نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 305

القاري وغيره بما لا مزيد عليه - في كتابه (روضة الأحباب) كما رواه أبو عبد الله الحاكم في كتابه (الإكليل) عن عطاء بن أبي رباح، أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم بعد حديث المنزلة: يا علي، اخلفني في أهلي، واضرب، وحد، وعظ. ثم دعا نساءه فقال: إسمعن لعلي وأطعن . وإذا وجبت الطاعة فقد وجبت الإمامة، وكذلك صرح (الدهلوي) في مقام الاستدلال بقوله تعالى: *(قل للمخلفين من الأعراب)*. الثالث: إن هذه الخلافة مقرونة بجمل أمثال: لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي و إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك و لا بد أن أقيم أو تقيم فهي شرف عظيم ومقام جليل، لا يقاس به أي استخلاف آخر. الرابع: إنه قام الإجماع على عدم خلافة ابن أم مكتوم وغيره بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يعارض بحكومة من قام الإجماع على عدم خلافته، خلافة أمير المؤمنين عليه السلام المطلقة العامة؟ الخامس: إن ابن أم مكتوم وغيره من الصحابة، غير صالحين للخلافة الكبرى، فذكرهم في مقابلة أمير المؤمنين عليه السلام ليس إلا تعصبا فاحشا... قال ابن تيمية: وأيضا - فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة، لا بد لكل ولي أمر، وليس كل من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يستخلف بعد الموت، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف في حياته غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته، كما استعمل ابن أم مكتوم الأعمى في حياته وهو لا يصلح للخلافة بعد موته، وكذلك بشير بن عبد المنذر وغيره (1).

(هامش)

(1) منهاج السنة 7 / 339. (*)

ص 306

ومن بدائع العثرات قول الفخر الرازي: الشبهة الرابعة عشر، وهي: إنه عليه السلام استخلفه في غزاة تبوك. فنقول: لما لا يجوز أن يقال: ذلك الاستخلاف كان مقدرا بمدة ذلك السفر، فلا جرم انتهى ذلك الاستخلاف بانقضاء تلك المدة. وأيضا، فإنه معارض باستخلاف النبي عليه السلام أبا بكر حال مرضه في الصلاة. فإن أنكروا ذلك أنكرنا ذلك (1). وذلك: لأن دعوى التقدير قد عرفت سقوطها، لعدم الدليل عليها، مع إطلاق وعموم اللفظ. ودعوى المعارضة بالصلاة المذكورة مكابرة غريبة، لأن استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام متفق عليه بين الفريقين ومسلم به حتى من النواصب، فلا يجوز معارضته بما لا يرويه سواهم. وقوله: فإن أنكروا ذلك أنكرنا ذلك ليس إلا تعصبا. الاستدلال بآية الغار على الإمامة والخلافة ولا يخفى أن النيسابوري يستدل بآية الغار على خلافة أبي بكر ووصايته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وهذه خرافة أخرى، وإليك عبارته: بتفسير *(إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا...)*(2): إستدل أهل السنة بالآية على أفضلية أبي بكر، وغاية اتحاده ونهاية صحبته وموافقة باطنه وظاهره، وإلا لم يعتمد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل تلك الحالة، وأنه كان ثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار،

(هامش)

(1) كتاب الأربعين في أصول الدين: 300. (2) سورة التوبة 9 / 40. (*)

ص 307

وفي العلم لقوله - صلى الله عليه وسلم - ما صب في صدري شيء إلا وصببته في صدر أبي بكر، وفي الدعوة إلى الله، لأنه صلى الله عليه وسلم عرض الإيمان أولا على أبي بكر فآمن، ثم عرض أبو بكر الإيمان على طلحة والزبير وعثمان ابن عفان وجماعة أخرى من أجلة الصحابة، وكان لا يفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ثاني اثنين من أول أمره إلى آخره. ولو قدرنا أنه توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك السفر، لزم أن لا يقوم بأمره ولا يكون وصيه إلا أبو بكر، وأن لا يبلغ ما حدث في ذلك الطريق من الوحي والتنزيل إلا أبو بكر (1). أقول: نفس هذا التقرير جار بالنسبة إلى استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام حرفا بحرف، فإنه لو قدر وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تلك السفرة لكان أمير المؤمنين عليه السلام هو القائم بأمره والخليفة من بعده... مع أنه فرق واضح بين الموردين، إذ لا دليل على ما ذكره النيسابوري بالنسبة إلى أبي بكر، لأن مجرد الاستصحاب في الغار لا يستلزم المعنى الذي ذكره، مضافا إلى وجود عامر بن فهر وعبد الله بن الأريقط مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخروج إلى المدينة، بخلاف استخلاف أمير المؤمنين عليه السلام، ففيه إطلاق لفظ الخلافة وغير ذلك مما تقدم، وفيه أمر الأزواج بالإطاعة والسماع لأمير المؤمنين عليه السلام... هذا فيما يتعلق بموضوع البحث.

(هامش)

(1) تفسير النيسابوري 3 / 471. (*)

ص 308

وأما تفصيل الكلام حول دلالة آية الغار على فضيلة لأبي بكر، فله مجال آخر. وأما حديث صلاته في مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أشرنا إلى حقيقة الحال فيه، وخلاصة الكلام أن خروجه لتلك الصلاة لم تكن بأمر من رسول الله، بل إنه كان قد أمره بالخروج في جيش أسامة مع سائر الرجالات، ويؤكد ذلك خروجه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصلاة، وأنه صلى تلك الصلاة بنفسه. وأما حديث ما صب الله... فهو موضوع، وقد تعرضنا له في مجلد (حديث أنا مدينة العلم) من كتابنا.

ص 309

*(29)* دلالة الحديث على أنه عليه السلام رابع آدم وداود وهارون عليهم السلام

 وذكر الحكيم داود بن عمر الأنطاكي بشرح القصيدة العينية لابن سينا: لا سيف إلا ذو الفقار. ولا قام الحصر دليلا على القصر، كان قصر قلب فصار كشف كرب، إلا أنه لا نبي بعدي، إلا علي. فلا خلاف في الخلافة إثباتا والنبوة محوا. وقال لعمار: إلى كم تأكل الخبز وتشرب الماء؟ فقال: أهو اليوم؟ فقال: أي والذي نفس علي بيده، فبرز فكان ما كان. وكذلك خرج ليلة ابن ملجم في السحر ينظر إلى السماء، تلذذا بما خصص به وطاعة وإجابة، فأكثر من ذلك، ثم نهى عن ردع الأوز وقال: هي صوائح يتلوهن النوائح. كيف يزداد يقينا من جمع المسألة والجواب وأحاط بكل شيء علما؟ فهو - والله - الكتاب وتعيها أذن واعية، فآمن معه وصلى لا ثالث لهما، فجاءت الخلافة عن ثلاث، فكان هو الرابع. أخرج الخطيب عن عبد بن حميد: يا علي من لم يقل إنك رابع الخلفاء فعليه لعنة الله، فإن الله قال لآدم *(إني جاعلك في الأرض خليفة)* وقال: *(يا داود إنا جعلناك خليفة)* *(وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي)* ثم قال له يوم تبوك: كن على ما أنا عليه حتى أرجع، فقال له: أعلى الصبيان والنساء؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. الحديث .

ص 310

فحديث المنزلة يدل دلالة قطعية على خلافته عليه السلام، وأنه خليفة كخلافة آدم وداود وهارون، ولا ريب في كون خلافتهم عامة، فخلافته كذلك. ترجمة داود بن عمر الأنطاكي وداود بن عمر الأنطاكي صاحب شرح قصيدة ابن سينا، الذي جاء فيه الكلام المذكور، من أكابر النحارير والعلماء المشاهير... أثنى عليه البديعي في كتابه (ذكرى حبيب): ضرير ما له في العلوم الحكمية نظير، وطبيب ما له في الأزمنة الغابرة ضريب، حكيم صفت من قذى الخطأ موارد أنظاره، وصحت عن غمام الأوهام آفاق أفكاره، حل عقد المشكلات بما قيده، وبيض وجه العلوم الرياضية بما سوده، بآثار تقتضي إثبات محاسنه بالتخليد، وتقييد مآثره للتأبيد، وكان ملازما لكتاب إخوان الصفا وخلان الوفا للمجريطي، ولكتابيه رتبة الحكيم وغاية الحليم، ومن كتب الشيخ: القانون، والشفا، والنجاة، والحكمة المشرقية، والتعليقات، ورسالة الأجرام السماوية، والإشارات، مع شرحه لنصير الدين الطوسي وللإمام فخر الدين الرازي والمحاكمات بينهما لقطب الدين الرازي، وحواشيه للسيد، ومن كتب السهروردي: المشارق، والمطارحات، وكتاب التلويحات، وشرحه لهبة الله البغدادي. وكان شريف مكة يلهج بتذكاره، ويستهدي من الحجاج تفاريق أخباره، وهزه الشوق على أن استقدمه عليه، واستحضره إليه، ليجعل السماع عيانا والخبر برهانا، فلما مثل بساحته طامعا في تقبيل راحته، أمر أن يعرض عليه أحد حاضري مجلس أنسه، ليختبر بذلك قوة حدسه، فمذ صافحت يده يد ذلك الجليس قال: هذه يد دعي خسيس، لا يضوع منها أرج النبوة ولا يستنشق

ص 311

عرف الفتوة، ثم أمر بعرضه على القوم واحدا واحدا، حتى وصل إلى الشريف فقبل يده تقبيل المحب الواجد... . والبديعي المذكور ترجم له المحبي وأثنى عليه بقوله: يوسف المعروف بالبديعي الدمشقي الأديب... بلغ الشهرة الطنانة في الفضل والأدب، وألف المؤلفات الفائقة... ولي قضاء الموصل ثم توفي بالروم سنة 1073 (1). وأثنى على الحكيم الأنطاكي المذكور: درويش محمد الطالوي في كتاب (سانحات دمى القصر): وقد سألته عن مسقط رأسه ومشتعل رأسه، فأخبر أنه ولد بأنطاكية بهذا العارض، ولم يكن له بعد الولادة بعارض، ثم قال... فخرجت عن الوطن في رفقة كرام، نؤم بعض المدن من سواحل الشام، حتى إذا سرت في بعض ثغورها المحمية، دعتني همة علية أو علوية أن أصعد منه جبل عامله، فصعدته منصوبا على المدح وكنت عامله، وأخذت عن مشايخها ما أخذت، وبحثت مع فضلائها فيما بحثت. ثم ساقني العناية الإلهية إلى أني دخلت حمى دمشق المحمية، فاجتمعت ببعض علمائها من مشايخ الإسلام، كأبي الفتح محمد بن محمد بن عبد السلام، وكشمس علومها البدر الغزي العمري ذلك الإمام، والشيخ علاء الدين العمادي... وكان فيه دعابة يؤنس بها... وأما فرقه من المعاد وخشيته من رب العباد، فلم ير لغيره من أهل هذا الطريق وأصحاب أولئك الفريق... وكان إذا سئل عن شيء من الفنون الحكمية والطبيعية والرياضية، أملى على السائل في ذلك ما يبلغ الكراسة والكراستين، كما هو المشهور مثل ذلك

(هامش)

(1) خلاصة الأثر 4 / 510. (*)

ص 312

عن الشيخ الرئيس... وشرح قصيدة النفس المشهورة للشيخ الرئيس ابن سينا، وهو شرح فصل فيه حقيقة النفس وجوهرها النفيس، يرضي السائل وإن كان هو الشيخ الرئيس . وقد ترجم للشيخ درويش المذكور: الشهاب الخفاجي - في (ريحانة الألبا) - بقوله: أبو المعالي درويش بن محمد الطالوي، وحيد له الحزم ترب واللطف قرين، وماجد ما له في قصب السبق رهين، وريق قضب المروة، فاتح حصون الملمات عنوة، سليل المعالي والكرم، رقيق الحواشي الطباع والشيم، فكم في علاه مسرح للمقال ومجال لمضمرات الأماني والآمال... . والمحبي بقوله: درويش محمد بن أحمد وقيل محمد. أبو المعالي. الطالوي، الأرتقي الدمشقي الحنفي. أحد أفراد الدهر ومحاسن العصر، وكان ماهرا في كل فن من الفنون، مفرط الذكاء، فصيح العبارة، منشئا بليغا حسن التصرف في النظم والنثر. وله كتاب سانحات دمى القصر... (1). وتوجد ترجمة داود الأنطاكي المتوفى سنة 1008 - وقيل غير ذلك - في المصادر التالية أيضا: 1 - البدر الطالع 1 / 246. 2 - خلاصة الأثر 2 / 140. 3 - شذرات الذهب 8 / 415. 4 - ريحانة الألباء: 271.

(هامش)

(1) خلاصة الأثر 2 / 149. (*)

ص 313

*(30)* حديث المنزلة في سياق وصفه عليه السلام ب‍ سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين

 وأولى الناس بالنبيين جاء ذلك في رواية رواها الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في كتابه (المناقب) على ما نقل عنه في كتاب (اليقين) وهي هذه: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا جعفر بن محمد العلوي قال: حدثنا محمد بن الحسين العلكي قال: حدثنا أحمد بن موسى الخزاز الدورقي قال: حدثنا تليد بن سليمان، عن جابر الجعفي عن محمد بن علي عن أنس بن مالك قال: بينما أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: يطلع الآن. قلت: فداك أبي وأمي من ذا؟ قال: سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وأولى الناس بالنبيين. قال: فطلع علي. ثم قال لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى (1). وروي بلفظ أبسط: عن أنس بن مالك قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآن يدخل سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وأولى الناس بالنبيين، إذ طلع علي بن أبي طالب. فقال

(هامش)

(1) كتاب اليقين في مناقب أمير المؤمنين: 141. (*)

ص 314

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وإلي وإلي. قال: فجلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ رسول الله يمسح العرق من جبهته ووجهه ويمسح به وجه علي بن أبي طالب، ويمسح العرق من وجه علي بن أبي طالب ويمسح به وجهه فقال له علي: يا رسول الله نزل في شيء؟ قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ أنت أخي ووزيري وخير من اخلف بعدي، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا، وتجاهدهم على التأويل كما جاهدتهم على التنزيل (1). فحديث المنزلة - إذا - مثل الجمل الأخرى - التي هي من أجلى فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه المختصة - من جلائل مناقب الإمام عليه السلام التي لا يشاركها فيها أحد من الصحابة، والدالة على أفضليته وأقربيته من رسول الله... والمستلزمة للإمامة والخلافة العامة بلا فصل...

(هامش)

(1) كشف الغمة في معرفة الأئمة 1 / 343. (*)

ص 315

*(31)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون...

 وجاء حديث المنزلة في سياقة ورد قبله علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي وبعده: هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين... ... روى هذا الحديث جماعة منهم: 1 - أبو نعيم الأصفهاني: حدثنا أبو الفرج أحمد بن جعفر النسائي قال: حدثنا محمد بن جرير قال: حدثنا عبد الله بن داهر الرازي قال: حدثني داهر بن يحيى الأحمري المقري قال: حدثنا الأعمش، عن عباية، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وقال: يا أم سلمة إشهدي واسمعي! هذا علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الذي أوتى منه، والوصي على الأموات من أهل بيتي، أخي في الدنيا وخدني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى (1). 2 - الموفق بن أحمد الخوارزمي المكي: أنبأني أبو العلاء - هذا - أخبرنا الحسن بن أحمد المقري، حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الفرج أحمد بن جعفر النسائي، حدثنا محمد بن جرير، حدثنا عبد الله بن داهر بن يحيى الرازي، حدثنا أبي داهر بن يحيى المقري، حدثنا الأعمش، عن عباية،

(هامش)

(1) منقبة المطهرين أهل بيت سيد الأولين والآخرين - مخطوط. (*)

ص 316

عن ابن عباس، قال قال رسول الله... (1). 3 - صدر الدين الحموئي الجويني: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة: هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. يا أم سلمة! هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين، ووصيي وعيبة علمي، وبابي الذي أوتى منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في السنام الأعلى، يقتل القاسطين والمارقين والناكثين (2). 4 - السيد شهاب الدين أحمد: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم - إنه قال - وهو في بيت أم سلمة رضي الله تعالى عنهما -: هذا علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي من بعدي. ثم قال - صلى الله عليه وسلم - يا أم سلمة اشهدي واسمعي، هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي، وبابي الذي أوتى منه، أخي في الدنيا وخدني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى (3). 5 - محمد بن إسماعيل الأمير: ذكر الفقيه العلامة حميد - رحمه الله - في شرحه بعضا من الروايات في الخوارج، ولم يستوف كما سقناه، إلا أنه ذكر ما لم نذكره فيما مضى، وذكر بسنده إلى ابن عباس قال: كان ابن عباس جالسا بمكة يحدث الناس على شفير زمزم، فلما انقضى حديثه، نهض إليه رجل من القوم فقال: يا ابن عباس، إني رجل من أهل الشام،

(هامش)

(1) المناقب للخوارزمي: 142 رقم 163. (2) فرائد السمطين 1 / 150. (3) توضيح الدلائل - مخطوط. (*)

ص 317

قال: أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم، سل عما بدا لك، قال: يا ابن عباس: إني جئت أسألك عن علي بن أبي طالب وقتله أهل لا إله إلا الله، لم يكفروا بقبلة ولا حج ولا صيام رمضان، فقال له: ثكلتك أمك، سل عما يعنيك. قال: يا عبد الله، ما جئتك أضرب من حمص لحج ولا عمرة، ولكن أتيتك لتخرج لي أمر علي وفعاله. فقال: ويحك، إن علم العالم صعب لا يحتمل ولا تقربه القلوب... فاجلس حتى أخبرك الذي سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاينته: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج زينب بنت جحش، فأولم وكانت وليمته الجيش، وكان يدعو عشرة عشرة من المؤمنين، فكانوا إذا أصابوا من طعام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - استأنسوا إلى حديثه واشتهوا النظر في وجهه، وكان رسول الله يشتهي أن يخففوا عنه ويخلو له المنزل، لأنه كان قريب عهد بعرس زينب بنت جحش، وكان يكره أذى المؤمنين، فأنزل الله سبحانه: *(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت...)*... ثم تحول إلى بيت أم سلمة بنت أمية، وكانت ليلتها وصبحها ويومها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما تعالى النهار وانتهى علي إلى الباب، فدقه دقا خفيفا، فعرف رسول الله دقه وأنكرته أم سلمة. فقال: يا أم سلمة قومي وافتحي الباب. قالت: يا رسول الله، من هذا الذي بلغ من خطره أن ينظر إلى محاسني؟ فقال لها نبي الله - كهيئة المغضب -: من يطع الرسول فقد أطاع الله، قومي وافتحي الباب، فإن بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجل، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يا أم سلمة، إنه آخذ بعضادتي الباب، فليس بفاتح

ص 318

الباب ولا داخل الدار حتى يغيب عنه الوطء. فقامت أم سلمة - وهي لا تدري من بالباب، غير أنها قد حفظت النعت والمدح - فمشت نحو الباب وهي تقول: بخ بخ لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ففتحت، وأمسك علي بعضادتي الباب، فلم يزل قائما حتى خفي عليه الوطء، فدخلت أم سلمة خدرها وفتح علي الباب. فدخل، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي لأم سلمة: هل تعرفينه؟ قالت: نعم، وهنيئا له. هذا علي. قال: صدقت يا أم سلمة. هذا علي بن أبي طالب، لحمه لحمي ودمه دمي، وهذا مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، يا أم سلمة إسمعي وافهمي، هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الذي أوتى منه، والوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة على الأوصياء من أمتي، أخي في الدنيا وقريني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى، فاشهدي يا أم سلمة، إنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقال الشامي: فرجت عني يا ابن عباس، أشهد أن عليا مولاي ومولى كل مسلم (1). 6 - ومن رواة هذا الخبر: الحسن بن بدر في كتاب (ما رواه الخلفاء)، وأبو بكر الشيرازي في (كتاب الألقاب) لكن باختصار في اللفظ. قال الوصابي اليمني: وعنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: إن عليا لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضه. أخرجه الحسن بن بدر في: ما رواه الخلفاء، والشيرازي في

(هامش)

(1) الروضة الندية في شرح التحفة العلوية. (*)

ص 319

الألقاب (1). 7 - وروى أبو محمد العاصمي حديثا هذا سنده: حدثني الحسين بن علي المدني، عن يونس بن بكير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي ابن الحسين عن علي بن أبي طالب. رضوان الله عليهم . جاء فيه: ثم قال: يا سلمان أتدري من الداخل علينا؟ قال: نعم يا رسول الله، ولكن زدني علما إلى علمي. قال: يا سلمان هذا علي أخي، لحمه من لحمي ودمه من دمي، منزلته مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، يا سلمان، هذا وصيي ووارثي، والذي بعثني بالنبوة لآخذن يوم القيامة بحجزة جبرئيل، وعلي آخذ بحجزتي، وفاطمة آخذة بحجزته، والحسن آخذ بحجزة فاطمة، والحسين آخذ بحجزة الحسن، وشيعتهم آخذة بحجزتهم، فأين ترى الله ذاهبا برسول الله؟ وأين ترى رسول الله ذاهبا بأخيه؟ وأين ترى أخا رسول الله ذاهبا بزوجته؟ وأين ترى فاطمة ذاهبة بولدها؟ وأين ترى ولدي رسول الله ذاهبين بشيعتهم؟ إلى الجنة ورب الكعبة. يا سلمان إلى الجنة ورب الكعبة، يا سلمان إلى الجنة ورب الكعبة، يا سلمان إلى الجنة ورب الكعبة. يا سلمان عهد عهد به جبرئيل من عند رب العالمين (2). أقول: فكما أن كل فقرة الفقر السابقة على حديث المنزلة واللاحقة له - في هذا الحديث - خصيصة من خصائص أمير المؤمنين تدل على أفضليته، كذلك حديث المنزلة... والأفضلية تستلزم الإمامة والخلافة العامة.

(هامش)

(1) الاكتفاء في فضل أربعة الخلفاء - مخطوط. (2) زين الفتى - تفسير سورة هل أتى - مخطوط. (*)

ص 320

*(32)* حديث المنزلة عند المؤاخاة

 ومن موارد حديث المنزلة: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قاله لأمير المؤمنين عليه السلام في وقت المؤاخاة، ممن روى ذلك: 1 - أحمد بن حنبل. 2 - عبد الله بن أحمد. 3 - أبو محمد عبد الله بن عبد الله بن جعفر بن حيان - أبو الشيخ. 4 - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. 5 - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. 6 - علي بن محمد الجلابي، ابن المغازلي. 7 - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي. 8 - أبو محمد حامد بن محمود الصالحاني. 9 - محمد بن يوسف الزرندي. 10 - نور الدين علي بن محمد - ابن الصباغ المالكي. 11 - جلال الدين السيوطي. 12 - إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني. 13 - عطاء الله بن فضل الله الشيرازي المعروف بجمال الدين المحدث. 14 - علي بن حسام الدين المتقي الهندي. 15 - شهاب الدين أحمد صاحب توضيح الدلائل. 16 - محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري.

ص 321

17 - المولوي محمد مبين الكهنوي. 18 - حسن علي المحدث الكهنوي. رواية أحمد بن حنبل قال المتقي الهندي: مسند زيد بن أبي أوفى: لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فقال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان من سخط علي فلك العتبي والكرامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما ورثت الأنبياء من قبلي. قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي وأنت أخي ورفيقي. حم. في كتاب مناقب علي (1). رواية عبد الله بن أحمد ورواه عبد الله بن أحمد، فقد جاء في المناقب لوالده: حدثنا الحسن قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن راشد الطفاوي والصباح بن عبد الله بن بشر - والخبران متقاربان في اللفظ يزيد أحدهما على صاحبه - قال: حدثنا قيس بن الربيع قال: حدثنا سعد الجحاف، عن عطية، عن محدوج ابن يزيد الهذلي: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين المسلمين ثم قال: يا علي أنت أخي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، أما علمت - يا علي -

(هامش)

(1) كنز العمال 9 / 167 رقم 25554 و13 / 105 رقم 36345. (*)

ص 322

أن أول من يدعى يوم القيامة بي وأقوم عن يمين العرش، فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيين بعضهم على أثر بعضهم، فيقومون سماطين على يمين العرش، يكسون حللا خضرا من حلل الجنة، ألا وإني أخبرك - يا علي - أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة. ثم أنت أول من يدعى بك، لقرابتك ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، تسير به بين السماطين، آدم وجميع خلق الله يستظلون بظل لوائي، وطوله مسيرة ألف سنة، سنانه ياقوتة حمراء، له ثلاثة ذوائب من نور، ذؤابة في المشرق وذؤابة في المغرب والثالثة وسط الدنيا، مكتوب عليه ثلاثة أسطر: الأول: بسم الله الرحمن الرحيم، والثاني: الحمد لله رب العالمين، الثالث: لا إله إلا الله محمد رسول الله، طول كل سطر ألف سنة وعرضه ألف سنة، وتسير باللواء، والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك، حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش، ثم تكسى حلة خضراء من الجنة، ثم ينادي مناد من تحت العرش، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي، أبشر يا علي، إنك تكسى إذا كسيت، وتدعى إذا دعيت، وتحيى إذا حييت (1). رواية أبي الشيخ الإصفهاني ورواية أبي الشيخ تعلم من رواية شهاب الدين في توضيح الدلائل. رواية الطبراني ورواية أبي القاسم الطبراني أوردها المتقي الهندي، وهي هذه: قم، فما صلحت أن تكون أبا تراب، أغضبت علي حين آخيت بين

(هامش)

(1) مناقب أمير المؤمنين لأحمد بن حنبل: 179 رقم 252. (*)

ص 323

المهاجرين والأنصار ولم أواخ بينك وبين أحد منهم؟ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ ألا من أحبك حف بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية وحوسب بعلمه في الإسلام. طب. عن ابن عباس (1). رواية الخطيب البغدادي ورواية الخطيب البغدادي أوردها السيد شهاب الدين في توضيح الدلائل كما ستعلم. رواية ابن المغازلي وروى الفقيه الشافعي ابن المغازلي الواسطي هذا الحديث بقوله: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر العطار قال: أخبرنا أبو محمد ابن السقا، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن القصاب البيع الواسطي - فيما أذن لي في روايته عنه - أنه قال: حدثني أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد البياسري قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن الجوهري، قال: حدثني محمد بن زكريا بن دريد العبدي قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس قال: لما كان يوم المباهلة، وآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار، وعلي واقف يراه ويعرف مكانه، لم يواخ بينه وبين أحد، فانصرف علي باكي العين، فافتقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما فعل أبو الحسن؟ قالوا: إنصرف باكي العين يا رسول الله. قال: يا بلال إذهب فأتني

(هامش)

(1) كنز العمال 11 / 607 رقم 32935. (*)

ص 324

به، فمضى بلال إلى علي - وقد دخل منزله باكي العين، وقالت فاطمة: ما يبكيك لا أبكى عينيك؟ قال: يا فاطمة، آخى النبي بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني، ولم يواخ بيني وبين أحد. قالت: لا يحزنك الله، لعله إنما ادخرك لنفسه -. فقال بلال: يا علي أجب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى علي النبي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا الحسن؟ قال: آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تواخ بيني وبين أحد. قال: إنما ادخرتك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك؟ قال: بلى يا رسول الله، أنى لي بذلك، فأخذ بيده وأرقاه المنبر فقال: اللهم هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه. قال: فانصرف علي قرير العين، فاتبعه عمر بن الخطاب، فقال: بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مسلم (1). رواية الموفق بن أحمد الخوارزمي ورواه الخطيب الخوارزمي قائلا: أنبأني سيد القراء أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقري قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني قال: حدثنا محمود بن

(هامش)

(1) المناقب لابن المغازلي: 42. (*)

ص 325

محمد المروزي قال: حدثنا قال: حدثنا حامد بن آدم المروزي قال: حدثنا حريز، عن ليث، عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه وبين المهاجرين والأنصار، ولم يواخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم، خرج علي مغضبا، حتى أتى جدولا من الأرض، فتوسد ذراعه واتكى، وسفت عليه الريح، فطلبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وجده، فوكزه برجله وقال له: قم، فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب، أغضبت علي حين آخيت بين المهاجرين والأنصار، ولم أواخ بينك وبين أحد منهم؟ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي؟، ألا من أحبك حف بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية، وحوسب بعمله في الإسلام (1). ورواة مرة أخرى باللفظ المتقدم، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل (2). ورواية أبي محمد حامد بن محمود الصالحاني تعرف من عبارة الشهاب أحمد. رواية الزرندي وقال محمد بن يوسف الزرندي: روي عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين أصحابه ولم يؤاخ بين علي وبين أحد، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا نبي الله مالك لم تؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة. وفي رواية: إنه قال: يا رسول الله ذهب روحي

(هامش)

(1) المناقب للخوارزمي: 39. (2) المصدر: 39. (*)

ص 326

وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت، غيري، فإن كان من سخطك علي فلك العتبي والكرامة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي. فقال: يا رسول الله: ما أرث منك؟ فقال: ما ورث الأنبياء قبلي. قال: ما ورث الأنبياء قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي. ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: *(إخوانا على سرر متقابلين)* أخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض (1). رواية ابن الصباغ المالكي وروى نور الدين ابن الصباغ المالكي: عن مناقب ضياء الدين الخوارزمي عن ابن عباس قال: لما آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، وهو أنه آخى بين أبي بكر وعمر، وآخى بين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وآخى بين طلحة والزبير، وآخى بين أبي ذر الغفاري والمقداد، ولم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم. خرج علي مغضبا حتى أتى جدولا من الأرض وتوسد ذراعه ونام فيه تسفي الريح عليه التراب، فطلبه النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجده على تلك الصفة، فوكزه برجله وقال له: قم، فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب، غضبت حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أواخ بينك وبين أحد منهم! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ألا

(هامش)

(1) نظم درر السمطين: 94 - 95. (*)

ص 327

من أحبك فقد حف بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية (1). رواية الجلال السيوطي وتعلم رواية جلال الدين السيوطي من رواية المتقي في (كنز العمال)، لأن هذا الكتاب تبويب لكتاب (جمع الجوامع) للسيوطي كما هو معلوم. ورواه إبراهيم الوصابي اليمني عن الطبراني في الكبير، باللفظ المتقدم عن ابن عباس (2). رواية الجمال المحدث الشيرازي ورواه جمال الدين المحدث الشيرازي في (أربعينه): عن يعلى بن مرة قال: آخى رسول الله بين المسلمين، وجعل يخلف عليا حتى بقي في آخرهم، وليس معه أخ له، فقال له علي: آخيت بين المسلمين وتركتني! إنما تركتك لنفسي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنا أخوك. وفي رواية: ما أخرتك إلا لنفسي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: *(إخوانا على سرر متقابلين)* الأخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض. ثم قال له النبي: إن ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله ولا يدعيها بعدي إلا كذاب مفتر (3).

(هامش)

(1) الفصول المهمة: 38. (2) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (3) الأربعين - الحديث 14. (*)

ص 328

رواية السيد شهاب الدين أحمد وهذه عبارة رواية السيد شهاب الدين أحمد عن الخطيب والصالحاني: $ عن زيد بن أبي أوفى - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وبارك وسلم - فذكر المؤاخاة بين أصحابه، قال فقام علي كرم الله تعالى وجهه للنبي فقال: لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت ما فعلت بغيري، فإن كان هذا من سخطة علي فلك العتبي والكرامة! فقال صلى الله عليه وآله وبارك وسلم: والذي بعثني ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت وارثي. قال: ما أرث منك يا نبي الله؟ قال: ما ورث الأنبياء من قبلي. قال: وما ورث الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب الله وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي. ثم قال رسول الله *(إخوانا على سرر متقابلين)* المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض. رواه الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب، والصالحاني بإسناده إلى أبي الشيخ بإسناده مرفوعا، والزرندي، باختلاف يسير وقال: الأخلاء بدل المتحابين (1). أقول: في هذا الحديث دلالة على أن حديث المنزلة يثبت تقديم وترجيح أمير المؤمنين عليه السلام على سائر الأصحاب، ويوجب نهاية قربه واختصاصه وجلالة قدره عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. لأنه ذكر هذا الحديث

(هامش)

(1) توضيح الدلائل - مخطوط. (*)

ص 329

بعد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أخرتك إلا لنفسي وإلا لم يكن لذكره في هذا المقام مناسبة. ويوجد في بعض ألفاظ الحديث حرف الفاء الدال على التعليل، حيث ذكر فيه: فقال صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى ويدل ذلك على أن السبب في اختصاصه بالأخوة كونه منه بمنزلة هارون من موسى. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الألفاظ - أنت أول من يدعى بك، لقرابتك ومنزلتك عندي - حيث قال بأن الإمام عليه السلام أول من يدعى للحساب، وعلل ذلك بقرابته منه ومنزلته عنده - دليل قاطع على أفضليته عليه السلام. وكذلك اختصاصه عليه السلام بلواء الحمد الدال على تقدمه وأرجحيته على غيره مطلقا، ووقوفه بين النبي وإبراهيم - عليهما الصلاة والسلام - إلى غير ذلك من الخصوصيات المذكورة في الخبر... كل ذلك من أدلة أفضليته وأكرميته من غيره عند الله ورسوله. فحديث المنزلة المذكور في تلك السياقات من أوضح البراهين على أفضليته وأقربيته واختصاصه بما يستلزم تعينه للإمامة والخلافة العامة بلا فصل. فأي تشكيك في دلالة الحديث يستحق الإصغاء؟!

ص 330

*(33)* حديث المنزلة يوم خيبر

 ومن موارد قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون... هو يوم خيبر... في سياق فضائل ومناقب خاصة بأمير المؤمنين عليه السلام، لا يشاركه فيها أحد من الصحابة، تستلزم الإمامة والخلافة العامة بلا فصل... وممن روى ذلك: 1 - عبد الملك بن محمد الخركوشي. 2 - علي بن محمد الجلابي - ابن المغازلي. 3 - الموفق بن أحمد المكي - أخطب خوارزم. 4 - عمر بن محمد بن خضر الأردبيلي - الملا. 5 - سليمان بن موسى البلنسي - ابن سبع. 6 - محمد بن يوسف الكنجي الشافعي. 7 - إبراهيم بن عبد الله اليمني. 8 - شهاب الدين أحمد. 9 - محمد بن إسماعيل الأمير. رواية ابن المغازلي قال الفقيه ابن المغازلي: قوله عليه السلام لما قدم بفتح خيبر: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبيد الله بن القصاب البيع رحمه الله تعالى، ثنا

ص 331

أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد الجرجرائي، ثنا أبو الحسن علي بن سلمان بن يحيى، ثنا عبد الكريم بن علي، نا جعفر بن محمد بن ربيعة السبحلي، ثنا الحسن بن الحسين العرني، ثنا كادح بن جعفر، عن مسلم بن بشار عن جابر بن عبد الله قال: لما قدم علي بن أبي طالب بفتح خيبر قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا علي، لولا أن تقول طائفة من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك مقالا لا تمر على ملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت رجليك وفضل طهورك يستشفون بهما. ولكن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت تبرء ذمتي وتستر عورتي وتقاتل على سنتي، وأنت غدا في الآخرة أقرب الخلق مني، وأنت على الحوض خليفتي، وأن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، ويكونون في الجنة جيراني، لأن حربك حربي وسلمك سلمي وسريرتك سريرتي، وأن ولدك ولدي، وأنت تقضي ديني وأنت تنجز وعدي، وأن الحق على لسانك وفي قلبك ومعك وبين يديك ونصب عينيك، الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، لا يرد على الحوض مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك. فخر علي ساجدا وقال: الحمد لله الذي من علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية، وأعز الخليقة، وأكرم أهل السماوات والأرض على ربه، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة الله في جميع العالمين، إحسانا من الله وتفضلا منه علي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لولا أنت يا علي ما عرف المؤمنون بعدي، لقد جعل الله جل وعز نسل كل نبي من صلبه وجعل نسلي من صلبك، يا علي، فأنت أعز الخلق وأكرمهم علي وأعزهم عندي، ومحبك أكرم من يرد علي

ص 332

من أمتي (1). رواية الخطيب الخوارزمي وقال الموفق بن أحمد المكي: حدثنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار ابن شهرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إلي من همدان - حدثنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، أخبرنا الشيخ أبو طاهر الحسين ابن علي بن سلمة - رضي الله عنه - من مسند زيد بن علي، حدثنا الفضل بن الفضل بن العباس، حدثنا أبو عبد الله محمد بن سهل، حدثنا محمد بن عبد الله البلوي، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن العلاء، حدثني أبي، عن زيد بن علي، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر على ملأ من المسلمين إلا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون به. ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، أنت تؤدي ديني وتقاتل على سنتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك غدا على الحوض خليفتي، تذود عنه المنافقين، وأنت أول من يرد علي الحوض، فأنت أول داخل في الجنة من أمتي، وشيعتك على منابر من نور، مروون، مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون غدا في الجنة جيراني، وأن عدوك ظماء مظمئون مسودة وجوههم مقمحون.

(هامش)

(1) المناقب لابن المغازلي: 237 رقم 285. (*)

ص 333

حربك حربي وسلمك سلمي، وسرك سري وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وأن ولدك ولدي، ولحمك لحمي ودمك دمي، وأن الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك وعترتي في الجنة، وأن عدوك في النار، لا يرد الحوض علي مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك. قال: فخررت له سبحانه وتعالى ساجدا، وحمدته على ما أنعم به علي من الإسلام والقرآن، وحببني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم (1). قال الخوارزمي: روى الناصر للحق بإسناده في حديث طويل قال: لما قدم علي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتح خيبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لولا أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصارى في المسيح، لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك ومن فضل طهورك يستشفون به. لكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنك تبرئ ذمتي، وتقاتل على سنتي، وأنك غدا في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك أول من يرد علي الحوض، وأول من يكسى معي، وأول داخل في الجنة من أمتي، وأن شيعتك على منابر من نور، وأن الحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك (2).

(هامش)

(1) المناقب للخوارزمي: 128 رقم 142. (2) المناقب للخوارزمي: 158 رقم 188. (*)

ص 334

رواية عمر الملا وقال عمر بن محمد الملا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي لما قدم عليه يوم فتح خيبر: يا علي لولا أخاف أن يقول فيك طوائف من أمتي... ولكن حسبك أن تكون مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنتي، وأنك في الآخرة معي... (1). رواية الكنجي وقال محمد بن يوسف الكنجي: أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف ابن بركة الكتبي، أخبرنا الحافظ أبو العلاء الهمداني، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبدوس بن عبد الله الهمداني، حدثنا أبو طاهر الحسين بن علي بن سلمة - رضي الله عنه -، من مسند زيد بن علي، حدثنا الفضل بن الفضل بن العباس، حدثنا أبو عبد الله محمد بن سهل، حدثنا محمد بن عبد الله البلوي، حدثني إبراهيم بن عبيد الله بن العلاء قال: حدثني أبي، عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتحت خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى... ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، أنت تؤدي ديني وتقاتل على سنتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك غدا على الحوض... (2).

(هامش)

(1) وسيلة المتعبدين 5 / 168. (2) كفاية الطالب: 264. (*)

ص 335

رواية أبي الربيع ابن سبع الكلاعي ورواه إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي الشافعي، عن أمير المؤمنين عليه السلام، كما تقدم. وقال: أخرجه ابن سبع الأندلسي في كتاب الشفاء (1). ترجمة أبي الربيع الكلاعي وكتاب (الشفاء) ذكره (كاشف الظنون) بقوله: شفاء الصدور لابن السبع الإمام الخطيب أبي الربيع سليمان البلنسي (2). ومؤلفه أبو الربيع من كبار الحفاظ الأثبات: قال الشامي في بيان رموز كتابه (سبل الهدى والرشاد): أو أبا الربيع. فالثقة الثبت سليمان بن سالم الكلاعي . وترجم له الذهبي بقوله أبو الربيع الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم البلنسي الحافظ الكبير صاحب التصانيف وبقية أعلام الأثر بالأندلس. ولد سنة 565 سمع أبا بكر بن الجد، وأبا عبد الله بن زرقون وطبقتهما. قال الأبار: كان بصيرا بالحديث حافظا حافلا عارفا بالجرح والتعديل، ذاكرا للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك، خصوصا من تأخر زمانه، ولا نظير له في الإتقان والضبط مع الاستبحار في الأدب والبلاغة، كان فردا في إنشاء الرسائل، مجيدا في النظم، خطيبا مفوها مدركا، حسن السرد والمساق، مع الشارة الأنيقة، وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبين لما يريدون على المنبر في المحافل، ولي خطابة بلنسة، وله تصانيف في عدة فنون. استشهد

(هامش)

(1) الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط. (2) كشف الظنون 2 / 1050. (*)

ص 336

بكابية تنسة بقرب بلنسة مقبلا غير مدبر، في ذي الحجة (1). وذكره في (تذكرة الحفاظ): الكلاعي، الإمام العالم الحافظ البارع، محدث الأندلس وبليغها... قال أبو عبد الله الآبار... عني أتم عناية بالتقييد والرواية، وكان إماما في صناعة الحديث، بصيرا به، حافظا حافلا، عارفا بالجرح والتعديل،.... وقال ابن مسدي: لم ألف مثله جلالة ونبلا ورياسة وفضلا، وكان إماما مبرزا في فنون... قال الحافظ المنذري: توفي شهيدا بيد العدو... (2). وترجم له اليافعي أيضا ونقل كلام الأبار (3). وكذلك صاحب (نفح الطيب) ترجم له ترجمة حافلة، ذكر مقلته وبعض ما قيل في رثائه، ثم أسماء مصنفاته... ووصفه بالحافظ (4). رواية شهاب الدين أحمد ورواه السيد شهاب الدين أحمد، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده عن أمير المؤمنين... كما تقدم، ثم قال: رواه الإمام الحافظ الصالحاني وقال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي نصر يعرف بدانكفاد بقراءتي عليه قال: حدثنا الحسن بن أحمد قال: أخبرنا الإمام الحافظ العالم الرباني أبو نعيم أحمد بن عبد الله الإصفهاني بسنده إلى زيد ابن علي. فذكر سنده. ورواه أيضا الإمام أبو سعد في شرف النبوة، بتغيير يسير في اللفظ...

(هامش)

(1) العبر - حوادث 3 634 / 219. (2) تذكرة الحفاظ 4 / 1417 - 1418. (3) مرآة الجنان حوادث 4 634 / 85 - 86. (4) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 2 / 586. (*)

ص 337

أقول: هذا حديث جامع، يدخل فيه أشتات أبواب المناقب، ويشتمل أسباب خصائص الفضائل وعلو المراتب، قد رواه أجلة الثقات من أهل السنة وعناة الأدلة التقات، ولله الفضل والمنة (1). رواية الأمير الصنعاني ورواه محمد بن إسماعيل الأمير في (الروضة الندية) عن المنصور بالله بسنده من طريق الفقيه ابن المغازلي الشافعي من حديث جابر... ثم قال: قلت: وفصول هذا الحديث لها شواهد من كتب الحديث تأتي مفرقة إن شاء الله تعالى . أقول: لا يخفى على المنصف الخبير أن كل فصل من فصول هذا الحديث الشريف يدل على شرف عظيم ومقام جليل، لا يشاركه بل لا يدانيه في شيء منها أحد من الصحابة. وقد جاء فيه عن رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام أنه خاطب أمير المؤمنين بأن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى بعد أن ذكر أنه يخاف أن تقول فيه طوائف من الأمة ما قالته النصارى في عيسى، وإلا لقال فيه... ومعنى ذلك أنه جعل حديث المنزلة قائما مقام ذلك القول الذي لم يقله... وهل يبقى بعد هذا مجال لتشكيك مشكك في دلالة الحديث على الأفضلية المطلقة؟ وهل يخامر الناظر شك في شناعة تأويلات المتأولين وبطلان خرافات المعاندين؟

(هامش)

(1) توضيح الدلائل - مخطوط. (*)

ص 338

*(34)* حديث المنزلة في احتجاج المأمون على الفقهاء

 وقد احتج المأمون العباسي، وهو من أمراء المؤمنين وخلفاء المسلمين - في اعتقاد القوم - بحديث المنزلة فيما احتج به على الفقهاء في مجلسه، تلك الاحتجاجات التي لم يجد يحيى بن أكثم وغيره من الأعلام الحاضرين بدا من الاعتراف بصحتها، والموافقة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام كما استدل المأمون... وقد أورد خبر هذا المجلس العلامة ابن عبد ربه في كتاب (العقد الفريد)... ونحن نذكر مقدمة الخبر، ثم القدر المتعلق بحديث المنزلة. قال ابن عبد ربه: احتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي. إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد قال: بعث إلي يحيى بن أكثم وإلى عدة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا، كلهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسموا من تظنونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين، فسمينا له عدة وذكر هو عدة حتى تم العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم، وأمر بالبكور في السحر، وبعث إلى من لم يحضر فأمره بذلك، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه وهو جالس ينتظرنا، فركب وركبنا معه حتى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف، فلما نظر إلينا قال: يا أبا محمد، أمير المؤمنين ينتظرك

ص 339

فأدخلنا... فوقفنا وسلمنا فرد السلام وأمر لنا بالجلوس... . ثم قال... إن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به، قلنا: فليفعل أمير المؤمنين وفقه الله. فقال: إن أمير المؤمنين يدين الله على أن علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى الناس بالخلافة له. قال إسحاق: فقلت: يا أمير المؤمنين، إن فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي، وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة... من أين قال أمير المؤمنين: إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالخلافة؟ قال: يا إسحاق أتروي حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قد سمعته وسمعت من صححه وجحده. فقال: فمن أوثق عندك؟ من سمعت منه فصححه أو من جحده؟ قلت: من صححه. قال: فهل يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مزح بهذا القول؟ قلت: أعوذ بالله. قال: فقال قولا لا معنى له، فلا يوقف عليه؟ قلت: أعوذ بالله. قال: أفما تعلم أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه؟ قلت: بلى. قال: فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه؟ قلت: لا. قال: أو ليس هارون نبيا وعلي غير نبي؟ قلت: بلى.

ص 340

قال: فهذان الحالان معدومان في علي وقد كانا في هارون، فما معنى قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قلت له: إنما أراد أن يطيب بذلك نفس علي لما قال المنافقون: إنه خلفه استثقالا له. قال: فأراد أن يطيب نفسه بقول لا معنى له؟ قال: فأطرقت. قال: يا إسحاق، له معنى في كتاب الله بين. قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عز وجل حكاية عن موسى إنه قال لأخيه هارون: *(اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)*. قلت: يا أمير المؤمنين، إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ومضى إلى ربه، وإن رسول الله خلف عليا كذلك حين خرج إلى غزاته. قال: كلا ليس كما قلت، أخبرني عن موسى حين خلف هارون هل كان معه حين ذهب إليه ربه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت: لا. قال: أو ليس استخلفه على جماعتهم؟ قال: فأخبرني عن رسول الله حين خرج إلى غزاته هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان؟ فأنى يكون مثل ذلك؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله، يدل على استخلافه إياه، لا يقدر أحد أن يحتج فيه، ولا أعلم أحدا احتج به، وأرجو أن يكون توفيقا من الله. قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله: *(واجعل لي وزيرا من

ص 341

أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا)* فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسى، وزيري من أهلي وأخي، شد الله به أزري وأشركه في أمري، كي نسبح الله كثيرا ونذكره كثيرا. فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئا غير هذا، ولم يكن ليبطل قول النبي وأن يكون لا معنى له؟ قال: فطال المجلس وارتفع النهار. فقال يحيى بن أكثم القاضي: يا أمير المؤمنين، قد أوضحت الحق لمن أراد به الخير، وأثبت ما لا يقدر أحد أن يدفعه. قال إسحاق: فأقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا: كلنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزه الله. فقال: والله لولا أن رسول الله قال: اقبلوا القول من الناس، ما كنت لأقبل منكم القول، اللهم قد نصحت لهم القول. اللهم إني قد أخرجت الأمر من عنقي. اللهم: إني أدينك بالتقرب إليك بحب علي وولايته (1). أقول: فهذه دلالة حديث المنزلة التي وافق عليها واعترف بها القاضي يحيى بن أكثم وكبار الفقهاء في ذلك العصر... والحمد لله رب العالمين.

(هامش)

(1) العقد الفريد 5 / 349 - 359. (*)

ص 342

*(35)* قوله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى:...

 واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أشدد به أزري... ولقد ورد في الحديث سؤال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه نفس السؤالات التي سألها موسى... هذا الحديث الذي رواه أكابر القوم ومنهم: 1 - أحمد بن حنبل. 2 - أبو الليث السمرقندي. 3 - ابن مردويه الإصفهاني. 4 - أحمد بن محمد الثعلبي. 5 - أبو نعيم الإصفهاني. 6 - أبو بكر الخطيب البغدادي. 7 - علي بن محمد الجلابي - ابن المغازلي. 8 - ابن عساكر الدمشقي. 9 - الفخر الرازي. 10 - محمد بن طلحة الشافعي. 11 - يوسف سبط ابن الجوزي. 12 - نظام الدين الأعرج النيسابوري. 13 - محمد بن يوسف الزرندي.

ص 343

14 - نور الدين ابن الصباغ المالكي. 15 - السيد شهاب الدين أحمد. 16 - جلال الدين السيوطي. 17 - الملا علي المتقي الهندي. 18 - شيخ بن علي الجفري. 19 - ميرزا محمد البدخشاني. 20 - محمد صدر العالم. 21 - محمد بن إسماعيل الأمير. 22 - المولوي ولي الله الكهنوي. وإليك نصوص روايات بعضهم، وقد تقدمت نصوص عبارات بعض آخر منهم: رواية ابن مردويه والخطيب وابن عساكر قال محمد صدر العالم: أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر، عن أسماء بنت عميس قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإزاء ثبير وهو يقول: أشرق ثبير أشرق ثبير. اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى: أن تشرح لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن تحل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا (1).

(هامش)

(1) معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط. (*)

ص 344

رواية ابن المغازلي والأمير الصنعاني وقال محمد بن إسماعيل الأمير: وأما الرابع وهو أن الله جعل له عليه السلام في القلوب ودا، فما أخرجه الفقيه العلامة ابن المغازلي بسنده إلى ابن عباس قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي وأخذ بيد علي، فصلى أربع ركعات، ثم رفع يده إلى السماء فقال: اللهم سألك موسى بن عمران، وأنا محمد أسألك، أن تشرح لي صدري وتيسر لي أمري وتحل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا أخي، اشدد به أزري وأشركه في أمري. قال ابن عباس: فسمعت مناديا ينادي: يا أحمد قد أوتيت ما سألت. فقال النبي: يا أبا الحسن، إرفع يديك إلى السماء وادع ربك واسأله يعطك. فرفع يده إلى السماء وهو يقول: اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي عندك ودا. فأنزل الله على نبيه: *(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)* (1). رواية أبي الليث السمرقندي وقال الفقيه أبو الليث السمرقندي: قوله تعالى *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين...)* الآية. عن أبي ذر الغفاري قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في

(هامش)

(1) الروضة الندية في شرح التحفة الإثنا عشرية. (*)

ص 345

مسجد رسولك فلم يعطني أحد شيئا، فكان علي راكعا، فأومأ بيده إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: *(رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري)* فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: *(سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا)* اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي من أهلي عليا وزيرا، اشدد به أزري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا. قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله هذه الكلمة، حتى نزل جبرئيل عليه وقال: *(إنما وليكم الله ورسوله)* الآية (1). رواية الثعلبي وقال أبو إسحاق الثعلبي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد الفقيه قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الشعراني، أخبرنا أبو علي أحمد ابن علي بن رزين، حدثنا المظفر بن الحسن الأنصاري، حدثنا السري بن علي الوراق، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن الربعي قال: بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله، إذ أقبل رجل معتم بعمامة، فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله إلا والرجل

(هامش)

(1) المجالس. المجلس الثامن من الركن الثالث من الكتاب. (*)

ص 346

يقول قال رسول الله، فقال ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟ قال: فكشف العمامة عن وجهه وقال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني، فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهاتين وإلا فصمتا، ورأيت بهاتين وإلا فعميتا يقول: علي قائد البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره ومخذول من خذله. أما إني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد... (1). رواية الرازي والنيسابوري وذكر الفخر الرازي والأعرج النيسابوري رواية أبي ذر الغفاري المذكورة بتفسير الآية *(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)*(2) . رواية ابن طلحة وسبط ابن الجوزي وابن الصباغ ورواه ابن طلحة الشافعي وسبط ابن الجوزي الحنفي. وابن الصباغ المالكي عن الثعلبي. ثم قال ابن طلحة: وقال الإمام الثعلبي عقيب ما أورده بهذه القصة بصورتها: سمعت أبا منصور الجمشادي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا الحسن علي بن الحسين يقول: سمعت أبا محمد هارون الخضرمي يقول: سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء

(هامش)

(1) الكشف والبيان = تفسير الثعلبي - مخطوط. (2) سورة المائدة 5 / 55. (*)

ص 347

لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل مثل ما جاء لعلي بن أبي طالب. وإيراده قول الإمام أحمد عقيب هذه القصة إشارة إلى أن هذه المنقبة العلية وهي الجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين البدنية والمالية في وقت واحد، حتى نزل القرآن الكريم بمدح القائم بهما، المسارع إليهما، قد اختص بها علي ولم تحصل لغيره (1). رواية الزرندي وشهاب الدين أحمد ورواه محمد بن يوسف الزرندي قائلا: روى الأعمش عن عباية قال: بينا ابن عباس جالس على شفير زمزم يحدث عن رسول الله... (2). وقال شهاب الدين أحمد: روى الزرندي عن الأعمش عن عباية الربعي، قال: بينا ابن عباس - رضي الله عنه - جالس على شفير زمزم يحدث عن رسول الله (3).

(هامش)

(1) مطالب السئول: 21، تذكرة الخواص: 15، الفصول المهمة: 124. (2) نظم درر السمطين - مخطوط. (3) توضيح الدلائل (*)

ص 348

*(36)* دلالة الحديث على نيابة علي عن النبي عليهما السلام

 واستدل ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي بحديث المنزلة على حصول مقام النيابة لأمير المؤمنين عليه السلام عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال ما تعريبه: لقد كانت شمس الرسالة مشرقة في خير القرون، وفي حال غروبها كان في مقابلها علي الولي، فكان نائبا له كالبدر المنير بعد الشمس، وقوله: يا علي إنك مني بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدي. وكذا من كنت مولاه فعلي مولاه، يوجب علينا الإيمان بذلك إلى انقراض الدنيا (1). أقول: وهذا أيضا مما يقطع ألسنة المكابرين والجاحدين. والحمد لله رب العالمين.

(هامش)

(1) هداية السعداء - مخطوط. (*)

ص 349

*(37)* تصريح الجلال المحلي بدلالة الحديث على خلافة الإمام علي عليه السلام

 وقال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي في (شرح جمع الجوامع) ما نصه: والصحيح من الأقوال أن الإجماع على وفق خبر لا يدل على صدقه في نفس الأمر مطلقا. وثالثها: يدل إن تلقوه أي المجمعون بالقبول، بأن صرحوا بالاستناد إليه، فإن لم يتلقوه بالقبول بأن لم يتعرضوا بالاستناد إليه فلا يدل، لجواز استنادهم إلى غيره مما استنبطوه من القرآن. وثانيها يدل مطلقا، لأن الظاهر استنادهم إليه، حيث لم يصرحوا بذلك، لعدم ظهور مستند غيره. ووجه دلالة استنادهم إليه على صدقه: إنه لو لم يكن حينئذ صدقا بأن كان كذبا لكان استنادهم إليه خطأ وهم معصومون منه. قلنا: لا نسلم الخطأ حينئذ، لأنهم ظنوا صدقه، وهم إنما أمروا بالاستناد إلى ما ظنوا صدقه، فاستنادهم إليه إنما يدل على ظنهم صدقه، ولا يلزم من ظنهم صدقه صدقه في نفس الأمر، وإن قيل إن ظنهم معصوم عن الخطأ. وكذلك بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله، بأن لم يبطله ذوو الدواعي مع سماعهم له أحادا، لا يدل على صدقه، خلافا الزيدية في قولهم يدل عليه، قالوا: للاتفاق على قبوله حينئذ. قلنا: الاتفاق على قبوله، إنما يدل على ظنهم صدقه ولا يلزم من ذلك صدقه في نفس الأمر. مثاله قوله - صلى الله عليه

ص 350

وسلم - لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. رواه الشيخان، فإن دواعي بني مروان وقد سمعوه متوفرة على إبطاله، لدلالته على خلافة علي رضي الله عنه كما قيل كخلافة هارون عن موسى بقوله *(اخلفني في قومي)* وإن مات قبله. ولم يبطلوه (1). أقول: خلافة هارون كانت عامة، فكذا خلافة علي. وأيضا، لو كانت خلافة أمير المؤمنين - الدال عليها هذا الحديث - جزئية منقطعة لم تتوفر الدواعي على إنكارها، بل النواصب لا ينكرونها... ترجمة الجلال المحلي وقد ترجم العلماء لجلال الدين المحلي المتوفى سنة 864 وأثنوا عليه وعلى مصنفاته الثناء الجميل، فراجع مثلا: 1 - الضوء اللامع 7 / 39. 2 - البدر الطالع 2 / 115. 3 - حسن المحاضرة 1 / 252.

(هامش)

(1) شرح جمع الجوامع. فصل الكلام على الأخبار. (*)

ص 351

*(38)* دلالة الحديث على الخلافة لدى مشايخ القوم

 وقد حكى الشيخ عبد الله المعروف ب‍ غلام علي في رسالة له اختصرها من كتاب المولوي نعيم الله في أحوال الشيخ شمس الدين حبيب الله المشهور ب‍ ميزا جان جانان حكى عن المولوي سناء الله أنه رأى في عالم المنام أمير المؤمنين عليه السلام وقد خاطبه بحديث المنزلة، ففسرها ميرزا جان جانان بالخلافة في الطريقة. أقول: فلولا دلالة الحديث على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن للتعبير المذكور وجه! ولا يتوهم دلالته على خلافته في الباطن فقط، فإن هذا التوهم فاسد، كما بينا في مجلد (حديث الغدير).

ص 352

*(39)* عمر يتمنى ورود الحديث في حقه

 وكان عمر بن الخطاب يتمنى ورود حديث المنزلة في حقه. كما حديث رواه: 1 - الحسن بن بدر. 2 - الحاكم النيسابوري. 3 - أبو بكر الشيرازي صاحب الألقاب. 4 - جار الله الزمخشري. 5 - أبو سعد ابن السمان. 6 - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي. 7 - ابن النجار البغدادي. 8 - ابن الصباغ المالكي. 9 - محب الدين الطبري. 10 - جلال الدين السيوطي. 11 - على المتقي الهندي. وغيرهم... قال المتقي: عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في علي ثلاث خصال، لأن

ص 353

تكون لي واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس: كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنبي متكئ على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبه، ثم قال: وأنت يا علي: أول المؤمنين إيمانا وأولهم إسلاما ثم قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب علي من زعم أنه يحبني ويبغضك. الحسن بن بدر في (ما رواه الخلفاء) والحاكم في (الكنى) والشيرازي في (الألقاب) وابن النجار (1). وقال الموفق المكي الخوارزمي: أخبرنا الإمام العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي قال: أخبرنا الأستاذ الأمين أبو الحسن علي بن الحسين ابن مردك الرازي قال: أخبرنا الحافظ أبو سعد إسماعيل بن الحسن السمان قال: حدثنا محمد بن عبد الواحد الخزاعي الغطاء، قال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن سعيد الأنصاري قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن أردان الخياط الشيرازي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري وصي المأمون قال حدثني أمير المؤمنين الرشيد، عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أما علي فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن، فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس: كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه، إذ ضرب النبي بيده على منكب علي فقال: يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى (2).

(هامش)

(1) كنز العمال 13 / 122 رقم 36392. (2) المناقب للخوارزمي: 54 رقم 19. (*)

ص 354

وقال المحب الطبري: عن عمر وقد سمع رجلا سب عليا فقال: إني لأظنك من المنافقين: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي فيه ثلاث خصال، لوددت أن لي واحدة منهن، بينا أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة عند النبي، إذ ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - منكب علي فقال: يا علي، أنت أول المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى. خرجه ابن السمان (1). وقال ابن الصباغ: ومن كتاب الخصائص عن العباس بن عبد المطلب قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول،: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب إلا بخير، فإني سمعت رسول الله يقول... (2). أقول: فالعجب من أهل السنة ينكرون فضيلة يعترف بها إمامهم! بل يدعي بعضهم دلالة الحديث على منقصة، وإمامهم يتمنى ورود الحديث في حقه! بل يقول الأعور: إن عمر لو عقل ما تمنى هذا التمني ورود هذا الحديث في حقه، وما ظنه من فضائل علي، لأنه شبهه بهارون في الاستخلاف ! فلو كان هذا الحديث دالا على منقصة كان عمر أدنى مرتبة من ابن أم مكتوم وأمثاله، لأنه قد تمنى مرتبة هي أدنى من مرتبة ابن أم مكتوم وأمثاله...

(هامش)

(1) الرياض النضرة (3 - 4): 118. (2) الفصول المهمة: 126. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الثامن عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب