النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 314 : -

[ المورد - ( 47 ) - : النهى عن قتل العباس وغيره ( 1 ) ]

وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأصحابه وقد حمي الوطيس يوم بدر : عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرها لا حاجة لهم لقتالنا ، فمن

  ( 1 ) أما نهيه صلى الله عليه وآله عن قتل العباس فمما لا ريب فيه . والاخبار فيه متواترة ، والصحاح مشحونة به ، وكل من أرخ بدرا من أهل السير نص عليه . وعلى النهى عن قتل بني هاشم كافة ( منه قدس ) ( * ) .  
 

- ص 315 -

لقي أحدا من بني هاشم فلا يقتله ( 448 ) ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله ( 449 ) ومن لقي العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يقتله ، فانه خرج مستكرها ( 450 ) .

تراه صلى الله عليه وآله نهى عن قتل بني هاشم عامة ، ثم نهى عن قتل عمه العباس بالخصوص ، تأكيدا للمنع من قتله ، وتشديدا ومبالغة في ذلك ، ولما أسر

  ( 448 ) الكامل في التاريخ ج 2 / 89 ، تاريخ الطبري ج 2 / 281 ، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 172 ، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 281 ط بيروت ، السيرة الحلبية ج 2 / 168 ، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 14 ص 182 .

( 449 ) تجد هذا في غزوة بدر العظمى ص 284 والتي بعدها من جزء 3 من البداية والنهاية لابن كثير ، وفى غيرها من كتب السير والاخبار كسيرة بن إسحاق وغيرها وانما نهى عن قتل أبى البخترى لأنه كان ممن قام في نقض الصحيفة ، وكان لا يؤذى رسول الله ولم يبلغه عنه شئ يكرهه ، فكان صلى الله عليه وآله يؤثر بقاؤه حيا أملا بتوفيقه وهدايته إلى الله تعالى ورسوله ، لكن لقيه في حومة الحرب المجذر بن زياد البلوى حليف الأنصار ، فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهانا عن قتلك ، ومع أبى البخترى زميل له خرج معه من مكة ، وهو جنادة بن مليحة من بني ليث قال : وزميلي ؟ . قال له المجذر : لا والله ما نحن بتاركي زميلك ، ما أمرنا رسول الله الا بك وحدك ، قال : لا والله اذن لاموتن وهو جميعا لا تتحدث عنى نساء قريش بمكة انى تركت زميلي حرصا على الحياة . فاقتتلا فقتله المجذر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فأتيك به فأبى الا أن يقاتلني فقاتلته فقتلته ( منه قدس ) . الكامل في التاريخ ج 2 / 89 ، تاريخ الطبري ج 2 / 282 ، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 172 ، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 281 ، السيرة الحلبية ج 2 / 168 ، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 14 / 133 و 183 .

( 450 ) الكامل في التاريخ ج 2 / 89 ، الدرجات الرفيعة ص 80 ، تاريخ الطبري ج 2 / 282 ، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 172 ، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 281 ، السيرة الحلبية ج 2 / 168 ، شرح النهج الحديدي ج 14 / 183 ( * ) .

 
 

- ص 316 -

العباس بات رسول الله صلى الله عليه وآله ساهرا أرقا فقال له أصحابه - كما نص عليه كل من أرخ وقعة بدر من أهل السير والاخبار - يا رسول الله مالك لا تنام ؟ قال صلى الله عليه وآله سمعت تضور عمي العباس في وثاقه فمنعني النوم ، فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول الله صلى الله عليه وآله ( 451 ) .

وعن يحيى بن أبي كثير : أنه لما كان يوم بدر أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلا ، فكان ممن أسر العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله فولي وثاقه عمر بن الخطاب ، فقال العباس : أما والله يا عمر ما يحملك على شد وثاقي الا لطمي اياك في رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسمع أنين العباس فلا يأتيه النوم . فقالوا : يا رسول الله ما يمنعك من النوم ؟ . فقال رسول الله : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي . فأطلقه الأنصار . . ( الحديث ) ( 452 ) .

وكان أصحاب رسول الله كافة من مهاجرين وأنصار وغيرهم يعلمون ما لأبي الفضل العباس من المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وحب السلامة له والكرامة ، ولما بلغه صلى الله عليه وآله كلمة أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس - وكان معه في بدر - إذ قال أنقتل آبائنا واخواننا ونترك العباس ، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف ساءه صلى الله عليه وآله ذلك من أبي حذيفة فاستنجد بعمر يقول له مثيرا حفيظته : يا أبا حفص أيضرب وجه عم الرسول بالسيف ؟ . قال عمر : والله انه لأول يوم كناني فيه

  ( 451 ) الكامل لابن الأثير ج 2 / 89 ، الدرجات الرفيعة ص 80 ، مجمع البيان ج 4 / 559 ، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 14 / 182 .
( 452 ) تجده في ج 5 / 272 من الكنز وهو حديث 5391 وقد أخرجه ابن عساكر ( منه قدس ) . وراجع : الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 520 عن جملة من المصادر
. ( * ) 
 
 

- ص 317 -

رسول الله بأبي حفص ( 453 ) .

وما ان وضعت الحرب أوزارها - ونصره الله عبده ، وأعز جنده وقتل الطواغيت سبعين وأسر سبعين آخرين . وجئ بهم موثوقين - حتى قام أبو حفص يحرض على قتلهم بأشد لهجة قائلا : يا رسول الله انهم كذبوك وأخرجوك وقاتلوك فمكني من فلان - لقريب أو نسيب له - فأضرب عنقه ، ومكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه ، ومكن حمزة من أخيه العباس فيضرب عنقه ( 454 ) .

قلت : يا سبحان الله لم يكن عباس ولا عقيل ممن كذبوا رسول الله ، ولا ممن أخرجوه ، ولا ممن آذوه ، وقد كانوا معه في الشعب أيام حصرهم فيه يكابدون معه تلك المحن ، وقد أخرجا إلى بدر كرها بشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله لهما بذلك . ونهى رسول الله عن قتلهم والحرب قائمة على ساقها ، فكيف يقتلان وهما أسيران ؟ .

وإذا كان تضور العباس أقلق رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعه النوم ، فما ظنك بقتله صبرا بلا مقتض لذلك ، فان العباس كان من قبل ذلك مسلما ، وانما كتم إسلامه لحكمة كان لله ورسوله فيها رضا ، وله وللأمة فيها صلاح ( 455 )

  ( 453 ) نقل ذلك عنه ابن إسحاق وغيره من أهل السير والاخبار فراجع ص 285 من الجزء 3 من البداية والنهاية ( منه قدس ) . أقول وراجع أيضا : الكامل في التاريخ ج 2 / 89 ، تاريخ الطبري ج 2 / 282 ، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 281 ، السيرة الحلبية ج 2 / 168 ، ابن أبي الحديد ج 14 / 183 .

( 454 ) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 249 ، صحيح مسلم ك الجهاد والسير باب الإمداد بالملائكة ج 6 / 157 ، الدرجات الرفيعة ص 82 ، السيرة الحلبية ج 2 / 190 و 191 ، ابن أبي الحديد ج 14 / 183 .

( 455 ) قال مفتى الشافعية في عصره السيد أحمد زيني دحلان حيث ذكر العباس في غزوة بدر من سيرته النبوية ص 504 من جزئه الأول المطبوع في هامش السيرة الحلبية نقلا عن المواهب ما هذا لفظه : وكان العباس فيما قاله أهل العلم بالتاريخ قد أسلم قديما =>

 
 

- ص 318 -

. . . . . . .

  => وكان يكتم إسلامه ، وكان يسره ما يفتح الله على المسلمين ، وكان النبي صلى الله عليه وآله يطلعه على أسراره حين كان بمكة وكان يحضر مع النبي حين كان يعرض نفسه على القبائل ، وكان يحثهم ويحرضهم على مناصرته كما تقدم ذلك في حضوره بيعة العقبة التي كانت مع الأنصار ، فهذا كله يدل على إسلامه .

( قال ) : وكان النبي صلى الله عليه وآله أمره بالمقام بمكة ليكتب له أسرار قريش وأخبارهم ، ولما أرادت قريش الخروج إلى بدر واستنفرت الناس لم يمكنه التخلف عنها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر : من لقى العباس فلا يقتله فانه خرج مستكرها .

( قال ) ولا ينافى ذلك قوله صلى الله عليه وآله لما طلب منه الفداء : ظاهر أمرك انك كنت علينا لان كونه عليهم في الظاهر لا ينافى كونه مكرها في الباطن ، وانما عامله النبي صلى الله عليه وآله بظاهر حالة تطييبا لقلوب الصحابة حيث فعل مثل ذلك بآبائهم وأبنائهم وعشائرهم .

( قال ) وكان للعباس مال وديون في قريش وكان يخشى ان أظهر أسلامه ضياعها عندهم ، فكان يخفى إسلامه بأذن من النبي صلى الله عليه وآله ولم يظهر النبي للصحابة إسلام عمه رفقا به وخوفا على ضياع ماله .

( قال ) وللنبي صلى الله عليه وآله غرض في اخفاء إسلامه ليكون عينا له ينقل أخبار القوم إليه ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة أظهر إسلامه ، فهو لم يظهر إسلامه الا يوم فتح مكة .

( قال ) وكان العباس كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول الله ، فكتب النبي صلى الله عليه وآله له : مقامك بمكة خير لك .
( قال ) وفى رواية كتب إليه : يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه ، فان الله عز وجل يختم بك الهجرة كما ختم بى النبوة ، فكان الأمر كذلك فقد كان آخر المهاجرين لأنه التقى بالنبي صلى الله عليه وآله في الابواء ولا علم له بخروج النبي لفتح مكة فرجع معه إلى آخر كلامه ، وللحلبي في سيرته كلام أصرح في تقدم إسلام العباس وزوجته أم الفضل على الهجرة ، فليراجعه من شاء التتبع ، وليراجع نصوص العلماء في هذا الموضوع ( منه قدس ) الدرجات الرفيعة ص 80 ، السيرة النبوية لابن هشام ج 2 / 301 ، الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 3 / 242 .

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب