ص 53
قال ابن النجار (1): كان غزير الفضل، وكان حسن الصحبة، طيب الأخلاق، حريصا على
الطلب. ومات بحلب سنة 626 ولم يبلغ الستين... (2). اعتماد العلماء على ياقوت
وكثيرا ما يعتمد كبار علماء أهل السنة وحفاظهم على أقوال ياقوت وتحقيقاته في تراجم
العلماء، ونكتفي هنا بإيراد موارد من اعتماد الحافظ جلال الدين السيوطي على ياقوت
الحموي: قال السيوطي: محمد بن محمد بن عمران البصري الرقام، أبو الحسن، قال
ياقوت: أحد أصحاب ابن دريد القيمين بالعلم والفهم (3). وقال: محمد بن بركات بن
هلال بن عبد الواحد السعيدي النحوي أبو عبد الله. قال ياقوت: عالي المحل في النحو
واللغة والأدب، أحد فضلاء المصريين وأعيانهم المبرزين، أخذ النحو والأدب عن ابن
باشا (4).
(هامش)
(1) ولا بأس بذكر ترجمة ابن النجار الذي نقل ابن حجر كلامه في الثناء على ياقوت،
قال ابن شاكر الكتبي: صنف التاريخ الذي ذيل به على تاريخ الخطيب، واستدرك فيه على
الخطيب، فجاء في ثلاثين مجلدا، دل على تبحره في هذا الشأن وسعة حفظه. وكان إماما
ثقة حجة مقرءا مجودا حسن المحاضرة كيسا متواضعا، اشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ،
ورحل سبعا وعشرين سنة... وله كتاب: القمر المنير في المسند الكبير، ذكر كل صحابي
وما له من الحديث، وله كتاب كنز الإمام في معرفة السنن والأحكام، والمختلف
والمؤتلف، ذيل به على ابن ماكولا، والمتفق والمفترق، ونسبة المحدثين إلى الآباء
والبلدان، كتاب عواليه، كتاب معجمه، جنة الناظرين في معرفة التابعين، الكمال في
معرفة الرجال، القصر الفائق في عيون أخبار الدنيا ومحاسن تواريخ الخلائق، الدرة
الثمينة في أخبار المدينة، نزهة الورى في أخبار أم القرى... . [فوات الوفيات 4 /
36] (2) لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 6 / 239. (3) بغية الوعاة: 99. (4) نفس
المصدر: 24. (*)
ص 54
وقال: محمد بن أحمد أبو الندى الغندجاني. قال ياقوت: واسع العلم، راجح المعرفة
باللغة وأخبار العرب وأشعارها... (1). وقال: محمد بن أحمد أبو الريحان
الخوارزمي... قال ياقوت: وأما تصانيفه في النجوم والهيئة والحكمة فإنها تفوت
الحصر... (2).
*(2)* رواية أحمد بن حنبل

ورواه أحمد بن حنبل بطريق صحيح: قال أبو
جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني رحمة الله عليه: أحمد بن حنبل،
عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وابن بطة في
الإبانة بإسناده عن ابن عباس، كلاهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من
أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى
في سمته، وإلى محمد في تمامه وكماله وجماله، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل. قال:
فتطاول الناس أعناقهم فإذا هم بعلي، كأنما ينقلب في صبب وينحل عن جبل. تابعهما أنس،
إلا أنه قال: إلى إبراهيم في خلته، وإلى يحيى في زهده،
(هامش)
(1) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: 21. (2) نفس المصدر: 20. (*)
ص 55
وإلى موسى في بطشه. فلينظر إلى علي بن أبي طالب (1). ترجمة ابن شهرآشوب وقد ذكر
كبار علماء السير والتواريخ من أهل السنة أبا جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروي،
ووصفوه بالأوصاف الحميدة، وأثنوا عليه الثناء البالغ: 1 - قال الصفدي: محمد بن
علي بن شهرآشوب - الثانية سين مهملة - أبو جعفر السروي المازندراني، رشيد الدين
الشيعي، أحد شيوخ الشيعة، حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين، وبلغ النهاية في أصول
الشيعة، كان يرحل إليه من البلاد، ثم تقدم في علم القرآن والغريب والنحو، ووعظ على
المنبر أيام المقتفي ببغداد، فأعجبه وأخلع عليه، وكان بهي المنظر، حسن الوجه
والشيبة، صدوق اللهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الخشوع والعبادة والتهجد،
لا يكون إلا على وضوء. أثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناء كثيرا، توفي سنة 558
(2). 2 - الفيروزآبادي: محمد بن علي بن شهرآشوب، أبو جعفر المازندراني، رشيد
الدين الشيعي، بلغ النهاية في أصول الشيعة، تقدم في علم القرآن واللغة والنحو، ووعظ
أيام المقتفي فأعجبه وخلع عليه، وكان واسع العلم، كثير العبادة، دائم الوضوء. له
كتاب الفصول في النحو، وكتاب المكنون والمخزون في عيون الفنون، وكتاب أسباب نزول
القرآن، وكتاب متشابه القرآن، وكتاب الأعلام
(هامش)
(1) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 / 264 ط ايران. (2) الوافي بالوفيات 4 / 164.
(*)
ص 56
والطرائق في الحدود والحقائق، وكتاب الجديدة. جمع فيه فوائد وفرائد جمة. عاش مائة
سنة إلا عشرة أشهر، مات سنة 588 (1). 3 - السيوطي: محمد بن علي بن شهرآشوب، أبو
جعفر السروي المازندراني، رشيد الدين، شيعي، قال الصفدي: كان مقدما في علم القرآن
والغريب والنحو، واسع العلم، كثير العبادة والخشوع، ألف: الفصول في النحو، أسباب
نزول القرآن، متشابه القرآن، مناقب علي بن أبي طالب، المكنون،... (2). 4 - شمس
الدين الداودي: محمد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر، أبو جعفر السروي المازندراني،
رشيد الدين، أحد شيوخ الشيعة، اشتغل بالحديث ولقي الرجال، ثم تفقه وبلغ النهاية في
فقه أهل مذهبه، ونبغ في الأصول حتى صار رحله، ثم تقدم في علم القرآن والقراءات
والتفسير والنحو، وكان إمام عصره وواحد دهره، أحسن الجمع والتأليف، وغلب عليه علم
القرآن والحديث، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة، في تصانيفه وتعليقات
الحديث ورجاله ومراسيله ومتفقه ومفترقه، إلى غير ذلك من أنواعه، واسع العلم، كثير
الفنون. مات في شعبان سنة 588. قال ابن أبي طي: ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق
بين ابن بطة الحنبلي وابن بطة الشيعي، حتى قدم الرشيد فقال: إن بطة الحنبلي بالفتح
والشيعي بالضم (3). وإذا عرفت جلالة قدر ابن شهرآشوب السروي، وعلو مقامه في الفقه
(هامش)
(1) البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة: 240. (2) بغية الوعاة: 77. (3) طبقات
المفسرين 2 / 199. (*)
ص 57
والحديث والتفسير والرجال والقراءات والنحو... مع صدق اللهجة والأمانة في النقل، لم
يبق عندك أي شك وريب في رواية أحمد بن حنبل لحديث التشبيه بالسند المتقدم الذي ذكره
ابن شهرآشوب. رواية صاحب الصحائف حديث التشبيه عن أحمد هذا، بالإضافة إلى أن رواية
أحمد بن حنبل لحديث التشبيه مذكورة في كتب أهل السنة أيضا، ففي كتاب (هداية
السعداء) لملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي الهندي، عن كتاب (الصحائف)، أنه عزا
رواية الحديث الشريف إلى أحمد والبيهقي، حيث قال: روى أحمد والبيهقي في فضائل
الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه،
وإلى يوشع في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في
عبادته، فلينظر إلى وجه علي . ثم إن صاحب (الصحائف) لم ينكر - في مقام الجواب عن
دلالة هذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام - رواية أحمد بن حنبل
للحديث، بل لم يشك في صحته، بل قال: والحق أن كل واحد من الخلفاء الأربعة، بل كل
واحد من الصحابة مكرم عند الله، موصوف بالفضائل الحميدة، ولا يجوز الطعن في أحد
منهم، لأن الطعن في واحد منهم يوجب الكفر (1). ومؤلف كتاب (الصحائف) هو الشيخ شمس
الدين محمد بن أشرف الحسيني السمرقندي، قال الجلبي: آداب الفاضل شمس الدين محمد
بن أشرف الحسيني السمرقندي، الحكيم المحقق، صاحب الصحائف
(هامش)
(1) هداية السعداء - الهداية الأولى، الجلوة السابعة - مخطوط. (*)
ص 58
والقسطاس، المتوفى في حدود سنة 600، وهي أشهر كتب الفن،... وعليها شروح... (1).
وذكر (الصحائف) بقوله: الصحائف في الكلام أوله. الحمد لله الذي استحق الوجود
والوحدة الخ. وهو على مقدمة وستة صحائف وخاتمة (2). وذكر (القسطاس) بقوله:
قسطاس الميزان أي المنطق، وهو على مقدمة ومقالتين، الأولى في التصورات، والثانية في
التصديقات، لشمس الدين محمد السمرقندي، وهو صاحب الصحائف (3). ووصف كتاب
(الصحائف) شارحه صاحب (المعارف في شرح الصحائف) فقال: وكتاب الصحائف جامع لما ثبت
بالحجج القطعية والدلائل اليقينية، على ما شهد به صريح العقل من حجج المخالفين على
الفلاسفة وغيرهم، والمطالب إنما تبتني على أصولهم وقواعدهم، ليلغي حسبان المريبين،
ويقوي إيمان المصيبين، إذ الحق لا يتميز ولا يقرب إلا بإبانة الحجة وإزالة الشبهة.
فالتمس جماعة من العلماء وطائفة من الفضلاء أن أكتب له شرحا وافيا لبيانه، كافيا
لتبيانه، مع زيادة ما يتوقف عليه الاتقان، وإفادة ما يفتقر إليه الإيقان، فالتزمته
وسميته كتاب المعارف في شرح الصحائف . وقد ذكر الكاتب الجلبي هذا الشرح أيضا في
(كشف الظنون) ويظهر من كلامه وجود شروح عديدة له. وكتاب الصحائف وشرحه المذكور
يعدان من الكتب الكلامية المعتمدة عند أهل السنة، في عداد المقاصد والمواقف
والطوالع وشروحها.
(هامش)
(1) كشف الظنون 1 / 39. (2) كشف الظنون 2 / 1075. (3) المصدر 2 / 1326. (*)
ص 59
هذا، ولأجل أن يطمئن القارئ بما ذكرناه من رواية صاحب (الصحائف) هذا الحديث الشريف
عن أحمد بن حنبل، ونقله صاحب كتاب (هداية السعداء) في كتابه، فإنا ننقل عين ما جاء
في الكتابين: نص كلام صاحب الصحائف قال في (هداية السعداء)، في الهداية الأولى،
الجلوة السابعة، فيما يصير به الرجل رافضيا. في التمهيد: من قال إن عليا كان نبيا
أو أفضل من النبي وأعلم منه، وأنكر خلافة الشيخين، أو سبهما، أو لعنهما، أو قال إن
أبا بكر ليس من الصحابة، فهو رافضي كافر. وفي تفسير الطيبي عند قوله تعالى *(إذ هما
في الغار)* قالوا من أنكر صحبة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد كفر. عن
الترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر:
أنت صاحبي في الغار وصاحبي في الحوض. وفي التشريح: من قال حب علي كفر ورفض فهو
خارجي كافر لأن الله أحبه وأحبه النبي والصحابة والمؤمنون أجمعون، فإنه يسب هؤلاء
الكل. في كتاب الشفاء: من قال لأحد من الخلفاء الأربعة إنه كان على الضلال أو كان
كافرا يقتل، لأنه كفر، وإن سبهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالا شديدا، ومن قال
لغيرهم من الصحابة كان فلان من أهل الضلالة نكل نكالا شديدا . وفي الصحائف في
الفصل الثالث، في أفضل الناس بعد النبي، المراد بالأفضل ههنا أن يكون أكثر ثوابا
عند الله واختلفوا فيه.
ص 60
فقال أهل السنة وقدماء المعتزلة إنه أبو بكر، وقال الشيعة وأكثر المتأخرين من
المعتزلة هو علي. إستدل أهل السنة بوجهين، الأول: قوله تعالى *(وسيجنبها الأتقى
الذي يؤتي ماله)* السورة، والمراد هو أبو بكر رضي الله عنه عند أكثر المفسرين،
والأتقى أكرم عند الله تعالى لقوله تعالى *(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)* والأكرم
عند الله أفضل. الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: والله ما طلعت شمس ولا غربت على
أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر. وأجاب الشيعة: بأن هذا لا يدل على أنه
أفضل، بل بأن غيره ليس أفضل منه. واحتجت الشيعة بأن الفضيلة إما عقلية أو نقلية،
والعقلية إما بالنسب أو بالحسب، وكان علي أكمل الصحابة في جميع ذلك، فهو أفضل. أما
بالنسب، فلأنه أقرب إلى رسول الله، والعباس وإن كان عم رسول الله لكنه كان أخا عبد
الله من الأب وكان أبو طالب أخا منهما، وكان علي هاشميا من الأب والأم، لأنه علي بن
أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وعلي بن فاطمة بنت أسد بن هاشم، والهاشمي أفضل
لقوله صلى الله عليه وسلم اصطفى من ولد إسماعيل قريشا واصطفى من قريش هاشما. وأما
الحسب، فلأن أشرف الصفات الحميدة الزهد والعلم والشجاعة، وهو فيها أتم وأكمل من
الصحابة. أما العلم، فلأنه ذكر في خطبه من أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء
والقدر وأحوال المعاد ما لم يوجد في الكلام لأحد من الصحابة، وجميع الفرق ينتهي
نسبتهم في علم الأصول إليه، فإن المعتزلة ينسبون أنفسهم إليه،
ص 61
والأشعري أيضا منتسب إليه لأنه كان تلميذا للجبائي المنتسب إلى علي، وانتساب الشيعة
بين، والخوارج مع كونهم أبعد الناس عنه أكابرهم تلامذته، وابن عباس رئيس المفسرين
كان تلميذا له وعلم منه تفسير كثير من المواضع التي تتعلق بعلوم دقيقة مثل الحكمة
والحساب والشعر والنجوم والرمل وأسرار الغيب، وكان في علم الفقه والفصاحة في الدرجة
العليا وعلم النحو منه، وأرشد أبا الأسود الدئلي إليه، وكان عالما بعلم السلوك
وتصفية الباطن الذي لا يعرفه إلا الأنبياء والأولياء حتى أخذه جميع المشايخ منه أو
من أولاده أو من تلامذتهم، وروي أنه قال لو كسرت الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين
أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل
الفرقان بفرقانهم، والله ما من آية أنزلت في بر أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو
أرض أو ليل أو نهار إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أي شيء نزلت، وروي أنه قال: لو كشف
الغطاء ما ازددت يقينا، وقال صلى الله عليه وسلم أقضاكم علي، والقضاء يحتاج إلى
جميع العلوم. وأما الزهد، فلما علم منه بالتواتر من ترك اللذات الدنياوية والاحتراز
عن المحظورات من أول العمر إلى آخره مع القدرة، وكان زهاد الصحابة كأبي ذر وسلمان
الفارسي وأبي الدرداء تلامذته. وأما الشجاعة، فغنية عن الشرح، حتى قال النبي صلى
الله عليه وسلم: لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار، وقال صلى الله عليه وسلم يوم
الأحزاب لضربة علي خير من عبادة الثقلين. وكذا السخاوة، فإنه بلغ فيها الدرجة
القصوى حتى أعطى ثلاثة أقراص ما كان له ولأولاده غيرها عند الإفطار، فأنزل الله
تعالى *(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)*.
ص 62
وكان أولاده أفضل أولاد الصحابة كالحسن والحسين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم هما
سيدا شباب أهل الجنة، ثم أولاد الحسن مثل الحسن المثنى والحسن المثلث وعبد الله بن
المثنى والنفس الزكية، وأولاد الحسين مثل الأئمة المشهورة وهم اثنا عشر. وكان أبو
حنيفة ومالك رحمهما الله أخذا الفقه من جعفر الصادق والباقون منهما، وكان أبو يزيد
البسطامي من مشايخ الإسلام سقاء في دار جعفر الصادق، والمعروف الكرخي أسلم على يد
علي الرضا وكان بواب داره، وأيضا اجتماع الأكابر من الأمة وعلمائها على شيعيته دال
على أنه أفضل ولا عبرة بقول العوام. وأما الفضائل النقلية، فما روي عن النبي صلى
الله عليه وسلم. الأولى: خبر الطير، وهو قوله صلى الله عليه وسلم اللهم ائتني بأحب
خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي وأكل معه. الثانية: خبر المنزلة، وهو قوله
صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وهذا أقوى
من قوله في حق أبي بكر: والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبي على أفضل من أبي بكر،
لأنه إنما يدل على أن غيره ليس أفضل منه، لا على أنه أفضل من غيره. وأيضا: يدل على
أن الغير ما كان أفضل منه لا على أنه ما يكون، فجاز أن لا يكون عند ورود هذا الخبر
ويكون بعده. وأيضا: خبر المنزلة يدل على أن له مرتبة الأنبياء، لقوله صلى الله عليه
وسلم إلا أنه لا نبي بعدي، وخبر أبي بكر إنما يدل على أن غيره ممن هو أدنى من مراتب
الأنبياء ليس أفضل منه، لقوله صلى الله عليه وسلم بعد النبيين والمرسلين، فجاز أن
يكون علي أفضل منه.
ص 63
الثالثة: خبر الراية، روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى خيبر فرجع
منهزما، ثم بعث عمر فرجع منهزما، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم مغتما، فلما
أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية وقال: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله كرارا غير فرار، فتعرض له المهاجرون والأنصار فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أين علي؟ فقيل: إنه أرمد العينين، فتفل في عينيه ثم دفع إليه الراية.
الرابعة: خبر السيادة، قالت عائشة: كنت جالسة عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل
علي فقال: هذا سيد العرب، فقلت: بأبي أنت وأمي ألست سيد العرب؟ فقال: أنا سيد
العالمين وهو سيد العرب. الخامسة: خبر المولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من
كنت مولاه فعلي مولاه. وروى أحمد والبيهقي في فضائل الصحابة أنه قال صلى الله عليه
وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى يوشع في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه،
وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى وجه علي. السادسة: روي عن أنس
بن مالك رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخي ووزيري وخير
من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب. السابعة: روي عن ابن مسعود
أنه قال صلى الله عليه وسلم: علي خير البشر من أبى فقد كفر. الثامنة: روي أنه قال
صلى الله عليه وسلم في ذي الثدية - كان رجلا منافقا - يقتله خير الخلق، وفي رواية
خير هذه الأمة، وكان قاتله علي بن أبي طالب، وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة: إن
الله تعالى اطلع على أهل الدنيا
ص 64
واختار منهم أباك واتخذه نبيا ثم اطلع ثانيا فاختار منهم بعلك. هذا ما قالوا، والحق
أن كل واحد من الخلفاء الأربعة، بل جميع الصحابة مكرم عند الله، موصوف بالفضائل
الحميدة، ولا يجوز الطعن فيهم، إذ الطعن فيهم يوجب الكفر. والصواب أن إمامة كل
الخلفاء الأربعة حق. في المشكاة: حديث علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى متفق عليه.
في الدرر: *(الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى)* قيل: في أبي بكر رضي الله عنه، وقيل: في
أبي الدحداح. في دستور الحقائق: قالت الشيعة: إذا تعارضا تساقطا. فإن قيل: علم بهذا
الحديث أن بعد النبي ليس أحد أفضل من أبي بكر، ولا نفهم من الحديث أنه أفضل من
غيره. قيل: فهم باللغة أن غيره ليس أفضل منه، وعلم بالعرف أن أبا بكر أفضل بعد
النبيين على كافة الناس، وإذا عارض اللغة رجح العرف. فإن قيل: علم بالحديث أن غيره
ليس أفضل منه، ولا يفهم أن لا يكون غيره مستويا به. قلنا: لفظ أفضل يمنع المماثلة
وفضل الغير. في شرح عقائد النسفي عند قوله أفضل البشر بعد نبينا: والأحسن أن يقال
بعد الأنبياء، لكنه أراد البعدية الزمانية، وليس بعد نبينا نبي، ومع ذلك لا بد من
تخصيص عيسى عليه السلام، إذ لو أريد كل بشر يوجد بعد نبينا انتقض بعيسى عليه
السلام، ولو أريد كل بشر يولد بعد نبينا لم يفد التفضيل على الصحابة، ولو أريد كل
بشر هو موجود على وجه الأرض لم يفد التفضيل على
ص 65
التابعين ومن بعدهم، ولو أريد كل بشر يوجد على الأرض ينتقض بعيسى عليه السلام. وفيه
أيضا: نحن وجدنا دلائل الجانبين متعارضة، ولم نجد هذه المسألة مما يتعلق به شيء من
الأعمال، ولا يكون التوقف فيه مخلا بشيء من الواجبات . ترجمة أحمد بن حنبل و أحمد
بن حنبل أحد أئمتهم الأربعة المشهورين، وقد أجمعوا على حفظه وثقته وورعه وجلالته
وسيادته... ولننقل بعض كلماتهم في حقه: 1 - ابن حبان: أحمد بن حنبل بن هلال بن
أسد بن إدريس بن عبد الله ابن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن
شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن
أفصى ابن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. كنيته أبو عبد
الله، أصله من مرو، ومولده ببغداد. يروي عن: ابن عيينة، وهشيم، وإبراهيم بن سعد.
روى عنه أهل العراق والغرباء. مات سنة 241. وكان حافظا، متقنا، فقيها، لازما للورع
الحفي، مواظبا على العبادة الدائمة، به أغاث الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه
وسلم، وذلك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله عز وجل، حتى ضرب بالسياط للقتل، وعصمه
الله عن الكفر، وجعله علما يقتدى به وملجأ يلتجأ إليه. سمعت أحمد بن محمد بن أحمد
السندي يقول: سمعت محمد بن النضر
ص 66
الفراء يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: طلبت الحديث سنة تسع وسبعين وأنا ابن ستة عشر
سنة (1). 2 - أبو نعيم الإصبهاني: ومنهم الإمام المبجل، والهمام المفضل، أبو
عبد الله أحمد بن حنبل. لزم الاقتداء وظفر بالاهتداء، علم الزهاد علم النقاد، امتحن
في المحنة فكان صبورا، واجتبى فكان في النعمة شكورا، كان للعلم والحكم واعيا وللفهم
والفكر راعيا (2). 3 - ابن ماكولا: إمام في النقل، وعلم في الزهد والورع، وكان
أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين، أصله مروزي، وقدمت به أمه بغداد وهو حمل
وولدته بها. سمع ابن عيينة وابن علية وهشيم بن بشير، وخلقا كثيرا من الكوفيين
والبصريين والحرمين واليمن والشام والجزيرة . 4 - النووي: هو الإمام البارع
المجمع على إمامته وجلالته وورعه وزهادته وحفظه ووفور علمه وسيادته. روينا من طرق
عن إبراهيم الحربي قال: رأيت ثلاثة لم ير مثلهم أبدا: أبا عبيد القاسم، ما مثلته
إلا بجبل ينفخ فيه الروح. وبشر بن الحارث، ما شبهته إلا برجل غمس من قرنه إلى قدمه
عقلا. وأحمد بن حنبل، كأن الله عز وجل جمع له علم الأولين من كل صنف. وروينا عن أبي
مسهر قال: ما أعلم أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها إلا شابا بالمشرق. يعني أحمد
بن حنبل. وروينا عن علي بن المديني قال قال لي سيدي أحمد بن حنبل: لا تحدث إلا من
كتاب.
(هامش)
(1) كتاب الثقات 8 / 18. (2) حلية الأولياء 9 / 161. (*)
ص 67
وروينا عن إبراهيم بن جابر قال: كنا نجالس أحمد فيذكر الحديث ونحفظه ونتقنه، فإذا
أردنا أن نكتبه قال: الكتاب أحفظ، فيثب ويجئ بالكتاب. وروينا عن الهيثم بن جميل
قال: وددت أنه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد بن حنبل. وروينا عن أبي زرعة قال: ما
رأيت من المشايخ أحفظ من أحمد بن حنبل، حزرت كتبه اثني عشر حملا وعدلا، كل ذلك كان
يحفظ عن ظهر قلبه. وذكر ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل أبوابا من مناقب أحمد
رحمه الله، فيها جمل من نفائس أحواله، منها: عن عبد الرحمن بن مهدي قال: أحمد أعلم
الناس بحديث سفيان الثوري، وعن أبي عبيد قال: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل
وهو أفقههم فيه، وعلي بن المديني وهو أعلمهم به، ويحيى بن معين وهو أكتبهم له، وأبو
بكر بن أبي شيبة وهو أحفظهم له. وسئل أبو حاتم عن أحمد وعلي بن المديني فقال: كانا
في الحفظ متقاربين وكان أحمد أفقه. وقال أبو زرعة: ما رأيت أحدا أجمع من أحمد بن
حنبل، وما رأيت أحدا أكمل منه، اجتمع فيه زهد وفقه وفضل وأشياء كثيرة. وقال قتيبة:
أحمد إمام الدنيا. وعن الهيثم بن جميل قال: إن عاش هذا الفتى - يعني أحمد بن حنبل -
فسيكون حجة على أهل زمانه. وقال ابن المديني: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد بن حنبل.
وقال عمرو بن محمد الناقد: إذا وافقني أحمد على حديث لا أبالي من خالفني.
ص 68
وقال الشافعي: ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي. وقال ابن أبي
حاتم: كان أحمد بن حنبل بارع الفهم بمعرفة صحيح الحديث وسقيمه. وقال صالح بن أحمد
بن حنبل: قال أبي: حججت خمس حجج ثلاث منها راجلا، وأنفقت في إحداهن ثلاثين درهما.
قال: وما رأيت أبي قط اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة إلا أن يشتري
بطيخة فيأكلها بخبز، أو عنب أو تمر. قال: وكثيرا ما كان يأتدم بالخل. وقال: وأمسك
أبي مكاتبة إسحاق بن راهويه لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه. قال: وقال
أبي: إذا لم يكن عندي. قال: وربما اشترينا الشيء نستره عنه لئلا يوبخنا عليه. وقال
الميموني: ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من أحمد بن حنبل ولا اتباعا للسنن منه. وعن
الحسين بن الحسن الرازي قال: حضرت بمصر عند بقال فسألني عن أحمد بن حنبل، فقلت:
كتبت عنه، فلم يأخذ ثمن المتاع مني وقال: لا آخذ ثمنا ممن يعرف أحمد بن حنبل. وقال
قتيبة وأبو حاتم: إذا رأيت الرجل يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة. وقال إبراهيم بن
الحارث ولد عبادة بن الصامت: قيل لبشر الحافي حين ضرب أحمد بن حنبل في المحنة: لو
قمت وتكلمت كما تكلم. فقال: لا أقوى عليه، إن أحمد قام مقام الأنبياء. وقال ابن أبي
حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: بلغني أن المتوكل أمر أن
ص 69
يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه للصلاة على أحمد بن حنبل، فبلغ مقامهم ألفي ألف
وخمسمائة ألف. قال: وقال الوركاني: أسلم يوم وفاة أحمد عشرون ألفا من اليهود
والنصارى والمجوس، ووقع المأتم في أربعة أصناف: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس.
وأحوال أحمد بن حنبل رحمه الله ومناقبه أكثر من أن تحصر. وقد صنف فيها جماعة.
ومقصودي في هذا الكتاب الإشارات إلى أطراف المقاصد (1). 5 - ابن خلكان: كان
إمام المحدثين، صنف كتاب المسند وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره. وقيل: إنه
كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من أصحاب الإمام الشافعي رضي الله عنه وخواصه، ولم يزل
مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، وقال في حقه: خرجت من بغداد وما خلفت فيها
أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل... أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل، منهم: محمد بن
إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري. ولم يكن في آخر عصره مثله في العلم
والورع. وذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه الذي صنفه في أخبار بشر بن الحارث
الحافي رحمه الله في الباب السادس والأربعين ما صورته: حدث إبراهيم الحربي قال:
رأيت بشر بن الحارث الحافي في المنام، كأنه خارج من باب مسجد الرصافة، في كمه شيء
يتحرك، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وأكرمني، فقلت: ما هذا الذي في كمك؟
قال: قدم علينا البارحة روح
(هامش)
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 110. (*)
ص 70
أحمد ابن حنبل، فنثر عليه الدر والياقوت، فهذا ما التقطته. قلت: فما فعل يحيى بن
معين، وأحمد بن حنبل؟ قال: تركتهما وقد زارا رب العالمين، ووضعت لهما الموائد. قلت:
فلم لم تأكل معهما أنت؟ قال: قد عرف هوان الطعام علي، فأباحني النظر إلى وجهه
الكريم (1). 6 - الذهبي: أحمد بن حنبل شيخ الإسلام وسيد المسلمين في عصره،
الحافظ الحجة، أبو عبد الله... قال علي بن المديني: إن الله أيد هذا الدين بأبي بكر
الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة. وقال أبو عبيد: إنتهى العلم إلى أربعة
أفقههم أحمد. وقال ابن معين من طريق ابن عياش عنه: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله
لا أكون مثله أبدا. وقال همام السكوني: ما رأى أحمد بن حنبل مثل نفسه. وقال محمد بن
حماد الظهراني: إني سمعت أبا ثور يقول: أحمد أعلم - أو قال: أفقه - من الثوري. قلت:
سيرة أبي عبد الله قد أفردها البيهقي في مجلد، وأفردها ابن الجوزي في مجلد، وأفردها
شيخ الإسلام الأنصاري في مجلد لطيف (2). 7 - الذهبي: شيخ الأمة وعالم أهل
العصر، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي، أحد
الأعلام... وكان إماما في الحديث وضروبه، إماما في الفقه ودقائقه، إماما في السنة
(هامش)
(1) وفيات الأعيان 1 / 17. (2) تذكرة الحفاظ 2 / 17. (*)
ص 71
وطرائقها، إماما في الورع وغوامضه، إماما في الزهد وحقائقه (1). 8 - السبكي: هو
الإمام الجليل أبو عبد الله الشيباني المروزي ثم البغدادي، صاحب المذهب، الصابر على
المحنة، الناصر للسنة، شيخ العصابة ومقتدى الطائفة... وقال المزني: أبو بكر يوم
الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين، وأحمد بن حنبل يوم
المحنة... وقال عبد الله قال لي أبي: خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع، فإن شئت أن
تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك عن الكلام... وعن
إسحاق: أحمد حجة الله بين خلقه. وقال أبو ثور - وقد سئل عن مسألة - قال أبو عبد
الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا. فهذا يسير من ثناء الأئمة عليه
(2). 9 - ابن حجر العسقلاني: أحمد بن حنبل... قال ابن معين: ما رأيت خيرا من
أحمد، ما افتخر علينا بالعربية قط. وقال القطان: ما قدم علينا مثل أحمد. وقال فيه
مرة: حبر من أحبار هذه الأمة. وقال أحمد بن سنان: ما رأيت يزيد بن هارون لأحد أشد
تعظيما منه لأحمد بن حنبل. وقال عبد الرزاق: ما رأيت أفقه منه ولا أورع.
(هامش)
(1) العبر في خبر من غبر. حوادث 241. (2) طبقات الشافعية 2 / 27. (*)
ص 72
وقال أبو عاصم: أحمد إمامنا. وقال عبد الله الحزيبي: كان أفضل أهل زمانه. وقال
العباس العنبري: حجة. وقال يحيى بن معين: لو جلسنا مجلسا بالثناء عليه ما ذكرنا
فضائله بكاملها. وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث، نزه النفس، فقيه في الحديث، منبع
الآثار، صاحب سنة وخير. وقال أبو ثور: أحمد شيخنا وإمامنا. وقال حجاج بن الشاعر: ما
رأت عيناي روحا في جسد أفضل من أحمد ابن حنبل. وقال أحمد الدورقي: من سمعتموه يذكر
أحمد بسوء فاتهموه على الإسلام. قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: هو إمام وحجة.
وقال النسائي: الثقة المأمون أحد الأئمة. وقال ابن ماكولا: كان أعلم الناس بمذاهب
الصحابة والتابعين. وقال الخليلي: كان أفقه أوانه وأورعهم وأكفهم عن الكلام في
المحدثين إلا في اضطرار. وقال ابن حبان في الثقات: كان حافظا متقنا فقيها. وقال
سليمان بن حرب لرجل سأله عن مسألة سأل عنها أحمد: فإنه إمام. وقال ابن سعد: ثقة ثبت
صدوق كثير الحديث (1).
(هامش)
(1) تهذيب التهذيب 1 / 72. (*)
ص 73
10 - الخطيب التبريزي: كان إماما في الفقه والحديث والزهد والورع والعبادة، وبه
عرف الصحيح والسقيم والمجروح من المعدل... وفضائله كثيرة، ومناقبه جمة، وآثاره في
الإسلام مشهورة، ومقاماته في الدنيا مذكورة، انتشر ذكره في الآفاق، وسرى حمده في
البلاد. وهو أحد المجتهدين المعمول بقوله ورأيه ومذهبه في كثير من البلاد. وقال أبو
داود السجستاني: كان مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر
الدنيا، وما رأيت ذكر الدنيا قط (1). 11 - الكفوي: وأحد الأئمة الأربعة أحمد بن
حنبل بن هلال أبو عبد الله الشيباني. قال المولى الشهير بأبي أربعة شكيري في مناقب
الأخيار ونوادر الأخبار عن أحمد بن حنبل أنه قال: ولدت سنة أربعين وستين ومائة في
ربيع الأول، وأول سماعي من هشيم سنة تسع وستين ومائة، وكان ابن المبارك قدم في هذه
السنة يعني بغداد، وهي آخر قدمة قدمها، وذهبت إلى مجلسه، فقالوا خرج إلى طرطوس،
فتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة. قال ابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل: توفي أبي رحمه
الله يوم الجمعة ضحوة ودفناه العصر، لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، سنة
إحدى وأربعين ومائتين، وسنه سبع وسبعون سنة. وعن أبي داود السجستاني: لقيت مائتين
من مشايخ العلم، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوف فيه الناس
من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلم تكلم. قال أبو زرعة: ما رأت عيني مثل أحمد بن حنبل،
فقلت له في العلم؟
(هامش)
(1) الإكمال في أسماء الرجال - المطبوع مع المشكاة - 3 / 797. (*)
ص 74
قال: في العلم والزهد والفقه والمعرفة. وقال عبد الله: جميع ما حدث به الشافعي في
كتابه وقال حدثني الفقيه الثقة فهو أبي رحمه الله. وسمعت أبي يقول: استفاد منا
الشافعي ما لم نستفد منه، وكان أحمد أصغر منه بأربع عشرة سنة. قال: حج أبي خمس حجج،
ثلاثا ماشيا وثنتين راكبا، وكان سرق ثيابه فبقي في بيته أياما، فعرض عليه الدنانير
والثياب فأبى أن يأخذ، فعرض عليه أن ينسخ شيئا فنسخ كتابا بدينار، فاشترى ثوبا فشقه
نصفين فاتزر بنصفه وارتدى بنصفه. وعن المزني أنه قال: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة من
العلماء من عجائب الدنيا، عربي لا يعرب كلمته وهو أبو ثور، وعجمي لا يخطأ في كلمة
وهو حسن ابن محمد الزعفراني، وصغير كلما قال شيئا صدقه الكبار وهو أحمد بن حنبل.
ولما ظهر القول بخلق القرآن في أيام المأمون، وحمل الناس على القول بخلق القرآن حمل
إلى المأمون مقيدا، فمات المأمون قبل وصوله، ولما ولي الخلافة إبراهيم المعتصم بن
هارون الرشيد طلبه، وكان في سجن المأمون، وكان المأمون لما توفي عهد إلى أخيه
المعتصم بالخلافة، وأوصاه بأن يحمل الناس على القول بخلق القرآن، فاستمر الإمام
محبوسا، وروي أنه مكث في السجن ثمانية وعشرين شهرا، ولم يزل ذلك يحضر الجماعات،
فأحضره المعتصم وعقد له مجلسا للمناظرة فيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسحاق والقاضي
أحمد بن أبي داود وغيرهما، فناظرهم ثلاثة أيام، ولم يزل معهم في جدال إلى اليوم
الرابع، فأمر بضربه، فضرب بالسياط، ولم يزل على الصبر إلى
ص 75
أن أغمي عليه، ثم حمل وصار إلى منزله، ثم ولي الخلافة الواثق فأظهر ما أظهره
المأمون والمعتصم، وكان أحمد بن حنبل يحضر الجماعة ويفتي إلى أن مات المعتصم، وفي
زمان الواثق صار مختفيا لا يخرج إلى الصلاة ولا إلى غيرها ولا يفتي، لما قال له
الواثق ونبهه بأن لا تجمعن إليك أحدا ولا تسكن في بلد أنا فيه، فأقام مختفيا إلى أن
مات الواثق، وولي الخلافة المتوكل، فرفع المحنة، وأمر بإحضار الإمام أحمد بن حنبل
فأكرمه وأطلق له مالا كثيرا، فلم يقبله وفرقه على الفقراء والمساكين، وأجرى المتوكل
على أهله وولده في كل شهر أربعة آلاف درهم، فلم يرض الإمام أحمد بذلك (1). 12 -
المناوي: حم، لأحمد في مسنده بفتح النون، يقال أسند الكتاب جمع فيه ما أسنده
الصحابة، أي رووه بالإسناد كمسند الشهاب ومسند الفردوس، أي إسناد حديثهما، ولم يكتف
في الرمز إليه بحرف واحد كما فعل في أولئك، لئلا يتصحف بعلامة البخاري، والإمام
أحمد هو ابن محمد بن حنبل، الناصر للسنة، الصابر على المحنة، الذي قال فيه الشافعي:
ما بقي ببغداد أفقه ولا أزهد منه. وقال إمام الحرمين غسل وجه السنة من غبار البدعة،
وكشف الغمة عن عقيدة الأمة. ولد ببغداد سنة أربع وخمسين ومائة، وروى عن الشافعي
وابن مهدي وخلق وعنه الشيخان وغيرهما. ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وارتجت
الدنيا بموته (2). 13 - الزرقاني المالكي: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل
الشيباني، أبو عبد الله، المروزي ثم البغدادي، أحد الكبار الأئمة الحفاظ الطوافين،
(هامش)
(1) كتائب أعلام الأخيار - مخطوط. (2) فيض القدير - شرح الجامع الصغير 1 / 25. (*)
ص 76
الصابر على البلوى، الذي من الله به على الأمة، ولولاه لكفر الناس في المحنة، ذو
المناقب الشهيرة، وحسبك قول الشافعي شيخه: خرجت من بغداد فما خلفت بها أفقه ولا
أزهد ولا أورع ولا أعلم منه. وقال أبو زرعة الرازي: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث،
وقيل: وما يدريك؟ قال: ذاكرته. ولد سنة أربع وستين ومائة، ومات سنة إحدى وأربعين
ومائتين. قال ابن خلكان: وحرز من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف، ومن
النساء ستون ألفا، وأسلم يوم موته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس إنتهى.
وفي تهذيب النووي: أمر المتوكل أن يقاس الموضع الذي وقف للصلاة فيه على أحمد، فبلغ
مقام ألفي ألف وخمسمائة، ووقع المأتم في أربعة أصناف، في المسلمين واليهود والنصارى
والمجوس (1). 14 - ولي الله الدهلوي: كان أعظمهم شأنا، وأوسعهم رواية، وأعرفهم
للحديث رتبة، وأعمقهم فقها: أحمد بن حنبل، ثم إسحاق بن راهويه (2).
(هامش)
(1) شرح المواهب اللدنية 1 / 31. (2) الإنصاف في بيان سبب الاختلاف: 54. (*)
ص 77
*(3)* رواية أبي حاتم الرازي

قال أبو محمد أحمد بن محمد العاصمي: أخبرنا الحسين
بن محمد البستي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي منصور، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال:
حدثنا محمد بن إدريس الحنظلي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، قال:
حدثني حميد، عن أنس، قال: كنا في بعض حجرات مكة نتذاكر عليا، فدخل علينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس، من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح
في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في شدته، وإلى عيسى في زهادته، وإلى محمد
وبهائه، وإلى جبرئيل وأمانته، وإلى الكوكب الدري، والشمس الضحي، والقمر المضي،
فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل. وأشار إلى علي بن أبي طالب (1). ترجمة أبي حاتم 1
- السمعاني: الجزي. منها أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي. وكان
يقول: نحن من أهل إصبهان من قرية جز. قال: وكان أهلها يقدمون علينا حياة أبي، ثم
انقطعوا عنا. وأبو حاتم: كان إماما، حافظا فهما، من مشاهير العلماء، له رحلة إلى
الشام ومصر والعراق، روى عنه أبو عمرو بن حكيم، وعالم لا يحصون كثرة.
(هامش)
(1) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى - مخطوط. (*)
ص 78
توفي سنة 207 (1). 2 - السمعاني: وبالري درب مشهور يقال له: درب حنظلة، منها
أبو حاتم إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث، وهو من هذا الدرب، وكان من
مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة ولقي العلماء... روى عنه
الأعلام الأئمة، مثل: يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المصريان وهما أكبر منه
سنا وأقدم سماعا، وأبو زرعة الرازي، والدمشقي، ومحمد بن عوف الحمصي، وهؤلاء من
أقرانه، وعالم لا يحصون. وذكر أبو حاتم وقال: أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنين
أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، لم أزل أحصي حتى لما زاد على ألف فرسخ
تركته. وقال أبو حاتم: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي حديثا غريبا
مسندا صحيحا لم أسمع به، فله علي درهم يتصدق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق -
أبو زرعة فمن دونه - وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع به، ليقولوا هو عند
فلان فأذهب فأسمع، وكان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي. فما تهيأ لأحد منهم أن
يغرب علي حديثا. وكان أحمد بن سلمة يقول: ما رأيت بعد إسحاق - يعني ابن راهويه -
ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم محمد بن إدريس. قال أبو
حاتم: قال لي هشام بن عمار يوما: أي شيء تحفظ من الأذواء؟ فقلت له: ذو الأصابع، وذو
الجوشن، وذو الزوائد، وذو اليدين، وذو اللحية الكلابي. وعددت له ستة، فضحك وقال:
حفظنا نحن ثلاثة وزدت أنت ثلاثة.
(هامش)
(1) الأنساب - الجزي. (*)
ص 79
مات أبو حاتم بالري في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين (1). 3 - ابن الأثير:
وفيها توفي أبو حاتم الرازي، واسمه: محمد بن إدريس بن المنذر، وهو من أقران البخاري
ومسلم (2). 4 - الذهبي: أبو حاتم الرازي وابنه، د س ت، محمد بن إدريس بن المنذر
بن داود بن مهران. الإمام الحافظ الناقد، شيخ المحدثين، الحنظلي الغطفاني... كان من
بحور العلم، طوف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنف وجرح وعدل وصحح وعلل...
وهو من نظراء البخاري... سمع... ويتعذر استقصاء سائر مشايخه، فقد قال الخليلي: قال
لي أبو حاتم اللبان الحافظ: قد جمعت من روى عنه أبو حاتم الرازي فبلغوا قريبا من
ثلاثة آلاف... حدث عنه ولده الحافظ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، ويونس
بن عبد الأعلى.. وخلق كثير. قال الخطيب: كان أبو حاتم أحد الأئمة الحفاظ الأثبات.
قال الخليلي: كان أبو حاتم عالما باختلاف الصحابة وفقه التابعين ومن بعدهم، سمعت
جدي وجماعة سمعوا علي بن إبراهيم القطان يقول: ما رأيت أجمع من أبي حاتم ولا أفضل
منه. علي بن إبراهيم الرازي... سمعت الحسن بن الحسين قال: سمعت أبا حاتم يقول: قال
لي أبو زرعة: ما رأيت أحرص على الحديث منك، فقلت له: إن عبد الرحمن ابني لحريص،
فقال: من أشبه أباه فما ظلم. قال الرقام: فسألت
(هامش)
(1) الأنساب - الحنظلي. (2) الكامل في التاريخ. حوادث 277. (*)
ص 80
عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالاته لأبيه، فقال: ربما كان يأكل وأقرأ
عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ
عليه. قال ابن أبي حاتم: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما
خراسان، ودعا لهما وقال: بقاؤهما صلاح للمسلمين. وقال محمد بن الحسين بن مكرم: سمعت
حجاج بن الشاعر - وذكر له أبا زرعة وابن واره وأبا جعفر الدارمي - فقال: ما بالمشرق
أنبل من أبي حاتم. قال الحافظ عبد الرحمن بن خراش: كان أبو حاتم من أهل الأمانة
والمعرفة. وقال هبة الله اللالكائي: كان أبو حاتم إماما حافظا متقنا. وذكره
اللالكائي في شيوخ البخاري: وقال النسائي: ثقة إلى أن قال الذهبي بعد حكاية جملة
من قضايا أبي حاتم في أسفاره: إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله، فإنه لا يوثق
إلا رجلا صحيح الحديث، وإذا لين رجلا أو قال فيه لا يحتج به فتوقف حتى ترى ما قال
غيره فيه، فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم فإنه متعنت في الرجال، قد قال
في طائفة من رجال الصحاح ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك... مات الحافظ أبو حاتم في
شعبان سنة 277... (1). 5 - الذهبي: أبو حاتم الرازي، الإمام الحافظ الكبير محمد
بن إدريس ابن المنذر الحنظلي، أحد الأعلام... (2). 6 - الذهبي: حافظ المشرق،
أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، في شعبان، وهو في عشر التسعين، وكان بارع الحفظ،
واسع الرحلة، من أوعية العلم.
(هامش)
(1) سير أعلام النبلاء 13 / 247. (2) تذكرة الحفاظ 2 / 132. (*)
ص 81
سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا مسهر، وخلقا لا يحصون. وكان جاريا في مضمار
البخاري وأبي زرعة الرازي (1). 7 - اليافعي بمثل عبارة الذهبي (2). 8 - الذهبي:
في سنة سبع مات حافظ زمانه أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، في شعبان، وهو
في عشر التسعين. وكان جاريا في مضمار أبي زرعة والبخاري (3). 9 - الذهبي: دس،
محمد بن إدريس [بن المنذر] أبو حاتم الرازي الحافظ، سمع الأنصاري وعبيد الله بن
موسى [وخلائق] وعنه دس وولده عبد الرحمن بن أبي حاتم والمحاملي [وخلق]. قال موسى بن
إسحاق الأنصاري: ما رأيت أحفظ منه. [وقال أحمد بن سلمة: ما رأيت بعد ابن راهويه
والذهلي أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم]. مات في شعبان سنة 277 (4).
10 - السبكي: أبو حاتم الرازي، أحد الأئمة الأعلام، ولد سنة 195، سمع عبيد الله
بن موسى وأبا نعيم و... حدث عنه من شيوخه: الصفار، ويونس ابن عبد الأعلى، وعبدة بن
سليمان المروزي، والربيع بن سليمان المرادي، ومن أقرانه: أبو زرعة الرازي والدمشقي،
ومن أصحاب السنن أبو داود والنسائي، وقيل: إن البخاري وابن ماجة رويا عنه ولم يثبت
ذلك... (5). 11 - ابن حجر العسقلاني: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو
(هامش)
(1) العبر. حوادث 277 - 2 / 58. (2) مرآة الجنان. حوادث 277. (3) دول الإسلام.
حوادث 277. (4) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة 3 / 18. (5) طبقات الشافعية 2 /
207. (*)
ص 82
حاتم الرازي، أحد الحفاظ، من الحادية عشر. مات سنة 77 (1). 12 - السيوطي: أحد
الأئمة الحفاظ... قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات، مشهورا بالعلم مذكورا
بالفضل، وثقه النسائي وغيره. وقال ابن يونس: قدم مصر قديما وكتب بها وكتب عنه. مات
بالري سنة خمس وقيل سبع وسبعين مائتين (2).
*(4)* رواية ابن شاهين

وروى حديث
التشبيه: أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين حيث قال ما نصه: ثنا
محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع، ثنا محمد بن عمران بن حجاج، ثنا عبيد الله بن
موسى، عن أبي راشد - يعني الحبراني - عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال:
كنا حول النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل علي بن أبي طالب، فأدام رسول الله صلى الله
عليه وسلم النظر إليه، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمه،
وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى هذا (3). ترجمة ابن شاهين 1 - ابن الأثير: في
هذه السنة في ذي الحجة، توفي أبو حفص عمر بن
(هامش)
(1) تقريب التهذيب 2 / 143. (2) طبقات الحفاظ: 255. (3) كتاب السنة - مخطوط. (*)
ص 83
أحمد بن محمد بن أيوب المعروف بابن شاهين الواعظ، مولده في صفر سنة 297. وكان مكثرا
من الحديث، ثقة (1). 2 - اليافعي: في السنة المذكورة: الحافظ المفسر الواعظ
صاحب التصانيف أبو حفص ابن شاهين، عمر بن أحمد البغدادي، قال الحسين بن المهتدي
بالله: قال ابن شاهين: صنفت ثلاثمائة وثلاثين مصنفا، منها: التفسير الكبير ألف جزء.
والمسند ألف وثلاثمائة جزء، والتاريخ مائة وخمسون جزء. وقال ابن أبي الفوارس: ابن
شاهين ثقة مأمون، جمع وصنف ما لم يصنفه أحد (2). 3 - ابن الجزري: عمر بن أحمد
بن عثمان بن شاهين، أبو حفص البغدادي الواعظ الحافظ المفسر. ولد سنة 277، روى
الحروف عن... كان إماما كبيرا، ثقة مشهورا، له تواليف في السنة وغيرهما مفيدة. توفي
اليوم الثاني من يوم النحر سنة 385 (3). 4 - الخوارزمي: عمر بن أحمد بن عثمان
بن أحمد... أبو حفص الواعظ المعروف بابن شاهين. قال الخطيب في تاريخه: سمع شعيب بن
محمد الذارع، وأبا جندب التزلي، ومحمد بن محمد بن المغلس... روى عنه: العتيقي،
والتنوخي، والجوهري، وخلق كثير. قال: سمعت ابن الساجي القاضي يقول: سمعت من ابن
شاهين شيئا كثيرا، وكان يقول يوما: حسبت ما اشتريت به الحبر إلى هذا الوقت فكان
سبعمائة درهم.
(هامش)
(1) الكامل لابن الأثير. حوادث سنة 385. (2) مرآة الجنان. حوادث 385. (3) طبقات
القراء لابن الجزري 1 / 588. (*)
ص 84
قال الدراوردي: كنت أشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم. قال: ومكث ابن شاهين بعد ذلك
يكتب زمانا ما حدثنا بشيء. توفي سنة 385 (1). 5 - السيوطي في (منتهى العقول):
منتهى الأمم هذه الأمة المحمدية، علماؤها كأنبياء بني إسرائيل، وكفى منهم الخلفاء
الأربعة، والأئمة الأربعة الذين اخترعوا العلوم، كاخترام علي علم النحو، والخليل
العروض، والشافعي أصول الفقه، والجرجاني المعاني والبيان. منتهى الحفظ لابن جرير
الطبري في روايته في علم التفسير، كان يحفظ كتابا حمل ثمانين بعيرا. وحفظ ابن
الأنباري في كل جمعة ألف كراس، وحفظ ثلاثمائة ألف بيت من الشعر استشهادا للنحو.
وكان الشافعي يحفظ من مرة أو نظرة. وابن سينا الحكيم حفظ القرآن في ليلة واحدة،
وأبو زرعة كان يحفظ ألف ألف حديث. والكل من بعض محفوظ أحمد بن حنبل. والبخاري حفظ
عشرة، أي مائة ألف حديث. منتهى التصانيف في الكثرة لابن شاهين، صنف ثلاثمائة
وثلاثين مصنفا، منها: التفسير ألف جزء، والمسند ألف وخمسمائة جزء، والتاريخ مائة
وخمسون مجلدا. ومداد التصانيف ألف قنطار وسبعة وعشرون قنطارا. وهذا من كرامة طي
الزمان كالمكان من وراثة ليلة الإسراء وليلة القدر . 6 - الديار بكري: الحافظ
أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين البغدادي الحافظ المفسر، صاحب التآليف، ومن كتبه:
التفسير ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء (2).
(هامش)
(1) رجال مسند أبي حنيفة 2 / 530. (2) تاريخ الخميس - حوادث سنة 385. (*)
ص 85
7 - الزرقاني بشرح قول القسطلاني: وقد روي: إن آمنة آمنت به صلى الله عليه وسلم
بعد موتها، فروى الطبري بسنده عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الحجون
كئيبا حزينا، فأقام به ما شاء الله عز وجل، ثم رجع مسرورا وقال: سألت ربي فأحيى لي
أمي فآمنت بي، ثم ردها. ورواه أبو حفص ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ له قال:
ورواه - أي حديث عائشة هذا بنحوه - أبو حفص ابن شاهين الحافظ الكبير الإمام
المفيد عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي، الثقة المأمون... ثلاثمائة وثلاثين مصنفا،
منها التفسير الكبير ألف جزء، والمسند ألف جزء وثلاثمائة جزء. مات في ذي الحجة سنة
385 (1). 8 - صديق حسن القنوجي في (الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة): لم يختم
الاجتهاد المطلق على الأئمة الأربعة رحمهم الله، بل وجد بعدهم أيضا من بلغ رتبة
الاجتهاد بالإطلاق عند السيوطي، والرازي، واليافعي، والذهبي، والنسائي، وابن حبان،
وابن مصعب، وقتيبة بن سعيد، وقتادة، وابن خلكان، وابن طرازي، والخطيب، وأبي زرعة،
والعراقي، والسبكي، والطبري، وداود الظاهري، وأبي ثور، واللقاني، والمالكي،
والشعراني، وعلي الخواص، والشيخ الجيلاني، وابن العربي، والفقيه ابن زياد الشافعي،
والإمام محمد بن علي الشوكاني، وغيرهم من العلماء، كما تدل عليه كتبهم. وإنك لو
جهرت بما في قلبك، ولم تخف في الله لومة لائم، لقلت: إن هؤلاء العلماء من أتباع
الأئمة الذين يثبتون مذاهبهم بأنواع من الأقية والاجتهادات كلهم مجتهدون كالأئمة
الأربعة وأمثالهم. ويؤيد ذلك ما قال محمد بن مالك - فيما نقل عنه الشعراني - إنه
إذا كانت
(هامش)
(1) شرح المواهب اللدنية 1 / 166. (*)
ص 86
العلوم منحا إلهية، واختصاصات لدنية، فلا يدع أن يدخر الله لبعض المتأخرين ما لم
يطلع عليه أحد من المتقدمين. إنتهى. ولا شك أن العلوم والفنون المتداولة كانت ناقصة
في ذلك الزمان بالنسبة إلى كمالها اليوم، لاجتماع هذه التأليفات غير المحصورة،
والتحقيقات غير المعدودة، التي لم تكن في عهدهم، فلا بد أن يكون علم المتأخر أوسع
من علم المتقدم، ويكون الاجتهاد في هذا الزمان أيسر منه في ذلك الزمان، كما صرح به
جماعة من أهل العلم، حتى ادعى بعض الأكابر من الحنفية أن ثلث علمه جميع علم
الشافعي. قال ابن الأمير رحمه الله: وإنما لم يدعوا ذلك لأن المطلوب هو الاجتهاد
وقد فعلوه، لا دعواه بلسانه فلا حاجة إليه، مع أن في ادعائه اليوم فسادا عظيما، من
حيث أن المتعصبين لا يذرونه ولو كان ملأ قوته، فلذلك تركه كثير ممن بلغ رتبة
الاجتهاد ولم يعدوا أنفسهم من المجتهدين، بل انتسبوا إلى الأئمة، وتزيوا بزي
المقلدين، ولكن من لم يرهب من أن يلقي عليه الدهر دوائره أو يجر عليه شراشره جهر به
وادعاه: فمنهم: أبو ثور. كان إماما مجتهدا مستقلا... ومنهم: محمد بن إسماعيل
البخاري. عده الرملي وغيره مجتهدا مستقلا... ومنهم: داود الظاهري. ذكره اللقاني في
شرح الجوهرة من المجتهدين المستقلين... ومنهم: ابن المنذر الحافظ النيسابوري. كان
علامة مجتهدا لا يقلد أحدا.. ومنهم: الحسن بن سعد الحافظ الكبير. كان علامة مجتهدا
لا يقلد أحدا...
ص 87
ومنهم: عبد الله بن وهب الفهري. كان ثقة حجة حافظ مجتهدا لا يقلد أحدا. ومنهم: بقي
بن مخلد القرطبي صاحب التفسير. كان إماما علما قدوة مجتهدا... ومنهم: قاسم بن محمد
بن سيار، مصنف كتاب الإيضاح في الرد على المقلدين... ومنهم: الإمام المفيد الكبير،
محدث العراق، أبو حفص عمر بن أحمد البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين. قال ابن
ماكولا وغيره: ثقة مأمون، صنف ثلاثمائة مصنف، كان لا يعرف الفقه، وكان إذا ذكر له
مذهب يقول: أنا محمدي المذهب. مات سنة 385. ومنهم: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري.
قال ابن خلكان: كان من الأئمة المجتهدين... . وإنما نقلنا هذا الكلام بطوله - مع
تلخيص في بعض مواضعه لعدم الحاجة إليها - ليتضح شأن ابن شاهين، وأنه كان - كالبخاري
وأبي ثور والطبري وأمثالهم - من الأئمة المجتهدين الذين لم يقلدوا أحدا من أئمة
المذاهب الأربعة وغيرهم. 9 - السمعاني: أبو حفص عمر بن أحمد... المعروف بابن
شاهين... كان ثقة، صدوقا، مكثرا من الحديث، له رحلة إلى العراقين، والحجاز، سمع أبا
القاسم البغوي، وأبا حبيب البرني، وأبا بكر ابن الباغندي، وأبا بكر بن أبي داود،
وأبا عبد الله بن عقر، وطبقتهم. روى عنه: ابنه عبيد الله، وهلال بن محمد الحفار،
وأبو بكر البرقاني، وأبا القاسم الأزهري، وأبو محمد الخلال، وعبد العزيز الأزجي،
وأبو القاسم
ص 88
التنوخي، وأبو محمد الجوهري... وصنف ثلاثمائة مصنف وثلاثين مصنفا... وكان لحانا لا
يعرف من الفقه قليلا ولا كثيرا. ومات في ذي الحجة سنة 385 (1). 10 - الذهبي:
أبو حفص ابن شاهين... الواعظ المفسر الحافظ صاحب التصانيف، وأحد أوعية العلم، توفي
بعد الدارقطني بشهر، وكان أكبر من الدارقطني بتسع سنين... قال ابن أبي الفوارس: ابن
شاهين ثقة مأمون، جمع وصنف ما لم يصنفه أحد. وقال محمد بن عمر الدراوردي: كان ثقة
لحانا، وكان لا يعرف الفقه ويقول: أنا محمدي المذهب (2). 11 - السيوطي: ابن
شاهين، الحافظ الإمام المفيد الكبير محدث العراق... قال ابن ماكولا وغيره: ثقة
مأمون، صنف ما لم يصنفه أحد، إلا أنه كان لحانا ولا يعرف الفقه. مات في ذي الحجة
سنة 385 (3). 12 - الداودي: عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين، الإمام الحافظ
المفيد الواعظ، محدث العراق، أبو حفص البغدادي، صاحب الترغيب والتفسير الكبير...
قال ابن ماكولا وغيره: ثقة مأمون... (4). تنبيه إن ما ذكروه بترجمة ابن شاهين من
عدم معرفته للفقه، إنما المراد به عدم معرفته بفقه أبي حنيفة والشافعي وغيرهما من
أئمة المذاهب، لا عدم معرفته فقه الحديث، فلا عائبة فيه، وكيف يتوهم عدم معرفته
بفقه الحديث وهو
(هامش)
(1) الأنساب. الشاهيني. (2) العبر في خبر من غبر. حوادث 385. (3) طبقات الحفاظ:
392. (4) طبقات المفسرين 2 / 2. (*)
ص 89
المحدث الكبير، والمصنف ما لم يصنفه أحد، وهو صاحب المسند في ألف وثلاثمائة جزء، بل
هو صاحب الاجتهاد المطلق كما عرفت من كلام القنوجي. وأما كونه لحانا، فليس ذلك طعنا
في وثوقه واعتماده وعظمة شأنه، فإن اللحن في المحاورات كثير، بل كثيرا ما يتعمده
العلماء، بل ربما استنكروا التكلم على طريقة النحو إذا كان مخالفا للشائع المتداول
على لسان العامة. قال اليافعي بترجمة الفراء: قال قطرب: دخل الفراء على الرشيد
فتكلم بكلام لحن فيه مرات. فقال جعفر بن يحيى البرمكي: إنه قد لحن يا أمير
المؤمنين. فقال الرشيد: أتلحن؟ فقال الفراء: يا أمير المؤمنين إن طبائع أهل البدو
الإعراب، وطباع أهل الحضر اللحن، فإذا تحفظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطبع لحنت،
فاستحسن الرشيد قوله. قلت: وأيضا فإن عادة المنتهين في النحو لا يتشدقون بالمحافظة
على إعراب كل كلمة عند كل أحد، بل قد يتكلمون بالكلام الملحون تعمدا على جاري عادة
الناس، وإنما يبالغ في التحرز والتحفظ عن اللحن في سائر الأحوال المبتدؤون، إظهارا
لمعرفتهم بالنحو، وكذلك يكثرون البحث والتكلم بما هم مترسمون به من بعض فنون العلم،
ويضرب لهم في ذلك مثل فيقال: الإناء إذا كان ملآن كان عند حمله ساكنا، وإذا كان
ناقصا اضطرب وتخضخض بما فيه (1).
(هامش)
(1) مرآة الجنان 2 / 38 حوادث سنة 207. (*)
ص 90
*(5)* رواية ابن بطة العكبري

قال الحافظ الكنجي الشافعي: الباب الثالث والعشرون
في تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بآدم عليه السلام في علمه، وأنه
مثله بنوح في حكمته، ومثله بإبراهيم خليل الرحمن في حلمه: أخبرنا أبو الحسن بن
المقير البغدادي بدمشق سنة أربع وثلاثين وستمائة، عن المبارك بن الحسن الشهرزوري،
أخبرنا أبو القاسم ابن البسري، أخبرنا أبو عبد الله العكبري، أخبرنا أبو ذر أحمد بن
الباغندي، حدثنا أبي، عن مسعر بن يحيى النهدي، حدثنا شريك، عن ابن إسحاق، عن أبيه،
عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في جماعة من أصحابه، إذ
أقبل علي، فلما بصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أن ينظر إلى آدم
في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب
(1). ترجمة ابن بطة 1 - السمعاني: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن
حمدان ابن بطة العكبري البطي، من أهل عكبرا، كان إماما، فاضلا، عالما بالحديث
وفقهه، أكثر من الحديث، وسمع جماعة من أهل العراق، وكان من فقهاء الحنابلة، صنف
التصانيف الحسنة المفيدة.
(هامش)
(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 121. (*)
ص 91
حدث عن أبي القاسم البغوي، وأبي محمد بن صاعد، وأبي بكر عبد الله ابن زياد
النيسابوري، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ، وأبي ذر ابن الباغندي، وجماعة كثيرة من
العراقيين والغرباء، وسافر الكثير إلى الشام والبصرة وغيرهما من البلاد. روى عنه:
أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس الحافظ، وأبو علي الحسين بن شهاب العكبري، وعبد
العزيز بن علي الأزجي، وإبراهيم بن عمر البرمكي، وجماعة سواهم من أهل بلده
والغرباء. وحكي أنه لما رجع من الرحلة لزم بيته أربعين سنة، فلم ير يوما في سوق،
ولا رئي مفطرا إلا في يوم الأضحى والفطر، وكان أمارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر
إلا غيره. وتكلم أبو الحسن الدارقطني في سماعه كتاب السنن لرجاء بن المرجا، فإن ابن
بطة كان يرويها عن حفص بن عمر الأردبيلي، وحكى ابن حفص أن أباه لم يسمع من رجاء
شيئا، وكان يصغر عن السماع عنه. وتكلموا في روايته عن أبي القاسم البغوي المعجم
أيضا. ومات بعكبرا في المحرم سنة 387. ودفن يوم عاشورا. قلت: وزرت قبره بعكبرا
(1). 2 - السمعاني: واشتهر بهذه النسبة جماعة، منهم: أبو عبد الله عبيد الله بن
محمد بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري الحنبلي، من أهل عكبرا، صنف التصانيف، كان
فاضلا زاهدا... (2). 3 - البدخشاني: كان إماما، فاضلا، عالما بالحديث وفقهه،
أكثر من
(هامش)
(1) الأنساب. البطي. (2) الأنساب. الحنبلي. (*)
ص 92
الحديث، وسمع جماعة من أهل العراق، وكان من فقهاء الحنابلة، صنف التصانيف الحسنة
المفيدة... قلت: ذكره ابن ناصر الدين في طبقات الحفاظ، ولم يذكره الذهبي (1). ابن
بطة من مشايخ شيوخ الدهلوي في الإجازة وذلك لأنه من مشايخ الشيخ جلال الدين
السيوطي، فإنه يقول في (زاد المسير في الفهرست الصغير) مختصر الخرقي - أنبأني به
قاضي الحنابلة عز الدين إبراهيم بن نصر الكناني، وابن خاله الشهاب أحمد بن الجمال
عبد الله الحنبلي، والبدر محمد بن شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر، وأبو بكر ابن علي
ابن موسى الحارث المكي، والكمال محمد بن عبد الرحمن القليوبي. كلهم عن أبي بكر بن
الحسين المراغي، عن أبي العباس الحجار، عن أحمد بن يعقوب المارستاني، عن أبي
المعالي محمد بن النحاس، عن أبي القاسم علي بن أحمد البسري، عن أبي عبد الله عبيد
الله بن محمد بن حمدان ابن بطة إجازة، أنا المؤلف سماعا تصانيف ابن بطة بهذا السند
إليه إجازة . وإلى السيوطي ينتهي سند المشايخ السبعة للشيخ ولي الله الدهلوي
، فإنه يقول في (الإرشاد إلى مهمات الإسناد): فصل: قد اتصل سندي - والحمد لله -
بسبعة من المشايخ الجلة الكرام، الأئمة القادة الأعلام، من المشهورين بالحرمين
المحترمين، المجمع على فضلهم من بين الخافقين: الشيخ محمد بن العلاء البابلي،
والشيخ عيسى المغربي الجعفري، والشيخ محمد بن محمد بن سليمان الرداني المغربي،
والشيخ إبراهيم بن حسن الكردي المدني، والشيخ حسن بن علي العجيمي المكي، والشيخ
أحمد بن
(هامش)
(1) تراجم الحفاظ - مخطوط. حرف العين. (*)
ص 93
محمد النخلي المكي، والشيخ عبد الله بن سالم البصري ثم المكي... فصل - سند هؤلاء
المشايخ السبعة ينتهي إلى الإمامين الحافظين القدوتين الشهيرين بشيخ الإسلام: زين
الدين زكريا، والشيخ جلال الدين السيوطي... . و(الدهلوي) ينص في (أصول الحديث) على
أنه قد أخذ علم الحديث وسائر العلوم عن والده (ولي الله الدهلوي)، وأنه قد قرأ وسمع
عليه عدة من كتب الحديث، حتى حصلت له الملكة المعتد بها في فهم معاني الحديث ودرك
حقائق الأسانيد...
*(6)* رواية الحاكم النيسابوري

رواه في (تاريخ نيسابور) على ما
ذكر الموفق بن أحمد الخوارزمي المكي حيث قال: أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو
الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، قال: أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد
الواعظ، قال أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي... وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين
هذا، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ، حدثنا أبو جعفر محمد بن سعيد، حدثنا
محمد بن مسلم بن وارة، حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، حدثنا أبو عمر الأزدي، عن
أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد
أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى
بن عمران في
ص 94
بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. قال أحمد بن الحسين البيهقي: لم أكتبه إلا بهذا
الإسناد. والله أعلم (1). ترجمة الحاكم 1 - ابن خلكان: أبو عبد الله محمد بن
عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم، الضبي الطهماني، المعروف بالحاكم النيسابوري،
الحافظ المعروف بابن البيع، إمام أهل الحديث في عصره، والمؤلف فيه الكتب التي لم
يسبق إلى مثلها. كان عالما عارفا واسع العلم، تفقه على أبي سهل محمد بن سليمان
الصعلوكي الفقيه الشافعي - وقد تقدم ذكره -، ثم انتقل إلى العراق، وقرأ على أبي علي
بن أبي هريرة الفقيه - وقد تقدم ذكره أيضا - ثم طلب الحديث وغلب عليه فاشتهر به،
وسمعه من جماعة لا يحصون كثرة، فإن معجم شيوخه يقرب من ألفي رجل، حتى روى عمن عاش
بعده، لسعة روايته وكثرة شيوخه، وصنف في علومه ما يبلغ ألفا وخمسمائة جزء... وأما
ما تفرد بإخراجه فمعرفة علوم الحديث، وتاريخ علماء نيسابور، والمدخل إلى علم
الصحيح، والمستدرك على الصحيحين، وما تفرد به كل واحد من الإمامين، وفضائل الإمام
الشافعي، وله الرحلة إلى العراق والحجاز رحلتان، وكانت الرحلة الثانية سنة 360،
وناظر الحفاظ وذاكر الشيوخ وكتب عنهم أيضا، وباحث الدارقطني فرضيه. وتقلد القضاء
بنيسابور في سنة 395... كانت ولادته في شهر ربيع الأول سنة 321 بنيسابور، وتوفي بها
يوم الثلاثاء ثالث صفر سنة 405. وقال الخليلي في كتاب الإرشاد: توفي سنة 403. رحمه
الله تعالى.
(هامش)
(1) مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: 40. (*)
ص 95
لازمه الدارقطني، وسمع منه أبو بكر القفال الشاشي وأنظارهما... (1). 2 - أبو
الفداء: وفيها توفي الحافظ... إمام أهل الحديث في عصره، والمؤلف فيه الكتب التي
لم يسبق إلى مثلها، سافر في طلب الحديث، وبلغت عدة شيوخه نحو ألفين، وصنف عدة
مصنفات... (2). 3 - ابن الوردي: وفيها توفي الحافظ... إمام أهل الحديث في عصره،
والمؤلف فيه ما لم يسبق إليه، سافر في طلب الحديث وبلغت شيوخه ألفين... (3). 5 -
عبد الغافر الفارسي: لم يخلف مثله (4). 6 - الزرقاني: الحاكم - الإمام الحافظ
الكبير محمد بن عبد الله الضبي أبو عبد الله النيسابوري، الثقة الثبت المجمع على
صدقه ومعرفته بالحديث حق معرفته، أكثر الرحلة والسماع، حتى سمع بنيسابور من نحو ألف
شيخ، وفي غيرها أكثر، ولد سنة 321. ومات بنيسابور سنة 405. وتصانيفه نحو خمسمائة،
قاله الذهبي، أو ألف قاله عبد الغافر الفارسي، وقال غيرهما: ألف وخمسمائة. وعنه:
شربت ماء زمزم وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف (5). 7 - عبد الحق الدهلوي: من
أهل الفضل والعلم والمعرفة في العلوم المتنوعة، كان فريد عصره ووحيد وقته، خاصة في
علوم الحديث، وله فيها
(هامش)
(1) وفيات الأعيان 4 / 280. (2) المختصر في أحوال البشر. حوادث 405. (3) تتمة
المختصر في أحوال البشر. حوادث 404. (4) السياق في تاريخ نيسابور: 5 - 6. (5) شرح
المواهب اللدنية 1 / 32. (*)
ص 96
المصنفات الكبيرة والغريبة العجيبة (1). 8 - ابن الأثير: ... وهذا الشرط الذي
ذكرناه قد ذكره الحاكم أبو عبد الله النيسابوري. وقد قال غيره: إن هذا الشرط غير
مطرد في كتابي البخاري ومسلم، فإنهما قد أخرجا فيهما أحاديث على غير هذا الشرط.
والظن بالحاكم غير هذا، فإنه كان عالما بهذا الفن، خبيرا بغوامضه، عارفا بأسراره،
وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلا بعد التفتيش والاختبار والتيقن
لما حكم به عليهما. ثم غاية ما يدعيه هذا القائل إنه تتبع الأحاديث التي في
الكتابين، فوجد فيهما أحاديث لم ترد على هذا الشرط الذي ذكره الحاكم، وهذا منتهى ما
يمكنه أن ينقض به، وليس ناقضا، ولا يصلح أن يكون دافعا لقول الحاكم، فإن الحاكم
مثبت، وهذا ناف، والمثبت يقدم على النافي، وكيف يجوز أن يقضي بانتفاء هذا الحكم
بكونه لم يجده، ولعل غيره قد وجده، ولم يبلغه وبلغ سواه، وحسن الظن بالعلماء أحسن،
والتوسل في تصديق أقوالهم أولى (2). 9 - الفخر الرازي: وأما المتأخرون من
المحدثين، فأكثرهم علما، وأقواهم قوة، وأشدهم تحقيقا في علم الحديث لهؤلاء، وهم:
أبو الحسن الدارقطني والحاكم أبو عبد الله الحافظ، والشيخ أبو نعيم الإصفهاني،
والحافظ أبو بكر البيهقي، والإمام أبو بكر عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي صاحب
كتاب المتفق، والإمام الخطيب صاحب تاريخ بغداد، والإمام أبو سليمان الخطابي الذي
كان بحرا في علم الحديث واللغة، وقيل في وصفه: جعل الحديث لأبي سليمان كما جعل
الحديد لأبي سليمان - يعنون داود النبي
(هامش)
(1) رجال المشكاة للشيخ عبد الحق الدهلوي. (2) جامع الأصول 1 / 92. (*)
ص 97
صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعال فيه: *(وألنا له الحديد)*. فهؤلاء العلماء صدور
هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي... (1). 10 -
النووي: وما كان من الأسماء وبيان أحوال أصحابها، نقلته من كتب الأئمة الحافظ
الأعلام المشهورين بالإمامة في ذلك، والمعتمدين عند جميع العلماء، كتاريخ البخاري،
وابن أبي خيثمة، وخليفة بن خياط المعروف بسنان، والطبقات الصغير، والطبقات الكبير
لمحمد بن سعد كاتب الواقدي - وهو ثقة وإن كان شيخه الواقدي ضعيفا - ومن الجرح
والتعديل لابن أبي حاتم، والثقات لأبي حاتم ابن حبان بكسر الحاء، وتاريخ نيسابور
للحاكم أبي عبد الله، وتاريخ بغداد للخطيب، وتاريخ همدان، وتاريخ دمشق للحافظ أبي
القاسم ابن عساكر، وغيرها من كتب التواريخ الكبار وغيرها (2). 11 - النووي بعد
نقل أقوال الحاكم وجماعة في وصف البخاري: فهذه أحرف من عيون مناقبه وصفاته، ودرر
شمائله وحالاته، أشرت إليها إشارات لكونها من المعروفات الواضحات، ومناقبه لا
تستقصى لخروجها عن أن تحصى، وهي منقسمة إلى حفظ ودراية واجتهاد في التحصيل، ورواية
ونسك وإفادة، وورع وزهادة، وتحقيق وإتقان، وتمكن وعرفان، وأحوال وكرامات وغيرها من
أنواع المكرمات. ويوضح ذلك ما أشرت إليه من أقوال أعلام المسلمين، وأولي الفضل
والورع والدين، والحفاظ النقاد المتقنين، الذين لا يجازفون في العبارات، بل
(هامش)
(1) مناقب الشافعي للرازي - الوجه الثالث من الباب الرابع. (2) تهذيب الأسماء
واللغات 1 / 6. (*)
ص 98
يتأملونها ويحرزونها ويحافظون على صيانتها أشد المحافظات... (1). 12 - النووي:
ذكر مسلم رحمه الله تعالى في أول مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام.
الأول: ما رواه الحفاظ المتقنون. والثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ
والإتقان. والثالث: ما رواه الضعفاء والمتروكون، وأنه إذا فرغ من القسم الأول أتبعه
الثاني، وأما الثالث فلا يعرج عليه. فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم، فقال
الإمامان الحافظان أبو عبد الله الحاكم وصاحبه أبو بكر البيهقي رحمهما الله: إن
القسم الأول. قال القاضي عياض: وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم أبي عبد الله
وتابعوه عليه (2). 13 - الخطيب التبريزي: البيهقي - هو أبو بكر أحمد بن الحسن
البيهقي كان أوحد دهره في الحديث والتصانيف ومعرفة الفقه. وهو من كبار أصحاب الحاكم
أبي عبد الله. قالوا: سبعة من الحفاظ أحسنوا التصنيف وعظم الانتفاع بتصانيفهم. أبو
الحسن علي بن عمر الدارقطني ثم الحاكم أبو عبد الله النيسابوري... (3). 14 -
السبكي: فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق،
وعثمان ذي النورين، وعلي المرتضى... ومن طبقة أخرى من التابعين: أويس القرني،
وعلقمة بن قيس، والأسود ابن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وابن المسيب، وأبي العالية...
(هامش)
(1) تهذيب الأسماء واللغات - ترجمة البخاري 1 / 76. (2) المنهاج في شرح صحيح مسلم
بن الحجاج 1 / 23. (3) الإكمال في أسماء الرجال 3 / 806. (*)
ص 99
طبقة أخرى: والأوزاعي، والثوري، ومعمر بن راشد، وشعبة... أخرى: والشافعي، وعفان بن
مسلم، وآدم بن أبي أياس... أخرى: وأحمد بن محمد بن حنبل، وأحمد بن إبراهيم
الدورقي... أخرى: محمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، وأبي حاتم الرازي... أخرى: وأبي
داود السجستاني، وصالح جزرة، والترمذي، وابن ماجة... أخرى: وعبدان، وعبد الله بن
أحمد الأهوازي، والحسن بن سفيان... أخرى: وأبي بكر بن زياد النيسابوري، وأبي حامد
أحمد بن محمد بن الشرقي... أخرى: وأبي القاسم الطبراني، وأبي حاتم محمد بن حبان،
وأبي علي ابن السكن... أخرى: وأبي عبد الله بن مندة، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد
بن بكير، وأبي عبد الله الحاكم، وعبد الغني بن سعيد الأزدي، وأبي بكر بن مردويه،
وأبي عبد الله محمد بن أحمد غنجار، وأبي بكر البرقاني، وأبي حاتم العبدوي، وحمزة
السهمي، وأبي نعيم الإصبهاني. أخرى: وأبي عبد الله الصوري، والخطيب، والبيهقي، وابن
حزم، وابن عبد البر، وأبي الوليد الباجي، وأبي صالح المعزول. أخرى: وأبي إسحاق
الحبال، وأبي نصر بن ماكولا، وأبي عبد الله الحميدي، وأبي علي الغساني، وأبي الفضل
محمد بن طاهر المقدسي، وأبي علي بن سكرة. أخرى: وأبي عامر محمد بن سعدون العبدري،
وأبي القاسم التيمي، وأبي الفضل بن ناصر، وأبي العلاء الهمداني، وأبي طاهر السلفي،
وأبي القاسم
ص 100
ابن عساكر، وأبي سعد السمعاني، وأبي موسى المديني... أخرى: وأبي بكر بن نقطة، وابن
المديني، وأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد... أخرى: عبد العظيم المنذري، ورشيد
الدين العطار، وابن مسدي. أخرى: النووي، والدمياطي، وابن الطاهري، وعبيد الأشعري...
أخرى: والقاضي سعد الدين الحارثي، والحافظ أبي الحجاج المزي... أخرى: والحافظ أبي
العباس بن المظفر، والحافظ صلاح الدين العلائي. فهؤلاء مهرة هذا الفن، وقد أغفلنا
كثيرا من الأئمة، وأهملنا عددا صالحا من المحدثين، وإنما ذكرنا من ذكرنا. ليتنبه
بهم على من عداهم، ثم أفضى الأمر إلى طي بساط الأسانيد رأسا، وعد الإكثار منها
جهالة وسواسا (1). 15 - الأسنوي: وبعد، فإن الشافعي - رضي الله عنه وأرضاه
ونفعنا به وبسائر أئمة المسلمين أجمعين - قد خير له في أصحاب من السعادة أمور لم
يتفق في أصحاب غيره... ومنها: إن كبار أئمة الحديث إما من جملة أصحابه الآخذين عنه
أو عن أتباعه، كالإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن
حبان، وابن خزيمة، والبيهقي، والحاكم، والخطابي، والخطيب، وأبي نعيم (2). 16 -
البدخشاني: الحاكم - لقب به جماعة من أهل الحديث، فمنهم من لقب به لأجل رياسة
دنيوية... ومنهم من لقب به لأجل الرياسة في الحديث، وهما رجلان فاقا أهل عصرهما في
معرفة الحديث، أحدهما:
(هامش)
(1) طبقات الشافعية الكبرى 4 / 155. (2) طبقات الشافعية - أول الكتاب. (*)
ص 101
الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري، وليس له ذكر في هذا
الكتاب، وهو الأكبر. والثاني: الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن محمد بن
حمدويه النيسابوري، صاحب المستدرك على الصحيحين، وتاريخ نيسابور، وغير ذلك من
المصنفات، وهو الأشهر (1). تمسك (الدهلوي) ووالده بروايات الحاكم ثم إن ولي الله
الدهلوي قد ذكر الحاكم النيسابوري في عداد المجددين للدين الحنيف في المائة
الرابعة. ونص في مقدمة كتابه (فتح الرحمن في ترجمة القرآن) على أن أصح التفاسير،
وهي: تفسير البخاري، وتفسير مسلم، وتفسير الترمذي، وتفسير الحاكم وناهيك به جلالة
ووثوقا. أما (الدهلوي) نفسه، فقد اعتمد على روايات الحاكم واستند إليها في مقابلة
أهل الحق في مواضع عديدة من كتابه (التحفة)، كما لا يخفى على من راجعه، ومن ذلك: في
الجواب عن المطعن الخامس عشر من مطاعن أبي بكر، وفي الجواب عن المطعن الرابع من
مطاعن أبي بكر، وفي المكيدة الثانية بعد المائة، والمكيدة الحادية والتسعين... قال
في المكيدة الحادية والتسعين: وكيف يوالي أهل السنة أعداء أهل البيت وهم يروون في
كتبهم الروايات الصريحة في أن: من مات وهو مبغض لآل محمد دخل النار وإن صلى وصام
أخرجه الطبراني والحاكم!! (2). أقول: فإذا كان الحاكم ممن يعتمد على رواياته،
ومن الحائزين لتلك المقامات الرفيعة والدرجات الجليلة، فكيف ينكر (الدهلوي) صحة
أحاديث
(هامش)
(1) تراجم الحفاظ - مخطوط. (2) التحفة الاثنا عشرية: 282. (*)
ص 102
يرويها الحاكم فيمن يرويها، كحديث الولاية، وحديث الطير، وحديث أنا مدينة العلم!!
اعتبار تاريخ الحاكم قد عرفت أن الحاكم يروي حديث التشبيه في (تاريخ نيسابور)، كما
عرفت من كلمات القوم في ترجمة الحاكم أنة قد رزق الحسن في التصنيف، وأن تصانيفه
كلها مفيدة معتبرة مشهورة... وفي وصف (تاريخ نيسابور) بالخصوص، قال السبكي: قد
كانت نيسابور من أجل البلاد وأعظمها، لم يكن بعد بغداد مثلها، وقد عمل لها الحافظ
أبو عبد الله الحاكم تاريخا خضع له جهابذة الحفاظ، وهو عندي سيد التواريخ، وتاريخ
الخطيب وإن كان أيضا من محاسن الكتب الإسلامية، إلا أن صاحبه طال عليه الأمر، وذلك
لأن بغداد وإن كانت في الوجود بعد نيسابور، إلا أن علماءها أقدم، لأنها كانت دار
وبيت رياسة، قبل أن يرتفع أعلام نيسابور، ثم إن الحاكم قبل الخطيب بدهر، والخطيب
جاء بعده فلم يأت إلا وقد دخل بغداد من لا يحصى عددا، فاحتاج إلى نوع من الاختصار
في تراجمهم، وأما الحاكم فأكثر من يذكره من شيوخه أو شيوخ شيوخه، أو ممن تقارب من
دهره، لتقدم الحاكم وتأخر علماء نيسابور، فلما قل العدد عنده كثر المقال، وأطال في
التراجم واستوفاها، والخطيب واضح العذر الذي أبديناه (1). وفي (كشف الظنون):
تواريخ نيسابور - منها: تاريخ الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم
النيسابوري، المتوفى سنة 405. وهو كبير، أوله:
(هامش)
(1) الشافعية الكبرى 1 / 324. (*)
ص 103
الحمد لله الذي اختار محمدا الخ. قال ابن السبكي في طبقاته: هو التاريخ الذي لم تر
عيني تاريخا أجل منه، وهو عندي سيد الكتب الموضوعة للبلاد... (1).
*(7)* رواية
ابن مردويه

قال الموفق بن أحمد الخوارزمي: أخبرنا شهردار هذا إجازة، قال: أخبرنا
أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني إجازة، عن الشريف أبي طالب المفضل
بن محمد بن طاهر الجعفري بإصبهان، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن
فورك الإصبهاني، قال: حدثنا محمد بن أحمد ابن إبراهيم قال: حدثنا الحسين بن علي بن
الحسين السكوني، قال: حدثني سويد بن معسر بن يحيى بن حجاج النهدي، حدثنا أبي، حدثنا
شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور صاحب راية علي بن أبي طالب قال: بلغنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان في جمع من أصحابه، فقال: أريكم آدم في علمه ونوحا في
فهمه وإبراهيم في حكمته. فلم يكن بأسرع من أن طلع علي. فقال أبو بكر: يا رسول الله،
أقست رجلا بثلاثة من الرسل، بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟ قال النبي صلى
الله عليه وسلم: ألا تعرفه يا أبا بكر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أبو الحسن علي
بن أبي طالب. قال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن (2).
(هامش)
(1) كشف الظنون 1 / 308. (2) مناقب أمير المؤمنين: 44 - 45. (*)