النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
95
: - |
|
[ المورد
- ( 11 ) - : يوم أمر النبي صلى الله عليه وآله كلا من
الشيخين في المرة الثانية بقتل هذا المارق فكان حالهما
في هذه المرة كما كانت في المرة الأولى . ]
وذلك
أن فيما حدثني من أثق به في فضله وورعه وتتبعه أن أبا
بكر مر بهذا المارق - بعد أن أمر بقتله فكره قتله -
فوجده يصلي في بعض الأودية حيث لا يطلع عليه سوى الله
تعالى ، فراقه خشوعه وتضرعه ، فحمد الله تعالى على عدم
قتله ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله شافعا
به وذكر له ما رآه من صلاته
ضارعا مبتهلا حيث لا يطلع عليه إلا الله عزوجل ، فلم
يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله شفاعته ، بل أمره
على الفور بقتله ، فلما لم يقتله أمر عمر ثم عليا بذلك
وشدد عليهم القول بوجوب قتله وقتل أصحابه ، هذا ما
حدثني به من أعرفه بالتقصي في البحث والتنقيب ( 1 )
يرسله لي إرسال المسلمات ، وقد فاتني سؤاله عن
|
(
1 ) هو شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار شيخنا ومولانا الاورع الميرزا حسين النوري
صاحب المستدركات على الوسائل ( منه قدس
) ( * ) . |
|
|
مصدر حديثه هذا . لكني - ولله الحمد - لم يفتني
البحث عنه بنفسي حتى وجدته - والحمد لله - في مسند
أحمد ابن حنبل من حديث أبي سعيد الخدري ص 15 من جزئه
الثالث . قال : ان أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله فقال : يا رسول الله إني مررت بوادي كذا
وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي ، فقال له النبي
صلى الله عليه وآله : اذهب فاقتله .
قال : فذهب إليه
أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله ، فرجع
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال : فقال النبي
صلى الله عليه وآله لعمر : اذهب فاقتله . فذهب عمر
فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها ، قال :
فكره أن يقتله .
قال : فرجع فقال : يا رسول الله إني
رأيته يصلي متخشعا ، فكرهت أن أقتله .
قال : يا علي
اذهب فاقتله .
قال : فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال :
يا رسول الله انه لم يره .
قال : فقال النبي صلى الله
عليه وآله : ان هذا وأصحابه
يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم
في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية .
[ تنبيه ]
ان من أمعن
في حديثي هذا المارق حديث أبى يعلى عن أنس الذي
أوردناه في المورد ( 10 ) وحديث الإمام أحمد بن حنبل
عن أبي سعيد الذي أوردناه ألان في هذا المورد ، علم ان
لهذا المارق من رسول الله صلى الله عليه وآله يومين
أمر صلى الله عليه وآله في كل منهما بقتله فلم يقتل ،
وذلك ان الحديث الأول - حديث أنس - صريح بأن النبي لم
يكن مسبوقا بمعرفة هذا المارق وقد ذكروه ووصفوه له فلم
يعرفه ، ولذا لم يأمر به بشئ حتى رآه وعرفه بسفعة من
الشيطان بين عينيه وبما هو عليه من العجب بنفسه .
وحينئذ أمر بقتله ، وكانت صلاة هذا المارق التي اعجبت
الشيخين يومئذ في المسجد بعد صدور الأمر لهما بقتله .
أما حديث الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد فصريح بأن
أبا بكر رأى هذا المارق يصلي في بعض الأودية لا في
المسجد فأعجبه خشوعه لله تعالى حيث لا يراه سواه عزوجل
فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك ، فأمره فورا
بقتله بدون أن يراه وهذا ليس إلا لأنه كان محكوما عليه
من قبل ذلك بالقتل كما لا يخفى ، فالحديثان في واقعتين
متعددتين - بلا ريب - قوبل النص فيهما بالاجتهاد .
[
فصل ( 1 ) ]
الخوارج : هم الذين خرجوا عن الدين ،
بخروجهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وقد
أنكروا عليه التحكيم الذي اضطروه إليه ، وكانوا ثمانية
آلاف أو أكثر ، فاستدعاهم إليه ليذكرهم الله تعالى
والدار الآخرة ، وليبين لهم خطأهم فيما رأوه ، ويزيل
شبهتهم التي تشبثوا بها (
وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) فأبوا ان يأتوه ، وكلفوه
بأن يقر بالكفر على نفسه ثم يتوب إلى الله منه .
ولما
لم يأتوه أرسل إليهم عبد الله بن العباس فلم يأل جهدا ،
ولم يدخر وسعا في الاحتجاج عليهم وتسفيه رأيهم بكل حجة
بالغة ، وبيان ناصع ، والقوم مصرون على بغيهم وضلالهم
كأن في آذانهم وقرا وعلى قلوبهم أكنة ( 133 ) .
|
(
1 ) ترك " السيد " رحمه الله هذا الفصل كما جاء في
الطبعة الأولى ( النهج ) .
( 133 ) سورة
العنكبوت : 41 محاورة عبد الله بن عباس للخوارج توجد في
: الرياض النضرة ج 2 / 240 ط 1 ،
الخصائص للنسائي ص 48
ط مصر .
( * ) |
|
|
وقد اجمعوا على تكفير كل من لا يرى رأيهم من
المسلمين ، وأباحوا دمه وماله وأهله ، وثاروا على
المسلمين يقتلون من مر بهم كائنا من كان ، فكان ممن
قتلوه عبد الله بن الخباب بن الأرت التميمي ، وبقروا
بطن زوجته وهي حامل متم ( 134 ) .
واستفحل شرهم ،
فأتاهم أمير المؤمنين ناصحا لله تعالى ولكتابه ولرسوله
وللمسلمين عامة ولهم خاصة ، فاعذر إلى الله تعالى فيما
أوضحه لهم من الخطأ في خروجهم عليه وفيما احتج به
عليهم مما يوجب رجوعهم إليه ، وفيما انذرهم به إذا
أصروا على البغي من سوء العاقبة في الدنيا بقتلهم ،
وفي الآخرة بمصيرهم إلى النار وبئس القرار .
ولكنهم
أصروا على بغيهم لا يفيئون إلى شئ من أمر الله عزوجل
على شاكلة من قوم نوح (
جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا
ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْبَارًا ) وبذلك
قتلهم أمير المؤمنين ( 1 ) ولم ينج منهم عشرة ، ولم
يقتل ممن كان معه عليه السلام عشرة وكان قد أخبرهم
بذلك أثناء احتجاجه عليهم فلم يرعووا .
ثم انضم إلى
هذا النفر اليسير - الذي لم يقتل من الخوارج - جماعة
آخرون من أهل الضلال يرون رأيهم في التحكيم ، والخروج
على الولاة ، فلما ولي عبد الله بن الزبير ظهر منهم
جماعة في العراق مع نافع بن الأزرق ،
|
( 134 ) مقتل ابن الخباب
على أيدي الخوارج : راجع : أسد
الغابة ج 3 / 150 ،
الإصابة ج 2 / 294 .
( 1 ) عملا بأوامر الكتاب والسنة : أما الكتاب فقوله
عز من قائل : ( فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) وقوله عز
سلطانه : ( إِنَّمَا جَزَاء
الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ
) الآية وحسبك من أوامر
السنة ما سأتلوه عليك في الأصل ( منه قدس ) ( *
) .
|
|
|
وظهر باليمامة جماعة منهم آخرون مع نجدة بن عامر الحروري ، وزاد نجدة على مذهبهم ان من لم يخرج معهم
لمحاربة المسلمين فهو كافر ، وتوسعوا حتى أبطلوا رجم
المحصن ، وأوجبوا قطع يد السارق من الابط .
وفرضوا
الصلاة على الحائض حال حيضها . إلى كثير من مبتدعاتهم
التي ليس هذا محل ذكرها . وان منهم إلى الآن لبقية من
شراذم الفساد ، في أنحاء من البلاد ، مر بهم في عمان (
1 ) ابن بطوطة الرحالة في سياحته التي كانت في القرن
الثامن للهجرة وذكرهم في الجزء الأول من رحلته ( 2 ) .
فقال : " هم أباضية المذهب ، ويصلون الجمعة ظهرا أربعا
، فإذا فرغوا قرأ الإمام آيات من القرآن ، ونثر كلاما
شبه الخطبة يرضى فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان
وعلي ، وإذا أرادوا ذكر علي كنوا عنه : بالرجل ،
ويرضون عن الشقي اللعين ابن ملجم ويقولون فيه العبد
الصالح مع الفتنة قال : ونساؤهم يكثرون الفساد ، ولا
غيرة عندهم ولا إنكار لذلك .
( قال ) : وكنت يوما عند
سلطانهم أبى محمد بن نبهان وهو من قبيلة الأزد فأتته
امرأة صغيرة السن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين
يديه وقالت له : يا أبا محمد طغى الشيطان في رأسي .
فقال لها : اذهبي واطردي الشيطان فقالت له : لا أستطيع
وأنا في جوارك . فقال اذهبي فافعلي ما شئت فذكر لي لما
انصرفت عنه : أن هذه ومن فعل فعلها تكون في جوار
السلطان وتذهب للفساد ، ولا يقدر أبوها ولا ذوو
قرابتها أن يغيروا عليها ، وان قتلوها قتلوا بها لانها
في جوار
|
(
1 ) عمان سلطنة صغيرة واقعة في الجنوب الشرقي من بلاد
العرب تمتد على ساحل بحر العرب والخليج الفارسي . سلطانها اليوم سعيد بن تيمور ( منه
قدس ) .
( 2 ) ص 172 والتي بعدها ( منه قدس ) (
* ) . |
|
|
السلطان " انتهى كلامه بعين لفظه . قلت : صدق الله عزوجل وبلغ رسوله صلى الله عليه وآله إذ قال : " لا
يبغضك يا علي إلا ابن زنا أو ابن حيضة أو منافق " (
135 ) .
[ قتل الخوارج ]
جاء في قتل الخوارج نصوص
متضافرة ، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة ( 136 ) .
وحسبك من طريق غيرهم ، قول رسول الله صلى الله عليه
وآله في حديث ( 1 ) وصفهم فيه فقال : " يقرأون القرآن
، لا يجاوز تراقيهم ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل
الأوثان يمرقون من الإسلام ، كما يمرق السهم من الرمية
، لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد " ( 137 ) .
وفي حديث
آخر ( 2 ) قال صلى الله عليه وآله : " لئن أدركتهم
لاقتلنهم قتل ثمود " ( 138 ) .
|
(
135 ) سورة نوح : 7 .
راجع : ينابيع المودة للقندوزي ص 252 ،
إحقاق الحق للتستري ج 7 / 222 نقله عن المناقب
المرتضوية ص 203 ، الغدير
للأميني ج 4 / 322 .
( 136 ) البحار ،
كشف الغمة ج
1 / 264 .
( 1 ) أخرجه مسلم عن أبى سعيد
الخدري في باب
ذكر الخوارج وصفاتهم ص 393 من الجزء الأول من صحيحه (
منه قدس ) .
( 137 ) صحيح مسلم ك الزكاة ب 47 ذكر
الخوارج وصفاتهم ج 2 / 741 .
( 2 ) أخرجه مسلم من
طريقين عن أبى سعيد في ص 394 من الجزء الأول من صحيحه
في باب ذكر الخوارج أيضا ( منه قدس ) .
( 138 ) صحيح
مسلم ك الزكاة ب 47 ذكر الخوارج ج 2 / 742 ، كنز
العمال ج 11 / 308 ( * ) . |
|
|
وقال صلى الله عليه وآله في وصفهم من حديث ثالث ( 1
) : " إنهم أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من
خير قول البرية ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فإذا
لقيتموهم فاقتلوهم ، فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند
الله يوم القيامة " ( 139 ) إلى كثير من أمثال هذه
الصحاح الواردة في التحريض على قتلهم ، وحسبك في
دلالتها على كفرهم ، ان قتلهم كقتل عاد وثمود .
[
الخوارج شر الخلق والخليقة ]
الأخبار في ان الخوارج شر
الخلق والخليقة متواترة من طريق العترة الطاهرة ،
وحسبك من طريق غيرهم ما أخرجه مسلم ( 2 ) عن أبي ذر
ورافع بن عمر الغفاريين عن رسول الله صلى الله عليه
وآله إذ قال : " أن بعدي من أمتي ، أو سيكون بعدي من
أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم ( 3 )
يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا
يعودون فيه ، هم شر الخلق والخليقة "
آه . ( 140 ) .
|
(
1 ) أخرجه مسلم عن على
عليه السلام في باب التحريض على قتل الخوارج ص 396 من
الجزء الأول من
صحيحه ( منه قدس ) .
( 139 ) صحيح مسلم ب 48 التحريض
على قتل الخوارج ج 2 / 746 ، كنز العمال ج 11 / 204 و
206 .
( 2 ) في باب الخوارج شر الخلق والخليقة ص 398
من الجزء الأول من صحيحه ( منه قدس ) .
( 3 ) أي لا
تفهمه قلوبهم ، ولا ينتفعون بما يتلونه منه ، ولا لهم
حظ سوى تقطيع حروفه في حلاقيمهم حين تلاوته ، فقلوبهم
غلف قد ران عليها ما يكسبون لا ينفذ إليها شئ من نور
القرآن لا تقبل لهم تلاوة ولا يصعد لهم عمل ( منه قدس
) .
( 140 ) صحيح مسلم ك الزكاة ب 49 الخوارج شر الخلق
والخليقة ج 2 / 750 ، كنز
العمال ج 11 / 205 و 307 .
( * ) . |
|
|
وفي صحيح مسلم أيضا
بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري ان
النبي صلى الله عليه وآله ذكر قوما يكونون في أمته
يخرجون في فرقة من الناس ، سيماهم التحالق . قال : "
هم شر الخلق ، أو من أشر الخلق ، يقتلهم أدنى
الطائفتين إلى الحق قال : فضرب النبي صلى الله عليه
وآله مثلا : الرجل يرمي الرمية . أو قال : الغرض فينظر
في النصل فلا يرى بصيرة ، وينظر في النضي فلا يرى
بصيرة ، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة " ( 1 ) الحديث
( 141 ) .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عن أبي برزة
من طريقين ( 2 ) إليه ، ان رسول الله صلى الله عليه
وآله وصف الخوارج فقال : " يقرأون القرآن لا يجاوز
تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،
ثم لا يرجعون فيه ، سيماهم التحليق ، لا يزالون يخرجون
حتى يخرج آخرهم مع الدجال ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ،
فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ، هم
شر الخلق والخليقة ، هم شر
الخلق والخليقة ، هم شر الخلق والخليقة " ( 142 ) .
قلت : إذا كانوا شر الخلق والخليقة ، أو من أشرهم ، لا
تكون عبدة الاوثان ولا منكروا الاديان شرا منهم ، وكفى
بهذا حجة على كفرهم .
|
( 1 ) الحديث راجعه في باب ذكر الخوارج
وصفاتهم ص 395 من جزئه الأول . وأخرجه
الإمام أحمد من
حديث أبى سعيد أيضا في ص 5 من الجزء الثالث من مسنده (
منه قدس ) .
( 141 ) صحيح مسلم ك الزكاة ب 47 ذكر
الخوارج وصفتهم ج 2 / 745 .
( 2 ) أحدهما في آخر ص 424 والتي بعدها . وثانيهما في أول ص 422 من الجزء الرابع
من مسنده ( منه قدس ) .
( 142 ) كنز العمال ج 11 / 305
و 306 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 /
433 ( * ) . |
|
|
[ مروق الخوارج من الدين وأخباره صلى الله عليه وآله
عنهم بالمغيبات ]
تواتر عن رسول الله صلى الله عليه
وآله نصوص صريحة بمروق الخوارج من الدين وحسبنا منها -
مضافا إلى ما سمعته آنفا - ما أخرجه أصحاب الصحاح
بأسانيدهم الصحيحة ، وطرقهم الكثيرة ، وحيث لا يسعنا
استقصاؤها في هذا الإملاء ، فلنكتف بما أخرجه الشيخان
في صحيحيهما بالاسناد إلى أبي سعيد الخدري ( 1 )
واللفظ للبخاري .
قال : " بينا نحن عند رسول الله صلى
الله عليه وآله وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة ( 2
) وهو رجل من بني تميم . قال : " يا رسول الله اعدل "
. فقال رسول الله : " ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل وقد
خبت وخسرت ان لم أكن أعدل " فقال عمر : " ائذن لي
فأضرب عنقه ( 3 ) " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
: " دعه فان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ،
وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون
|
(
1 ) أما البخاري فقد أخرجه في
باب علامات النبوة في الإسلام من كتاب بدء الخلق ص 184
من الجزء الثاني من صحيحه ، وفى مواضع أخر من الصحيح ،
وأما مسلم فقد أخرجه في باب ذكر الخوارج وصفاتهم ص 393
وما بعدها من الجزء الأول من صحيحه ( منه قدس ) .
( 2
) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء وكسر
الصاد ، واسمه حرقوص ابن زهير ( منه قدس ) .
( 3 )
ليته ضرب عنقه حين أمر بذلك ( منه قدس )
( * ) . |
|
|
القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين ( 1 ) كما
يمرق السهم من الرمية ( 2 ) ينظر إلى نصله فلا يوجد
فيه شئ ( 3 ) ثم ، ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ ،
ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر
إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ ، قد سبق الفرث والدم ،
آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل
البضعة تدردر ( 4 ) . ويخرجون على حين ( 5 ) فرقة من
الناس
قال أبو سعيد : فأشهد
إني سمعت هذا الحديث من
رسول الله ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه
، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت
|
(
1 ) أي يخرجون من دين الإسلام وهذه الكلمة من
الأدلة على كفر الخوارج وعليه إجماع الإمامية واليه
ذهب جماعة من أعلام الجمهور كالخطاب والقاضي أبى بكر
ابن العربي في شرح الترمذي لقوله صلى الله عليه وآله -
كما في صحيح مسلم - " يمرقون من الإسلام " ( منه
قدس ) .
( 2 ) الرمية كفعيلة بمعنى مفعولة هي الصيد المرمى ، والمروق سرعة
نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الأخر ومنه
مروق البرق لخروجه بسرعة ، شبه صلى الله عليه وآله
مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه
ويخرج منه ، ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا
يعلق على السهم يمرقون من الإسلام ( منه قدس ) .
( 3 )
ينظر بالبناء للمفعول والنصل حديدة السهم . أي لا يوجد
فيها شئ ما من الصيد مطلقا لا دم ولا غيره ( منه قدس )
.
( 4 ) تدردر فعل مضارع أصلها تتدردر حذفت إحدى
التاءين تخفيفا - أي تتحرك وتذهب وتجئ ( منه قدس ) .
(
5 ) قال النووي في تعليقه على هذا الحديث ص 86 من
الجزء السادس من شرح صحيح مسلم : ضبطوه في الصحيح
بوجهين أحدهما : على حين فرقة بحاء مهملة ثم ياء بعد
نون . وثانيهما على خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة بعدها
ياء ثم راء . قلت : هذا هو المأثور الصحيح
عن النبي صلى الله عليه
وآله والمراد بخير فرقة على وأصحابه كما لا يخفى ( منه
قدس ) ( * ) . |
|
|
إليه على نعت النبي صلى الله عليه وآله الذي نعته "
( 143 ) .
والأخبار عن الخوارج بهذا ونحوه - من
أفعالهم وصفاتهم الخلقية والخلقية - متواترة من طريقنا
عن العترة الطاهرة ، متضافرة من طريق الجمهور عن رسول
الله صلى الله عليه وآله - فلتراجع في مضانها من حديث
الفريقين ( 144 ) وانها لمن أعلام النبوة وآيات
الإسلام لما فيها من أنباء الغيب التي ظهرت بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله للناس كفلق الصبح ، إذ رأي
الناس مروق هؤلاء من الإسلام بخروجهم على الإمام ( 3 )
وكان خروجهم على افتراق من الناس ( 4 ) وقد قتلوا
|
(
143 ) تجد هذا الحديث عن أبى سعيد في
مسند أحمد فراجعه ص 56
من الجزء الثالث من مسنده ( منه قدس ) .
أخبار النبي صلى الله عليه وآله بالمارقين وصفاتهم :
راجع صحيح البخاري ك بدء
الخلق ب علامات النبوة في الإسلام ج 4 / 243 ط مطابع الشعب ،
صحيح مسلم
ك الزكاة ب 47 ذكر الخوارج
ج 2 / 744 ، مسند أحمد ج 3 / 56 و 65 ،
خصائص النسائي
ص 43 و 44 ط التقدم ، المناقب للخوارزمي ص 182 ، أسد
الغابة ج 2 / 140 ،
الأنوار المحمدية ص 487 ،
منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 432 و 433 ،
كنز
العمال ج 11 / 202 و 307 .
( 144 ) ولاسيما الصحاح
الستة وغيرها من المسانيد التي هي مدار الجمهور في
علمهم وعملهم ( منه قدس ) .
صفات الخوارج : من طريق
الجمهور فراجع : كنز العمال ج 11 / 198 - 208 و 286 -
323 ، إحقاق الحق للتستري ج 8 / 475 - 522 ، المناقب
للخوارزمي ص 182 - 185 .
( 3 ) كما أخبر به النبي عنهم
إذا قال صلى الله عليه وآله : " يخرجون على خير " فرقة
بكسر الفاء - يعنى عليا وأصحابه - ( منه قدس ) .
( 4 )
كما أخبر به صلى الله عليه وآله إذ قال : " يخرجون على
حين فرقة " بضم الفاء وكان خروجهم
=> |
|
|
وكان قاتلهم
إمام الحق ( 145 ) وكانوا في بقية
شؤونهم كما أخبر عنهم ، يقتلون أهل الإيمان ، ويدعون
عبدة الأوثان ، ويتشددون في الدين في غير موضع التشدد
، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم .
لان قلوبهم غلف
قد ران عليها مروقهم من الدين ، فلا ينفذ إليها شئ من
نور القرآن يبالغون في الصلاة والصيام لكنهم لا يقيمون
حقوق الإسلام ، لمروقهم منه غير متأثرين بشئ من هداه ،
مروق السهم من الرمية ، يسبق الفرث والدم .
وقد ظهرت
للناظرين آيتهم الخاصة بهم ، رجل أسود إحدى عضديه مثل
ثدى المرأة ، أو مثل البضعة تدردر كما أخبر صلى الله
عليه وآله ، وقد تضمنت أخباره عن هذه المارقة بقاء
الأمة بعده ، وبقاء الشوكة والطول لها ، على خلاف ما
أرجف المرجفون ، وكل ذلك علم بالغيب ، والله تعالى
يقول ( فَلَا يُظْهِرُ عَلَى
غَيْبِهِ أَحَدًا *
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) ( 2 ).
ولنختم ما عنينا به من شؤون هذه المارقة بحديث أخرجه
الطبراني في الأوسط ( 3 ) عن جندب ( 4 ) .
|
=> في صفين والناس فئتان ،
أحداهما مع على عليه
السلام ، وأخرى باغية مع معاوية ( منه قدس ) .
( 145 )
كما أخبر به أذ قال صلى الله عليه وآله " يقتلهم أدنى
الطائفتين إلى الحق " وقال في حديث آخر أخرجه
مسلم عن
أبى سعيد : " يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " ( منه قدس
) .
( 2 ) سورة الجن آية : 26 و 27 .
الإمام أمير
المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام طبق ما أخبر به
النبي صلى الله عليه وآله من أمر الخوارج : راجع
صحيح
مسلم ك الزكاة ب 47 ج 2 / 745 و 746 ،
كنز العمال ج 11
/ 310 و 314 ذخائر العقبى ص 110 . ( 3 ) كما في ص 71
من الجزء السادس من كنز العمال في سنن
الأقوال والأفعال وهو الحديث 1179 ( منه قدس ) .
( 4 ) هو جندب
بن زهير بن الحارث بن كثير بن سبع بن مالك الأزدي
الغامدي
=> |
|
|
قال : لما فارقت الخوارج عليا خرج في طلبهم وخرجنا
معه ، فانتهينا إلى عسكر القوم . فإذا لهم دوي كدوي
النحل من قراءة القرآن وإذا فيهم من أصحاب النقبات ،
وأصحاب البرانس ، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة ،
فتنحيت فركزت رمحي ، ونزلت عن فرسي ، ونزعت برنسي ،
فنشرت عليه درعي ، وأخذت بمقود فرسي ، فقمت أصلي إلى
رمحي وأنا أقول : اللهم ان كان قتال هؤلاء القوم لك
طاعة فأذن لي فيه ، وان كان معصية فأرني براءك .
فبينا
أنا كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب فلما دنا مني قال :
تعوذ بالله يا جندب من شر السخط ، فجئت أسعى إليه ،
ونزل فقام يصلي ، وإذا برجل أقبل .
فقال : يا أمير
المؤمنين ألك حاجة في القوم ؟ قال : وما ذاك ؟ قال :
قطعوا النهر فذهبوا . قال : ما قطعوه . قال : سبحان
الله ! ثم جاء آخر فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا .
|
=> كان من أصحاب أمير المؤمنين وخاصة أوليائه
، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في القسم الأول من
إصابته . على أن في صحبته لرسول الله صلى الله عليه
وآله خلافا ، لكنه لا كلام في كونه من كبار التابعين
ورؤسائهم وزهادهم شهد مع أمير المؤمنين حروبه أيام
الجمل وصفين والنهروان وكان في صفين على الرجالة .
وعن
أبى دريد في أماليه بسنده إلى أبى عبيدة عن يونس قال :
كان عبدالله بن الزبير اصطفنا يوم الجمل فخرج علينا
صالح فقال : يا معشر فتيان قريش أحذركم رجلين جندب ابن
زهير والأشتر ، فإنكم لا تقومون لسيوفهما قلت : جندب
بن زهير هذا غير جندب الذي قتل الساحر بين يدي الوليد
بن عقبة ، فان قاتل الساحر جندب بن كعب العبدي قتل
بصفين مع على عليه السلام نص على ذلك الزبير بن بكار
في كتابه الموفقيات ، وهو المنقول عن ابن الكلبي وغيره
( منه قدس ) ( * ) . |
|
|
قال : ما قطعوه . قال : سبحان الله . ثم جاء آخر
فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا . قال علي : ما قطعوه
ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله . ثم ركب
فقال لي : يا جندب إني باعث إليهم رجلا يدعوهم إلى
كتاب ربهم وسنة نبيهم ، فلا يقبل عليهم بوجهه حتى
يرشقوه بالنبل ، يا جندب : انه لا يقتل منا عشرة ولا
ينجو منهم عشرة .
ثم قال : من يأخذ هذا المصحف فيمشي
به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه
وهو مقتول وله الجنة ، فأجابه شاب من بني عامر بن صعصعة فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم . فلما دنا منهم
نشبوه . فقال علي : دونكم القوم . قال جندب : فقتلت
بكفي هذه ثمانية قبل أن أصلي الظهر ، وما قتل منا عشرة
، وما نجا منهم عشرة كما قال علي " ( 146 ) والحمد لله
.
|
( 146 ) ظهور الحق
لجندب بعد أن اطلع على حقائق الخوارج : راجع : كنز
العمال ج 11 / 289 ، مجمع الزوائد ج 6 / 242 .
|
|
|
|