ص 53
الفصل الثالث: في دفع شبهات المخالفين

وحينئذ يأتي دور النظر في شبهات المخالفين،
ولما كان هذا الاستدلال من أقوى أدلة أصحابنا على إمامة أمير المؤمنين، لكونه
مستندا إلى الكتاب والسنة الثابتة المقبولة لدى الفريقين، فقد بذلوا أقصى جهودهم
للرد عليه. وقد اشترك في الرد على هذا الاستدلال المعتزلة والأشاعرة، وقد ظهر لدى
التحقيق أن الأصل في عمدة شبهاتهم في المقام هم المعتزلة، والأشاعرة عيال عليهم
وتبع لهم. * فلنورد أولا ملخص كلام القاضي عبد الجبار المعتزلي في الاعتراض على
الاستدلال بالآية، فإنه قال: إعلم أن المتعلق بذلك لا يخلو من أن يتعلق بظاهره أو
بأمور تقارنه، فإن تعلق بظاهره فهو غير دال على ما ذكر، وإن تعلق بقرينة فيجب أن
يبينها، ولا قرينة من إجماع أو خبر مقطوع به. فإن قيل: ومن أين أن ظاهره لا يدل على
ما ذكرناه؟ قيل له: إنه تعالى ذكر الجمع، فكيف يحمل على واحد معين؟ وقوله: *(ويؤتون
الزكاة وهم راكعون)* لو ثبت أنه لم يحصل إلا لأمير المؤمنين، لم يوجب أنه المراد
بقوله: *(والذين آمنوا)* ولأن صدر الكلام إذا كان عاما لم يجب تخصيصه لأجل تخصيص
الصفة. ومن أين أن المراد بقوله: *(يؤتون الزكاة وهم راكعون)* ما زعموه دون أن يكون
المراد به أنهم يؤتون الزكاة وطريقتهم التواضع والخضوع. وليس من المدح إيتاء الزكاة
مع الاشتغال بالصلاة، لأن الواجب في الراكع أن يصرف همته ونيته إلى ما هو فيه ولا
يشتغل بغيره. قال شيخنا أبو هاشم يجب أن يكون المراد
ص 54
بذلك: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة الواجبتين دون النفل... والذي فعله أمير
المؤمنين كان من النفل... فإن صح أنه المختص بذلك، فمن أين أنه يختص بهذه الصفة في
وقت معين ولا ذكر للأوقات فيه، وقد علمنا أنه لا يصح أن يكون إماما مع الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم، فلا يصح التعلق بظاهره، ومتى قيل: إنه إمام من بعد في بعض
الأحوال، فقد زالوا عن الظاهر، وليسوا بذلك أولى ممن يقول: إنه إمام في الوقت الذي
ثبت أنه إمام فيه. هذا لو سلمنا أن المراد بالولي ما ذكروه، فكيف وذلك غير ثابت،
فلا بد من أن يكون محمولا على تولي النصرة في باب الدين، وذلك مما لا يختص
بالإمامة، ولذلك قال من بعد *(ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم
الغالبون)*. وقد ذكر شيخنا أبو علي أنه قيل إنها نزلت في جماعة من أصحاب النبي...
والذين وصفهم في هذا الموضع بالركوع والخضوع هم الذين وصفهم من قبل بأنه يذل
المرتدين بهم بقوله: *(فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين)*
وأراد به طريقة التواضع *(أعزة على الكافرين...)*. وقد روي أنها نزلت في عبادة بن
الصامت... (1). أقول: أولا: هذا الكلام قد رد عليه بالتفصيل في كتاب (الشافي)
و(الذخيرة) و(تلخيص الشافي).
(هامش)
(1) المغني في الإمامة ج 20 ق 1 / 133. (*)
ص 55
وثانيا: لك أن تقارن بين هذا الكلام وبين كلمات المتأخرين عنه من الأشاعرة. *
فالفخر الرازي، إذا راجعت كلامه في (تفسيره) (1) وجدته عيالا على القاضي المعتزلي،
إذ كرر هذه الشبهات من غير أن يشير إلى أجوبة السيد المرتضى وغيره عليها!! *
والقاضي العضد الإيجي أجاب قائلا: والجواب: أن المراد هو الناصر، وإلا دل على
إمامته حال حياة الرسول، ولأن ما تكرر فيه صيغ الجمع كيف يحمل على الواحد، ولأن ذلك
غير مناسب لما قبلها وما بعدها (2). * والسعد التفتازاني أجاب: ما قبل الآية
شاهد صدق على أنه لولاية المحبة والنصرة دون التصرف والإمامة، ووصف المؤمنين يجوز
أن يكون للمدح دون التخصيص، ولزيادة شرفهم واستحقاقهم *(وهم راكعون)* يحتمل العطف
أو يخضعون، وظاهر الكلام ثبوت الولاية بالفعل، وفي الحال ولم يكن حينئذ ولاية
التصرف والإمامة، وصرفه إلى المآل لا يستقيم في الله ورسوله، وحمل صيغة الجمع على
الواحد إنما يصح بدليل، وخفاء الاستدلال بالآية على الصحابة عموما وعلى علي خصوصا
في غاية البعد (3). * والآلوسي (4)، انتحل كلام شاه عبد العزيز الدهلوي صاحب
(التحفة الاثني عشرية) بطوله، من غير أن يذكره أصلا، بل عزا كلام الدهلوي إلى أهل
السنة، قائلا: وقد أجاب أهل السنة... وسيأتي البحث مع الدهلوي إن شاء الله تعالى.
(هامش)
(1) تفسير الرازي: 11 / 25. (2) شرح المواقف 8 / 360. (3) شرح المقاصد 5 / 269. (4)
روح المعاني 6 / 168. (*)
ص 56
* وابن تيمية، وجد أن لا مناص ولا خلاص إلا بتكذيب أصل القضية، فقال: وقد وضع بعض
الكذابين حديثا مفترى: إن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة. وهذا
كذب بإجماع أهل العلم بالنقل (1). قال: أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل
في علي بخصوصه، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على
أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع (2). قال: جمهور الأمة لم تسمع هذا
الخبر (3). * وابن روزبهان، لم يكذب الخبر، وإنما ناقش في معنى الولاية
فحملها على النصرة وتمسك بالسياق، وهذان وجهان من الوجوه المذكورة في كلام
القاضي المعتزلي. * وعبد العزيز الدهلوي - الذي انتحل كلامه الآلوسي في (تفسيره)
وتبعه صاحب (مختصر التحفة الاثني عشرية) - أجاب عن الاستدلال أولا: بالإجمال،
وحاصله النقض بإمامة سائر أئمة أهل البيت عليهم السلام، قال: إن هذا الدليل كما
يدل على نفي إمامة الأئمة المتقدمين كما قرر، يدل كذلك على سلب الإمامة عن
المتأخرين بذلك التقرير بعينه، فلزم أن السبطين ومن بعدهما من الأئمة الأطهار لم
يكونوا أئمة، فلو كان استدلال الشيعة هذا يصح لفسد تمسكهم بهذا الدليل، إذ لا يخفى
أن حاصل هذا الاستدلال بما يفيد في مقابلة أهل السنة مبني على كلمة الحصر، والحصر
كما يضر أهل السنة يكون
(هامش)
(1) منهاج السنة 2 / 30. (2) منهاج السنة 7 / 11. (3) منهاج السنة 7 / 17. (*)
ص 57
مضرا للشيعة أيضا، فإن أجابوا عن النقض بأن المراد حصر الولاية في الأمير كرم الله
وجهه في بعض الأوقات، أعني وقت إمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي الله
تعالى عنهم. قلنا: فمرحبا بالوفاق. وأجاب عن الاستدلال ثانيا بالتفصيل، وهو في
وجوه: الأول: إنا لا نسلم الإجماع على نزول الآية في الأمير، فروى أبو بكر النقاش
صاحب التفسير المشهور عن محمد الباقر رضي الله تعالى عنه أنها نزلت في المهاجرين
والأنصار، فقيل: قد بلغنا - أو: يقول الناس - أنها نزلت في علي كرم الله تعالى
وجهه، فقال: هو منهم، وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنها نزلت في شأن أبي بكر.
وأما نزولها في حق علي ورواية قصة السائل وتصدقه عليه في حال الركوع فإنما هو
للثعلبي فقط، وهو متفرد به، ولا يعد المحدثون من أهل السنة روايات الثعلبي قدر
شعيرة ولقبوه ب حاطب ليل فإنه لا يميز بين الرطب واليابس، وأكثر رواياته في
التفسير عن الكلبي (1) عن أبي صالح، وهي أوهى ما يروى في التفسير عندهم. وقال
القاضي شمس الدين ابن خلكان في حال الكلبي إنه كان من أتباع عبد الله بن سبأ...
وينتهي بعض روايات الثعلبي إلى محمد بن مروان السدي الصغير، وهو كان رافضيا غاليا..
والثاني: إنا لا نسلم أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها تصرفا
عاما، بل المراد به الناصر، وهو مقتضى السياق. والثالث: إنه لو سلم أن المراد ما
ذكروه، فلفظ الجمع عام أو مساو له، كما ذكره المرتضى في الذريعة وابن المطهر في
النهاية، والعبرة لعموم اللفظ لا
(هامش)
(1) تصحف الكلبي إلى الكليني في مختصر التحفة الاثني عشرية. (*)
ص 58
لخصوص السبب، وليست الآية نصا في كون التصدق واقعا في حال ركوع الصلاة، لجواز أن
يكون الركوع بمعنى التخشع والتذلل، لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع، وليس حمل
الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على
مثل ذلك التصدق، وهو لازم على مدعى الإمامية قطعا. وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدس
سره عن أصل الاستدلال، بأن الدليل قام في غير محل النزاع، وهو كون علي كرم الله
تعالى وجهه إماما بعد رسول الله من غير فصل، لأن ولاية الذين آمنوا على زعم
الإمامية غير مرادة في زمان الخطاب، لأن ذلك عهد النبوة والإمامة نيابة، فلا تتصور
إلا بعد انتقال النبي، وإذا لم يكن زمان الخطاب مرادا تعين أن يكون المراد الزمان
المتأخر عن زمن الانتقال، ولا حد للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير بعد مضي
زمان الأئمة الثلاثة، فلم يحصل مدعى الإمامية. (قال): ولو تنزلنا عن هذه كلها لقلنا
إن هذه الآية معارضة بالآيات الناصة على خلافة الخلفاء الثلاثة (1).
(هامش)
(1) التحفة الإثنا عشرية: 198، وانظر مختصر التحفة الاثني عشرية: 157 وقارن بتفسير
الآلوسي: روح المعاني 6 / 167 - 169. (*)
ص 59
النظر في هذه الكلمات ودفع الشبهات أقول: إن أهم هذه الشبهات المتخذة في الأغلب من
المعتزلة - كما يظهر بالمقارنة - ما يلي: 1 - لا إجماع على نزول الآية في علي
وتصدقه إدعاه القاضي المعتزلي وتبعه جمع من الأشاعرة كالرازي، بل زعم أن أكثر
المفسرين زعموا أنه في حق الأمة (1). والجواب: إن الإمامية إنما يستدلون بإجماع
المفسرين من أهل السنة، على نزول الآية المباركة في قضية أمير المؤمنين عليه
السلام، اعتمادا على إقرار غير واحد من أكابر القوم بذلك: اعتراف القاضي العضد
فمنهم: القاضي عضد الدين الإيجي (2)، المتوفى سنة 756، في كتابه المشهور: المواقف
في علم الكلام (3)، فقد قال في معرض الاستدلال بالآية:
(هامش)
(1) تفسير الرازي 11 / 25. (2) وصفوه بتراجمه بأوصاف ضخمة: قاضي قضاة الشرق و
شيخ العلماء و شيخ الشافعية قالوا: كان إماما في المعقولات، محققا، مدققا،
قائما بالأصول والمعاني والعربية، مشاركا في الفقه وغيره من الفنون .. أنجب
تلاميذ اشتهروا في الآفاق . الدرر الكامنة 2 / 3 / 32، البدر الطالع 1 / 326،
شذرات الذهب 6 / 174، طبقات الشافعية - للأسنوي - 2 / 179، بغية الوعاة: 296. (3)
قال في كشف الظنون 2 / 1891: المواقف في علم الكلام، وهو كتاب جليل القدر، رفيع
الشأن، = (*)
ص 60
وأجمع أئمة التفسير أن المراد علي (1). اعتراف الشريف الجرجاني ومنهم: الشريف
الجرجاني (2)، المتوفى سنة 816، فقد قال بشرح المواقف (3). وقد أجمع أئمة التفسير
على أن المراد ب: *(الذين يقيمون الصلاة)* إلى قوله تعالى: *(وهم راكعون)* علي،
فإنه كان في الصلاة راكعا، فسأله سائل فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية (4).
(هامش)
= اعتنى به الفضلاء، فشرحه السيد الشريف، وشرحه شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني...
ثم ذكر الشروح والحواشي عليها.. قال: وهي كثيرة جدا . وقال الشوكاني - بترجمة
الإيجي: له: المواقف في علم الكلام ومقدماته، وهو كتاب يقصر عنه الوصف، لا يستغني
عنه من رام تحقيق الفن . ولاحظ أيضا كلمات الشريف الجرجاني في وصف المواقف في
مقدمة شرحه. (1) المواقف في علم الكلام: 405. (2) وصفوه ب: عالم بلاد الشرق ..
كان علامة دهره .. صار إماما في جميع العلوم العقلية وغيرها، متفردا بها،
مصنفا في جميع أنواعها، متبحرا في دقيقها وجليلها، وطار صيته في الآفاق، وانتفع
الناس بمصنفاته في جميع البلاد، وهي مشهورة في كل فن، يحتج بها أكابر العلماء
وينقلون منها، ويوردون ويصدرون عنها فذكروا فيها شرح المواقف. انظر: الضوء اللامع
5 / 328، البدر الطالع 1 / 488، الفوائد البهية: 125، بغية الوعاة: 351، مفتاح
السعادة 1 / 167، وغيرها. (3) انظر: كشف الظنون 2 / 1891. (4) شرح المواقف في علم
الكلام 8 / 360. (*)
ص 61
اعتراف التفتازاني ومنهم: سعد الدين التفتازاني (1) المتوفى سنة 793، فقد قال في
شرح المقاصد (2): نزلت باتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين
أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته (3). اعتراف القوشجي ومنهم: القوشجي
السمرقندي، وهو: علاء الدين علي بن محمد الحنفي، المتوفى سنة 879. قال قاضي القضاة
الشوكاني بترجمته: علي بن محمد القوشجي. بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين
المعجمة بعدها جيم وياء النسبة، ومعنى هذا اللفظ بالعربية: حافظ البازي، وكان أبوه
من خدام ملك ما وراء النهر يحفظ البازي.
(هامش)
(1) قال الحافظ ابن حجر: الإمام العلامة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان
والأصلين والمنطق وغيرها، أخذ عن القطب والعضد، وتقدم في الفنون، واشتهر ذكره وطار
صيته، وانتفع الناس بتصانيفه، وكان في لسانه لكنة، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق
الدرر الكامنة 4 / 350. وكذا قال السيوطي وابن العماد والشوكاني وأضاف:
وبالجملة، فصاحب الترجمة متفرد بعلومه في القرن الثامن، لم يكن له في أهله نظير
فيها، وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم ما لا يلحق به غيره،
ومصنفاته قد طارت في حياته إلى جميع البلدان، وتنافس الناس في تحصيلها... البدر
الطالع 2 / 303، بغية الوعاة: 391، شذرات الذهب 6 / 319. (2) ذكره صاحب كشف الظنون
2 / 1780 فقال: المقاصد في علم الكلام... وله عليه شرح جامع ثم ذكر بعض الحواشي
عليه. (3) شرح المقاصد في علم الكلام 5 / 170. (*)
ص 62
قرأ على علماء سمرقند ثم رحل إلى الروم، وقرأ على القاضي زاده الرومي ثم رحل إلى
بلاد كرمان فقرأ على علمائها وسود هنالك شرحه للتجريد... ولما قدم قسطنطينية أول
قدمة تلقاه علماؤها... وله تصانيف منها شرح التجريد الذي تقدمت الإشارة إليه وهو
شرح عظيم سائر في الأقطار كثير الفوائد... وهو من مشاهير العلماء (1). وذكر شرحه
على التجريد في كشف الظنون، حيث قال تحت عنوان تجريد الكلام: وهو كتاب مشهور
اعتنى عليه الفحول، وتكلموا فيه بالرد والقبول، له شروح كثيرة وحواش عليها إلى أن
قال: ثم شرح المولى المحقق علاء الدين علي بن محمد الشهير بقوشجي - المتوفى سنة
879 - شرحا لطيفا ممزوجا... وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد ، ثم ذكر كلامه في
ديباجته، ثم قال: وإنما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن، وفضل الشرح والشارح ،
ثم ذكر الحواشي على هذا الشرح الجديد، بما يطول ذكره، فراجع (2). وهذه عبارة
القوشجي في نزول الآية المباركة: وبيان دلالتها على الإمامة لأمير المؤمنين: بيان
ذلك: إنها نزلت باتفاق المفسرين في حق علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو
راكع في صلاته... ثم إنه - وإن حاول المناقشة في الاستدلال - لم ينكر اتفاق
المفسرين على نزولها في الإمام عليه السلام، فراجع (3).
(هامش)
(1) البدر الطالع 1 / 495 - 496. (2) كشف الظنون 1 / 348 - 350. (3) شرح تجريد
الاعتقاد: 368. (*)
ص 63
هذا، ومن ناحية أخرى، فقد نص الشهاب الآلوسي على أن هذا القول عليه غالب
الأخباريين (1). فإذا كان هذا القول عليه إجماع المفسرين و غالب الأخباريين
- بغض النظر عن صحة غير واحد من أسانيد الخبر، حتى أن مثل ابن كثير قد اعترف بقوة
بعض وسكت عن القدح في بعض ما أورد منها - فأي وقع لإنكار مثل الدهلوي الهندي؟! فضلا
عن تكذيب مثل ابن تيمية لأصل الخبر، ودعوى أن جمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر؟! وأنه
أجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع. وبهذا يظهر
سقوط التمسك بمخالفة مثل عكرمة الخارجي - على فرض صحة النسبة - مع ما سيأتي في
ترجمة هذا الرجل في آية المباهلة. وأيضا: لا قيمة لنقل مثل النقاش، مضافا إلى
تكلمهم فيه وفي تفسيره، كما لا يخفى على المطلع الخبير!! 2 - إن القول بنزولها في
حق علي للثعلبي فقط وهو متفرد به والجواب: إن هذا لا يصدر إلا من متعصب شقي أو جاهل
غبي، وهو عبد العزيز الدهلوي، الملقب عندهم ب علامة الهند !! فإن لهذا الرجل في
هذا المقطع من كلامه كذبات، منها: 1 - إن هذا القول للثعلبي فقط وهو متفرد به. فإن
الثعلبي وفاته سنة (427) وقد روى الخبر قبله عدد كبير من الأئمة، ذكرنا أسمائهم في
الفصل الأول، بل عليه إجماع المفسرين كما عرفت. 2 - إن المحدثين يلقبونه بحاطب ليل.
فإن المحدثين لا يلقبونه بهذا
(هامش)
(1) روح المعاني 6 / 168. (*)
ص 64
اللقب، بل الذي لقبه بذلك هو ابن تيمية في منهاج السنة، عند إنكار فضائل علي وأهل
البيت عليهم السلام. 3 - أكثر روايات الثعلبي في التفسير عن الكلبي عن أبي صالح،
وهي أوهى ما يروى في التفسير عندهم. فقد حققنا في بعض بحوثنا أن روايات الكلبي في
التفسير مخرجة في غير واحد من الصحاح، وأن رواياتهم عن الكلبي عن أبي صالح موجودة
بكثرة في الكتب المعروفة المشتهرة، وليست أوهى ما يروى في التفسير عند جمهور
علمائهم. وبعد، فإن رواية الثعلبي نزول الآية المباركة في حق أمير المؤمنين عليه
السلام المتقدمة في الفصل الأول، ليست لا عن الكلبي عن أبي صالح، ولا عن السدي
الكبير أو الصغير!! هذا، وأما وجود الرطب واليابس في تفسير الثعلبي فأمر ثابت،
وكذلك سائر تفاسير القوم وأسفارهم الحديثية، حتى الملقبة عندهم بالصحاح... وهذه
جملة من مصادر ترجمة الثعلبي والثناء عليه، أذكرها لتراجع: وفيات الأعيان 1 / 79،
معجم الأدباء 5 / 36، تذكرة الحفاظ 3 / 1090، المختصر في أخبار البشر 2 / 160،
الوافي بالوفيات 7 / 307، مرآة الجنان 3 / 46، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4 /
58، البداية والنهاية 12 / 40، النجوم الزاهرة 4 / 283، طبقات المفسرين 1 / 65.
وأكتفي بنقل كلام القاضي ابن خلكان - الذي اعتمده في ترجمة الكلبي - فإنه قال:
كان أوحد زمانه في علم التفسير، وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير،
وله كتاب العرائس... وقال أبو القاسم القشيري: رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو
يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه: أقبل الرجل الصالح،
فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل. وذكره عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق
تاريخ نيسابور وأثنى
ص 65
عليه وقال: هو صحيح النقل موثوق به، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ، توفي سنة 427.
وقال غيره: سنة 437 (1). فهذه ترجمته عند القاضي ابن خلكان، ولا تجد فيها إلا
المدح والثناء، وحتى من الله جل جلاله! وقد جاءت هذه الكلمات وأمثالها في حق الرجل
في سائر التراجم، لكنا اكتفينا بكلام القاضي ابن خلكان إلزاما واحتجاجا على الدهلوي
الذي استند إلى كلامه بترجمة الكلبي. 3 - المراد من الولاية فيها هو النصرة بقرينة
السياق ادعاه القاضي المعتزلي وتبعه من الأشاعرة ابن روزبهان والرازي وغيرهما.
والجواب: إنه قد أقمنا الأدلة المتقنة والبراهين الصادقة على أن لفظة وليكم في
حديث: علي مني وأنا من علي وهو وليكم من بعدي الذي هو من أصح الأخبار وأثبتها،
هي بمعنى الأولى بكم ، فكذلك هذه اللفظة في الآية المباركة، بل ذلك هنا أوضح
وأولى، لعطف الولي و النبي على ذات الباري تعالى، ومن المعلوم أن الولاية
الثابتة له عز وجل هي الولاية العامة المطلقة. وأما السياق، فإنه لا يقاوم النص،
على ما تقرر عند العلماء المحققين، فاستدلال بعضهم كالفخر الرازي به مردود هذا
أولا. وثانيا: إنه قد فصل بين الآية والآية التي يزعمون وحدة السياق معها آيات أخر،
فلا سياق أصلا، فراجع.
(هامش)
(1) وفيات الأعيان 1 / 61. (*)
ص 66
4 - مجئ الآية بصيغة الجمع، وحملها على الواحد مجاز ذكره القاضي عبد الجبار وتبعه
غيره كالرازي وأضاف: إنه تعالى ذكر المؤمنين الموصوفين في هذه الآية بصيغة الجمع في
سبعة مواضع: *(والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)* وحمل
ألفاظ الجمع وإن جاز على الواحد على سبيل التعظيم لكنه مجاز لا حقيقة، والأصل حمل
الكلام على الحقيقة. والجواب: إن مقتضى النص الصحيح، القائم عليه الإجماع من
المفسرين وغيرهم، وهو المتفق عليه بين الطرفين، هو حمل الصيغة هذه على الواحد
المعين، وهو أمير المؤمنين عليه السلام، ولكن لا بد لإتيان الآية بصيغة الجمع من
نكتة. قال الزمخشري: فإن قلت: كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه - واللفظ لفظ
جماعة؟ قلت: جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحدا، ليرغب الناس في مثل
فعله، فينالوا مثل نواله، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية
من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم
في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها (1). واختار بعض المفسرين من أصحابنا
كالطبرسي صاحب (مجمع البيان في تفسير القرآن) (2) أن النكتة هي التعظيم، وهو ما
أشار إليه الرازي في كلامه المذكور.
(هامش)
(1) الكشاف 1 / 649. (2) مجمع البيان 3 / 211. (*)
ص 67
والسيد شرف الدين العاملي ذهب إلى أن النكتة هي أنه لو جاءت الآية بلفظ المفرد، فإن
شانئي علي وأهل البيت وسائر المنافقين لا يطيقون أن يسمعوها كذلك، وإذ لا يمكنهم
حينئذ التمويه والتضليل، فيؤدي ذلك إلى التلاعب بألفاظ القرآن وتحريف كلماته أو نحو
ذلك مما يخشى عواقبه على الإسلام (1). هذا، وقد ذكر صاحب الغدير طاب ثراه طائفة من
الآيات الواردة بصيغة الجمع والمقصود بها الآحاد، استنادا إلى تفاسير القوم
وأحاديثهم، فراجع (2). 5 - الولاية بمعنى الأولوية بالتصرف غير مرادة في زمان
الخطاب وهذا ما ذكره القاضي المعتزلي، وأخذه غير واحد من الأشاعرة، كالدهلوي
والآلوسي والتفتازاني، فليكن المراد بعد عثمان. وقد أجاب عنه السيد المرتضى وغيره
من أعلام الطائفة. قال شيخ الطائفة: إنا قد بينا أن المراد بلفظ ولي فرض
الطاعة والاستحقاق للتصرف بالأمر والنهي، وهذا ثابت له في الحال، وإذا كان المراد
به الحال، فليس بمقصور عليها، وإنما يقتضي الحال وما بعدها من سائر الأحوال، وإذا
كان الأمر على ذلك فنحن نخرج حال حياة النبي بدلالة الإجماع، وتبقى سائر الأحوال
على موجب الآية، وليس هناك دليل يخرج أيضا ما بعد النبي عليه وآله الصلاة والسلام
ويرده إلى ما بعد عثمان، ولأن كل من أثبت بهذه الآية الإمامة أثبتها بعد وفاة النبي
بلا فصل، ولم يقل في الأمة أحد إن المراد بالآية
(هامش)
(1) المراجعات: 263. (2) الغدير 6 / 231 - 238. الطبعة الحديثة المحققة. (*)
ص 68
الإمامة وأثبتها بعد عثمان (1). 6 - إن التصدق في أثناء الصلاة ينافي الصلاة وهذا
أيضا ذكره القاضي المعتزلي وتبعه عليه القوم. إلا أن الآلوسي أجاب عن هذه الشبهة
بقوله: بلغني أنه قيل لابن الجوزي: كيف تصدق علي بالخاتم وهو في الصلاة... فأنشأ
يقول: يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته * عن النديم ولا يلهو عن الناس أطاعه سكره حتى
تمكن من * فعل الصحاة فهذا واحد الناس (2) وقد سبق إلى الاستشهاد بالبيتين: السيد
الشهيد التستري في (إحقاق الحق) (3) ونسبهما إلى بعض الأصحاب. والله العالم. أقول:
هذه عمدة شبهاتهم في المقام، والعمدة في الجواب عنها هو النص الصحيح المقبول بين
الطرفين، فلا مجال بعده لتلك الشبهات، ولا لغيرها، من قبيل احتمال حمل الواو في
*(وهم راكعون)* على العطف، أو احتمال حمل الركوع على الخضوع أو دعوى أن
الزكاة إنما تقال للزكاة الواجبة، والذي فعله أمير المؤمنين كان نفلا، أو دعوى أن
لازم الاستدلال بالآية عن طريق إفادتها الحصر على بطلان إمامة من تقدمه، هو بطلان
إمامة الأئمة من ولده، فإنها جهل أو تجاهل من مدعيها، لأنه لا يقول بإمامة أئمة
العترة على كل
(هامش)
(1) تلخيص الشافي 2 / 44 - 45. (2) روح المعاني 6 / 169. (3) إحقاق الحق وإزهاق
الباطل 2 / 414 مع اختلاف قليل في اللفظ. (*)
ص 69
تقدير، أما الإمامية، فإنهم يبطلون إمامة من تقدم على أمير المؤمنين بهذه الآية،
ولهم أدلتهم على إمامة سائر الأئمة من الكتاب والسنة وغيرهما، على أن البحث هو بين
إمامة علي وإمامة أبي بكر، وإمامة الأئمة بعد علي فرع على إمامته، كما أن إمامة عمر
وعثمان ومعاوية ويزيد... تتفرع على إمامة أبي بكر، فإذا ثبتت إمامة علي من الآية،
ثبتت الإمامة في ولده، وبطلت إمامة أبي بكر وكل إمامة متفرعة على إمامته. والحقيقة
- كما ذكرنا من قبل - إن هذه الآية ونزولها في هذه القضية، من أقوى الأدلة على
إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، ولذا فقد اضطرب القوم تجاهها، واختلفت كلماتهم في
رد الاستدلال بها، وبذلوا أقصى جهودهم في الجواب، ولكنهم لم يفلحوا فازدادوا بعدا
عن نهج الحق وطريق الصواب، فلا الآية يمكن تكذيبها، ولا الحديث الوارد في
تفسيرها... والحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله الطاهرين.
ص 71
آية التطهير

ص 73
قوله تعالى *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*(1) وهذه
آية التطهير. وقد استدل بها أصحابنا - تبعا لأئمة العترة الطاهرة - على عصمة أهل
البيت ومن ثم فهي من أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الطاهرين بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد كابر بشأنها الخوارج، والنواصب، والمخالفون
ل أهل البيت منذ اليوم الأول، وإلى يومنا هذا... ولذا كانت هذه الآية موضع
البحث والتحقيق، والأخذ والرد، وكتبت حولها الكتب والدراسات الكثيرة (2). ونحن نذكر
وجه الاستدلال، ولينظر الناظرون هل هو ضمن دائرة التمسك بالكتاب والسنة.. أو لا؟!
وهذه هي الأقوال في المسألة نقلا عن أحد المتعصبين ضد الشيعة الإمامية: وفي
المراد بأهل البيت هاهنا ثلاثة أقوال: أحدهما: أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه
وسلم، لأنهن في بيته. رواه
(هامش)
(1) سورة الأحزاب 33: 33. (2) ولنا فيها كتاب ردا على كتيب للدكتور علي أحمد
السالوس، أسماه: آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء صدر بعنوان مع
الدكتور السالوس في آية التطهير وهناك التفصيل الأكثر. (*)
ص 74
سعيد بن جبير عن ابن عباس. وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكد هذا القول أن
ما قبله وما بعده متعلق بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى أرباب هذا القول
اعتراض، وهو: إن جمع المؤنث بالنون فكيف قيل (عنكم) و(يطهركم)؟ فالجواب: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيهن فغلب المذكر. والثاني: إنه خاص في: رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين. قاله أبو سعيد الخدري، وروي عن: أنس
وعائشة وأم سلمة نحو ذلك. والثالث: إنهم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه،
قاله الضحاك (1). فهذه عبارة الحافظ ابن الجوزي.. فالقائل باختصاص الآية بالرسول
وبضعته ووصيه وسبطيه عليهم الصلاة والسلام، هم جماعة من الصحابة، وعلى رأسهم: أم
سلمة وعائشة... من زوجاته... وعلى رأس القائلين بكونها خاصة بالأزواج: عكرمة
البربري... لما سيأتي من أن ابن عباس من القائلين بالقول الثاني. أما القول الثالث
فلم يحكه إلا عن الضحاك! فمن هم أصحاب الآراء الصحيحة ؟! ومن هم أصحاب البدع
والأهواء ؟! ولماذا أعرض الذين ادعوا أنهم كانوا تابعين لما تدل عليه معاني
القرآن
(هامش)
(1) زاد المسير في علم التفسير - للحافظ ابن الجوزي، المتوفى سنة 597 - 6 / 381 -
382. (*)
ص 75
الكريم، موضحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأمة وعلماؤها، وكما فسرها الرسول
صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان عن قول أم سلمة وعائشة وجماعة
من كبار الصحابة ومشاهيرهم - كما سيجئ - وأخذوا بقول عكرمة الذي ستعرفه،
وأمثاله؟! وأما تفصيل المطلب، ففي فصول:
ص 76
الفصل الأول: في تعيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا المراد من أهل
البيت

فقد أخرج جماعة من كبار الأئمة والحفاظ والأئمة حديث الكساء، الصريح في
اختصاص الآية المباركة بالرسول وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام، عن عشرات
من الصحابة: من الصحابة الرواة لحديث الكساء ونحن نذكر عدة منهم فقط: 1 - عائشة بنت
أبي بكر. 2 - أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 3 - عبد الله بن
العباس. 4 - سعد بن أبي وقاص. 5 - أبو الدرداء. 6 - أنس بن مالك. 7 - أبو سعيد
الخدري. 8 - واثلة بن الأسقع. 9 - جابر بن عبد الله الأنصاري. 10 - زيد بن أرقم.
ص 77
11 - عمر بن أبي سلمة. 12 - ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. من
الأئمة الرواة لحديث الكساء ونكتفي بذكر أشهر المشاهير منهم: 1 - أحمد بن حنبل،
المتوفى سنة 241. 2 - عبد بن حميد الكشي، المتوفى سنة 249. 3 - مسلم بن الحجاج،
صاحب الصحيح، المتوفى سنة 261. 4 - أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، المتوفى سنة
277. 5 - أحمد بن عبد الخالق البزار، المتوفى سنة 292. 6 - محمد بن عيسى الترمذي،
المتوفى سنة 297. 7 - أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة 303. 8 - أبو عبد الله
محمد بن علي الحكيم الترمذي. 9 - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310.
10 - عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، الشهير بابن أبي حاتم، المتوفى سنة 327.
11 - سليمان بن أحمد الطبراني، المتوفى سنة 360. 12 - أبو عبد الله الحاكم
النيسابوري، المتوفى سنة 405. 13 - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، المتوفى
سنة 430. 14 - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفى سنة 458. 15 - أبو بكر أحمد
بن علي، المعروف بالخطيب البغدادي، المتوفى سنة 463.
ص 78
16 - أبو السعادات المبارك بن محمد، المعروف بابن الأثير، المتوفى سنة 606. 17 -
شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، المتوفى سنة 748. 18 - جلال الدين عبد الرحمن بن
أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة 911. من ألفاظ الحديث في الصحاح والمسانيد وغيرها
وهذه نبذة من ألفاظ الحديث بأسانيدها (1): ففي المسند: حدثنا عبد الله، حدثني
أبي، ثنا عبد الله بن نمير، قال: ثنا عبد الملك - يعني ابن أبي سليمان -، عن عطاء
بن أبي رباح، قال: حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في
بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي زوجك وابنيك.
قالت: فجاء علي والحسين والحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على
منامة له على دكان تحته كساء خيبري. قالت: وأنا أصلي في الحجرة، فأنزل الله عز وجل
هذه الآية: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*. قالت:
فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء
أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
(هامش)
(1) نعم، هذه نبذة من الروايات، إذ لم نورد كل ما في المسند أو المستدرك أو غيرهما،
بل لم نورد شيئا من تفسير الطبري وقد أخرجه من أربعة عشر طريقا، ولا من كثير من
المصادر المعتبرة في التفسير والحديث وتراجم الصحابة وغيرها. (*)
ص 79
قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير، إنك إلى
خير. قال عبد الملك: وحدثني أبو ليلى عن أم سلمة مثل حديث عطاء سواء. قال عبد
الملك: وحدثني داود بن أبي عوف الجحاف، عن (1) حوشب، عن أم سلمة بمثله سواء (2).
وفي المسند: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا
علي بن زيد، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيا. قال: ثم وضع يده
عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل
محمد، إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال:
إنك على خير (3). وفي المسند: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد،
ثنا أبو عوانة، ثنا أبو بلج، ثنا عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ
أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس، إما أن تقوم معنا وإما أن تخلونا هؤلاء. قال:
فقال ابن عباس: بل أقوم معكم. قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى. قال: فاتندوا
فتحدثوا، فلا ندري ما قالوا.
(هامش)
(1) كذا. (2) مسند أحمد 6 / 292. (3) مسند أحمد 6 / 323. (*)
ص 80
قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال له
النبي صلى الله عليه وسلم (فذكر مناقب لعلي، منها:) وأخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* (1). وفي صحيح مسلم: حدثنا أبو بكر ابن أبي
شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير - واللفظ لأبي بكر - قالا: حدثنا محمد بن بشر، عن
زكريا، عن مصعب ابن شيبة، عن صفية بنت شيبة، قالت: قالت عائشة: خرج النبي صلى الله
عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء
الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: *(إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* (2). وفي جامع الأصول: 6689
ت، أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: إن هذه الآية نزلت في بيتي: *(إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* قالت: وأنا جالسة عند الباب فقلت: يا
رسول الله، ألست من أهل البيت؟ فقال: إنك إلى خير، أنت من أزواج رسول الله صلى الله
عليه وسلم. قالت: وفي البيت: رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين،
فجللهم بكسائه وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
(هامش)
(1) مسند أحمد 1 / 330. (2) صحيح مسلم 7 / 130. (*)
ص 81
وفي رواية: إن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة، ثم
قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة:
وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير. أخرج الترمذي الرواية الآخرة، والأولى
ذكرها رزين. 6690 ت، عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه - قال: نزلت هذه الآية على
النبي صلى الله عليه وسلم: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا)* في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا،
فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت على خير.
أخرجه الترمذي. 6691 ت، أنس بن مالك - رضي الله عنه - إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية، قريبا من ستة
أشهر، يقول: الصلاة أهل البيت *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا)*. أخرجه الترمذي. 6692 م، عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرج النبي صلى
الله عليه وسلم وعليه مرط مرجل أسود، فجاءه الحسن فأدخله، ثم جاءه الحسين فأدخله،
ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس)* الآية.
ص 82
أخرجه مسلم (1). وفي الخصائص: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا أبو بكر
الحنفي، قال: حدثنا بكر بن مسمار، قال: سمعت عامر بن سعد يقول: قال معاوية لسعد ابن
أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب؟! قال: لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: لا أسبه ما
ذكرت حين نزل الوحي عليه، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال: رب
هؤلاء أهل بيتي وأهلي. ولا أسبه ما ذكرت حين خلفه في غزوة غزاها... ولا أسبه ما
ذكرت يوم خيبر... (2). وفي الخصائص: أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمار
الدمشقي، قالا: حدثنا حاتم، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال:
أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟! فقال: أنا إن ذكرت ثلاثا قالهن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر
النعم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، وخلفه في بعض مغازيه... وسمعته
يقول يوم خيبر:... ولما نزلت *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
(هامش)
(1) جامع الأصول 10 / 100 - 101. (2) خصائص علي: 81 طبعة النجف الأشرف. (*)
ص 83
تطهيرا)* دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم
هؤلاء أهل بيتي (1). أقول: أخرجه ابن حجر العسقلاني باللفظ الأول في فتح الباري
بشرح حديث: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون... ثم قال: ووقع في رواية
عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي، قال: قال معاوية لسعد: ما منعك أن تسب
أبا تراب؟! قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن
أسبه، فذكر هذا الحديث. وقوله: لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله. وقوله لما
نزلت *(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)*(2) دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين،
فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي (3). وهذا تحريف للحديث! أو يحمل على التكرر والتعدد.
وفي الخصائص: أخرج حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس، المتقدم عن المسند (4). وفي
المستدرك: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا عثمان
بن عمر، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، ثنا
(هامش)
(1) خصائص علي: 49. (2) سورة آل عمران 3: 1. (3) فتح الباري - شرح صحيح البخاري 7 /
60. (4) خصائص علي: 62. (*)
ص 84
شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: في
بيتي نزلت هذه الآية: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)*، قالت: فأرسل
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين - رضوان الله عليهم
أجمعين - فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. قالت أم سلمة: يا رسول الله، وأنا من أهل
البيت؟ قال: إنك أهلي خير (1)، وهؤلاء أهل بيتي، اللهم أهلي أحق. هذا حديث صحيح على
شرط البخاري ولم يخرجاه. حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ العباس بن الوليد بن
مزيد: أخبرني أبي، قال: سمعت الأوزاعي يقول: حدثني أبو عمار، قال: حدثني واثلة بن
الأسقع - رضي الله عنه - قال: جئت عليا - رضي الله عنه - فلم أجده. فقالت فاطمة -
رضي الله عنها -: إنطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوه فجلس، فجاء مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل ودخلت معهما. قال: فدعا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم حسنا وحسينا فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره
وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه وأنا شاهد، فقال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا)* اللهم هؤلاء أهل بيتي. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم
يخرجاه (2). وفي تلخيص المستدرك: وافق الحاكم على التصحيح (3).
(هامش)
(1) كذا. (2) المستدرك على الصحيحين 2 / 416 كتاب التفسير. (3) تلخيص المستدرك 2 /
416. (*)
ص 85
ورواه الذهبي بإسناد له عن شهر بن حوشب عن أم سلمة، وفيه: قالت: فأدخلت رأسي
فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم؟ قال: أنت إلى خير - مرتين - . ثم قال: رواه
الترمذي مختصرا وصححه من طريق الثوري، عن زبيد، عن شهر بن حوشب (1). وفي الصواعق
المحرقة: الآية الأولى: قال الله تعالى: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا)* أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين.
لتذكير ضمير (عنكم) وما بعده (2). ممن نص على صحة الحديث هذا، وقد قال جماعة من
الأئمة بصحة الحديث الدال على اختصاص الآية الكريمة بأهل البيت عليهم السلام، إذ
أخرجوه في الصحيح أو نصوا على صحته، ومن هؤلاء: 1 - أحمد بن حنبل، بناء على التزامه
بالصحة في المسند . 2 - مسلم بن الحجاج، إذ أخرجه في (صحيحه). 3 - ابن حبان، إذ
أخرجه في (صحيحه). 4 - الحاكم النيسابوري، إذ صححه في (المستدرك). 5 - الذهبي، إذ
صححه في (تلخيص المستدرك) تبعا للحاكم. 6 - ابن تيمية، إذ قال: فصل - وأما حديث
الكساء فهو صحيح، رواه
(هامش)
(1) سير أعلام النبلاء 10 / 346. (2) الصواعق المحرقة: 85. (*)
ص 86
أحمد والترمذي من حديث أم سلمة، ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة... (1). ما
دلت عليه الأحاديث وهذه الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد ومعاجم الحديث،
بأسانيد صحيحة متكاثرة جدا، أفادت نقطتين: أولا: إن المراد ب أهل البيت في
الآية المباركة هم: النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين، لا يشركهم أحد، لا من الأزواج ولا من غيرهن مطلقا. أما الأزواج، فلأن
الأحاديث نصت على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن بدخول واحدة منهن تحت
الكساء. وأما غيرهن، فلأن النبي إنما أمر فاطمة بأن تجئ بزوجها وولديها فحسب، فلو
أراد أحدا غيرهم - حتى من الأسرة النبوية - لأمر بإحضاره. وثانيا: إن الآية
المباركة نزلت في واقعة معينة وقضية خاصة، ولا علاقة لها بما قبلها وما بعدها...
ولا ينافيه وضعها بين الآيات المتعلقة بنساء النبي، إذ ما أكثر الآيات المدنية بين
الآيات المكية وبالعكس، ويشهد بذلك: 1 - مجئ الضمير: عنكم و يطهركم دون:
عنكن ويطهركن. 2 - إتصال الآيات التي بعد آية التطهير بالتي قبلها، بحيث لو رفعت
آية التطهير لم يختل الكلام أصلا... فليست هي عجزا لآية ولا صدرا لأخرى... كما لا
يخفى. ثم ما ألطف ما جاء في الحديث جوابا لقول أم سلمة: ألست من أهل
(هامش)
(1) منهاج السنة 5 / 13. (*)
ص 87
البيت؟ قال: أنت من أزواج رسول الله!! فإنه يعطي التفصيل مفهوما ومصداقا بين
العنوانين: عنوان أهل البيت وعنوان الأزواج أو نساء النبي . فتكون
الآيات المبدوة - في سورة الأحزاب - ب: *(يا نساء النبي)*(1) خاصة ب الأزواج
والآية *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)* خاصة بالعترة الطاهرة. وحديث
مروره صلى الله عليه وآله وسلم بباب فاطمة وقوله: الصلاة أهل البيت *(إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*... رواه كثيرون كذلك لا نطيل
بذكر رواياته.
(هامش)
(1) سورة الأحزاب 33: 33. (*)
ص 88
الفصل الثاني: في سقوط القولين الآخرين

وبهذه الأحاديث الصحيحة المتفق عليها بين
المسلمين يسقط القولان الآخران، لأن المفروض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسر
بنفسه - قولا وفعلا - الآية المباركة، وعين من نزلت فيه، فلا يسمع - والحال هذه -
ما يخالف تفسيره كائنا من كان القائل، فكيف والقائل بالقول الأول هو عكرمة ؟!
وقد كان هذا الرجل أشد الناس مخالفة لنزول الآية في العترة الطاهرة فقط. فقد حكي
عنه أنه كان ينادي في الأسواق بنزولها في زوجات النبي فقط (1) وأنه كان يقول: من
شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي خاصة (2). وقد كان القول بنزولها في العترة
هو الرأي الذي عليه المسلمون، كما يبدو من هذه الكلمات، بل جاء التصريح به في كلامه
حيث قال: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(3). إلا أن من غير الجائز الأخذ بقول عكرمة في هذا المقام وأمثاله!
(هامش)
(1) تفسير الطبري 22 / 7، تفسير ابن كثير 3 / 415، أسباب النزول: 268. (2) الدر
المنثور 5 / 198، تفسير ابن كثير 3 / 415. (3) الدر المنثور 5 / 198. (*)
ص 89
ترجمة عكرمة فإن عكرمة البربري من أشهر الزنادقة الذين وضعوا الأحاديث للطعن في
الإسلام! وإليك طرفا من تراجمه في الكتب المعتبرة المشهورة (1). 1 - طعنه في الدين
لقد ذكروا أن هذا الرجل كان طاعنا في الإسلام، مستهزئا بالدين، من أعلام الضلالة
ودعاة السوء. فقد نقلوا عنه أنه قال: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به! وقال
في وقت الموسم: وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة، فأعترض بها من شهد الموسم يمينا
وشمالا! وأنه وقف على باب مسجد النبي وقال: ما فيه إلا كافر! وذكروا أنه كان لا
يصلي، وأنه كان في يده خاتم من الذهب، وأنه كان يلعب بالنرد، وأنه كان يستمع
الغناء. 2 - كان من دعاة الخوارج وأنه إنما أخذ أهل أفريقية رأي الصفرية - وهم من
غلاة الخوارج - منه، وقد ذكروا أنه نحل ذلك الرأي إلى ابن عباس! وعن يحيى بن معين:
إنما لم يذكر مالك عكرمة، لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية.
(هامش)
(1) طبقات ابن سعد 5 / 287، الضعفاء الكبير 3 / 373، تهذيب الكمال 20 / 264، وفيات
الأعيان 1 / 319، ميزان الاعتدال 3 / 93، المغني في الضعفاء 2 / 84، سير أعلام
النبلاء 5 / 9، تهذيب التهذيب 7 / 263 - 273. (*)
ص 90
وقال الذهبي: قد تكلم الناس في عكرمة، لأنه كان يرى رأي الخوارج. 3 - كان كذابا كذب
على سيده ابن عباس حتى أوثقه علي بن عبد الله بن عباس على باب كنيف الدار. فقيل له:
أتفعلون هذا بمولاكم؟! قال: إن هذا يكذب على أبي. وعن سعيد بن المسيب، أنه قال
لمولاه: يا برد، إياك أن تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس. وعن ابن عمر، أنه
قال لمولاه: اتق الله، ويحك يا نافع، لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن
القاسم: إن عكرمة كذاب. وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك: كذاب. وعن ابن ذويب:
كان غير ثقة. وحرم مالك الرواية عنه. وأعرض عنه مسلم بن الحجاج. وقال محمد بن سعد:
ليس يحتج بحديثه. 4 - ترك الناس جنازته ولهذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته، قيل:
فما حمله أحد، حتى اكتروا له أربعة رجال من السودان.
ص 91
ترجمة مقاتل ومقاتل حاله كحال عكرمة، فقد أدرجه كل من: الدارقطني، والعقيلي، وابن
الجوزي، والذهبي في (الضعفاء)... وتكفينا كلمة الذهبي: أجمعوا على تركه (1).
ترجمة الضحاك وأما القول الآخر فقد عزاه ابن الجوزي إلى الضحاك بن مزاحم فقط. وهذا
الرجل أدرجه ابن الجوزي نفسه كالعقيلي في (الضعفاء) وتبعهما الذهبي فأدرجه في
المغني في الضعفاء ... ونفوا أن يكون لقي ابن عباس، بل ذكر بعضهم أنه لم يشافه
أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعن يحيى بن سعيد: كان الضحاك
عندنا ضعيفا. قالوا: وكانت أمه حاملا به سنتين (2)! هذا، ولكن في نسبة هذا القول -
كنسبة القول الأول إلى ابن السائب الكلبي - كلام، فقد نسب إليهما القول باختصاص
الآية بالخمسة الأطهار في المصادر، وهو الصحيح، كما حققنا ذلك في الرد على السالوس.
(هامش)
(1) سير أعلام النبلاء 7 / 201. (2) تهذيب الكمال 13 / 291، ميزان الاعتدال 2 /
325، المغني في الضعفاء 1 / 312. (
ص 92
الفصل الثالث: في دلالة الآية المباركة على عصمة أهل البيت

وكما أشرنا من قبل، فإن
أصحابنا يستدلون بالآية المباركة - بعد تعيين المراد بأهل البيت فيها، بالأحاديث
المتواترة بين الفريقين - على عصمة أهل البيت... وقد جاء ذكر وجه الاستدلال لذلك
مشروحا في كتبهم في العقائد والإمامة، وفي تفاسيرهم بذيل الآية المباركة، ويتلخص في
النقاط التالية: 1 - إنما تفيد الحصر، فالله سبحانه لم يرد إذهاب الرجس إلا عن
هؤلاء. 2 - الإرادة في الآية الكريمة تكوينية، من قبيل الإرادة في قوله تعالى:
*(إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)*(1) لا تشريعية من قبيل الإرادة في
قوله تعالى: *(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)*(2)، لأن التشريعية تتنافى
مع نص الآية بالحصر، إذ لا خصوصية لأهل البيت في تشريع الأحكام لهم. وتتنافى مع
الأحاديث، إذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم طبق الآية عليهم دون غيرهم. 3 -
الرجس في الآية هو الذنوب . وتبقى شبهة: إن الإرادة التكوينية تدل على العصمة،
لأن تخلف المراد
(هامش)
(1) سورة يس 36: 82. (2) سورة البقرة 2: 185. (*)
ص 93
عن إرادته عز وجل محال، لكن هذا يعني الإلتزام بالجبر وهو ما لا تقول الإمامية به.
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة - بناء على نظرية: لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين
الأمرين - بما حاصله: إن مفاد الآية أن الله سبحانه لما علم أن إرادة أهل البيت
تجري دائما على وفق ما شرعه لهم من التشريعات، لما هم عليه من الحالات المعنوية
العالية، صح له تعالى أن يخبر عن ذاته المقدسة أنه لا يريد لهم بإرادته التكوينية
إلا إذهاب الذنوب عنهم، لأنه لا يوجد من أفعالهم، ولا يقدرهم إلا على هكذا أفعال
يقومون بها بإرادتهم لغرض إذهاب الرجس عن أنفسهم... أما سائر الناس الذين لم يكونوا
على تلك الحالات، فلم تتعلق إرادته بإذهاب الرجس عنهم. ثم إنه لولا دلالة الآية
المباركة على هذه المنزلة العظيمة لأهل البيت، لما حاول أعداؤهم - من الخوارج
والنواصب - إنكارها، بل ونسبتها إلى غيرهم، مع أن أحدا لم يدع ذلك لنفسه سوى الخمسة
الأطهار.
ص 94
الفصل الرابع: في تناقضات علماء القوم تجاه معنى الآية

وجاء العلماء.. وهم يعلمون
بمدلول الآية المباركة ومفاد الأحاديث الصحيحة الواردة بشأنها، إلا أنهم من جهة لا
يريدون الاعتراف بذلك، لأنه في الحقيقة نسف لعقائدهم في الأصول والفروع... ومن جهة
أخرى ينسبون أنفسهم إلى السنة ويدعون الأخذ بها والاتباع لها... فوقعوا في
اضطراب، وتناقضت كلماتهم فيما بينهم، بل تناقضت كلمات الواحد منهم... فمنهم من وافق
الإمامية، بل - في الحقيقة - تبع السنة النبوية الثابتة في المقام، وأخذ بها. ومنهم
من وافق عكرمة الخارجي ومقاتل المجمع على تركه. ومنهم من أخذ بقول الضحاك الضعيف،
خلافا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكبار الصحابة. فهم على طوائف ثلاث: ونحن
نذكر من كل طائفة واحدا أو اثنين: فمن الطائفة الأولى أبو جعفر الطحاوي (1) قال:
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله
(هامش)
(1) أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة المصري الحنفي - المتوفى سنة 321 ه - توجد
ترجمته مع = (*)
ص 95
صلى الله عليه وآله وسلم في المراد بقوله تعالى: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* من هم؟ حدثنا الربيع المرادي، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا
حاتم بن إسماعيل، حدثنا بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه
الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم
السلام، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. فكان في هذا الحديث أن المراد بما في هذه
الآية هم: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين. حدثنا فهد،
ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن جعفر، عن عبد الرحمن
البجلي، عن حكيم بن سعيد، عن أم سلمة، قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين عليهم السلام *(إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)*. ففي هذا الحديث الذي في الأول . ثم إنه أخرج
بأسانيد عديدة هذا الحديث عن أم سلمة، وفيها الدلالة الصريحة على اختصاص الآية بأهل
البيت الطاهرين، وهي الأحاديث التي
(هامش)
= الثناء البالغ في: طبقات أبي إسحاق الشيرازي: 142، والمنتظم 6 / 250، ووفيات
الأعيان 1 / 71، وتذكرة الحفاظ 3 / 808، والجواهر المضية في طبقات الحنفية 1 / 102،
وغاية النهاية في طبقات القراء 1 / 116، وحسن المحاضرة وطبقات الحفاظ: 337، وغيرها.
وقد عنونه الحافظ الذهبي بقوله: الطحاوي الإمام العلامة، الحافظ الكبير، محدث
الديار المصرية وفقيهها قال: ذكره أبو سعيد ابن يونس فقال: عداده في حجر الأزد،
وكان ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف مثله قال الذهبي: قلت: من نظر في تواليف هذا
الإمام علم محله من العلم وسعة معارفه... سير أعلام النبلاء 15 / 27 - 32. = (*)
ص 96
جاء فيها أن أم سلمة سألت: وأنا معهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أنت من أزواج النبي، وأنت على خير - أو: إلى خير - . وقالت: فقلت: يا رسول
الله، أنا من أهل البيت؟ فقال: إن لك عند الله خيرا، فوددت أنه قال نعم، فكان أحب
إلي مما تطلع عليها الشمس وتغرب . وقالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه رسول
الله وقال: إنك على خير . قال الطحاوي: فدل ما روينا من هذا الآثار - مما كان من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أم سلمة - مما ذكرنا فيها لم يرد به أنها
كانت مما أريد به مما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأن المراد بما فيها هم: رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين دون من سواهم يدل على
مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله لأم سلمة في هذه الآثار من قوله لها:
(أنت من أهلي) ما قد حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي وسليمان الكيساني، قالا: حدثنا
بشر بن بكر، عن الأوزاعي، أخبرني أبو عمار، حدثني واثلة... فقلت: يا رسول الله،
وأنا من أهلك؟ فقال: وأنت من أهلي. قال واثلة: فإنها من أرجى ما أرجو! وواثلة أبعد
منه عليه السلام من أم سلمة منه، لأنه إنما هو رجل من بني ليث، ليس من قريش، وأم
سلمة موضعها من قريش موضعها الذي هي به منه. فكان قوله لواثلة: أنت من أهلي، على
معنى: لاتباعك إياي وإيمانك بي، فدخلت بذلك في جملتي. وقد وجدنا الله تعالى قد ذكر
في كتابه ما يدل على هذا المعنى بقوله
ص 97
*(ونادى نوح ربه رب إن ابني من أهلي)*(1) فأجابه في ذلك بأن قال: *(إنه ليس من
أهلك)*(2) إنه يدخل في أهله من يوافقه على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبه. فمثل ذلك
أيضا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جوابا لأم سلمة: أنت من أهلي
يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضا، وأن يكون قوله ذلك كقوله مثله لواثلة. وحديث
سعد وما ذكرناه معه من الأحاديث في أول الباب معقول بها من أهل الآية المتلوة فيها،
لأنا قد أحطنا علما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما دعا من أهله عند
نزولها لم يبق من أهلها المرادين فيها أحد سواهم، وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل
معهم فيما أريد به سواهم، وفيما ذكرنا من ذلك بيان ما وصفنا. فإن قال قائل: فإن
كتاب الله تعالى يدل على أن أزواج النبي هم المقصودون بتلك الآية، لأنه قال قبلها
في السورة التي هي فيها: *(يا أيها النبي قل لأزواجك...)*(3) فكان ذلك كله يؤذن به،
لأنه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال، ثم قال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس)* الآية. فكان جوابنا له: إن الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله: *(إنما يريد
الله)* الآية.. خطاب لأزواجه، ثم أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى: *(إنما يريد
الله)* الآية، فجاء به على خطاب الرجال، لأنه قال فيه: *(ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم)* وهكذا خطاب الرجال، وما قبله فجاء به
(هامش)
(1) سورة هود 11: 45. (2) سورة هود 11: 46. (3) سورة الأحزاب: 33: 28. (*)
ص 98
بالنون وكذلك خطاب النساء. فعقلنا أن قوله: *(إنما يريد الله)* الآية، خطاب لمن
أراده من الرجال بذلك، ليعلمهم تشريفه لهم ورفعه لمقدارهم، أن جعل نساءهم ممن قد
وصفه لما وصفه به مما في الآيات المتلوة قبل الذي خاطبهم به تعالى. ومما دل على ذلك
أيضا ما حدثنا... عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج إلى
صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت *(إنما يريد الله)* الآية. في هذا أيضا دليل
على أن هذه الآية فيهم. وبالله التوفيق (1). ومن الطائفة الثانية ابن الجوزي (2)
والذهبي (3).. فإنهما تبعا عكرمة البربري الخارجي، ومقاتل بن سليمان، على ما هو
مقتضى تعصبهما وعنادهما لأهل البيت عليهم السلام! ومن الطائفة الثالثة ابن كثير..
فإنه بعد أن ذكر فرية عكرمة قال: فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن،
فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر. فإنه قد وردت أحاديث تدل
على أن المراد أعم من ذلك . ثم أورد عدة كثيرة من تلك الأحاديث التي هي نص في
اختصاص الآية
(هامش)
(1) مشكل الآثار 1 / 332 - 339. (2) وهذا ظاهر كلامه في زاد المسير 6 / 381، حيث
ذكر هذا القول أولا وجعل يدافع عنه! (3) سير أعلام النبلاء 2 / 207. (*)
ص 99
بالرسول والوصي والحسنين والصديقة الطاهرة عليهم الصلاة والسلام، وأن قول عكرمة
مخالف للكتاب والسنة... غير أن تعصبه لم يسمح له بالإذعان لذلك، حتى قال بدخول
الزوجات في المراد بالآية! متشبثا بالسياق، فقال: ثم الذي لا يشك فيه من تدبر
القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: *(إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* فإن سياق الكلام معهن... (1).
اعتراف ابن تيمية بصحة الحديث والعجب أن ابن تيمية لا يقول بهذا ولا بذاك! بل يذعن
بصحة الحديث كما استدل العلامة الحلي - رحمه الله -، قال العلامة: ونحن نذكر هنا
شيئا يسيرا مما هو صحيح عندهم، ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم، ليكون حجة عليهم
يوم القيامة، فمن ذلك: ما رواه أبو الحسن الأندلسي (2) في الجمع بين الصحاح الستة
: موطأ مالك، وصحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود، وصحيح الترمذي، وصحيح النسائي:
عن أم سلمة - زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أن قوله تعالى: *(إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* أنزل في بيتها: وأنا جالسة عند الباب،
فقلت: يا رسول الله، ألست من أهل
(هامش)
(1) تفسير القرآن العظيم 3 / 415. (2) وهو: رزين بن معاوية العبدري، صاحب تجريد
الصحاح المتوفى سنة 535 كما في سير أعلام النبلاء 2 / 204 حيث ترجم له ووصفه ب:
الإمام المحدث الشهير، وحكى عن ابن عساكر: كان إمام المالكيين بالحرم . وترجم له
أيضا في: تذكرة الحفاظ 4 / 1281، والعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 4 / 398،
والنجوم الزاهرة 5 / 167، ومرآة الجنان 3 / 263، وغيرها. (*
ص 100
البيت؟ فقال: إنك على خير، إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قالت: وفي
البيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فجللهم بكساء
وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . فقال ابن تيمية:
فصل: وأما حديث الكساء فهو صحيح، رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة، ورواه مسلم
في صحيحه من حديث عائشة، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط
مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن ابن علي فأدخله، ثم جاء الحسين، فأدخله معه، ثم جاءت
فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا)*. وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين - رضي الله عنهم
- فليس هو من خصائصه، ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة، فعلم أن هذه الفضيلة لا
تختص بالأئمة، بل يشركهم فيها غيرهم. ثم إن مضمون هذا الحديث أن النبي صلى الله
عليه وسلم دعا لهم بأن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا. وغاية ذلك أن يكون دعا لهم
بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم! واجتناب الرجس واجب على
المؤمنين، والطهارة مأمور بها كل مؤمن. قال الله تعالى: *(ما يريد الله ليجعل عليكم
من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم)*(1) وقال: *(خذ من أموالهم صدقة
تطهرهم
(هامش)
(1) سورة المائدة 5: 6. (*)
ص 101
وتزكيهم بها)*(1) وقال تعالى: *(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)*(2). فغاية
هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور، والصديق - رضي الله عنه - قد
أخبر الله عنه بأنه *(الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى
* إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى)*(3). وأيضا: فإن السابقين الأولين من
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان *(رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات
تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)*(4) لا بد أن يكونوا قد
فعلوا المأمور وتركوا المحظور، فإن هذا الرضوان وهذا الجزاء إنما ينال بذلك، وحينئذ
فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم. فما دعا به النبي صلى الله
عليه وسلم لأهل الكساء هو بعض ما وصف الله به السابقين الأولين. والنبي دعا لأقوام
كثيرين بالجنة والمغفرة وغير ذلك، مما هو أعظم من الدعاء بذلك، ولم يلزم أن يكون من
دعا له بذلك أفضل من السابقين الأولين، ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم
اجتناب الرجس وفعل التطهير، دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعينهم على فعل
ما أمرهم به، لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب، ولينالوا المدح والثواب (5).
(هامش)
(1) سورة التوبة 9: 103. (2) سورة البقرة 2: 222. (3) سورة الليل 92: 17 - 21. (4)
سورة التوبة 9: 100. (5) منهاج السنة 5 / 13 - 15. (*)
ص 102
هذا نص كلام ابن تيمية، وأنت ترى فيه: 1 - الاعتراف بصحة الحديث الدال على نزول
الآية المباركة في أهل الكساء دون غيرهم. 2 - الاعتراف بعدم شمول الفضيلة لغير علي
وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. فأين قول عكرمة؟! وأين السياق؟! وأين ما ذهب
إليه ابن كثير؟! سقوط كلمات ابن تيمية وتبقى كلمات ابن تيمية، فإنه بعد أن أعرض عن
قول عكرمة، وعن قول من قال بالجمع، واعترف بالاختصاص بالعترة، أجاب عن الاستدلال
بالآية المباركة بوجوه واضحة البطلان: * فأول شيء قاله هو: هذا الحديث قد شركه
فيه فاطمة... . وفيه: إن العلامة الحلي لم يدع كون الحديث من خصائص علي عليه
السلام، بل الآية المباركة والحديث يدلان على عصمة أهل البيت وهم: النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين... والمعصوم هو المتعين للإمامة
بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، غير أن المرأة لا تصلح للإمامة. * ثم قال:
ثم إن مضمون هذا الحديث أن النبي دعا لهم... بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب
الله عنهم الرجس... فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور .
وهذا من قلة فهمه أو شدة تعصبه: أما أولا: فلأنه ينافي صريح الآية المباركة، لأن
إنما دالة على
ص 103
الحصر، وكلامه دال على عدم الحصر، فما ذكره رد على الله والرسول. أما ثانيا: فلأن
في كثير من الصحاح أن الآية نزلت، فدعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا حسينا
فجللهم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي... فالله عز وجل يقول: *(إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت...)* والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يعين أهل البيت
وأنهم هؤلاء دون غيرهم. وأما ثالثا: فلأنه لو كان المراد هو مجرد الدعاء لهم بأن
يكونوا من المتقين و الطهارة مأمور بها كل مؤمن فغاية هذا أن يكون دعاء
لهم بفعل المأمور وترك المحظور فلا فضيلة في الحديث، وهذا يناقض قوله من قبل
فعلم أن هذه الفضيلة... !! وأما رابعا: فلأنه لو كان غاية ذلك أن يكون دعاء لهم
بفعل المأمور وترك المحظور فلماذا لم يأذن لأم سلمة بالدخول معهم؟! أكانت من
المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس... فلا حاجة لها إلى الدعاء؟! أو لم يكن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد منها أن تكون من المتقين... ؟! وأما خامسا:
فلو سلمنا أن غاية هذا أن يكون دعاء لهم... لكن إذا كان الله سبحانه يريد
والرسول يدعو - ودعاؤه مستجاب قطعا - كان أهل البيت متصفين بالفعل بما دلت
عليه الآية والحديث. * فقال: والصديق قد أخبر الله عنه... . وحاصله: إن غاية ما
كان في حق أهل البيت هو الدعاء وليس في الآية ولا الحديث إشارة إلى
استجابة هذا الدعاء فقد يكون وقد لا يكون، وأما ما كان في حق أبي بكر فهو
الإخبار فهو كائن، فهو أفضل من أهل البيت !!