النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص 55
: - |
|
[ المورد
- 7 - : توريث الأنبياء ]
المنصوص
عليه بعموم قوله عز من قائل (
لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ
أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) ( 79 ) .
وقوله
تعالى ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي
أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ( 80 ) إلى
آخر آيات المواريث ، وكلها عامة تشمل رسول الله صلى
الله عليه وآله فمن دونه من سائر البشر فهي على حد
قوله عزوجل (
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
|
(
79 ) سورة النساء : 7 . |
(
80 ) سورة النساء : 11 (
* ) . |
|
|
الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ ) (
الآية ) ( 81 ) .
وقوله
سبحانه وتعالى : ( فَمَن كَانَ
مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ ) ( الآية ) ( 82 ) .
وقوله
تبارك وتعالى : ( حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ
السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) ( الآية ) ( 83 ) ونحو ذلك
من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي صلى الله
عليه وآله وكل مكلف من البشر ، لا فرق بينه وبينهم ،
غير ان الخطاب فيها متوجه إليه ليعمل به وليبلغه إلى
من سواه ، فهو من هذه الحيثية أولى في الالتزام بالحكم
من غيره .
ومنها :
قوله عز وعلا ( وَأُوْلُو
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ
اللَّهِ ) ( 84 ) جعل الله عزوجل في
هذه الآية الكريمة ، الحق في الإرث لأولي قرابات
الموروث ، وكان التوارث قبل نزولها من حقوق الولاية في
الدين ، ثم لما أعز الله الإسلام وأهله نسخ بهذه
الآية ما كان من ذي حق في
الإرث قبلها ، وجعل حق الإرث منحصرا بأولي الأرحام
الأقرب منهم للموروث فالأقرب مطلقا ، سواء أكان
الموروث هو النبي صلى الله عليه وآله أم كان غيره ،
وسواء أكان الوارث من عصبة الموروث أم من أصحاب
الفرائض ، أم كان من غيرهما عملا بظاهر الآية الكريمة
( 1 ) .
ومنها :
قوله تعالى فيما اقتص من خبر زكريا : (
إِذْ نَادَى
رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا
*
|
(
81 ) سورة البقرة : 183
.
( 82 ) سورة البقرة :
182 . |
(
83 ) سورة المائدة : 3 .
( 84 ) سورة الأنفال : 75 . |
|
( 1 )
ومن راجع صحاح السنن الواردة في تشريع المواريث وجدها
بأسرها عامة تشمل النبي صلى الله عليه وآله وغيره على
حد قوله صلى الله عليه وآله - من حديث أخرجه الشيخان
كلاهما في كتاب الفرائض من صحيحيهما - : " ومن ترك
مالا فلورثته " ( منه قدس ) ( * )
. |
|
قَالَ رَبِّ
إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ
شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا
*
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ
امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا
*
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا ) ( 85 ) .
احتجت الزهراء والأئمة من بنيها بهذه
الآية ، على أن الأنبياء يورثون
المال ، وان الإرث المذكور فيها انما هو المال لا
العلم ولا النبوة ، وتبعهم في ذلك أوليائهم من أعلام
الإمامية كافة . فقالوا : ان لفظ الميراث في اللغة (
86 ) والشريعة لا يطلق إلا على ما ينتقل من الموروث
إلى الوارث كالأموال ، ولا يستعمل في غير المال إلا
على طريق المجاز والتوسع ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى
المجاز بغير دلالة ( 87 ) .
وأيضا فان زكريا عليه
السلام قال في دعائه : ( واجعله رب رضيا ) أي اجعل يا
رب ذلك الولي الذي يرثني مرضيا عندك . ممتثلا لأمرك ،
ومتى حملنا الإرث على النبوة لم يكن لذلك معنى وكان
لغوا عبثا ألا ترى انه لا يحسن أن يقول أحد : اللهم
ابعث لنا نبيا واجعله عاقلا مرضيا في أخلاقه لأنه إذا
كان نبيا فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا في
النبوة . ويقوي ما قلناه أن زكريا عليه السلام صرح
بأنه يخاف بني عمه بعده بقوله :
|
(
85 ) سورة مريم : 3 - 6
.
( 86 ) راجع تاج العروس
مادة - ورث - ج 1 / 652 ، الصحاح ج 1 / 296 وغيرهما .
( 87 ) الإرث في الشريعة : راجع تفسير البيان للشيخ
الطوسي ج
8 / 94 - 95 ، تلخيص الشافي للطوسي أيضا ج 3 / 132 -
136 ، مجمع البيان للطبرسي ج 6 / 503 ، شرح النهج
لابن
أبى الحديد ج 16 / 241 - 244 ، تفسير الفخر الرازي ج
21 / 184 ، تفسير الطبري ج 16 /
37 ( * ) . |
|
|
(
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ
مِن وَرَائِي ) وإنما يطلب وارثا
لأجل خوفه ، ولا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون النبوة
والعلم ، لأنه عليه السلام كان أعلم بالله تعالى من أن
يخاف ان يبعث نبيا من هو ليس بأهل للنبوة ، وان يورث
علمه وحكمته من ليس لهما بأهل ولأنه انما بعث لإذاعة
العلم ونشره في الناس ، فكيف يخاف الأمر الذي هو الغرض
في بعثته .
فان قيل : هذا يرجع عليكم في وراثة المال
لان في ذلك إضافة البخل إليه .
فالجواب : معاذ الله أن
يستوي الأمران ، فان المال قد يرزقه المؤمن والكافر
والصالح والطالح ، ولا يمتنع أن يأسى على بني عمه إذ
كانوا من أهل الفساد أن يظفروا بماله فيصرفوه فيما لا
ينبغي ، بل في ذلك غاية الحكمة ، فان تقوية أهل الفساد
، وإعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة في الدين
والعقل فمن عد ذلك بخلا فهو غير منصف .
وقوله : (
خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن
وَرَائِي ) يفهم منه أن خوفه انما
كان من أخلاقهم وأفعالهم ،
والمراد خفت الموالي ان يرثوا بعدي أموالي فينفقوها في
معاصيك فهب لي يا رب ولدا رضيا يرثها لينفقها فيما
يرضيك .
وبالجملة لابد من حمل
الإرث في هذه الآية على
ارث المال دون النبوة وشبهها حملا للفظ يرثني من معناه
الحقيقي المتبادر منه إلى الأذهان ، إذ لا قرينة هنا
على النبوة ونحوها ، بل القرائن في نفس الآية متوفرة
على إرادة المعنى الحقيقي دون المجاز .
وهذا رأي
العترة الطاهرة في الآية ( 88 ) . وهم أعدال الكتاب لا
يفترقان أبدا .
|
(
88 ) راجع : الميزان في تفسير
القرآن ج 14 / 9 - 15 وص 22 - 25
( * ) . |
|
|
وقد علم الناس ما كان بين الزهراء سيدة نساء
العالمين ، وبين أبي بكر ، إذ أرسلت إليه تسأله
ميراثها من رسول الله [ ص ] فقال أبو بكر : ان رسول
الله قال : " لا نورث ما تركناه صدقة " ( 1 ) " قالت
عائشة " : فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئا ،
واستأثر لبيت المال بكل ما تركه النبي صلى الله عليه
وآله من بلغة العيش لا يبقي ولا يذر شيئا فوجدت فاطمة
على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد
النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا -
بوصية منها ( 2 ) ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها .
الحديث ( 89 ) .
|
(
1 ) هذا الحديث ردته الزهراء والأئمة من بنيها ، وهو - بألفاظه هذه الثابتة
في باب غزوة خيبر من صحيح البخاري - لا يصلح لان يكون
حجة عليها . الا أن يكون لفظه صدقة مرفوعا على الاخبار
به عن ( ما ) الموصولة في قوله ما تركنا ، ولا سبيل
إلى اثبات ذلك إذ لعل ( ما ) هذه في محل النصب على
المفعولية لتركنا وتكون صدقة حالا من ( ما ) ، فيكون
المعنى ان ما نتركه في أيدينا من الصدقات لا حق لو
ارثنا فيه ( منه قدس ) .
( 2 ) كما اعترف به شارحا
البخاري ، القسطلاني في ارشاده ، والأنصاري في تحفته ،
فراجع ص 157 من المجلد الثامن من كل من الشرحين إذ
ينتهيان فيهما إلى هذا الحديث ( منه قدس ) .
( 89 )
أخرجه أصحاب الصحاح بأسانيدهم إلى عائشة فراجع منها ص
37 والتي بعدها من الجزء الثالث من
صحيح البخاري أثناء
غزوة خيبر ، وص 72 من الجزء الثاني من صحيح مسلم في
باب قول النبي : لا نورث ما تركنا فهو صدقة من كتاب
الجهاد والسير ، وص 6 من الجزء الأول من
مسند أحمد (
منه قدس ) .
وجد فاطمة على أبى بكر : تقدمت مصادر
الحديث تحت رقم - 71 - وأيضا يوجد حديث مطالبتها
بإرثها في صحيح الترمذي ك السير ب - 44 - ج 4 / 157 ح
1608 و 1609 ، مسند أحمد ج 1 / 6 و 9 وج 2 / 353 ،
سنن
النسائي ك الفئ ب - 1 - ج 7 / 120 ،
تاريخ اليعقوبي ج
2 / 127 ، فدك للقزويني ص 87 ،
وفاء الوفاء ج 2 / 995
، فتوح البلدان للبلاذري ص
44 ( * ) . |
|
|
ثم غضبت على اثارة ( 1 ) واستقلت غضبا ( 2 ) فلاثت
خمارها واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها (
3 ) ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية
رسول الله صلى الله عليه وآله حتى دخلت على أبي بكر ،
وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت
دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء .
وارتج المجلس ، فأمهلتهم حتى إذا سكن نشيجهم ، وهدأت
فورتهم افتتحت الكلام " بحمد الله عزوجل " ، ثم انحدرت
في خطبتها ( 90 ) . تعظ القوم في أتم خطاب * حكت
المصطفى به وحكاها ( 91 ) - فخشعت الأبصار ، وبخعت
النفوس ، ولولا السياسة ضاربة يومئذ بجرانها لردت
شوارد الاهواء ، وقادت حرون الشهوات ، ولكنها السياسة
توغل في غاياتها لا تلوي على شئ ، ومن وقف على خطبتها
في ذلك اليوم ( 5 ) عرف
|
(
1 ) انما
يقولون : غضب فلان على اثارة بالفتح إذا كان غضبه
مسبوقا بغضب ،
كغضب الزهراء لارثها مسبوقا
بغضبها لكشف بيتها ، وذاك مسبوقا أيضا بما كان في
السقيفة ( منه قدس ) .
( 2 ) انما يقولون : استقل غضبا
إذا أشخصه فرط الغضب ، كما أشخص الزهراء من بيتها حتى
دخلت على أبى بكر فخطبت محتجة بأشد لهجة ( منه قدس ) .
( 3 ) أي خادماتها ( منه قدس ) .
( 4 ) الملاءة الازار
. والريطة ذات لفقين . ونيطت علقت ( منه قدس ) .
( 90
) من خطبة لسيدة النساء فاطمة الزهراء راجعها في :
بلاغات النساء لابن أبى طيفور المتوفى 280 ه ص 12 -
19 ، أعلام النساء لعمر كحالة ج 3 / 1208 ،
شرح نهج
البلاغة لابن أبى الحديد ج 16 / 211 - 213 و 249 - 253
ط مصر بتحقيق أبو الفضل ، تلخيص الشافي للشيخ
الطوسي ج
3 / 139 .
( 91 ) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري من
قصيدته العصماء في أهل بيت النبوة .
( 5 ) السلف من بني علي وفاطمة يروى خطبتها في ذلك اليوم لمن بعده ومن
بعده
=> |
|
|
ما كان بينها وبين القوم ( 92 ) .
|
=>
رواها لمن بعده ، حتى انتهت إلينا يدا عن يد ، فنحن
الفاطميين نرويها عن آبائنا ، وآبائنا يروونها عن
آبائهم ، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال ، إلى زمن
الأئمة من أبناء على وفاطمة ، ودونكموها في كتاب
الاحتجاج للطبرسي ، وفى بحار الأنوار ، وقد أخرجها من
اثبات الجمهور وأعلامهم أبو بكر أحمد بن عبد العزيز
الجوهري في كتاب السقيفة وفدك بطرق وأسانيد ينتهي
بعضها إلى السيدة زينب بنت على وفاطمة ، وبعضها إلى
الإمام أبى جعفر محمد الباقر ، وبعضها إلى عبدالله بن
الحسن بن الحسن يرفعونها جميعا إلى الزهراء كما في ص
78 من المجلد الرابع من شرح النهج
الحميدي ، وأخرجها
أيضا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزبانى بالإسناد
إلى عروة بن الزبير عن عائشة ترفعها إلى الزهراء كما
في صفحة 93 من المجلد الرابع من شرح النهج ، وأخرجها
المرزبانى أيضا كما في صفحة 94 من المجلد المذكور
بالإسناد إلى أبى الحسين زيد ابن على بن الحسين بن على
بن أبى طالب عن أبيه عن جده يبلغ فيها فاطمة عليها
السلام ونقل ثمة عن زيد انه قال : رأيت مشايخ آل أبى
طالب يروونها عن آبائهم ويعلمونها أولادهم ( منه قدس )
.
( 92 ) ومما كان بينها وبينهم ان قالت
لأبي بكر حين
منعها ارثها : لان مت اليوم يا أبا بكر من يرثك ؟ .
قال : ولدى وأهلي . قالت : فلم أنت ورثت رسول الله دون
ولده وأهله ؟ قال : ما فعلت يا بنت رسول الله . قالت :
بلى انك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله فأخذتها
منا ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا .
الحديث أخرجه أبو بكر ابن عبد العزيز الجوهري في كتاب
السقيفة وفدك - كما في ص 87 من المجلد الرابع من شرح
النهج بسنده إلى مولى أم هاني .
وأخرج
الجوهري في
كتابه المذكور - كما في ص 82 من المجلد الرابع من شرح
النهج - بالإسناد إلى أبى سلمة : ان فاطمة لما طلبت
ارثها قال لها أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : ان
النبي لا يورث ، ولكن أعول على من كان النبي يعوله ،
وأنفق على من كان النبي ينفق عليه ، فقالت : يا أبا
بكر أيرثك بناتك ولا يرث رسول الله بناته ؟ فقال هو
ذاك . وأخرج الإمام أحمد بالإسناد إلى أبى سلمة نحوه
فراجع ص 10 من الجزء الأول من مسنده حيث أورد حديث أبى
بكر
=> |
|
|
حيث أقامت على ارثها آيات محكمات ، حججا لا ترد ولا
تكابر ، فكان مما أدلت به يومئذ ان قالت : " أعلى عمد
تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : (
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) .
وقال فيما أقتص من خبر زكريا : (
فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ
وَلِيًّا *
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا ) .
|
=>
وأخرج الجوهري في كتاب
السقيفة وفدك أيضا - كما في ص 81 من المجلد الرابع من
شرح النهج - بالإسناد إلى أم هاني بنت أبى طالب : ان
فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت ؟ . قال : ولدى
وأهلي . قالت : فمالك ترث رسول الله دوننا ؟ قال : يا
بنت رسول الله ما ورث ابوك شيئا . قالت : بلى سهم الله
الذي جعله لنا وصار فيأنا وهو الآن في يدك . فقال لها
: سمعت رسول الله يقول : إنما هي طعمة اطعمناها الله
فإذا مت كانت بين المسلمين .
وعن أبى الطفيل فيما
أخرجه الجوهري مثله . والأخبار في هذا متواترة
ولا سيما من طريق العترة
الطاهرة . وحسبك خطبتها العصماء التي اشرنا إليها في
الأصل . ولها خطبة أخرى تتعلق بالخلافة أخرجها الجوهري
في كتاب السقيفة وفدك - كما في ص 87 من المجلد الرابع
من شرح النهج الحميدي - بالاسناد إلى عبدالله ابن
الحسن بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين قالت : لما
اشتد بفاطمة بنت رسول الله الوجع وثقلت في علتها اجتمع
عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها : كيف أصبحت
يا ابنة رسول الله قالت : أصبحت والله عائفة لديناكن
قالية لرجالكن . . ( الخطبة ) وهى من ابلغ المأثور عن
أهل البيت عليهم السلام .
وقد أخرجها أيضا الإمام أبو
الفضل احمد بن أبي طاهر في ص 23 من كتابه بلاغات
النساء بالإسناد إلى الزهراء وأصحابنا يروونها
بالإسناد إلى سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي عن الزهراء
. وقد أوردها المجلسي في البحار والطبرسي في
الاحتجاج
. وغيرهما من الاثبات ( منه قدس ) ( * ) .
بين الزهراء وأبى بكر :
راجع صحيح الترمذي ك السير باب - 44 - ج 4 / 157 ،
شرح
نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 16 / 211 - 213 و 251 ،
فدك للقزويني ص 43 و 87 و 126 ،
وفاء الوفاء ج 3 / 995
، مشكل الآثار ج 1 / 47
( * ) . |
|
|
وقال (
وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ
) .
وقال : ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي
أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) .
وقال : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ
إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) . ثم قالت :
أخصكم الله بآية أخرج بها
أبي ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن
عمي ؟ ! أم تقولون : أهل ملتين لا يتوارثان ؟ ! (
الخطبة ) ( 93 ) .
فانظر كيف احتجت أولا : على توريث
الأنبياء بآيتي داود وزكريا الصريحتين بتوريثهما .
ولعمري انها عليها السلام أعلم بمفاد القرآن ممن جاءوا
متأخرين عن تنزيله ، فصرفوا الإرث هنا إلى وراثة
الحكمة والنبوة دون الأموال ، تقديما للمجاز على
الحقيقة بلا قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي
المتبادر منه بمجرد الاطلاق ، وهذا مما لا يجوز ، ولو
صح هذا التكلف لعارضها به أبو بكر يومئذ أو غيره ممن
كان في ذلك
الحشد من المهاجرين
والأنصار وغيرهم ( 1 ) . على أن هناك قرائن تعين وراثة
الأموال كما بيناه سابقا .
|
(
93 ) تقدمت مصادر الخطبة تحت رقم - 90 - فراجع .
( 1 ) لكنهم لم يعارضوها يومئذ به ولا بشئ سوى المصادرة ، إذ أجابها
أبو بكر بقوله : يا ابنة رسول الله ، والله ما خلق
الله خلقا أحب إلى من رسول الله أبيك صلى الله عليه
وآله ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك
صلى الله عليه وآله ، ووالله لان تفتقر عائشة أحب إلى
من أن تفتقري أترينني أعطى الأبيض والأحمر حقه وأظلمك
حقك ؟ وأنت بنت رسول الله ! ان هذا المال لم يكن للنبي
! وانما كان مالا من أموال المسلمين ! يحمل به النبي
الرجال وينفقه في سبيل الله فلما توفى وليته كما كان
يليه ؟ . قالت . والله لا كلمتك أبدا قال : والله لا
هجرتك أبدا . قالت : والله لادعون الله عليك . قال :
والله لادعون الله لك
=> |
|
|
واحتجت ثانيا : على استحقاقها
الإرث من أبيها صلى
الله عليه وآله بعموم آيات المواريث وعموم آية الوصية
، منكرة عليهم تخصيص العمومات بلا مخصص شرعي من كتاب
أو سنة .
وما أشد
إنكارها إذ قالت أخصكم الله بآية
أخرج بها أبي ؟ فنفت بهذا الاستفهام الإنكاري وجود
المخصص في الكتاب . ثم قالت : أم أنتم أعلم بخصوص
القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فنفت بهذا الاستفهام
التوبيخي وجود المخصص في السنة . بل نفت وجوده مطلقا ،
إذ لو كان ثمة مخصص لبينه لها النبي والوصي ويستحيل
عليهما الجهل به لو كان في الواقع موجودا ، ولا يجوز
عليهما أن يهملا تبيينه لها لما في ذلك من التفريط في
البلاغ ، والتسويف في الإنذار ، والكتمان للحق ،
والاغراء بالجهل ، والتعريض لطلب الباطل ، والتغرير
بكرامتها ، والتهاون في صونها عن المجادلة والمجابهة
والبغضاء والعداوة بغير حق ، وكل ذلك محال ممتنع عن
الأنبياء وأوصيائهم .
وبالجملة كان كلف النبي صلى الله
عليه وآله ببضعته الزهراء وإشفاقه عليها فوق كلف
الاباء الرحيمة ، وشفاقهم على أبنائهم البررة ، يؤويها
إلى الوارف من ظلال رحمته ، ويفديها بنفسه ( 1 )
مسترسلا إليها بأنسه .
|
=>
فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلى عليها . الحديث
أخرجه أبو بكر الجوهري بهذه الألفاظ في كتاب
السقيفة وفدك - كما في ص
80 من المجلد الرابع من شرح النهج
الحميدي - وتراه ما
عارضها فيما فهمته من التوريث في آيتي داود وزكريا ،
وانما عارضها بدعواه ان هذا المال لم يكن للنبي فلم
تقنع منه إذ هي أعلم بشؤون أبيها ، ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلى العظيم ( منه قدس ) .
( 1 ) ذكرها صلى
الله عليه وآله مرة فقال : فداؤها أبوها فداؤها أبوها
- ثلاث مرات - في
=> |
|
|
وكان يحرص بكل ما لديه على تأديبها وتهذيبها
وتعليمها وتكريمها حتى بلغ في ذلك كل غاية ، يزقها
المعرفة بالله والعلم بشرائعه زقا ، لا يألو في ذلك
جهدا ، ولا يدخر وسعا حتى عرج إلى أوج كل فضل ، ومستوى
كل كرامة فهل يمكن أن يكتم عليها أمرا يرجع إلى
تكليفها الشرعي ؟
حاشا لله ، وكيف يمكن ان يعرضها -
بسبب الكتمان - لكل ما أصابها من بعده في سبيل الميراث
، من الامتهان بل يعرض الأمة للفتنة التي ترتبت على
منع ارثها . وما بال بعلها خليل النبوة ، والمخصوص
بالاخوة ، يجهل حديث " لا نورث " مع ما آتاه الله من
العلم والحكمة ، والسبق ، والصهر ، والقرابة ،
والكرامة والمنزلة ، والخصيصة ، والولاية ، والوصاية ،
والنجوى ، وما بال رسول الله صلى الله عليه وآله يكتم
ذلك عنه ، وهو حافظ سره ، وكاشف ضره وباب مدينة علمه ،
وباب دار حكمته ، وأقضى أمته ، وباب حطتها ، وسفينة
نجاتها وأمانها من الاختلاف .
وما بال أبي الفضل
العباس وهو صنو أبيه ، وبقية السلف من أهله ، لم يسمع
بذلك الحديث .
وما بال الهاشميين كافة وهم عيبته
وبيضته التي تفقأت عنه ، لم يبلغهم الحديث حتى فوجئوا
به بعد النبي صلى الله عليه وآله . وما بال أمهات
المؤمنين يجلهنه فيرسلن عثمان يسأل لهن ميراثهن من
رسول الله ( 94 ) .
|
=>
حديث أخرجه الإمام
أحمد بن حنبل ونقله عنه وعن غيره ابن حجر في الأمر
الثاني من الأمور التي ذكرها في خاتمة الآية الرابعة
عشرة من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب
الحادي عشر من صواعقه ص 159 ( منه قدس ) .
( 94 )
أزواج النبي صلى الله عليه وآله يرسلن عثمان حول
ميراثهن : راجع صحيح الترمذي ك السير باب - 44 - ج 4 /
157 ، شرح النهج لابن أبى
=> |
|
|
وكيف يجوز على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبين
هذا الحكم لغير الوارث ويدع بيانه للوارث ؟ .
ما هكذا
كانت سيرته صلى الله عليه وآله إذ يصدع بالأحكام
فيبلغها عن الله عزوجل ، ولا هذا هو المعروف عنه في
انذار عشيرته الأقربين ، ولا مشبه لما كان يعاملهم به
من جميل الرعاية وجليل العناية .
بقي للطاهرة البتول
كلمة استفزت بها حمية القوم ، واستثارت حفائظهم ، بلغت
بها أبعد الغايات ألا وهي قولها : " أم تقولون : أهل
ملتين لا يتوارثان " تريد بهذا أن عمومات المواريث لا
تتخصص بمثل ما زعمتم ، وانما تتخصص بمثل قوله صلى الله
عليه وآله : " لا توارث بين أهل ملتين " واذن فهل
تقولون ، إذ تمنعونني الإرث من أبي : اني لست على ملته
، فتكونون - لو أثبتم خروجي عن الملة - على حجة شرعية
فيما تفعلون .
فانا لله
وإنا إليه راجعون .
|
=>
الحديد ج 16 / 220 و 223 ،
الصواعق لابن حجر ص 22 ط الميمنية ،
معجم البلدان للحموي ج 4 /
239 ، فتوح البلدان
للبلاذري ص 43 . |
|
|
|