النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
366
: - |
|
[ المورد ( 64 ) -
: تجاوزه الحد الشرعي في الغلظة على ولده ]
وذلك أن
ولده عبدالرحمن المكنى أبا شحمة شرب الخمر في مصر أيام
ولاية عمرو بن العاص عليها ، فأمر به الوالي ابن العاص
فحلق رأسه وجلد الحد الشرعي بمحضر من أخيه عبدالله بن
عمر ، فلما بلغ عمر ذلك كتب إلى ابن العاص أن يبعث به
إليه في عباءة على قتب بغير وطاء وشدد عليه في ذلك ،
وأغلظ له القول ، فأرسله إليه على الحال التي أمر بها
أبوه .
وكتب إلى عمر أني أقمت الحد عليه بحلق رأسه
وجلده في صحن الدار ، وحلف بالله الذي لا يحلف بأعظم
منه أنه الموضع الذي تقام فيه الحدود على
المسلمين والذميين ، وبعث بالكتاب مع عبدالله بن عمر
، فقدم عبدالله بن عمر بالكتاب وبأخيه عبدالرحمن على
أبيهما وهو في عباءة لا يستطيع المشي لمرضه واعيائه
ومما فيه من عقر القتب ، فشدد أبوه عليه وقال : يا
عبدالرحمن فعلت وفعلت ! . ثم صاح : السياط السياط .
فكلمه عبدالرحمن بن عوف وقال : يا أمير المؤمنين قد
أقيم عليه الحد ، وشهد بذلك أخوه عبدالله . فلم يلتفت
إليه وزبره ، فأخذته السياط ، وجعل يصيح : أنا مريض
وأنت والله قاتلي . فلم يرق له وتصام عن صياحه حتى
استوفى الحد وحبسه بعده شهرا فمات ( 518 ) .
ومحل
الشاهد هنا ان ابن العاص ، ان كان مأمونا على حدود
الله وثقة في نفس عمر فقد أخبره بإقامة الحد على ولده
أبي شحمة بحضور أخيه عبدالله ، وكان عبدالله من أوثق
آل الخطاب في نفس أبيه ، وإذا فلا وجه لإقامة الحد
|
(
518 ) هذه الواقعة من الوقائع المشهورة ذكرها أهل
الأخبار في أحوال عمر وخصائصه فلتراجع في ص
123 وما بعدها من المجلد الثالث من
شرح النهج الحميدي
طبع مصر . وتجد في ص 127 من المجلد نفسه عن بعض أولياء
عمر : أنه ضرب ابنا له على الشراب فمات من ضربه . وكل
من ذكر أبا شحمة ذكر ذلك حتى أن ابن عبد البر أورد هذه
القضية بنحو من التنسيق والتنميق في ترجمة عبدالرحمن
الأكبر بن عمر هو أخو أبى شحمة الذي هو عبدالرحمن
الأوسط ، ولهما أخ ثالث يدعى عبدالرحمن الأصغر كما
نقلها ابن عبد البر .
وقال الدميري في مادة ديك من
حياة الحيوان : وكان عمر قد حد ابنه عبدالله على
الشراب فقال له وهو يحده قتلتني يا أبتاه .
( قال ) :
والذي في كتب السير ان المحدود في الشراب ابنه الأوسط
أبو شحمة أه . وعقد ابن الجوزي بابا مختصا بضرب عمر
لولده على شرب الخمر ، وهو الباب 77 من تاريخ عمر (
منه قدس ) . الغدير
للأميني ج 6 / 316 ، سنن الكبرى
للبيهقي ج8 / 312 ،
العقد الفريد ج 3
/ 370 ، تاريخ بغداد للخطيب ج 5 / 455 ،
سيرة عمر لابن الجوزي ص 170 وفى طبع آخر ص 207 ،
الرياض النضرة ج 2 /
32 ط 1 ، ارشاد الساري ج 9 / 439 ،
الاستيعاب بهامش الإصابة ج 2 /
394 ( * ) . |
|
|
عليه مرة أخرى ، وان كان ابن العاص غير مأمون على
حدود ولا صادق فيما يخبر به حتى لو حلف الإيمان
المغلظة كما فعل ، فكيف يوليه مصر فيسلطه على أحكام
الله وحدوده ؟ ودماء عباده ؟ وأعراضهم وأموالهم ؟ ! .
على أن المريض لا يحد قبل شفائه والمحدود لا يحبس بعد
اقامة الحد عليه ولاسيما إذا كان مريضا أو أضره الحبس
، لكن عمر مولع بايثار رأيه في المصلحة على النصوص .
[ المورد - ( 65 ) -
: قطعة شجر الحديبية ]
شجرة الحديبية هذه بويع رسول
الله صلى الله عليه وآله بيعة الرضوان تحتها ، فكان من
عواقب تلك البيعة ان فتح الله لعبده ورسوله فتحا مبينا
، ونصره نصرا عزيزا ، وكان بعض المسلمين يصلون تحتها
تبركا بها ، وشكرا لله تعالى على ما بلغهم من أمانيهم
في تلك البيعة المباركة . فبلغ عمر ما كان من صلاتهم
تحتها فأمر بقطعها وقال ( 1 ) : ألا لا أوتى منذ اليوم
بأحد عاد إلى الصلاة عندها إلا قتلته بالسيف كما يقتل
المرتد . آه ( 519 ) .
سبحان الله وبحمده والله أكبر
! ! يأمره بالأمس رسول الله بقتل ذي الخويصره وهو رأس
المارقة فيمتنع عن قتله احتراما لصلاته ( 520 ) " ثم
يستل
|
( 1 ) كما في السطر الأخير من ص 59
من المجلد الأول من شرح النهج
الحميدي ( منه قدس ) .
(
519 ) الغدير للأميني ج 6 / 146 ، شرح النهج الحديدي ج
3 / 122 ، سيرة عمر لابن
الجوزي ص 107 ، الطبقات
الكبرى لابن سعد ، السيرة الحلبية ج 3 / 29 ، فتح
الباري ج 7 / 361 وقد صححه ،
ارشاد الساري ج 6 / 337 ،
شرح المواهب للزرقاني ج 2 / 207 ،
الدر المنثور ج 6 /
73 ، عمدة القاري ج 8 / 284 وقال :
إسناد صحيح .
( 520
) كما تقدم تحت رقم ( 131 ) فراجعه مع مصادره
. ( * ) |
|
|
اليوم سيفه لقتل من يصلي من أهل
الإيمان تحت الشجرة
شجرة الرضوان ؟ ! " وي ، وي ما الذي أرخص له دماء
المصلين من المخلصين لله تعالى في صلواتهم ؟ ان هذه
لبذرة أجذرت وآتت أكلها في نجد ( حيث يطلع قرن الشيطان
) ( 521 ) .
وكم لفاروق
الأمة من أمثال هذه البذرة
كقوله للحجر الاسود : " انك لحجر لا تنفع ولا تضر ،
ولولا اني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك . . . " (
522 ) .
ولقد كانت هذه الكلمة منه كأصل من
الأصول
العملية بني عليها بعض الجاهلين تحريم التقبيل للقرآن
الحكيم ، والتعظيم لضريح النبي الكريم ولسائر الضرائح
المقدسة ، ففاتهم العمل بكثير من مصاديق قوله تعالى :
( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ
حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ
) ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ( 1 ) ) .
ولم يكونوا في شغفهم بحب الله عزوجل على حد قول القائل
:
وما حب الديار شغفن قلبي * ولكن حب من سكن الديارا
|
(
521 ) صحيح البخاري ك
الجهاد والسير باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ج 4 /
46 ط استانبول وج 4 / 10 ط مطابع الشعب .
( 522 ) أخبار مكة للازرقي
ج 1 / 323 و 329 و 330 ط دار الأندلس ،
الغدير ج 6 /
103 ، المستدرك للحاكم ج 1 / 457 ،
سيرة عمر لابن الجوزي ص 106 ،
ارشاد الساري ج 3 / 195 ،
عمدة القاري ج 4 / 606 ، شرح النهج الحديدي ج 3 / 122 ط 1 وج 12 /
100 ط مصر بتحقيق أبو الفضل ، الفتوحات
الإسلامية ج 3
/ 486 ، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من
تاريخ دمشق
لابن عساكر ج 3 / 40 ح 1073 ط بيروت .
( 1 ) الآيتان
في سورة الحج ( منه قدس
) ( * ) . |
|
|
|