النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 268 : -

[ المورد - ( 34 ) - : عدة الحامل يتوفى عنها زوجها ]

ذكر البيهقي في شعب الإيمان ان امرأة استفتت عمر فقالت له : وضعت حملي بعد وفاة زوجي قبل انقضاء العدة ، فأفتاها بوجوب التربص إلى أبعد الأجلين ، فعارضه أبي بن كعب بمحضر من المرأة ، وروى له : ان عدتها ان تضع حملها ، وأباح لها ان تتزوج قبل الأربعة أشهر والعشر فلم يقل عمر لها سوى : إني أسمع ما تسمعين ( 383 ) وعدل عن فتواه متوقفا ، لكنه بعد ذلك وافق أبي بن كعب فقال ، بأنها لو وضعت ذا بطنها وزوجها على السرير لم يدفن حلت للأزواج ( 1 ) وعلى هذا المنهاج سلك أهل المذاهب الأربعة إلى هذه الأيام ( 384 ) .

لكنا نحن الإمامية وجدنا في القرآن الحكيم آيتين تتعارضان في عدة المتوفى عنها زوجها وهي حبلى ، وهما قوله عز من قائل ، ( وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ

  ( 383 ) وهذا الحديث هو الحديث 3376 في ص 166 من ج 5 من كنز العمال فراجع ( منه قدس ) . عدة الحامل يتوفى عنها زوجها : كنز العمال .
( 1 ) هذه الفتوى أخرجها عنه بالإسناد إليه كل من البيهقي وابن أبى شيبة في سننهما وهى الحديث 3379 في ص 166 من الجزء الخامس من الكنز ( منه قدس ) .
( 384 ) الفقه على المذاهب الخمسة ص
433 ( * ) .
 
 

- ص 269 -

أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ( 385 ) وقوله تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) ( 386 ) فالحبلى المتوفي عنها زوجها إذا أخذت بالآية الأولى حلت للأزواج بوضع حملها وان لم تمض المدة المضروبة في الآية الثانية ، وان أخذت بالآية الثانية حلت للأزواج بمضي المدة المضروبة فيها وان لم تضع حملها ، وعلى كلا الفرضين تكون مخالفة لإحدى الآيتين ، ولا يمكنها الأخذ بكلتيهما معا إلا إذا تربصت إلى أبعد الأجلين ، فإذا لا مندوحة لها عن ذلك ، وهذا هو المروي عن أمير المؤمنين علي ( ع ) وابن عباس ( 1 ) وعليه الإمامية عملا بنصوص أئمتهم عليهم السلام ( 387 ) .

[ فصل ]

اختلف المسلمون في ابتداء عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشر ، فالذي عليه الجمهور ان ابتداءها انما هو موت زوجها سواء أعلمت بموته إذ مات أم لم تعلم لغيبته عنها أو لسبب آخر ( 388 ) .

  ( 385 ) سورة الطلاق : 4 .
( 386 ) سورة البقرة : 234 .
( 1 ) رواه عنهما الزمخشري في الكشاف فراجع منه تفسير قوله تعالى ( وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) من سورة الطلاق وهذا مذهب أهل البيت عليهم السلام وهو الأحوط ( منه قدس ) .
( 387 ) راجع : وسائل الشيعة ج 15 / 455 ك الطلاق باب 31 من أبواب العدد جواهر الكلام ج 32 / 275 ، الروضة البهية للشهيد الثاني ج 6 / 62 ، الفقه على المذاهب الخمسة ص 434 ، كشف اللثام ج 1 / 134 ك الطلاق .
( 388 ) الفقه على المذاهب الخمسة ص
435 ( * ) .
 
 

- ص 270 -

اما ما نحن عليه من الرأي والعمل في هذه العدة ، فانما ابتداؤها علم الزوجة بوفاة زوجها فلو تأخر علمها بذلك مهما تأخر فلا تتزوج حتى تمضي عليها - بعد علمها بالوفاة - أربعة أشهر وعشر ، وحينئذ تحل للأزواج عملا بالتربص الذي هو صريح الآية ، وأخذا بالحداد الواجب على المرأة بموت زوجها ( 389 ) .

 

[ المورد - ( 35 ) - : تزويج زوجة المفقود ]

قال الفاضل الدواليبي ( 1 ) : وكذلك اجتهد عمر في زوجة المفقود حيث حكم بأن لزوجة المفقود بعد ان يمضي أربع سنوات على فقدانه ان تتزوج بعد ان تقضي عدتها ، وان لم يثبت موت زوجها ، وذلك دفعا لضرر بقاء الزوجة معلقة مدى العمر .

( قال ) : وبذلك اخذ الإمام مالك خلافا لمذهب الحنفية والشافعية الذين قالوا ببقاء الزوجة في عصمة زوجها المفقود حتى تثبت وفاته أو تموت اقرانه لان الأصل النظري في ذلك اعتبار الاستمرار في حياته حتى يقوم دليل على انقطاعها .

( قال ) : غير ان رأى عمر رضي الله عنه أجدر بالاعتبار لما فيه من دفع ضرر ظاهر عن زوجة المفقود ، وفيه كما ترى اطلاق النكاح لها خلافا لظواهر نصوص الشريعة التي أخذ بها بقية الأئمة .

  ( 389 ) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج 2 / 340 ، جواهر الكلام ج 32 / 372 ، الروضة البهية للشهيد الثاني ج 6 / 82 ، الفقه على المذاهب الخمسة ص 433 .
( 1 ) في ص 241 والتي بعدها من كتابه أصول الفقه ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 

- ص 271 -

( قال ) : وما هذا إلا تغيير للأحكام تبعا للأحوال ، وذلك تقدير لظروف خاصة لابد من تقديرها دفعا للضرر والحرج ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " لا ضرر ولا ضرار " ( 390 ) وقال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ( 391 )

( قال ) : وليس ذلك في الحقيقة تعطيل للنصوص بل أعمال لها على ضوء المصلحة والظروف . انتهى بلفظه .

قلت : أما نحن الإمامية فان لدينا عن أئمة العترة الطاهرة . نصوصا تحكم على الأصل النظري في ذلك ، لتصريحها بأن المفقود إذا جهل خبره ، وكان لزوجته من ينفق عليها ، وجب عليها التربص إلى أن يحضر ، أو تثبت وفاته ، أو ما يقوم مقامهما . وان لم يكن ثمة من ينفق عليها فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فان فعلت بحث الحاكم عن أمره أربع سنين من حين رفع أمرها إليه ، في الجهة التي فقد فيها ان كانت معينة والا ففي الجهات الأربع ، ثم يطلقها الحاكم نفسه ، أو يأمر الولي .

والأحوط تقديم أمر الولي به فان امتنع طلق الحاكم لأنه مدلول الأخبار الصحيحة ، وانما يصح هذا الطلاق بعد المدة ، ورجوع الرسل أو ما في حكمه ، وتعتد بعده عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ، وتحل بعد العدة للزواج ، فان جاء المفقود في العدة فهو أملك بها ، وإلا فلا سبيل له عليها ، سواء أوجدها قد تزوجت أم لا .

هذا مذهب الإمامية في المسألة تبعا لأئمتهم عليهم السلام ( 392 ) .

  ( 390 ) قاعدة لا ضرر ولا ضرار : القواعد الفقيهية للبجنوردى ج 1 / 176 ، وقد أورد الشيخ الأنصاري هذا الحديث بطرق متعددة في رسالة خاصة طبعت ملحقا في آخر المكاسب له طبع إيران ، القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ص 22 .
( 391 ) سورة الحج : 78 .
( 392 ) تحرير الوسيلة للإمام الخميني ج 2 / 340 ، جواهر الكلام ج 32 /
288 ، الروضة البهية للشهيد الثاني ج 6 / 65 ، وسائل الشيعة ج 14 ك النكاح باب - 44 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة وج 15 / 389 باب - 23 - من أبواب أقسام الطلاق .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب