النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 399 : -

[ الفصل الثالث ]
[ تأول عثمان وأتباعه ]
[ المورد - ( 70 ) - : صلته لأرحامه ]

كان عثمان وصولا لأرحامه ( 582 ) [ آل أبي العاص ] ( 583 ) ولوعا بحبهم وإيثارهم ، حتى لم تأخذه في سبيلهم ملامة اللائمين ، ولا ثوراث الثائرين ، وقد استباح في صلتهم مخالفات كثيرة من أدلة الكتاب الحكيم ، والسنن المقدسة ، والسيرة التي كانت مستمرة من قبله .

  ( 582 ) ان له في سبيل أرحامه مخالفات لنصوص شتى ، وموارده في ذلك لا تستقصى في هذا الكتاب ، ولعلها لا تنقص عن موارد الخليفتين السابقتين بأجمعها ( منه قدس ) .
اعطائه الأموال وصلاته لأرحامه مما لا يشك فيه أدنى إنسان مطلع على التاريخ . راجع : الغدير للأميني ج 8 / 286 ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبى رية المصري ص 166 .

( 583 ) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا ، أخرجه الحاكم بالإسناد إلى كل من على أمير =>

 
 

- ص 400 -

قال ابن أبي الحديد ( 1 ) : وصحت فيه فراسة عمر ، إذ قد أوطأ بني أمية رقاب الناس ، وأولادهم الولايات ، وأقطعهم القطائع ، وافتتحت أرمينيا في أيامه ، فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان فقال عبدالرحمن بن الحنبل الجمحي :

أحلف بالله رب الأنام * ما تر الله شيئا سدى
ولكن خلقت لنا فتنة * لكي نبتلي بك أو نبتلى
فان الأمينين قد بينا * منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة * ولا جعلا درهما في هوى
وأعطيت مروان خمس البلاد * فهيهات سعيك من سعى
( 584 )

  => المؤمنين ، وأبى ذر ، وأبى سعيد الخدري ، وصححه في ص 480 من الجزء الرابع من مستدركه . واعترف بصحته الذهبي إذ أورده في تلخيص المستدرك .
والصحاح في ذم آل أبى العاص متواترة ، وقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر هؤلاء المتغلبين من المنافقين ولعنهم " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة " وحسبك من اعلانه ما أخرجه الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من صحيحه ( المستدرك ) ويكفيك ما أوردناه في كتابنا ( أبو هريرة ) مما علقناه على الحديث الرابع عشر وهو في ص 118 إلى منتهى ص 128 فراجع ( منه قدس ) .

لعن الرسول صلى الله عليه وآله آل أبى العاص في مواطن كثيرة : راجع : الصواعق لابن حجر ص 179 ط المحمدية وص 108 ط الميمنية ، تطهير الجنان لابن حجر ص 63 ملحقا بالصواعق ط المحمدية وص 144 بهامش الصواعق ط الميمنية ، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 172 ، الدر المنثور للسيوطي ج 4 / 191 وج 6 / 41 ، سير أعلام النبلاء ج 2 / 80 ، أسد الغابة ج 2 / 34 ، السيرة الحلبية ج 1 / 317 السيرة الدحلانية بهامش الحلبية ج 1 / 225 - 226 ، الغدير للأميني ج 8 / 245 ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 160 .
( 1 ) في ج 1 / 66 من شرحه للنهج طبع مصر ، فراجع ما أورده ثمة من أحداث عثمان ( منه قدس ) .
( 584 ) إعطائه خمس أرمينيا لمروان مشهور لاشك فيه :
=>

 
 

- ص 401 -

قال ابن أبي الحديد : وطلب منه عبدالله بن خالد بن أسيد صلة ، فأعطاه أربعمائة ألف درهم ( 585 )

[ قال ] : وأعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن سيره رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر ، وأعطاه مائة ألف درهم ( 586 ) وتصدق رسول الله صلى الله عليه وآله بموضع سوق بالمدينة يعرف بنهروز على المسلمين ، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم ( 587 ) .

واقطع مروان فدكا وقد كانت فاطمة طلبتها بعد وفاة أبيها رسول الله تارة بالميراث ، وتارة

 

=> راجع : الغدير للأميني ج 8 / 257 ، المعارف لابن قتيبة ص 84 ، تاريخ أبى الفداء ج 1 / 168 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 38 ، تاريخ الطبري ج 5 / 50 .
( 585 ) صلته لعبد الله بن خالد بن أسيد : راجع : الغدير للأميني ج 8 / 276 ، العقد الفريد ج 2 / 261 ، المعارف لابن قتيبة ص 84 .
( 586 ) إرجاعه للحكم بن أبى العاص : راجع : الغدير للأميني ج 8 / 241 وما بعدها وفيه مصادر كثيرة ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 168 .
وقد لعن الرسول الحكم بن أبى العاص وما يخرج من صلبه : راجع : نفس المصادر التي تقدمت تحت رقم - 583 - مع نفس الصفحات لها الغدير ج 8 / 245 عن مصادر متعددة .

( 587 ) الغدير للأميني ج 8 / 268 ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 169 ، العقد الفريد ج 4 / 283 ، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 1 / 67 وفى لفظ شرح النهج ( بهزور ) وهو تحريف بل في عقد الفريد ( مهزور ) .
وراجع أيضا : محاضرات الراغب ج 2 / 211 ، المعارف لابن قتيبة ص 84 ، الأحكام السلطانية للماوردي وأبى يعلى في بيان باب تركة الرسول ، مقدمة مرآة العقول ج 1 /
159 ( * )

 
 

- ص 402 -

بالنحلة فدفعت عنها ( 588 ) .
( قال ) : وحمى المراعي حول المدينة كلها عن مواشي المسلمين كلهم الا عن بني أمية ( 589 )
( قال ) : وأعطى عبدالله ابن أبي سرح جميع ما أفاه الله عليه من فتح افريقية ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشرك فيه أحدا من المسلمين ( 590 ) .

( قال ) : وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال ( 591 ) في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوجه ابنته أم أبان ، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ووضعها

  ( 588 ) عثمان يعطى فدكا لمروان : راجع : المعارف لابن قتيبة ص 195 ، تاريخ أبى الفداء ج 1 / 169 وفى طبع آخر ج 1 / 232 ، سنن البيهقي ج 6 / 301 ، العقد الفريد ج 4 / 283 ، وفاء الوفاء ج 3 / 1000 ، فدك في التاريخ ص 20 ، الغدير للأميني ج 7 / 195 وج 8 / 236 - 238 . وراجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم - 99 - من هذا الكتاب . ومقدمة مرآة العقول ج 1 / 158 ، الطبقات لابن سعد ج 5 / 388 ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 169 .

ويعطيه أيضا خمس الغز والثاني لإفريقيا : راجع : تاريخ الذهبي ج 2 / 79 ، الكامل لابن الأثير ج 3 / 46 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 25 و 28 ، تاريخ الخلفاء ص 156 .
( 589 ) الغدير للأميني ج 8 / 235 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 37 ، السيرة الحلبية ج 2 / 87 ، شرح النهج الحديدي ج 1 / 67 و 235 وغيرها .
( 590 ) عثمان يعطى بن أبى سرح خمس الغز والأول لإفريقيا : الغدير للأميني ج 8 / 279 ، شرح النهج ج 1 / 67 ، تاريخ الذهبي ج 2 / 79 ، الكامل لابن الأثير ج 2 / 46 ، أسد الغابة ج 3 / 173 ، تاريخ ابن كثير ج 7 / 152 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 26 .
( 591 ) الغدير ج 8 /
277 ( * ) .

 
 

- ص 403 -

بين يدي عثمان وبكى . فقال عثمان : أتبكي ان وصلت رحمي ! قال : لا ! ولكن أبكي لأني أظنك انك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله والله لو أعطيت مروان مائه درهم لكان كثيرا . فقال عثمان ألق المفاتيح يا ابن أرقم فانا سنجد غيرك ( 592 ) .

قال ابن أبي الحديد : وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية ( 593 ) وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضا بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنه ( 594 )

( قال ) : وانضم إلى هذه الأمور أمور أخرى نقمها عليه المسلمون ، كتسيير أبي ذر إلى الربذة ( 595 ) وضرب عبدالله بن مسعود حتى كسر اضلاعه ( 596 ) ، وما أظهر من الحجاب

  ( 592 ) الغدير للأميني ج 8 / 259 ، شرح النهج الحديدي ج 1 / 67 ، السيرة الحلبية ج 2 / 87 .
( 593 ) شرح النهج الحديدي ج 1 / 67 .
( 594 ) وقيل ثلاث مائة ألف كما في أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 52 و 28 ، الغدير ج 8 / 267 . وأما ثروة الخليفة نفسه : فراجع : الغدير ج 8 / 285 ، مروج الذهب ج 2 / 332 ، الطبقات لابن سعد ج 3 / 58 .
( 595 ) الغدير للأميني ج 8 / 292 - 386 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 52 - 54 ، صحيح البخاري ك الزكاة والتفسير ، الطبقات لابن سعد ج 4 / 232 ، مروج الذهب ج 2 / 339 ، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 148 ط الغرى ، شرح ابن أبى الحديد ج 1 / 240 - 242 ط 1 ، فتح الباري ج 3 / 213 ، عمدة القاري ج 4 / 291 .
( 596 ) الغدير ج 9 / 3 - 14 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 36 ، تاريخ اليعقوبي ج 2 / 147 ( * ) .
 
 

- ص 404 -

والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود ، ورد المظالم ، وكف الأيدي العادية . والانتصاب لسياسة الرعية ، وختم ذلك بما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين ( 597 ) فاجتمع عليه كثير من أهل المدينة مع القوم الذين وصلوا من مصر لتعديد احداثه عليه فقتلوه وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة ولا يعجلوا بقتله

( قال ) : وأمير المؤمنين أبرأ الناس من دمه . وقد صرح بذلك في كثير من كلامه ، فمن ذلك قوله : والله ما قتلت عثمان ولا مالات على قتله . وقد صدق صلوات الله عليه . . إلى آخر ما قاله ابن أبي الحديد فليراجع .

قلت : وبالجملة فان احداث [ ذي النورين ] كلها أوجلها متواترة عنه . رواها المحدثون وأهل السير والأخبار بأسانيدهم متعددة الطرق المعتبرة ، وأرسلها الكثير منهم إرسال المسلمات فلتراجع ( 598 ) .

  ( 597 ) الغدير للأميني ج 9 /177 ، مروج الذهب ج 2 / 344 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 26 ، الإمامة والسياسة ص 33 - 37 ، تاريخ الطبري ج 5 / 119 ، الكامل في التاريخ ج 3 / 85 .
( 598 ) وان ممن أرسلها كمسلمات لاريب فيها الشهرستاني في كتابه الملل والنحل فليراجع الخلاف التاسع من الاختلافات التي أوردها في المقدمة الرابعة من المقدمات التي جعلها في أول كتابه المذكور ، وكم لذي النورين من أحداث غيرها نقمها عليه المسلمون كإحراقه المصاحف جمعا للناس على قراءة واحدة وإعطائه المقاتلة من مال الصدقة مع انهم ليسوا من الأصناف الثمانية التي حصر الله الصدقة بهم وقصرها عليهم في قوله عزوجل : " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ " ( الآية ) .
وكضربه عمار بن ياسر ذلك الضرب المبرح وعدم إقامته الحد على عبيد الله بن عمر إذ قتل الهرمزان وكتابه
=>
 
 

- ص 405 -

وحسبك ما في الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكره فيها فقال : إلى ان قام ثالث القوم نافجا حضنيه بيه نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته ( 1 ) . . إلى آخر كلامه وانه عليه السلام لمن لا يأثم فيمن يحب ولا يحيف على من يكره ، يشهد له بذلك عدوه ووليه .

  => إلى أهل مصر بقتل محمد بن أبى بكر وجماعة من المؤمنين معه ( منه قدس ) . ولأجل المزيد من الاطلاع : راجع : الغدير للأميني ج 8 و 9 ط بيروت .
( 1 ) قال ابن أبى الحديد في تعليقه على هذا الكلام من شرحه لنهج البلاغة : هذا من ممض الذم وأشد من قول الخطيئة الذي قيل أنه أهجى بيت قالته العرب :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فانك أنت الطاعم الكاسي - ( منه قدس )

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب