نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 153

فكلم الله موسى قائلا: مر الجماعة وقل لهم: ارتفقوا من حوالي مسكن قورح وداثان وابيرام. فقام موسى ومضى إلى داثان وابيرام، ومضى معه شيوخ بني إسرائيل، فكلم الجماعة وقال لهم: اجتنبوا أخبية هؤلاء أقوم الظالمين، ولا تدقوا بشيء مما هو لهم، كيلا تتساقوا بجميع خطاياهم، فارتفعوا عن حوالي مسكن قورح وداثان وابيرام، وهما خرجا أيضا وانتصبا على أبواب خيمهما ونساؤهما وبنوهما وأطفالهما. فقال موسى: بهذه تعلمون أن الله بعث بي لأعمل جميع هذه الأعمال، وليس ذلك من تلقاء نفسي، إن مات هؤلاء كموت كل الناس، وطولبوا كمطالبتهم، فليس الله بعث بي، وإن خلق الله خلقا بأن تفتح الأرض فاها فتبلعهم وجميع مالهم، فينزلون أحياء إلى الثرى، علمتم أن هؤلاء قد عصوا الله. فكان عند فراغه من قول هذا الكلام أن انشقت الأرض التي تحتهم، وفتحت فاها فابتلعتهم وبيوتهم، وكل إنسان لقودح وجميع السرح، فنزلوا هم وجميع ما لهم أحياء إلى الثرى وتعطعت عليهم الأرض وبادوا من جميع الجوق وجميع بني إسرائيل الذين حواليهم هربوا من شدة صوتهم، قالوا: كيلا تبتلعنا الأرض، ونار أخرجت من عند الله وأحرقت المائتين وخمسين رجلا مقربي البخور. وكلم الله موسى قائلا: مر العازار بن هارون الإمام بأن يرفع المجامر من بين يدي المحرقين ويذر النار هناك، لأنها قد تقدست، وأما مجامر أولئك المخطئين على نفوسهم فيصنعونها صفائح رقاقا غشاء للمذبح، فإنهم لما قدموها بين يدي الله قد تقدست وتصير علامة لبني إسرائيل. وأخذ العازار الإمام مجامر النحاس التي قدمها المحرقون فارقوها صفائح للمذبح ذكرا لبني إسرائيل، كي لا يتقدم رجل أجنبي ممن ليس هو من

ص 154

نسل هارون، ليبخر بخورا بين يدي الله ولا يكون كقورح وكجموعه كما نزل الله على يد موسى فيه . وفي الفصل الثلاثون من السفر الثاني: والمائدة وجميع آنيتها والمنارة وآنيتها ومذبح البخور ومذبح الصعيدة وجميع آنيته والحوض ومقعده وقدس جميعها تكن من خواص الأقداس، كل من دنا بها تقدس وتمسح هارون وبنيه وقدسهم، ليؤموا لي، ومر بني إسرائيل قائلا: يكون هذا دهن مسح القدس لي لأجيالكم لا يدهن به بدن إنسان، ولا تصنعوا مثله على هيئته، وكما هو قدس كذاك فليكن قدسا لكم، أي إنسان تعطر بمثله أو جعل منه على أجنبي ينقطع من قومه . وفي السفر الثاني: الفصل الخامس والثلاثون... وثياب القدس لهارون الإمام وثياب بنيه للإمامة . وفي السفر الثاني: الفصل التاسع والثلاثون... صنعوا ثياب القدس التي لهان كما أمر الله موسى به... الفصل الأربعون: ثم كلم الله موسى قائلا... وقدم هارون وبنيه إلى باب خباء المحضر، فاغسلهم بالماء، وألبس لهارون ثياب القدس وامسحه وقدسه، ليؤم لي، وقدم بنيه وألبسهم تونيات وأمسحهم كما مسحت أباهم، ليؤموا لي، ويكون مسحهم لهم إمامة الدهر لأجيالهم. وعمل موسى بجميع ما أمره الله به... . وفي السفر الثالث: الفصل الأول: ودعا الله موسى فخاطبه من خباء المحضر قائلا: خاطب

ص 155

بني إسرائيل قائلا: أي إنسان منكم قرب قربانا من البهائم فليقربه... وليقدم بنو هارون الأئمة الدم، ويرشح الإمام عند المذبح الذي عند باب خباء المحضر مستديرا، ويسلخ الصعيدة وبعضعها أعضاء، ويشعل بنو هارون الإمام نارا على المذبح، وينضدوا عليها حطبا وينضدوا بنو هارون الإمام الأعضاء والرأس والقصبة على الحطب الذي على النار... . وفي السفر الرابع: الفصل الرابع: ثم كلم الله موسى وهارون قائلا: ارفعوا جملة بني قهاث من بني ليوي بعشائرهم وبيوت آبائهم... . أقول: فقد جاء في هذه النصوص وغيرها أن الله كلم موسى عن هارون ووصف هارون وبنيه بالإمامة، وأمرهم بالقيام بشئون الإمامة ووظائفها... وهذه الإمامة لم تكن موقتة بوقت بل كانت دائمة غير منقطعة أبدا. ولما كان أمير المؤمنين - عليه السلام - نازلا منزلة هارون عليه السلام، فإن رتبة الإمامة ثابتة له في حياة الرسول وبعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - وكذا الحسنان من بعده، وأن على الأمة مراجعتهم في جميع الأمور والانصياع لأوامرهم، وأن تقدم الأجنبي عليهم في أمر الإمامة حرام. احتجاج الدهلوي بالعهدين فإن قيل: إن الاستدلال بعبارة التوراة لإثبات إمامة الأمير عليه السلام ليس في محله، لوجود التحريف والتبديل في التوراة، وسقوطها عن درجة الاعتبار لدى العلماء الكبار.

ص 156

قلنا: أولا: إن (الدهلوي) احتج بالتوراة في العقيدة التاسعة، من باب النبوة، من كتابه (التحفة)، وكذا بالإنجيل والزبور (1) لإثبات أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مبعوث إلى الخلق كافة... فكما أن عبارات هذه الكتب في إثبات مطلبه حجة، كذلك هي حجة في إثبات مطلبنا. مؤيدات الإمامية في التوراة كما نقل السنة وثانيا: إن السبب الوحيد لعدم قبول القوم تلك العبارات الدالة على الإمامة، هو كونها مؤيدة مذهب الإمامية، وإلا ففي التوراة وغيرها من الكتب السابقة عبارات أخرى تؤيد مذهب الإمامية، نقلها الأعلام أهل السنة ووافقوا عليها واستشهدوا بها... فكما تلك مقبولة عندهم فكذا ما ذكرنا من العبارات... ومن العبارات المؤيدة لمذهب الإمامية الموجودة في التوراة كما نقل أعلام السنة: ما ذكره الرازي (في تفسيره) - في تعداد البشارات بنبوة نبينا الأكرم: الخامس - روى السمان في تفسيره، عن السفر الأول من التوراة: إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه وقال: قد أجبت دعاءك في إسماعيل وباركت عليه فكبرته وعظمته جدا جدا، واجعله لأمة عظيمة، وسيلد اثني عشر عظيما. والاستدلال به: إنه لم يكن في ولد إسماعيل من كان لأمة عظيمة غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وقال شهاب الدين القرافي المالكي (2): الباب الرابع - فيما يدل من كتب

(هامش)

(1) التحفة الاثنا عشرية: 169. (2) شهاب الدين أحمد بن إدريس، المتوفى سنة 684. (*)

ص 157

القوم على صحة ديننا ونبوة نبينا عليه السلام، وأنهم لمخالفته كافرون، ولمعاندة الله تعالى مبعدون عن رحمته، معارضة لاستدلالاتهم بكتابنا على صحة دينهم... وأنا أذكر من البشائر الدالة على صحة ديننا خمسين بشارة: البشارة الأولى - في السفر الأول من التوراة، في الفصل العاشر: قال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: في هذا العام يولد لك ولد اسمه إسحاق، فقال إبراهيم: لست إسماعيل، هذا يحيى بين يديك يمجدك. فقال الله تعالى: قد استجيب لك في إسماعيل، إني أباركه وأعظمه جدا جدا بما قد استجبت فيه، وأصيره لأمة كثيرة، أعطيه شعبا جليلا، وسيلد اثني عشر عظيما... (1). وقال رحمة الله الهندي: البشارة الرابعة في الآية العشرين، من الباب السابع عشر، سفر التكوين: وعد الله في حق إسماعيل عليه السلام من إبراهيم عليه السلام في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا: وعلى إسماعيل استجبت لك هو ذا أباركه وأكبره وأكثره جدا، فسيلد اثني عشر رئيسا، وأجعله لشعب كثير... (2). البشارة بالأئمة الاثنى عشر كما نقل السنة واعترفوا ولا يخفى، أن ما جاء في نقلهم عن التوراة من أنه سيلد إسماعيل اثني عشر عظيما، إنما هو بشارة بالأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي والعترة الطاهرة... وهذا وإن لم يعترف ويصرح به كلهم، فقد جاء في اعتراف بعض منهم: فقد قال العلامة جواد بن إبراهيم ساباط الحنفي: وترجمته بالعربية: وأما إسماعيل فإني قد سمعت دعاءك له، وها أنا ذا قد باركت فيه وجعلته

(هامش)

(1) الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة - الباب الرابع. (2) إظهار الحق: 213. (*)

ص 158

مثمرا، وسأكثره تكثيرا، وسيلد اثني عشر ملكا، وسأصيرهم أمة عظيمة. أقول: ذهب اليهود والنصارى إلى أن المراد بالملاك الاثني عشر أولاد إسماعيل الاثنا عشر، وهو باطل، لأنهم لم يتملكوا، ولم يدعوا الملكية. والحق: إنه في شأن الأئمة الاثني عشر، التي تعتقد الشيعة عصمتها، وسيأتي بيان ذلك في ذكر المهدي، عجل الله بظهوره (1). ومما جاء في الكتب السابقة مؤيدا لمذهب الإمامية: ما ذكره الشيخ جواد ساباط في كتابه تحت عنوان فيما يخص بمحمد وأولاده على الإجمال وما يخص مكة شرفها الله . فإنه أورد عبارة من سفر رؤيا يوحنا وترجمها إلى العربية فقال: أقول: هذه سبعة براهين متواترة مترادفة، في الإصحاح - 2 و3 - من رؤيا يوحنا بن زيدي، تدل دلالة صريحة على بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى نبوته العامة، وقبلته الجديدة، وعلو درجته، تغافل النصارى عنها، وأولوها تأويلات ركيكة لا تستقيم على شيء منها حجة، ولا يثبت برهان . ثم ذكر رؤيا يوحنا... ثم قال: فاعلم: أن هذه الرؤيا على ما يعتقده النصارى رؤيا رآها يوحنا عليه السلام، تشتمل على الأخبار التي حدثت في العالم، من ارتفاع المسيح عليه السلام إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن وفاته إلى ظهور المهدي رضي الله عنه، ومن وفاته إلى قيام الساعة. ولا شك في أنها تدل على جميع ذلك، وأنها كلام الله تعالى، لكني لست بمطمئن الخاطر من تحريفها، ومع ذلك لا شك أن أماكن الاستدلال فيها قائمة على دعائمها الأصلية، فمن جملة ذلك... الموتة الثانية.

(هامش)

(1) البراهين الساباطية فيما تستقيم به الملة المحمدية. (*)

ص 159

وهي عند النصارى عبارة عن موت الإنسان في الذنب، أي انهماكه فيه لا غير. وأما البعث فإنهم يعترفون بقيام جميع الناس عند ظهور المسيح، وبخلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، ولم يتعرضوا للبحث في هذا المقام. وعند اليهود عبارة عن الموتة التي لا تكون بعدها موتة... وفيه ما فيه... وعند المسلمين، أما أهل السنة والجماعة، فالظاهر أنهم لا يعترفون بموتة ثانية، ولم يذكروا إلا الموتة الأولى والحياة الثانية، وبعدها يساق الذين آمنوا إلى الجنة والذين كفروا إلى النار، وقالوا: إن الاستثناء في مثل *(لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى)* منقطع. وأما الإمامية فيقولون: إنه إذا ظهر المهدي - رضي الله عنه - ونزل عيسى عليه السلام، يرجع حينئذ محمد صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسنان - رضي الله عنهم -، ويرجع معهم الأبرار والفجار، وتستقل لهم المملكة. واستدلوا بآيات كثيرة منها قوله تعالى: *(إنا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)* وقالوا: إن علي بن إبراهيم وسهل بن عبد الله، قد رويا عن الصادق رضي الله عنه: إن يوم يقوم الأشهاد يوم رجعة محمد صلى الله عليه وسلم. وبقوله تعالى: *(ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)* وفيه بحث (1). فالموتة الثانية التي ذكرها يوحنا لا تنطبق إلا على مذهب الإمامية وأما قوله: وفيه بحث فكلام مجمل، فإن أراد الإشكال في مذهب الإمامية، ففي كلماته الآتية الخالية من هذا التشكيك كفاية... وذكر جواد ساباط في بيان الأمور المستفادة من رؤيا يوحنا: ومنها - الحصاة البيضاء، وهي يدفعها عيسى أو روح القدس عليها السلام إلى المظفر، وهو الذي يكون بعده، ولا يفهم ما كتب عليها إلا من

(هامش)

(1) البراهين الساباطية. البرهان الأول من المقالة الثالثة من التبصرة الثالثة. (*)

ص 160

يأخذها، ولا شيء يشابه ذلك في مذاهب أهل السنة والجماعة. وذهب الإمامية إلى أن جبرئيل عليه السلام قد أعطى ذلك محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو دفعه إلى علي - رضي الله عنه -، وهلم جرا إلى الحسن بن علي رضي الله عنه - وهو دفعها إلى المهدي . وقال في (البراهين الساباطية): قوله: المظفر لا تضره الموتة الثانية، يريد به محمدا صلى الله عليه وسلم، والموتة الثانية مر ذكرها في مقدمة البحث . وقال في (البراهين الساباطية): قوله: واكتب إلى ملك كنيسة بيرغاموس، وهي بلد في عرض 39 درجة و20 دقيقة من الشمال، وطول 40 درجة من الطول الجديد. قوله: هذا ما يقول ذو السيف الحاد إني قد عرفت الخ. إشارة إلى حسن اعتقادهم وعدم انحرافهم عن دينه في أوان الشبهات، إلا أن بعضهم كانوا يستعملون الرياضات والطلاسم، مثل بلعام باعور، فمنع عن ذلك وجرحهم به، وبعضهم ببدع النيقود يمسيين، وهي إضافة إلى نيقوديمس وهو شماس دهري، فمنعهم عليه السلام عن اتباع شبهاته، ونيقوديمس هذا ليس بنيقوديمس الذي ذكر في 3 - 1 - من يوحنا، فإن ذلك كان من مقدسي النصارى رحمه الله. ثم قال: إن تركت هذين الأمرين، وسلكت في سبيل الرشاد الذي أمرتك بسلوكه، وإلا جئت وحاربتك بسيف فمي. قال بعض النصارى: إنه يريد بسيف فمه سيف الله أبيه، فعلى هذا التقرير يكون المراد به عليا - رضي الله عنه - لأنه هو سيف الله الذي قاتل مشركي اليهود والنصارى . وقال في (البراهين الساباطية): قوله: إني سأطعم المظفر من المن المكتوم. يريد به محمدا صلى الله

ص 161

عليه وسلم. والمن المكتوم هو علم النبوة، والمن هو ما كان ينزل من الطل على الأشجار لبني إسرائيل في برية فار. وأعطيه حصاة بيضاء، اختلف النصارى في تأويلها... والحق ما ذهب إليه الإمامية في مقدمة هذا البحث . وقال في (البراهين الساباطية): وقال بعض أهل التحقيق: هذه حصاة نزل بها آدم عليه السلام، وأعطاها عند وفاته شيثا - عليه السلام -، ولم تزل تنتقل من يد إلى يد، حتى أتت إلى عيسى - عليه السلام -، ومنه إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن محمدا إما أن يكون قد دفعها إلى علي - رضي الله عنه - أو سيدفعها إلى المهدي، لا سبيل إلى الثاني، لأن علمائنا لم يعترفوا بالرجعة، وإنما هي من خصائص مذهب الإمامية، فيكون قد فوضها إلى علي - رضي الله عنه - وهذا مما يؤيد مذهبهم . وقال في (البراهين الساباطية): قوله: واكتب إلى ملك كنيسة لاذقية... وسأجلس المظفر معي على كرسي، تأكيد لرجعة محمد صلى الله عليه وسلم زمان ظهور المهدي - رضي الله عنه - وتأييد لما يزعمه الإمامية... . وقال في (البراهين الساباطية) بعد نقل عبارة من الفصل الحادي عشر من سفر أشعيا: وترجمته بالعربية: وستخرج من قبل الآسى عصى، وينبت من عروقه غصن، وستستقر عليه روح الرب، أعني روح الحكمة والمعرفة، وروح الشورى والعدل وروح العلم وخشية الله، ونجعله ذا فكرة وقادة، مستقيما في خشية الرب، فلا يقضي بمحاباة الوجوه، ولا يدين بمجرد السمع.

ص 162

أقول: أول اليهود هذا في شأن مسيحهم، والنصارى في حق إلههم، فقال اليهود: إن آسى اسم أبي داود، والمسيح لا يكون إلا من أولاد داود، فيكون هو المنصوص عليه، وقد ذكرت منع صغرى هذا القياس فيما قبل فتذكره. وقال النصارى: إن المراد به عيسى بن مريم - عليه السلام -، لأنه هو المسيح الذي يجب أن يكون من أولاد داود. وأجيب: بأن صفاته أعم من صفات النبي، ولا قرينة لقيام الخاص مقام العام. فيكون المنصوص عليه هو المهدي - رضي الله عنه - بعينه، لصريح قوله: ولا يدين بمجرد السمع، لأن المسلمين أجمعوا على أنه - رضي الله عنه - لا يحكم بمجرد السمع والظاهر، بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد من الأنبياء والأوصياء، أفلا ترى قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله حقن ماله ودمه. إذا علمت ذلك فاعلم: أن لفظة أسى في العبراني مرادفة للوجود، فيكون من قبيل استعمال العلة في مقام المعلول، إذ لا يمكن أن يكون للوجود الحقيقي أصل، فيكون المراد محمدا، لقوله: لولاك لما خلقت الأفلاك. وقد اختلف المسلمون في المهدي، فقال أصحابنا من أهل السنة والجماعة: إنه رجل من أولاد فاطمة، يكون اسمه محمدا واسم أبيه عبد الله، واسم أمه آمنة. وقال الإماميون: بل إنه م ح م د بن الحسن العسكري - رضي الله عنه - وكان قد تولد سنة 255 من فتاة للحسن العسكري، اسمها نرجس، في سر من رأى، زمن المعتمد، ثم غاب سنة، ثم ظهر ثم غاب، وهي الغيبة الكبرى، ولا يؤوب بعدها إلا إذا شاء الله تعالى. ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص، وكان غرضي الذب عن ملة

ص 163

محمد - صلى الله عليه وسلم - مع قطع النظر عن التعصب في المذهب - ذكرت لك مطابقة ما يدعيه الإماميون مع هذا النص.. وقال في (البراهين الساباطية) في البرهان الخامس، من المقالة الثالثة، بعد عبارة عن سفر رؤيا يوحنا: وترجمته بالعربية: فأخذتني الروح إلى جبل عظيم شامخ، وأريتني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة، نازلة من السماء من عند الله، وفيها مجد الله، وضوءها كالحجر الكريم كحجر اليشم والبلور، وكان لها سور عظيم عال، واثنا عشر بابا، وعلى الأبواب اثنا عشر ملكا، وكان قد كتب عليها أسماء أسباط بني إسرائيل الاثني عشر. أقول: لا تأويل لهذا النص بحيث أن يدل على غير مكة شرفها الله تعالى، والمراد بمجد الله بعثته محمدا صلى الله عليه وسلم فيها، والضوء عبارة عن الحجر الأسود، وتشبيهه باليشم والبلور إشارة إلى صحيح الروايات التي وردت في أنه لما نزل كان أبيض، والمراد بالسور هو رب الجنود صلى الله عليه وسلم. والأبواب الاثنا عشر أولاده الأحد عشر وابن عمه علي، وهم: علي والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والقائم المهدي م ح م د - رضي الله عنهم -... . وقال في (البراهين الساباطية) بعد عبارة عن سفر الرؤيا: وترجمته بالعربية: والأبواب الاثنا عشر اثنا عشر لؤلؤة، كل واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة، وساحة المدينة من الذهب الإبريز كالزجاج الشفاف. أقول: هذا بيان لما قبله وصفة للأبواب، وكون كل باب من لؤلؤة واحدة، فيه إشارة إلى ما يدعيه الإماميون من عصمة أئمتهم، لأن اللؤلؤة كروية،

ص 164

ولا شك أن الشكل الكروي لا يمكن انثلابه، لأنه لا يباشر الأجسام إلا على ملتقى نقطة واحدة... قوله: وساحة المدينة من الذهب الإبريز كالزجاج الشفاف، يريد بذلك أهل ملته صلى الله عليه وسلم، لأنهم لا ينحرفون عن اعتقادهم، ولا ينصرفون عن مذهبهم في حالة العسرة. وأما الذين أغواهم قسوس الإنكتاريين فمن الجهال الذين لا معرفة لهم بأصول دينهم، وهذا هو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها . وثالثا: إن إمامة هارون وأولاده من قبيل الفضائل والمناقب، والاستدلال بمناقب الأنبياء حسب نقل أهل الكتاب مثل الاستدلال بفضائل أهل البيت حسب نقل النواصب، ولا ريب في أنه لا وجه لأن يقدح في الفضائل والمناقب التي يرويها النواصب لأهل البيت، بدعوى عدم جواز الاعتماد على نقلهم وروايتهم في سائر الأمور. بعض أئمة أهل السنة على أن التحريف في الكتب السابقة معنوي لا لفظي ورابعا: إن مذهب أساطين أهل السنة وأئمتهم: أن التحريف الواقع في الكتب السابقة تحريف معنوي وليس بلفظي... ومن غرائب الأمور أن هذا هو مذهب البخاري ومختاره، فيكون احتجاج الإمامية بعبارات التوراة من باب الإلزام قويا جدا وتاما بلا إشكال: قال البخاري: باب قول الله: *(بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ)* *(والطور * وكتاب مسطور)* قال قتادة: مكتوب يسطرون يخطون في أم الكتاب جملة الكتاب، وأصله ما يلفظ ما يتكلم من شيء إلا كتب عليه. وقال

ص 165

ابن عباس: يكتب الخير والشر. يحرفون يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يحرفون يتأولونه على غير تأويله (1). قال ابن حجر بشرحه: قوله: وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى، ولكنهم يحرفونه يتأولونه من غير تأويله. في رواية الكشميهني: على غير تأويله. قال شيخنا ابن الملقن في شرحه: هذا الذي قاله أحد القولين في تفسير هذه الآية، وهو مختاره أي البخاري، وقد صرح كثير من أصحابنا بأن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل، وفرعوا على ذلك جواز امتهان أوراقهما، وهو يخالف ما قاله البخاري هنا. إنتهى. وهو كالصريح في أن قوله: وليس أحد إلى آخره، من كلام البخاري، ذيل به تفسير ابن عباس، وهو يحتمل أن يكون بقية كلام ابن عباس في تفسير الآية (2). وقال العيني: ثم شرعوا في تحريفها وتبديلها كما قال الله تعالى: *(وإن منهم لفريقا يلوون)* الآية، فقد أخبر الله تعالى أنه يغيرونها، ويأولونها، ويضعونها على غير مواضعها، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء. وأما تبديل ألفاظها فقال قائلون: إنها جميعا بدلت، وقال الآخرون: لم تبدل، واحتجوا بقوله تعالى: *(وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله)* ولكن هذا مشكل على ما يقوله كثير من المتكلمين وغيرهم: إن التوراة انقطع تواترها في زمان بخت نصر، ولم يبق من يحفظها إلا العزير عليه السلام، ثم العزير كان نبيا فهو معصوم، والرواية إلى المعصوم تكفي، اللهم إلا أن يقال: لم تتواتر إليه، لكن بعده زكريا ويحيى وعيسى - عليهم السلام - كلهم كانوا

(هامش)

(1) صحيح البخاري 9 / 195. (2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13 / 102. (*)

ص 166

متمسكين بالتوراة، فلو لم تكن صحيحة معمولة لما اعتمدوا عليها وهم أنبياء معصومون. والقول بأن التبديل وقع في معانيها لا في ألفاظها، حكاه البخاري عن ابن عباس في آخر كتابه الصحيح، وحكاه فخر الدين الرازي عن أكثر المفسرين والمتكلمين (1). وقال الرازي بتفسير: *(إن الذين يكتمون)*: المسألة الثالثة: إختلفوا في كيفية الكتمان، فالمروي عن ابن عباس أنهم كانوا يحرفون ظاهر التوراة والإنجيل، وعند المتكلمين هذا ممتنع، لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما، بل كانوا يكتمون التأويل (2). وقال بتفسير: *(من الذين هادوا يحرفون الكلم)*: فإن قيل: كيف يمكن هذا في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب؟ قلنا: لعله يقال: القوم كانوا قليلين، والعلماء بالكتاب كانوا في غاية القلة، فقدروا على هذا التحريف. والثاني: إن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من معناه الحق إلى الباطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذهبهم. وهذا هو الأصح (3). وقال السيوطي: أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن وهب بن منبه قال: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله، لم يغير منهما حرف، ولكنهم يضلون

(هامش)

(1) عقد الجمان - فصل في تحريف أهل الكتاب. (2) تفسير الرازي 5 / 28. (3) تفسير الرازي 10 / 117 - 118. (*)

ص 167

بالتحريف والتأويل، والكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ويقولون هو من عند الله، فأما كتب الله فإنها محفوظة لا تحول (1). وقال المقبلي - في (الأبحاث المسددة) -: قوله: *(وإنا له لحافظون)* في الكشاف: إنه رد لاستهزائهم بقوله: *(يا أيها الذي نزل عليه الذكر)* أي نزل به جبرئيل عليه السلام محفوظا عن الشياطين، حتى بلغ إليك. ثم إن صاحب الكشاف أدخل في الحفظ حفظه عن التحريف. وقال صاحب الانتصاف: يحتمل أن المراد حفظه من الاختلاف، كقوله تعالى: *(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)*. واعلم أن هذا مطلق يصدق على كل وجه، وعلى أقل ما يحصل به معنى الحافظ، فالعدول إلى تعيين التعميم أو التخصيص بلا دليل، تحكم. ثم قد فرعوا على صيانته من التحريف اختصاصه، وأنه قد دخل ذلك في سائر كتب الله تعالى، وليس لهم على ذلك دليل قطعي، بل ولا ظني، والصيانة من التحريف تحصل بتوفر الدواعي على نقله، وسائر كتب الله تعالى مساوية له في ذلك، بل هي أولى، لوجود الأشياء المتكاثرة في كل عصر، بخلافها اليوم. هذا إن أريد الجملة وعمدة التفاصيل. وإن أريد أدق دقيق، كرفعه وخفضه ونصبه وزيادة حرف مد مثلا ونقصه، فلا تتم الحراسة عن ذلك، وكيف، وهذه القراءات قد كثرت كثرة كثيرة، لا سيما على من يقبل ما يسمونه الشاذ، ولا نسلم أن العادة تقضي بحفظه عن ذلك. وأما دعواهم على سائر كتب الله تعالى أنها محرفة عموما، اجترأ عليها كثير من مفرعة الشافعية، بأنه لا يجوز الاستنجاء بالتوراة والإنجيل، أو كثيرا كما يزعم كثير، فلا دليل لهم عليه.

(هامش)

(1) الدر المنثور 2 / 249. (*)

ص 168

وكلما ورد في تحريف أهل الكتاب، فهو إما عائد إلى المعنى كما هو واقع في القرآن، يحرفه الآن كل مبتدع على هواه، وإما أن يكتبوا كتابا ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله. وسواء أفردوها أو أدخلها أحدهم في الأسفار تلبيسا بلا شيوع، لأن شيوع ذلك محال، لما ذكرنا من توفر الدواعي على الحفظ. وعلى كل تقدير، فأصل كتب الله تعالى معروفة محفوظة، كما صرح به خبر ابن عباس وغيره... . وقال محمد بن إسماعيل الأمير - في ذيله - تبعا للمقبلي -: الذي يظهر لنا أن تحريف نسخ التوراة والإنجيل بتبديل ألفاظها ونقوش كتابتها بعيد جدا، كما قررناه وقرره المؤلف... بل التوراة والإنجيل - أي نسخها - سالمة عن التغيير لألفاظها، كيف؟ وقد أمر الله بالحكم بما فيهما... . تصريحات أئمتهم بإمامة هارون وأولاده وخامسا: إنه قد صرح كبار أئمة أهل السنة ومحققيهم بإمامة هارون وأولاده ووصايتهم... وممن صرح بذلك ونص عليه بالإضافة إلى من تقدم منهم: البغوي: ... فلما قطع موسى لبني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون وهي رياسة المذبح، فكان بنو إسرائيل يأتون بهديهم إلى هارون فيضعه على المذبح، فتنزل نار من السماء فتأكله. فوجد قارون من ذلك في نفسه، وأتى موسى وقال: يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة، ولست في شيء من ذلك وأنا أقرأ التوراة؟ لا صبر لي على هذا.

ص 169

فقال له موسى: ما أنا جعلتها في هارون بل الله جعلها له. فقال قارون: والله لا أصدقك حتى تريني بيانه. فجمع موسى رؤوس بني إسرائيل فقال: هاتوا عصيكم، فحزمها وألقاها في قبة الله التي كان يعبد الله فيها، فجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا، فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر، وكانت من شجر اللوز. فقال موسى: يا قارون، ألا ترى ما صنع لهارون؟ فقال: والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر. واعتزل قارون موسى بأتباعه . ذكر ذلك بتفسير قوله تعالى: *(إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم)*(1). وكذا ذكر بتفسير الآية كل من الزمخشري في (الكشاف) وأبي السعود في (إرشاد العقل السليم)، والخطيب الشربيني في (السراج المنير). وكذا ذكره كل من الثعلبي والعيني في قصص موسى عليه السلام من كتابيهما (العرائس) و(عقد الجمان). وفي تاريخ أبي الفدا وابن الوردي: وبعد يوشع قام بتدبيرهم فينحاس ابن العيزار بن هارون بن عمران، وكالب بن يوفنا. وكان فينحاس هو الإمام، وكان كالب يحكم بينهم (2). وفيهما أيضا ولاية عالي الكاهن، وكان رجلا صالحا من أحفاد هارون. والكاهن معناه الإمام (3).

(هامش)

(1) تفسير البغوي 4 / 359، والآية في سورة القصص 28 / 76. (2) المختصر في أخبار البشر، تتمة المختصر في أخبار البشر. ذكر يوشع 1 / 21. (3) المختصر في أخبار البشر 1 / 23. (*)

ص 170

والخلاصة: لقد ثبت إمامة هارون وأولاده... وإذا ثبتت، ثبتت إمامة الأمير والحسنين عليهم السلام... لأدلة عموم المنزلة... ولا أقل من حمل الحديث على المنازل المشهورة، ومن أبرزها الإمامة بلا كلام... وإلا لزم حمل الحديث على التشبيه الناقص، وهو خلاف الدين كما ذكر (الدهلوي)... لكن لا بد من حمل الحديث على عموم المنزلة، كما ستعرف في الدليل الثالث...

ص 171

*(3)* حديث المنزلة

 من الأحاديث القدسية

 وقد نزل على النبي عند ولادة الحسنين إن حديث المنزلة من الأحاديث القدسية، نزل به جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عند ولادة الإمام الحسن عليه السلام، وعند ولادة الإمام الحسين عليه السلام... وقد روى خبر ذلك جماعة من أكابر أهل السنة... ومنهم: 1 - عبد الملك بن محمد الواعظ الخركوشي 2 - أحمد بن عبد الله المحب الطبري 3 - شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي 4 - الحسين بن محمد الديار بكري رواية الخركوشي في شرف النبوة قال ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي الهندي: الجلوة السادسة عشر - في عزة أولاد فاطمة - عليها السلام - بأسمائهم من الله تعالى: وفي شرف النبوة: روى جابر بن عبد الله: لما ولدت فاطمة الحسن قالت لعلي: سمه. قال: مالي أن أسبق باسمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص 172

ثم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ما قاله علي رضي الله عنه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مالي أن أسبق من الله عز وجل. فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل عليه السلام: إنه ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه وهنئه وقل له: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل، وهنأ عن الله الله تعالى ثم قال: إن الله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه؟ قال: شبر. قال: لساني عربي. قال: فسمه الحسن. فلما ولد الحسين عليه السلام أوحى الله تعالى إلى جبرئيل: أنه ولد لمحمد ابن. فاهبط إليه وهنئه وقل له: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل وهنأ من الله تعالى ثم قال: إن الله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه؟ قال: شبير. فقال: لساني عربي. قال: فسمه الحسين. فسماه الحسين (1).

(هامش)

(1) هداية السعداء، الهداية (9) الجلوة (16). (*)

ص 173

فهذا الخبر رواه الدولت آبادي، عن شرف النبوة، ثم ترجمه إلى الفارسية. وستأتي ترجمة الدولت آبادي. ترجمة أبي سعد الخركوشي والخركوشي صاحب كتاب (شرف النبوة) - الذي ذكره كاشف الظنون بعنوان (شرف المصطفى) ووصف مؤلفه بالحافظ، وذكره مرة أخرى بعنوان (شرف النبوة) - من مشاهير حفاظ القوم: قال السمعاني: الخركوشي... سكة بنيسابور كبيرة، كان بها جماعة من المشاهير، مثل أبي سعد عبد الملك بن أبي عثمان بن محمد بن إبراهيم الخركوشي الزاهد الواعظ، أحد المشهورين بأعمال البر والخير، وكان عالما زاهدا فاضلا، رحل إلى العراق والحجاز وديار مصر، وأدرك العلماء والشيوخ، وصنف التصانيف المفيدة... روى عنه: محمد بن الحسن بن محمد الخلال، والحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو القاسم الأزهري، وعبد العزيز بن علي الأزجي، وأبو القاسم التنوخي، وجماعة سواهم، آخرهم أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي. تفقه في حداثة السن، وتزهد وجالس الزهاد المجردين، إلى أن جعله الله خلفا لجماعة من تقدمه من العباد المجتهدين، والزهاد الفائقين، وتفقه للشافعي على أبي الحسن الماسرخسي، وسمع بالعراق بعد السبعين والثلاثمائة، ثم خرج إلى الحجاز، وجاور حرم الله وأمنه مكة، وصحب به العباد الصالحين، وسمع الحديث من أهلها والواردين، فانصرف إلى نيسابور، ولزم منزله وبذل النفس والمال للمستورين من الغرباء، والفقراء المنقطع بهم... وكانت وفاته في سنة

ص 174

406 بنيسابور، وزرت قبره غير مرة (1). وقال الذهبي: الواعظ القدوة المعروف بالخركوشي. قال الحاكم: لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا إلى الله، زاده الله توفيقا وأسعدنا بأيامه (2). وقال ابن الأثير: وكان صالحا خيرا، وكان إذا دخل على محمود بن سبكتكين يقوم ويلتقيه، وكان محمود قد قسط على نيسابور مالا يأخذه منهم، فقال له الخركوشي: بلغني أنك تكدي الناس وضاق صدري! فقال: وكيف؟ قال: بلغني أنك تأخذ أموال الضعفاء، وهذه كدية. فترك القسط وأطلقه (3). وقال الأسنوي: الأستاذ الكامل، الزاهد ابن الزاهد، الواعظ، من أفراد خراسان، تفقه على أبي الحسن السرخسي، وسمع بخراسان والعراق، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة ثم رجع إلى خراسان، وترك الجاه ولزم الزهد والعمل، وكان يعمل القلانس ويأمر ببيعها بحيث لا يدرى أنها من صنعته، ويأكل من كسب يده، وبنى مدرسة وبيمارستان، وصنف كتبا كثيرة سائرة في البلاد. قال الحاكم: لم أر أجمع منه... (4). رواية عمر الملا ورواه الحافظ عمر بن محمد بن خضر الملا الأردبيلي - الذي أكثر النقل عنه المحب الطبري في كتبه، واعتمد عليه (الدهلوي) وغيره في كتابه: عن جابر بن عبد الله قال: لما ولدت فاطمة الحسن قالت لعلي: سمه.

(هامش)

(1) الأنساب - الخركوشي 5 / 93 - 94. (2) العبر - حوادث 407 ملخصا 2 / 214. (3) الكامل - حوادث 9 407 / 350 - حوادث سنة ست عشرة. (4) طبقات الشافعية 1 / 228 رقم 428. (*)

ص 175

فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخبر النبي فقال: ما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل. فأوحى الله جل جلاله إلى جبرائيل إنه قد ولد... . إلى آخر الحديث كما تقدم (1). رواية المحب الطبري ورواه أحمد بن عبد الله المحب الطبري - وهو من مشاهير حفاظهم - حيث قال: عن أسماء بنت عميس قالت: قبلت فاطمة بالحسن - رضي الله عنه - فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا أسماء، هلمي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فألقاها عنه قائلا: ألم أعهد إليكن أن لا تلفوا مولودا في خرقة صفراء! فلففته بخرقة بيضاء، فأخذه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي - رضي الله عنه -: أي شيء سميت ابني؟ فقال: ما كنت لأسبقك بذلك. فقال: ولا أنا سابق ربي به. فهبط جبرئيل - عليه السلام - وقال: يا محمد، إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى... خرجه الإمام علي بن موسى الرضا (2).

(هامش)

(1) وسيلة المتعبدين إلى متابعة سيد المرسلين 5 / 225. (2) ذخائر العقبى بمناقب ذوي القربى: 120. (*)

ص 176

رواية القاضي الديار بكري

 ورواه القاضي حسين بن محمد الديار بكري المالكي في تاريخه الذي ذكره كاشف الظنون بقوله: خميس في أحوال النفس النفيس في السير، للقاضي حسين بن محمد الديار بكري المالكي نزيل مكة المكرمة، المتوفى بها في حدود سنة 966. وهو كتاب مشهور... . رواه عن أسماء بنت عميس... باللفظ المتقدم... وقال في آخره: خرجه الإمام علي بن موسى الرضا (1). الخبر في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام وقد عرفت من رواية المحب الطبري، والقاضي الديار بكري: أن هذا الخبر خرجه سيدنا الإمام الرضا عليه السلام... ولا يخفى كفاية رواية هذا الإمام المعصوم بنص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كما في (فصل الخطاب) و(الإيضاح) وغيرهما. إذن، لا ينكر هذا الحديث إلا ناصب معاند. ولا بأس بإيراده من نفس الصحيفة المباركة، برواية أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الإمام الرضا عليه السلام، بإسناده عن علي بن الحسين - عليهما السلام - قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدتك فاطمة عليها السلام بالحسن والحسين، فلما ولد الحسن جاءني النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبي - صلى

(هامش)

(1) الخميس 1 / 417 - 418. (*)

ص 177

الله عليه وآله وسلم - وقال: يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه، فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى. ثم قال لعلي عليه السلام: بأي شيء سميت ابني هذا؟ قال علي عليه السلام: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، وقد كنت أحب أن أسميه حربا. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: وأنا لا أسبق باسمه ربي عز وجل. فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد، العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك، فسم ابنك هذا باسم ابن هارون. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وما اسم ابن هارون يا جبرئيل؟ فقال: شبر. فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: لساني عربي. قال: سمه الحسن. قالت أسماء: فسماه الحسن. فلما كان يوم سابعه عق عنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكبشين أملحين، فأعطى القابلة فخذ كبش، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا، وطلى رأسه بالخلوق. ثم قال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية. قالت أسماء: فلما كان بعد حول من مولد الحسن - عليه السلام - ولد الحسين عليه السلام، فجاءني النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى وأقام في

ص 178

أذنه اليسرى، ووضعه في حجره وبكى. قالت أسماء قلت: فداك أبي وأمي، مم بكاؤك؟ قال: من ابني هذا. قلت: إنه ولد الساعة. قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي. ثم قال: يا أسماء، لا تخبرن فاطمة، فإنها حديثة عهد بولادة. ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: بأي شيء سميت ابني هذا؟ قال عليه السلام: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، وقد كنت أحب أن اسميه حربا. فقال رسول الله: ما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل. فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال: الجبار يقرأ عليك السلام ويقول: سمه باسم ابن هارون. قال صلى الله عليه وآله وسلم: ما اسم ابن هارون؟ فقال: شبير. فقال رسول الله: لساني عربي. قال: سمه الحسين. فسماه الحسين. ثم عق يوم سابعه بكبشين أملحين، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا، وطلى رأسه بالخلوق وقال: الدم فعل الجاهلية، وأعطى القابلة فخذ كبش .

ص 179

أقول: فلو أن أحدا نظر في هذا الخبر - المتفق عليه - بعين الإنصاف، لم يتردد في أن المراد من حديث المنزلة إثبات جميع منازل هارون لأمير المؤمنين عليهما السلام، بحيث أن المشابهة الكاملة بينهما اقتضت تساويهما في جميع الأمور حتى في تسمية الأبناء... إذن، فهو مثله في الأعلمية والأكرمية، وفي العصمة، وفي وجوب الطاعة والانقياد له... فالحديث يدل على أفضلية الإمام عليه السلام، والمكابرات كلها باطلة، فكيف بزعم بعض النواصب اللئام من أنه يدل على نقص فيه - والعياذ بالله من هذا الكلام... الخبر عن الصحيفة في عدة من الكتب بلفظ مختصر هذا، وكما روى الخبر عن الصحيفة الرضوية باللفظ الكامل في بعض مصادر القوم كما عرفت، فهو مروي عنها في جملة من الكتب الأخرى بصورة مختصرة: ففي (الرياض النضرة): ذكر إخبار جبرئيل عن الله تعالى بأن عليا من النبي بمنزلة هارون من موسى: عن أسماء بنت عميس قالت: هبط جبرئيل عليه السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. خرجه الإمام علي بن موسى الرضا (1). وفي (ذخائر العقبى): وعنها: هبط جبرئيل - عليه السلام - على النبي

(هامش)

(1) الرياض النضرة في مناقب العشرة 3 / 119. (*)

ص 180

وقال: يا محمد، إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى، لكن لا نبي بعدك. خرجه الإمام علي بن موسى الرضا (1). وفي (توضيح الدلائل): وعنها، قالت: هبط جبرئيل على النبي عليهما الصلاة والسلام وقال: يا محمد، إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. رواه الطبري وقال: أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا (2). وفي (الاكتفاء): عن أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - قالت: هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد، إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك. أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده (3). وعلى كل حال، فليس في الحديث أي شيء يدعى قرينيته لصرف لفظه عن الدلالة على عموم المنزلة. والحمد لله.

(هامش)

(1) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 64. (2) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط. (3) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (*)

ص 181

*(4)* دلالة الحديث على عصمة الإمام بسبب عصمة هارون عليهما السلام

 إنه لا ريب في عصمة هارون عليه السلام، وحينئذ فلا ريب في عصمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ومن الواضح عدم انعقاد الإمامة والخلافة لغير المعصوم مع وجود المعصوم، فأمير المؤمنين هو الخليفة بعد الرسول، بحكم حديث المنزلة والمشابهة بينه وبين هارون. أما عصمة هارون عليه السلام، فلا ريب فيها كما أشرنا، وإليها أشار المفسرون بتفسير الآية: *(واخلفني في قومي وأصلح)*. ففي تفسير الرازي: فإن قيل: لما كان هارون نبيا، والنبي لا يفعل إلا الإصلاح، فكيف وصاه بالإصلاح؟ قلنا: المقصود من هذا الأمر التأكيد كقوله: *(ولكن ليطمئن قلبي)* والله أعلم (1). وفي تفسير النيسابوري: وإنما وصاه بالإصلاح تأكيدا واطمينانا، وإلا فالنبي لا يفعل إلا الإصلاح (2). وكذا في تفسير الخطيب الشربيني (3).. وغيره. وسواء حملنا الحديث على المنازل المشهورة، كما قال ولي الله

(هامش)

(1) تفسير الرازي 14 / 225. (2) تفسير النيسابوري - هامش الطبري 9 / 35. (3) السراج المنير في تفسير القرآن 1 / 512. (*)

ص 182

الدهلوي، أو حملناه على المشابهة التامة الكاملة، كما قال بوجوب هذا الحمل ولده (الدهلوي)، فإن العصمة من أولى مداليل هذا الحديث الشريف... فتحصل دلالة الحديث على عصمة الأمير... إستدلال بعضهم بالحديث على عصمة الأمير بل لقد استدل المولوي نظام الدين بهذا الحديث على عصمة الأمير عليه الصلاة والسلام، مما يدل أن دلالته عليها أمر مسلم مفروغ عنه. فقد قال ما نصه: إفاضة - قال الشيخ ابن همام في فتح القدير بعد ما أثبت عتق أم الولد وانعدام جواز بيعها، عن عدة من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - وبالأحاديث المرفوعة استنتج ثبوت الإجماع على بطلان البيع: ومما يدل على ثبوت ذلك الإجماع: ما أسنده عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: سمعت عليا يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن، فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة، فضحك علي - رضي الله تعالى عنه -. واعلم أن رجوع علي - رضي الله تعالى عنه - يقتضي أنه يرى اشتراط انقراض العصر في تقرر الإجماع، والمرجح خلافه، وليس يعجبني أن لأمير المؤمنين شأنا يبعد أتباعه أن يميلوا إلى دليل مرجوح ورأي مغسول ومذهب مرذول، فلو كان عدم الإشتراط أوضح لا كوضوح شمس النهار كيف يميل هو إليه؟ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. رواه الصحيحان. وقال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي.

ص 183

فالانقراض هو الحق. لا يقال: إن الخلفاء الثلاثة أبواب العلم، وقد حكم عمر بامتناع البيع، لأن غاية ما في الباب أنهما تعارضا، ثم المذهب أن أمير المؤمنين عمر أفضل، وهو لا يقتضي أن يكون الأفضلية في العلم أيضا، وقد ثبت أنه دار الحكمة فالحكمة حكمه (1). في هذا الكلام دلالة على العصمة من وجوه: منها: استدلاله بحديث المنزلة على أن الإمام عليه السلام لا يكون منه الميل إلى رأي باطل ودليل مرجوح ومذهب مرذول... وهذا هو العصمة، إذ يدل امتناع الميل إلى ذلك على امتناع اختياره بالأولوية القطعية. ومنها: إن استدلاله بحديث دار الحكمة في المقام دليل على أن هذا الحديث يدل على عصمته عليه السلام. ومنها: قوله فالانقراض هو الحق فإنه صريح في دوران الحق مدار ميل الإمام عليه السلام... وهذا هو العصمة. ومنها: قوله: الحكمة حكمه لأن معناه أن كل ما حكم به الإمام عليه السلام فهو الحكمة وعين الحق والصواب... وهذا هو العصمة. ترجمة نظام الدين السهالوي وهذا طرف من ترجمة المولوي نظام الدين وفضائله: 1 - قال السيد آزاد البلجرامي: الملا نظام الدين بن الملا قطب الدين الشهيد السهالوي المتقدم ذكره، هو عالم خبير وفاضل نحرير، سار في قصبات الفورب، واكتسب الفنون الدرسية من علماء الزمان، وختم تحصيله في حوزة

(هامش)

(1) الصبح الصادق في شرح المنار - مبحث الإجماع. (*)

ص 184

درس الشيخ غلام نقشبند الكهنوي المذكور في الأعلى، وأخذ عنه بقية الكتب، وقرأ على يده فاتحة الفراغ، وأقام بلكهنو، وطوى مسافة عمره في شغل التدريس والتصنيف، وانتهت إليه رياسة العلم في الفورب، ولبس الخرقة عن الشيخ عبد الرزاق الهانسوي المتوفى سنة 1136، وأخذ الفيوض الكثيرة عن السيد إسماعيل البلكرامي المتوفى سنة 1164، وهو من أجل خلفاء الشيخ عبد الرزاق المذكور. وأنا دخلت لكهنو في التاسع عشر من ذي الحجة سنة 1148، واجتمعت بالملا نظام الدين، فوجدته على طريقة السلف الصالحين، وكان يلمع من جبينه نور التقديس. توفي في التاسع من جمادى الأولى سنة 1161. ومن تواليفه: حاشية على شرح هداية الحكمة لصدر الدين الشيرازي، وشرح على مسلم الثبوت في أصول الفقه للملا محب الله البهاري المتقدم ذكره (1). 2 - وقال القنوجي - في (أبجد العلوم) -: ملا نظام الدين بن ملا قطب الدين السهالوي، كان فاضلا جيدا، عارفا بالفنون الدرسية والعلوم العقلية والنقلية، وانتهت إليه رياسة العلم في بورب. قال السيد آزاد: اجتمعت به فوجدته... . 3 - وقال عبد الحي الكهنوي: الشيخ الإمام العالم الكبير، العلامة الشهير، صاحب العلوم والفنون، وغيث الإفادة الهتون، العالم بالربع المسكون، أستاذ الأساتذة، وإمام الجهابذة، الشيخ نظام الدين، الذي تفرد بعلومه وأخذ لواءها بيده، لم يكن له نظير في زمانه في الأصول والمنطق والكلام.

(هامش)

(1) سبحة المرجان: 94. (*)

ص 185

وكان مع تبحره في العلوم وسعة نظره على أقاويل القدماء، عارفا كبيرا زاهدا مجاهدا شديد التعبد عميم الأخلاق حسن التواضع، كثير المواساة بالناس. ومن مصنفاته شرحان على مسلم الثبوت للقاضي محب الله الأطول والطويل، وشرح له على منار الأصول. وأما تلامذته فهم كثيرون. توفي يوم الأربعاء، لثمان خلون من جمادي الأولى، سنة 1161 (1).

(هامش)

(1) نزهة النواظر 6 / 383 - 385. (*)

ص 186

*(5)* حديث: أمر موسى أن لا يسكن مسجده... إلا هارون

... وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى... ولا يحل مسجدي لأحد إلا علي... هذا في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يتضمن أمره بسد أبواب أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وقوله لأمير المؤمنين عليه السلام: أسكن طاهرا مطهرا ، فنفس ذلك رجال على علي، فقام صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال... رواه الفقيه المحدث أبو الحسن علي بن محمد ابن المغازلي الواسطي الشافعي بطوله... وفي آخره: ونفس ذلك رجال على علي، فوجدوا في أنفسهم، وتبين فضله عليهم وعلى غيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقام خطيبا فقال: إن رجالا يجدون في أنفسهم في أني أسكنت عليا في المسجد. والله ما أخرجتكم وما أسكنته. إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه أن *(تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة)*. وأمر موسى أن لا يسكن مسجده، ولا ينكح فيه، ولا يدخله، إلا هارون وذريته.

ص 187

وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي دون أهلي، ولا يحل مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي وذريته. فمن شاء فههنا، وأومى بيده إلى الشام (1). وهذا الحديث نص قاطع على أن حديث المنزلة يقتضي حصول جميع ما حصل لهارون من المزايا والمناقب والأوصاف لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ويوجب تقدمه وترجيحه وتفضيله على من سواه من أصحاب رسول الله. وأيضا: حصول جميع ما كان حاصلا لذرية هارون، لذرية مولانا أمير المؤمنين عليهم وعليه الصلاة والسلام. فهل يجوز حمل حديث المنزلة على ما يتنافى مع مقصود من *(ما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)*؟ وواضح: أنه لو كان المراد من التشبيه في الحديث بين هارون والأمير هو الخلافة الموقتة المنقطعة، لم يكن هذا الحديث دليلا لتخصيصه عليه السلام بالإسكان في المسجد وغير ذلك، وتقديمه على غيره من الصحابة؟ وبالجملة، فإن دلالة هذا الحديث على عموم المنزلة تامة، وإن كان دلالته على العصمة أبلغ وأوكد، لصريح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أسكن طاهرا ومطهرا ... ولا ريب في أن هذه الصفة فيه هي السبب في اختصاصه بالسكن في المسجد، وإذ اختص به السكن فالصفة مختصة به... وتكون دلالة هذه الصفة على العصمة واضحة. وأيضا: يثبت بهذا الحديث - صدرا وذيلا - أفضليته عليه السلام من الخلفاء الثلاثة... وهذا صدر الحديث:

(هامش)

(1) المناقب لابن المغازلي: 255. (*)

ص 188

عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما قدم أصحاب النبي المدينة، لم يكن لهم بيوت يبيتون فيها، فكانوا يبيتون في المسجد، فقال لهم النبي: - لا تبيتوا في المسجد فتحتلموا. ثم إن القوم بنوا بيوتا حول المسجد، وجعلوا أبوابها إلى المسجد. وإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادى أبا بكر فقال: إن رسول الله يأمرك أن تخرج من المسجد. فقال: سمعا وطاعة. وسد بابه وخرج من المسجد. ثم أرسل إلى عمر فقال: إن رسول الله يأمرك أن تسد بابك الذي في المسجد وتخرج منه. فقال: سمعا وطاعة، فسد بابه وخرج من مسجد الله ورسوله، غير أن رغب إلى الله في خوخة في المسجد، فأبلغه معاذ ما قال عمر، ثم أرسل إلى عثمان - وعنده رقية - فقال: سمعا وطاعة، فسد بابه وخرج من المسجد . وأيضا: ما جاء في الحديث من قوله: وتبين فضله عليهم وعلى غيرهم صريح في الأفضلية. وبالجملة، دلالته على أفضليته عليه السلام منهم من وجوه... حتى أنهم لما وجدوا في أنفسهم، أنكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم ما أبدوه، ورد عليهم الرد القاطع، وبين لهم أن الذي فعله لم يكن إلا أمرا من الله سبحانه، كما كان من أمر موسى بالنسبة إلى هارون وذريته... حتى قال في آخر كلامه: فمن شاء فههنا وأومى بيده إلى الشام... أي الخروج من بلد الإسلام إلى مسكن الكفار...

ص 189

*(6)* حديث يا علي يحل لك في المسجد ما يحل لي

، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وفي حديث آخر إنه قال صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: تعال يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة ، وإليك نص الحديث مسندا، يرويه الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم، حيث يقول: أخبرنا صمصام الأئمة أبو عفان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمي بخوارزم، قال: أخبرنا عماد الدين أبو بكر محمد بن الحسن النسفي قال: حدثنا أبو القاسم ميمون بن علي الميموني قال: حدثنا الشيخ أبو محمد إسماعيل بن الحسين بن علي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن عبدة قال: حدثنا إبراهيم بن سلام المكي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن حرام بن عثمان، عن ابني جابر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب، قال: ترقدون في المسجد!! فأجفلنا وأجفل علي معنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعال يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، ألا ترضى أن تكون

ص 190

مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ والذي نفسي بيده، إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه رجالا كما يذاد البعير الضال عن الماء، بعصى لك من عوسج، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي (1). أقول: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ألا ترضى... بعد قوله: إنه يحل لك.. بمنزلة التعليل للحكم المذكور، وإنه لم يحل له ذلك إلا لكونه منه بمنزلة هارون من موسى.. فالحديث - حديث المنزلة - يدل على مقام شامخ اختص به دون سائر الأصحاب، فكان الأفضل والمقدم على جميعهم. كما يدل على عصمته عليه السلام، كما كان هارون عليه السلام معصوما. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث والذي نفسي بيده... دليل آخر على أفضلية علي عليه الصلاة والسلام... وذكر هذه الفضيلة في سياق الفضيلة السابقة شاهد على المماثلة بينهما في الدلالة على الأفضلية.

(هامش)

(1) المناقب للخوارزمي: 109 رقم 116. (*)

ص 191

*(7)* حديث إن الله أوحى إلى موسى أن اتخذ مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وابنا هارون

 وإن الله أوحى إلى أن أتخذ مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وابنا علي قال الحافظ السمهودي: أسند ابن زبالة. ويحيى من طريقه: عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بينما الناس جلوس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ خرج مناد فنادى: يا أيها الناس، سدوا أبوابكم. فتحسحس الناس لذلك، ولم يقم أحد! ثم خرج الثانية فقال: يا أيها الناس، سدوا أبوابكم. فلم يقم أحد! وقال الناس: ما أراد بهذا؟! فخرج الثالثة وقال: أيها الناس سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب. فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر كساءه حين نادى سدوا أبوابكم - قال: ولكل رجل منهم باب إلى المسجد، أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم - وجاء علي حتى قام على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله: ما يعمك، إرجع إلى رحلك. ولم يأمره بالسد. فقالوا: سد أبوابنا وترك باب علي وهو أحدثنا. فقال بعضهم: تركه

ص 192

لقرابته. فقالوا: حمزة أقرب منه وأخوه من الرضاعة وعمه. وقال بعضهم: تركه من أجل ابنته. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم - بعد ثالثة - فحمد الله وأثنى عليه محمرا وجهه، وكان إذا غضب احمر - عرف في وجهه - ثم قال: أما بعد ذلكم، فإن الله أوحى إلى موسى أن اتخذ مسجدا طاهرا، لا يسكنه إلا هو وهارون وابنا هارون شبر وشبيرا. وإن الله أوحى إلي أن أتخذ مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وابنا علي حسن وحسين، وقد قدمت المدينة واتخذت بها مسجدا، وما أردت التحول إليه حتى أمرت، وما أعلم إلا ما علمت، وما أصنع إلا ما أمرت، فخرجت على ناقتي، فتلقتني الأنصار يقولون: يا رسول الله إنزل علينا، فقلت: خلوا الناقة فإنها مأمورة، حتى نزلت حيث بركت. والله ما أنا سددت الأبواب، وما أنا فتحتها، وما أنا أسكنت عليا، ولكن الله أسكنه (1). ورواه الشيخ إبراهيم الوصابي باللفظ المتقدم عن تاريخ محمد بن الحسن بن زبالة... في كتابه (الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء) الذي نص في خطبته على كون أخبار كتابه معتبرة بقوله: ... سألني بعض إخوان الصفا من أهل الصدق والوفا... أن أجمع له تأليفا من الأحاديث النبوية، التي هي عن الثقات الأثبات مروية، في فضل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - سيما الأربعة الخلفاء، ثم من سواهم من الصحابة، على ما ورد في فضلهم خصوصا وعموما، وفضل محبيهم وذم مبغضيهم، ليتضح به أن محبتهم واقتفاء آثارهم من أزكى القرب وأفضل الأعمال، وأن المقتدين بهم على هدى من ربهم ومبغضيهم في غمرات الضلال، فيظهر الحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، فيحصل بذلك

(هامش)

(1) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (1 - 2): 478 - 479. (*)

ص 193

لقلوب السنة والجماعة حائدون، ولنص الكتاب والسنة معاندون هما وحزنا وغيظا وأسفا... فجمعت هذا الكتاب في شرف مناقبهم وعظيم قدرهم وعلو مراتبهم وتدوين بعض ما روي في فضلهم، ولبيان ما ذكر من عميم مفاخرهم من كتب عديدة على وجه الاختصار وحذف السند... . أقول: وفي الحديث المذكور تشبيه أمير المؤمنين وولديه بهارون وولديه، في الاختصاص بسكنى المسجد الطاهر، وأن هذا من الله سبحانه وبوحي منه، فالتشبيه الذي في حديث المنزلة منزل على هذا الاختصاص، لأن الحديث يفسر بعضه بعضا - كما في (فتح الباري) وغيره - وإذا كان حديث المنزلة يفيد هذا الاختصاص، فهو من أدلة الأفضلية المطلقة لأمير المؤمنين، والأفضلية تدل على الأحقية بالخلافة والإمامة بلا فصل كما في (منهاج السنة) و(إزالة الخفاء) و(قرة العينين) وغيرها من كتب أهل السنة والجماعة. وأيضا، يدل الحديث على اختصاص الطهارة بعلي وفاطمة والحسنين، وما هذه الطهارة إلا العصمة.

ص 194

*(8)* حديث إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون وأنا سألت ربي أن يطهر مسجدي بك

 روى الحافظ أبو نعيم في كتاب (فضائل الصحابة) قائلا: حدثنا يحيى بن الفرج، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري، أنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الفوزي، ثنا جعفر بن محمد الخواص، ثنا الحسن بن عبيد الله الأبزازي، ثنا إبراهيم بن سعيد، عن المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن أبيه، عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده لهارون وذريته، وإني سألت الله أن يطهر مسجدي لك ولذريتك من بعدك. ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك، فاسترجع وقال: سمعا وطاعة. فسد بابه ثم إلى عمر كذلك، ثم صعد المنبر فقال: ما أنا سددت أبوابكم ولا فتحت باب علي، ولكن الله سد أبوابكم وفتح باب علي . وروى إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي في (الاكتفاء): عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون، وأنا سألت ربي أن يطهر مسجدي بك.

ص 195

ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك، فاسترجع ثم قال: سمعا وطاعة، فسد بابه. ثم أرسل إلى عمر بمثل ذلك، ثم أرسل إلى عباس بمثل ذلك. ثم قال رسول الله ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي وسد أبوابكم. أخرجه الإمام الحافظ أبو حامد أحمد البزار في مسنده . أقول: فإن هذه المشابهة دخيلة في المراد من حديث المنزلة، وليس حديث المنزلة لإفادة النيابة المنقطعة الموقتة كما زعم المتأولون، كما أن الحديث دليل على مقام منيع وفضل عظيم، لا على منقصة وعيب كما زعم الأعور وابن تيمية. وعلى الجملة، فالحديث يدل على الأفضلية والطهارة والعصمة... بكل وضوح وظهور، وبذلك تسقط مزاعم المعاندين الذين لم يجعل الله لهم من نور...

ص 196

*(9)* حديث إن الله أوحى إلى موسى...

وإن الله أوحى إلي أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وابنا علي وهذا حديث آخر وقعت فيه المشابهة بين هارون وابنيه وبين أمير المؤمنين وابنيه، في حصر سكنى المسجد بهم... رواه ابن المغازلي بقوله: قوله عليه السلام: إن الله أوحى إلى موسى أن ابن لي مسجدا الحديث. أخبرنا أحمد بن محمد إجازة، ثنا عمر بن شوذب، ثنا أحمد بن عيسى بن الهيثم، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، ثنا علي بن عياش عن الحارث بن حصيرة، عن عدي بن ثابت، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد فقال: إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا موسى وهارون وابنا هارون، وإن الله أوحى إلي أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وعلي وابنا علي (1). قال: قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل أوحى إلى موسى. الحديث. وبإسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل أوحى

(هامش)

(1) المناقب لابن المغازلي: 252 رقم 301. (*)

ص 197

إلى موسى عليه السلام أن ابن مسجدا طاهرا لا يكون فيه غير موسى وهارون وابني هارون شبر وشبير، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يكون فيه غيري وغير أخي علي وغير ابني الحسن والحسين (1). أقول: وهذا حديث آخر... ويستفاد منه دخل هذا التشبيه في المراد من حديث المنزلة، ودلالته على الأفضلية ومساواته مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطهارة والعصمة والأفضلية... واضحة... كما يدل على عصمة الحسنين وطهارتهما كالنبي الطاهر. وقد رواه أبو سعد الخركوشي أيضا كما في (توضيح الدلائل): عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في حديث طويل، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فنودي فينا: ألا ليخرج من في المسجد إلا رسول الله وإلا علي، فخرجنا بأجمعنا، فلما أصبحنا أتاه عمه فقال: يا رسول الله! أخرجت أعمامك وأصحابك، وأسكنت هذا الغلام! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أنا أمرت بإخراجكم وإسكان هذا الغلام. وروي أن رسول الله قال: إن الله عز وجل أمر موسى بن عمران صلوات الله عليه أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون وابنا هارون شبر وشبير. وإن الله جل جلاله قد أمرني أن ابني مسجدا لا يسكنه إلا أنا وعلي والحسن والحسين، سدوا هذه الأبواب إلا باب علي. وفي خبر آخر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي. ثم قال: سدوا قبل أن ينزل العذاب. فخرج الناس مبادرين وخرج

(هامش)

(1) المناقب لابن المغازلي: 299 رقم 343. (*)

ص 198

حمزة - رضي الله تعالى عنه - يجر قطيفة له حمراء وعيناه تذرفان ويبكي ويقول: يا رسول الله أخرجت عمك وأسكنت ابن عمك! فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا أخرجتك ولا أنا أسكنته، ولكن الله عز وجل أسكنه. وروي أن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - قال لرسول الله: يا رسول الله، دع كوة حتى أنظر إليك منها حين تغدو وحين تروح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والله ولا مثل ثقب الإبرة. روى الثلاثة أبو سعد في شرف النبوة .

ص 199

*(10)* حديث إن الله أمر موسى وهارون...

 أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقربوا فيه النساء إلا هارون وذريته... ولا يحل لأحد... إلا علي وذريته وهذا الحديث رواه الحافظ السيوطي بقوله: أخرج ابن عساكر عن أبي رافع: إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوءا لقومهما بيوتا، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء، إلا هارون وذريته، ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي هذا ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته (1). أقول: وهذا نص في اختصاص هذا الحكم الدال على العصمة والطهارة في هذه الأمة بعلي وذريته، كما كان لهارون وذريته في أمة موسى... فلما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: علي مني بمنزلة هارون من موسى يريد إثبات هذه الفضائل العالية والمناقب الكريمة لعلي عليه السلام، كما كانت ثابتة لهارون عليه السلام، ويريد أن يعلمه بأن شأنه في هذه الأمة شأن هارون في أمة موسى من جميع الجهات، وبالنظر إلى كل الكمالات والفضائل والخصائص.

(هامش)

(1) الدر المنثور 4 / 383 سورة يونس آية 87. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب