النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 349 : -

[ المورد - ( 53 ) - تشريع حد لمهور النساء ]

يجب في المهر أن يكون مما يملكه المسلم ، عينا كان أم دينا ، أم منفعة ، وتقديره راجع إلى الزوجين فيما يتراضيان عليه ، كثيرا كان أم قليلا ، ما لم يخرج بسبب القلة عن المالية كحبة من طعام مثلا ، نعم يستحب في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم ( 497 ) .

وكان عمر ( رض ) عزم على النهي عن الغلو في مهور النساء ، تسهيلا لأمر التناكح الذي به التناسل ، وبه صون الاحداث عن الحرام وأن من تزوج أحرز ثلثي دينه ( 498 )

فقام في بعض أيامه خطيبا في هذا المعنى ، فكان مما قاله في خطابه : لا يبلغني ان امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله الا أرجعت ذلك منها . فقامت إليه امرأة فقالت : والله ما جعل الله ذلك لك ، انه يقول : ( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ) ( 499 ) فعدل عن حكمه قائلا : الا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ؟ ! ناضلت إمامكم فنضلته ( 500 ) .

وفي رواية ( 1 ) انه قال : كل أحد أعلم من عمر ، تسمعونني أقول مثل

  ( 497 ) الوسائل باب - 2 - من أبواب المهور ح 1 ، جواهر الكلام ج 31 / 3 و 14 و 15 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 8 / 161 ط بيروت .
( 498 ) مستدرك الوسائل ك النكاح باب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح ح 2 و 3 ، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج 5 / 86 .
( 499 ) سورة النساء آية : 20 .
( 500 ) رواه بهذه الألفاظ كثير من حفظة السنن وسدنة الآثار ، وأرسله ابن أبى الحديد في أحوال عمر ص 96 من المجلد الثالث من شرح النهج - إرسال المسلمات ( منه قدس ) . وراجع : الغدير للأميني ج 6 / 98 ، وشرح النهج الحديدي ج 1 / 61 وج 3 / 96 ط 1 .
( 1 ) ذكرها الزمخشري في تفسير : وآتيتم إحداهن قنطارا من سورة النساء في كشافه ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 

- ص 350 -

هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست أعلم من نسائكم ؟ ! ( 501 ) .

وفي رواية أخرى ( 1 ) فقامت امرأة فقالت : يابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنع وتلت هذه الآية ، فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر ورجع عن حكمه ( 502 ) .

قلت : استدلوا بهذه الواقعة وأمثالها على إنصافه واعترافه ، وكم له من قضايا مع الخاصة والعامة من رجال ونساء تمثل له الإنصاف والاعتراف و كان إذا أعجبه القول أو الفعل يستفزه العجب ، وربما ظهر عليه الطرب .

كما اتفق له مع رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن أشياء كرهها ، فيما أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري إذ قال : سئل النبي عن أشياء كرهها لكونها

  ( 501 ) الغدير للأميني ج 6 / 97 ، الكشاف للزمخشري ج 1 / 357 وفى طبع آخر ج 1 / 514 ، شرح صحيح البخاري للقسطلاني ج 8 / 57 .
( 1 ) ذكرها الرازي في تفسير الآية آخر ص 175 من
الجزء الثالث من تفسيره الكبير ، وله ثمة عثرة لليدين وللفم ، إذ قال : وعندي ان الآية لا دلالة فيها على جواز المنالاة . إلى آخر كلامه الملتوي عن الفهم الذي أراد به تخطثه المرأة دفاعا عن عمر وقد زاد في طينته بلة من حيث لا يدرى ، فليراجع الباحثون كلامه ليعجبوا من أسفافه ، وفى ص 150 من تاريخ عمر بن الخطاب لأبي الفرج ابن الجوزي حديث عن عبدالله ابن مصعب وآخر عن ابن الاجدع يتضمنان خطاب عمر في نهيه عن الغلو في مهور النساء ورد المرأة عليه بما ألزمه بالرجوع عما نهى عنه معترفا بخطأه وصواب المرأة ( منه قدس ) .

( 502 ) الغدير للأميني ج 6 / 98 ، تفسير القرطبي ج 5 / 99 ، تفسير النيسابوري ج 1 ، تفسير الخازن ج 1 / 353 ، الفتوحات الإسلامية ج 2 / 477 وزاد فيه : حتى النساء . وهناك روايات أخرى من أراد الاطلاع عليها مع مصادرها فاليراجعها في الغدير ج 6 / 95 وما بعدها . ( * ) 

 
 

- ص 351 -

مما لا يعنى العقلاء بها ، ولا هي مما بعث الأنبياء لبيانها ، فلما أكثروا عليه غضب لتعنتهم في السؤال ، وتكلمهم فيما لا حاجة لهم به ، ثم قال للناس . سلوني ، كأنه صلى الله عليه وآله رآهم فشلوا أو خجلوا حيث أغضبوه فتبسط لهم بقوله : سلوني ، رأفة بهم ورحمة ، فقال رجل هو عبدالله بن حذافة : من أبي يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله : أبوك حذافة ، فقام آخر وهو سعد بن سالم فقال : من أبي يا رسول الله ؟ . فقال : أبوك سالم مولى أبي شيبة .

وكان سبب هذا السؤال منهما طعن الناس في نسبيهما ، فلما رأى عمر ما في وجه رسول الله من الغضب قال : يا رسول الله انا نتوب إلى الله عزوجل مما يوجب غضبك اه‍ . وسره من رسول الله الحاق عبدالله بحذافة ، والحاق سعد بسالم تصديقا لاميهما في نسبيهما .

وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك ان عبدالله بن حذافة سأل رسول الله فقال له : من أبي ؟ . فقال صلى الله عليه وآله : أبوك حذافة .

وفي صحيح مسلم : انه كان يدعى لغير أبيه ، فلما سمعت أمه سؤاله هذا ، قالت : ما سمعت بابن أعق منك أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس . فبرك عندها عمر على ركبتيه أمام رسول الله فقال معجبا بتصديق النبي لام عبدالله ابن حذافة في نسبه : رضينا بالله ربا ، وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا . ( 503 )

قالها طربا بستره صلى الله عليه وآله على كثير من الأمهات المفارقات في الجاهلية وقد جب الإسلام ما قبله .

  ( 503 ) تجد هذا الحديث في باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث ، وتجد قبله حديث أبى موسى في أواخر كتاب العلم صفحة 19 من الجزء الأول من صحيح البخاري ( منه قدس ) . صحيح مسلم . ( * )   
 

- ص 352 -

[ المورد - ( 54 ) - استبدال الحد الشرعي بأمر آخر يختاره الحاكم ]

وذلك ان غلمة الحاطب بن بلتعة ، اشتركوا في سرقة ناقة لرجل من مرينة فجي بهم إلى عمر فأقروا ، فأمر عمر كثير بن الصلت ان يقطع أيديهم ، فلما ولي بهم ردهم عمر إليه ثم استدعى ابن مولاهم وهو عبدالرحمن بن حاطب فقال له : أما والله لولا انكم تستعملونهم وتجيعونهم لقطعت أيديهم . وأيم الله إذ لم أفعل ، لاغرمتك غرامة توجعك إلى آخر ما كان من هذه الواقعة فلتراجع في ص 32 والتي بعدها من الجزء الثالث من أعلام الموقعين .

ونقلها عنه العلامة المعاصر أحمد أمين في ص 287 من ( فجر الإسلام ) . وأشار إليها ابن حجر العسقلاني في ترجمة عبدالرحمن بن حاطب ، حيث أورده في القسم الثاني من الإصابة فقال : وله قضية مع عمر ( 504 ) .

قلت : لعل ما فعله عمر من درء الحد عن هؤلاء الغلمة وجها، وذلك حيث لا تكون السرقة الا عن مخمصة اضطرتهم إليها بقيا على رمقهم ليكونوا ممن عناهم الله عزوجل بقوله : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ( 505 ).

لكنهم أقروا بالسرقة فثبتت عليهم ولم يدعوا الضرورة الملجئة إليها ، ولو فرض انهم ادعوها ، لكان على الحاكم ان يطالبهم بما يثبتها ، لكنا لم نر منه سوى أنه وسعهم باشفاقه مشتدا على ابن حاطب ، وما ندري من أين علم انهم كانوا يجيعونهم هذا الجوع ؟ .

  ( 504 ) وقريب من هذا ما وقع منه مع المغيرة بن شعبة وذلك لما زنى المغيرة بام جميل فدرأ عنه الحد . راجع تفصيل القضية في كتاب الغدير ج 6 / 137 - 144 .
( 505 ) سورة البقرة آية :
173 ( * ) .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب