النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
250
: - |
|
[ المورد - ( 26 ) - : صلاة التراويح ]
وذلك ان صلاة
التراويح ما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله ولا
كانت على عهده بل لم تكن على عهد أبي بكر ولا شرع الله
الاجتماع لأداء نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء .
وانما شرعه في الصلوات الواجبة كالفرائض الخمس اليومية
، وصلاة الطواف ، والعيدين والآيات وعلى الجنائز .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقيم ليالي رمضان
بأداء سننها في غير جماعة ، وكان يحض على قيامها ،
فكان الناس يقيمونها على نحو ما رأوه صلى الله عليه
وآله يقيمها .
وهكذا كان
الأمر على عهد أبي بكر حتى
مضى لسبيله سنة ثلاثة عشر للهجرة ( 1 ) وقام بالأمر
بعده عمر بن الخطاب ، فصام شهر رمضان من تلك السنة لا
يغير من قيام الشهر شيئا ، فلما كان شهر رمضان سنة
أربع عشرة أتى المسجد ومعه بعض أصحابه ، فرأى الناس
يقيمون النوافل وهم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد
وقارئ ومسبح ومحرم بالتكبير ومحل بالتسليم في مظهر لم
يرقه ، ورأى من واجبه إصلاحه فسن لهم التراويح ( 2 )
أوائل الليل من الشهر وجمع الناس عليها حكما مبرما ،
وكتب بذلك إلى البلدان ونصب للناس في المدينة
|
(
1 ) وكان ذلك ليلة الأربعاء لثمان بقين من ج 2
وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام ( منه قدس
) .
( 2 ) التراويح هي النافلة جماعة في ليالي شهر
رمضان ، وانما سميت تراويح للاستراحة فيها بعد كل أربع
ركعات .
ونحن الإمامية لا تفوتنا والحمد لله نؤديها
كما كان يؤديها رسول الله كما وكيفا عملا بقوله صلى
الله عليه وآله : صلوا كما رأيتموني أصلى ( منه قدس
) ( * ) . |
|
|
إمامين يصليان بهم التراويح
إماما للرجال وإماما
للنساء ، وهذا كله أخبار متواترة ( 345 ) .
وحسبك منها
ما أخرجه الشيخان في صحيحهما ( 1 ) من أن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال : من قام رمضان - أي بأداء
سننه - ايمانا واحتسابا غفر الله ما تقدم من ذنبه ،
وانه صلى الله عليه وآله توفي والأمر كذلك - أي وأمر
القيام في شهر رمضان لم يتغير عما كان عليه قبل وفاته
صلى الله عليه وآله - ثم كان الأمر على ذلك في خلافة
أبي بكر وصدرا من خلافة عمر
آه ( 346 ) .
وأخرج
البخاري في كتاب التراويح أيضا من الصحيح عن
عبد الرحمن
ابن عبد القاري ( 2 ) قال : خرجت مع عمر ليلة في رمضان
إلى المسجد فإذا
|
( 345 ) عمر يضع
إماما
لصلاة التراويح : الكامل في التاريخ ج 3 / 31 ،
الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 / 281 وذكر ان ذلك كان
سنة 14 للهجرة . وذكر النظام ان عمر هو
الذي أبدع صلاة
التراويح كما في : الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 78 ط
1368 ه .
( 1 ) فراجع من صحيح البخاري كتاب صلاة
التراويح ص 233 من جزئه الأول . وراجع من
صحيح مسلم
باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح من كتاب صلاة
المسافرين وقصرها ص 283 والتي بعدها من جزئه الأول (
منه قدس ) .
( 346 ) في عهد الرسول صلى الله عليه وآله
صلاة التراويح كانت فرادى : صحيح مسلم ك الصلاة باب
الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح ج 2 / 177 ط
العامرة ، صحيح البخاري ج 2 / 251 ،
الطرائف لابن طاوس
ج 2 / 454 عن الجمع بين الصحيحين ،
موطأ مالك ج 1 /
113 .
( 2 ) عبد القاري بتنوين عبد وتشديد ياء القاري
نسبة إلى قارة وهو ابن ديش بن ملحم ابن غالب المدنى .
كان هذا عامل عمر على بيت المال وهو حليف بنى زهرة .
=> |
|
|
الناس أوزاع متفرقون ، إلى أن قال : فقال عمر :
إني
أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل ، ثم عزم
فجمعهم على أبي بن كعب
( قال ) : ثم خرجت معه ليلة
أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم . قال عمر : نعمت
البدعة هذه . . ( 347 ) .
قال العلامة القسطلاني في
أول الصفحة الرابعة من الجزء الخامس من ارشاد الساري
في شرح صحيح البخاري عند بلوغه إلى قول عمر في هذا
الحديث : نعمت البدعة هذه ، ما هذا لفظه : سماها بدعة
لان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يسن لهم ، ولا
كانت في زمن الصديق رضي الله عنه . ولا أول الليل ،
ولا هذا العدد . . الخ .
وفي تحفة الباري وغيره من شرح
البخاري مثله فراجع .
وقال العلامة أبو الوليد محمد بن
الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 23 من تاريخه -
روضة المناظر - : هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد
، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز ، وأول
من جمع الناس من إمام يصلي بهم التراويح . . الخ ( 348
) .
ولما ذكر السيوطي في كتابه - تاريخ الخلفاء -
أوليات عمر نقلا عن العسكري ( 1 ) قال : هو أول من سمي
أمير المؤمنين ، وأول من سن قيام شهر
|
=>
روى عن عمر وأبى طلحة ، وأبى أيوب ، وأبى هريرة . وروى
عنه ابنه محمد ، والزهري ويحيى بن جعدة بن هبيرة . مات
سنة ثمانين . وله ثمان وسبعون سنة ( منه قدس ) .
( 347
) صحيح البخاري ك التراويح ج 2 / 252 ، موطأ مالك ج 1
/ 114 ، الطرائف لابن طاوس ص 445 عن الجمع بين
الصحيحين .
( 348 ) أول من جعل إماما للتراويح عمر :
روضة الناظرين لابن الشحنة بهامش الكامل ط قديم ،
ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري .
( 1 ) العسكري
هو الحسن بن عبد الله بن سهيل بن سعيد بن يحيى يكنى أبا
اللغوي له كتاب الأوائل فرغ من تأليفه يوم الأربعاء
لعشر خلت من شعبان سنة 395 ( منه قدس )
( * ) . |
|
|
رمضان - بالتراويح - وأول من حرم المتعة ، وأول من
جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات . . الخ (
349 ) .
وقال محمد بن سعد - حيث ترجم عمر في الجزء
الثالث من الطبقات - : وهو أول من سن قيام شهر رمضان -
بالتراويح - وجمع الناس على ذلك ، وكتب به إلى البلدان
، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة ، وجعل للناس
بالمدينة قارئين قارئا يصلي التراويح بالرجال ، وقارئا
يصلي بالنساء . . الخ ( 350 ) .
وقال ابن عبد البر في
ترجمة عمر من الاستيعاب : وهو الذي نور شهر الصوم
بصلاة الاشفاع فيه ( 351 ) .
كان هؤلاء عفا الله عنهم
وعنا ، رأوه رضي الله عنه قد استدرك ( بتراويحه ) على
الله ورسوله حكمة كانا عنها غافلين . بل هم بالغفلة -
عن حكمة الله في شرائعه ونظمه - أحرى ، وحسبنا في عدم
تشريع الجماعة في سنن شهر رمضان وغيرها انفراد مؤديها
- جوف الليل في بيته - بربه عز وعلا يشكو
إليه بثه وحزنه ، ويناجيه
بمهماته مهمة مهمة حتى يأتي على آخرها ملحا عليه ،
متوسلا بسعة رحمته إليه ، راجيا لاجئا ، راغبا ، منيبا
تائبا ، معترفا لائذا عائذا ، لا يجد ملجأ من الله
تعالى الا إليه ، ولا منجى منه الا به .
|
(
349 ) تاريخ الخلفاء
للسيوطي ص ، الكامل في التاريخ
ج 3 / 31 .
( 350 ) صلاة التراويح جماعة كانت سنة 14 ه :
الطبقات لابن سعد ج 3 /
281 ، تاريخ الطبري ج 3
/ 22 ط الحسينية ، الكامل
لابن الأثير ج 3 / 31 ط دار
الكتاب العربي ، شرح نهج البلاغة لابن
أبي الحديد ج 12
/ 75 .
( 351 ) الاستيعاب لابن عبد البر بهامش
الإصابة
ج 2 / 460 ط 1 ( * ) . |
|
|
لهذا ترك الله السنن حرة من قيد الجماعة ليتزودوا
فيها من الانفراد بالله ما أقبلت قلوبهم عليه ، ونشطت
أعضاؤهم له ، يستقل منهم ما يستقل ، ويستكثر من يستكثر
، فانها خير موضوع ، كما جاء في الأثر عن سيد البشر .
أما ربطها بالجماعة فيحد من هذا النفع ، ويقلل من
جدواه . أضف إلى هذا ان إعفاء النافلة من الجماعة يمسك
على البيوت حظها من البركة والشرف بالصلاة فيها ،
ويمسك عليها حظها من تربية الناشئة على حبها والنشاط
لها ، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأمهات
والأجداد والجدات، وتأثيره في شد الأبناء إليها شدا
يرسخها في عقولهم وقلوبهم
وقد سأل عبد الله ابن مسعود
رسول الله صلى الله عليه وآله أيما أفضل : الصلاة في
بيتي أو الصلاة في المسجد ؟ . فقال صلى الله عليه وآله
: " ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلان
أصلي في
بيتي أحب إلي من أن أصلى في المسجد إلا ان تكون
صلاة مكتوبة " رواه أحمد
وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في
صلاة النافلة من كتاب الترغيب والترهيب للإمام زكي
الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ( 352 ) .
وعن
زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وآله قال : " صلوا
أيها الناس في بيوتكم فان أفضل صلاة المرء في بيته إلا
الصلاة المكتوبة " رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه .
( 353 ) .
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وآله : " اكرموا بيوتكم ببعض
|
(
352 ) يستحب صلاة النافلة في البيت :
مسند أحمد ج ،
سنن ابن ماجة ج 1 / 439 ح 1378
صحيح ابن خزيمة ج ،
الترغيب والترهيب للمنذري ج 1 / 279 ،
مجمع الزوائد
وصححه .
( 353 ) الترغيب والترهيب للمنذري ج 1 / 380 ،
الفتح الكبير للنبهاني ج 2 /
190 ( * ) . |
|
|
صلاتكم " ( 354 ) .
وعنه صلى الله عليه وآله : " مثل
البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله
فيه مثل الحي والميت " أخرجه البخاري ومسلم ( 355 ) .
وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "
إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من
صلاته ، وان الله جاعل في بيته من صلاته خيرا " رواه
مسلم وغيره ورواه ابن خزيمة في صحيحه بالإسناد إلى أبي
سعيد . ( 356 )
والسنن في هذا المعنى لا يسعها هذا
الإملاء ( 357 ) .
لكن الخليفة رضي الله عنه رجل تنظيم
وحزم ، وقد راقه من صلاة الجماعة ما يتجلى فيها من
الشعائر بأجلى المظاهر إلى ما لا يحصى من فوائدها
الاجتماعية التي أشبع القول علماؤنا الأعلام ممن
عالجوا هذه الأمور بوعي المسلم الحكيم وأنت تعلم أن
الشرع الإسلامي لم يهمل هذه الناحية ، بل اختص
الواجبات من الصلوات بها ، وترك النوافل للنواحي الأخر
من
مصالح البشر (
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
) ( 358 ) .
|
(
354 ) الترغيب والترهيب ج 1 / 280 ،
الفتح الكبير للنبهاني ج
1 / 227 .
( 355 ) صحيح مسلم ك الصلاة باب استحباب
صلاة النافلة في بيته ج 2 / 188 ط العامرة ،
الفتح
الكبير ج 3 / 128 ، الترغيب والترهيب ج 1 / 278 .
(
356 ) صحيح مسلم ك الصلاة باب استحباب صلاة النافلة في
بيته ج 2 / 187 ط العامرة ، صحيح ابن خزيمة ،
الفتح
الكبير ج 1 / 142 ، الترغيب والترهيب ج 1 / 278 .
(
357 ) راجع : صحيح مسلم ك الصلاة باب استحباب صلاة
النافلة في بيته ج 2 / 187 .
( 358 ) سورة الأحزاب :
36 ( * ) . |
|
|
|