النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 43 : -

[ المورد - ( 6 ) - سهم ذي القربى : ]

المنصوص عليه بقوله عز من قائل : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ( 1 ) فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ( 2 ) وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ ( 3 ) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 4 ) .   

وقد اجمع أهل القبلة كافة على ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه ، وانه لم يعهد بتغيير ذلك إلى احد حتى دعاه الله إليه ، واختاره الله إلى الرفيق الأعلى ( 69 ) .

 

( 1 ) الغنم والغنيمة والمغنم حقيقة عند العرب في كل ما يستفيده الإنسان ومعاجم اللغة صريحة في ذلك فلا وجه للتخصيص هنا بغنائم دار الحرب . وقوله من شئ بيان ما الموصولة في قوله أنما غنتم فيكون المعنى أن ما استفدتم من شئ ما كثر أو قل حتى الخيط فان لله خمسه ( منه قدس ) .
( 2 ) وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس : ان النبي صلى الله عليه وآله قال لوفد عبد القيس لما أمرهم بالإيمان بالله وحده - : أتدرون ما الإيمان بالله وحده - قالوا : الله ورسوله أعلم . قال شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ( منه قدس ) .
( 3 ) معنى هذا الشرط ان الخمس حق شرعي لأربابه المذكورين في الآية يجب صرفه إليهم فاقطعوا عنه أطماعكم وأدوه إليهم ان كنتم آمنتم بالله ، وفيه من البعث على أداء الخمس والإنذار لتاركيه مالا يخفى ( منه قدس ) .
( 4 ) هذه الآية هي الآية 41 من سورة الأنفال ( منه قدس ) .
( 69 ) الرسول صلى الله عليه وآله وسهم ذي القربة : راجع : الكشاف للزمخشري ج 2 / 158 ، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 295 ،
=>

 
 

- ص 51 -

فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه تأول الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموته صلى الله عليه وآله ومنع - كما في الكشاف ( 1 ) وغيره - بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم ( 70 ) .

وقد أرسلت فاطمة عليها السلام تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة و " فدك " وما بقي من خمس " خيبر " فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا

  => تفسير القرطبي ج 8 / 10 ، تفسير الطبري ج 10 / 4 - 5 و 7 ، الدر المنثور للسيوطي ج 3 / 185 - 186 ، تفسير المنار ج 10 / 15 و 16 ، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7 / 120 و 122 ، تاريخ الطبري ج 3 / 19 ، تفسير النيسأبوري بهامش تفسير الطبري ج 10 ، الأموال لأبي عبيد ص 325 و 14 ، أحكام القرآن للجصاص ج 3 / 60 ، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 113 ، الأحكام السلطانية للماوردى ص 168 - 171 ، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 181 - 185 ، شرح صحيح مسلم للنووي ج 12 / 82 باب حكم الفئ من كتاب الجهاد .

( 1 ) قال حول بحثه عن آية الخمس ، وعن أبن عباس انه - أي الخمس - على ستة أسهم لله ولرسوله سهمان ، وسهم لأقاربه حتى قبض صلى الله عليه وآله فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة ، وكذلك روى عن عمر ومن بعده من الخلفاء قال : وروى ان أبا بكر قد منع بني هاشم من الخمس . . الخ ( منه قدس ) .

( 70 ) منع سهم ذي القربى : راجع الكشاف ج 2 / 159 ، تفسير القرطبي ج 8 / 10 ، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 295 ، تفسير الطبري ج 10 / 6 ، الدر المنثور ج 3 / 187 ، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7 / 121 ، شرح النهج لابن أبى الحديد ج 16 / 230 و 231 وج 12 / 83 ، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 144 ( * ) .

 
 

- ص 52 -

ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها . ( الحديث ) ( 71 ) .

وفي صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز . قال : كتب نجدة بن عامر الحروري الخارجي إلى ابن عباس قال ابن هرمز : فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه وقال ابن عباس والله لولا ان أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه ، ولا نعمة عين . قال فكتب إليه : انك سألتني عن سهم ذي القربى الذين ذكرهم الله من هم ؟ وانا كنا نرى ان قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا . الحديث ( 72 ) .

  ( 71 ) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما بإسنادهما إلى عائشة . فراجع من صحيح البخاري أواخر باب غزوة خيبر ص 36 من جزئه الثالث . وراجع من صحيح مسلم باب لا نورث ما تركناه فهو صدقة ص 72 من جزئه الثاني .

وتجده أيضا في مواضع أخر من الصحيحين ( منه قدس ) . وجد فاطمة على أبى بكر فلم تكلمه حتى ماتت وذلك بعد أن طالبته ب‍ ( فدك ) وما بقى من خمس ( خيبر ) وامتنع من دفعه إليها : راجع : صحيح البخاري ج 5 / 177 ط دار مطابع الشعب وج 3 / 55 ط دار إحياء الكتب العربية مع حاشية السندي ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب - 16 - ج 3 / 1380 ط بيروت بتحقيق محمد فؤاد ، مشكل الاثار ج 1 / 47 وقريبا منه أيضا رواه البخاري ك فضائل أصحاب النبي ب - 12 - ج 5 / 25 مطابع الشعب ورواه أيضا بمعنى آخر ك الفرائض ب - 3 - ج 4 / 164 ط دار إحياء الكتب العربية . ورواه في ك الخمس ب - 1 - ج 2 / 186 ط دار احياء الكتب العربية ، مسند أحمد ج 1 / 6 و 9 وج 2 / 353 ، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7 / 120 ، شرح النهج لابن أبى الحديد ج 16 / 217 ، صحيح الترمذي كتاب السير باب - 44 - ج 4 / 157 .

( 72 ) راجعه في باب النساء الغازيات يرضخ لهن وهو في آخر كتاب الجهاد والسير ص 105 من جزئه الثاني ( منه قدس ) . صحيح مسلم ك الجهاد والسير ب - 48 - ج 3 / 1444 وفى طبع العامرة ج 5 / 198 =>

 
 

- ص 53 -

وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في أواخر ص 294 من الجزء الأول من مسنده ، ورواه كثير من أصحاب المسانيد بطرق كلها صحيحة ، وهذا هو مذهب أهل البيت المتواتر عن أئمتهم عليهم السلام .

لكن الكثير من أئمة الجمهور أخذوا برأي الخليفتين رضي الله عنهما فلم يجعلوا لذي القربى نصيبا من الخمس خاصا بهم . فأما مالك بن أنس فقد جعله بأجمعه مفوضا إلى رأي الإمام يجعله حيث يشاء من مصالح المسلمين ، لا حق فيه لذي قربى ولا ليتيم ولا لمسكين ولا لابن سبيل مطلقا ( 73 ) .

وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد أسقطوا بعد النبي صلى الله عليه وآله سهمه وسهم ذي قرباه وقسموه بين مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل على السواء ، لا فرق عندهم بين الهاشميين وغيرهم من المسلمين ( 74 ) .

والشافعي جعله خمسة أسهم : سهما لرسول الله صلى الله عليه وآله يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كعدة الغزاة من الخيل والسلاح والكراع

  => ، مسند أحمد ج 1 / 248 و 294 و 320 ، سنن النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7 / 117 ، الدر المنثور ج 3 / 186 ، فدك للقزويني ص 125 ، سنن الدرامي ج 2 / 225 ك السير ، مشكل الاثار للطحاوي ج 2 / 136 و 179 ، مسند الشافعي ص 183 ، حلية الأولياء لأبي نعيم ج 3 / 205 ، الأموال لأبي عبيد ص 333 . وقريب منه أحاديث أخرى راجعها في : مقدمة مرآة العقول ج 1 / 112 و 154 .
( 73 ) رأى مالك وأبى حنيفة في سهم ذي القربى : راجع : فتح القدير للشوكاني ج 2 / 295 ، تفسير القرطبي ج 8 / 11 ، تفسير المنار ج 10 / 16 ، الفقه على المذاهب الخمسة ص 188 .
( 74 ) نفس المصادر السابقة
. ( * ) 
 
 

- ص 54 -

ونحو ذلك ، وسهما لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، والباقي للفرق الثلاث : اليتامى والمساكين وابن السبيل مطلقا ( 75 ) .

أما نحن - الإمامية - فنقسم ( 1 ) الخمس ستة أسهم : لله تعالى ولرسوله سهمان وهذان مع السهم الثالث - سهم ذي القربى - للإمام القائم مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل من آل محمد خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم ، لان الله سبحانه حرم عليهم الصدقات ، فعوضهم عنها الخمس ( 76 ) وهذا ما رواه الطبري في تفسيره عن الإمامين علي بن الحسين زين العابدين وابنه محمد بن علي الباقر عليهما السلام ( 77 ) .


[ فائدة : ]

أجمع علماؤنا رضي الله عنهم على ان الخمس واجب في كل فائدة

  ( 75 ) نفس المصادر السابقة .
( 1 ) رأينا في الخمس وغيره من فروع الدين وأصوله إنما هو تبع لرأى الأئمة الإثنى عشر من آل محمد ( علي والأوصياء من بنيه ) ( منه قدس ) .
( 76 ) رأى الشيعة في الخمس : راجع وسائل الشيعة للحر العاملي ك الخمس ب - 1 - من أبواب قسمة الخمس ج 6 / 355 - 362 ، جواهر الكلام ج 16 / 84 - 114 ، مستمسك العروة الوثقى ج 9 / 567 - 596 ، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 2 / 78 - 86 ، العروة الوثقى ج 2 / 403 - 407 .
( 77 ) رأى الإمام الباقر عليه السلام في الخمس : راجع : تفسير الطبري ج 10 / 7 ، فتح القدير ج 2 / 295 ، تفسير المنار ج 10 / 15 ، تفسير القرطبي ج 8 / 10 ، مرآة العقول ج 1 /
115 ( * ) .
 
 

- ص 55 -

تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات والحرف ومن الزرع والضرع والنخيل والأعناب ونحوها ، وتجب في الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في فقهنا وحديثنا ( 78 ) .

ويمكن أن يستدل عليه بهذه الآية واعلموا أنما غنمتم من شئ فان كلاا من الغنيمة والغنم والمغنم حقيقة في كل ما يستفيده الإنسان ، ومعاجم اللغة صريحة في ذلك وتفصيل القول في هذا كله موكول إلى محله ، وموضوع البحث هنا انما هو الاجتهاد في إسقاط سهم ذي القربى مع نص الآية بكل صراحة .

  ( 78 ) جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام ج 16 / 5 - 83 ، المستمسك للسيد الحكيم ج 9 / 443 - 566 ، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 2 / 65 - 78 مسالك للشهيد الثاني ج 1 / 66 ، العروة الوثقى ج 2 / 366 - 403 .  
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب