ص 153
سائر المذاهب، في كلام طويل فصيح بليغ إلى أن قال: هو إمام الأئمة، سراج الأمة، ضخم
الدسيعة، السابق إلى تدوين علم الشريعة، ثم أيده الله تعالى بالتوفيق والعصمة، فجمع
له من الأصحاب والأئمة عصمة منه تعالى لهذه الأمة ما لم يجتمع في عصر من الأعصار في
الأطراف والأقطار (1). الباب الأول في ذكر شيء من فضائله التي تفرد بها إجماعا
فنقول - وبالله التوفيق - مناقبه وفضائله كالحصى لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن أن
تستقصى، لكن من فضائله الخاصة التي تفرد بها ولم يشاركه إجماعا من بعده فيها، يمكن
إحصاؤها وضبطها في أنواع عشرة: الأول في الأخبار والآثار المروية في مدحه دون من
بعده، الثاني في أنه ولد في زمان الصحابة والقرن الذي شهد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم دون من بعده . أما الأول، فقد أخبرني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن
مؤيد بن موفق بن أحمد المكي... وقد أنبأني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيد بن
موفق بن أحمد المكي الخوارزمي، عن جده صدر الأئمة أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي،
عن عبد الحميد بن أحمد البراتقيني، عن الإمام محمد بن إسحاق السراجي الخوارزمي، عن
أبي جعفر عمر بن أحمد الكرابيسي، عن أبي الفتح محمد بن الحسن الناصحي، عن الزاهد
أبي محمد الحسن بن علي بن محمد، عن أبي سهيل عبد الحميد بن محمد الصوافي، عن أبيه،
عن أبي القاسم يونس بن الطاهر البصري، عن أبي النصر أحمد بن الحسين الأديب، عن أبي
سعيد أحمد بن محمد بن بشر، عن محمد بن يزيد، عن سعيد بن بشر، عن حماد، عن رجل، عن
نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه تبارك وتعالى وتقدس قال:
(هامش)
(1) جامع مسانيد أبي حنيفة 1 / 31. (*)
ص 154
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يظهر من بعدي رجل يعرف بأبي حنيفة يحيي الله
سنتي على يديه (1). ترجمة الخوارزمي صاحب جامع المسانيد ومحمد بن محمود
الخوارزمي، صاحب (جامع مسانيد أبي حنيفة) من كبار أئمة الحنفية في الفقه والحديث،
وهذه جملة من كلماتهم في الثناء عليه: قال الكفوي: الشيخ الإمام أبو المؤيد محمد
بن محمود بن محمد بن الحسن، الخوارزمي، الخطيب، ولد سنة 603، وتفقه على منشي النظر
الأستاذ نجم الملة والدين طاهر بن محمد الحفصي، سمع بخوارزم وقد قدم بغداد وسمع
بها، وحدث بدمشق، وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التتار لها، ثم تركها وقدم
بغداد حاجا، ثم حج وجاور ورجع على طريق ديار مصر، وقدم دمشق ثم عاد إلى بغداد، ودرس
بها، إلى أن مات سنة خمس وخمسين وستمائة (2). وقال القرشي: محمد بن محمود بن
حسن الإمام أبو المؤيد الخوارزمي، الخطيب، مولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، تفقه
على الإمام طاهر بن محمد الحفصي، سمع بخوارزم، وقدم بغداد وسمع بها، وحدث بدمشق،
وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التاتار لها، ثم تركها وقدم بغداد حاجا، ثم حج
وجاور ورجع على طريق ديار مصر وقدم دمشق ثم عاد إلى بغداد، ودرس بها، ومات بها سنة
خمس وخمسين وستمائة (3).
(هامش)
(1) جامع مسانيد أبي حنيفة 1 / 14 - 15. (2) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب
النعمان المختار - مخطوط. (3) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 3 / 365. (*)
ص 155
وقال الجلبي: مسند الإمام الأعظم، أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي، المتوفى سنة
خمسين ومائة، رواه حسن بن زياد اللؤلؤي، ورتب المسند المذكور الشيخ قاسم بن قطلوبغا
الحنفي، برواية الحارثي على أبواب الفقه، وله عليه الأمالي في مجلدين، ومختصر
المسند المسمى بالمعتمد، لجمال الدين محمود بن أحمد القونوي الدمشقي، المتوفى سنة
سبعين وسبعمائة، ثم شرحه وسماه المستند وجمع زوائده أبو المؤيد محمد بن محمود
الخوارزمي، المتوفى سنة خمس وستين وستمائة، أوله: الحمد لله الذي سقانا بطوله من
أصفى شرائع الشرايع (1). وقال الدهان في (كفاية المتطلع): كتاب جمع المسانيد
للإمام الأعظم أبي حنيفة... تأليف العلامة قاضي القضاة أبي المؤيد، محمد بن محمود
بن محمد الخوارزمي رحمه الله، يرويه عن الفقهاء الحنفيين... . 5 - الصفدي: كان
متمكنا في العربية، غزير العلم، فقيها، فاضلا، أديبا، شاعرا، قرأ على الزمخشري، وله
خطب وشعر ومناقب (2). من مصادر ترجمة الصفدي وقد ترجموا للصفدي في الكتب
المعتبرة، وأثنوا عليه، فانظر منها: 1 - المعجم المختص للذهبي: 91. 2 - الدرر
الكامنة في أعيان المائة الثامنة 2 / 87. 3 - طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة الأسدي
6 / 4. 6 - عبد القادر القرشي: الموفق بن أحمد بن محمد المكي، خطيب
(هامش)
(1) كشف الظنون: 1680. (2) كذا في (بغية الوعاة) للسيوطي، وسيأتي. (*)
ص 156
خوارزم، أستاذ ناصر بن عبد الله صاحب المغرب، أبو المؤيد، مولده في حدود سنة 484.
ذكره القفطي في أخبار النحاة. أديب، فاضل، له معرفة في الفقه والأدب. روى مصنفات
محمد بن الحسن، عن عمر بن محمد بن أحمد النسفي. ومات رحمه الله تعالى سنة 568. وأخذ
علم العربية عن الزمخشري (1). ترجمة عبد القادر القرشي وعبد القادر القرشي من
كبار علماء القوم: قال محمود بن سليمان الكفوي: المولى الفاضل، والنحرير الكامل،
عبد القادر بن محمد بن نصر الله بن سالم، أبي الوفاء القرشي، كان عالما فاضلا جامعا
للعلوم، له مجموعات وتصانيف وتواريخ ومحاضرات وتواليف. ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة،
وأخذ العلوم عن جماعة كثيرة، منهم علاء الدين التركماني ووالده قاضي القضاة شمس
الدين وفخر الدين عثمان المارديني التركماني والد علاء الدين التركماني وهبة الله
التركماني وغير ذلك، وسمع وحدث وأفتى ودرس، وصنف كتاب العناية في تحرير أحاديث
الهداية، والطرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل، ويسميه أيضا المجموع،
وشرح معاني الآثار للطحاوي، وكتاب الدرر المنيفة في الرد على ابن أبي شيبة عن
الإمام أبي حنيفة، وكتاب ترتيب تهذيب الأسماء واللغات، وكتاب البستان في فضائل
النعمان، وكتاب الجواهر المضية في طبقات
(هامش)
(1) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 3 / 523. (*)
ص 157
الحنفية، ومختصر في علوم الحديث، ومسائل مجموع في الفقه، وقطعة من شرح الخلاصة في
مجلدين، وتفسير آيات وفوائد. وسمع منه وأخذ المولى الفاضل قاسم بن قطلوبغا صاحب
تلخيص التراجم. مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة رحمه الله تعالى (1). وقال السيوطي:
عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سلام محيي الدين أبو محمد بن أبي
الوفا القرشي، درس وأفتى، وصنف شرح معاني الآثار وطبقات الحنفية وشرح الخلاصة
وتخريج أحاديث الهداية، وغير ذلك. ولد سنة ست وسبعين وستمائة، ومات في ربيع الأول
سنة خمس وسبعين وسبعمائة (2). وقال الجلبي في ذكر كتابه (الجواهر المضية):
طبقات الحنفية، أول من صنف فيه الشيخ عبد القادر بن محمد القرشي، المتوفى سنة 775،
صاحب الجواهر المضية في طبقات الحنفية، كما قال في خطبته: لم أر أحدا جمع طبقات
أصحابنا وهم أمم لا يحصون. فجمعها بإمداد الشيخ قطب الدين عبد الكريم الحلبي، وأبي
العلاء البخاري، وأبي الحسن السبكي، وأبي الحسن علي المارديني، فصار شيئا كثيرا من
التراجم والفوائد الفقهية (3).
(هامش)
(1) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط. (2) حسن المحاضرة
في محاسن مصر والقاهرة 1 / 471. (3) كشف الظنون 1 / 616. (*)
ص 158
ترجمة القفطي والقفطي الذي ذكر الخطيب الخوارزمي في طبقاته، ترجم له السيوطي قائلا:
القفطي الوزير جمال الدين علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني، وزير حلب، صاحب تاريخ
النحاة وتاريخ اليمن وتاريخ مصر وتاريخ بني بويه وتاريخ بني سلجوق، ولد بقفط سنة
ثمان وستين وخمسمائة، ومات بحلب سنة ست وأربعين وستمائة (1). وقال السيوطي: علي
بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن محمد بن
ربيعة بن الحارث، أبو الحسن القفطي، يعرف بالقاضي الأكرم صاحب تاريخ النحاة، قال
ياقوت: ولد في ربيع سنة ثمان وستين وخمسمائة بقفط، وكان جم الفضل كثير النبل عظيم
القدر، إذا تكلم في فن من الفنون كالنحو واللغة والقراءة والفقه والحديث والأصول
والمنطق والرياضية والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل، قام به أحسن قيام،
كان سمح الكف طلق الوجه، صنف الإصلاح للخلل الواقع في الصحاح للجوهري، الضاد والظا،
تاريخ النحاة، تاريخ مصر، المحلى في استيعاب وجوه كلا (2). 7 - التقي الفاسي:
الموفق بن أحمد بن محمد بن محمد المكي، أبو المؤيد، العلامة خطيب خوارزم، كان أديبا
فصيحا مفوها، خطب بخوارزم دهرا وأنشأ الخطب وأقرأ الناس، وتخرج به جماعة، وتوفي
بخوارزم في صفر
(هامش)
(1) حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة 1 / 554. (2) بغية الوعاة في طبقات
اللغويين والنحاة: 358. (*)
ص 159
سنة ثمان وستين وخمسمائة، ذكره هكذا الذهبي في تاريخ الإسلام، وذكره الشيخ محيي
الدين عبد القادر الحنفي في طبقات الحنفية وقال: ذكره القفطي في أخبار النحاة، أديب
فاضل، له معرفة بالفقه والأدب. وروى مصنفات محمد بن ا الحسن عن عمر بن محمد بن
أحمد، عن النسفي (1). ترجمة التقي الفاسي وقد ترجم الحافظ السخاوي للتقي الفاسي
بقوله: محمد بن أحمد بن علي بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن ابن محمد
بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن بن سعيد بن عبد الملك، التقي، أبو عبد الله، وأبو
الطيب وبها اشتهر، ابن الشهاب أبي العباس بن أبي الحسن الفاسي المكي المالكي، شيخ
الحرم، والماضي أبوه، ويعرف بالتقي الفاسي. ولد في ربيع الأول سنة خمس وسبعين
وسبعمائة بمكة، ونشأ بها وبالمدينة لتحوله إليها مع أمه في سنة ثلاث وثمانين
وقتا... وعني بعلم الحديث أتم عناية، وكتب الكثير وأفاد وانتفع الناس به، وأخذوا
عنه، ودرس وأفتى، وحدث بالحرمين والقاهرة ودمشق وبلاد اليمن بجملة من مروياته
ومؤلفاته، سمع منه الأئمة، وفي الأحياء بمكة جماعة ممن أخذ عنه. قال شيخنا في
معجمه: حدثني من لفظه بأحاديث، وأجاز لأولادي، ولم يخلف بالحجاز مثله، وقرض له
شيخنا غير ما تصنيف، وكان هو يعترف بالتلمذ لشيخنا وتقدمه على سائر الجماعة، حتى
شيخهما العراقي كما ثبت ذلك في الجواهر، وخرج له الجمال بن موسى معجما مات قبل
إكماله.
(هامش)
(1) العقد الثمين في أخبار البلد الأمين 7 / 310. (*)
ص 160
وكان ذا يد طولى في الحديث والتاريخ والسير، واسع الحفظ، واعتنى بأخبار بلده، فأحيى
معالمها وأوضح مجاهلها وجدد مآثر ها وترجم أعيانها، فكتب بها تاريخا حافلا سماه
شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، في مجلدين، جمع فيه ما ذكره الأزرقي وزاد عليه ما
تجدد بعده بل وما قبله، واختصره مرارا. وعمل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين في
أربع مجلدات، ترجم فيه جماعة من حكام مكة وولاتها وقضاتها وخطبائها وأئمتها
ومؤذنيها، وجماعة من العلماء والرواة من أهلها، وكذا من سكنها سنين أو مات بها،
وجماعة لهم مآثر فيها أو في ما أضيف له، رتبه على المعجم ثم اختصره، وكذا ذيل على
سير النبلاء وعلى التقييد لابن نقطة وكتابا في الآخريات سود غالبه، وفي الأذكار
والدعوات، وفي المناسك على مذهب الشافعي ومالك، واختصر حياة الحيوان للدميري، وخرج
الأربعين المتباينات والفهرست كلاهما لنفسه، وكذا خرج لجماعة من شيوخه (1). وقال
السيوطي: الفاسي الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن الشريف
المكي، أبو الطيب، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وأجاز له أبو بكر بن أحمد المحب،
وإبراهيم بن السلار، رحل وبرع وخرج، وأذن له الشيخ زين الدين العراقي بإقراء
الحديث، ودرس وأفتى، وصنف كتبا منها تاريخ مكة، وولي قضاء المالكية بها. مات في
شوال سنة 832. قال ابن حجر: ولم يخلف في الحجاز مثله (2). 8 - السيد شهاب الدين
أحمد: ولم يزل أصحاب العلم والعرفان لا
(هامش)
(1) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 7 / 18. (2) طبقات الحفاظ: 549. (*)
ص 161
يبرحون عن ظل موالاته في القرون والأعصار، وأرباب الحق والإيقان يبوحون بفضل
مصافاته في البلدان والأمصار، ويجهرون بتخصيصه بالمدائح والمناقب نثرا ونظما،
ويشيرون إلى ما له من المدائح والمراتب إرغاما للآناف وهضما، كالإمام الهمام
والعالم القمقام، والحبر الفاضل الزكي، الحافظ الخطيب والناقد النجيب، ضياء الدين
موفق بن أحمد المكي، فإنه اندرج في سلك مادحيه بنظام نظمه، واندمج في فلك ناصحيه
بعصام عزمه حيث قال فيه، ونثر الدرر من فيه: أسد الإله وسيفه وقناته * كالظفر يوم
صياله والناب جاء النداء من السماء وسيفه * بدم الكماة يلح في التسكاب لا سيف إلا
ذو الفقار ولا فتى * إلا علي هازم الأحزاب (1) وقال أيضا: عن أبي سعيد رضي الله
عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم لعلي رضوان الله تعالى عليه
ما يلقى من بعده، فبكى وقال: أسألك بحق قرابتي وصحبتي إلا دعوت الله تعالى أن
يقبضني، قال صلى الله عليه وآله وبارك وسلم: يا علي تسألني أن أدعو الله لأجل موجل؟
فقال يا رسول الله على ما أقاتل القوم؟ قال صلى الله عليه وآله وبارك وسلم: على
الإحداث في الدين. وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن علي كرم الله تعالى وجهه
قال: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وبارك وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين
والمارقين، فقيل له: يا أمير المؤمنين من الناكثون؟ قال كرم الله تعالى وجهه:
الناكثون أهل الجمل والقاسطون أهل الشام والمارقون الخوارج. رواهما الصالحاني وقال:
رواهما الإمام المطلق رواية ودراية أبو بكر بن
(هامش)
(1) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط. (*)
ص 162
مردويه، وخطيب خوارزم الموفق أبو المؤيد أدام الله جمال العلم بمأثور أسانيدهما
ومشهود مسانيدهما . 9 - السيوطي: الموفق بن أحمد بن أبي سعيد إسحاق، أبو المؤيد،
المعروف بأخطب خوارزم. قال الصفدي: كان متمكنا في العربية، غزير العلم، فقيها
فاضلا، أديبا شاعرا، قرأ على الزمخشري، وله خطب وشعر. قال القفطي: وقرأ عليه ناصر
المطرزي. ولد في حدود سنة 484. ومات سنة 568 (1). 10 - الكفوي: الموفق بن أحمد
بن محمد المكي، خطيب خوارزم، أستاذ الإمام ناصر بن عبد السيد صاحب المغرب، أبو
المؤيد. مولده في حدود سنة 484 كان أديبا فاضلا، له معرفة تامة بالفقه والأدب، أخذ
عن نجم الدين عمر النسفي، عن صدر الإسلام أبي اليسر البزدوي، عن يوسف السياري، عن
الحاكم النوقدي، عن أبي بصير الهندواني، عن أبي بكر الأعمش، عن أبي بكر الإسكاف، عن
أبي سليمان الجوزجاني، عن محمد عن أبي حنيفة. وأخذ علم العربية عن الزمخشري. وأخذ
عنه الفقه والعربية ناصر بن عبد السيد صاحب المغرب. مات سنة 598 (2).
(هامش)
(1) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 2 / 308. (2) كتائب أعلام الأخيار من
فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط. (*)
ص 163
كتاب كتائب أعلام الأخيار وقد ذكر الكفوي في خطبة كتابه ما نصه: وبعد، فإن سنة
الله الجليلة الجارية في بريته، ونعمته اللطيفة الجارية على خليقته أن يحدث في كل
عصر من الأعصار طائفة من العلماء في المدائن والأمصار، يتجاولون تجاول فرسان الطراد
في مضمار النظار، ويتصاولون تصاول آساد الجلاد في معترك التنظار، لله درهم، لا زال
كرهم وفرهم، فجعل توفيقه رفيقهم وسهل إلى اقتباس العلم طريقهم، بحيث يجمع في كل
منهم العلم والعمل، ويشاهد فيهم حلاوة الفهم والأصل، فيفوض إليهم خدامة القضاء
والفتوى ويفاض عليهم نعمة الدنيا والعقبى، إذ يتم بحكمهم وعلمهم حكم الدين ومهام
الأمة، وينتظم برأيهم وقلمهم مصلحة الخاصة والعامة، فإن لله تعالى في قضائه السابق
وقدره اللاحق، وقائع عجيبة ترد في أوقاتها وقضايا غريبة تجري إلى غاياتها، ولولا
وجود تلك الطائفة العلية المتحلية بالفضائل الجلية من يقوم بكشف قناع هذه الوقائع،
ومن يلتزم بحل مشكلات هذه البدائع، وهذا هداية من الله تعالى، والحمد لله الذي
هدانا لهذا. ثم الحمد لله على ما أسبغ من نعمائه المتوافرة وآلائه المتكاثرة على
هذا العبد الذليل الفقير إلى رحمة الله الجليل القدير، خادم ديوان الشرع المصطفوي
محمود بن سليمان الشهير بالكفوي، بصره الله بعيوب نفسه وختم له بالخير آخر نفسه،
وجعل يومه خيرا من أمسه، حيث وفقه في العقائد أحقها وأتقنها، ويسره من المذاهب
أصوبها وأوزنها، وأعطاه من العلوم أشرفها، وأولاه من الفنون ألطفها، ومن لطائف تلك
النعم الجليلة وجلائل هاتيك الآلاء الجزيلة، ما ساقه إلى جمع أخبار فقهاء الأعصار
من ذي الفتيا وقضاة الأمصار، من لدن
ص 164
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى مشايخنا في تلك الأوان، حسبما قضوا وأفتوا
وأفادوا واستفادوا، في دور من أدوار الزمان... . وذكره كاشف الظنون بقوله: كتائب
أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار، للمولى محمود بن سليمان الكفوي
المتوفى سنة 990 (1). وقد أكثر من النقل عنه أبو مهدي عيسى الثعالبي، في كتابه
(مقاليد الأسانيد)، حيث اعتمد عليه واستند إلى كلامه بترجمة الزين العراقي، وبترجمة
التفتازاني، وبترجمة الطحاوي، وهكذا... وكذا غلام علي آزاد في كتابه (سبحة
المرجان). وشاه ولي الله والد (الدهلوي) في (الانتباه في سلاسل أولياء الله).
و(الدهلوي) نفسه في كتابه (بستان المحدثين) بترجمة الطحاوي. اعتبار كتاب المناقب
للخوارزمي ثم إن كتاب (مناقب علي) للخطيب الخوارزمي، من الكتب المعتبرة المنقول
عنها والمستند إليها، في مختلف المسائل، وإليك طرفا من الموارد التي اعتمد كبار
علماء القوم فيها عليه ونقلوا عنه في مؤلفاتهم المشهورة. قال الحافظ الكنجي:
أخبرنا المقرئ أبو إسحاق بن بركة الكتبي، في مسجده بمدينة الموصل، عن الحافظ أبي
العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمداني، عن أبي الفتح عبدوس، عن الشريف أبي طالب
المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري، في داره بأصبهان، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن
موسى بن مردويه بن فورك، أخبرنا أحمد بن محمد بن السري، حدثنا المنذر بن محمد
(هامش)
(1) كشف الظنون 2 / 1472. (*)
ص 165
ابن المنذر حدثني أبي، حدثني عمي الحسين بن سعيد، عن أبيه عن إسماعيل ابن زياد
البزاز، عن إبراهيم بن مهاجر، حدثني يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي عليه السلام
قال سمعت عليا يقول: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مسنده إلى صدري فقال:
أي علي، ألم تسمع قول الله تعالى *(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية)* أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا
محجلين. قلت: هكذا ذكره الحافظ أبو المؤيد موفق بن أحمد بن المكي الخوارزمي في
مناقب علي (1). وبهذا الإسناد عن ابن شاذان قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد
المخلدي من كتابه، عن الحسين بن إسحاق، عن محمد بن زكريا، عن جعفر ابن محمد، عن
أبيه، عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إن الله تعالى جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من
فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم
تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر
الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى فضيلة من فضائله غفر الله له
الذنوب التي اكتسبها بالنظر. ثم قال: النظر إلى وجه علي عبادة، وذكره عبادة، ولا
يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه. قلت: ما كتبناه إلا من حديث
ابن شاذان. رواه الحافظ الهمداني وتابعه
(هامش)
(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 246. (*)
ص 166
الخوارزمي (1). وقال الحافظ الزرندي: أنشد الخطيب ضياء الدين أخطب خوارزم الموفق
بن أحمد المكي رحمه الله: أسد الإله وسيفه وقناته * كالظفر يوم صياله والناب جاء
النداء من السماء وسيفه * بدم الكماة يلح في التسكاب لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى
* إلا علي هازم الأحزاب (2) وقال ابن الوزير - في (الروض الباسم) -: وتولى حمل
الرأس أي رأس الحسين عليه السلام بشر بن مالك الكندي ودخل به على ابن زياد وهو
يقول: إملأ ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أما وأبا ولقد
صدق هذا القائل الفاسق في الحديث وتقريظ هذا السيد الذبيح، ولقى الله بفعله القبيح،
وأمر عبيد الله بن زياد من فور رأس الحسين عليه السلام حتى ينصب في الرمح فتحاماه
الناس، فقام طارق بن المبارك فأجابه إلى ذلك وفعله، ونادى في الناس وجمعهم في
المسجد الجامع، وصعد المنبر وخطب خطبة لا يحل ذكرها، ثم دعا عبيد الله بن زياد جرير
بن قيس الجعفي فسلم إليه رأس الحسين ورؤوس أهله وأصحابه، فحملها حتى قدموا دمشق،
وخطب جرير خطبة فيها كذب وزور، ثم أحضر الرأس فوضعه بين يدي يزيد، فتكلم بكلام
قبيح، قد ذكره الحاكم والبيهقي وغير واحد من أشياخ أهل النقل بطريق ضعيف وصحيح، وقد
ذكره أخطب الخطباء ضياء الدين أبو المؤيد موفق الدين ابن أحمد الخوارزمي في تأليفه
في مقتل الحسين، وهو عندي في مجلدين .
(هامش)
(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 252. (2) نظم درر السمطين: 121. (*)
ص 167
ترجمة ابن الوزير محمد بن إبراهيم بن علي المرتضى بن الهادي بن يحيى بن الحسين بن
القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، العز أبو
عبد الله الحسني اليماني الصنعاني، أخو الهادي الآتي، ولد تقريبا سنة خمس وستين
وسبعمائة، وتعاطى النظم فبرع فيه، وصنف في الرد على الزيدية العواصم والقواصم في
الذب عن سنة أبي القاسم، واختصره في الروض الباسم عن سنة أبي القاسم وغيره، وذكره
التقي بن فهد الهاشمي في معجمه (1). وقال ابن الصباغ المالكي: عن كتاب الآل
لابن خالويه، ورواه أبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب، عن بلال بن حمامة، قال: طلع
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم متبسما ضاحكا، ووجهه مشرق كدائرة
القمر، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله ما هذا النور؟ قال: بشارة
أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، فإن الله زوج عليا من فاطمة، وأمر رضوان خازن
الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبي أهل البيت، وأنشأ تحتها
ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكا، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في
الخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار، فصار حب
أخي وابن عمي وبنتي فكاك رقاب رجال ونساء (2). وقال: عن مناقب ضياء الدين
الخوارزمي، عن ابن عباس قال: لما
(هامش)
(1) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 6 / 272. (2) الفصول المهمة في معرفة الأئمة:
28. (*)
ص 168
آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، وهو أنه صلى
الله عليه وسلم آخى بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وآخى بين عثمان وعبد الرحمن
بن عوف، وآخى بين طلحة والزبير، وآخى بين أبي ذر الغفاري والمقداد رضوان الله عليهم
أجمعين، ولم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم، خرج علي مغضبا حتى أتى جدولا
من الأرض، وتوسده ذراعه ونام فيه، تسفي الريح عليه التراب، فطلبه النبي صلى الله
عليه وسلم، فوجده على تلك الصفة، فوكزه برجله وقال له: قم، فما صلحت أن تكون إلا
أبا تراب، أغضبت حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أو أخ بينك وبين أحد منهم؟
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ألا من أحبك فقد
حف بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية (1). قال: ومن كتاب
المناقب لأبي المؤيد، عن أبي برزة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس
ذات يوم: والذي نفسي بيده لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل الله تبارك
وتعالى الرجل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله مما كسب
وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. فقال له عمر: ما آية حبكم؟ فوضع يده على رأس علي
وهو جالس إلى جانبه وقال: آية حبي حب هذا من بعدي (2). وقال الحافظ السمهودي بعد
حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه: قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها
النبي صلى الله عليه وسلم
(هامش)
(1) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: 38. (2) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: 125.
(*)
ص 169
مسئول عنها يوم القيامة، وروي في قوله تعالى *(وقفوهم إنهم مسئولون)* أي عن ولاية
علي وأهل البيت، لأن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم
عن تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في القربى، والمعنى إنهم يسألون هل والوهم حق
الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم أم أضاعوها وأهملوها، فيكون عليهم
المطالبة والتبعة... ويشهد لذلك ما أخرجه أبو المؤيد في كتاب المناقب فيما نقله أبو
الحسن علي السفاقسي ثم المكي في الفصول المهمة، عن أبي برزة رضي الله عنه، قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس ذات يوم: والذي نفسي بيده لا تزول قدم عن
قدم يوم القيامة حتى يسأل الله تعالى الرجل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن جسده
فيما أبلاه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. فقال له عمر رضي
الله عنه: يا نبي الله ما آية حبكم؟ فوضع يده على رأس علي وهو جالس إليه جانبه
وقال: آية حبي حب هذا من بعدي (1). قال: في كتاب الآل لابن خالويه، ورواه أبو
بكر الخوارزمي في كتاب المناقب، عن بلال بن حمامة رضي الله عنه، قال: طلع علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم متبسما ضاحكا ووجهه مشرق كدائرة القمر، فقام
إليه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا
النور؟ قال: بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، بأن الله تعالى زوج عليا
من فاطمة وأمر رضوان خازن الجنان، فهز شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبي
أهل البيت، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكا، فإذا استوت القيامة
بأهلها نادت الملائكة في الخلائق، فلا
(هامش)
(1) جواهر العقدين 2 / 225. (*)
ص 170
يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي
وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار (1). وقال ابن حجر الهيتمي المكي:
أخرج أبو بكر الخوارزمي (2) أنه صلى الله عليه وسلم خرج عليهم، ووجهه مشرق كدائرة
القمر، فسأله عبد الرحمن ابن عوف، فقال: بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي
وابنتي، بأن الله زوج عليا من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان، فهز شجرة طوبى فحملت
رقاقا يعني صكاكا بعدد محبي أهل البيت، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، دفع إلى كل ملك
صكا، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت
إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال
ونساء من أمتي من النار (3). وقال ابن باكثير: روى أبو بكر الخوارزمي (4) عن
أبي القاسم بن محمد أنه قال: كنت بالمسجد الحرام، فرأيت الناس مجتمعين حول مقام
إبراهيم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلوة والسلام، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: راهب
قد أسلم وجاء إلى مكة، وهو يحدث بحديث عجيب، فأشرفت عليه، فإذا هو شيخ كبير عليه
جبة صوف وقلنسوة صوف، عظيم الجثة، وهو قاعد عند المقام يحدث الناس، وهم يستمعون
إليه، قال: بينما أنا قاعد في صومعتي في بعض الأيام، إذ أشرفت منها إشرافة، فإذا
بطائر كالنسر كبير قد سقط على صخرة على شاطئ البحر فتقايا، فرمى من فيه بربع إنسان،
ثم طار وغاب يسيرا ثم عاد فتقايا ربعا آخر، ثم طار، فدنت
(هامش)
(1) جواهر العقدين 2 / 241. (2) وكنية الخوارزمي أبو المؤيد و أبو بكر
الخوارزمي شخص آخر. (3) الصواعق المحرقة: 103. (4) وكنية الخوارزمي أبو المؤيد
و أبو بكر الخوارزمي شخص آخر. (*)
ص 171
الأجزاء بعضها من بعض فالتأمت، فقام منها إنسان كامل، وأنا متعجب مما رأيت، فإذا
بالطائر قد انقض عليه، فاختطف ربعه ثم طار، ثم عاد فاختطف ربعا آخر، وهكذا يفعل إلى
أن اختطفه جميعه، فبقيت أتفكر وأتحسر من عدم سؤالي له عن قصته، فلما كان اليوم
الثاني فإذا أنا بالطائر قد أقبل وفعل كفعله بالأمس، فلما التأمت الأجزاء وصارت
شخصا كاملا، نزلت من صومعتي مبادرا إليه، وسألته بالله من أنت يا هذا؟ فسكت، فقلت:
بحق من خلقك إلا ما أخبرتني من أنت، فقال: أنا ابن ملجم، قلت: فما قصتك مع هذا
الطائر؟ قال إني قتلت علي بن أبي طالب، فوكل الله بي هذا الطائر يفعل بي ما ترى كل
يوم، فخرجت من صومعتي وسألت عن علي بن أبي طالب من هو؟ فقيل لي: إنه ابن عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت وأتيت مأتاي هذا إلى بيت الله الحرام قاصدا للحج
وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم (1). وقال: أخرج أبو المؤيد في كتاب المناقب
فيما نقله أبو الحسن علي السفاقسي ثم المكي في الفصول المهمة، عن أبي برزة رضي الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس ذات يوم: والذي نفسي بيده، لا
تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل الله الرجل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن
جسده فيما أبلاه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت. فقال عمر
رضي الله عنه: ما آية حبكم؟ فوضع يده على رأس علي وهو جالس إلى جانبه وقال: آية حبي
حب هذا من بعدي (2). وقال المطيري: الحديث الرابع والستون من كتاب الآل لابن
خالويه ورواه أبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب، عن بلال بن حمامة رضي الله
(هامش)
(1) وسيلة المآل في مناقب الآل - مخطوط. (2) وسيلة المآل في مناقب الآل - مخطوط.
(*)
ص 172
عنه، قال: طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم متبسما ضاحكا ووجهه مشرق
كدائرة القمر، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال يا رسول الله ما هذا النور؟ قال:
بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، فإن الله زوج عليا من فاطمة رضي الله
عنها، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني صكاكا بعدد محبي أهل
البيت، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكا، فإذا استوت القيامة بأهلها
نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من
النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار (1).
وقال ولي الله اللكهنوي: أخرج أبو بكر الخوارزمي إنه صلى الله عليه وسلم خرج
عليهم ووجهه مشرق كدائرة القمر، فسأله عبد الرحمن بن عوف فقال: بشارة أتتني من ربي
في أخي وابن عمي وابنتي، بأن الله زوج عليا من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهز
شجرة طوبى فحملت رقابا يعني صكاكا بعدد محبي أهل البيت، وأنشأ تحتها ملائكة من نور،
ودفع إلى كل ملك صكا فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال
ونساء من النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن
تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي (2). فوق ذلك كله... أن (الدهلوي) مع إبائه عن قبول
كثير من الحقائق المنقولة من طرق القوم والواردة في كتبهم، يعتمد على رواية الخطيب
الخوارزمي في كتابه، ويذكره في عداد الأئمة الأعلام من أهل السنة، من قبيل
(هامش)
(1) الرياض الزاهرة في مناقب آل بيت النبي وعترته الطاهرة - مخطوط. (2) مرآة
المؤمنين في مناقب آل بيت سيد المرسلين - مخطوط. (*)
ص 173
ابن مندة وابن مردويه وأمثالهما، فراجع كتابه في باب المكائد، في المكيدة رقم 84
(1). كما أنه في موضع آخر يذكر الخوارزمي ويستشهد بكتابه، في عداد ابن أبي شيبة،
وأحمد بن حنبل، والنسائي، وأبي نعيم الأصفهاني، وأمثالهم... ويدعي أن الإمامية في
إثبات فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت عيال على أهل السنة، ممن ذكرهم وغيرهم... وقد
تقدم كلامه.
*(17)* رواية الحاكمي القزويني

قال الحافظ محب الدين الطبري: ذكر
شبهه بخمسة من الأنبياء عليهم السلام في مناقب لهم: عن أبي الحمراء قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى
إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى ابن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر
إلى علي بن أبي طالب. أخرجه القزويني الحاكمي (2). وقال الحافظ الطبري: عن أبي
الحمراء، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه،
وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في
بطشه،
(هامش)
(1) التحفة الإثنا عشرية: 70. (2) الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة (3 - 4):
196. (*)
ص 174
فلينظر إلى علي بن أبي طالب. أخرجه أبو الخير الحاكمي (1). ترجمة أبي الخير
الحاكمي وأبو الخير الحاكمي القزويني إمام كبير من أئمتهم: 1 - الرافعي: أحمد بن
إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس، أبو الخير الطالقاني القزويني، إمام كثير الخير
والبركة، نشأ في طاعة الله تعالى وحفظ القرآن وهو ابن سبع على ما بلغني، وحصل
بالطلب الحثيث العلوم الشرعية حتى برع فيها رواية ودراية وتعليما وتذكيرا وتصنيفا،
وعظمت بركته وفائدته، وكان مديما للذكر وتلاوة القرآن في مجيئه وذهابه وقيامه
وقعوده وعامة أحواله، وسمعت غير واحد ممن حضر عنده - بعد ما قضى نحبه عند تعبيته
للمغتسل وقبل أن ينقل إليه - أن شفتيه كانتا تتحركان كما كان يحركهما طول عمره بذكر
الله تعالى، وكان يقرأ عليه العلم وهو يصلي ويقرأ القرآن ويصغي مع ذلك إلى القرائة،
وقد ينبه القارئ على زلته. وصنف الكثير في التفسير والحديث والفقه وغيرهما، مطولا
ومختصرا، وانتفع بعلمه أهل العلم وعوام المسلمين، وسمع الكثير بقزوين ونيسابور
وبغداد وغيرها، وفهرست مسموعاته متداول، وتكلم بعض المجازفين في سماعه من أبي عبد
الله محمد الفراوي بظن فاسد وقع لهم، وقد شاهدت سماعاته منه لكتب، فمنها الوجيز
للواحدي، سمعه منه بقرائة الحافظ عبد الرزاق الطبسي في ستة مجالس، وقعت في شعبان
ورمضان سنة ثلاثين وخمسمائة، نقلت معناه من خط الإمام أبي البركات الفراوي، وذكر
أنه نقله
(هامش)
(1) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 93. (*)
ص 175
من خط تاج الإسلام أبي سعد السمعاني، وسمع منه الترغيب لحميد بن زنجويه بقراءة تاج
الإسلام أبي سعد في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع من الفراوي جزء من حديث
يحيى بن يحيى بروايته عن عبد الغافر الفارسي، عن أبي سهل بن أحمد الإسفرائني، عن
داود بن الحسين البيهقي، عن يحيى بن يحيى، بقراءة الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن
بن هبة الله الدمشقي سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع منه الأربعين تخريج محمد بن
إيزديار الغزنوي من مسموعاته بقراءة السيد أبي الفضل محمد بن علي بن محمد الحسيني،
في رجب سنة تسع وعشرين، نقلت السماعين من خط مذكور بن محمد الشيباني البغدادي،
ورأيت بخط تاج الإسلام أبي سعد السمعاني أنه رحمه الله سمع من الفراوي دلائل النبوة
وكتاب البعث والنشور وكتاب الأسماء والصفات وكتاب الاعتقاد، كلها من تصانيف أبي بكر
الحافظ البيهقي، بروايته عن المصنف، في شهور سنة ثلاثين وخمسمائة بقراءة تاج
الإسلام. ووجد مع علمه وعبادته الوافرين القبول التام عند الخواص والعوام، وارتفع
قدره وانتشر صيته في أقطار الأرض، وتولى تدريس النظامية ببغداد قريبا من خمسة عشر
سنة، مكرما في حرم الخلافة مرجوعا إليه فاضلا مقبولا فتواه في مواقع الاختلاف. وهو
رحمه الله خال والدتي وجدي لأمي من الرضاع، ولبست من يده الخرقة بكرة يوم الخميس
الثاني من شهر الله رجب سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بهمدان، وشيخه في الطريقة
الإمام أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري ليس الخرقة بيده بنيسابور، في
رباط جده الأستاذ أبي علي الدقاق بمشهد الإمام محمد بن يحيى رحمهم الله.
ص 176
وسمعت منه الحديث الكثير، وكان يعجبه قراءتي، ويأمر الحاضرين بالإصغاء إليها. وكان
رحمه الله ماهرا في التفسير، حافظا لأسباب النزول وأقوال المفسرين، كامل النظر في
معاني القرآن ومعاني الحديث (1). 2 - الذهبي: وفيها توفي القزويني، العلامة رضي
الله عنه أبو الخير، أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني، الفقيه الشافعي، الواعظ،
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، وتفقه على الفقيه ملكداد العمركي، ثم بنيسابور على
محمد بن يحيى، حتى فاق الأقران، وسمع من الفراوي وزاهر وخلق، ثم قدم بغداد قبل
الستين، ودرس بها ووعظ، ثم قدمها قبل السبعين، ودرس بها ووعظ، ثم قدمها قبل التسعين
ودرس بالنظامية. وكان إماما في المذاهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ، وروى كتبا
كبارا، ونفق كلامه على الناس لحسن سمته وحلاوة منطقه وكثرة محفوظاته، وكان صاحب قدم
راسخ في العبادة عديم النظير كبير الشأن. رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة
إلى أن مات في المحرم رحمه الله (2). 3 - اليافعي: توفي الفقيه العلامة الشافعي
القزويني، الواعظ، أبو الخير، أحمد بن إسماعيل الطالقاني، قدم بغداد، ودرس
بالنظامية، وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول والوعظ، وروى كتبا كبارا، ونفق
كلامه لحسن سمته وحلاوة منطقه وكثرة محفوظاته، وكان صاحب قدم راسخ في العبادة كبير
الشأن عديم النظير، رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى
(هامش)
(1) التدوين في ذكر أهل العلم بقزوين 2 / 144 - 148. (2) العبر في خبر من غبر 4 /
271. (*)
ص 177
أن مات في محرم السنة المذكورة رحمه الله (1). 4 - ابن الجزري: أحمد بن إسماعيل
بن يوسف بن محمد بن العباس، أبو الخير الحاكمي الطالقاني، القزويني، مقرء متصدر
صالح خير، له معرفة بعلوم كثيرة، وله كتاب التبيان في مسائل القرآن، ردا على
الحلولية والجهمية، أقرء الغاية لأبي مهران عن زاهر بن طاهر الشحامي، وقرأ
بالروايات على إبراهيم بن عبد الملك القزويني صاحب ابن معشر، قرأ عليه ابنه محمد
ومحمد ابن مسعود ابن أبي الفوارس القزويني وإلياس بن جامع وعبدان بن سعيد القصري.
توفي في المحرم سنة تسعين وخمسمائة عن نحو تسعين سنة (2). 5 - الأسنوي: الشيخ
أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني الطالقاني، كان عالما بعلوم متعددة،
قرأ على محمد بن يحيى، ثم صار معيده على ملكداد بن علي القزويني السابق ذكره في
الأصل، وسمع وحدث، ولد بقزوين سنة ثنتي عشرة وخمسمائة أو إحدى عشرة، ذكره الرافعي
في الأمالي فقال: كان إماما كثير الخير وافر الحظ من علوم الشرع، حفظا وجمعا ونشرا
بالتعليم والتذكير والتصنيف، وكان لسانه لا يزال رطبا من ذكر الله تعالى ومن تلاوة
القرآن، وكان يعقد مجلس الوعظ للعامة في ثلاثة أيام من الأسبوع منها يوم الجمعة،
فتكلم يوما فيها على عادته وكان اليوم الثاني عشر من المحرم سنة تسعين وخمسمائة،
واستطرد إلى قوله تعالى *(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله)* وذكر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما عاش بعد نزول هذه الآية إلا سبعة أيام، فلما نزل من المنبر حم
ولم يعش بعدها إلا سبعة أيام، فإنه مات
(هامش)
(1) مرآة الجنان - حوادث 590. (2) طبقات القراء 1 / 39. (*)
ص 178
يوم الجمعة ودفن يوم السبت، وذلك من عجيب الاتفاقات وكأنه أعلم بالحال فإنه حان وقت
الارتحال. قال: ولقد خرجت من الدار بكرة ذلك اليوم على قصد التعزية، وأنا في شأنه
متفكر ومما أصابه منكسر، إذ وقع في خاطري من غير نية وفكرورية بيت من شعر وهو: بكت
العلوم بويلها وعويلها * لوفاة أحمدها ابن اسماعيلها كأن قائلا يكلمني بذلك، ثم
أضفت إليه أبياتا بالروية. انتهى كلام الرافعي (1). 6 - ابن قاضي شهبة: أحمد بن
إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس رضي الدين، أبو الخير القزويني الطالقاني، ولد
سنة اثنتي عشرة أو إحدى عشرة وخمسمائة، قرأ على محمد بن يحيى، وصار معيد درسه على
ملكداد القزويني، وقرأ بالروايات على إبراهيم بن عبد الملك القزويني، وصنف كتاب
البيان في مسائل القرآن ردا على الحلولية والجهمية، وصار رئيس الأصحاب، وقدم بغداد
فوعظ بها وحصل له قبول تام، وكان يتكلم يوما وابن الجوزي يوما، ويحضر الخليفة وراء
الأستار، ويحضر الخلائق والأمم، وولي تدريس النظامية ببغداد سنة تسع وستين إلى سنة
ثمانين، ثم عاد إلى بلده. ذكره الإمام الرافعي في الأمالي وقال: كان إماما كثير
الخير وافر الحظ من علوم الشرع، حفظا وجمعا ونشرا بالتعليم والتذكير والتصنيف. وقال
الحافظ عبد العظيم المنذري: وحكى عنه غير واحد أنه كان لسانه لا يزال رطبا من ذكر
الله تعالى ومن تلاوة القرآن.
(هامش)
(1) طبقات الشافعية للأسنوي 2 / 322. (*)
ص 179
توفي في المحرم سنة تسعين وخمسمائة، وقيل سنة تسع وثمانين، قال السبكي في شرح
المنهاج: وذكر أبو الخير في كتابه حظائر القدس لرمضان أربعين وستين اسما (1). 7 -
السبكي: أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس، الشيخ أبو الخير، القزويني
الطالقاني، الشيخ الإمام الصوفي الواعظ، الملقب رضي الدين، أحد الأعلام. ولد في سنة
اثنتي عشرة وخمسمائة بقزوين، وقيل سنة إحدى عشرة، وتفقه على محمد بن يحيى، وسمع
الكثير من أبيه، وأبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وزاهر الشحامي، وعبد المنعم
بن القشيري، وعبد الغافر الفارسي، وعبد الجبار الخوارزمي، وهبة الله بن البسري،
ووجيه بن طاهر، وأبي الفتح بن البطي، وغيرهم، بنيسابور وبغداد وغيرهما، روى عنه ابن
القرشي، ومحمد بن علي بن أبي النهد الواسطي، والموفق عبد اللطيف بن يوسف، والإمام
الرافعي، وغيرهم، درس ببلده مدة ثم ببغداد ثم عاد إلى بلده ثم إلى بغداد ودرس
بالنظامية، وحدث بكبار الكتب كتاريخ الحاكم، وسنن أبي داود، وصحيح مسلم، ومسند
إسحاق، وغيرها، وأملى عدة مجالس. قال ابن النجار: كان رئيس أصحاب الشافعي، وكان
إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ والزهد، وحدث عنه الإمام الرافعي
في أماليه، وقال فيه: إمام كثير الخير موفر الحظ من علوم الشرع حفظا وجمعا ونشرا
بالتعليم والتذكير والتصنيف، وكان لسانه لا يزال رطبا من ذكر الله وتلاوة القرآن،
وربما قرئ عليه الحديث وهو يصلي ويصغي إلى ما يقول القارئ وينبهه إذا زل.
(هامش)
(1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2 / 8. (*)
ص 180
قلت: وأطال ابن النجار في ترجمته والثناء على علمه ودينه، وروى بإسناده حكاية
مبسوطة ذكر أنه عبر بها من العجمي إلى العربية حاصلها: إن الطالقاني حكى عن نفسه
أنه كان بليد الذهن في الحفظ، وأنه كان عند الإمام محمد بن يحيى في المدرسة، وكان
من عادة ابن يحيى أن يستعرض الفقهاء كل جمعة ويأخذ عليهم ما حفظوه، فمن وجده مقصرا
أخرجه، فوجد الطالقاني مقصرا فأخرجه، فخرج في الليل وهو لا يدري أين يذهب، فنام في
أتون حمام، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فتفل في فمه مرتين، وأمره بالعود إلى
المدرسة، فعاد ووجد الماضي محفوظا واحتد ذهنه جدا، قال: فلما كان يوم الجمعة، وكان
من عادة الإمام محمد بن يحيى أن يمضي إلى صلاة الجمعة في جمع من طلبته، فيصلي عند
الشيخ عبد الرحمن الإسكاف الزهد، قال: فمضيت معه، فلما جلس مع الشيخ عبد الرحمن
تكلم الشيخ عبد الرحمن في شيء من مسائل الخلاف، والجماعة ساكتون تأدبا معه، ولصغر
سني وحدة ذهني جعلت أعترض عليه وأنازعه، والفقهاء يشيرون إلي بالإمساك وأنا لا
ألتفت، فقال لهم الشيخ عبد الرحمن: دعوه فإن هذا الذي يقوله ليس هو منه إنما هو من
الذي علمه، قال: ولم يعلم الجماعة ما أراد وفهمت وعلمت أنه مكاشفة. قال ابن النجار:
وقيل إنه كان مع كثرة اشتغاله يدوام الصيام، يفطر كل ليلة على قرص واحد. وحكي أنه
لما دعي إلى تدريس النظامية جاء بالحلقة وحوله الفقهاء وهناك المدرسون والصدور
والأعيان، فلما استقر على كرسي التدريس ودعا دعاء الختمة، التفت إلى الجماعة قبل
الشروع في إلقاء الدرس وقال: من أي كتب درس التفاسير تحبون أن أذكر؟ فعينوا كتابا،
فقال: من أي سورة
ص 181
تريدون؟ فعينوا، وذكر لهم ما أرادوا، وكذلك فعل في الفقه والخلاف، لم يذكر إلا ما
عين الجماعة له، فعجبوا لكثرة استحضاره. قال ابن النجار: حدثني شيخنا أبو القاسم
الصوفي قال: صلى شيخنا القزويني بالناس التراويح في ليالي شهر رمضان، وكان يحضر
عنده خلق كثير، فلما كان ليلة الختم دعا وشرع في تفسير القرآن من أوله ولم يزل يفسر
سورة حتى طلع الفجر، فصلى بالناس صلوة الفجر بوضوء العشاء، وخرج من الغد إلى
المدرسة النظامية، وكان نوبته في الجلوس بها، فلما تكلم في المنبر على عادته وكان
في المجلس الأمير قطب الدين قيماز والأعيان، فذكر لهم أن الشيخ ليلتئذ فسر القرآن
كله في مجلس واحد، فقال قطب الدين: الغرامة على الشيخ واجبة، فالتفت الشيخ وقال: إن
الأمير أوجب علينا شيئا، فإن كان لا يشق عليكم وفينا به، فقالوا: لا بل نؤثر ذلك،
فشرع وفسر القرآن من أول إلى آخره من غير أن يعيد كلمة مما ذكر ليلا، فأبلس الناس
من قوة حفظه وغزارة علمه. قال أبو أحمد بن سكينة: لما أظهر ابن الصاحب الرفض
ببغداد، جاءني القزويني ليلا فودعني وذكر أنه متوجه إلى بلاده، فقلت: إنك هاهنا طيب
تنفع الناس، فقال: معاذ الله أن أقيم ببلدة يجهر فيها بسب أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ثم خرج من بغداد إلى قزوين، وكان آخر العهد به. قلت: أقام بقزوين معظما
محترما إلى أن توفي بها. قال الرافعي في الأمالي: كان يعقد المجالس للعامة ثلاث
مرات في الأسبوع إحداهما صبيحة يوم الجمعة، فتكلم على عادته يوم الجمعة ثاني عشر
المحرم سنة تسعين وخمسمائة في قوله تعالى *(فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا
هو)* وذكر أنها من أواخر ما نزل، وعد الآيات المنزلة آخرا منها *(اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي)* ومنها سورة النصر
ص 182
وقوله تعالى: *(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله)* وذكر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما عاش بعد نزول هذه الآية إلا سبعة أيام. قال الرافعي: ولما نزل من المنبر حم
فمات في الجمعة الأخرى، ولم يعش بعد ذلك إلا سبعة أيام. قال: وذلك من عجيب
الاتفاقات. قال: وكأنه أعلم بالحال وأنه حان وقت الارتحال. ودفن يوم السبت قال:
ولقد خرجت من الدار بكرة ذلك اليوم على قصد التعزية وأنا في شأنه متفكر ومما أصابه
منكسر، إذ وقع في خلدي من غير نية وفكرورية: بكت العلوم بويلها وعويلها * لوفاة
أحمدها ابن اسماعيلها كأن أحدا يكلمني بذلك، ثم أضفت إليه أبياتا بالروية ذهبت عني،
إنتهى والله أعلم (1). 8 - الداودي: أحمد بن إسماعيل بن يوسف، أبو الخير
الطالقاني القزويني الشافعي، رضي الدين، أحد الأعلام. قال ابن النجار: كان رئيس
أصحاب الشافعي، وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ كثير المحفوظ
أملى الحديث ووعظ، وسمع الكثير من أبي عبد الله الفراوي، وزاهر الشحامي، وهبة الله
السندي، وأبي الفتح بن البطي، وتفقه على ملكداد ومحمد بن مكي، ودرس ببلده وببغداد،
وحدث بالكتب الكبار، وولي تدريس النظامية، وكان كثير العبادة والصلوة، دائم الذكر،
دائم الصوم، له في كل يوم ختمة، وقال ابن المديني: كان له يد باسطة في النظر واطلاع
على العلوم ومعرفة الحديث، وقال الموفق بن عبد اللطيف البغدادي: كان يعمل في اليوم
والليل ما يعجز المجتهد عن عمله في شهر.
(هامش)
(1) طبقات الشافعية الكبرى 6 / 7. (*)
ص 183
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ومات في المحرم سنة تسعين (1).
*(18)* رواية الملا الإربلي

رواه عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يوسف في جماله،
فلينظر إلى علي بن أبي طالب (2). وسيأتي كلام الحافظ محب الدين الطبري الدال على
إخراج الملا هذا الحديث. ترجمة الملا واشتهر عمر بن محمد الملا بين علماء أهل السنة
ومحدثيهم بالورع والصلاح، حتى اقتدى به أكابرهم من السلاطين والعلماء الأعلام: قال
محمد بن يوسف الشامي في (سيرته) ما نصه: الباب الثالث عشر، في أقوال العلماء في
عمل المولد الشريف واجتماع الناس له، وما يحمد من ذلك وما يذم: قال الحافظ أبو
الخير السخاوي في فتاواه: عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في
القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها، ثم
(هامش)
(1) طبقات المفسرين 1 / 31. (2) وسيلة المتعبدين في سيرة سيد المرسلين 5 / 168. (*)
ص 184
لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله
عليه وسلم، بعمل الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهيجة الرفيعة، ويتصدقون في
لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات، ويعتنون بقراءة مولده
الكريم، ويظهر عليهم من بركاته فضل عظيم... وقال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن
بن إسماعيل المعروف بأبي شامة، في كتابه الباحث على إنكار البدع والحوادث: قال
الربيع قال الشافعي رحمه الله تعالى: المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما: ما أحدث
مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا وإجماعا، فهذه البدعة هي الضلالة، والثاني: ما أحدث
من الخير لا خلاف فيه لأحد من هذا، فهي محدثة غير مذمومة، قال عمر رضي الله عنه في
قيام رمضان: نعمت البدعة هذه، يعني إنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما
مضى، فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته
فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشرعية، غير مخالف لشيء منها، ولا يلزم من فعله
محذور شرعي، وذلك نحو بناء المنابر والربط والمدارس وخانات السبيل وغير ذلك، ومن
أنواع البر التي لم تعهد في الصدر الأول، فإنه موافق لما جاءت به السنة من اصطناع
المعروف والمعاونة على البر والتقوى. ومن أحسن البدع ما ابتدع في زماننا هذا من هذا
القبيل، ما كان يفعل بمدينة إربل كل عام، في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى
الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من
الإحسان إلى الفقراء يشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وإجلاله في قلب
فاعله، وشكر الله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي هو رحمة
ص 185
للعالمين صلى الله عليه وسلم، وكان أول من فعل ذلك بالموصل عمر بن محمد الملا أحد
الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره رحمهم الله تعالى (1).
وهذه القضية بوحدها تكفي لمعرفة جلالة قدر هذا الرجل وعظم شأنه عند أهل السنة، إذ
كان عمله حجة عندهم ودليلا على جوازه بل على رجحانه، وذلك بعد مضي قرون - فيها
العلماء والصالحون - لم يفعل فيها ذلك... وما ذلك إلا لكثرة اعتقاد القوم بورع هذا
الرجل وشدة وثوقهم بديانته وصلاحه. اعتبار كتاب وسيلة المتعبدين وكتابه (وسيلة
المتعبدين) يعد عندهم من خيرة الكتب المؤلفة في سيرة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، ذكره (الدهلوي) في (أصول الحديث) في كتب السير في سياق سيرة ابن هشام وسيرة
ابن إسحاق... وقال الصديق حسن خان القنوجي في كتاب (الحطة في ذكر الصحاح الستة):
وأما أحاديث التواريخ والسير فهي قسمان: قسم يتعلق بخلق السماء والأرض
والحيوانات... وقسم يتعلق بوجود النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وآله
العظام من بدء الولادة إلى الوفاة، ويسمى سيرة . كسيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام
وسيرة الملا عمر. والكتب المصنفة في هذا الباب أيضا كثيرة جدا . ولقد نقل عن هذا
الكتاب واعتمد عليه سائر العلماء: قال الكابلي في (الصواقع): ولأن نفي وجوب محبة
غير علي من
(هامش)
(1) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 1 / 362 - 365. (*)
ص 186
الصحابة كذب مفترى، فقد روى الحافظ أبو طاهر السلفي في مشيخته عن أنس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: حب أبي بكر وشكره واجب على أمتي. وأخرج ابن عساكر عنه
نحوه، ومن طريق آخر عن سعد بن سهل الساعدي. وأخرج الحافظ عمر بن محمد بن خضر الملا
في سيرته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله فرض عليكم حب أبي بكر وعمر
وعثمان وعلي كما فرض عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج . فهذا نص كلام الكابلي.
وتجده بعينه في (التحفة) حيث قال هذا في جواب الاستدلال بآية المودة، فراجعه، لترى
كيف ينتحل (الدهلوي) كلام الكابلي، في بحوث كتابه (1). وقد أكثر من النقل عنه:
الحافظ المحب الطبري، في كتابه (الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة). وكذلك
السمهودي الحافظ، فإنه قال: عن جابر - رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي. أخرجه
الملا. قاله المحب (2). وقال السمهودي: أخرج أبو سعد والملا في سيرته حديث:
استوصوا بأهلي خيرا، فإني أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصيمه أخصمه، ومن
(هامش)
(1) التحفة الإثنا عشرية: 205. (2) جواهر العقدين 2 / 242. (*)
ص 187
أخصمه دخل النار. وحديث: من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا. وأخرج الأول
فقط حديث: أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن شاء اتخذ إلى ربه
سبيلا. وأخرج الملا حديث: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين
تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله عز
وجل فانظروا من توفدون (1). وقال كاشف الظنون: وسيلة المتعبدين، للشيخ الصالح
عمر بن محمد ابن خضر الإربلي، المتوفى سنة... وهو الذي كان يعتقده نور الدين الشهيد
(2). ذكر الملك نور الدين الشهيد الذي اعتقد الملا والملك المذكور موصوف عندهم
بأحسن الأوصاف: قال ابن الأثير: ذكر وفاة نور الدين محمود زنكي - رحمه الله - في
هذه السنة. توفي نور الدين محمود بن زنكي بن اقسنقر، صاحب الشام وديار الجزيرة
ومصر، يوم الأربعاء، حادي عشر شوال، بعلة الخوانيق، ودفن بقلعة دمشق، ونقل منها إلى
المدرسة التي أنشأها بدمشق عند سوق الخواصين. ومن عجيب الاتفاق أنه ركب ثاني شوال،
وإلى جانبه بعض الأمراء الأخيار، فقال الأمير: سبحان من يعلم هل نجتمع هنا في
العامل المقبل أم لا؟ فقال نور الدين: لا تقل هكذا، بل سبحان من يعلم هل نجتمع بعد
شهر أم لا؟ فمات نور الدين رحمه الله بعد أحد عشر يوما، ومات الأمير قبل الحول،
فأخذ كل منهما بما قاله...
(هامش)
(1) جواهر العقدين 2 / 91. (2) كشف الظنون 2 / 2010. (*)
ص 188
وكان قد اتسع ملكه جدا، وخطب له بالحرمين الشريفين، وباليمن لما دخلها شمس الدولة
بن أيوب وملكها، وكان مولده سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته
وعدله. وقد طالعت سير الملوك المتقدمين، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن
عبد العزيز، أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريا منه للعدل، وقد أتينا على كثير من ذلك
في كتاب الباهر من أخبار دولتهم، ولنذكر هاهنا نبذة لعله يقف عليها من له حكم
فيقتدي به. فمن ذلك زهده وعبادته وعلمه، فإنه كان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلا
في الذي يخصه من ملك كان له، قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، ومن الأموال المرصدة
لمصالح المسلمين، ولقد شكت إليه زوجته من الضائقة، فأعطاها ثلاث دكاكين في حمص كانت
له، يحصل له منها في السنة نحو العشرين دينارا، فلما استقلتها قال ليس لي إلا هذا،
وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين، لا أخونهم فيه ولا أخوض نار جهنم لأجلك. وكان
يصلي كثيرا بالليل، وله فيه أوراد حسنة، وكان كما قيل: جمع الشجاعة والخشوع لربه *
ما أحسن المحراب في المحراب وكان عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة، ليس عنده فيه
تعصب، وسمع الحديث وأسمعه طلبا للأجر. وأما عدله، فإنه لم يترك في بلاده على سعتها
مكسا ولا عشرا، بل أطلقها جميعها في مصر والشام والجزيرة والموصل، وكان يعظم
الشريعة ويقف عند أحكامها، وأحضره إنسان إلى مجلس الحكم فمضى معه إليه، وأرسل إلى
القاضي كمال الدين بن الشهرزوري فقال: قد جئت محاكما فاسلك معي ما تسلك مع الخصوم،
وظهر له الحق، فوهبه الخصم الذي أحضره وقال:
ص 189
أردت أن أترك له ما يدعيه، إنما خفت أن يكون الباعث لي على ذلك الكبر والأنفة من
الحضور إلى مجلس الشريعة، فحضرت ثم وهبته ما يدعيه. وبنى دار العدل في بلاده، وكان
يجلس هو والقاضي فيها ينصف المظلوم، ولو أنه يهودي من الظالم، ولو أنه ولده أو أكبر
أمير عنده... وكان يكرم العلماء وأهل الدين ويعظمهم ويقوم إليهم ويجلسهم معه وينبسط
معهم ولا يرد لهم قولا ويكاتبهم بخط يده، وكان وقورا مهيبا مع تواضعه. وبالجملة،
فحسناته كثيرة ومناقبه غزيرة لا يحتملها هذا الكتاب (1). وقال الذهبي: السلطان
نور الدين الملك العادل أبو القاسم محمود بن أتابك زنكي بن أقسنقر، تملك حلب بعد
أبيه، ثم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة، وكان مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة،
وكان أجل ملوك زمانه وأعدلهم وأدينهم وأكثرهم جهادا وأسعدهم في دنياه وآخرته، هزم
الفرنج غير مرة وأخافهم وجرعهم المد. وفي الجملة، محاسنه أبين من الشمس وأحسن من
القمر، وكان أسمر طويلا، مليحا تركي اللحية، نقي الخد، شديد المهابة، حسن التواضع،
طاهر اللسان، كامل العقل والرأي، سليما من التكبر، خائفا من الله، قل أن يوجد في
الصلحاء الكبار مثله، فضلا عن الملوك، ختم الله له بالشهادة ونوله الحسنى إن شاء
الله وزيادة، فمات بالخوانيق في حادي عشر شوال (2).
(هامش)
(1) الكامل لابن الأثير - حوادث 569. (2) العبر في خبر من غبر - حوادث 569. (*)
ص 190
*(19)* رواية أبي حامد الصالحاني

ورواه أبو حامد محمود الصالحاني كما جاء في (توضيح
الدلائل): عن الحارث الأعور صاحب راية أمير المؤمنين كرم الله وجهه قال: بلغنا أن
النبي صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم كان في جمع من الصحابة فقال: أريكم آدم في
علمه، ونوحا في فهمه، وإبراهيم في حلمه، فلم يكن بأسرع من أن طلع علي كرم الله
تعالى وجهه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، قست رجلا بثلاثة من الرسل،
بخ بخ لهذا، من هو يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وبارك وسلم: يا أبا
بكر ألا تعرفه؟ قال: الله تعالى ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وعلى آله وبارك
وسلم: أبو الحسن علي بن أبي طالب. قال أبو بكر رضي الله عنه: بخ بخ لك يا أبا
الحسن. رواه الصالحاني. وفي إسناده أبو سليمان الحافظ (1). ذكر الصالحاني وقد ذكر
شاه سلامة الله الهندي في كتابه (معركة الآراء) أبا حامد الصالحاني، وأفاد بأنه من
علماء أهل السنة. وقد أكثر السيد شهاب الدين أحمد عن النقل عن الصالحاني، وذكر
رواياته مع وصفه بالصفات الجليلة، فمن ذلك قوله: قال الإمام العالم الأديب الأريب
بسجايا المكارم، الملقب بين الأجلة الأئمة الأعلام بمحيي السنة
(هامش)
(1) توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط. (*)
ص 191
وناصر الحديث ومجدد الإسلام، العالم الرباني والعارف السبحاني، سعد الدين أبو حامد،
محمود بن محمد بن حسين بن يحيى الصالحاني، في عباراته الفائقة وإشاراته الرائقة من
كتابه... . وقال: قوله تعالى: *(وكفى الله المؤمنين القتال)* وبالإسناد المذكور،
عن سفيان الثوري، عن زيد بن مرة - وكان مرضيا - قال: كان ابن مسعود رضي الله تعالى
عنه يقرأ هذا الحرف: وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب. وفي رواية الأعمش
عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقرأ هذه الآية التي في
الأحزاب: وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب وكان الله قويا عزيزا. رواهما
الإمام الصالحاني . وقال: عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال قال رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله تعالى من
قبل أن يخلق الله تعالى آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم سلك ذلك النور
في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب، حتى أقره في صلب عبد المطلب،
فقسمه قسمين، قسما في صلب عبد الله وقسما في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه
لحمي ودمه دمي، ومن أحبه فبحبي أحبه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه. وعن جابر رضي الله
تعالى عنه إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم كان بعرفات وعلي كرم الله
وجهه تجاهه، فقال: يا علي أدن مني ضع خمسك في خمسي، يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة
أنا أصلها وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، من تعلق ببعض منها أدخله الله
الجنة. روى الحديث الأول سعد الدين أبو حامد محمود بن محمد الذي سافر
ص 192
ورحل وأدرك المشايخ وسمع وأسمع وصنف في كل فن، وروى عنه خلق كثير، وصحب بالعراق أبا
موسى المديني الإمام ومن في طبقته، بإسناده إلى الإمام الحافظ أبي بكر بن مردويه،
بإسناده مسلسلا مرفوعا. والحديث الثاني إلى الإمام الحافظ الورع أبي نعيم
الإصفهاني. وروى الأول أيضا الإمام شمس الدين محمد بن الحسن بن يوسف الأنصاري
الزرندي المحدث بالحرم الشريف النبوي المحمدي، برواية ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما . وقال في أسماء أمير المؤمنين: ومنها مقيم الحجة، عن ابن مسعود رضي الله
تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم، إنه لما خلق الله تعالى
آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم عليه السلام، فقال عليه السلام: الحمد لله رب
العالمين، فأوحى الله تعالى إليه وبشره بالمغفرة، وفي هذا الحديث: إن الله تعالى
قال: يا آدم، إرفع رأسك فانظر، فرفع رأسه، فإذا مكتوب على العرش لا إله إلا الله
محمد نبي الرحمة، علي مقيم الحجة، ومن عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب،
أقسمت بعزتي وجلالي أن أدخل الجنة من أحبه وإن عصاني، وأقسمت بعزتي وجلالي أن أدخل
النار من عصاه وإن أطاعني. رواه محيي السنة الصالحاني... .
*(20)* رواية ابن طلحة
الشافعي

ورواه كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي حيث قال: من ذلك: ما
رواه الإمام البيهقي في كتابه المصنف في فضائل الصحابة،
ص 193
يرفعه بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في
علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في
عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. فقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي
الله عنه بهذا الحديث علما يشبه علم آدم، وتقوى تشبه تقوى نوح، وحلما يشبه حلم
إبراهيم، وهيبة تشبه هيبة موسى، وعبادة تشبه عبادة عيسى. في هذا تصريح لعلي رضي
الله عنه بعلمه وتقواه وحلمه وهيبته وعبادته، وبعلو هذه الصفات إلى أوج شبهها
بهؤلاء الأنبياء المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، من الصفات المذكورة والمناقب
المعدودة (1). ترجمة ابن طلحة الشافعي وابن طلحة من كبار علماء القوم الأعلام،
وهذه ترجمته: 1 - اليافعي: والكمال محمد بن طلحة، النصيبي، المفتي الشافعي وكان
رئيسا محتشما بارعا في الفقه والخلاف، ولي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه، توفي بحلب
في شهر رجب وقد جاوز السبعين وله دائرة الحروف. قلت: وابن طلحة المذكور لعله الذي
روى السيد الجليل المقدار الشيخ المشكور عبد الغفار صاحب الرواية في مدينة قوص،
أخبرني الرضي بن الأصمع قال: طلعت جبل لبنان، فوجدت فقيرا فقال لي: رأيت البارحة في
المنام قائلا يقول: لله درك يا بن طلحة ماجد * ترك الوزارة عامدا فتسلطنا
(هامش)
(1) مطالب السئول في مناقب آل الرسول: 61. (*)
ص 194
لا تعجبوا من زاهد في زهده * في درهم لما أصاب المعدنا قال: فلما أصبحت ذهبت إلى
الشيخ ابن طلحة، فوجدت السلطان الملك الأشرف على بابه وهو يطلب الإذن عليه، فقعدت
حتى خرج السلطان، فدخلت عليه فعرفته بما قال الفقير، فقال: إن صدقت رؤياه فأنا أموت
إلى أحد عشرة يوما، وكان كذلك. قلت: وقد يتعجب من تعبيره ذلك بموته وتأجيله بالأيام
المذكورة، والظاهر - والله أعلم - أنه أخذ ذلك من حروف بعض كلمات النظم المذكور،
وأظنها - والله أعلم - قوله: أصاب المعدنا، فإنها أحد عشر حرفا، وذلك مناسب من جهة
المعنى، فإن المعدن الذي هو الغنى المطلق والملك المحقق ما يلقونه من السعادة
الكبرى والنعمة العظمى بعد الموت (1). مصادر ترجمة اليافعي وتوجد ترجمة اليافعي
المتوفى سنة 768 في المصادر التالية: 1 - الدرر الكامنة 2 / 247 2 - طبقات الشافعية
الكبرى 6 / 103 3 - النجوم الزاهرة 11 / 93 4 - البدر الطالع 1 / 378 2 - الأسنوي:
أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي، الملقب كمال الدين، كان إماما
بارعا في الفقه والخلاف، عارفا بالأصلين، رئيسا كبيرا معظما، ترسل عن الملوك، وأقام
بدمشق بالمدرسة الأمينية، وأجلسه الملك الناصر صاحب دمشق لوزارته، وكتب تقليده
بذلك، وتنصل
(هامش)
(1) مرآة الجنان - حوادث 652. (*)
ص 195
منه واعتذر ولم يقبل منه، فباشرها يومين ثم ترك أمواله وموجوده وغير ملبوسه وذهب
فلم يعرف موضعه. سمع وحدث، وتوفي في حلب في السابع والعشرين من رجب سنة اثنتين
وستين وخمسمائة، وقد جاوز السبعين، ذكره في العبر (1). ترجمة الأسنوي وقال ابن
قاضي شهبة بترجمة الأسنوي: عبد الرحيم بن الحسن بن علي ابن عمر بن علي بن
إبراهيم، الإمام العلامة، منقح الألفاظ، محقق المعاني، ذو التصانيف المشهورة
المفيدة، جمال الدين، أبو محمد القرشي الأسنوي الأموي المصري. ولد بأسنا في رجب سنة
أربع وسبعمائة، وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع الحديث واشتغل في
أنواع العلوم، وأخذ الفقه عن الزنكلوني والسنباطي والسبكي وجلال الدين القزويني
والوجيزي وغيرهم، وأخذ النحو عن أبي حيان وقرأ عليه التسهيل، قال المذكور في
الطبقات: وكنت أبحث على الشيخ فلان إلى آخر نسبه، ثم قال لي لم أشيخ أحدا في سنك
وأخذ العلوم العقلية عن القونوي والتستري وغيرهما، وانتصب للإقراء والإفادة من سنة
سبع وعشرين، ودرس بالأقبغاوية والملكية والفارسية والفاضلية، ودرس التفسير بجامع
ابن طولون، وولي وكالة بيت المال ثم الحسبة ثم تركها وعزل من الوكالة، وتصدى
للاشتغال والتصنيف، وصار أحد مشايخ القاهرة المشار إليهم، وشرع في التصنيف بعد
الثلاثين. ذكره تلميذه سراج الدين بن الملقن في طبقات الفقهاء وقال: شيخ
(هامش)
(1) طبقات الشافعية 2 / 70. (*)
ص 196
الشافعية ومفتيهم ومصنفهم ومدرسهم، ذو الفنون: الأصول والفقه والعربية وغير ذلك.
وقال الحافظ ولي الدين أبو زرعة في وفياته: اشتغل في العلوم حتى صار أوحد زمانه
وشيخ الشافعية في أوانه، وصنف التصانيف النافعة السائرة كالمهمات، وفي ذلك يقول
والدي من أبيات: أبدت مهماته إذ ذاك رتبته * إن المهمات فيها يعرف الرجل وتخرج به
خلق كثير، وأكثر علماء الديار المصرية طلبته، وكان حسن الشكل، حسن التصنيف، لين
الجانب، كثير الإحسان للطلبة، ملازما للإفادة والتصنيف، وأفرد له الوالد ترجمة وحكى
عنه فيها كشف ظاهر، توفي فجأة في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، ودفن
بتربته بقرب مقابر الصوفية. ومن تصانيفه: جواهر البحرين في تناقض الخبرين، فرغ منه
في سنة خمس وثلاثين، والتنقيح على التصحيح فرغ منه في سنة سبع وثلاثين، وشرح
المنهاج للبيضاوي وهو أحسن شروحه وأنفعها فرغ منه في آخر سنة أربعين، والهداية في
أوهام الكفاية فرغ منه سنة ست وأربعين، والمهمات فرغ منها سنة ستين، والتمهيد فرغ
منه سنة ثمان وستين، وطبقات الفقهاء فرغ منه سنة تسع وستين، وطراز المحافل في ألغاز
المسائل فرغ منه في سنة سبعين. ومن تصانيفه أيضا: كافي المحتاج في شرح منهاج النووي
في ثلاث مجلدات وصل فيه إلى المساقاة، وهو شرح حسن مفيد منقح أنفع شروح المنهاج،
والكوكب الدري في تخريج مسائل الفقه على النحو، وتصحيح التنبيه، والفتاوي الحموية.
هذه تصانيفه المشهورة. وله اللوامع والبوارق والجوامع والفوارق، ومسودة في الأشباه
والنظائر،
ص 197
وشرح عروض ابن الحاجب، وقطعة من مختصر الشرح الصغير، قيل إنه وصل فيه إلى البيع،
وشرح التنبيه كتب منه نحو مجلد، وكتاب البحر المحيط كتب منه مجلدا (1). وتوجد
ترجمة الأسنوي في مصادر مهمة: كالدرر الكامنة للحافظ ابن حجر 2 / 354 وحسن المحاضرة
للحافظ السيوطي 1 / 242 3 - ابن قاضي شهبة: محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن، الشيخ
كمال الدين، أبو سالم الطوسي القرشي العدوي النصيبي، صنف كتاب العقد الفريد، أحد
الصدور والرؤساء المعظمين، ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وتفقه وشارك في
العلوم، وكان فقيها بارعا عارفا بالمذهب والأصول والخلاف، ترسل عن الملوك وساد
وتقدم، وسمع الحديث، وحدث ببلاد كثيرة في سنة ثمان وأربعين وستمائة، كتب له التقليد
بالوزارة فاعتذر وتنصل فلم يقبل منه، فتولاها يومين ثم انسل خفية، وترك الأموال
والموجود، ولبس ثوبا قطنيا وذهب فلم يدر أين ذهب. وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف
والأوفاق، وأنه يستخرج من ذلك أشياء من المغيبات، وقيل إنه رجع عنه. قال السيد عز
الدين: أفتى وصنف وكان أحد العلماء المشهورين والرؤساء المذكورين، وتقدم عند الملوك
وترسل عنهم، ثم تزهد في آخر عمره وترك التقدم في الدنيا، وأقبل على ما يعنيه، ومضى
على سداد وأمر جميل. توفي بحلب في رجب سنة 652 ودفن بالمقام (2).
(هامش)
(1) طبقات الشافعية 3 / 132. (2) طبقات الشافعية 2 / 153. (*)
ص 198
مصادر ترجمة ابن قاضي شهبة وتوجد ترجمة ابن قاضي شهبة الأسدي المتوفى سنة 851 قاضي
القضاة، صاحب (طبقات الشافعية) في المصادر التالية: 1 - الضوء اللامع 11 / 21 2 -
البدر الطالع 1 / 164 3 - شذرات الذهب 7 / 269 اعتبار كتاب مطالب السئول هذا، وقد
نقلوا عن كتاب (مطالب السئول) واعتمدوا عليه، واصفين مؤلفه ابن طلحة بالأوصاف
الجليلة: فقد نقل عنه الحافظ الكنجي واصفا ابن طلحة: شيخنا حجة الإسلام، شافعي
الزمان (1). وقال البدخشاني: قال الشيخ العالم محمد بن طلحة الشافعي... (2).
وقد أكثر صاحب (تفسير شاهي) الذي هو من التفاسير المشهورة المتداولة بين العلماء في
بلاد الهند، من النقل عن (مطالب السئول).
(هامش)
(1) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 231. (2) مفتاح النجا في مناقب آل
العبا - مخطوط. (*)
ص 199
*(21)* رواية الكنجي الشافعي

ورواه الحافظ الكنجي الشافعي في كتابه (كفاية الطالب
في مناقب علي ابن أبي طالب) في باب خاص به حيث قال: الباب الثالث والعشرون - في
تشبيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب بآدم في علمه، وأنه شبهه بنوح
في حكمته، وشبهه بإبراهيم خليل الرحمن في حلمه: أخبرنا أبو الحسن بن المقير
البغدادي - بدمشق سنة أربع وثلاثين وستمائة - عن المبارك بن الحسن الشهرزوري،
أخبرنا أبو القاسم بن البسري، أخبرنا أبو عبد الله العكبري، أخبرنا أبو ذر أحمد بن
محمد الباغندي، حدثنا أبي، عن مسعر بن يحيى النهدي، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن
أبيه، عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في جماعة من
أصحابه، إذ أقبل علي، فلما بصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أن
ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى علي بن
أبي طالب. قلت: تشبيهه لعلي بآدم في علمه، لأن الله علم آدم صفة كل شيء، ولا حادثة
ولا واقعة إلا وعند علي فيها علم، وله في استنباط معناها فهم. وشبهه بنوح في حكمته
- وفي رواية: حكمه، وكأنه أصح - لأن عليا كان شديدا على الكافرين رؤوفا بالمؤمنين،
كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله: *(والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)*
وأخبر الله عز وجل عن جرأة نوح على الكافرين بقوله: *(لا تذر على الأرض من الكافرين
ديارا)* وشبهه في