضهم لفظ منكر حيث قال: قوله: منكر، أي هذا الحديث منكر، يحتمل أن إلحاق لفظ المنكر ههنا من غير المؤلف من بعض أهل المعرفة بالحديث، لأنه لو كان يعلم أنه منكر لم يتعرض له، لأنه قد التزم الإعراض عن ذكر المنكر في عنوان الكتاب (2). وفي المرقاة في شرح الحديث: وقال شارح المصابيح قوله منكر، هذا إلحاق من بعض أهل المعرفة بالحديث.. (3). تصرف النووي في كلام الترمذي ثم إن النووي ذكر عن الترمذي أنه قال: ولم يروه من الثقات غير شريك وهذا لا يطابق عبارة الترمذي في صحيحه، وهذا لفظ ولا نعرف هذا الحديث

(هامش)

(1) مصابيح السنة: 2 / 192. (2) المفاتيح في شرح المصابيح - مخطوط. (3) المرقاة في شرح المشكاة: 5 / 512 - 513. (*)

ص 138

عن أحد من الثقات غير شريك ولا يخفى الفرق بين الكلامين على ذوي الفضل والنظر الدقيق. وعلى كل حال.. فإن هذا الكلام لا يقتضي قدحا في حديث أنا دار الحكمة وعلي بابها ، إذ لو سلم ذلك كان هذا الحديث من أفراد شريك، وهذا لا يمنع صحته أو حسنه، ولهذا قال الترمذي نفسه - فيما نقله عنه المحب الطبري - حديث حسن.. وقال العلائي: وشريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي، إحتج به مسلم وعلق له البخاري، ووثقه يحيى بن معين، وقال العجلي: ثقة حسن الحديث، وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدا قط أورع في علمه من شريك، فعلى هذا يكون بمفرده حسنا وقال الفيروز آبادي: وشريك هذا احتج به مسلم، وعلق له البخاري، ووثقه ابن معين والعجلي وزاد: حسن الحديث، وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدا قط أورع في علمه من شريك، فعلى هذا يكون بمفرده حسنا . على أنه قد علمت سابقا أنه قد رواه غير شريك من الثقات. تحريف آخر الكلام الترمذي ومن عجائب الأمور تحريف بعض الزائغين لهذه العبارة أيضا من كلام الترمذي، فإنهم لما رأوا أن هذه العبارة تدل على ثبوت هذا الحديث واعتباره، بدلوا كلمة غير شريك إلى عن شريك .. جاء ذلك في المرقاة بشرح كلام الترمذي هذا حول حديث أنا مدينة العلم: ولا نعرف أي نحن هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك بالنصب على الاستثناء، وفي نسخة بالجر على أنه بدل من أحد. قيل: وفي بعض نسخ الترمذي: عن شريك بدل عن غير شريك، والله أعلم (1).

(هامش)

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 512. (*)

ص 139

ولا يخفى غرضهم من هذا التحريف وما يؤول إليه معنى العبارة على النبيه.. ولكن هذا التحريف لم يلق رواجا بل جاءت عبارة الترمذي على أصلها وواقعها لدى المحدثين، كما في (المشكاة) و(نقد الصحيح) و(أسنى المطالب) و(جمع الجوامع) و(كنز العمال) و(معارج العلى) وغيرها.. توهم النووي ونقل النووي عن الترمذي في ذيل كلامه أنه قال وروي مرسلا وهذا أيضا وهم صريح، فقد قال الترمذي - بعد أن أخرج حديث: أنا دار الحكمة بسنده عن شريك عن سلمة عن سويد عن الصنابحي عن أمير المؤمنين عليه السلام - روى بعضهم هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي (1) فتوهم النووي من قوله ولم يذكروا فيه عن الصنابحي كونه مرسلا، والحال أن هذا لا يوجب الارسال، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم، أدرك الخلفاء الأربعة وسمع منهم الحديث، فحديثه عن أمير المؤمنين عليه السلام بلا واسطة متصل لا منقطع، فذكر الترمذي أو غيره الصنابحي فيه من المزيد في متصل الأسانيد، وكأن النووي قد غفل عن هذا فزعم إرساله، لكن صرح به الحافظ العلائي - كما دريت سابقا - حيث قال ولا يرد عليه رواية من أسقط منه الصنابحي، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم أدرك الخلفاء الأربعة وسمع منهم، فذكر الصنابحي، فيه من المزيد في متصل الأسانيد .. وكذا صرح به الفيروز آبادي أيضا في (نقد الصحيح)..

(هامش)

(1) صحيح الترمذي 5 / 596. (*)

ص 140

رواة حديث أنا دار الحكمة من الصحابة والتابعين

 ولا يخفى عدم انفراد الصنابحي، وسويد بن غفلة، في رواية حديث أنا دار الحكمة عن أمير المؤمنين عليه السلام، بل رواه عنه جماعة من التابعين كذلك أيضا وهم: 1 - أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي، وقد أخرج حديثه ابن مردويه. 2 - أبو القاسم أصبغ بن نباته التميمي الحنظلي الكوفي، وقد أخرج حديثه أبو نعيم في (الحلية) والجزري في (أسنى المطالب). 3 - أبو زهير الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي، كما في (الحلية) و(أسنى المطالب). كما قد تابع عليا أمير المؤمنين عليه السلام في روايته من الصحابة: 1 - عبد الله بن عباس، ففي حلية الأولياء: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، نا الحسن بن سفيان، نا عبد المجيد بن بحر، نا شريك، عن سلمة ابن كهيل، عن الصنابحي، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه، ومجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (1). 2 - جابر بن عبد الله الأنصاري، ففي زين الفتى -: أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن نصر رحمه الله قال: أخبرنا الشيخ إبراهيم بن أحمد الحلوائي رحمه الله، عن محمود بن محمد بن رجا، عن المأمون بن أحمد وعمار بن عبد المجيد وسليمان بن خميرويه، عن الإمام محمد بن كرام رحمه الله، عن أحمد، عن محمد بن فضيل، عن زياد بن زياد، عن عبيد بن أبي جعد، عن جابر بن

(هامش)

(1) حلية الأولياء: 1 / 64. (*)

ص 141

عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا دار الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأت الباب، مذكور في كتاب المكتفي (1). نتيجة البحث فتلخص مما تقدم: بطلان تكلم النووي في حديث أنا دار الحكمة ، ومن ذلك يتضح بطلان ما يتوجه من ذلك من القدح في حديث أنا مدينة العلم بناء على تسليم كونه رواية من روايات الحديث الأول، فظهر سقوط الاحتجاج بكلام النووي مطلقا. بطلان قدحه من كلام العلماء ولقد تعرض جماعة من العلماء لقدح النووي وأعرضوا عنه أو أبطلوه، ومنهم: 1 - السيوطي في تاريخ الخلفاء: 170. (2) ابن حجر المكي في المنح المكية في شرح الهمزية والصواعق. 3 - الشيخ عبد الحق الدهلوي في أسماء رجال المشكاة. 4 - محمد بن علي الصبان في إسعاف الراغبين: 156. 5 - القاضي ثناء الله في السيف المسلول وهو بيهقي عصره عند (الدهلوي). 6 - المولوي حسن علي المحدث في تفريح الأحباب وهو تلميذ (الدهلوي).

(هامش)

(1) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى. مخطوط. (*)

ص 142

ثبوت حديث مدينة العلم من شعر للنووي

 ومن آيات علو الحق أن النووي أثبت حديث أنا مدينة العلم في أبيات له من الشعر ذكرها شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل وقد تقدمت سابقا. (2) رأي شمس الدين الذهبي وأما شمس الدين الذهبي فإنه وإن قدح في حديث مدينة العلم غير أنه لا يلتفت إلى قدحه ولا يعبأ به، لوجوه: 1 - إنحراف الذهبي وتعصبه لقد اشتهر الذهبي بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، وتعصبه عليهم ونصبه العداء لهم، وقد فصلنا الكلام حول ذلك على ضوء كلمات واعترافات كبار علماء أهل السنة في مجلد حديث الطير، وعلى هذا الأساس فلا أثر ولا قيمة لطعنه في حديث مدينة العلم.. 2 - تحقيق العلائي وقد تعرض الحافظ العلائي لقدح الذهبي ورد عليه الرد الصريح وحقق هذا الحديث الصحيح، وهذا نص كلامه على ما نقله السيوطي حيث قال: وقال

ص 143

الحافظ صلاح الدين العلائي في أجوبته: هذا الحديث ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من طرق عدة، وحكم ببطلان الكل، وكذلك قال بعده جماعة منهم الذهبي في الميزان وغيره. والمشهور به رواية أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا، وعبد السلام هذا تكلموا فيه كثيرا، قال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني وابن عدي: متهم زاد الدارقطني: رافضي، وقال أبو حاتم: لم يكن عندي بصدوق، وضرب أبو زرعة على حديثه. ومع ذلك فقد قال الحاكم: حدثنا الأصم، حدثنا عباس - يعني الدوري - قال: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدث عن أبي معاوية حديث أنا مدينة العلم؟ فقال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي - وهو ثقة - عن أبي معاوية، وكذلك روى صالح جزرة أيضا عن ابن معين. ثم ساقه الحاكم من طريق محمد بن يحيى بن الضريس - وهو ثقة حافظ - عن محمد بن جعفر الفيدي عن أبي معاوية. وقال أبو الصلت أحمد بن محمد بن محرز: سألت يحيى ابن معين عن أبي الصلت فقال: ليس ممن يكذب، فقال: له في حديث أبي معاوية، أنا مدينة العلم، فقال: هو من حديث أبي معاوية، أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديما ثم كف عنه، وقال: كان أبو الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويلزم المشايخ. قلت: فقد برئ أبو الصلت عبد السلام من عهدته، وأبو معاوية ثقة مأمون من كبار الشيوخ وحفاظهم المتفق عليهم، وقد تفرد به عن الأعمش فكان ماذا؟ وأي استحالة في أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا في حق علي؟ ولم يأت كل من تكلم في هذا الحديث وجزم بوضعه بجواب عن هذه الروايات الصحيحة عن يحيى بن معين، ومع ذلك فله شاهد.. (1).

(هامش)

(1) قوت المغتذي - كتاب المناقب، مناقب علي. (*)

ص 144

3 - رد ابن حجر العسقلاني على الذهبي وقد بلغت دعوى الذهبي هذه من البطلان حدا حتى رد عليها الحافظ ابن حجر العسقلاني، وتعقبه بكلامه الحق الحقيق بالقبول، ولنورد أولا نص كلام الذهبي في الميزان: قال جعفر بن محمد الفقيه، فيه جهالة، قال مطين: حدثنا جعفر، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس [قال]: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها. [و] هذا موضوع (1) فقال ابن حجر: هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم، أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع (2). 4 - رد ابن حجر المكي عليه ورد ابن حجر المكي - على ما هو عليه من التعصب والتعنت - على القول بوضع الحديث بعد أن نسبه إلى جماعة - منهم الذهبي في ميزانه - وهذا نص كلامه: وهؤلاء وإن كانوا أئمة أجلاء، لكنهم تساهلوا تساهلا كثيرا كما علم مما قررته، وكيف ساغ الحكم بالوضع مع ما تقرر أن رجاله كلهم رجال الصحيح إلا واحد فمختلف فيه؟! ويجب تأويل كلام القائلين بالوضع بأن ذلك لبعض طرقه لا لكلها، وما أحسن قول بعض الحفاظ في أبي معاوية أحد رواته المتكلم فيهم بما لا يسمع: هو ثقة مأمون من كبار المشايخ وحفاظهم، وقد تفرد به عن الأعمش، فكان ماذا؟ وأي استحالة في أنه صلى الله عليه وسلم يقول مثل هذا في حق علي؟..

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 415. (2) لسان الميزان: 2 / 122. (*)

ص 145

هذا كلامه في المنح المكية في شرح الهمزية وقال في فتاواه: وأما حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فهو حديث حسن بل قال الحاكم صحيح، وقول البخاري ليس له وجه صحيح، والترمذي منكر، وابن معين كذب - معترض وإن ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه الذهبي وغيره على ذلك . 5 - إعراض جماعة آخرين وردهم عليه ولقد أعرض جماعة آخرون عن قدح الذهبي وردوا عليه، مثبتين للحديث ومستشهدين بأجوبة العلائي وابن حجر وغيرهما على ذلك ومنهم: 1 - السيوطي في (اللآلي المصنوعة) و(جمع الجوامع) و(قوت المغتذي). 2 - السخاوي في (المقاصد الحسنة). 3 - المتقي في (كنز العمال). 4 - عبد الحق الدهلوي في (اللمعات في شرح المشكاة). 5 - القاري في (المرقاة في شرح المشكاة). 6 - المناوي في (فيض القدير). 7 - محمد صدر العالم في (معارج العلى). 8 - محمد الأمير الصنعاني في (الروضة الندية في شرح التحفة العلوية). 9 - الدمنتي الشاذلي في (نفح قوت المغتذي). وقد تقدمت نصوص عباراتهم سابقا. 6 - من آيات علو الحق. ومن آثار علو الحق وآياته رواية الذهبي هذا الحديث بسنده، عن سويد بن

ص 146

سعيد، عن النبي صلى الله عليه وآله ضمن ما وقع له من عالي حديثه، فقد قال بترجمة سويد من ميزانه ما نصه: قلت: عاش سويد مائة سنة، ومات في سنة أربعين ومائتين، وقع لنا من عالي حديثه: أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي، أنا المبارك بن أبي الجود أنا أحمد بن أبي غالب، أنا عبد العزيز بن علي، أنا أبو طاهر الذهبي، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا سويد بن سعيد، ثنا زياد بن الربيع، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد قال: نظرت في أعمال المرء، فإذا الصلاة تجهد بالبدن ولا تجهد بالمال، وكذلك الصيام، والحج يجهد المال والبدن، فرأيت أن الحجج أفضل من ذلك كله. أخبرنا محمد بن عبد السلام، عن زينب بنت أبي القاسم، أنا عبد المنعم ابن القشيري، أنا أبو سعيد الأديب، ثنا محمد بن بشير، ثنا أبو لبيد السرخسي، ثنا سويد، ثنا علي بن مسهر، عن داود، عن عكرمة عن ابن عباس قال: صاحب الذبح إسحاق، وقوله: (وبشرناه بإسحاق) أي بنبوته. وبه نا علي، عن أشعب، عن ابن سيرين، عن الجارود العبدي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أبايعه فقلت: إني على دين. وإني إن تركت ديني ودخلت في دينك لا يعذبني الله في الآخرة؟ قال: نعم. وبه ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبيد بن أبي الجحد قال: سئل جابر عن قتال علي، فقال: ما يشك في قتاله إلا كافر. وبه ثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت باب المدينة (1). هذا كلام الذهبي في الميزان، وبعد هذا البيان، وغب ذلك التبيان، لا يخلد إلى قدح هذا الحديث إلا من غلب على قلبه العناد وران، واستهام به الغرور

(هامش)

(1) ميزان الاعتدال: 2 / 250 - 251 بتقديم وتأخير في العبارة. (*)

ص 147

واستهواه الشيطان، والله العاصم عما يروث سخط الرحمن ويقود إلى لظى النيران.. (3) رأي شمس الدين الجزري وأما نسبة القدح في حديث مدينة العلم إلى شمس الدين الجزري فكذب فاضح وفرية واضحة. فلقد روى الجزري حديث أنا مدينة العلم في كتابه (أسنى المطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) وبالغ في إثباته وتحقيقه، وهذه عبارته فيه بلفظها: أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال - قراءة عليه - عن علي بن أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا أحمد بن محمد بن محمد - في كتابه من إصبهان - أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسين المقرئ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا عبد الحميد بن بحر، أخبرنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى، حدثنا محمد بن عمر الرومي، حدثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي عن علي وقال: حديث غريب، ورواه بعضهم عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي، قال: ولا نعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس. إنتهى. قلت: ورواه بعضهم عن شريك عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد، ورواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه، ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن

ص 148

عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أيضا من حديث جابر بن عبد الله ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب (1). هذا، وقد قال الجزري في صدر كتابه المذكور: وبعد، فهذه أحاديث مسندة مما تواتر وصح وحسن من أسنى مناقب الأسد [أسد الله] الغالب، مفرق الكتائب ومظهر العجائب، ليث بني غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب - كرم الله تعالى وجهه ورضي عنه وأرضاه - أردفتها بمسلسلات من حديثه وبمتصلات من روايته وتحديثه، وبأعلى إسناد صحيح إليه، من القرآن والصحبة والخرقة التي اعتمد فيها أهل الولاية عليه، نسأل الله تعالى أن يثيبنا على ذلك ويقربنا لديه . وقال بعد إيراد أحاديث المناقب التي أشار إليها قلت: فهذا نزر من بحر، وقل من كثر، بالنسبة إلى مناقبه الجليلة ومحاسنه الجميلة، ولو ذهبنا لاستقصاء ذلك بحقه لطال الكلام بالنسبة إلى هذا المقام، ولكن نرجو من الله تعالى أن ييسر إفراد ذلك بكتاب نستوعب فيه ما بلغنا من ذلك، والله الموفق للصواب . فظهر أن الجزري قد روى حديث مدينة العلم في هذا الكتاب، الذي ألفه لما تواتر وصح وحسن من أسنى مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الجليلة ومحاسنه الجميلة، وهو يرجو الله تعالى أن يثيبه على ذلك ويقربه لديه... فواعجباه! كيف يستجيز (الدهلوي) نسبة القدح إليه مع كل هذا؟ ويرتكب هذا الإفك المبين؟ ولكن ليس هذا منه ببديع وطريف، فقد عرف قدما بالتهالك على الافتراء والتحريف، والله المجازي كل من يعتدي لزيغه على الحق ويحيف.

(هامش)

(1) أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 69. (*)

ص 149

هذا، والجدير بالذكر: إن القاضي باني بتي نسب القدح كذلك إلى الجزري، غير أنه أبطله بكلام ابن حجر، وأضاف أنه بالنظر إلى كثرة شواهد هذا الحديث يمكن الحكم بصحته..

ص 150

قوله: فالتمسك بهذه الأحاديث الموضوعة - التي أخرجها أهل السنة عن دائرة ما يجوز التمسك والاحتجاج به - في مقام إلزامهم بها، دليل واضح على مزيد فهم علماء الشيعة! . أقول: لقد علم - مما تقدم في الكتاب من كلمات كبار الأئمة والحفاظ، ومشاهير العلماء والمحققين - أن حديث مدينة العلم من الأحاديث الصحيحة والأخبار المعتبرة المحتج بها.. وأن ذلك كله يشهد بصحة استدلال أهل الحق به لإثبات خلافة أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل، وكذا إلزامهم من خالف ذلك بهذا الحديث الشريف.. فقد عني بروايته وإخراجه وإثباته جم غفير من الحفاظ المسندين، ونص على صحته طائفة منهم، وعلى حسنه آخرون، وصرح بعضهم ببلوغه درجة

ص 151

الحسن المحتج به.. استدلال علماء أهل السنة بحديث مدينة العلم بل احتج بحديث مدينة العلم جماعة من مشاهير علمائهم، واستدلوا به في مختلف بحوثهم، وهذا من أقوى الشواهد على أنه من الأحاديث المحتج بها.. فمنهم: العاصمي، حيث قال في ذكر الشبه بين أمير المؤمنين وداود عليهما السلام فكذلك المرتضى رضوان الله عليه أوتي من فصل الخطاب، كما ذكرناه في معنى قوله عليه السلام: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وفي فصل قضائه (1). ومنهم: الخوارزمي، حيث استدل بحديث مدينة العلم على غزارة علم أمير المؤمنين عليه السلام (2). ومنهم أبو الحجاج البلوي، استدل به على علو مكانه عليه السلام في العلم (3). ومنهم: ابن عربي إذ قال في كتاب (الدرر المكنون والجوهر والمصون) - على ما نقل عنه القندوزي البلخي -: والإمام علي رضي الله عنه ورث علم الحروف من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فعليه بالباب (4) ومنهم: ابن طلحة الشافعي حيث استشهد به في الفصل الرابع، في كلام له حول وصف أمير المؤمنين عليه السلام ب‍ الأنزع البطين ، وقد تقدم نصه.. (5).

(هامش)

(1) زين الفتى - مخطوط. (2) مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: 40. (3) الألف باء 1 / 132. (4) ينابيع المودة: 414. (5) مطالب السئول: 32. (*)

ص 152

ومنهم: الكنجي الحافظ، استدل به على أولوية الإمام عليه السلام في قتال أهل البغي... (1). ومنهم: محب الدين الطبري، استشهد به ذخائر العقبى على أنه عليه السلام باب مدينة العلم، واستدل به على اختصاصه بهذه الفضيلة في الرياض النضرة (2). ومنهم: سعيد الدين الفرغاني، ذكره في شرح التائية في بيان حصة أمير المؤمنين من العلم.. ومنهم: السيد علي الهمداني، احتج به في مشارب الأذواق وقد تقدم كلامه. ومنهم: إمام الدين الهجروي، استدل بهذا الحديث على كون باب مدينة العلم من أسمائه عليه السلام في كتابه أسماء النبي وخلفائه الأربعة. ومنهم: الخوافي، أورده تأييدا لما ذكره من اختصاصه عليه السلام بمزيد العلم والحكمة. ومنهم: الدولت آبادي، احتج به في كتابه هداية السعداء. ومنهم: شهاب الدين أحمد، استدل به في الفصل الخامس عشر من كتابه توضيح الدلائل على أنه عليه السلام باب مدينة العلم . ومنهم: ابن الصباغ المالكي، تمسك به في بيان تفجر بحار العلوم من صدره عليه السلام (3). ومنهم: البسطامي في درة المعارف حيث استدل به على أنه عليه السلام ورث علم الحروف من النبي صلى الله عليه وآله.

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 168. (2) ذخائر العقبى: 77، الرياض النضرة: 2 / 255. (3) الفصول المهمة: 19. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الحادي عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

012345678