النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 218 : -

[ المورد ( 23 ) - : التصرف في الأذان باشتراع فصل فيه ]

وذلك انا تتبعنا السنن المختصة بفصول الأذان والإقامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يكن فيها ( الصلاة خير من النوم ) بل لم يكن هذا الفصل على عهد أبي بكر ، كما يعلمه جهابذة السنن ونقدة الحديث ، وانما أمر به عمر بعد مضي شطر من خلافته ، حيث استحبه واستحسنه في أذان الفجر فاشترعه حينئذ وأمر به ، والنصوص في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة ( 298 ) .

  ( 298 ) جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 622 و 672 - 687 ، وسائل الشيعة ك الصلاة ب 19 من أبواب الأذان والإقامة ج 4 / 642 ، الجواهر ج 9 / 81 ، الحدائق ج 9 / 398 ( * ) .  
 

- ص 219 -

وحسبك من غيرها ما تراه في سنن غيرهم من حفظة الآثار كالإمام مالك في موطئه : " إذ بلغه ان المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما . فقال : الصلاة خير من النوم . فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح " ( 299 ) . انتهى بلفظه .

قال الزرقاني في تعليقه على هذه الكلمة من شرحه للموطئ ما هذا لفظه ( 1 ) هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال وأخرج عن سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه قال لمؤذنه : إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم .

قلت : وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث هشام بن عروة ، ورواه غير واحد من اثبات أهل السنة والجماعة ( 300 ) .

ولا وزن لما جاء عن محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي عن أبيه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه : ان النبي صلى الله عليه وآله استشار الناس لما يهمهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من اجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من اجل النصارى ، فأري النداء في تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب ، فطرق الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلا ، فأمر رسول الله بلالا فأذن به . ( قال ) : قال الزهري وزاد بلال في نداء صلاة الغداة : الصلاة خير من

  ( 299 ) الموطأ للإمام مالك ص 58 ح 151 ط بيروت .
( 1 ) راجع منه ما جاء في النداء للصلاة ص 25 من جزئه الأول ( منه قدس ) .
( 300 ) المصنف لابن أبى شيبة
. ( * ) 
 
 

- ص 220 -

النوم ، فأفرها النبي صلى الله عليه وآله . . ( الحديث ) .

أخرجه ابن ماجة في باب الأذان من سننه ( 301 ) .

وحسبك في بطلانه أنه من حديث محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي الذي قال فيه يحيى كان رجل سوء ، وقال مرة : هو لا شئ ، وقال ابن عدي أشد ما أنكر عليه أحمد ويحيى روايته عن أبيه ثم له مناكير غير ذلك ، وقال أبو زرعة : ضعيف ، وقال يحيى بن معين : محمد ابن خالد بن عبد الله كذاب ان لقيتموه فاصفعوه . قلت : وذكره الذهبي في ميزانه فنقل عن أئمة الجرح والتعديل ما قد ذكرناه فراجع ( 302 ) .

ونحو هذا الحديث في البطلان ما قد جاء عن أبي محذورة ، إذ قال : قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان ، قال : فمسح مقدم رأسي وقال : تقول الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ، ثم تقول أشهد أن لا اله إلا الله أشهد أن لا اله ألا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخلص بها صوتك ، ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا اله إلا الله أشهد أن لا اله إلا الله ، اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، فان كانت لصلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ، الله أكبر الله أكبر ، لا اله إلا الله ( 303 ) أخرجه أبو

  ( 301 ) سنن ابن ماجة ج 1 / 233 ح 707 ، الطبقات لابن سعد ج 1 / 147 .
( 302 ) الميزان للذهبي ج 3 / 51 ، الغدير ج 5 / 257 . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 حول الحديث : في إسناده محمد بن خالد ضعفه : أحمد ، وابن معين ، وأبو زرعة ، وغيرهم .
( 303 ) سنن أبى داود ج 1 / 196 ح 500 و 501 ط السعادة
. ( * ) 
 
 

- ص 221 -

داود عن أبي محذورة من طريقين :
( أحدهما ) عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده . ومحمد بن عبد الملك هذا ممن لا يحتج بهم بنص الذهبي إذ أورده في ميزان الاعتدال ( 304 ) .
( ثانيهما ) عن عثمان بن السائب عن أبيه. وأبوه من النكرات المجهولة بنص الذهبي حيث أورده في الميزان ( 305 ) . على أن مسلما أخرج هذا الحديث ( 1 ) بلفظه عن أبي محذورة نفسه ، ولا أثر فيه لقولهم : الصلاة خير من النوم ( 306 ) .

وستسمع قريبا ما أخرجه أبو داود وغيره عن محمد بن عبد الله بن زيد من فصول الأذان الذي قام به بلال يمليه عليه عبد الله بن زيد ، وليس فيه الصلاة خير من النوم ، مع أنه انما كان لصلاة الصبح .

على أن أبا محذورة انما كان من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم في الإسلام بعد فتح مكة ، وبعد أن قفل رسول الله صلى الله عليه وآله من حنين منتصرا على هوازن ، ولم يكن شئ أكره إلى أبي محذورة يومئذ من رسول الله صلى الله عليه وآله ولا مما يأمر به .

وكان يسخر بمؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله فيحكيه رافعا صوته استهزاءا ، لكن صرة الفضة التي اختصه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وغنائم حنين التي أسبغها على الطلقاء من أعدائه ومحاربيه ، وأخلاقه العظيمة التي وسعت كل من اعتصم بالشهادتين من أولئك المنافقين مع شدة وطأته على من لم يعتصم بها ، ودخول العرب في دين الله أفواجا كل ذلك ألجأ أبا محذورة وأمثاله إلى الدخول فيما دخل

  ( 304 ) الميزان للذهبي .
( 305 ) الميزان للذهبي .
( 1 ) في باب صفة الأذان من صحيحه ( منه قدس ) .
( 306 ) صحيح مسلم ك الصلاة باب صفة الأذان ج 2 / 3 ط العامرة
. ( * ) 
 
 

- ص 22285 -

فيه الناس : ولم يهاجر حتى مات في مكة ( 1 ) والله يعلم بواطنه ( 307 ) . على أن لرسول الله كلمة قالها لثلاثة : أبي محذورة ، وأبي هريرة ، وسمرة بن جندب ، حيث أنذرهم بقوله آخركم موتا في النار ( 308 ) .

وهذا أسلوب حكيم من أساليبه صلى الله عليه وآله في إقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الإسلام والمسلمين ، فانه صلى الله عليه وآله لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب أمته الريب فيهم ، والنفرة منهم ، إشفاقا عليها ان تركن إلى واحد منهم في شئ مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم ، فنص بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتا ، لكنه صلى الله عليه وآله أجمل القول فيه على وجه جعله دائرا بين الثلاثة على السواء ، ثم لم يتبع هذا الإجمال بشئ من البيان وتمضي الأيام والليالي على ذلك ، ويلحق صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى ولا بيان ، فيضطر أولى الألباب من أمته إلى إقصائهم جميعا عن كل أمر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدنية في دين الإسلام ، لاقتضاء العلم الإجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة ، فلولا أنهم في وجوب الإقصاء على السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل هذا المقام .

فان قلت : لعله صلى الله عليه وآله بين هذا الإجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة .

  ( 1 ) كل ما نقلناه هنا عن أبى محذورة موجود في ترجمته من الاستيعاب بهامش الإصابة وغيرها وهو مما لا خلاف فيه ( منه قدس ) .
( 307 ) الاستيعاب بهامش الإصابة ج 4 / 179 ط 1 .
( 308 ) كما في ترجمة سمرة من الاستيعاب والإصابة وغيرهما ( منه قدس ) . الإصابة ج 2 / 79 ، الاستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة ج 2 /
78 ( * ) .
 
 

- ص 223 -

قلنا : لو كان ثمة قرينة ما كان كلا من هؤلاء الثلاثة في الوجل من هذا الإنذار على السواء ( 1 ) . على انه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة الينا ، إذ لا مندوحة لنا عن العمل بما يوجبه العلم الإجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة على كلا الفرضين .

فان قلت : انما كان المنصوص عليه بالنار منهم مجملا قبل موت الأول والثاني ولسبقهما إلى الموت تبين وتعين أنه انما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه وحينئذ لا إجمال ولا إشكال .

قلنا . أولا : أن الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة ، ووقت الحاجة هنا متصل بصدور هذا الإنذار لو كان لواحد من الثلاثة شئ من الاعتبار ، لأنهم منذ أسلموا كانوا محل ابتلاء المسلمين في الحقوق المدنية شرعا كالإمامة في الصلاة جماعة ، وقبول الشهادة في المرافعات الشرعية ونحوها ، وكالإفتاء و القضاء ، مع استجماعهم لشروطهما ، ونحو ذلك مما يشترط فيه العدالة والورع فلولا وجوب إقصائهم عنها ما أخر صلى الله عليه وآله البيان اتكالا على صروف الزمان ، وحاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يقصي أحدا عن حقه طرفة عين ، ومعاذ الله أن يخزي من لا يستحق الخزي ثم يبقيه على خزيه حتى يموت مخزيا إذ لا نعرف براءته - بناء على هذا الفرض الفاسد - إلا بتقدم موته .

وثانيا : أنا ( شهد الله ) بذلنا الطاقة بحثا وتنقيبا فلم يكن بالوسع ان نعلم أيهم المتأخر موتا ، لان الأقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط ( 2 ) وبين

  ( 1 ) كما يعلمه متتبعوا شؤونهم حول هذا الوعيد ( منه قدس ) .
( 2 ) أما تناقضها فلان بعضها نص بموت سمرة سنة ثمان وخمسين وموت أبى هريرة =
>
 
 

- ص 224 -

مجمل متشابه لا يركن إليه كما يعلمه المتتبعون ( 309 ) .

وثالثا : لم يكن من خلق رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو العزيز عليه عنت المؤمنين الحريص عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم - أن يجابه بهذا القول من يحترمه وما كان ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ( 310 ) ليفاجئ به غير مستحقه ، ولو أن في واحد من هؤلاء الثلاثة خيرا ما أشركه في هذه المفاجئة القاسية ، والمجابهة الغليظة ، لكن اضطره الوحي إلى ذلك نصحا لله تعالى وللأمة ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) ( 311 ) .

[ تنبيه ]

ان من عرف رأي اخواننا - من أهل المذاهب الأربعة - في بدء الأذان والإقامة واشتراعها لا يعجب من استسلامهم للزيادة فيهما أو للنقيصة منهما ، فانهم - هدانا الله وإياهم - لا يرون أن الأذان والإقامة مما شرعه الله تعالى بوحيه إلى النبي صلى الله عليه وآله ولا مما ابتدأ به النبي صادعا به عن الله عزوجل كسائر النظم والأحكام ، وانما كان طيف رآه بعض الصحابة في المنام كما صرحوا به

  => سنة تسع وخمسين وهذا منقوض بالقول بأن موت أبى هريرة كان سنة سبع وخمسين وهكذا بقية الأقوال في موت الثلاثة . وأما المجمل المتشابه منها فكالقول بموت الثلاثة كلهم في سنة تسع وخمسين ، من غير بيان الساعة واليوم والشهر الذي وقع فيه الموت ( منه قدس ) .
( 309 ) راجع : شيخ المضير أبو هريرة ط 3 ، أبو هريرة لشرف الدين .
( 310 ) مضمون الآية الكريمة " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " القلم : 4 .
( 311 ) لهذا الكلام بقية فلتراجع في خاتمة كتابنا ( أبو هريرة ) ( منه قدس ) . سورة النجم آية : 3 وراجع : كتاب " أبو هريرة " لشرف الدين
. ( * ) 
 
 

- ص 225 -

ونقلوا الإجماع عليه ورووا فيه أحاديث صححوها وادعوا تواترها ( 312 ) .

واليك منها ما هو من أصحها عندهم ، فعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار ، قال : اهتم النبي صلى الله عليه وآله للصلاة كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : أنصب راية فإذا رأوها أذن بعضهم فلم يعجبه ذلك فذكروا له القبع - يعني الشبور شبور اليهود - فلم يعجبه ذلك ، وقال : هو من أمر اليهود ، فذكروا له الناقوس ، فقال هو من أمر النصارى - وكأنه كرهه أولا ثم أمر به فعمل من خشب - فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله فأري الأذان في منامه .

قال : فغدا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره فقال له : يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان ، قال : وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ، ثم خبر به النبي صلى الله عليه وآله فقال له : ما منعك ان تخبرني ؟ فقال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ، قال : فأذن بلال . ( الحديث ) ( 313 )

  ( 312 ) راجع : الصحيح من سيرة النبي الأعظم ص 81 ، عن سنن أبى داود ج 1 / 335 - 338 ، المصنف لعبد الرزاق ج 1 / 455 - 465 ، السيرة الحلبية ج 2 / 93 - 97 ، تاريخ الخميس ج 1 / 359 ، الموطأ ج 1 وشرحه للزرقاني ج 1 / 120 - 125 ، صحيح الترمذي ج 1 / 358 - 361 ، مسند أحمد ج 4 / 42 ، سنن ابن ماجة ج 1 / 124 ، سنن البيهقي ج 1 / 390 ، سيرة ابن هشام ج 2 / 154 و 155 و 125 ، نصب الراية ج 1 / 259 - 261 ، فتح الباري ج 2 / 63 - 66 ، الطبقات لابن سعد ج 1 قسم 2 ص 8 ، البداية والنهاية ج 3 / 232 - 233 المواهب اللدنية ج 1 / 71 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 3 / 273 و 275 ، تبيين الحقائق للزيلعي ج 1 / 90 ، الروض الانف ج 2 / 285 - 286 ، حياة الصحابة ج 3 / 131 ، كنز العمال ج 4 / 263 ، سنن الدارقطني ج 1 / 241 و 242 و 245 وغير ذلك من مصادر .

( 313 ) أخرجه أبو داود في باب بدء الأذان من الجزء الأول من سننه ، ورواه غير =>

 
 

- ص 226 -

وعن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري عن أبيه عبد الله بن زيد قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمعهم للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت له : أتبيع هذا الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ فقلت : ندعوا به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت : بلى . فقال : تقول الله اكبر ، الله اكبر ، الله اكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله الله ( 1 ) .

قال : ثم استأخر عني غير بعيد ، ثم قال : وتقول إذا أقمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، لا اله إلا الله . فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بما رأيت ، فقال : انها لرؤيا حق ان شاء الله تعالى ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به أندى صوتا منك ، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به ، قال : فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول : والذي بعثك بالحق يا رسول

  => واحد من أصحاب السنن والمسانيد وأرسله أهل السير والأخبار منهم إرسال المسلمات فراجع ( منه قدس ) . راجع : سنن أبى داود ج 1 / 194 ط السعادة ، كنز العمال .
( 1 ) هذا الأذان كان - بزعم المحدثين به عن عبد الله بن زيد - أول أذان في الإسلام وهو كما تراه ليس فيه ( الصلاة خير من النوم ) مع كونه انما كان لصلاة الفجر فمن أين جاء هذا الفصل يا مسلمون ؟ ! ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 

- ص 227 -

الله لقد رأيت مثل ما رأى . . ( الحديث ) ( 314 ) .

واختصره الإمام مالك في ما جاء في النداء للصلاة من موطأه ، فحدث عن يحيى بن سعيد أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله أراد أن يتخذ خشبتين ( 1 ) . يضرب بهما ليجمع الناس للصلاة فأري عبد الله بن زيد الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم ، فقال : ان هاتين الخشبتين لنحو مما يريد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجمع به الناس للصلاة ، فقيل له : ألا تؤذنون للصلاة ؟ وأسمعه الأذان ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله بالأذان : انتهى ما في الموطأ مختصرا مرسلا ( 315 ) .

وقال الإمام ابن عبد البر : روى قصة عبد الله بن زيد هذه في بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ، ومعان متقاربة ، والاسانيد في ذلك متواترة

  ( 314 ) أخرجه أبو داود السجستاني في باب كيف الأذان من سننه ، والترمذي في صحيحه وقال : حسن صحيح ، ورواه كل من ابن حيان وابن خزيمة وصححاه وابن ماجة في باب بدء الأذان من سننه وغير واحد من أصحاب السنن والأخبار ( منه قدس ) . راجع : سنن أبى داود ج 1 / 195 ط السعادة ، صحيح الترمذي ، سنن ابن ماجة ج 1 / 232 ح 706 ، الطبقات لابن سعد ج 1 / 246 ونقله العلامة في تذكرة الفقهاء ج 1 / 104 ط قديم .
( 1 ) قال الزرقاني في تعليقه على هذا الحديث من شرحه للموطأ : هما الناقوس وهى خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منهما صوت ( قال ) كما في الفتح وغيره . قلت : وللزرقاني هنا ( حول حديث عبد الله بن زيد في الأذان والإقامة ) كلام ألفت إليه الباحثين فليراجعوه في ص 120 إلى منتهى ص 125 من الجزء الأول من شرح الموطأ ( منه قدس ) .
( 315 ) والتفصيل في شرح الزرقاني فليراجع ( منه قدس ) . راجع : موطأ مالك ص 55 ح 144 وفى طبع محمد فؤاد عبدا لباقي ج 1 /
67 ( * ) .
 
 

- ص 228 -

وهي من وجوه حسان ( 316 ) . هذا كلامه بلفظه ( 1 ) .

قلت . في ثبوت هذه الأحاديث نظر من وجوه : ( أحدها ) ان النبي صلى الله عليه وآله لم يكن ليؤآمر الناس في اشتراع الشرائع الإلهية ، وانما كان يتبع فيها الوحي ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) ( 2 ) .

والأنبياء كلهم صلوات الله وسلامه عليهم لا يؤآمرون أممهم فيما يشترعون ( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) ( 3 )

وحسبنا قوله عزوجل لعبده وخاتم رسله : ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( 4 )

( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ( 5 ) .

( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) ( 6 ) .

وقد حظر ، عز سلطانه ، عليه العجل ولو بحركة اللسان فقال جل وعلا : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ( 7 ) .

و أثنى جل ثناؤه على قول رسوله صلى الله عليه وآله فقال وهو أصدق القائلين : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ

  ( 316 ) الطبقات لابن سعد ج 1 / 246 وغيره . ( 1 ) نقله الزرقاني عنه فيما تقدمت الإشارة إليه من شرح الموطأ ( منه قدس ) . ( 2 ) الآية - 3 و 4 و 5 - من سورة النجم . ( 3 ) الآية - 26 و 27 - من سورة الأنبياء . ( 4 ) في آخر سورة الأعراف آية : 402 . ( 5 ) الآية - 15 - من سورة يونس . ( 6 ) الآية - 9 - من سورة الأحقاف . ( 7 ) الآية - 16 - 19 - من سورة القيامة . ( * )   
 

- ص 229 -

تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) ( 1 ) ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) ( 2 ) .

( ثانيهما ) ان الشورى المذكورة في هذه الأحاديث لمما يحكم العقل مستقلا بعدم اعتبارها في تشريع الشرائع الإلهية فالعقل بمجرده يحيل وقوعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وهل رأي الناس فيها الا تقول محض على الله تعالى ؟ ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) ( 3 )

نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألف أصحابه بمشورتهم في أمور الدنيا ، كلقاء العدو ومكائد الحرب ونحوها عملا بقوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ) ( 4 ) .

وفي مثل ذلك يجوز عليه أن يتألفهم بمشاورتهم فيها مع استغنائه بالوحي عن آرائهم ، لكن شرائع الدين لا يجوز فيها عليه الا اتباع الوحي المبين .

( ثالثها ) ان هذه الأحاديث تضمنت من حيرة النبي صلى الله عليه وآله مالا يجوز على مثله من المتصلين بالله عزوجل ، حتى مثلته وقد ضاق في أمره ذرعا فاحتاج إلى مشورة الناس ، وأنه كره الناقوس أولا ، ثم أمر به بعد تلك الكراهة ، وأنه صلى الله عليه وآله بعد أن أمر به عدل عنه إلى ما اقتضته رؤيا عبد الله بن زيد ، وان عدوله عن الناقوس كان قبل حضور وقت العمل به .

وهذا من البداء المستحيل على الله تعالى وعلى موضع رسالته ، ومختلف ملائكته ، ومهبط وحيه وتنزيله ، وسيد

  ( 1 ) الآية - 40 - 43 - من سورة الحاقة .
( 2 ) الآية - 19 - 22 - من سورة التكوير .
( 3 ) الآية 44 إلى 47 من سورة الحاقة .
( 4 ) من الآية 159 من سورة آل عمران
. ( * ) 
 
 

- ص 230 -

أنبيائه وخاتم رسله . على أن رؤيا غير الأنبياء لا يبتني عليها شئ من الأشياء بإجماع الأمة ( 317 ) .

( رابعها ) ان في أحاديثهم هذه من التعارض ما يوجب سقوطها ، وحسبك منها الحديثان اللذان أوردناهما آنفا - حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار ، وحديث محمد ابن عبد الله بن زيد عن أبيه - ( 318 ) فأمعن فيما يتعلق منهما برؤيا عمر تجد التعارض بينا بأجلى مظاهره .

وأيضا فان هذين الحديثين المشار اليهما يقصران الرؤيا على ابن زيد وابن الخطاب ، لكن حديث الرؤيا للطبراني في الأوسط ( 319 ) صريح في صدورها من أبي بكر أيضا ، وهناك من أحاديثهم ما هو صريح بأن تلك الرؤيا كانت من أربعة عشر رجلا من الصحابة ، كما في شرح التنبيه للجبيلي ، وروي ان الرائين تلك الليلة كانوا سبعة عشر من الأنصار ، وعمر وحده من المهاجرين وفي رواية أن بلالا ممن رأى الأذان أيضا وثمة متناقضات في هذا الموضوع أورد الحلبي منها ما يورث العجب العجاب ، وحاول الجمع بينها فحبط عمله ( 320 ) .

  ( 317 ) تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ج 1 / 104 و 105 ط قديم ، فتح الباري ج 2 / 62 .
( 318 ) قد تقدم الحديثان تحت رقم ( 304 و 305 ) فراجع وراجع أيضا : الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 81 . ( 319 ) المعجم الأوسط للطبراني مخطوط ، الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 81 .
( 320 ) فلتراجع في باب بدء الأذان ومشروعيته من الجزء الثاني من سيرته الحلبية ، فان هناك ما يوجب العجب والاستغراب ( منه قدس ) . السيرة الحلبية ج 2 / 296 وما بعدها ، الصحيح من سيرة النبي ج 3 /
82 ( * ) .
 
 

- ص 231 -

إذ قال يجمع شملا غير مجتمع * منها ويجبر كسرا غير منجبر

( خامسها ) أن الشيخين - البخاري ومسلما - قد أهملا هذه الرؤية بالمرة فلم يخرجاها في صحيحيهما أصلا ، لا عن ابن زيد ، ولا عن ابن الخطاب ، ولا عن غيرهما ، وما ذاك الا لعدم ثبوتها عندهما . نعم أخرجا في باب بدء الأذان من صحيحيهما عن ابن عمر ، قال : كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد ، فتكلموا يوما في ذلك . فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى ، وقال بعضهم : بل بوقا مثل بوق اليهود . فقال عمر : ألا تبعثون رجلا ينادي للصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد الصلاة . فنادى بالصلاة .آه ( 321 )

هذا كل ما في صحيحي البخاري ومسلم مما يتعلق ببدء الأذان ومشروعيته وقد اتفق الشيخان على إخراجه كما اتفقا على إهمال ما عداه مما يتعلق بهذا الموضوع ، وكفى به معارضا لما رووه من أحاديث الرؤيا كلها ، لان مقتضى هذا الحديث ان بدء الأذان انما كان برأي عمر لا برؤياه ، ولا برؤيا عبد الله بن زيد ولا غيرهما ، ومقتضى تلك ان بدأه وبدء الإقامة إنما كان بالرؤيا التي سبق فيها عبد الله بن زيد ، عمر بن الخطاب : ولذلك يدعى عندهم برائي الأذان وربما قالوا صاحب الأذان .

وأيضا فان حديث الشيخين هذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله انما أمر بلالا - بالنداء للصلاة - في مجلس التشاور ، وعمر حاضر عند صدور الأمر منه صلى الله عليه وآله ، وتلك الأحاديث أحاديث الرؤيا كلها - صريحة بأنه صلى الله عليه وآله انما أمر بلالا بالنداء عند الفجر إذ قص ابن زيد عليه رؤياه ، وذلك

  ( 321 ) صحيح مسلم ك الصلاة باب بدء الأذان ج 2 / 2 ط العامرة . ( * )   
 

- ص 232 -

بعد الشورى بليلة في اقل ما يتصور ولم يكن عمر حينئذ حاضرا وانما سمع الأذان وهو في بيته فخرج آنذاك يجر رداءه ويقول : والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى . بجدك قل لي هل يمكن الجمع بين هذا وتلك ؟ كلا .

وشرف الإنصاف ، وعلو الحق . وعزة ربنا عز سلطانه . على أن الحاكم قد أهمل أحاديث رؤيا الأذان والإقامة ، فلم يرو في مستدركه منها شيئا أصلا ، كما أهملها الشيخان فلم يرويا في الصحيحين شيئا منها بالمرة ، هذا مما يلمسك سقوطها عن درجة الصحة عندهما ، وذلك لان الحاكم قد اخذ على نفسه ان يستدرك عليهما كل ما لم يخرجاه في صحيحيهما من السنن الصحاح من شرطهما ، وقد قام في مستدركه بما أخذه على نفسه أتم قيام ، وحيث - أنه مع ذلك كله - لم يخرج من أحاديث الرؤيا في المستدرك شيئا ، علمنا انه لم يثبت منها على شرط الشيخين شئ لا في صحيحيهما ولا في غير الصحيحين كما لا يخفى .

وللحاكم هنا كلمة تفيد جزمه ببطلان أحاديث الرؤيا وأنها كأضاليل ألا وهي قوله : وانما ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد في الأذان والرؤيا لتقدم موت عبد الله . قلت : هذا لفظه بعينه ( 1 ) .

ويؤيد ذلك أن ابتداء الأذان عند الجمهور انما كان بعد وقعة احد .

وقد اخرج أبو نعيم في ترجمة عمر بن عبد العزيز من كتاب حلية الأولياء بسند صحيح ( 2 ) عن عبد الله العميري ، قال : دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن ثعلبة

  ( 1 ) فراجعه في باب رد الصدقة ميراثا ، من كتاب الفرائض ص 348 من جزئه الرابع ( منه قدس ) .
( 2 ) صرح بصحته ابن حجر العسقلاني إذ نقله عن الحلية في ترجمة عبد الله بن زيد الأنصاري في اصابته فراجع ( منه قد
س ) .
 
 

- ص 233 -

على عمر بن عبد العزيز فقالت له : أنا ابنة عبد الله ابن زيد شهد أبي بدرا وقتل بأحد ، فقال سلي ما شئت فأعطاها ( 322 ) . قلت : لو كان عبد الله بن زيد كما يقولون أنه رأى الأذان لذكرت ابنته ذلك عنه كما نقلت حضوره بدرا وشهادته في احد كما لا يخفى .

( سادسها ) ان الله عزوجل حظر على الذين آمنوا ان يتقدموا بين يدي الله ورسوله وأن يرفعوا أصواتهم فوق صوته وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض ، وأنذرهم بحبوط أعمالهم الصالحة إذا ارتكبوا شيئا من ذلك فقال عز من قائل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) ( 323 ) ( الآيات ) .

وكان سبب نزولها أن قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله ركب من بني تميم يسألونه أن يؤمر عليهم رجلا منهم ، فقال أبو بكر - فيما أخرجه البخاري في تفسير الحجرات من الجزء الثالث من صحيحه ص 127 يا رسول الله أمر عليهم القعقاع بن معبد متقدما بقوله هذا ومبادرا برأيه ، فقال عمر على الفور من قول صاحبه : بل أمر الافرع بن حابس اخا بني مجاشع يا رسول الله فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، وتماريا جدالا وخصومة ، وارتفعت أصواتها في ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الحكيمة بسبب تسرعهما في الرأي ، وتقدمهما فيه بين يدي رسول الله ورفع أصواتهما فوق صوته صلى الله عليه وآله ( 324 ) .

  ( 322 ) حلية الأولياء ج ، الإصابة لابن حجر ج 2 / 312 ط 1 .
( 323 ) سورة الحجرات آية : 1 - 2 .
( 324 ) صحيح البخاري ، تفسير القرطبي ج 16 / 300
. ( * ) 
 
 

- ص 234 -

خاطب المؤمنين كافة بهذه الآيات لتكون قانونهم المتبع وجوبا في آدابهم وأخلاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله . وهذه الآيات كلها كما تراها قد منعت كل مؤمن ومؤمنة عن كل افتئات على رسول الله صلى الله عليه وآله وكل اقدام على أمر بين يديه ، فان معنى قوله تعالى : ( لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) ان لا تفتئتوا عندهما برأي ما حتى يقضي الله على لسان نبيه ما شاء ، وكأن المقترحين المتقدمين بين يديه كانا قد جعلا لانفسهما وزنا ومقدارا ومدخلا في الشؤون العامة ، فنبه الله المؤمنين على خطأهما فيما رأياه ، وأوقفهما على حدهما الذي يجب أن يقفا عليه .

وقوله تعالى : ( لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) نهى عن القول المشعر بأن لهم مدخلا في الأمور ، أو وزنا عند الله ورسوله ، لان من رفع صوته فوق صوت غيره فقد جعل لنفسه اعتبارا خاصا ، وصلاحية خاصة ، وهذا مما لا يجوز ولا يحسن من أحد عند رسول الله صلى الله عليه وآله .

ومن أمعن في قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، وقوله عز من قائل : ( أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) علم الحقيقة بكنهها .

ومن علم ان الله ما أقر أبا بكر الصديق وعمر الفاروق على تقدمهما بين يدي الله ورسوله لا يقران الناس على تشاورهم في اشتراع شرائعه ، ونظمه وأحكامه ، بطريق أحق لو كان قومنا يعلمون .

( سابعها ) أن الأذان والإقامة من معدن الفرائض اليومية نفسه ، فمنشئها هو منشئ الفرائض نفسه ، بحكم كل نسابة للألفاظ والمعاني ، خبير بأساليب العظماء وأهدافهم ، وانهما لمن أعظم شعائر الله عزوجل ، امتازت بهما الملة الإسلامية على سائر الملل والأديان ، إذ جاءت آخرا ففاقت مفاخرا فليمعن معي الممعنون من أولي الألباب بما في فصولهما من بلاغة القول وفصاحته ، 

- ص 235 -

وفخامة المعاني وسموها ، وشرف الأهداف ، وإعلان الحق بكل صراحة - الله أكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله - مع الدعوة إليه بكل ترغيب فيه ، وكل ثناء عليه . حي على الصلاة حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، لا تأخذ الداعي لومة لائم ولا سطوة مخالف غاشم .

تلك دعوة حية - كما قال عنها بعض الإعلام - كأنما تجد الإصغاء والتلبية من عالم الحياة بأسرها ، وكأنما يبدأ الإنسان في الصلاة من ساعة مسراها إلى سمعه ، ويتصل بعالم الغيب من ساعة إصغائه إليها .

دعوة تلتقي فيها الأرض والسماء ، ويمتزج فيها خشوع المخلوق بعظمة الخالق ، وتعيد الحقيقة الأبدية إلى الخواطر البشرية في كل موعد من مواعيد الصلاة ، كأنها نبأ جديد . الله أكبر الله أكبر - لا اله إلا الله لا اله إلا الله - .

تلك هي دعوة الأذان التي يدعو بها المسلمون إلى الصلاة ، وتلك هي الدعوة الحية التي تنطق بالحقيقة الخالدة ولا تومي إليها ، وتلك هي الحقيقة البسيطة غاية البساطة ، العجيبة غاية العجب ، لأنها أغنى الحقائق عن التكرار في الأبد إلا بيد ، وأحوج الحقائق إلى التكرار بين شواغل الدنيا وعوارض الفناء .

المسلم في صلاة منذ يسمعها تدعوه للصلاة ، لأنه يذكر بها عظمة الله ، وهي لب لباب الصلوات . وتنفرج عنها هدأة الليل فكأنها ظاهرة من ظواهر الطبيعية الحية تلبيها الأسماع والأرواح وينصت لها الطير والشجر ، ويخف لها الماء والهواء ، وتبرز الدنيا كلها بروز التأمين والاستجابة منذ تسمع هتفة الداعي الذي يهتف 

- ص 236 -

بها . . إلى آخر كلامه ( 1 ) .

وبالجملة فان الأذان والإقامة لمما لا يأتي به البشر ولو اجتمعوا له ، فنعوذ بالله من مخ الحقائق الناصعة ولاسيما إذا كانت من شرائع الله السائغة ، وآياته البالغة .

( ثامنها ) ان سنهم في بدء الأذان والإقامة كلها يناقض المأثور الثابت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ولا وزن عندنا لما خالف الثابت عنهم من رأي أو رواية مطلقا .

ففي باب الأذان والإقامة من كتاب وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة بالسند الصحيح عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام ، قال : لما هبط جبرائيل على رسول الله بالأذان أذن جبرئيل وأقام ، وعندها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله عليا ان يدعو له بلالا فدعاه فعلمه رسول الله الأذان وأمره به ، وهذا ما رواه كل من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ، والصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي ، وشيخ الإمامية محمد بن الحسن الطوسي ، وناهيك بهؤلاء صدقا وورعا ( 325 )

وروى شيخنا الشهيد السعيد محمد بن مكي في كتابه ( الذكرى ) ان الصادق - الإمام جعفر بن محمد الباقر - ذم قوما زعموا ان النبي صلى الله عليه وآله أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد الأنصاري ، فقال : ينزل الوحي به على نبيكم فتزعمون

  ( 1 ) فراجعه في ص 136 إلى ص 142 من كتاب - داعى السماء - لكاتب الشرق الأستاذ العقاد ( منه قدس ) .
( 325 ) الأذان بوحي من الله : ونص الرواية هي : عن أبى عبد الله عليه السلام قال : لما هبط جبرئيل عليه السلام بالأذان على رسول الله كان رأسه في حجر على عليه السلام فأذن جبرئيل وأقام ، فلما انتبه رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا على سمعت ؟ قال : نعم . قال : حفظت ؟ قال : نعم ، قال : ادع لي بلالا نعلمه فدعا على عليه السلام بلالا فعلمه " =
>
 
 

- ص 237 -

انه أخذه عن عبد الله بن زيد ! ( 326 ) .

وعن أبي العلاء - كما في السيرة الحلبية - قال : قلت لمحمد بن الحنفية انا لنتحدث أن بدء الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه ، قال : ففزع ذلك محمد بن الحنفية فزعا شديدا .

وقال عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعتم انه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام ، قال : فقلت له هذا الحديث قد استفاض في الناس ، قال : هذا والله هو الباطل . إلى آخر كلامه ( 327 ) .

وعن سفيان بن الليل ، قال : لما كان من الحسن بن علي ما كان قدمت عليه المدينة قال : فتذاكروا عنده الأذان ، فقال بعضنا انما كان بدء الأذان ، برؤيا عبد الله بن زيد فقال له الحسن بن علي : ان شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذن جبرائيل في السماء مثنى مثنى وعلمه رسول الله ، وأقام مرة مرة فعلمه رسول الله . . ( الحديث ) ( 1 ) .

وعن هارون بن سعد عن الشهيد زيد بن الإمام علي بن الحسين عن آبائه

  => راجع : وسائل الشيعة للحر العاملي ك الصلاة باب 1 من أبواب الأذان والإقامة . الكافي لثقة الإسلام الكليني المتوفى 328 أو 329 ه‍ ج 3 / 302 ، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق المتوفى 381 ه‍ ج 1 / 282 ح 865 ، التهذيب للشيخ الطوسي المتوفى 460 ه‍ ج 2 / 277 ح 2640 ، جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 622 .

( 326 ) الذكرى للشهيد الأول ص 16 ، جامع أحاديث الشيعة ج 4 / 623 ، البحار ج 18 / 354 ، علل الشرايع ص 112 ، الكافي ج 3 / ، الجواهر ج 9 ص 8 .
( 327 ) السيرة الحلبية ج 2 / 300 ط مصطفى الحلبي وفى طبع آخر ج 2 / 96 .
( 1 ) أخرجه الحاكم في كتاب معرفة الصحابة من المستدرك ص 171 من جزئه الثالث ( منه قدس ) ( * ).

 
 

- ص 238 -

عن علي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم الأذان ليلة أسري به وفرضت عليه الصلاة ( 328 ) .
 

  ( 328 ) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار ، وابن مردويه فيما نقله المتقى الهندي ص 277 من الجزء السادس من كنز العمال وهو الحديث 397 من أحاديث الكنز ( منه قدس ) .

من يقول ان الأذان كان بالوحي : الصحيح من سيرة النبي ج 3 / 84 نقله عن كل من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وابن عمر والإمام الباقر وعايشة . راجع : منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 3 / 273 ، السيرة الحلبية ج 1 / 373 وج 2 / 93 و 95 ، مجمع الزوائد ج 1 / 329 ، نصب الراية ج 1 / 262 و 260 ، والمواهب اللدنية ج 1 / 71 ، فتح الباري ج 2 / 63 ، الروض الانف ج 2 / 285 و 286 البداية والنهاية ج 3 / 233 .

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب