النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 264 : -

[ المورد - ( 31 ) - : الفريضة المشتركة وتعرف بالحمارية ]

مجمل هذه الفريضة ان امرأة ماتت عن زوج وأم ، وأخوين لامها دون أبيها وأخوين آخرين لامها وأبيها معا ، وذلك على عهد الخليفة الثاني فرفعت إليه هذه القضية مرتين ، فقضى في المرة الأولى بإعطاء زوجها فرضه وهو النصف وإعطاء أمها فرضها وهو السدس ، وإعطاء أخويها لامها خاصة الثلث لكل منهما السدس فتم المال ، واسقط أخويها الشقيقين .

وفي المرة الثانية أراد أن يحكم بذلك أيضا فقال له أحد الشقيقين : هب ان أبانا كان حمارا فأشركنا في قرابة أمنا ، فأشرك بينهم بتوزيع الثلث على الإخوة الأربعة بالسواء ، فقال له رجل : انك لم تشركهما عام كذا ، فقال عمر : تلك على ما قضينا يومئذ ، وهذه على ما قضينا الآن ( 377 ) .

وتعرف هذه المسألة بالفريضة الحمارية ؟ لقوله : هب أن أبانا كان حمارا

  ( 377 ) أخرجه البيهقي وابن أبى شيبة في سننهما ، وعبد الرزاق في جامعه كما في أول الصفحة الثانية من فرائض كنز العمال وهو الحديث 110 من أحاديث الكنز في ص 7 من جزئه السادس ، وذكر في هذه القضية الفاضل الشرقاوي في حاشيته على التحرير للشيخ زكريا الأنصاري ، ونقل صاحب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر : ان عمر كان أولا يقول بعدم التشريك ثم رجع . قال : وسبب رجوعه انه سئل عن هذه المسألة فأجاب كما هو مذهبه فقام واحد من الأولاد لأب وأم وقال : يا أمير المؤمنين لئن سلمنا أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فأطرق رأسه مليا وقال : صدقت لأنكم بنو أم واحدة فشركهم في الثلث . أه‍ ، وهذه الواقعة نقلها أحمد أمين بهذه الكيفية على سبيل الاختصار في ص 285 من الجزء المختص بالحياة العقلية وهو الجزء الأول من فجر الإسلام ( منه قدس ) . راجع : سنن البيهقي ج 6 / 255 ( * ) .  
 

- ص 265 -

وربما سميت بالحجرية واليمية ، إذ روى ان بعضهم قال : هب أن أبانا كان حجرا ملقى في اليم ، وقد تسمى العمرية لاختلاف قولي عمر فيها ، ويقال لها المشتركة ( 1 ) وهي من المسائل المعروفة عند فقهاء المذاهب الأربعة ، وهم مختلفون فيها فأبو حنيفة وصاحباه ، وأحمد بن حنبل وزفر ، وابن أبي ليلى ، يرون حرمان الأخوين الشقيقين على ما قضى به عمر أولا ، بخلاف مالك والشافعي فانهما يشركان الشقيقين مع الأخوين لام في الثلث ( 2 ) على ما قضى به خيرا ( 378 )

أما أئمة أهل البيت وشيعتهم الإمامية فانهم كما بيناه آنفا يجعلون الورثة بالنسب ثلاث طبقات مرتبة لا يرث واحد من الطبقة اللاحقة مع وجود وارث واحد من الطبقة السابقة مطلقا ، والأم عندهم من الطبقة الأولى بخلاف الإخوة والأخوات مطلقا فانهم من الطبقة الثانية كما هو مفصل في فقههم ، وعليه فالحكم في هذه المسألة عندهم أن يأخذ الزوج فرضه وهو النصف ، والباقي للام فرضا وردا ، وليس لواحد من الإخوة مطلقا مع وجودها شئ ( 379 ) .

  ( 1 ) وبهذه المناسبة ذكرها الواسطي في تاج العروس في مادة شرك تجدها مفصلة ( منه قدس ) .
( 2 ) كما قال بعضهم :

وان تجد زوجا وأما ورثا * وإخوة للام حازوا الثلثا -
وإخوة أيضا لام وأب * واستغرقوا المال بفرض النصب -
فاجعلهم كلهم لام * واجعل أباهم حجرا في اليم -
واقسم على الإخوة ثلث التركة * فهذه المسألة ( المشتركة ) - ( منه قدس )

( 378 ) الفقه على المذاهب الخمسة ص 539 ، المغنى لابن قدامة ج 6 / 180 ط 3 .
( 379 ) جواهر الكلام ج 39 / 112 ، تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج 2 / 378 وما بعدها ، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 8 /
94 ( * ) .

 
 

- ص 266 -

[ المورد - ( 32 ) - : ان نصيب الورثة ( مما ترك الوالدان والأقربون ) مطلق من حيث العروبة وغيرها ]

قال الله عز من قائل : ( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) ( 1 ) وقال سبحانه وتعالى : ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ( 2 ) وآيات الفرائض والمواريث كلها على هذا النسق في اطلاقها وهي في سورة النساء فلتراجع ، ومثلها السنن المأثورة في هذا الموضوع ، وعلى ذلك إجماع الأمة بأسرها نصا وفتوى .

قال الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام : " الإسلام شهادة ان لا اله الا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث " ( 380 ) .

وقال الإمام أبو جعفر محمد الباقر في صحيح حمران من كلام له : " والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق الإسلامية كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة وصوم الشهر وحج البيت ، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان " ( 381 ) .

  ( 1 ) الآية 6 من سورة النساء .
( 2 ) الآية 10 من سورة النساء .
( 380 ) الإرث والعروبة : راجع : الكافي ك الإيمان والكفر ضمن مرآة العقول ج 7 / 151 ط جديد ، صحيح الكافي ج 1 / 69 ط بيروت .
( 381 ) جامع أحاديث الشيعة ج 1 / 468 ب 20 ح 24 الكافي ضمن مرآة العقول ج 7 / 155 ، الغدير ج 6
/ 187 ( * ) .
 
 

- ص 267 -

لكن حدث مالك في الموطأ عن الثقة عنده انه سمع سعيد بن المسيب يقول : أبى عمر ابن الخطاب ان يورث احدا من الأعاجم ( 1 ) إلا أحدا ولد في العرب ، قال مالك : وان جاءت امرأة حامل من ارض العدو فوضعته في ارض العرب فهو ولدها يرثها ان ماتت وترثه ان مات ميراثها في كتاب الله انتهى بعين لفظه ( 2 ) .


[ المورد - ( 33 ) - ارث الخال لابن اخته : ]

أخرج سعيد بن منصور في سننه : أن رجلا عرف اختا له سبيت له في الجاهلية فوجدها بعد ذلك ومعها ابن لها لا يدري من أبوه ، فاشتراهما ثم اعتقهما ، فأصاب الغلام مالا ثم مات ، فأتوا ابن مسعود فذكروا له ذلك . فقال : أئت عمر فسله ثم ارجع إلي فأخبرني بما يقول لك ، فأتى عمر فذكر ذلك له فقال : ما أراك عصبته ولا بذي فريضة ولم يورثه ، فرجع إلى ابن مسعود فأخبره ، فانطلق ابن مسعود معه حتى دخل على عمر فقال له كيف أفتيت هذا الرجل ؟ . قال : لم أره عصبة ولا بذي فريضة ولم أر وجها لتوريثه ، فما ترى أنت يا عبد الله قال : أراه ذا رحم ( لكونه خاله ) وولي نعمة - لكونه معتقا - وأرى أن يورث به ، فأبطل عمر حكمه الأول وورثه به ( 382 ) .

نقل هذه الواقعة صاحب كنز العمال في كتاب الفرائض ص 8 من الجزء السادس من كنزه ، وانما تصح فتوى ابن مسعود إذا كانت أم الغلام متوفاة قبل ولدها .

  ( 1 ) لعل اباء عمر عن توريث أولئك الأعاجم مسبب عن عدم ثبوت كونهم من ورثته شرعا ، أما لكون ميتهم مسلما وهم كفار أو لكونهم لم يثبت لديه انهم من أرحامه الوارثين له والله تعالى أعلم ( منه قدس ) .
( 2 ) فراجعه في كتاب الفرائض ص 11 من ج 2 قبل الكلام في ميراث من جهل أمره بالقتل ( منه قدس ) .
( 382 ) الفقه على المذاهب الخمسة ص
554 ( * ) .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب