ص 200
وقال الرازي بتفسير *(إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)*: والمراد من
محبة الله تعالى له إعطاؤه الثواب (1). ومن الواضح: أن من كان الأحب إلى الله كان
الأكثر ثوابا، والأكثر ثوابا هو الأفضل قطعا. وقال ابن تيمية: والمقصود أن قوله:
(وغير علي من الثلاثة لا تجب مودته) كلام باطل عند الجمهور، بل مودة هؤلاء أوجب عند
أهل السنة من مودة علي، لأن وجوب المودة على مقدار الفضل، فكل من كان أفضل كانت
مودته أكمل... وفي الصحيح: إن عمر قال لأبي بكر يوم السقيفة: بل أنت سيدنا وخيرنا
وأحبنا إلى رسول الله (2). وقال التفتازاني: إن (أحب خلقك) يحتمل تخصيص أبي بكر
وعمر منه، عملا بأدلة أفضليتهما (3). وعلى الجملة: فإن هذه المقدمة واضحة أيضا
ولا خلاف لأحد فيها. وأما المقدمة الرابعة فبدليل العقل والنقل، وبه صرح غير واحد
من أعلام أهل الخلاف، حتى أنهم نقلوا عن الصحابة ذلك، كما تقدم في بعض الكلمات في
فصل الشبهات، وقال الشريف الجرجاني في الشورى وأنه لماذا جعلت في هؤلاء الستة دون
غيرهم: وإنما جعلها شورى بينهم، لأنه رآهم أفضل ممن عداهم، وأنه لا يصلح للإمامة
غيرهم (4).
(هامش)
(1) تفسير الرازي 8 / 17. (2) منهاج السنة 7 / 106 - 107. (3) شرح المقاصد 5 / 299.
(4) شرح المواقف 8 / 365. (*)
ص 201
وقال ابن تيمية في مواضع من كتابه بعدم جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل (1).
وقال محب الدين الطبري: قولنا: لا ينعقد ولاية المفضول عند وجود الأفضل (2).
وكذا قال غيرهم... ولا حاجة إلى ذكر كلماتهم. وإلى هذا الوجه أشار العلامة الحلي في
كلامه السابق. وقال المحقق نصير الدين الطوسي في أدلة أفضلية أمير المؤمنين عليه
السلام: ووجوب المحبة . فقال العلامة بشرحه: هذا وجه تاسع عشر وتقريره: إن
عليا عليه السلام كان محبته ومودته واجبة دون غيره من الصحابة، فيكون أفضل منهم.
وبيان المقدمة الأولى: إنه من أولي القربى، فتكون مودته واجبة، لقوله تعالى: *(قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)* (3). 4 - وجوب المحبة المطلقة يستلزم
العصمة وأيضا: فإن إطلاق الأمر بمودتهم دليل على عصمتهم، وإذا ثبتت العصمة ثبتت
الإمامة، وهذا واضح. أما أن إطلاق الأمر بمودتهم - الدال على الإطاعة المطلقة -
دليل على عصمتهم، فيكفي فيه كلام الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى: *(أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)*(4).
(هامش)
(1) منهاج السنة 3 / 277. الطبعة القديمة. (2) الرياض النضرة - باب خلافة أبي بكر -
1 / 216. (3) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 310. (4) سورة النساء 4: 59. (*)
ص 202
فإنه قال: إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن
أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ، إذ لو لم
يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون
ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر
والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنه محال. فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة
أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن
يكون معصوما عن الخطأ، فثبت قطعا أن (أولي الأمر) المذكور في هذه الآية لا بد وأن
يكون معصوما (1). فهذا محل الشاهد من كلامه، وأما من أولي الأمر الذين أمرنا
بإطاعتهم؟ فذاك بحث آخر.. وعلى الجملة، فوجوب الإطاعة والاتباع على الإطلاق -
المستفاد من وجوب المحبة المطلقة - مستلزم للعصمة. وقد ذكر هذا الوجه غير واحد من
علمائنا: قال البياضي العاملي رحمه الله: جعل الله أجر رسالة نبيه في مودة أهله
في قوله تعالى: *(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)*. قالوا: المراد
القربى في الطاعات، أي: في طاعة أهل القربى. قلنا: الأصل عدم الإضمار، ولو سلم، فلا
يتصور إطلاق الأمر بمودتهم إلا مع عصمتهم. قالوا: المخاطب بذلك الكفار، يعني:
راقبوا نسبي منكم، يعني القرشية. قلنا: الكفار لا تعتقد للنبي أجرا حتى تخاطب بذلك.
(هامش)
(1) تفسير الرازي 10 / 144. (*)
ص 203
على أن الأخبار المتفق عليها تنافي الوجهين، ففي صحيح البخاري... (1). وقال السيد
الشبر: وجوب المودة يستلزم وجوب الطاعة، لأن المودة إنما تجب مع العصمة، إذ مع
وقوع الخطأ منهم يجب ترك مودتهم كما قال تعالى: *(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم
الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)*(2). وغيرهم عليهم السلام ليس بمعصوم اتفاقا،
فعلي وولداه الأئمة (3). دحض الشبهات المثارة على دلالة الآية على الإمامة أقول:
وهذا كلام السيد الشهيد التستري في الرد على ابن روزبهان، الذي أشكل على العلامة
الحلي... * قال ابن روزبهان: ونحن نقول: إن مودته مواجبة على كل المسلمين،
والمودة تكون مع الطاعة، ولا كل مطاع يجب أن يكون صاحب الزعامة الكبرى . فأجاب
السيد رحمه الله: وأما ما ذكره من أنه لا يدل على خلافة علي عليه السلام، فجهالة
صرفة أو تجاهل محض! لظهور دلالة الآية على أن مودة علي عليه السلام واجبة بمقتضى
الآية، حيث جعل الله تعالى أجر الإرسال إلى ما يستحق به الثواب الدائم مودة ذوي
القربى، وإنما يجب ذلك مع عصمتهم، إذ
(هامش)
(1) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 1 / 188. (2) سورة المجادلة 58: 22. (3) حق
اليقين في معرفة أصول الدين 1 / 270. (*)
ص 204
مع وقوع الخطأ عنهم يجب ترك مودتهم لقوله تعالى: *(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم
الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)* الآية. وغير علي ليس بمعصوم بالاتفاق، فتعين أن
يكون هو الإمام. وقد روى ابن حجر في الباب الحادي عشر من صواعقه عن إمامه الشافعي
شعرا في وجوب ذلك برغم أنف الناصب، وهو قوله: يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من
الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له على
أن إقامة الشيعة للدليل على إمامة علي عليه السلام على أهل السنة غير واجب بل
تبرعي، لاتفاق أهل السنة معهم على إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
غاية الأمر أنهم ينفون الواسطة وأهل السنة يثبتونها، والدليل على المثبت دون
النافي، كما تقرر في موضعه، إلا أن يرتكبوا خرق الإجماع بإنكار إمامته مطلقا،
فحينئذ يجب على الشيعة إقامة الدليل، والله الهادي إلى سواء السبيل (1). وقال
الشيخ المظفر في جواب ابن روزبهان بعد كلام له: فيتعين أن يكون المراد بالآية:
الأربعة الأطاهر، وهي تدل على أفضليتهم وعصمتهم وأنهم صفوة الله سبحانه، إذ لو لم
يكونوا كذلك لم تجب مودتهم دون غيرهم، ولم تكن مودتهم بتلك المنزلة التي ما مثلها
منزلة، لكونها أجرا للتبليغ والرسالة الذي لا أجر ولا حق يشبهه. ولذا لم يجعل الله
المودة لأقارب نوح وهود أجرا لتبليغهما، بل قال لنوح: *(قل لا أسألكم عليه أجرا إن
أجري إلا على الله)* وقال لهود: *(قل لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي
فطرني أفلا تعقلون)*.
(هامش)
(1) إحقاق الحق - في الرد على ابن روزبهان - 3 / 23. (*)
ص 205
فتنحصر الإمامة بقربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ لا تصح إمامة المفضول
مع وجود الفاضل، لا سيما بهذا الفضل الباهر، مضافا إلى ما ذكره المصنف - رحمه الله
- من أن وجوب المودة مطلقا يستلزم وجوب الطاعة مطلقا، ضرورة أن العصيان ينافي الود
المطلق، ووجوب الطاعة مطلقا يستلزم العصمة التي هي شرط الإمامة، ولا معصوم غيرهم
بالإجماع، فتنحصر الإمامة بهم، ولا سيما مع وجوب طاعتهم على جميع الأمة. وقد فهم
دلالة الآية على الإمامة الصحابة، ولذا اتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم
فقالوا: ما يريد إلا أن يحثنا على قرابته بعده، كما سمعته من بعض الروايات السابقة
(1) وكل ذي فهم يعرفها من الآية الشريفة، إلا أن القوم أبوا أن يقروا بالحق ويؤدوا
أجر الرسالة، فإذا صدرت من أحدهم كلمة طيبة لم تدعه العصبية حتى يناقضها... (2).
* وبالتأمل في الوجوه التي ذكرناها وما نص عليه علماؤنا، يظهر الجواب عن كلام السعد
التفتازاني حيث ذكر في مباحث الأفضلية قائلا: القائلون بأفضلية علي رضي الله عنه
تمسكوا بالكتاب والسنة والمعقول. أما الكتاب فقوله تعالى: *(قل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)* الآية... وقوله تعالى: *(قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى)* قال سعيد بن جبير: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا
رسول الله، من هؤلاء الذين نودهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها. ولا يخفى أن من وجبت
محبته بحكم نص الكتاب كان أفضل. وكذا من ثبتت نصرته للرسول بالعطف في كلام الله
تعالى عنه على اسم الله وجبريل، مع التعبير عنه -
(هامش)
(1) المعجم الكبير 12 / 26، وغيره. (2) دلائل الصدق لنهج الحق 2 / 125 - 126. (*)
ص 206
ب صالح المؤمنين وذلك قوله تعالى: *(فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح
المؤمنين)*. فعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن المراد به علي... . قال: والجواب:
إنه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات،
إلا أنه لا يدل على الأفضلية - بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله - بعد ما ثبت
من الاتفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضلية أبي بكر ثم عمر، والاعتراف من علي بذلك!
على أن في ما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصل، مثل: إن المراد بأنفسنا نفس النبي
صلى الله عليه وسلم كما يقال: دعوت نفسي إلى كذا. وأن وجوب المحبة وثبوت النصرة على
تقدير تحققه في حق علي - رضي الله عنه - فلا اختصاص به (1). أقول: قد عرفت أن
الآية المباركة تدل على وجوب محبة علي عليه السلام، ووجوب المحبة المطلقة يدل على
أنه الأحب عند الله ورسوله، والأحبية دالة على الأفضلية. وأيضا: وجوب المحبة
المطلقة يستلزم العصمة وهي شرط الإمامة. وأما دعوى أفضلية أبي بكر وعمر فأول
الكلام... كدعوى عدم الاختصاص بعلي عليه السلام، لقيام الإجماع على عدم عصمة أبي
بكر وعمر... * وقد اضطرب ابن تيمية في هذا المقام، فقال: إنا نسلم أن عليا تجب
مودته وموالاته بدون الاستدلال بهذه الآية، لكن ليس في وجوب موالاته
(هامش)
(1) شرح المقاصد 5 / 295 - 299. (*)
ص 207
ومودته ما يوجب اختصاصه بالإمامة والفضيلة. وأما قوله: والثلاثة لا تجب مودتهم،
فممنوع، بل يجب أيضا مودتهم وموالاتهم، فإنه قد ثبت أن الله يحبهم، ومن كان يحبه
الله وجب علينا أن نحبه، فإن الحب في الله والبغض في الله واجب، وهو أوثق عرى
الإيمان، وكذلك هم من أكابر أولياء الله المتقين، وقد أوجب الله موالاتهم، بل قد
ثبت أن الله رضي عنهم ورضوا عنه بنص القرآن، وكل من رضي الله عنه فإنه يحبه، والله
يحب المتقين والمحسنين والمقسطين والصابرين... (1). فإن الرجل قد خصم نفسه
باعترافه بوجوب محبة: المتقين والمحسنين والمقسطين والصابرين... بل مطلق
المؤمنين... فإن أحدا لا ينكر شيئا من ذلك، ومن يقول بأن المؤمن - إذا كان مؤمنا
حقا - لا يجب أن نحبه لا سيما إذا كان مع ذلك من أهل التقوى والإحسان والصبر؟! لكن
الكلام في المحبة المطلقة، وفي الأحبية عند الله ورسوله، المستلزمة للأفضلية
وللعصمة ووجوب الطاعة... هذه الأمور التي لم يقل أحد بوجودها في غير علي عليه
السلام، لا سيما العصمة، إذ قام الإجماع على عدمها في غيره. ثم إن ابن تيمية شرع
يستدل ببعض الأخبار التي يروونها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن أحب الناس
إليه عائشة!! قيل: فمن الرجال؟ قال: أبوها! وأن عمر قال لأبي بكر في السقيفة: أنت
سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله!! وكل عاقل يفهم ما في الاستدلال بمثل هذه
الأخبار!! * ولقد أحسن الآلوسي حيث لم يستدل بشيء من أخبارهم في هذا
(هامش)
(1) منهاج السنة 7 / 103 - 104. (*)
ص 208
البحث، فإنه قد انتحل كلام عبد العزيز الدهلوي واعتمده في الجواب عن استدلال
الإمامية، إلا أنه بتر كلامه ولم يأت به إلى الآخر! وهو ما سنشير إليه: قال
الآلوسي: ومن الشيعة من أورد الآية في مقام الاستدلال على إمامة علي كرم الله
تعالى وجهه، قال: علي كرم الله تعالى وجهه واجب المحبة، وكل واجب المحبة واجب
الطاعة، وكل واجب الطاعة صاحب الإمامة. ينتج: علي رضي الله تعالى عنه صاحب الإمامة.
وجعلوا الآية دليل الصغرى. ولا يخفى ما في كلامهم هذا من البحث: أما أولا: فلأن
الاستدلال بالآية على الصغرى لا يتم إلا على القول بأن معناها: لا أسألكم عليه أجرا
إلا أن تودوا قرابتي وتحبوا أهل بيتي. وقد ذهب الجمهور إلى المعنى الأول. وقيل في
هذا المعنى: إنه لا يناسب شأن النبوة لما فيه من التهمة، فإن أكثر طلبة الدنيا
يفعلون شيئا ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم. وأيضا: فيه منافاة
ما لقوله تعالى: *(وما تسألهم عليه من أجر)*. وأما ثانيا: فلأنا لا نسلم أن كل واجب
المحبة واجب الطاعة، فقد ذكر ابن بابويه في كتاب الاعتقادات: إن الإمامية أجمعوا
على وجوب محبة العلوية، مع أنه لا يجب طاعة كل منهم. وأما ثالثا: فلأنا لا نسلم أن
كل واجب الطاعة صاحب الإمامة، أي الزعامة الكبرى، وإلا لكان كل نبي في زمنه صاحب
ذلك، ونص: *(إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا)* يأبى ذلك. وأما رابعا: فلأن الآية
تقتضي أن تكون الصغرى: أهل البيت واجبوا الطاعة، ومتى كانت هذه صغرى قياسهم لا تنتج
النتيجة التي ذكروها، ولو سلمت جميع مقدماتها، بل تنتج: أهل البيت صاحبوا الإمامة،
وهم لا يقولون بعمومه.
ص 209
إلى غير ذلك من الأبحاث. فتأمل ولا تغفل (1). أقول: هذا كله كلام الدهلوي بعينه!
وقد جاء بعده في التحفة الاثنا عشرية الاستدلال بأحاديث. * قال الدهلوي: روى
أبو طاهر السلفي في مشيخته عن أنس، قال: قال رسول الله: حب أبي بكر وشكره واجب على
كل أمتي. وروى ابن عساكر عنه نحوه. ومن طريق آخر عن سهل بن سعد الساعدي. وأخرج
الحافظ عمر بن محمد بن خضر الملا في سيرته عن النبي أنه قال: إن الله تعالى فرض
عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كما فرض عليكم الصلاة والصوم والحج. وروى ابن
عدي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: حب أبي بكر وعمر إيمان،
وبغضهما نفاق. وروى ابن عساكر، عن جابر: أن النبي قال: حب أبي بكر وعمر من الإيمان،
وبغضهما كفر. وروى الترمذي أنه أتي بجنازة إلى رسول الله فلم يصل عليه وقال: إنه
كان يبغض عثمان فأبغضه الله . ثم إنه التفت إلى عدم جوز إلزام الإمامية بما اختص
أهل السنة بروايته، فأجاب قائلا، إنه وإن كانت هذه الأخبار في كتب أهل السنة فقط،
لكن لما كان الشيعة يقصدون إلزام أهل السنة برواياتهم، فإنه لا بد من لحاظ جميع
(هامش)
(1) روح المعاني 29 / 33. (*)
ص 210
روايات أهل السنة، ولا يصح إلزامهم برواية منها. وإن ضيقوا على أهل السنة، أمكن
إثبات وجوب محبة الخلفاء الثلاثة من كتاب الله وأقوال العترة، فقوله تعالى: *(يحبهم
ويحبونه)* نزل - بالإجماع - في حق المقاتلين للمرتدين، وقد كان الثلاثة أئمة هؤلاء
المقاتلين، ومن أحبه الله وجبت محبته. وعلى هذا القياس ! هذا آخر كلام الدهلوي
(1). أقول: إن من الواضح عدم جواز إلزام الخصم إلا بما يرويه خاصة، أو ما اتفق
الطرفان على روايته، هذا إذا كان الخبر المستدل به معتبرا عند المستدل، فإن لم يكن
الخبر معتبرا حتى عند المستدل به فكيف يجوز له إلزام الطرف الآخر به؟! ليت الدهلوي
استدل - كابن تيمية - بكتابي البخاري ومسلم المعروفين بالصحيحين، فإن الأحاديث التي
استدل بها كلها باطلة سندا، وهذا هو السر في إعراض الآلوسي عنها وإسقاطه لها. إن
أحسن هذه الأحاديث ما أخرجه الترمذي في كتابه - وهو يعد أحد الصحاح الستة - من
امتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة على الجنازة، قال الترمذي: حدثنا
الفضل بن أبي طالب البغدادي وغير واحد، قالوا: حدثنا عثمان ابن زفر، حدثنا محمد بن
زياد، عن محمد بن عجلان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بجنازة رجل يصلي عليه فلم
(هامش)
(1) التحفة الاثنا عشرية: 205. (*)
ص 211
يصل عليه، فقيل: يا رسول الله! ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا؟! قال: إنه
كان يبغض عثمان فأبغضه الله ! لكن هذا الحديث ساقط سندا حتى عند راويه الترمذي!
قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ومحمد بن زياد صاحب ميمون بن
مهران ضعيف في الحديث جدا (1). ثم إن الجوزي أورده في (الموضوعات) بطريقين، وقال:
الطريقان على محمد بن زياد. قال أحمد بن حنبل: هو كذاب خبيث يضع الحديث. وقال
يحيى: كذاب خبيث. وقال السعدي والدارقطني: كذاب. وقال البخاري والنسائي والفلاس
وأبو حاتم: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره
في الكتب إلا على وجه القدح فيه (2). فيظهر أن الترمذي حيث قال: ضعيف جدا لم
يقل الحق كما هو حقه!! وظهر أن الحق مع الآلوسي حيث ترك الاستدلال به وهو أحسن ما
ذكر الدهلوي، فالعجب من الدهلوي كيف يستدل بحديث هذه حاله، ويريد إلزام الشيعة به،
وفي مسألة أصولية؟! ولو وجدت مجالا لبينت حال بقية هذه الأحاديث، لكن لا حاجة إلى
ذلك بعد معرفة حال أحسنها سندا!! فلنعد إلى الوجوه التي وافق فيها الآلوسي الدهلوي
وأخذها منه، فنقول: أما الأول: فجوابه: إن الصغرى تامة كما تقدم بالتفصيل، وقلنا
بأن طلب الأجر إنما هو بناء على اتصال الاستثناء، وقد عرفت حقيقة هذا الأجر وعوده
(هامش)
(1) صحيح الترمذي 5 / 588. (2) الموضوعات 2 / 332 - 333. (*)
ص 212
إلى المسلمين أنفسهم، فلا شبهة ولا تهمة. وأما بناء على انقطاع الاستثناء فلا إشكال
أصلا. وأما الثاني: فإن الإمامية أجمعت على وجوب محبة العلوية، بل كل مؤمن من
المؤمنين، ولكن الآية المباركة دالة على وجوب المحبة المطلقة لعلي والزهراء
والحسنين، فلا نقض، ولذا لم يقل أحد منهم بوجوب محبة غير الأربعة وسائر المعصومين
محبة مطلقة... والكلام في المحبة المطلقة لا مطلق المحبة، فما ذكراه جهل أو تجاهل!
وأما الثالث: فيظهر جوابه مما ذكرناه، فإنا نريد المحبة المطلقة المستلزمة للعصمة،
فأينما كانت، كانت الإمامة الكبرى، وأينما لم تكن، لم تكن! وأما الرابع: فيظهر
جوابه مما ذكرنا أيضا. * بقي أن نذكر الوجه في تفسير الحسنة في قوله تعالى:
*(ومن يقترف حسنة)* ب المودة ... فنقول: هذا التفسير ورد عن الأئمة الأطهار من
أهل البيت، كالحسن السبط الزكي عليه السلام في خطبته التي رواها الحاكم وغيره، وورد
أيضا في غير واحد من تفاسير أهل السنة، عن ابن عباس والسدي وغيرهما، قال القرطبي:
قوله تعالى: *(ومن يقترف حسنة)* أي: يكتسب، وأصل القرف الكسب، يقال... قال ابن
عباس: *(ومن يقترف حسنة)*: المودة لآل محمد صلى الله عليه وسلم، *(نزد له فيها
حسنا)* أي: تضاعف له الحسنة بعشر فصاعدا، *(إن الله غفور شكور)* قال قتادة: غفور
للذنوب شكور للحسنات. وقال السدي: غفور لذنوب آل محمد عليه السلام شكور لحسناتهم
(1).
(هامش)
(1) تفسير القرطبي 16 / 24. (*)
ص 213
وقال أبو حيان: وعن ابن عباس والسدي: أنها المودة في آل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم... وقال السدي: غفور لذنوب آل محمد عليه السلام شكور لحسناتهم (1).
وقال الآلوسي: روي ذلك عن ابن عباس والسدي (2). وهذا القدر كاف، وهو للقلب
السليم شاف، وللمطلب واف. وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
الأشراف.
(هامش)
(1) البحر المحيط 7 / 516. (2) روح المعاني 25 / 33. (*)
ص 215
آية المباهلة

ص 217
قوله تعالى *(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)*
وهذه هي الآية المعروفة بآية المباهلة. استدل بها أصحابنا على إمامة علي أمير
المؤمنين وأهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبيان ذلك في فصول:
ص 218
الفصل الأول: في نزول الآية في أهل البيت عليهم السلام

قال الله عز وجل: *(إن مثل
عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من
الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين * إن هذا
لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن
الله عليم بالمفسدين)*(1). وقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المباهلة
بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام. ذكر من رواه من الصحابة
والتابعين وروي هذا الخبر عن جماعة من أعلام الصحابة والتابعين، نذكر هنا من جاءت
الرواية عنه في كتب غير الإمامية، منهم: 1 - أمير المؤمنين علي عليه السلام. 2 -
عبد الله بن العباس. 3 - جابر بن عبد الله الأنصاري. 4 - سعد بن أبي وقاص.
(هامش)
(1) سورة آل عمران 3: 59 - 63. (*)
ص 219
5 - عثمان بن عفان. 6 - سعيد بن زيد. 7 - طلحة بن عبيد الله. 8 - الزبير بن العوام.
9 - عبد الرحمن بن عوف. 10 - البراء بن عازب. 11 - حذيفة بن اليمان. 12 - أبو سعيد
الخدري. 13 - أبو الطفيل الليثي. 14 - جد سلمة بن عبد يشوع. 15 - أم سلمة زوجة رسول
الله صلى الله عليه وآله. 16 - زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام. 17 - علباء بن
أحمر اليشكري. 18 - الشعبي. 19 - الحسن البصري. 20 - مقاتل. 21 - الكلبي. 22 -
السدي. 23 - قتادة. 24 - مجاهد. أما أمير المؤمنين عليه السلام، فقد ناشد القوم في
الشورى بنزول الآية فيه... وسيأتي الخبر قريبا.
ص 220
وأما عثمان، وطلحة، والزبير، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص،
فقد أقروا لعلي عليه السلام في ذلك. كما روى سعد الخبر، وكان مما به اعتذر عن سب
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما في صحيح الأثر... وسيأتي نصه. وأما أبو
الطفيل فهو راوي خبر المناشدة. وأما الآخرون... فستأتي نصوص الأخبار في رواياتهم.
ومن رواته من كبار الأئمة في الحديث والتفسير وقد اتفقت كتب الحديث والتفسير
والكلام على رواية حديث المباهلة، إما بالأسانيد، وإما بإرساله إرسال المسلمات، من
أشهرهم: 1 - سعيد بن منصور، المتوفى سنة 227. 2 - أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة،
المتوفى سنة 235. 3 - أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241. 4 - عبد بن حميد، المتوفى سنة
249. 5 - مسلم بن الحجاج، المتوفى سنة 261. 6 - أبو زيد عمر بن شبة البصري، المتوفى
سنة 262. 7 - محمد بن عيسى الترمذي، المتوفى سنة 279. 8 - أحمد بن شعيب النسائي،
المتوفى سنة 303. 9 - محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310. 10 - أبو بكر ابن
المنذر النيسابوري، المتوفى سنة 318. 11 - أبو بكر الجصاص، المتوفى سنة 370. 12 -
أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة 405.
ص 221
13 - أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني، المتوفى سنة 410. 14 - أبو إسحاق الثعلبي،
المتوفى سنة 427. 15 - أبو نعيم الأصفهاني، المتوفى سنة 430. 16 - أبو بكر البيهقي،
المتوفى سنة 458. 17 - علي بن أحمد الواحدي، المتوفى سنة 468. 18 - محيي السنة
البغوي، المتوفى سنة 516. 19 - جار الله الزمخشري، المتوفى سنة 516. 20 - القاضي
عياض اليحصبي، المتوفى سنة 544. 21 - أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي، المتوفى سنة
571. 22 - أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي، المتوفى سنة 579. 23 - أبو السعادات ابن
الأثير الجزري، المتوفى سنة 606. 24 - الفخر الرازي، المتوفى سنة 606. 25 - عز
الدين أبو الحسن ابن الأثير الجزري، المتوفى سنة 630. 26 - محمد بن طلحة الشافعي،
المتوفى سنة 652. 27 - شمس الدين سبط ابن الجوزي، المتوفى سنة 654. 28 - أبو عبد
الله القرطبي الأنصاري، المتوفى سنة 656. 29 - القاضي البيضاوي، المتوفى سنة 685.
30 - محب الدين الطبري، المتوفى سنة 694. 31 - نظام الدين الأعرج النيسابوري،
المتوفى سنة... 32 - أبو البركات النسفي، المتوفى سنة 710. 33 - صدر الدين أبو
المجامع إبراهيم الحموئي، المتوفى سنة 722. 34 - أبو القاسم ابن الجزي الكلبي،
المتوفى سنة 741.
ص 222
35 - علاء الدين الخازن، المتوفى سنة 741. 36 - أبو حيان الأندلسي، المتوفى سنة
745. 37 - شمس الدين الذهبي، المتوفى سنة 748. 38 - ابن كثير الدمشقي، المتوفى سنة
774. 39 - ولي الدين الخطيب التبريزي، المتوفى سنة... 40 - ابن حجر العسقلاني،
المتوفى سنة 852. 41 - نور الدين ابن الصباغ المالكي، المتوفى سنة 855. 42 - جلال
الدين السيوطي، المتوفى سنة 911. 43 - أبو السعود العمادي، المتوفى سنة 951. 44 -
الخطيب الشربيني، المتوفى سنة 968. 45 - ابن حجر الهيتمي المكي، المتوفى سنة 973.
46 - علي بن سلطان القاري، المتوفى سنة 1013. 47 - نور الدين الحلبي، المتوفى سنة
1033. 48 - شهاب الدين الخفاجي، المتوفى سنة 1069. 49 - الزرقاني المالكي، المتوفى
سنة 1122. 50 - عبد الله الشبراوي، المتوفى سنة 1162. 51 - قاضي القضاة الشوكاني،
المتوفى سنة 1250. 52 - شهاب الدين الآلوسي، المتوفى سنة 1270. وغيرهم من أعلام
الحديث والتفسير والكلام والتاريخ في مختلف القرون.
ص 223
من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة وهذه ألفاظ من الأخبار الواردة في نزول الآية
المباركة في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، كما رواه الحفاظ بأسانيدهم،
في الكتب المعتبرة: * أخرج ابن عساكر بسنده، وابن حجر من طريق الدارقطني، عن أبي
الطفيل: إن أمير المؤمنين عليه السلام ناشد أصحاب الشورى، واحتج عليهم بجملة من
فضائله ومناقبه، ومن ذلك أن قال لهم: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الرحم، ومن جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه،
وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟! قالوا: اللهم لا (1). أقول: ومناشدة أمير
المؤمنين في الشورى رواها عدد كبير من علماء الفريقين، بأسانيدهم عن: أبي ذر وأبي
الطفيل، وممن أخرجها من حفاظ الجمهور: الدارقطني، وابن مردويه، وابن عبد البر،
والحاكم، والسيوطي، وابن حجر المكي، والمتقي الهندي. * وفي المسند: حدثنا عبد
الله، قال أبي: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم ابن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن
عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، وخلفه في
بعض مغازيه، فقال علي
(هامش)
(1) تاريخ دمشق - ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام -: 3 / 90 ح 1131. (*)
ص 224
رضي الله عنه: أتخلفني مع النساء والصبيان؟! قال: يا علي! أما ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟! وسمعته يقول - يوم خيبر -: لأعطين
الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي
عليا رضي الله عنه فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية *(ندع أبناءنا وأبناءكم)* دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضوان الله عليهم أجمعين، فقال: اللهم هؤلاء أهلي (1).
* وأخرج مسلم قائلا: حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد - وتقاربا في اللفظ -
قالا: حدثنا حاتم - وهو ابن إسماعيل - عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي
وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا، فقال: ما منعك أن تسب أبا
تراب؟! فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه،
لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول له [وقد] خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله! خلفتني مع النساء
والصبيان! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي.
(هامش)
(1) مسند أحمد بن حنبل 1 / 185. (*)
ص 225
وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.
قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية
إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: *(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)*
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي
(1). * وأخرجه الترمذي بالسند واللفظ، فقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا
الوجه (2). * وأخرج النسائي: أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمار
الدمشقي، قالا: حدثنا حاتم، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال:
أمر معاوية سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟! فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر
النعم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، وخلفه في بعض مغازيه فقال له
علي: يا رسول الله! أتخلفني مع النساء والصبيان؟! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته
يقول يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.
(هامش)
(1) صحيح مسلم 7 / 120. (2) صحيح الترمذي 5 / 596 كتاب المناقب، مناقب علي. (*)
ص 226
فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية
إليه. ولما نزلت *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)* دعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي
(1). * وأخرج الحاكم فقال: أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، ثنا موسى بن
هارون، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد،
عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية *(ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم)* دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي
الله عنهم فقال: اللهم هؤلاء أهلي. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
(2). * ووافقه الذهبي في (تلخيصه). * وستأتي رواية الحاكم عن جابر. * وأخرجه عن ابن
عباس، قال: ذكر النوع السابع عشر من علوم الحديث: هذا النوع من العلم معرفة أولاد
الصحابة، فإن من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات. أول ما يلزم الحديثي
معرفته من ذلك: أولاد سيد البشر محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن صحت الرواية
عنه منهم: حدثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة، قال: حدثنا
(هامش)
(1) خصائص أمير المؤمنين: 48 - 49. (2) المستدرك على الصحيحين 3 / 150. (*)
ص 227
الحسين بن الحكم الحبري، قال: ثنا الحسن بن الحسين العرني، قال: ثنا حبان ابن علي
العنزي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله عز وجل: *(قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم - إلى قوله - الكاذبين)* نزلت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وعلي نفسه، *(ونساءنا ونساءكم)*: فاطمة، *(وأبناءنا وأبناءكم)*:
حسن وحسين، والدعاء على الكاذبين، نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابهم
(1). * وقال ابن حجر العسقلاني بشرح حديث المنزلة: ووقع في رواية عامر بن سعد بن
أبي وقاص عند مسلم والترمذي، قال: قال معاوية لسعد: ما منعك أن تسب أبا تراب؟! قال:
أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه... فذكر هذا
الحديث، وقوله: لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله... وقوله: لما نزلت *(فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)* دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللهم هؤلاء
أهلي (2). تنبيه الملاحظ أنهم يروون كلام سعد في جواب معاوية بأشكال مختلفة، مع
أن السند واحد، والقضية واحدة!! بل يرويه المحدث الواحد في الكتاب الواحد بأشكال،
فاللفظ الذي ذكرناه عن النسائي هو أحد ألفاظه.
(هامش)
(1) معرفة علوم الحديث: 49 - 50. (2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 / 60. (*)
ص 228
وبينما رواه بلفظ آخر عن بكير بن مسمار، قال: سمعت عامر بن سعد يقول: قال معاوية
لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب؟! قال: لا أسبه ما ذكرت ثلاثا
قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم،
لا أسبه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة، فأدخلهم تحت ثوبه ثم
قال: رب هؤلاء أهل بيتي - أو: أهلي... (1). ورواه بلفظ ثالث: إن معاوية ذكر علي
بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال سعد بن أبي وقاص: والله لئن لي واحدة من خلال ثلاث
أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. لأن يكون قال لي ما قاله له حين رده من
تبوك: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، أحب إلي من
أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قال له يوم خيبر: لأعطين
الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار، أحب إلي من أن يكون
لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحب إلي من أن
يكون لي ما طلعت عليه الشمس (2). ورواه بلفظ رابع عن سعد، قال: كنت جالسا
فتنقصوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقلت: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في علي خصالا ثلاث، لإن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.
(هامش)
(1) خصائص أمير المؤمنين: 81. (2) خصائص أمير المؤمنين: 116. (*)
ص 229
سمعته يقول: إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وسمعته يقول:
لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. وسمعته يقول: من كنت
مولاه فعلي مولاه (1). وهو عند ابن ماجة باللفظ الآتي: قدم معاوية في بعض
حجاته، فدخل عليه سعد، فذكروا عليا، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. وسمعته يقول: أنت مني
بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. وسمعته يقول: لأعطين الراية اليوم رجلا
يحب الله ورسوله (2). أقول: إنه إن أمكن حمل اختلاف ألفاظ الروايات في الخصال
الثلاث على وجه صحيح، ولا يكون هناك تحريف كأن يحمل على التعدد مثلا، فلا ريب في
تحريف القوم للفظ في ناحية أخرى، وهي قضية سب أمير المؤمنين عليه السلام والنيل
منه، خاصة مع السند الواحد! فإن أحمد ومسلما والترمذي والنسائي وابن عساكر (3) كلهم
اشتركوا في الرواية بسند واحد، فجاء عند غير أحمد: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا
فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال: أما ما ذكرت ثلاثا... سمعت... . لكن أحمد
حذف ذلك كله وبدأ الحديث من سمعت... وكأنه لم تكن
(هامش)
(1) خصائص أمير المؤمنين: 49 - 50. (2) سنن ابن ماجة 1 / 45. (3) تاريخ دمشق -
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام - 1 / 206 ح 271. (*)
ص 230
هناك أية مناسبة لكلام سعد هذا!! أما الحاكم فيروي الخبر بنفس السند ويحذف المناسبة
وخصلتين من الخصال الثلاث!! والنسائي يحذف المناسبة في لفظ، ويقول: إن معاوية ذكر
علي بن أبي طالب، فقال سعد... !! وفي آخر يحذفها ويضع بدلها كلمة كنت جالسا
فتنقصوا علي بن أبي طالب... !! وابن ماجة، قال: قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل
عليه سعد، فذكروا عليا، فنال منه، فغضب سعد وقال... . فجاء ابن كثير وحذف منه
فنال منه، فغضب سعد (1). وفي (الفضائل) لأحمد: ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن
أبي وقاص، فقال له سعد: أتذكر عليا؟! (2). وأبو نعيم وبعضهم حذف القصة من أصلها،
فقال: عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله: في علي ثلاث خلال... (3). هذا،
والسبب في ذلك كله معلوم! إنهم يحاولون التغطية على مساوئ سادتهم ولو بالكذب
والتزوير! ولقد أفصح عن ذلك بعضهم، كالنووي، حيث قال: قال العلماء: الأحاديث
الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات
الثقات إلا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه،
وإنما سأله عن السبب المانع
(هامش)
(1) تاريخ ابن كثير 7 / 340. (2) فضائل علي - لأحمد بن حنبل -: مخطوط. (3) حلية
الأولياء 4 / 356. (*)
ص 231
له من السب، كأنه يقول: هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك؟! فإن كان تورعا
وإجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر. ولعل سعدا قد
كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال.
قالوا: ويحتمل تأويلا آخر، أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر
للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ؟ . إنتهى (1). ونقله المباركفوري بشرح الحديث
(2). أقول: وهل ترتضي - أيها القارئ - هذا الكلام في مثل هذا المقام؟! أولا: إن كان
هناك مجال لحمل كلام المتكلم على الصحة وتأويله على وجه مقبول، فهذا لا يختص بكلام
الصحابي دون غيره. وثانيا: إذا كانت هذه قاعدة يجب اتباعها بالنسبة إلى أقوال
الصحابة، فلماذا لا يطبقونها بالنسبة لكل الصحابة؟! وثالثا: إذا كانت هذه القاعدة
للأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي! فلماذا يطبقونها في الأحاديث
الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام، فلم يأخذوا بظواهرها، بل أعرضوا عن
النصوص منها؟! ومنها حديث المباهلة، حيث لا تأويل فحسب، بل التعتيم والتحريف، كما
سنرى في الفصل الآتي.
(هامش)
(1) المنهاج - شرح صحيح مسلم بن الحجاج - 15 / 175. (2) تحفة الأحوذي - شرح جامع
الترمذي - 10 / 156. (*)
ص 232
ورابعا: إن التأويل والحمل على الصحة إنما يكون حيث يمكن، وقولهم: ليس فيه تصريح
بأنه أمر سعدا بسبه، وإنما سأله كذب، فقد تقدم في بعض النصوص التصريح ب الأمر
و النيل و التنقيص وهذا كله مع تهذيب العبارة، كما لا يخفى. بل ذكر ابن
تيمية: أن معاوية أمر بسب علي (1). بل جاءت الرواية عن مسلم والترمذي على واقعها،
ففي رواية القندوزي الحنفي عنهما، قال: وعن سهل بن سعد، عن أبيه، قال: أمر معاوية
بن أبي سفيان سعدا أن يسب أبا التراب، قال: أما ما ذكرت ثلاثا... أخرجه مسلم
والترمذي (2). وخامسا: قولهم: كأنه يقول... فإن كان تورعا... فأنت مصيب محسن
يكذبه ما جاء التصريح به في بعض ألفاظ الخبر من أن سعدا خرج من مجلس معاوية غضبان
وحلف ألا يعود إليه!! وعلى كل حال... فهذا نموذج من تلاعبهم بخبر مساوئ أسيادهم،
لإخفائها، وسترى - في الفصل اللاحق - نموذج تلاعبهم بفضائل علي عليه السلام،
لإخفائها، وهذا دين القوم وديدنهم، حشرهم الله مع الذين يدافعون عنهم ويودونهم!! *
وروى ابن شبة، المتوفى سنة 262، قال: حدثنا الحرامي، قال: حدثنا ابن وهب، قال:
أخبرني الليث بن سعد، عن من حدثه، قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه
وسلم يعرض عليهما الإسلام... قال: فدعاهما النبي إلى المباهلة وأخذ بيد علي وفاطمة
والحسن والحسين رضي الله عنهم،
(هامش)
(1) منهاج السنة 5 / 42. (2) ينابيع المودة: 193. (*)
ص 233
فقال أحدهما للآخر: قد أنصفك الرجل. فقالا: لا نباهلك. وأقرا بالجزية وكرها الإسلام
(1). * وروى الحسين بن الحكم الحبري (2)، المتوفى سنة 286، قال: حدثني إسماعيل
بن أبان، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري، قال: لما
نزلت هذه الآية *(تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)* قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين (3). * وأخرج الطبري: حدثنا ابن حميد، قال:
ثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن زيد بن علي، في قوله: *(تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم)* الآية، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين
. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي،
*(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)* الآية، فأخذ - يعني النبي صلى الله عليه
وسلم - بيد الحسن والحسين وفاطمة، وقال لعلي: اتبعنا، فخرج معهم، فلم يخرج يومئذ
النصارى وقالوا: إنا نخاف... . حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق،
قال: أخبرنا معمر،
(هامش)
(1) تاريخ المدينة المنورة، المجلد 1 / 583. (2) وهو أيضا في طريق الحاكم في
المستدرك . (3) تفسير الحبري: 248. قال محققه: الحديث عن أبي سعيد الخدري قد
تفرد بنقله المؤلف، فلم يروه غيره من المؤلفين، بل ينحصر وجوده بنسختينا ولم يوجد
في سائر النسخ . قلت: وما جاء في ذخائر العقبى، ص 25: عن أبي سعيد... فغلط،
بقرينة قوله في الآخر: أخرجه مسلم والترمذي، لأن الذي أخرجاه هو عن سعد. (*)
ص 234
عن قتادة، في قوله: *(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم)* قال: بلغنا أن نبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلا على أهل نجران، فلما
رأوه خرج، هابوا وفرقوا فرجعوا. قال معمر: قال قتادة: لما أراد النبي صلى الله عليه
وسلم أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين، وقال لفاطمة: اتبعينا، فلما رأى ذلك أعداء الله
رجعوا . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، قال: قيل لرسول صلى
الله عليه وسلم: لو لاعنت القوم، بمن كنت تأتي حين قلت *(أبناءنا وأبناءكم)*؟ قال:
حسن وحسين . حدثني محمد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا المنذر بن
ثعلبة، قال: ثنا علباء بن أحمر اليشكري، قال: لما نزلت هذه الآية: *(فقل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم)* الآية، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين... (1). * وقال السيوطي: أخرج البيهقي في
(الدلائل) من طريق سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جده: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كتب إلى أهل نجران... فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما
أخبرهم الخبر، أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره،
للملاعنة، وله يومئذ عدة نسوة... . وأخرج الحاكم - وصححه - وابن مردويه، وأبو
نعيم في (الدلائل) عن
(هامش)
(1) تفسير الطبري 3 / 212 - 213. (*)
ص 235
جابر، قال:... فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن
والحسين... قال جابر: فيهم نزلت: *(أنفسنا وأنفسكم)*: رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلي. *(وأبناءنا)*: الحسن والحسين. *(ونساءنا)*: فاطمة . وأخرج أبو نعيم في
(الدلائل) من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس:... وقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إن أنا دعوت فأمنوا أنتم، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية . وأخرج
ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم، عن الثعلبي...
فغدا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة... . وأخرج مسلم،
والترمذي، وابن المنذر، والحاكم، والبيهقي في سننه، عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما
نزلت هذه الآية: *(قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)* دعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، وقال: اللهم هؤلاء أهلي . * وقال الزمخشري: وروي
أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر، فلما تخالوا قالوا للعاقب -
وكان ذا رأيهم -: يا عبد المسيح! ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم - يا معشر النصارى
- أن محمدا نبي مرسل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط
فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لنهلكن، فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة
على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
ص 236
فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة
تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا. فقال أسقف نجران: يا معشر
النصارى! إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها، فلا
تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا
القاسم! رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا. قال: فإذا أبيتم
المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم. فأبوا. قال: فإني أناجزكم.
قالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا
عن ديننا، على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة، ألف في صفر وألف في رجب، وثلاثين درعا
عادية من حديد. فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده، إن الهلاك قد تدلى على أهل
نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولاستأصل الله
نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى
يهلكوا. وعن عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مرط
مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي، ثم
قال: *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)*. فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى
المباهلة إلا لتبيين الكاذب منه ومن خصمه
ص 237
وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟ قلت: ذلك آكد في
الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده
وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك
خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة. وخص الأبناء والنساء لأنهم
أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل، ومن ثمة
كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب، ويسمون الذادة عنها
بأرواحهم حماة الظعائن. وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب
منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها. وفيه دليل لا شيء أقوى منه على
فضل أصحاب الكساء عليهم السلام. وفيه برهان واضح على نبوة النبي صلى الله عليه
وسلم، لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك (1). * وروى ابن
الأثير حديث سعد في الخصال الثلاثة، بإسناده عن الترمذي (2). وأرسله في تاريخه
إرسال المسلم، قال: وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا مباهلته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه
علي وفاطمة والحسن والحسين، فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل
الجبال
(هامش)
(1) الكشاف 1 / 369 - 370. (2) أسد الغابة في معرفة الصحابة 4 / 26. (*)
ص 238
لأزالها، ولم يباهلوه، وصالحوه على ألفي حلة، ثمن كل حلة أربعون درهما، وعلى أن
يضيفوا رسل رسول الله، وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ولا
يعشروا، وشرط عليهم أن يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به (1). * وروى الحاكم الحسكاني
بإسناده: عن أبي إسحاق السبيعي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان، قال: جاء
العاقب والسيد - أسقفا نجران - يدعوان النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة، فقال
العاقب للسيد: إن لاعن بأصحابه فليس بنبي، وإن لاعن بأهل بيته فهو نبي. فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليا فأقامه عن يمينه، ثم دعا الحسن فأقامه على
يساره، ثم دعا الحسين فأقامه عن يمين علي، ثم دعا فاطمة فأقامها خلفه. فقال العاقب
للسيد: لا تلاعنه، إنك إن لاعنته لا نفلح نحن ولا أعقابنا، فقال رسول الله: لو
لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف (2). أقول: وهذا نفس السند عند البخاري عن
حذيفة، لكنه حذف من الخبر ما يتعلق ب أهل البيت ووضع مكانه فضيلة ل أبي
عبيدة ، وسيأتي في الفصل اللاحق، فانتظر!! * وقال ابن كثير: وقال أبو بكر ابن
مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن داود المكي، حدثنا بشر بن مهران،
حدثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر، قال:... فغدا رسول
الله صلى الله
(هامش)
(1) الكامل في التاريخ 2 / 293. (2) شواهد التنزيل 1 / 126. (*)
ص 239
عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين... قال جابر: وفيهم نزلت... وهكذا
رواه الحاكم في مستدركه... ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا. قال: وقد
رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي، مرسلا، وهذا أصح. وقد روي
عن ابن عباس والبراء نحو ذلك (1). ولكنه - في (التاريخ) - ذكر أولا حديث البخاري
المبتور! ثم روى القصة عن البيهقي، عن الحاكم بإسناده عن سلمة بن عبد يشوع، عن
أبيه، عن جده، وليس فيه ذكر لعلي عليه السلام، كما سيأتي. * وقال القاري بشرح
الحديث: عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما نزلت هذه الآية - أي المسماة بآية المباهلة
- *(ندع أبناءنا وأبناءكم)* أولها *(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)* دعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم عليا، فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة، وفاطمة، أي
لأنها أخص النساء من أقاربه، وحسنا وحسينا، فنزلهما منزلة ابنيه صلى الله عليه
وسلم، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، أي: أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. رواه مسلم
(2).
(هامش)
(1) تفسير ابن كثير 1 / 319. (2) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 589. (*)
ص 240
كلمات حول السند ولنورد نصوص عبارات لبعض أئمة القوم في قطعية هذا الخبر: قال
الحاكم: وقد تواترت الأخبار في التفاسير، عن عبد الله بن عباس وغيره، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين، وجعلوا فاطمة
وراءهم، ثم قال: هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا، فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين (1). وقال الجصاص: إن رواة السير ونقلة
الأثر لم يختلفوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي
وفاطمة رضي الله عنهم، ودعا النصارى الذين حاجوه إلى المباهلة... (2). وقال ابن
العربي المالكي: روى المفسرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ناظر أهل نجران حتى
ظهر عليهم بالدليل والحجة، فأبوا الانقياد والإسلام، فأنزل الله هذه الآية، فدعا
حينئذ عليا وفاطمة والحسن والحسين، ثم دعا النصارى إلى المباهلة (3). وقال ابن
طلحة الشافعي: أما آية المباهلة، فقد نقل الرواية الثقات والنقلة الأثبات نزولها
في حق علي، وفاطمة والحسن والحسين (4). واعترف القاضي الأيجي والشريف الجرجاني
بدلالة الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل على أنه صلى الله عليه
وآله وسلم دعا عليا وفاطمة وابنيهما فقط، وستأتي عبارتهما كاملة في فصل الدلالة.
(هامش)
(1) معرفة علوم الحديث: 50. (2) أحكام القرآن 2 / 16. (3) أحكام القرآن 1 / 115. ط
السعادة بمصر، وفي الطبعة الموجودة عندي 1 / 360 لا يوجد اسم علي، فليتحقق. (4)
مطالب السؤول: 7. (*)
ص 241
الفصل الثاني: محاولات يائسة وأكاذيب مدهشة

ولما كانت قضية المباهلة، ونزول الآية
المباركة في أهل البيت دون غيرهم، من أسمى مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الدالة
على إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد حاول بعض المتكلمين من
مدرسة الخلفاء الإجابة عن ذلك، كما سنرى بالتفصيل. لكن هناك محاولات بالنسبة إلى
أصل الخبر ومتنه، الأمر الذي يدل على إذعان القوم بدلالة الحديث على مذهب الإمامية، وبخوعهم بعدم الجدوى فيما يحاولونه من المناقشة فيها... وتلك المحاولات هي: 1 -
الإخفاء والتعتيم على أصل الخبر فمن القوم من لا يذكر الخبر من أصله!! مع ما فيه من
الأدلة على النبوة وظهور الدين الإسلامي على سائر الأديان... أذكر منهم ابن هشام
(1) وتبعه ابن سيد الناس (2)، والذهبي (3) وهذه عبارة الثاني في ذكر الوفود، وهي
ملخص عبارة الأول: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر
ربيع
(هامش)
(1) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 592. (2) عيون الأثر في المغازي والسير 2 / 244.
(3) تاريخ الإسلام - المغازي -: 695. (*)
ص 242
الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر، إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى
الإسلام قبل أن يقاتلهم، ثلاثا، فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام،
ويقولون: أيها الناس أسلموا تسلموا، فأسلم الناس ودخلوا في ما دعوا إليه، فأقام
فيهم خالد يعلمهم الإسلام، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. فكتب له
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل ويقبل معه وفدهم، فأقبل وأقبل معه وفدهم،
منهم قيس بن الحصين ذي الغصة... وأمر عليهم قيس بن الحصين. فرجعوا إلى قومهم في
بقية من شوال أو في ذي القعدة، فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر، حتى توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم . 2 - الإخفاء والتعتيم على حديث المباهلة وهذا ما حاوله آخرون،
منهم: * البخاري - تحت عنوان: قصة أهل نجران، من كتاب المغازي -: حدثني عباس بن
الحسين، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة،
قال: جاء العاقب والسيد - صاحبا نجران - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريدان
أن يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيا فلاعنا لا نفلح
نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث
معنا إلا أمينا، فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين.
ص 243
فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح،
فلما قام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أمين هذه الأمة. حدثنا محمد بن
بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق، عن صلة بن زفر، عن
حذيفة رضي الله عنه قال: جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث
لنا رجلا أمينا. فقال: لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف له الناس، فبعث
أبا عبيدة بن الجراح (1). أقول: قد تقدم حديث حذيفة بن اليمان، رواه القاضي
الحسكاني بنفس السند... لكن البخاري لم يذكر سبب الملاعنة! ولا نزول الآية
المباركة! ولا خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي وفاطمة والحسنين عليهم
السلام! ولا يخفى التحريف في روايته، وعبارته مشوشة جدا، يقول: جاء... يريدان أن
يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل فقد جاءا يريدان أن يلاعناه فلا بد وأن
حدث شيء؟ فقال أحدهما لصاحبه... فما الذي حدث؟!! لقد أشار الحافظ ابن حجر في
شرحه إلى نزول الآية وخروج النبي للملاعنة بأهل البيت عليهم السلام، لكنها إشارة
مقتضبة جدا!! ثم قال: قالا: إنا نعطيك ما سألتنا والنبي صلى الله عليه وآله
وسلم لم يسأل شيئا، وإنما دعاهما إلى الإسلام وما جاء به القرآن، فأبيا، فآذنهم
(هامش)
(1) صحيح البخاري 5 / 217. ط دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
ص 244
بالحرب، فطلبا منه الصلح وإعطاء الجزية، فكتب لهما بذلك وكان الكاتب علي عليه
السلام. ثم إن البخاري - بعد أن حذف حديث المباهلة إخفاء لفضل أهل الكساء - وضع
فضيلة لأبي عبيدة، بأنهما قالا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ابعث معنا رجلا
أمينا فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح... لكن في غير واحد من الكتب أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أرسل إليهم عليا عليه السلام، وهذا ما نبه عليه الحافظ وحاول
رفع التعارض، فقال: وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي بعث عليا إلى أهل نجران ليأتيه
بصدقاتهم وجزيتهم، وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة، لأن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال
الصلح ورجع، وعلي أرسله النبي بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ
ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة. والله أعلم (1). قلت: ولم أجد في روايات
القصة إلا أنهما أقرا بالجزية التزما بدفع ما تضمنه الكتاب الذي كتبه صلى الله
عليه وآله وسلم لهم، ومن ذلك: ألفا حلة في كل رجب ألف، وفي كل صفر ألف وهذه هي
الجزية، وعليها جرى أبو بكر وعمر، حتى جاء عثمان فوضع عنهم بعض ذلك! وكان مما كتب:
إني قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه الله! (2). ثم إن رجوعهما إلى
قومهما كان في بقية من شوال أو ذي القعدة (3) فأين
(هامش)
(1) فتح الباري - شرح صحيح البخاري - 8 / 77. (2) فتوح البلدان: 77. (3) عيون الأثر
2 / 244، وغيره. (*)
ص 245
رجب؟! وأين صفر؟! فما ذكره الحافظ رفعا للتعارض ساقط. ولعله من هنا لم تأت هذه
الجملة في رواية مسلم، فقد روى الخبر عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال:
جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! ابعث
إلينا رجلا أمينا، فقال: لأبعثن إليكم رجلا أمينا... (1). ثم إنه قد تعددت أحاديث
القوم في أمانة أبي عبيدة حتى أنهم رووا بلفظ أمين هذه الأمة أبو عبيدة ،
وقد تكلمنا على هذه الأحاديث من الناحيتين - السند والدلالة - في موضعه من كتابنا
بالتفصيل (2). * ابن سعد، فإنه ذكر تحت عنوان وفد نجران : كتب رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى أهل نجران، فخرج إليه وفدهم، أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى،
فيهم العاقب وهو عبد المسيح... ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا، وكثر الكلام والحجاج
بينهم، وتلا عليهم القرآن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أنكرتم ما أقول
لكم فهلم أباهلكم، فانصرفوا على ذلك. فغدا عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قد بدا لنا أن لا نباهلك، فاحكم علينا بما أحببت
نعطك ونصالحك، فصالحهم على... وأشهد على ذلك شهودا، منهم: أبو سفيان بن حرب،
والأقرع بن حابس، والمغيرة بن شعبة. فرجعوا إلى بلادهم، فلم يلبث السيد والعاقب إلا
يسيرا حتى رجعا إلى
(هامش)
(1) صحيح مسلم 7 / 139. (2) راجع: الجزء الحادي عشر، من الصفحة: 315 إلى الصفحة 338
من كتابنا. (*)
ص 246
النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري. وأقام أهل
نجران على ما كتب لهم به النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله... (1). * وقال
الطبري - في ذكر الوفود في السنة العاشرة -: وفيها قدم وفد العاقب والسيد من
نجران، فكتب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصلح (2). ثم قال في خروج
الأمراء والعمال على الصدقات: وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم
ويقدم عليه بجزيتهم (3). * وقال ابن الجوزي: وفي سنة عشر من الهجرة أيضا قدم
العاقب والسيد من نجران، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب صلح (4). *
وقال ابن خلدون: وفيها قدم وفد نجران النصارى، في سبعين راكبا، يقدمهم أميرهم
العاقب عبد المسيح من كندة، وأسقفهم أبو حارثة بن بكر بن وائل والسيد الأيهم،
وجادلوا عن دينهم، فنزل صدر سورة آل عمران، وآية المباهلة، فأبوا منها، وفرقوا
وسألوا الصلح، وكتب لهم به على ألف حلة في صفر وألف في رجب، وعلى دروع ورماح وخيل
وحمل ثلاثين من كل صنف، وطلبوا أن يبعث معهم واليا يحكم بينهم، فبعث معهم أبا عبيدة
بن الجراح، ثم جاء العاقب والسيد وأسلما (5).
(هامش)
(1) الطبقات الكبرى 1 / 357 - 358. (2) تاريخ الطبري 3 / 139. (3) تاريخ الطبري 3 /
147. (4) المنتظم في تاريخ الأمم - حوادث السنة العاشرة - 4 / 3. (5) تاريخ ابن
خلدون 4 / 836 - 837. (*)
ص 247
3 - الإخفاء والتعتيم على اسم علي!! وحاول آخرون منهم أن يكتموا اسم علي عليه
السلام. * فحذفوا اسمه من الحديث، كما في الرواية عن جد سلمة بن عبد يشوع المتقدمة.
* بل تصرف بعضهم في حديث مسلم، وأسقط منه اسم علي ، كما سيأتي عن (البحر
المحيط)!! * والبلاذري عنون في كتابه صلح نجران وذكر القصة، فقال: فأنزل الله
تعالى: *(ذلك لنتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم * إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم
خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون - إلى قوله: - الكاذبين)* فقرأها رسول الله صلى
الله عليه وسلم عليهما، ثم دعاهما إلى المباهلة، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين،
فقال أحدهما لصاحبه، اصعد الجبل ولا تباهله، فإنك إن باهلته بؤت باللعنة. قال: فما
ترى؟ قال: أرى أن نعطيه الخراج ولا نباهله... (1). * وابن القيم اقتصر على رواية
جد سلمة، ولم يورد اللفظ الموجود عند مسلم وغيره، قال: وروينا عن أبي عبد الله
الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن سلمة بن عبد يشوع،
عن أبيه، عن جده، قال يونس - وكان نصرانيا فأسلم -: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كتب إلى أهل نجران... فحكى القصة إلى أن قال: فلما أصبح رسول الله صلى
الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملا على الحسن والحسين رضي الله
عنهما في خميل له وفاطمة
(هامش)
(1) فتوح البلدان: 75 - 76. (*)
ص 248
رضي الله عنها تمشي عند ظهره، للمباهلة، وله يومئذ عدة نسوة... (1). * وكذا فعل
ابن كثير في تاريخه... (2). * واختلف النقل عن الشعبي على أشكال: أحدها: روايته عن
جابر بن عبد الله، وفيها نزول الآية في علي وفاطمة والحسنين. والثاني: روايته الخبر
مع حذف اسم علي!! رواه عنه جماعة، وعنهم السيوطي، وقد تقدم. وجاء عند الطبري بعد
الخبر عن ابن حميد، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، وليس فيه ذكر علي: حدثنا ابن
حميد، قال: ثنا جرير، قال: فقلت للمغيرة: إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن عليا
كان معهم! فقال: أما الشعبي فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في علي، أو لم
يكن في الحديث (3). والثالث: روايته الخبر مع حذف اسم علي! وإضافة وناس من
أصحابه !! وهو ما نذكره: 4 - التحريف بحذف اسم علي وزيادة وناس من أصحابه وهذا
الخبر لم أجده إلا عند ابن شبة، عن الشعبي، حيث قال: حدثنا أبو الوليد أحمد بن
عبد الرحمن القرشي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد
الفزاري، عن عطاء بن السائب، عن
(هامش)
(1) زاد المعاد في هدى خير العباد 3 / 39 - 40. (2) البداية والنهاية 5 / 53. (3)
تفسير الطبري 3 / 211. (*)
ص 249
الشعبي، قال: قدم وفد نجران، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن
عيسى... قال: فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وغدا حسن وحسين وفاطمة وناس من
أصحابه، وغدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما للملاعنة جئناك، ولكن
جئناك لتفرض علينا شيئا نؤديه إليك... (1). فإذا كان المراد من وغدا حسن...
أنهم خرجوا مع رسول الله ليباهل بهم، فقد أخرج صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل بيته
ناسا من الصحابة !! وإذا كان قد خرج مع النبي ناس من أصحابه فلماذا لم يجعل
الراوي عليا منهم في الأقل!! لكن الشعبي - إن كانت هذه التحريفات منه لا من الرواة
عنه - معروف بنزعته الأموية، ولعل في أحد الروايات التي نقلناها سابقا عن تفسير
الطبري إشارة إلى ذلك... وقد كان الشعبي أمين آل مروان، وقاضي الكوفة في زمانهم،
وكان نديما لعبد الملك بن مروان، مقربا إليه، وكل ذلك وغيره مذكور بترجمته في
الكتب، فلتراجع. 5 - التحريف بزيادة عائشة وحفصة وهذا اللفظ وجدته عند الحلبي،
قال: وفي لفظ: أنهم وادعوه على الغد، فلما أصبح صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه حسن
وحسين وفاطمة وعلي رضي الله عنهم وقال: اللهم هؤلاء أهلي... وعن عمر رضي الله عنه،
أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو لاعنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ؟ قال
صلى الله عليه وسلم: آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة.
(هامش)
(1) تاريخ المدينة المنورة 1 / 581 - 582. (*)
ص 250
وهذا - أي زيادة عائشة وحفصة - دل عليه قوله تعالى: *(ونساءنا ونساءكم)* وصالحوه...
(1). 6 - التحريف بحذف فاطمة وزيادة: أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان
وولده وهذا لم أجده إلا عند ابن عساكر، وبترجمة عثمان بالذات!! من تاريخه، قال:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي، أنبأ أبو الحسن
العتيقي، أنبأ أبو الحسن الدارقطني، نا أبو الحسين أحمد بن قاج، نا محمد بن جرير
الطبري - إملاء علينا - نا سعيد بن عنبسة الرازي، نا الهيثم بن عدي، قال: سمعت جعفر
بن محمد، عن أبيه في هذه الآية *(تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم)*. قال: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعلي
وولده (2). ورواه عنه: السيوطي (3) والشوكاني (4) والآلوسي (5) والمراغي (6)
ساكتين عنه!! نعم قال الآلوسي: وهذا خلاف ما رواه الجمهور .
(هامش)
(1) إنسان العيون - السيرة الحلبية 3 / 236. (2) تاريخ دمشق - ترجمة عثمان بن عفان
-: 168 - 169. (3) الدر المنثور 2 / 40. (4) فتح القدير 1 / 348. (5) روح المعاني 3
/ 190. (6) تفسير المراغي 4 / 175. (*)
ص 251
أقول: كانت تلك محاولات القوم في قبال حديث المباهلة، وتلاعباتهم في لفظه... بغض
النظر عن تعابير بعضهم عن الحديث ب قيل و روي ونحو ذلك مما يقصد منه
الاستهانة به عادة. هذا، والأليق بنا ترك التكلم على هذه التحريفات - زيادة ونقيصة
- لوضوح كونها من أيد أموية، تحاول كتم المناقب العلوية، لعلمهم بدلالتها على مزايا
تقتضي الأفضلية، كما حاولت في (حديث الغدير) و(حديث المنزلة) ونحوهما. وفي (حديث
المباهلة) أرادوا كتم هذه المزية، ولو بترك ذكر أصل القضية! أو بحذف اسم علي أو
فاطمة الزكية،... ولولا دلالة الحديث على الأفضلية - كما سيأتي - لما زاد بعضهم
عائشة وحفصة إلى جنب فاطمة!! بل أراد بعضهم إخراج الحديث عن الدلالة بانحصار هذه
المزية في أهل البيت عليهم السلام، فوضع على لسان أحدهم - وهو الإمام الباقر، يرويه
عنه الإمام الصادق - ما يدل على كون المشايخ الثلاثة في مرتبة علي!! وأن ولدهم في
مرتبة ولده!! وضعوه على لسان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ليروج على البسطاء
من الناس!! وكم فعلوا من هذا القبيل على لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام
وأولادهم، في الأبواب المختلفة من التفسير والفقه والفضائل (1)! إن ما رواه ابن
عساكر لم يخرجه أحد من أرباب الصحاح والمسانيد
(هامش)
(1) ذكرنا في بعض بحوثنا المنشورة نماذج من ذلك، ويا حبذا لو تجمع وتنشر في رسالة
مفردة، والله الموفق. (*)
ص 252
والمعاجم، ولا يقاوم - بحسب قواعد القوم - ما أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم،
ونص الحاكم على تواتره، وغيره على ثبوته. بل إن هذا الحديث لم يعبأ به حتى مثل ابن
تيمية المتشبث بكل حشيش! إن هذا الحديث كذب محض، باطل سندا ومتنا... ولنتكلم على
اثنين من رجاله: 1 - سعيد بن عنبسة الرازي ليس من رجال الصحاح والسنن ونحوها، وهو
كذاب، ذكره ابن أبي حاتم فقال: سعيد بن عنبسة، أبو عثمان الخزاز الرازي... سمع
منه أبي ولم يحدث عنه، وقال: فيه نظر. حدثنا عبد الرحمن، قال: سمعت علي بن الحسين،
قال: سمعت يحيى بن معين - وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي - فقال: لا أعرفه. فقيل:
إنه حدث عن أبي عبيدة الحداد حديث والآن، فقال: هذا كذاب. حدثنا عبد الرحمن، قال:
سمعت علي بن الحسين يقول: سعيد بن عنبسة كذاب. سمعت أبي يقول: كان لا يصدق (1). 2
- الهيثم بن عدي وقد اتفقوا على أنه كذاب. قال ابن أبي حاتم: سئل يحيى بن معين عن
الهيثم بن عدي، فقال:
(هامش)
(1) الجرح والتعديل 4 / 52. (*)