النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 272 : -

[ المورد - ( 36 ) - : بيع أمهات الأولاد ]

تصافق الجمهور أعني أهل المذاهب الأربعة من المسلمين على أن الذي حرم بيع أمهات الأولاد ونهى عنه انما هو عمر ، وان بيعهن كان مباحا ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعهد أبي بكر وفي شطر من خلافة عمر وعدوا ذلك في مناقبه ( 1 ) كما عدوا التراويح وأمثالها ( 393 ) .

لكن الباحثين عن حقيقة هذا الأمر وجدوا في السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ما هو ظاهر في تحريم بيعهن ، فعلموا ان عمر انما أخذ بتلك السنن وعمل على مقتضاها ، وحسبك من علمه بها ما حدث به ابنه عبد الله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف ، يستمتع بها " أي مالكها " مدة حياته ، فإذا مات عتقت بموته ( 394 ) .

وحدث ابن عباس فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبره ( 395 ) .

وهذان الحديثان أوردهما بعين لفظهما عن ابن عمر وابن عباس ، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب أمهات الأولاد وهو في

  ( 1 ) وحسبك في ذلك ما قاله خالد محمد خالد مما نقلناه عنه في مبحث الطلاق الثلاث على كتابنا هذا فراجع ( منه قدس ) .
( 393 ) الكامل في التاريخ ج 3 / 31 ، الطبقات لابن سعد ج 3 / 281 .
( 394 ) الخلاف للشيخ الطوسي .
( 395 ) الخلاف للشيخ الطوسي . وقريب منه في : الفتح الكبير ج 1 /
262 ( * ) .
 
 

- ص 273 -

آخر المجلد الثاني من كتاب الخلاف ، وعلى مقتضى الظاهر منهما ، ان منع عمر لم يكن عن رأي رآه ، وانما كان منه عملا بحديث ابنه عبد الله وحديث ابن عباس ولعل هذا لا يخفى .

لكن الشيخ قد اضطرته نصوص الأئمة من أهل البيت في هذا الموضوع إلى تأويل الحديثين بحملهما على ما يقتضيه مذهبهم عليهم السلام كما سنتلوه عليك من كلامه .

واليك نصه : قال : إذا استولد الرجل أمة في ملكه ثبت لها حرمة الاستيلاد ، ولا يجوز بيعها ما دامت حاملا ، فإذا ولدت لم يزل الملك عنها ولم يجز بيعها مادام ولدها باقيا الا في ثمن رقبتها ، فان مات ولدها جاز بيعها على كل حال ، فان مات سيدها جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه ، فان لم يخلف غيرها عتق منها نصيب ولدها واستسعت لباقي الورثة .

( قال ) وبه قال علي عليه الصلاة والسلام ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وابن مسعود ، والوليد ابن عقبة وسويد بن غفلة ، وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين ، وعبد الملك بن يعلى من أهل الظاهر .

( قال ) : وقال داود : يجوز التصرف فيها على كل حال ولم يفصل .

( قال ) وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك : لا يجوز بيعها ولا التصرف في رقبتها بوجه وتعتق عليه بوفاته .

( قال ) : دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضا فلا خلاف انه يجوز وطؤها بالملك فلو كان الملك قد زال لما جاز ذلك ، وأيضا فلا خلاف انه يجوز عتقها ، فلو كان زال الملك عنها لما جاز ذلك ، وأيضا فالأصل كونها رقا فمن ادعى زوال ذلك وثبوت عتقها بعد وفاته فعليه الدلالة .

( قال ) : وما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : " أيما أمة ولدت من 

- ص 274 -

سيدها فهي حرة عن دبره " فمحمول على انه إذا مات سيدها فحصلت لولدها فانها تنعتق عليه .

( قال ) : وما رواه عبدالله بن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله قال : " أم الولد لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا توقف . يستمتع بها مدة حياته فإذا مات عتقت بموته " . فالمعنى فيه أن لا يجوز بيعها مادام ولدها حيا فإذا مات سيدها انعتقت على ما قلناه في الخبر الأول . هذا كلام الشيخ بنصه أعلى الله مقامه ( 396 ) .

 

[ المورد - ( 37 ) - وجوب التيمم للصلاة ونحوها مع فقد الماء . ]

حسبك من النصوص على ذلك قوله عز من قائل في سورة المائدة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ) ( 397 )

وقوله سبحانه وتعالى في سورة النساء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ

  ( 396 ) الخلاف للشيخ الطوسي ج . وراجع : جواهر الكلام ج 22 / 374 ، الروضة البهية في شرح اللمعة ج 3 / 256 .
( 397 ) وجوب التيمم عند فقد الماء : سورة المائدة :
6 ( * ) .
 
 

- ص 275 -

كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) ( 398 ) .

والسنن المأثورة في ذلك صحاح متضافرة ، والمسألة مما أجمعت الأمة عليه ، لم ينقل فيها مخالفة ( 399 ) إلا عن عمر بن الخطاب ، فان المشهور عنه ( 1 ) سقوط الفريضة عمن فقد الماء حتى يجده ( 400 ) .

وقد أخرج البخاري ومسلم في التيمم من صحيحيهما عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزي عن أبيه : ان رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء فقال : لا تصل - وكان عمار بن ياسر إذ ذاك حاضرا - فقال : عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : انما كان يكفيك ان تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك . فقال عمر : اتق الله يا عمار . قال : ان شئت لم احدث به ( 2 ) ! . فقال عمر نوليك ما توليت "

  ( 398 ) سورة النساء : 43

( 399 ) صحيح البخاري ج 1 / 129 ، صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج 1 / 191 ، مسند أحمد ج 4 / 434 ، سنن البيهقي ج 1 / 216 و 217 و 219 و 220 ، تاريخ بغداد ج 8 / 377 ، الغدير ج 6 / 85 - 92 .
( 1 ) نقل عنه هذه الشهرة عدة من الأعلام كالقسطلاني في مباحث التيمم ص 131 من الجزء الثاني من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ( منه قدس ) .
( 400 ) عمر وسقوط الفريضة عند عدم الماء : راجع : الغدير للأميني ج 6 / 84 و 85 ، عمدة القاري للعيني ج 2 / 172 ، فتح الباري ج 1 / 352 ، صحيح مسلم ج 1 / 193 .
( 2 ) انما قال ذلك خوفا بدليل قول عمر له . نوليك ما توليت تهديدا له ( منه قد
س ) ( * ) .

 
 

- ص 276 -

انتهى واللفظ لمسلم ( 401 ) .

وقيل : مال إلى رأي عمر في هذه المسألة ابن مسعود ، إذ أخرج البخاري وغيره من أصحاب الصحاح والسنن واللفظ للبخاري من طريق شقيق بن سلمة ( 1 ) قال : كنت عند عبدالله بن مسعود وأبي موسى الأشعري ، فقال له أبو موسى يا أبا عبدالرحمن إذا أجنب المكلف فلم يجد ماء كيف يصنع ؟ قال عبدالله : لا يصلي حتى يجد الماء . فقال أبو موسى : فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وآله : كان يكفيك ؟ قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك . فقال أبو موسى : دعنا من قول عمار فما تصنع بهذه الاية - وتلا عليه آية المائدة - قال : فما درى عبدالله ما يقول . . ( الحديث ) ( 402 ) .

قلت : انما كان ابن مسعود في كلامه هذا مع أبي موسى متقيا من عمر ومن صاحبه أبي موسى ، لا ريب في ذلك والله تعالى أعلم .

  ( 401 ) صحيح مسلم ك الطهارة باب التيمم ج 1 / 193 ، صحيح البخاري ج 1 / 87 ، الطرائف لابن طاوس ص 464 عن الجمع بين الصحيحين ، سنن أبى داود ج 1 / 53 ، سنن ابن ماجة ج 1 / 200 ، مسند أحمد ج 4 / 265 ، سنن النسائي ج 1 / 59 و 61 ، سنن البيهقي ج 1 / 209 ، الغدير ج 6 / 83 .
( 1 ) في ص 50 من الجزء الأول من صحيحه ( منه قدس ) .
( 402 ) ابن مسعود والتيمم : صحيح البخاري ج 1 / 128 ، صحيح مسلم ج 1 / 110 وطبع العامرة ج 1 / 192 ، سنن أبى داود ج 1 / 53 ، تيسير الوصول ج 3 / 97 ، سنن البيهقي ج 1 / 226 .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب