نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 252

وهل بعد كلام شعبة بن الحجاج الإمام، مجال لهفوات المنكرين دلالة هذا الحديث، أو أباطيل من يدعي دلالته على نقص في الإمام عليه السلام؟ ترجمة شعبة بن الحجاج ومن المناسب جدا ذكر طرف من كلمات بعض أعلام القوم في بيان مناقب شعبة بن الحجاج: 1 - السمعاني: أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي... روى عنه: عبد الله بن المبارك، وأبو الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب البصري، وغندر، وحميد بن زنجويه، وعلي بن الجعد، وعبد الله بن إدريس، والثوري، وحماد بن سلمة. وكان مولده سنة 83 بنهربان قرية أسفل من واسط، ومات سنة 160 في أولها، وله يوم مات 77 سنة، وكان أكبر من سفيان بعشر سنين. وكان من سادات أهل زمانه حفظا وإتقانا وورعا وفضلا، وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين، وجانب الضعفاء والمتروكين، حتى صار علما يقتدى به، ثم تبعه عليه بعده أهل العراق. وكان جمع بين العلم والزهادة والجد والصلابة والصدق والقناعة، وعبد الله تعالى حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم... (1). 2 - النووي: شعبة بن الحجاج الإمام المشهور... من تابعي التابعين، وأعلام المحدثين، وكبار المحققين... أجمعوا على إمامته في الحديث وجلالته وتحريه واحتياطه وإتقانه. قال أحمد بن حنبل: لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث ولا أحسن حديثا منه، روى عن ثلاثين رجلا من الكوفة لم يرو عنهم سفيان.

(هامش)

(1) الأنساب 8 / 388. (*)

ص 253

وقال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. قال: وكان يجئ الرجل يعني الذي ليس أهلا للحديث فيقول: لا تحدث وإلا استكتب عليك السلطان. وقال حماد بن زيد: قال لنا أيوب: الآن يقدم عليكم رجل من أهل واسط يقال له شعبة، هو فارس في الحديث، فحدثوا عنه. وقال أبو الوليد الطيالسي: إختلفت إلى حماد بن سلمة فقال: إذا أردت الحديث فالزم شعبة. وقال حماد بن زيد: ما أبالي من يخالفني إذا وافقني شعبة، لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة، وإذا خالفني شعبة في شيء تركته. وقال أحمد بن حنبل: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن، يعني علم الحديث وأحوال الرواة. وروينا عن ابن مهدي: كان سفيان - يعني الثوري - يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث... (1). 3 - الذهبي: شعبة بن الحجاج بن الورد - الحجة الحافظ شيخ الإسلام... كان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث. وقال الشافعي: لولا شعبة لما عرف الحديث في العراق (2). 4 - اليافعي: الإمام أبو بسطام العتكي مولاهم الواسطي. شعبة بن الحجاج بن الورد، شيخ البصرة وأمير المؤمنين في الحديث... أثنى جماعة من كبار الأئمة عليه ووصفوه بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير، وكان رأسا

(هامش)

(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 245 رقم 253. (2) تذكرة الحفاظ 1 / 193. (*)

ص 254

في العربية والشعر سوى الحديث (1). 5 - ابن حجر: ثقة حافظ متقن. كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة، وكان عابدا. من السابعة. مات سنة ستين (2). تصريح القاضي عبد الجبار بدلالة الحديث على الأفضلية وصرح قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد المعتزلي أيضا بدلالة حديث المنزلة على الأفضلية... كما ذكر أبو محمد الحسن بن أحمد بن متويه في كتاب (المجموع المحيط بالتكليف) الذي هو في الأصل تصنيف القاضي، غير أن ابن متويه جمعه، فقد جاء فيه عنه: وذكر أنه قد يستعمل لفظ الفضل فيما لا يتعلق بفعل العبد واختياره، كنحو تفضيل العاقل على غيره، وتفضيل الشجاع على غيره، وتفضيل من له نسب مخصوص على من ليس له ذلك النسب، وليس هذا هو المقصود بهذه المسألة، فإنا نتكلم في الفضل الذي يقتضي مدحا وتعظيما في الدين، فهذا لا بد من تعلقه باختيار الفاضل ووقوفه على فعله، وفي هذا الباب خاصة يجوز وقوع الخلاف بين العلماء دون الأول، وإذا كان كذلك وقف العلم بالقطع على الأفضل على سمع وارد به، لأنه لا مجال للعقل فيه، وعلى هذا لا يصح الرجوع في إثباته إلى عد الفضائل، لأن تلك الأفعال يختلف مواقعها بحسب ما ينضاف إليها من النيات والقصود، وذلك مما هو عنا مغيب، فلا يمكن القضاء بفضل أحد والقطع على ثوابه، فضلا عن تفضيله على غيره، فيجب الاعتماد في ذلك على السمع.

(هامش)

(1) مرآة الجنان - حوادث 160 - 1 / 340 - 341. (2) تقريب التهذيب 1 / 351 رقم 67. (*)

ص 255

فلهذا رجع الشيخ أبو عبد الله إلى خبر الطير، لأنه قد دل بظاهره على ثبوته أفضل في الحال، وكل من أثبته في تلك الحال أفضل قضى باستمرار هذه الصفة فيه. وهكذا خبر المنزلة، لأنها إذا لم يرد بها ما يتصل بالإمامة، فيجب أن يريد به الفضل الذي يلي هارون فيه موسى - عليهما السلام -. فإن أراد بعضهم إثبات أنه أفضل في غالب الظن، بالرجوع إلى أمارات مخصوصة من نحو ما انتشر عنه من الزهد والعبادة والعناء في الحرب والسبق إلى الإسلام وغير ذلك، فهذا غير ممنوع منه، وإليه ذهب بعض الشيوخ الذين آثروا الموازنة. وقد أحال في الكتاب على الكتاب المغني، لأنه حكى هناك عمدة ما كان الشيخ أبو عبد الله يذكره في هذا الباب، وبالله التوفيق . أقول: فخبر المنزلة مثل خبر الطير في الدلالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام، وثبوت الأفضلية له من حديث المنزلة كاف لدلالته على الخلافة، لوجوب تقديم الأفضل على المفضول، وهو واضح جدا، حتى اعترف به والد (الدهلوي). وقال القاضي عبد الجبار في (المغني) في البحث عن حديث المنزلة: فإن قيل: فما المراد عندكم بهذا الخبر. قيل له: إنه - صلى الله عليه وسلم - لما استخلفه على المدينة وتكلم المنافقون فيه، قال هذا القول دالا على لطف محله منه وقوة سكونه إليه واشتداد ظهره به، ليزيل ما خامر القلوب من الشبهة في أمره، وليعلم أنه إنما استخلفه لهذه الأحوال التي تقتضي نهاية الاختصاص .

ص 256

ترجمة القاضي عبد الجبار

 والقاضي عبد الجبار ذكروه في كبار علماء الشافعية وأثنوا عليه: 1 - قال ابن قاضي شهبة: عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد ابن خليل، القاضي أبو الحسن الهمداني، قاضي الري وأعمالها، وكان شافعي المذهب، وهو مع ذلك شيخ الاعتزال، وله المصنفات الكثيرة في طريقتهم وفي أصول الفقه. قال ابن كثير في طبقاته: ومن أجل مصنفاته وأعظمها دلائل النبوة في مجلدين، أبان فيه عن علم وبصيرة حميدة، وقد طال عمره، ورحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا به. مات في ذي القعدة سنة 415 (1). 2 - السبكي: عبد الجبار بن أحمد بن خليل بن عبد الله القاضي أبو الحسن الهمداني الاسترابادي، وهو الذي تلقبه المعتزلة قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه، ولا يعنون به عند الإطلاق غيره، كان إمام أهل الاعتزال في زمانه، وكان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع، وله التصانيف السائرة والذكر الشائع بين الأصوليين، عمر دهرا طويلا حتى ظهر له الأصحاب وبعد صيته، ورحلت إليه الطلاب... (2). ووصفه في موضع آخر بقوله: وكان رجلا محققا واسع النظر (3). 3 - الداودي: شيخ المعتزلة وصاحب التصانيف منها التفسير، عاش دهرا طويلا وسار ذكره، وكان فقيها شافعي المذهب (4). 4 - الأسنوي: القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار

(هامش)

(1) طبقات الشافعية 1 / 183 رقم 145. (2) طبقات الشافعية 3 / 219 - 220. (3) طبقات الشافعية 5 / 97. (4) طبقات المفسرين 1 / 262 رقم 248. (*)

ص 257

الاسترابادي، إمام المعتزلة، كان مقلدا للشافعي في الفروع، وعلى رأي المعتزلة في الأصول... ذكره ابن الصلاح (1). تصريح السمناني بدلالة الحديث على أن عليا سيد الأولياء وقال علاء الدولة أحمد بن محمد السمناني في كتابه (العروة الوثقى) الذي قال في مفتتحه: أما بعد، فقد سنح في خاطري بغتة يوم الأحد بعد صلاة الصبح الثاني من الإعتكاف في مسجد صوفيا باد خدا داد العشر الآخر من شهر الله المبارك رمضان سنة 720: أن أبوب وأهذب على وفق الإشارة بعض القدسيات الواردة على قلبي في الأوقات المعينة في علم ربي المخصوصة بها فيما يجب الاعتقاد به، وما سمح بتقييده الوقت المصفى عن المقت في أثناء الكتابة ستة أبواب، ليسهل على الشارع في أبواب المعارف خاصة في مشارع أرباب القدس ومرابع أصحاب الأنس الاطلاع على ما فيه والظفر لمطلوبه عند مطالعته، تيمنا بقوله تعالى: *(إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام)* وأسميه: العروة الوثقى لأهل الخلوة والجلوة... قال ما نصه: وقال لعلي - عليه سلام السلام وسلام الملائكة الكرام - أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي. وقال في غدير خم بعد حجة الوداع، على ملأ من المهاجرين والأنصار، آخذا بكتفه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وهذا حديث متفق على صحته. فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد - عليه التحية والسلام. وإلى هذا السر أشار سيد الصديقين صاحب غار النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، حين بعث أبا عبيدة بن جراح إلى علي لاستحضاره: يا أبا

(هامش)

(1) طبقات الشافعية 1 / 173 رقم 319. (*)

ص 258

عبيدة، أنت أمين هذه الأمة، أبعثك إلى من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلم عنده بحسن الأدب، إلى آخر مقالته بطولها . ففي هذه العبارة: دلالة حديث المنزلة على أن عليا سيد الأولياء، وفيها عن أبي بكر: إن عليا في مرتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ترجمة السمناني وذكر الشيخ عبد الرحيم الأسنوي ترجمة الشيخ السمناني في (طبقات الشافعية) بقوله: علاء الدين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد الملقب بعلاء الدولة وعلاء الدين، المعروف بالسمناني... كان عالما مرشدا، له كرامات وتصانيف كثيرة في التفسير والتصوف وغيرهما. توفي قبل الأربعين وسبعمائة (1). تصريح السيد محمد الدهلوي بأن الحديث برهان الاتحاد بين النبي وعلي وقال السيد محمد بن يوسف الحسيني الدهلوي المعروف ب‍ گيسو دراز ما تعريبه: وكان الغالب في حضور جبرئيل عند الرسول كونه بصورة دحية الكلبي، لا بمعنى خروجه عن صورته الأصلية، ولا أن هذه الصورة مغايرة لتلك، وإنما كان الاختلاف في الاعتبار، إذ لا يوجد المطلق في الخارج مطلقا، ويقال أيضا بأن جبرئيل عقل محمد قد تمثل بصورة، فكان وضع الأشياء مواضعها. إنه وإن قالوا الجهار خلاف العقل لكنه عقل مخفي وهناك العقل الكل،

(هامش)

(1) طبقات الشافعية 1 / 349 رقم 664. (*)

ص 259

فلو ظفرت به ونظرت إليه حصلت على كثير من الأسرار، ومن هنا كان: خلقت أنا وعلي من نور واحد، إذ كان علي أخا للنبي، آخى بين كل نوعين وشكلين ففي النبوة وفيه الخلافة، وأنت مني كهارون من موسى، يحكي عن تلك الواقعية فإن كلامنا إشارة وعند من فهم عبارة. والسلام (1). ففي هذا الكلام تصريح بأن حديث المنزلة - كحديث النور - دليل على تقديم وترجيح أمير المؤمنين عليه السلام على سائر الخلائق، وأنه برهان على المساواة والاتحاد بينه وبين الرسول الأمين، صلى الله عليه وآله وسلم. فيتم بهذا الكلام أيضا مرام الإمامية، وتسقط التأويلات الواهية لبعض علماء السنية. ترجمة السيد محمد الدهلوي والسيد محمد الدهلوي كيسو دراز من أعاظم علماء أهل السنة الحائزين للفضائل والمقامات السنية، ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي في (أخبار الأخيار) وقال: جمع بين العلم والسيادة، وله في الولاية شأن رفيع ومرتبة منيعة وكلام عال، وكان له من بين علماء چشت مشرب خاص، وفي بيان أسرار الحقيقة طريق مخصوص، قدم في أوائل أمره إلى قدم، وخرج منها بعد وفاة الشيخ إلى ديار دكن، وحصل له في أهلها القبول العظيم وانقادوا له وأطاعوه حتى توفي هناك... ومن تصانيفه المشهورة كتاب الأسمار الذي ذكر فيه الحقائق والمعارف بلسان الرمز والإيماء والإيقاظ والإشارة... .

(هامش)

(1) الاسمار. السمر 77. (*)

ص 260

تصريح محمد الأمير بدلالة الحديث على الأفضلية

 وقال محمد بن إسماعيل الأمير - في (الروضة الندية) -: وكهارون غدا في شأنه * منه إلا أنه ليس نبيا البيت واضح الألفاظ، والإشارة إلى حديث المنزلة الشهير، الذي رواه من الصحابة الجم الغفير، وإن من رزق اطلاعا على كتب الأحاديث الحافلة علم تواتر ذلك، ولنتشرف بسرد ما ورد من ذلك مما عرفناه... وقوله - صلى الله عليه وسلم -: أنت مني. قال بعضهم: إن من فيه لبيان الجنس. أي: أنت من جنسي في تبليغ والأداء ووجوب الطاعة ونحو ذلك. قلت: ويصح أن تكون تبعيضية مثل ما في قوله تعالى عن خليله: *(فمن تبعني فإنه مني)* أي فإنه بعض مني، لفرط اختصاصه بي واتصاله وتبعيته لي وتعبده لأمري، ويكون قوله: بمنزلة هارون من موسى. بمنزلة بيان لهذه البعضية والخصوصية، و الباء للمقابلة. أي: أنت بعض مني يقابل منزلك منزلة هارون من موسى، فكما أن هارون بعض من موسى فأنت تقابل منزلته وتساويها، ويحتمل تخريجات أخر هذا أقربها في ذلك. ولا يخفى أن هذه منزلة شريفة ورتبة علية منيفة، فإنه قد كان هارون عضد موسى الذي شد الله به أزره، ووزيره، وخليفته على قومه حين ذهب لمناجاة ربه. وبالجملة، لم يكن أحد من موسى عليه السلام بمنزلة هارون عليه السلام، وهو الذي سأل الله تعالى أن يشد به أزره ويشركه في أمره، كما سأل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أسماء بنت عميس، وأجاب الله نبيه عليه السلام بقوله: *(سنشد عضدك بأخيك)* الآية. كما أجاب

ص 261

نبينا - صلى الله عليه وسلم - بإرساله جبرئيل - عليه السلام - بإجابته - كما في حديث أسماء بنت عميس -. فقد شابه الوصي عليه السلام هارون في سؤال النبيين الكريمين عليهما السلام، وفي إجابة الرب سبحانه وتعالى، وتم التشبيه بتنزيله منه - صلى الله عليه وسلم - منزلة هارون من الكليم، ولم يستثن شيئا سوى النبوة، لختم الله بابها برسوله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء. وهذه فضيلة اختص الله تعالى بها ورسوله الوصي عليه السلام، لما يشاركه فيها أحد غيره، وقد نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه منزلة رأسه من جسده، كما أخرجه الخطيب عن البراء بن عازب، والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس، قال قال سول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني بمنزلة رأسي من جسدي . أقول: وفي هذا الكلام دلالة حديث المنزلة على الأفضلية بصراحة، كما فيه دلالة على أفضليته من غير هذه الناحية، كما لا يخفى على من تدبر فيه. ترجمة محمد بن إسماعيل الأمير وقد ترجم القاضي الشوكاني محمد بن إسماعيل الأمير ترجمة ضافية نذكر منها الجمل الآتية: السيد محمد بن إسماعيل بن صلاح... ابن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم، الكحلاني ثم الصنعاني، المعروف بالأمير: الإمام الكبير، المجتهد المطلق، صاحب التصانيف، ولد ليلة الجمعة نصف جمادى

ص 262

الآخرة سنة 1099، ورحل إلى مكة، وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد برياسة العلم في صنعاء، وتظهر بالاجتهاد، وعمل بالأدلة، ونفر عن التقليد، وزيف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية... وله مصنفات جليلة حافلة،... وقد أفرد كثيرا من المسائل بالتصنيف بما يكون جميعه في مجلدات... وبالجملة، فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين... وتوفي رحمه الله في يوم الثلاثاء ثالث شهر شعبان سنة 1182 (1). تصريح ابن روزبهان بحصول جميع الفضائل للإمام علي وقال الفضل ابن روزبهان في مبحث حديث المنزلة من كتابه (الباطل): وأيضا: يثبت به لأمير المؤمنين فضيلة الأخوة والمؤازرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ الرسالة وغيرهما من الفضائل، وهي مثبتة يقينا لا شك فيه . وكلمة الفضائل في هذا الكلام ظاهرة في العموم كما لا يخفى، ودلالتها على ذلك واضحة ومن المعلوم أن هذا غير حاصل لغيره عليه السلام، فهو الأفضل والمقدم على الجميع.

(هامش)

(1) البدر الطالع 2 / 133 - 138 رقم 417. (*)

ص 263

تصريح الشريف بدلالة الحديث على شدة الاتصال بين النبي وعلي

 والسيد المحقق الجرجاني صرح في (حاشية المشكاة) بدلالة حديث المنزلة على شدة الاتصال بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبين أمير المؤمنين علي عليه السلام، في جميع الفضائل، إلا النبوة... وقد تقدمت عبارته سابقا. ومن الواضح إفادة هذا الكلام أفضلية الإمام، وأعلميته، وتقدمه من جميع الجهات، على من عدا الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم... فما توهمه بعض المتوهمين من دلالة الحديث على الاستخلاف الموقت فقط، واضح السقوط، لأن مقتضى شدة الاتصال في الفضائل هو حصول جميع الفضائل الثابتة لهارون، ومن البين أن عمدتها الأفضلية والأرجحية والأعلمية بعد موسى، فهذه الصفات تكون ثابتة للإمام كذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. تصريح المولوي محمد إسماعيل الدهلوي بدلالة الحديث على عدم الفرق بين النبي وعلي إلا في النبوة والمولوي محمد إسماعيل - وهو ابن أخ (الدهلوي) - يصرح في كتابه (منصب امامت) بأن مدلول حديث المنزلة عدم الفرق بين النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام في شيء من الكمالات إلا في النبوة، بحيث لو كان بعد خاتم الأنبياء نبي لفاز بهذه المرتبة أيضا.

ص 264

تصريح نظام الدين الكهنوي بدلالة الحديث على اتصاف الإمام بكل ما اتصف به النبي

 ونظام الدين أحمد بن علي الأكبر الكهنوي يقول بعد نقل حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن عليا نفس الرسول: يعني: إن عليا المرتضى ذات الرسول، وأي مدح يفوق هذا المدح ويزيد عليه! فإنه قد أفاد عينيته له، وعليه، فبكل صفة اتصف بها محمد المصطفى اتصف بها علي المرتضى، عدا النبوة، فإنها خاصة مختصة بالرسول، كما قال في حديث آخر: لا نبي بعدي (1).

(هامش)

(1) تحفة المحبين - مخطوط. (*)

ص 265

*(21)* ورود الحديث في غزوة تبوك في مقام التسلية

 والروايات الكثيرة دلت على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال لأمير المؤمنين عليه السلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون... لغرض التسلية له، في مقابلة ما أرجف به المرجفون وتكلم به المنافقون... وورود الحديث في هذا المقام يدل دلالة صريحة على أن مراد النبي إثبات الخلافة الكبرى والإمامة العامة، ولا أقل من أن المراد إثبات الأفضلية، وهي أيضا مستلزمة للخلافة العامة بلا فصل... ولو كان المراد من الحديث تلك الخلافة الجزئية المنقطعة برجوعه من الغزوة، أو كان المراد ما تفوه به الأعور وأمثاله... لم يثبت له به شرف عظيم ومقام جليل، إذ لا شرف خاص في النيابة الجزئية، وقد حصلت لغيره من آحاد الصحابة مرة بعد مرة... فأين التسلية المسوق لأجلها هذا الكلام؟! بل لو كان لما ذكره الأعور وغيره أدنى حظ من الواقعية، لكان هذا الحديث منافيا للتسلية ومخالفا للترضية! ولقد بين العلامة سبحان علي خان رحمه الله تعالى هذا المطلب، بحيث لم يجد رشيد الدين خان تلميذ (الدهلوي) بدا من الاعتراف بأن هذه الخلافة الحاصلة للإمام عليه السلام لا يماثلها الخلافة الحاصلة لغيره كابن أم مكتوم وغيره... بل إن هذه تدل على شرف عظيم للإمام عليه السلام لم ينل الآخرين

ص 266

الذين استخلفهم على المدينة المنورة في كل مرة خرج منها. وفي هذا الذي أثبته الرشيد الدهلوي تكذيب وتجهيل لابن تيمية وأمثاله، الذين زعموا عدم الفرق بين خلافته هذه المرة وخلافة غيره في المناسبات الأخرى... كما تكذبه كلمات غيره كابن طلحة الشافعي، وولي الله الدهلوي... وغيرهما... هذه خلاصة ما ذكره العلامة سبحان علي خان، وما ذكره رشيد الدين الدهلوي في بحثه معه في كتابه (إيضاح لطافة المقال). وإن شئت تفصيل ذلك فارجع إلى الكتاب المذكور.

ص 267

*(22)* قوله صلى الله عليه وآله في الحديث إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك

 لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام - لدى استخلافه على المدينة المنورة، وفي ذيل قوله: أما ترضى أن تكون... -: إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك . وفي هذه الجملة دلالة على حصول مقام جليل وشرف عظيم لأمير المؤمنين عليه السلام، ما حصل ولن يحصل لغيره أبدا... فاستخلافه على المدينة كان بسبب تلك المنزلة التي اختص بها الإمام دون غيره، وفي ذلك دلالة تامة على أفضليته المستلزمة للخلافة العامة بعد الرسول بلا فصل... فليتب النواصب مما تقولوا في تنقيص شأن الإمام وتحقير رتبة استخلافه، وليعودوا عما فاهوا به وسطرته أقلامهم لتوهين المقام الخاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام، وحطه إلى حد يكون مشتركا بين الإمام عليه السلام وآحاد الصحابة! بل جعله أضعف وأوهن من الخلافة الحاصلة لغيره، باستخلاف النبي إياهم على المدينة! بل جعله دليلا على نقص وعيب في الإمام عليه الصلاة والسلام!! فلننقل نص الحديث ليعض النواصب على أيديهم خجلا وحسرة: أخرج الحاكم في كتاب التفسير قائلا: حدثني الحسن بن محمد بن إسحاق الأسفرائني، ثنا عمير بن مرداس، ثنا محمد بن بكير الحضرمي، ثنا

ص 268

عبد الله بن بكير الغنوي، ثنا حكيم بن جبير، عن الحسن بن سعد مولى علي، عن علي: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يغزو غزاة له، فدعا جعفرا (1) وأمره أن يتخلف على المدينة. فقال: لا أتخلف بعدك أبدا. فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعزم علي لما تخلفت قبل أن أتكلم. قال: فبكيت. فقال رسول الله: ما يبكيك يا علي؟ قلت: يا رسول الله يبكيني خصال غير واحد، تقول قريش غدا: ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذله. ويبكيني خصلة أخرى: كنت أريد أن أتعرض للجهاد في سبيل الله، إن الله يقول *(ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا)* إلى آخر الآية، فكنت أريد أن أتعرض للأجر، ويبكيني خصلة أخرى: كنت أريد أن أتعرض لفضل الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما قولك تقول قريش ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذله، فإن لك بي أسوة، قد قالوا ساحر وكاهن وكذاب. وأما قولك: أتعرض للأجر، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وأما قولك: أتعرض لفضل الله. هذا بهار من فلفل جاءنا من اليمن، فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتى يأتيكم الله من فضله، فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك.

(هامش)

(1) الظاهر أنه جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. فما في بعض الروايات من أنه ابن أبي طالب فليس في المستدرك. (*)

ص 269

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1). وقال محمد صدر العالم: أخرج البزار، وأبو بكر العاقولي في فوائده، والحاكم - وقال صحيح الإسناد - وابن مردويه، عن عبد الله بن بكير الغنوي، عن حكيم بن جبير، عن الحسن بن سعد مولى علي، عن علي: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يغزو غزاة، فدعا جعفرا... (2) وقال البدخشاني: أخرج الحاكم عن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال له: أما قولك: تقول قريش: ما أسرع تخلفه عن ابن عمه... (3). ورواه إبراهيم الوصابي اليمني: عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغزو بتبوك دعا جعفر بن أبي طالب، فأمره أن يتخلف على المدينة... (4). ورواه صاحب (تفسير شاهي) عن الاكتفاء، بتفسير قوله تعالى: *(وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب)*(5). وقال محمد بن إسماعيل الأمير: واعلم أنه لم يخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في غزاة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الفتح واتساع نطاق الإسلام وكثرة جيوش الإيمان، فإنها كانت في رجب سنة تسع

(هامش)

(1) المستدرك على الصحيحين 2 / 337. (2) معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط. (3) مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط. (4) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفا - مخطوط. (5) سورة ص: 4. (*)

ص 270

من الهجرة، وكانت أبعد الغزوات، وسافر فيها - صلى الله عليه وسلم - إلى بلاد الشام وجهته، فلم يطمئن قلبه في الاستخلاف إلى غير وصيه - صلى الله عليه وسلم -، أما في غيرها من الغزوات فقد كان فيها سيفه الذي يفلق به الهام ويسيل تحته مهج الطغام، وهذه الغزاة قد كثر فيها جند الإسلام، فكان تخليفه على أهله أهم، لبعد السفرة وخروجه - صلى الله عليه وسلم - عن بلاد العرب، وأنها لا تصلح المدينة إلا به أو بعلي عليه السلام. كما في بعض طرق الحديث: إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فكان استخلافه أرجح من خروجه (1). فقد عرفت أن رواة هذا اللفظ هم كبار الأئمة الأعلام، كالبزار، والحاكم - وصححه - والعاقولي، وابن مردويه الإصبهاني... هذا... ولكن ابن تيمية يقول: وأما قوله: ولأنه الخليفة مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فعند موته بطول الغيبة يكون أولى بأن يكون خليفة. فالجواب: إنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي غير واحد، استخلافا أعظم من استخلاف علي، واستخلف أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم عليا، وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع، فليس جعل علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة، بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه وأعظم مما استخلفه، وآخر استخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع، وكان علي باليمن وشهد معه الموسم، لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير على. فإن كان أصل بقاء الاستخلاف فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك. وبالجملة، فالاستخلاف على المدينة ليس من

(هامش)

(1) الروضة الندية في شرح التحفة العلوية (*)

ص 271

خصائصه، ولا يدل على الأفضلية، ولا على الإمامة، بل قد استخلف عددا غيره. ولكن هؤلاء جهال، يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين علي وغيره خاصة لعلي وإن كان غيره أكمل منه فيها، كما فعلوا في النصوص والوقائع، وهكذا فعلت النصارى، جعلوا ما أتى به المسيح من الآيات دالا على شيء يختص به من الحلول والاتحاد، وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما أتى به، وكان ما أتى به موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح... (1). وهذا الكلام كفر صريح، لكونه ردا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي ينص على اختصاص هذه الفضيلة الجليلة بأمير المؤمنين عليه السلام!! إنهم لا مناص لهم من الحكم بضلالته وتكفيره، وإنه لا يبقى ريب - بعدئذ - في أن جميع مساعي هذا الرجل وأمثاله في توهين هذا الاستخلاف ليست إلا عنادا ومخالفة للرسول الأكرم نفسه، لأنه هو الذي نص على اختصاص هذه المرتبة به وبعلي عليه السلام، فانظر إلى أين ينتهي دعوى ضعف هذا الاستخلاف كونه نقصا له!! ولكن ابن تيمية لا يتحرج من إساءة الأدب بالنسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وكذا أمير المؤمنين عليه السلام وعمار بن ياسر وغيرهما. بل إن كلامه المذكور إساءة أدب بالنسبة إلى عمر بن الخطاب ومعاوية وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من أئمته، الذين طالما حاول الذب والدفاع عنهم بالأكاذيب والأباطيل، وذلك، لأن حديث المنزلة يدل في نظر هؤلاء أيضا على شأن عظيم ومقام جليل، حق أنهم قد تمنوا حصول ذلك لهم في مقابل الدنيا وما فيها، فلولا دلالة الحديث على الأفضلية، لم يكن لما قالوه وتمنوه معنى! وهل يصفهم ابن تيمية حينئذ بالجهل؟! وهل يشبه حالهم بحال النصارى فيما ذكر؟

(هامش)

(1) منهاج السنة 7 / 337. (*)

ص 272

*(23)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث لا بد من أن أقيم أو تقيم

 وفي بعض طرق حديث المنزلة: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين عليه السلام لما أراد أن يخلفه على المدينة: لا بد أن أقيم أو تقيم ... وممن روى هذا اللفظ: ابن سعد: أخبرنا روح بن عبادة، نا عوف، عن ميمون، عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب: إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم. فخلفه، فلما فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم - غازيا، قال ناس: ما خلفه رسول الله إلا لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك عليا، فأتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إليه فقال له: ما جاء بك يا علي؟ قال: يا رسول الله، إني سمعت ناسا يزعمون أنك إنما خلفتني لشيء كرهته مني، فتضاحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا علي، أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي! قال: بلى يا رسول الله فإنه كذلك (1). وقال ابن حجر بشرح الحديث: قوله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. أي نازلا مني منزلة هارون من موسى. والباء زائدة. وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد: فقال علي: رضيت رضيت. أخرجه أحمد.

(هامش)

(1) الطبقات الكبرى 3 / 24. (*)

ص 273

ولابن سعد من حديث البراء وزيد بن أرقم في نحو هذه القصة: قال بلى يا رسول الله فإنه كذلك. وفي أول حديثهما إنه عليه السلام قال لعلي: لا بد من أن أقيم أو تقيم، فأقام علي، فسمع ناسا يقولون: إنما خلفه لشيء كرهه منه. فذكر له ذلك. فقال له. الحديث. وإسناده قوي (1). والحديث - كالحديث السابق عن الحاكم - صريح في اختصاص أمير المؤمنين عليه السلام بمقام لا يشاركه فيه غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم... فهو إذن أفضل وأرجح وأقدم ممن سواه، والحمد لله. فما تقول لابن تيمية وأمثاله من أصحاب الخرافات والترهات... في هذا المقام؟ ترجمة ابن سعد وابن سعد الراوي لهذا الحديث القوي، يعتبر من أكابر علمائهم المعتمدين وأئمتهم المتبحرين. 1 - قال ابن خلكان: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري البصري كاتب الواقدي. كان أحد الفضلاء الأجلاء، صحب الواقدي المذكور قبله زمانا، وكتب له فعرف به، وسمع من سفيان بن عيينة وأنظاره، وروى عنه أبو بكر ابن أبي الدنيا، وأبو محمد الحارث بن أبي أسامة التميمي وغيرهما، وصنف كتابا كبيرا في طبقات الصحابة والتابعين والخلفاء إلى وقته، فأجاد فيه وأحسن، وهو يدخل في خمس عشر مجلدة، وله طبقات أخرى صغرى. وكان صدوقا ثقة، ويقال: اجتمعت كتب الواقدي عند أربعة أنفس أولهم كاتبه محمد بن سعد المذكور، وكان كثير العلم واسع الحديث والرواية، كثير الكتبة لكتب الحديث والفقه وغيرهما.

(هامش)

(1) فتح الباري - شرح صحيح البخاري 7 / 60. (*)

ص 274

وقال الحافظ أبو بكر صاحب تاريخ بغداد في حقه: ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته، وهو من موالي الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب. وتوفي يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة 230 ببغداد، ودفن في مقبرة باب الشام وهو ابن 62 سنة. رحمه الله تعالى (1). 2 - الذهبي: الإمام الحبر أبو عبد الله محمد بن سعد الحافظ... قال أبو حاتم: صدوق (2). 3 - ابن حجر: صدوق فاضل (3). أقول: وكتابه (الطبقات) ذكره (كاشف الظنون) وقال: أعظم ما صنف فيه، جمع من الصحابة والتابعين والخلفاء (4).

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 4 / 351 رقم 645. (2) العبر - حوادث 1 230 / 320. (3) تقريب التهذيب 2 / 163 رقم 244. (4) كشف الظنون 2 / 1103. (*)

ص 275

*(24)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الاستخلاف لك من الأجر مثل مالي ومالك من المغنم مثل مالي

 ومما يبطل هفوات النواصب ومقلديهم، المنكرين دلالة حديث المنزلة والاستخلاف يوم غزوة تبوك، على الفضل المبين لأمير المؤمنين، بل يجعلونه من الفضائل العامة المشتركة، بل يدعونه عيبا ونقصا في حق سيد الموحدين... هذا الحديث الذي اشتمل على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له لدى استخلافه في ذلك الوقت: أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل مالي ومالك من المغنم مثل مالي . وهذا الحديث أخرجه الحافظ المحب الطبري، وجعل له عنوانا خاصا به، حيث قال: ذكر إختصاصه بأن له من الأجر ومن المغنم مثل ما للنبي صلى الله عليه وسلم. في غزوة تبوك - ولم يحضرها - عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غزوة تبوك: أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل مالي ومالك من المغنم مثل مالي. خرجه الخلعي (1). وفي هذا الحديث من كمال الشرف ونهاية العلو والإختصاص وسمو

(هامش)

(1) الرياض النضرة (3 - 4): 119. (*)

ص 276

المقام ما لا يخفى، فمن الذي يوازي أجره أجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقال بأنها فضائل عامة مشتركة؟ وكيف يكون الاستخلاف في تلك الواقعة دليلا على النقص والعيب والفساد العظيم... والحال أن أجره مثل أجر رسول الله؟ وهل بعد هذا الحديث قيمة لهفوات النواصب وسخافات المعاندين؟ وعلى الجملة، فهذا الحديث وجه آخر من وجوه دلالة حديث المنزلة على الأفضلية وتعين الخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام... لأن مقتضى المماثلة مع رسول الله في الأجر أن يكون أجره - عليه السلام - أكثر من أجر جميع الخلائق، والأكثرية في الأجر والثواب عين الأفضلية، كما لا يخفى على أولي الألباب. فالعجب من هؤلاء النواصب... يقول الرسول له: إن أقام يكون له من الأجر مثل أجره... ويقولون: إقامته في المدينة واستخلاف النبي إياه أضعف وأوهن من سائر الاستخلافات، وأنه يدل على نقص وعيب فيه، وعلى حصول فتنة عظيمة وفساد كبير بسببه!! ترجمة أبي الحسين الخلعي والخلعي الراوي لهذا الحديث، من كبار الفقهاء والمحدثين، فقد وصفه الذهبي ب‍ الإمام الفقيه القدوة مسند الديار المصرية (1) ووصفه بالدين والعبادة وعلو الإسناد (2). والأسنوي قال: فقيه صالح، له كرامات، وكان أعلى أهل مصر إسنادا (3). وذكره ابن خلكان بقوله:

(هامش)

(1) سير أعلام النبلاء 19 / 74. (2) العبر 2 / 366. (3) طبقات الشافعية 1 / 230 رقم 430. (*)

ص 277

أبو الحسين علي بن الحسن بن الحسين بن محمد القاضي، المعروف بالخلعي، الموصلي الأصل، المصري الشافعي، صاحب الخلعيات المنسوبة إليه، سمع أبا الحسن الحوفي، وأبا محمد ابن النحاس، وأبا الفتح العداس، وأبا سعد الماليني، وأبا القاسم الأهوازي، وغيرهم. قال القاضي عياض اليحصبي: سألت أبا علي الصدفي عنه - وكان قد لقيه لما رحل إلى البلاد الشرقية - فقال: فقيه وله تواليف، ولي القضاء يوما واحدا واستعفى وانزوى بالقرافة، وكان مسند مصر بعد الحبال. وذكره القاضي أبو بكر ابن العربي فقال: شيخ معتزل في القرافة، له علو في الرواية، وعنده فوائد. وقد حدث عنه الحميدي وكنى عنه بالقرافي... (1). وترجم له اليافعي حيث قال: الخلعي القاضي أبو الحسين المصري الفقيه الشافعي. سمع طائفة وانتهى إليه علو الإسناد بمصر. قال ابن سكرة: فقيه له تصانيف، ولي القضاء وحكم يوما واستعفى وانزوى في القرافة (2).

(هامش)

(1) وفيات الأعيان 3 / 317 رقم 444. (2) مرآة الجنان - حوادث 3 492 / 155. (*)

ص 278

*(25)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي

 ومن الدلائل: أنه لما استخلفه على المدينة في غزوة تبوك وقال له: أما ترضى أن تكون... علل ذلك بقوله: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ... وقد روى حديث المنزلة السياقة جمع كبير من أئمتهم وأعلام علمائهم، منهم: 1 - أحمد بن حنبل. 2 - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي. 3 - أبو عبد الله الحاكم النيسابوري. 4 - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي. 5 - علي بن الحسن المعروف بابن عساكر. 6 - أبو حامد محمود بن محمد الصالحاني. 7 - محمد بن يوسف الكنجي الشافعي. 8 - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري. 9 - إسماعيل بن عمر الدمشقي المعروف بابن كثير. 10 - شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني. 11 - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. 12 - عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين.

ص 279

13 - علي بن حسام الدين المتقي الهندي. 14 - شهاب الدين أحمد صاحب توضيح الدلائل. 15 - أحمد بن الفضل بن باكثير المكي. 16 - ميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني. 17 - ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي. 18 - محمد بن إسماعيل الأمير. 19 - أحمد بن عبد القادر الحفظي العجيلي. 20 - المولوي محمد مبين الكهنوي. رواية أحمد بن حنبل أخرجه أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، ثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلونا هؤلاء. قال فقال ابن عباس: بل أقوم معكم. قال - وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى - قال: فانتدوا فتحدثوا، فلا ندري ما قالوا. قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل: قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحب الله ورسوله، قال: فاستشرف لها من استشرف، قال: أين علي؟ قال: هو في الرحى يطحن. قال: وما كان أحدكم يطحن! قال: فجاء - وهو أرمد لا يكاد يبصر - قال: فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا. فأتاها إياه، فجاء بصفية بنت حيي. قال: ثم بعث فلانا بسورة التوبة، فبعث عليا خلفه، فأخذها منه، قال: لا

ص 280

يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه. قال: وقال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال - وعلي جالس - فأبوا. فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة. قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة. قال: وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*. قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه. قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر وعلي نائم قال وأبو بكر يحسب أنه نبي الله قال فقال: يا نبي الله. قال: فقال له علي: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه. قال: فانطلق أبو بكر، فدخل معه الغار. قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتضور، قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضور وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك. قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك. قال فقال له علي: أخرج معك؟ قال فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم - لا. فبكى علي. فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي؟ إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. قال: وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنت وليي في كل مؤمن بعدي.

ص 281

قال: وسد أبواب المسجد غير باب علي، قال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه وليس له طريق غيره. قال وقال: من كنت مولاه فإن مولاه علي. قال: وأخبرنا الله عز وجل في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم، هل حدثنا أنه سخط عليهم بعد. قال: وقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر حين قال: ائذن لي فلأضرب عنقه - قال: وكنت فاعلا؟ وما يدريك، لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم (1). وأخرجه أحمد في المناقب بنفس السند حيث قال: حدثنا يحيى بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا أبو بلج قال: حدثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط... قال: وخرج بالناس في غزاة تبوك. فقال علي: أخرج معك؟ فقال نبي الله: لا. فبكى علي. فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي... (2). وأما رواية أبي يعلى الموصلي فتعلم من (تاريخ ابن كثير). رواية الحاكم وأما رواية الحاكم... فقد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد من أصل كتابه، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا

(هامش)

(1) مسند أحمد 1 / 544 رقم 3052 الطبعة الجديدة. و1 / 331 الطبعة القديمة. (2) مناقب أمير المؤمنين: 311 رقم 291. (*)

ص 282

يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، ثنا أبو بلج، ثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس، إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء. قال: فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم. قال - وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى - قال فانتدوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا. قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: اف وتف، وقعوا في رجل له بضع عشر فضائل... قال ابن عباس: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وخرج الناس. فقال له علي: أخرج معك. قال فقال النبي: لا، فبكى علي فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي... هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. وقد حدثنا السيد الأوحد أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي رضي الله عنه، ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن مهرويه القزويني القطان قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: كان يعجبهم أن يجدوا الفضائل من رواية أحمد بن حنبل رضي الله عنه (1). ورواه الموفق بن أحمد بقوله: أخبرنا أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أحمد ابن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا يحيى ابن حماد، أخبرنا أبو عوانة، أخبرنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس... قال ابن عباس: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ فقال النبي: لا، فبكى علي فقال

(هامش)

(1) المستدرك 3 / 132 - 133. (*)

ص 283

له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي (1). أما رواية ابن عساكر فتعلم من عبارة (كفاية الطالب) و(وسيلة المآل) و(الرياض النضرة) وغيرها: رواية ابن عساكر ورواه الكنجي عن طريق ابن عساكر، فقال: روى إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده قصة نوم علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث طويل، وتابعه الحافظ محدث الشام في كتابه المسمى بالأربعين الطوال. فأما حديث الإمام أحمد، فأخبرنا قاضي القضاة حجة الإسلام أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة أبي المعالي محمد بن علي القرشي قال: أخبرنا حنبل ابن عبد الله المكبر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي. وأما الحديث الذي في الأربعين الطوال، فأخبرنا به القاضي العلامة مفتي الشام أبو نصر محمد بن هبة الله ابن قاضي القضاة شرقا وغربا أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن جميل الشيرازي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي،

(هامش)

(1) المناقب: 125 رقم 140. (*)

ص 284

حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط... وخرج بالناس في غزوة تبوك قال فقال علي: أخرج معك؟ قال فقال له النبي: لا. فبكى علي. فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي (1). رواية المحب الطبري ورواه محب الدين الطبري حيث قال: ذكر اختصاصه بعشر: عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس، إذ أتاه سبعة رهط... وخرج بالناس في غزوة تبوك. قال: فقال له علي: أخرج معك؟ فقال النبي: لا. فبكى علي. فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي... أخرجه بتمامه أحمد، والحافظ أبو القاسم في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه (2). رواية ابن كثير ورواه الحافظ ابن كثير الدمشقي بعد رواية أبي يعلى حديث خيبر عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس: وهذا غريب من هذا الوجه، وهو مختصر من حديث طويل، رواه أحمد عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس. فذكره بتمامه فقال أحمد... وخرج

(هامش)

(1) كفاية الطالب: 241. (2) الرياض النضرة (3 - 4): 174. (*)

ص 285

بالناس في غزوة تبوك... (1). رواية ابن حجر العسقلاني ورواه ابن حجر العسقلاني بقوله: أخرج أحمد والنسائي من طريق عمرو بن ميمون: إني لجالس عند ابن عباس، إذ أتاه سبعة رهط. فذكر قصة فيها: فجاء ينفض ثوبه فقال: وقعوا في رجل له عشر... وقال له في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي... (2). رواية جلال الدين السيوطي ورواه جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي في كتابه (جمع الجوامع) بلفظ: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، ألا إنه لا ينبغي لي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. حم ك. عن ابن عباس . وتجده عند المتقي الهندي بنفس هذا اللفظ (3). ورواه عبد الوهاب بن محمد بن رفيع في (تفسيره) كذلك عن ابن المغازلي بسنده عن ابن عباس. ورواه شهاب الدين أحمد صاحب (توضيح الدلائل): عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس رضي الله تعالى

(هامش)

(1) تاريخ ابن كثير 7 / 338. (2) الإصابة 4 / 270. الطبعة الجديدة. (3) كنز العمال 11 / 606 رقم 32931. (*)

ص 286

عنهم إذ أتاه سبعة رهط... وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك فقال له علي: أخرج معك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا. فبكى علي رضوان الله تعالى عليه، فقال النبي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي من بعدي... رواه الصالحاني بإسناده إلى الحافظ أبي يعلى الموصلي بإسناده. وهذا حديث حسن متين. ورواه الطبري وقال: أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال. وأخرج النسائي بعضه . ورواه ابن باكثير المكي أيضا: عن عمرو بن ميمون - رضي الله عنهما - قال: أنا جالس إلى ابن عباس - رضي الله عنهما -... قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الناس للغزوة فقال له علي: أخرج معك؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا. قال: فبكى علي - رضي الله عنه - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي... أخرج هذا الحديث بتمامه: أحمد بن حنبل، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهذه القصة مشهورة، ذكرها ابن إسحاق وغيره (1). ورواه الميرزا البدخشاني بقوله: أخرج أحمد والحاكم عن ابن عباس - رضي الله عنه - إن النبي صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك - أما ترضى

(هامش)

(1) وسيلة المآل - مخطوط. (*)

ص 287

أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي لي أن أذهب إلا وأنت خليفتي (1). رواية شاه ولي الله ورواه والد الدهلوي أيضا حيث قال - في (إزالة الخفا) -: أخرج الحاكم والنسائي عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط... فقال ابن عباس: وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ قال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا. فبكى علي. فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي . رواية محمد بن إسماعيل الأمير ورواه محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في (الروضة الندية) حيث قال: وقد اختصه الله تعالى ورسوله بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام، ولا تفنى بفناء الليالي والأيام، مثل اختصاصه بأربع ليست في أحد غيره، كما أخرجه العلامة أبو عمر ابن عبد البر من حديث بحر الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما... وكاختصاصه بعشر، كما أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه، من حديث عمرو ابن ميمون... .

(هامش)

(1) مفتاح النجا - مخطوط. (*)

ص 288

وقال أحمد بن عبد القادر العجيلي: وأما الولاية الهارونية فإنه خلفه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله، تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. رواه ابن عباس. وفي ذلك إشارات وسيأتي بعضها (1). أقول: أليست هذه منقبة جليلة ومرتبة رفيعة خاصة بأمير المؤمنين ولا يشاركه فيها إلا النبي صلى الله عليهما وآلهما؟ إن هذه السياقة دليل آخر على بطلان مزاعم النواصب، وخرافات الذين تبعوهم، في مقام رد الاستدلال بهذا الحديث الشريف... ولا يخفى دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم، لأن أن أذهب في قوة ذهابي وهو اسم جنس مضاف، وقد عرفت أن اسم الجنس الجائز منه الاستثناء قطعا من ألفاظ العموم... و الذهاب إلى الرب فرد من الأفراد، فأمير المؤمنين عليه السلام هو الخليفة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى فرض تقييد هذا الذهاب بزمن الخروج إلى غزوة تبوك، فلا كلام في دلالته حينئذ على الأفضلية، والأفضلية مستلزمة للإمامة والخلافة العامة (2).

(هامش)

(1) ذخيرة المآل - شرح عقد جواهر اللآل - مخطوط. (2) وقد بحثنا عن هذا الحديث بشيء من التفصيل في ملحق حديث الولاية، في الجزء 16 من كتابنا، فراجعه. (*)

ص 289

الجواب عن مناقشة المحب الطبري في المقام

وكأن المحب الطبري قد التفت إلى ما يدل عليه هذا الحديث - مطابقة أو بالاستلزام - من بطلان خلافة المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام، فحاول توجيه الحديث بما لا يتنافى ومذهبهم... وهذه عبارته: قوله: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. المراد به - والله أعلم - خليفتي على أهلي، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلفه إلا عليهم، والقرابة مناسبة لذلك، واستخلف - صلى الله عليه وسلم - على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري، وقيل: سباع بن عرفطة. ذكره ابن إسحاق وقال: خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك عليا على أهله وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف المنافقون على علي وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا. قال: فأخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجرف فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني. فقال: كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى - يا علي - أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. أو يكون المعنى: إلا وأنت خليفتي في هذه القضية، على تقدير عموم استخلافه في المدينة - إن صح ذلك - ويكون ذلك لمعنى اقتضاه في تلك المرة، علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهله غيره. يدل عليه: أنه - صلى الله عليه وسلم - استخلف غيره في قضايا كثيرة ومرات عديدة. أو يكون المعنى: الذي يقتضيه حالك وأمرك أن لا أذهب في جهة إلا وأنت خليفتي، لأنك مني بمنزلة هارون من موسى، لمكان قربك مني وأخذك

ص 290

عني، لكن قد يكون شخوصك معي في وقت أنفع من استخلافك، أو يكون الحال تقتضي أن المصلحة في استخلاف غيرك، فيتخلف حكم الاستخلاف عن مقتضاه لعارض أقوى منه يقتضي خلافه. وليس في شيء من ذلك كله ما يدل على أنه الخليفة بعد موته صلى الله عليه وسلم (1). أقول: لا يخفى على أصحاب الألباب السليمة وأرباب العقول غير السقيمة، أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي مطلق غير مقيد، فحمل لفظ خليفتي على خلافة خاصة بالأهل أو بهذه القضية، حمل بلا دليل وتقييد بلا مقيد، وما أشبه هذا التقييد بتقييد أهل الكتاب نبوة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ورسالته بأنها إلى العرب خاصة دون سائر الخلق، فإنهم لما عجزوا عن إنكار أصل نبوته ورسالته عمدوا إلى تقييدها بالعرب. أما دعوى حصر استخلافه على الأهل، فبطلانها يظهر من تصريحات أئمتهم بأن الاستخلاف كان على المدينة. أما أن القرابة مناسبة لذلك، فإن كان المراد حصر خلافته بهم، فظاهر البطلان، وإن كان المراد أن بين القرابة والخلافة مناسبة، فهذا لا ينفي الخلافة على غير الأهل. وأما قوله: أو يكون المعنى إلا وأنت خليفتي في هذه القضية على تقدير عموم استخلافه في المدينة إن صح ذلك... . فتوجيه مبطل لخرافات أئمة مذهبه القائلين بأن هذا الاستخلاف من

(هامش)

(1) الرياض النضرة (1 - 2): 225 - 226. (*)

ص 291

الأوصاف العامة المشتركة، بل جعلوا استخلافه أضعف وأوهن من سائر الاستخلافات، لأنه إذا كان عليه السلام هو المستحق للخلافة - دون غيره - ولو لمعنى اقتضاه في هذه المرة، علمه الرسول وجهله النواصب، فقد ثبت اختصاصه عليه السلام بالشرف التام غير الحاصل لسواه، وسقط توهم اشتراك الآخرين معه في تلك الفضيلة... وعليه، فتكون الخلافة بعد الوفاة - بالأولوية القطعية - منحصرة فيه عليه السلام، وهذا بديهي ظاهر لا ينكره إلا معاند مكابر. وأما قوله: أو يكون المعنى: الذي يقتضيه حالك وأمرك... . فتقرير أولى من سابقه في الدلالة على مطلوب الإمامية، لأن قوله: لا أذهب في جهة يدل على العموم، للنكرة الواقعة في سياق النفي، ومن ذلك الذهاب إلى رب الأرباب فإذا، يكون الحديث - على هذا التقرير - دالا على أفضليته وإمامته وخلافته بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. لأن الأفضل هو المتعين للخلافة والإمامة، كما اعترف هو بذلك حيث قال في الفصل الثالث في خلافة أبي بكر من الباب الأول من مناقب القسم الثاني: وأحاديث أفضليته كلها دليل على تعينه، على قولنا: لا ينعقد ولاية المفضول عند وجود الأفضل . وأما أنه قد يكون شخوصه معه في وقت أنفع من استخلافه، فمن الواضح: أولا: إن هذا المعنى غير متحقق عند ذهابه إلى ربه، إذ لم يذهب معه حينئذ، فحكم استخلافه باق على حاله. وثانيا: تخلف حكم الاستخلاف بسبب كون الشخوص أنفع، غير قادح في دلالة الحديث على الأفضلية، لأن المعنى حينئذ أنه حيث لا مانع من شخوصه مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تكون الخلافة منحصرة فيه، وهذه مرتبة غير حاصلة لغيره، فيكون هو الأفضل.

ص 292

وأما قوله: أو يكون الحال تقتضي أن المصلحة في استخلاف غيرك... . فإن كان المراد أن المصلحة في استخلاف غيره متفرعة على كون شخوصه أنفع، فقد عرفت حال ذلك. وإن كان المراد قلب الموضوع، بمعنى أن المصلحة أولا وبالذات متعلقة باستخلاف غيره، لا أنها متعلقة أولا وبالذات بشخوصه، فهذا معاندة صريحة ومخالفة واضحة مع كلامه صلى الله عليه وآله وسلم، إذ أنه يدل على اختصاص الاستخلاف به. على أنا نقول - بناء عليه - أنه عند ذهابه صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربه هل تعلقت المصلحة باستخلاف غيره عليه السلام أو لا؟ فعلى الثاني تنحصر الخلافة فيه، وعلى الأول: يجب استخلاف غيره، لكن استخلاف أبي بكر غير متحقق عند أهل السنة - كما اعترف به (الدهلوي) وغيره - فإذا، لا مصلحة في استخلاف غير أمير المؤمنين عليه السلام، فالخلافة منحصرة فيه... وكيف يدعى استخلافه أبا بكر وهم يروون عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرض باستخلاف أبي بكر وعمر؟!

ص 293

*(26)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم له بعد الحديث أنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي

 وروى الحافظ النسائي في كتاب (الخصائص)، الذي صنفه رجاء لهداية المنحرفين عن أمير المؤمنين، كما ذكر ابن حجر بترجمته، عن أبي بكر المأموني أنه سأله عن تصنيفه هذا الكتاب فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله (1) وقد جعل (الدهلوي) هذا الكتاب من الأدلة الدالة على براءة أهل السنة من بغض أمير المؤمنين عليه السلام (2). روى النسائي في كتابه المذكور قائلا: ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي - رضي الله عنه - إن الله عز وجل لا يخزيه أبدا: أخبرنا محمد بن المثنى قال: ثنا وضاح - وهو أبو عوانة - قال: حدثنا يحيى بن أبي سليم، حدثنا عمرو بن ميمون قال قال: إني لجالس إلى ابن عباس رضي الله عنهما، إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: إما أن تقوم معنا وإما أن تخلونا بهؤلاء - وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى - قال: أنا أقوم معكم، فتحدثوا فلا أدري ما قالوا، فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول: اف وتف، يقعون في رجل له عشر: وقعوا في رجل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبعثن رجلا

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 1 / 33. (2) التحفة الاثنا عشرية: 63. (*)

ص 294

يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يخزيه الله أبدا، وأشرف من استشرف. فقال: أين علي؟ قيل: هو في الرحى يطحن. قال: وما كان أحدكم ليطحن من قبله! فدعاه وهو أرمد وما كان أن يبصر، فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثا فدفعها إليه، فجاء بصفية بنت حيي. وبعث أبا بكر بسورة التوبة، وبعث عليا خلفه، فأخذها منه، فقال: لا يذهب بها إلا رجل من أهل بيتي هو مني وأنا منه. ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين وعليا وفاطمة، فمد عليهم ثوبا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وكان أول من أسلم من الناس معه بعد خديجة. ولبس ثوب النبي وهم يحسبون أنه نبي الله، فجاء أبو بكر فقال علي: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذهب نحو بئر ميمون، فأتبعه فدخل معه الغار، فكان المشركون يرمون عليا حتى أصبح. وخرج بالناس في غزوة تبوك فقال علي: أخرج معك؟ فقال: لا، فبكى، فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي. ثم قال: أنت خليفتي - يعني في كل مؤمن بعدي. قال: وسد أبواب المسجد... (1). أقول: وهذا الحديث نص صريح في مطلوب الإمامية، وهو أن حديث المنزلة

(هامش)

(1) الخصائص: 47 رقم 24. (*)

ص 295

ليس استخلافا جزئيا، وإنما يدل على الخلافة والولاية العامة على كل مؤمن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذهبت خرافات النواصب والمشككين أدراج الرياح، ولم يعد لها أي قيمة في سوق الاعتبار. اعتبار كتاب الخصائص وكتاب (الخصائص) قد عرفت السبب في تصنيفه، فلا بد وأن تكون أخباره معتبرة عندهم، ليتمكن من هداية النواصب بها. على أن في كلمات الأكابر أن النسائي صنف كتابه (الخصائص) للاستدلال والاحتجاج، فقد ذكر ابن حجر العسقلاني عند بيان الرموز الموضوعة في كتاب (تهذيب الكمال للمزي) الذي هذبه، بقوله: للستة: ع، وللأربعة: ع، وللبخاري: خ، ولمسلم: م... وللنسائي في اليوم والليلة: سي، وفي مسند مالك: كز، وفي خصائص علي: ص. وفي مسند علي: عس، ولابن ماجة في التفسير فق. هذا الذي ذكره المؤلف من تآليفهم، وذكر أنه ترك تصانيفهم في التواريخ عمدا، لأن الأحاديث التي تورد فيها غير مقصودة بالاحتجاج... وأفرد: (عمل يوم وليلة) للنسائي عن السنن، وهو من جملة كتاب السنن في رواية ابن الأحمر وابن سيار، وكذلك أفرد (خصائص علي) وهو من جملة المناقب في رواية ابن سيار، ولم يفرد التفسير وهو من رواية حمزة وحده، ولا كتاب الملائكة، والاستعاذة، والطب، وغير ذلك، وقد تفرد بذلك راو دون راو، عن النسائي، فما تبين لي وجه إفراده الخصائص، وعمل اليوم والليلة، والله

ص 296

الموفق (1). فكتاب (الخصائص) من الكتب المصنفة للاحتجاج، مضافا إلى إنه من كتاب (السنن) الذي هو أحد الصحاح عندهم. وعلى هذا، فالحديث المذكور معتبر صالح للاحتجاج والاستدلال. صحة الحديث المزبور هذا، على أنا إذا لاحظنا رجال الحديث المزبور بخصوصه، وجدناهم ثقات معتبرين، ومن رجال الصحيح: أما محمد بن المثنى فمن الحفاظ الثقات الكبار. قال الذهبي: محمد ابن المثنى، أبو موسى العنزي، الحافظ، عن ابن عيينة وعبد العزيز. وعنه ع وأبو عروبة والمحاملي. ثقة ورع،. مات 252 (2). وقال ابن حجر: ثقة ثبت (3). وأما أبو عوانة وضاح و أبو بلج يحيى بن أبي مسلم و عمرو بن ميمون فكلهم من الثقات المعتمدين والمعتبرين... وقد عرفت إخراج الحاكم الحديث من طريقهم وتصحيحه إياه... كما روى الحافظ ابن عبد البر - الذي وصفه (الدهلوي) بالأعلمية من الخطيب والبيهقي وابن حزم - حديث السبق إلى الإسلام عن هذا الطريق، ونص على أن لا مطعن لأحد في صحته وهذا نص كلامه: حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن

(هامش)

(1) تهذيب التهذيب 1 / 5 - 6. (2) الكاشف 3 / 82 رقم 5219. (3) تقريب التهذيب 2 / 204 رقم 666. (*)

ص 297

زهير بن حرب قال: ثنا الحسن بن حماد قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: كان علي أول من آمن بالله من الناس بعد خديجة. قال أبو عمرو: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد، لصحته وثقة نقلته (1). وكيف يسوغ لهم الطعن في سنده، و وضاح و عمرو بن ميمون من رجال كل الصحاح، و أبو بلج من رجال الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود؟

(هامش)

(1) الاستيعاب 3 / 1091 - 1092. (*)

ص 298

*(27)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الحديث وأنت خليفتي

 وروى الحافظ سبط ابن الجوزي بعد حديث المنزلة: وقد أخرج الإمام أحمد هذا الحديث في كتاب الفضائل الذي صنفه لأمير المؤمنين: أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود البزار قال: أنبأ أبو الفضل محمد بن ناصر السلمي، أنبأ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أنبأ أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف، أنبأ أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيد، عن أبي بردة قال: خرج علي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع - وهو يبكي - ويقول: خلفتني مع الخوالف، ما أحب أن تخرج في وجه إلا وأنا معك. فقال صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة وأنت خليفتي (1). وهذا - هو الآخر - نص صريح على الخلافة العامة والولاية الكبرى.

(هامش)

(1) تذكرة خواص الأمة: 19. (*)

ص 299

*(28)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث خلفتك أن تكون خليفتي

 وقد روي حديث المنزلة باللفظ الآتي: عن علي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خلفتك أن تكون خليفتي. قلت: أتخلف عنك يا رسول الله؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. طس أي: الطبراني في المعجم الأوسط (1). أقول: فهذا استخلاف على المدينة، وبه نص الأئمة، وإذا ثبتت هذه الخلافة، فإنها تستصحب قطعا حتى يتحقق الرافع لها، ومن الواضح عدم الرافع الصريح التام. ودعوى انقطاعها - لكونها مقيدة بمدة الغيبة - من البطلان بمكان، كدعوى العزل برجوعه صلى الله عليه وآله وسلم من الغزوة. وإذا استصحبت هذه الخلافة وأبقيت، فإنها تكون باقية بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، وتقدم غيره عليه فيها باطل، وذلك: أولا: لأن خلافة غيره عليه السلام خلاف الإجماع المركب، لأن الخلافة على من بالمدينة المنورة - ومنهم الأزواج - ثبتت لأمير المؤمنين عليه السلام،

(هامش)

(1) كنز العمال 13 / 158 رقم 36488. (*)

ص 300

فهي ثابتة له بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. وثانيا: إثبات الخلافة المطلقة لغيره عليه السلام، يستلزم أن يكون على أهل المدينة خليفتان في وقت واحد، أحدهما أمير المؤمنين عليه السلام، والآخر أحد الأفراد الآخرين المدعى لهم الخلافة، وهذا واضح البطلان، لحصول الإجماع على عدم جوازه. قال السيد المرتضى: فإن قيل: فقد ذكرتم أن التعلق بالاستخلاف على المدينة طريقة معتمدة لأصحابكم، فبينوا وجه الاستدلال بها. قلنا: الوجه في دلالتها أنه قد ثبت استخلاف النبي عليه السلام لأمير المؤمنين عليه السلام لما توجه إلى غزاة تبوك، ولم يثبت عزله عن هذه الولاية بقول من الرسول عليه السلام، ولا دليل، فوجب أن يكون الإمام، لأن حاله لا تتغير. فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة يقتضي عزله وإن لم يقع العزل بالقول. قلنا: إن الرجوع ليس بعزل عن الولاية عن عادة ولا عرف، وكيف يكون العود من الغيبة عزلا أو مقتضيا للعزل؟ وقد يجتمع الخليفة والمستخلف في البلد الواحد، ولا ينفي حضوره الخلافة له، وإنما يثبت في بعض الأحوال العزل بعود المستخلف إذا كنا قد علمنا أن الاستخلاف تعلق بحال الغيبة دون غيرها، فيكون الغيبة كالشرط فيه، ولم يعلم مثل ذلك في استخلاف أمير المؤمنين. فإن عارض معارض بمن روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلفه كمعاذ وابن أم مكتوم وغيرهما. فالجواب عنه قد تقدم وهو: إن الإجماع على أنه لا حظ لهؤلاء بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في إمامة ولا فرض طاعة، يدل ذلك على ثبوت عزلهم.

ص 301

فإن تعلق باختصاص هذه الولاية، وأنها كانت مقصورة على المدينة، فلا يجوز أن تقتضي الإمامة التي تعم. فقد مضى الكلام على الاختصاص في هذا الفصل مستقصى (1). أقول: وهذه عبارته الماضية التي أشار إليها طاب ثراه: فأما قوله: إنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لما خلفه بالمدينة، لم يكن له أن يقيم الحدود في غيرها، وأن مثل ذلك لا يعد إمامة، فهو كلامه على من تعلق بالاستخلاف، لا في تأويل الخبر. وقد قدمنا ما هو جواب عنه فيما تقدم، وقلنا: إنه إذا ثبت له عليه السلام بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فرض الطاعة واستحقاق التصرف، بالأمر والنهي في بعض الأمة، وجب أن يكون إماما على الكل، لأنه لا أحد من الأمة ذهب إلى اختصاص ما يجب له في هذه الحال، فكل من أثبت له هذه المنزلة أثبتها عامة على وجه الإمامة لا الإمارة، فكان الإجماع مانعا من قوله، فيجب أن يكون بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - إماما لا أميرا، لما بيناه من أن وجوب فرض الطاعة إذا ثبت، بطل أن يكون أميرا مختص الولاية بالإجماع، فلا بد من أن يكون إماما، لأن الإمارة أو ما يجري مجراها من الولايات المختصة إذا انتفت مع ثبوت وجود الطاعة، فلا بد من ثبوت الإمامة (2). وعلى الجملة، فإن خلافة الإمام عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - باستخلافه على المدينة، بعد عدم ثبوت عزله، ولزوم خرق

(هامش)

(1) الشافي في الإمامة 3 / 52 - 53. (2) الشافي في الإمامة 3 / 51. (*)

ص 302

الإجماع المركب في صورة بقاء هذه الخلافة وانتفاء الخلافة العامة عنه - ثابتة بالقطع واليقين، ولا يتمكن أهل السنة من الجواب عنها، مهما حاولوا وتمحلوا... استدلالهم باستخلاف أبي بكر في الصلاة ولا أصل له بل لقد تمسك أهل السنة بمثل هذا الدليل لإثبات خلافة أبي بكر، بزعم استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياه في الصلاة: قال الفخر الرازي في الحجج على خلافته: الحجة التاسعة: إنه عليه السلام استخلفه على الصلاة أيام مرض موته وما عزله عن ذلك، فوجب أن يبقى بعد موته خليفة له في الصلاة، وإذا ثبت خلافته في الصلاة ثبت خلافته في سائر الأمور، ضرورة أنه لا قائل بالفرق (1). وقال الأصفهاني: الثالث: النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر في الصلاة أيام مرضه، فثبت الاستخلاف في الصلاة بالنقل الصحيح، وما عزل النبي أبا بكر عن خلافته في الصلاة، فبقي كون أبي بكر خليفة في الصلاة بعد وفاته، وإذا ثبت خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاته في الصلاة، ثبت خلافة أبي بكر بعد وفاته في غير الصلاة، لعدم القائل بالفصل (2). أقول: هذا الاستخلاف متوقف على تمامية المقدمة الأولى، والإمامية لا يوافقون على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلف أبا بكر في الصلاة

(هامش)

(1) كتاب الأربعين في أصول الدين: 292. (2) شرح الطوالع - مخطوط. (*)

ص 303

أبدا... بل إن عدمه هو الثابت، لوجوه كثيرة منها كون ذلك منافيا لدخوله في جيش أسامة الثابت بإفادات الأكابر وروايات الثقات كما في (فتح الباري) (1) وغيره (2). ولكن قد تحقق بالأدلة القاطعة استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام، واعترف بذلك أعاظم القوم، وحتى النواصب لم يتمكنوا من إنكاره، وإن زعموا كونه مقصورا على الأهل، لأن ثبوت الخلافة على بعض الأمة كاف لثبوتها مطلقا لعدم القول بالفصل... وهذا الاستدلال من القوة والمتانة بمثابة ألجأ التفتازاني إلى ذكره في هذا المقام فقال: وأما الجواب بأن النبي - صلى لله عليه وسلم - لما خرج إلى غزوة تبوك استخلف عليا - رضي الله تعالى عنه - على المدينة، وأكثر أهل النفاق في ذلك. فقال علي - رضي الله عنه -: يا رسول الله أتتركني مع الأخلاف؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وهذا لا يدل على خلافته، كابن أم مكتوم - رضي الله تعالى عنه - استخلفه على المدينة في كثير من غزواته. فربما يدفع بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. بل ربما يحتج بأن استخلافه على المدينة وعدم عزله عنها، مع أنه لا قائل بالفصل، وأن الاحتياج إلى الخليفة بعد الوفاة أشد وأوكد منه في حال الغيبة، يدل على كونه خليفة (3). لقد ذكر التفتازاني هذا الاحتجاج وسكت عنه، والسكوت بعد نقل الكلام

(هامش)

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 124. (2) لنا رسالة في صلاة أبي بكر في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطبوعة ضمن (الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب السنة) فعلى الباحثين مراجعتها. (3) شرح المقاصد 5 / 275 - 276. (*)

ص 304

- كما في مثل هذا المقام - دليل على الرضا والتسليم عند (الدهلوي) وتلميذه الرشيد، بل عند الكل. ومن الغرائب: معارضتهم - كما في إنسان العيون وغيره - استدلال أصحابنا بالاستخلاف على المدينة في غزوة تبوك، بخلافة ابن أم مكتوم وغيره، ولا يعارضون استدلالهم بإمامة أبي بكر في الصلاة - مع أنها لا أصل لها - بإمامة ابن أم مكتوم وغيره في الصلاة، مع أنهم يجوزون الصلاة خلف كل بر وفاجر!! معارضتهم باستخلاف ابن أم مكتوم على المدينة وأما المعارضة - التي أوردها التفتازاني - باستخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن أم مكتوم على المدينة فمردودة بوجوه: الأول: إنه لم يثبت عند الإمامية إطلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفظ الخليفة على ابن أم مكتوم وأمثاله، غاية الأمر أنه صلى الله عليه وآله وسلم نصب ابن أم مكتوم أو غيره لحراسة المدينة في بعض الأوقات، أما في حق أمير المؤمنين فقد ورد لفظ الخليفة في كثير من النصوص. الثاني: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فرض طاعة أمير المؤمنين في استخلافه على المدينة على أزواجه إطاعة مطلقة، فإطاعته فرض على غيرهن أيضا، لعدم القول بالفصل، وهذا المعنى غير ثابت لابن أم مكتوم وغيره، وهذا فرق كبير جدا، يمنع من قياس استخلافه الإمام عليه السلام على حال الآخرين. أما إيجابه طاعته على أزواجه، فقد رواه السيد جمال الدين المحدث - وهو من كبار المحدثين، ومن مشايخ (الدهلوي)، وقد أثنى عليه الشيخ علي

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب