النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
341
: - |
|
[ المورد - ( 51 ) - نهيه صلى الله عليه وآله
لأصحابه عن جواب أبى سفيان في احد ]
كان رسول الله
صلى الله عليه وآله نزل يوم احد بأصحابه - وهم سبعمائة
- في عدوة الوادي ، وجعل ظهره إلى الجبل ، وكان
المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس ،
ومعهم خمسة عشر امرأة وفي المسلمين مائتا دارع وفارسان
.
وتعبأ الجيشان للقتال ، فاستقبل رسول الله صلى الله
عليه وآله المدينة ، وترك أحدا
خلف ظهره ، وجعل وراءه الرماة وهم خمسون راميا ، أمر
عليهم عبدالله بن جبير وقال له : انضح عنا الخيل
بالنبل لا يأتونا من خلفنا ، واثبتوا مكانكم ، ان كانت
لنا ، أو كانت علينا ، فانا انما نؤتى من هذا الشعب
شعب أحد ( 1 ) .
وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء
المشركين ينادي : يا معشر أصحاب محمد انكم تزعمون ان
يعجلنا بسيوفكم إلى النار ، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة
فهل أحد منكم يعجله سيفي إلى الجنة ، ويعجلني سيفه إلى
النار ؟
قال ابن الأثير في كامله : فبرز إليه علي بن
أبي طالب فضربه فقطع رجله فسقط وانكشفت عورته ، فناشده
الله فتركه - لما به يخور بدمه حتى هلك - فكبر رسول
الله صلى الله عليه وآله وقال : كبش الكتيبة ، وكبر
المسلمون بتكبيره ، وقال لعلي : ما منعك ان تجهز عليه
؟ فقال ناشدني الله والرحم فاستحييت منه . وصمد علي
بعده لأصحاب اللواء يحمل عليهم فيقتلهم واحدا بعد
واحد .
قال ابن الأثير
وغيره : وقد كان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء وبقي
مطروحا لا يدنو منه أحد ، فأخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعت قريش حوله ، وأخذه صواب عبد
لبني عبد الدار - كان من أشد الناس قوة - فقتل عليه (
قال ) وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي بن أبي طالب ،
قاله أبو رافع .
واقتتل الناس قتالا شديدا . وأمعن
حمزة وعلي وأبو دجانة في رجال من المسلمين وأبلوا بلاء
حسنا ، وأنزل الله نصره عليهم وكانت الهزيمة على
المشركين ، وهرب النساء مصعدات في الجبل ، ودخل
المسلمون عسكرهم ينهبون ، فلما نظر بعض الرماة إلى
اخوانهم ينهبون ، آثروا النهب على البقاء في الشعب ،
ونسوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وحضهم
عليه . وحين رأى خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة
حمل عليهم فقتلهم ، وشد
|
(
1 ) الشعب بالكسر ما انفرج بين الجبلين ( منه قدس
) ( * ) . |
|
|
بمن معه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من
خلفهم ، وتبادر المنهزمون من المشركين حينئذ بنشاط
مستأنف لقتال المسلمين حتى هزموهم بعد أن قتلوا سبعين
من أبطالهم ، فيهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبدالمطلب وقاتل رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ
قتالا شديدا ، فرمى بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سية
قوسه ، وانقطع وتره ، وأصيب بجرح في وجنته ، وآخر في
جبهته وكسرت رباعيته السفلى ، وشقت - بأبي هو وأمي -
شفته ، وعلاه ابن قمئة بالسيف .
وقاتل دونه علي ، ومعه
خمسة من الأنصار استشهدوا في الدفاع عنه رضي الله عنهم
وأرضاهم ، وترس أبو دجانة رسول الله صلى الله عليه
وآله بنفسه ، فكان يقع النبل بظهره وهو منحن عليه ،
وقاتل مصعب بن عمير فاستشهد ، قتله ابن قمئة الليثي
وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وآله فرجع إلى قريش
يقول لهم : قتلت محمدا ، فجعل الناس يقولون : قتل محمد
، قتل محمد فأوغل المسلمون في الهرب على غير رشد ،
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وآله كعب بن
مالك ، فنادى بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ابشروا
هذا رسول الله حي لم يقتل فأشار إليه صلى الله عليه
وآله أن أنصت ( 1 ) .
وحينئذ نهض علي بمن كان معه حتى
خلصوا برسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشعب ،
فتحصن النبي صلى الله عليه وآله به ، وهم يحوطونه
مدافعين عنه .
قال ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما
وسائر أهل الأخبار : فأبصر النبي صلى الله عليه وآله -
أي وهو في الشعب - جماعة من المشركين ، فقال صلى الله
عليه وآله لعلي : احمل عليهم ، فحمل عليهم ففرقهم وقتل
منهم ، ثم أبصر جماعة أخرى ، فقال صلى الله عليه وآله
: اكفنيهم يا علي فحمل عليهم وفرقهم وقتل منهم . فقال
جبرائيل : يا رسول الله هذه المواساة ، فقال رسول الله
[ ص ] : انه مني وأنا منه . فقال
|
(
1 ) مخافة أن يسمع العدو
فيهجم عليه ( منه قدس ) ( * ) . |
|
|
جبرائيل : وأنا منكما . ( قالوا ) وسمع صوت :
لا سيف إلا ذو الفقا * ر ولا فتى
إلا علي ( 485 )
وجعل علي
ينقل الماء لرسول الله صلى الله عليه وآله في درقته من
المهراس يغسل به جرح النبي فلم ينقطع الدم ( 1 ) .
ووقعت هند وصواحباتها على الشهداء يمثلن بهم ، فاتخذت
من آذان الرجال وآنافهم وأصابع أيديهم وأرجلهم
ومذاكيرهم قلائد ومعاضد ، وكانت أعطت وحشيا معاضدها
وقلائدها جزاء قتلة حمزة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها (
486 ) .
ثم أشرف أبو سفيان على المسلمين ، فقال : أفي
القوم محمد ؟ ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله ( 2 ) : لا تجيبوه ( 3 ) فقال أبو سفيان : أنشدك
الله يا عمر أقتلنا
|
(
485 ) لا سيف الا
ذو الفقا * ر ولا فتى الا على - راجع :
فرائد السمطين للحمويني الشافعي ج 1 / 257 ح 198 ، ترجمة
الإمام على
بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي
ج 1 / 148 ح 215 ،
الكامل
في التاريخ ج 2 / 107 ، مناقب على بن أبى طالب لابن
المغازلي ص 197 ، تذكرة الخواص للسبط بن
الجوزي ص 26 ،
المناقب للخوارزمي ص 213 ط الحيدرية ،
السيرة النبوية
لابن هشام ج 3 / 106 ، شرح نهج البلاغة لابن أبى
الحديد ج 14 / 251 وقد نقل تصحيحه عن شيخه عبد الوهاب
ابن سكينة .
( 1 ) حتى أحرقت سيدة نساء العالمين بعد
ذلك حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم ، وقد
شهدت الواقعة عليها السلام فكانت تعانقه وهو مجروح
وتبكي ( منه قدس ) .
( 486 ) الكامل في التاريخ ج 2 /
111 ، الدرجات الرفيعة ص 66 - 69 ،
السيرة النبوية
لابن هشام ج 3 / 96 - 97 ، السيرة الحلبية
ج 2 / 246 .
( 2 ) كما في غزوة احد من تاريخي ابن جرير وابن الأثير
وطبقات ابن سعد والسيرتين الحلبية والدحلانية وكتاب
البداية والنهاية لأبي الفداء وسائر الكتب المشتملة
على غزوة أحد ( منه قدس ) .
(
3 ) كأن رسول الله صلى الله
عليه وآله لم يكن آمنا من أبى سفيان وأصحابه أن يشدوا
عليه => |
|
|
محمدا ؟ قال عمر : اللهم لا وانه ليسمع كلامك ( 487
) .
قلت : هذا محل الشاهد من هذه الحكاية إذ آثر رأيه
في جواب أبي سفيان على نهي النبي صلى الله عليه وآله
إياهم عن جوابه كما ترى .
|
=>
إذا علموا ببقائه حيا
، ولذلك نهاهم عن جوابه ، وكأن عمر إذ أجابه لم يكن
خائفا ولم يكن يرى لهذا الاحتياط وجها ( منه قدس ) .
(
487 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 47 ، الكامل لابن
الأثير ج 2 / 111 ، السيرة الحلبية ج 2 / 245 . |
|
|
|