النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 259 : -

[ المورد - ( 29 ) - : عول الفرائض ]

اختلف المسلمون في جواز العول وعدمه ، وحقيقة العول ان تنقص التركة عن ذوي السهام كأختين وزوج فان للاختين الثلثين وللزوج النصف ، وقد التبس الأمر فيها على الخليفة الثاني فلم يدر أيهم قدم الله فيها ليقدمه ، وأيهم أخر ليؤخره ، فقضى بتوزيع النقص على الجميع بنسبة سهامهم ، وهذا غاية ما يتحراه من العدل مع التباس الأمر عليه ( 367 ) .

لكن أئمة أهل البيت وعلماؤهم عرفوا المقدم عند الله فقدموه ، وعرفوا المؤخر فأخروه - وأهل البيت أدرى بالذي فيه -

  ( 367 ) العول : الفقه على المذاهب الخمسة ص 519 ، جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام ج 39 / 106 - 109 ( * ) .  
 

- ص 260 -

قال : الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : كان أمير المؤمنين - علي عليه السلام - يقول : " ان الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لا تعول على ستة ( 1 ) لو يبصرون وجهها " ( 368 ) .

وكان ابن عباس يقول : من شاء باهلته عند الحجر الأسود ان الله لم يذكر في كتابه نصفين وثلثا ، وقال أيضا : سبحان الله العظيم أترون ان الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ، هذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث ؟ . فقيل له يا أبا العباس فمن أول من أعال الفرائض ؟ فقال : لما التفت الفرائض عند عمر ودفع بعضها بعضا ، قال : والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر ، وما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص قال ابن عباس : وأيم الله لو قدمتم من قدم الله ، وأخرتم من أخر الله ما عالت الفريضة ، فقيل له : أيها قدم الله وأيها أخر . ، فقال : كل فريضة لم يهبطها الله إلا إلى فريضة ، فهذا ما قدم الله وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي ، فتلك التي أخر قال : فأما التي قدم فالزوج له النصف ، فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شئ ومثله

  ( 1 ) كان الناس على عهده عليه السلام يفرضون كل شئ ستة أجزء كل جزاء سدس كما يفرضون اليوم في عرفنا أربعة وعشرين قيراطا ، وعليه فيكون مراده عليه السلام انكم لو تبصرون وجوه السهام إذا تعارضت لم تتجاوز السهام عن الستة ، وحيث أنكم لم تبصروا طرقها فقد تجاوزن عن الستة إذ أنكم تزيدون على الستة بقدر الناقص ، مثلا إذا اجتمع أبوان وبنتان وزوج فللأبوين اثنان من الستة وللبنتين أربعة منها فتمت الستة فتزيدون على الستة واحدا ونصفا للزوج فتتجاوز السهام من الستة إلى سبعة ونصف . وهذا ممتنع ولا يجوز على الله تعالى أن يفرضه أبدا ( منه قدس ) .
( 368 ) وسائل الشيعة ج 17 / 423 ح 9 و 14 ، الجواهر ج 39 /
106 ( * ) .
 
 

- ص 261 -

الزوجة والأم قال : وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان ، فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي ( قال ) : فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم فأعطي حقه كاملا فان بقي شئ كان لما أخر . الحديث أورده شيخنا الشهيد الثاني في الروضة قال : وانما ذكرناه على طوله لاشتماله على أمور مهمة ( 369 ) .

قلت : وأخرج الحاكم في كتاب الفرائض ص 340 من الجزء الرابع من المستدرك عن ابن عباس أنه قال : أول من أعال الفرائض عمر وأيم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة ، فقيل له : وأيها قدم الله ، وأيها أخر ، فقال : كل فريضة لم يهبطها الله عزوجل عن فريضة إلا إلى فريضة ، فهذا ما قدم الله عزوجل كالزوج والزوجة والأم وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقي فتلك التي أخر الله عزوجل كالأخوات والبنات فإذا اجتمع من قدم الله عزوجل ومن أخر بدئ بمن قدم فأعطى حقه كاملا ، فان بقي شئ كان لمن أخر . . ( الحديث ) ( 370 ) .

وعلى هذا فإذا اجتمع الزوج والأم والبنات بدئ بالزوج والأم فأعطيا

  ( 369 ) أهل البيت لا يعترفون بالعول : راجع : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 8 / 88 - 92 ، الكافي للكليني ج 7 / 79 - 80 ح 2 ، من لا يحضره الفقيه ج 4 / 187 ، كنز العمال ج 11 / 19 - 20 ح 121 ، وسائل الشيعة ج 17 / 426 ب 7 من أبواب موجبات الارث ح 6 ، جواهر الكلام ج 39 / 106 ، الطرائف لابن طاوس ج 2 / 469 عن أبى هلال العسكري .

( 370 ) قال الحاكم بعد إيراده : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، قلت : والذهبي لم يتعقبه إذ أورده في التلخيص إذعانا بصحته . ولنا حول العول في أجوبة موسى جار الله أبحاث دقيقة فليراجعها كل ولوع بتمحيص الحقيقة ( منه قدس ) . وراجع : أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 109 ، السنن الكبرى ج 6 / 253 ، الغدير ج 6 / 270 ، أجوبة مسائل جار الله ص 88 ط 2 ( * ) .

 
 

- ص 262 -

فريضتهما الثانية الربع للزوج والسدس للام كاملين ، وأعطي الباقي للبنتين بالسواء ، ولو اجتمع الاختان مع هؤلاء لم يكن لهما شئ أصلا ، لان مراتب الإرث بالنسب عند أئمة أهل البيت وأوليائهم ثلاث " المرتبة الأولى " : الآباء والأمهات دون آبائهم وأمهاتهم ، والأبناء والبنات على ما هو مفصل في محله ، " المرتبة الثانية " : الإخوة والأخوات والأجداد والجدات على ما هو مبين في مظانه من كتب الفقه والحديث . " المرتبة الثالثة " الأعمام والعمات والأخوال والخالات على ما هو مفصل في فقهنا وحديثنا فلا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود أحد من سابقتها (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ) ( 371 ) .

هذا مذهب الأئمة من العترة التي جعلها الله ورسوله بمنزلة الكتب إلى يوم الحساب ، وعليه إجماع الإمامية . فالاختان من أهل المرتبة الثانية كما بيناه فلا ترثان مع وجود الأم . والله تعالى أعلم ( 372 ) .
 

[ المورد - ( 30 ) - : ميراث الجد مع الإخوة ]

أخرج البيهقي في سننه وفي شعب الإيمان كليهما ( 1 ) ان عمر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ميراث الجد مع الإخوة فقال له : ما سؤالك عن هذا يا عمر ؟ اني أظنك تموت قبل أن تعلمه ، قال راوي هذا الحديث - سعيد بن المسيب - فمات عمر قبل أن يعلمه ( 373 ) .

  ( 371 ) سورة الأنفال : 75 .
( 372 ) جواهر الكلام ج 39 / 111 - 195 ، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 8 / 22 - 24 .
( 1 ) وأخرجه الشيخ في فرائضه . ونقله المتقى الهندي في ص 15 من ج 6 من كنز العمال ( منه قدس ) .
( 373 ) الغدير للأميني ج 6 / 116 ( * ) .
 
 

- ص 263 -

قلت : وقد اضطرب في هذه المسألة أيام خلافته حتى قضى فيها - فيما قيل عنه - بسبعين حكما .

قال عبيدة السلماني ( 1 ) : لقد حفظت لعمر بن الخطاب في الجد مائة قضية مختلفة ( 374 ) .

وعن عمر قال ( 2 ) : إني قضيت في الجد قضيات لم آل فيها عن الحق . ورجع أخيرا في هذه المعضلة إلى زيد بن ثابت ( 375 ) . قال طارق بن شهاب الزهري ( 3 ) : كان عمر بن الخطاب قضى في ميراث الجد مع الإخوة قضايا مختلفة ، ثم أنه جمع الصحابة وأخذ كتفا ليكتب فيه وهم يرون أنه يجعله أبا فخرجت حية فتفرقوا فقال : لو أراد الله تعالى ان يمضيه لامضاه ثم أنه أتى إلى منزل زيد بن ثابت فقال له : جئتك في أمر الجد وأريد أن أجعله أبا ، فقال زيد : لا أوافقك على ان تجعله أبا فخرج عمر مغضبا ثم أرسل إليه في وقت آخر فكتب زيد مذهبه فيه في قطعة قتب ، فلما أتى عمر كتاب زيد خطب الناس ثم قرأ قطعة القتب عليهم ( ثم قال ) : ان زيدا قد قال : في الجد قولا قد امضيته ( 376 ) .

  ( 1 ) فيما أخرجه عنه ابن أبى شيبة والبيهقي في سننهما وابن سعد في طبقاته ونقله صاحب كنز العمال في الفرائض ص 15 من جزئه السادس ( منه قدس ) .
( 374 ) سنن البيهقي ج 6 / 245 ، الجامع لابن أبى شيبة ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 336 ، الغدير للأميني ج 6 / 116 و 117 .
( 2 ) فيما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان كما في ص 15 من ج 6 من كنز العمال ( منه قدس ) .
( 375 ) الغدير للأميني ج 6 / 117 .
( 3 ) فيما نقله الدميري في تتمة مادة الحية من حياة الحيوان . ومن أراد الوقوف على ارتباك عمر في هذه القضية فعليه بالوقوف على ما حولها من صحاح السنة ومسانيدها وحسبك ما في الفرائض من كنز العمال ومن مستدرك الحاكم ( منه قدس ) .
( 376 ) حياة الحيوان للدميري
. ( * ) 
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب