النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 450 : -

وقد كانت القتلى يوم الجمل الأكبر ثلاثة عشر ألفا من أبناء عائشة فيهم طلحة والزبير بكل أسف ، واستشهد يومئذ من أولياء علي اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - ألف أو دونه أو أكثر منه ( 678 ) .

هذا وقد كانت أم المؤمنين من أعلم الناس بأن عليا أخو رسول الله ووليه ووارثه ووصيه ( 679 ) وانه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ( 680 ) وانه

 

( 678 ) ولأجل المزيد من الاطلاع حول هذه الواقعة راجع : أحاديث أم المؤمنين عائشة ق 1 / 121 - 200 ، الجمل للشيخ المفيد ط الحيدرية ، مروج الذهب ج 2 / 359 - 360 ، أسد الغابة ج 2 / 114 و 178 وج 1 / 385 وج 4 / 46 و 100 وج 5 / 143 و 146 و 286 ، الإصابة ج 1 / 248 وج 2 / 395 ، تاريخ الطبري ج 5 / 163 ، الكامل لابن الأثير ج 3 / 105 ، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 / 149 .

( 679 ) كما تقدم تحت رقم ( 551 و 552 و 553 و 554 ) .
( 680 ) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 / 157 ح 219 و 220 و 221 و 222 و 227 و 232 و 238 و 240 و 242 و 243 و 244 و 245 و 246 و 247 و 248 و 252 و 253 و 254 و 255 و 260 و 262 و 263 و 264 و 270 و 271 و 273 و 275 و 276 و 278 و 279 و 289 و 290 ط 1 ، المستدرك للحاكم ج 3 / 38 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 45 ، فرائد السمطين ج 1 / 253 ، مصنف ابن أبى شيبة ج 6 / 154 ، مجمع الزوائد ج 9 / 123 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 3 / 36 ، تاريخ بغداد ج 8 / 5 ، إحقاق الحق ج 5 / 400 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 93 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 181 ح 217 و 221 ط 1 ، السنن الكبرى للبيهقي ج 9 / 106 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 55 و 56 ، ينابيع المودة للقندوزي ص 48 ط اسلامبول ، صحيح مسلم في باب مناقب علي بن أبي طالب ج 7 / 121 ط العامرة بمصر ، حلية الأولياء ج 1 / 62 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 110 ط دار صادر ، السيرة النبوية لابن هشام ، البداية والنهاية ج 4 / 186 وج 7 / 336 ، صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب ج 5 / 23 ، الكامل في التاريخ ج 2 / 149 ، أسد الغابة ج 4 / 21 ، تذكرة الخواص ص 25 ، التاريخ الكبير للبخاري ج 4 / 262 ، نزل الأبرار ص 43 . راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رق
م ( 474 ) .

 
 

- ص 451 -

منه بمنزلة هارون من موسى إلا في النبوة ( 681 ) وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " ( 682 ) ، " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار " ( 683 ) .

  ( 681 ) حديث المنزلة : من الأحاديث المتواترة ولأجل الاطلاع على مصادره راجع كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 117 تحت رقم ( 475 ) ففيه الكفاية .
( 682 ) حديث المولاة : ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 13 ح 508 و 513 و 514 و 523 و 544 و 562 و 569 ، كفاية الطالب ص 63 ط الحيدرية وص 17 ط الغرى ، كنز العمال ج 6 / 403 ط 1 وج 15 / 115 ح 332 و 402 ط 2 ، شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 / 157 ح 211 وص 192 ح 250 ، مجمع الزوائد ج 9 / 105 ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 151 ط السعيدية وص 137 ط العثمانية ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 96 ط الحيدرية وص 26 و 27 ط مصر ، الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 163 ط بيروت وبهامش الفصل لابن حزم ج 1 / 220 ، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 1 / 209 و 289 ط 1 وج 2 / 289 وج 3 / 208 بتحقيق أبو الفضل ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 32 ط الميمنية ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 112 ، نظم درر السمطين للزرندي ص 112 ، المناقب للخوارزمي ص 80 و 94 و 130 ، ينابيع المودة للقندوزي ص 289 ط اسلامبول وص 297 ط الحيدرية ، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 69 ح 36 و 39 و 40 ، نزل الأبرار للبدخشاني ص 51 - 54 ، وراجع بقية مصادر الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 182 .

( 683 ) حديث : " الحق مع علي " . صحيح الترمذي ج 5 / 297 ح 3798 ، المستدرك للحاكم ج 3 / 124 ، المناقب للخوارزمي ص 56 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 3 / 117 ح 1159 و 1160 ، غاية المرام ص 539 ( باب ) 45 ، شرح النهج لابن أبى الحديد ج 2 / 572 ط 1 وج 10 / 270 بتحقيق أبو الفضل ، منتخب كنز العمال بهامش =>

 
 

- ص 452 -

وقد شهدت حجة الوداع مع رسول الله فرأته يوم الموقف يشيد بفضله آمرا أمته بالتمسك بثقليه تارة وبخصوص علي أخرى ، منذرا بضلال من لم يأخذ بهما معا ( 684 ) .

ويوم الغدير رأته صلى الله عليه وآله وقد رقى منبر الحدائج يعهد إلى علي عهده ، ويوليه على الأمة بعده ، بمسمع ومنظر من تلك الألوف المؤلفة قافلة من حجة الوداع ، حيث تفترق بهم الطرق إلى بلادهم ( 685 ) .

ورأته وقد نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين يقول لهم : " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " أخرجه كل من الإمامين أحمد في مسنده ( 1 ) والحاكم في صحيحه المستدرك ، والطبراني في الكبير ، ورواه الترمذي بسنده الصحيح إلى زيد بن أرقم ، كما في ترجمة الزهراء من الإصابة ( 686 ) .

  => مسند أحمد ج 5 / 62 ، الفتح الكبير للنبهاني ج 2 / 131 ، جامع الأصول لابن الأثير ج 9 / 420 ، إحقاق الحق للتستري ج 5 / 626 ، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 176 ح 138 ، الغدير ج 3 / 179 ، دلائل الصدق ج 2 / 302 ، المعيار والموازنة للاسكافي المعتزلي ص 35 و 119 ، نزل الأبرار للبدخشانى ص 56 ، راجع بقية المصادر في كتاب سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 170 ط بيروت .
( 684 ) تقدم حديث الثقلين مع مصادره تحت رقم ( 15 ) وسوف يأتي أيضا .
( 685 ) الغدير للأميني ج 1 / 9 ، فرائد السمطين للحمويني ج 1 / 73 ح 39 . ولأجل المزيد من الاطلاع على هذه الحادثة مع مصادرها راجع : سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 173 تحت رقم ( 615 و 616 و 617 و 618 و 619 و 620 و 621 و 622 ) ففيها مئات المصادر لهذه الواقعة المباركة . وسوف يأتي بعض منها .
( 1 ) راجع من المسند ص 442 من جزئه الثاني بالإسناد إلى أبى هريرة ( منه قدس ) .
( 686 ) صحيح الترمذي ج 5 / 360 ح 3962 ، سنن ابن ماجة ج 1 / 52 ح 145 ،
=>
 
 

- ص 453 -

ورأته صلى الله عليه وآله إذ جللهم بكسائه يقول حينئذ : " أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم " ( 687 ) إلى كثير من أمثال هذه النصوص الصحيحة التي لم يخف شئ منها على أم المؤمنين فانها عيبة الحديث حتى قيل عنها :

حفظت أربعين ألف حديث * ومن الذكر آية تنساها ( 688 )

وحسبها ما قد رواه أبوها أبو بكر إذ قال : رأيت رسول الله خيم

  => المستدرك للحاكم ج 3 / 149 ، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 64 ح 90 ط 1 ، أسد الغابة ج 3 / 11 وج 5 / 523 ذخائر العقبى ص 25 ، الصواعق المحرقة ص 112 ط الميمنية وص 185 ط المحمدية ، مجمع الزوائد ج 9 / 166 و 169 ، كفاية الطالب ص 330 و 331 ط الحيدرية وص 188 و 189 ط الغرى ، ينابيع المودة للقندوزي ص 35 و 165 و 172 و 194 و 230 و 261 و 294 و 309 و 370 ط اسلامبول ، شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 / 27 ، المناقب للخوارزمي ص 91 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 61 و 99 ، المعجم الصغير للطبراني ج 2 / 3 ، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 271 ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 92 ، إحقاق الحق ج 9 / 161 - 174 ، نزل الأبرار ص 35 و 105 ، فرائد السمطين للحمويني ج 2 / 39 ، سمط النجوم ج 2 / 488 . وقد تقدم مع مصادر أخرى تحت رقم ( 126 ) .

( 687 ) نقل ابن حجر الهيثمي في تفسير الآية من آيات فضلهم التي وردت في الفصل الحادي عشر من صواعقه ، وقد استفاض قوله صلى الله عليه وآله حرب علي حربي وسلمه سلمى ( منه قدس ) . الصواعق لابن حجر ص 142 و 185 ط المحمدية و 85 و 112 ط الميمنية ، الإصابة ج 4 / 378 ، ينابيع المودة ص 229 و 294 و 309 ط اسلامبول ، نظم درر السمطين ص 232 و 239 ، مصابيح السنة للبغوي ج 2 / 280 ، مشكاة المصابيح ج 3 / 258 ، ذخائر العقبى ص 23 ، الرياض النضرة ج 2 / 249 ، وقد تقدم تحت رقم ( 128 ) .
( 688 ) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري راجع الأزرية ص
. ( * ) 

 
 

- ص 454 -

خيمة ( 1 ) وهو متكئ على قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال صلى الله عليه وآله : " معشر الناس أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد . ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد " ( 689 ) .

فهل يا ترى كانت أم المؤمنين في هذا الخروج وما إليه تريد الله ورسوله والدار الآخرة ، وأنها من المحسنات ؟ تبتغي بذلك الأجر والثواب الذي وعد الله به نساء نبيه إذ يقول : ( وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) ( 690 ) .

أم كانت ترى أن بينها وبين الله هوادة ، تبيح لها ما قد حرمه الله على العالمين ؟ فارتكبت بخروجها - على الإمام - ما أرتكبت آمنة من وعيده إذ يقول : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ

  ( 1 ) لعل هذه الخيمة هي الكساء الذي جللهم به حين أوحى إليه فيهم : "  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " . وقد فصلنا ذلك في الفصل الثاني من المطلب الأول من كلمتنا الغراء في تفضيل الزهراء ، فليراجعها من أراد الشفاء من كل داء ( منه قدس ) .
( 689 ) تجد هذا الحديث منقولا عن أبى بكر الصديق في كتاب عبقرية محمد للأستاذ الكبير عباس محمود العقاد بعين لفظه تحت عنوان - النبي والإمام والصحابة - فراجع ( منه قدس ) .
وأيضا في : فرائد السمطين للحمويني ج 2 / 40 ح 373 ، المناقب للخوارزمي ص 211 ، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 4 ، سمط النجوم ج 2 / 488 راجع بقية المصادر فيما تقدم تحت رقم ( 128 ) .
( 690 ) سورة الأحزاب :
29 ( * ) .
 
 

- ص 455 -

وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) ( 691 ) .

أم أنها يا ترى رأت خروجها ذلك الخروج ، عبادة لله وقنوتا منها له ولرسوله وعملا صالحا ؟ فاستأثرت به عملا بقوله تعالى : ( وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) ( 692 ) !

أم أنها أرادت أن تمثل التقوى والورع بخروجها دون صواحبها من نساء النبي صلى الله عليه وآله لتستأثر من بينهن بالعمل بقوله تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) ( 693 ) .

وهل رأت بيت ابن ضبة بيتها الذي أمرها الله أن تقرأ فيه ؟ ورأت قيادتها لتلك الجيوش سرداقا ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية الأولى ؟ ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله ؟ ( 694 ) .

ورأت أنها تكون بذلك كله نصب أمر الله ونهيه إذ يقول عزوجل : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ( 695 ) .

وماذا تقول ؟ أو يقول أولياؤها ؟ في خطاب الله لها ولصاحبتها بقوله : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ( 1 ) وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ

  ( 691 ) سورة الأحزاب : 30 . ( 692 ) سورة الأحزاب : 31 .
( 693 ) سورة الأحزاب : 32 .
( 694 ) إشارة إلى البيت الذي استقرت فيه في البصرة . راجع : شرح ابن أبى الحديد .
( 695 ) سورة الأحزاب : 33 .
( 1 ) ثبت بهذه الآية صدور الذنب منهما ، ووجوب التوبة عليهما ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 

- ص 456 -

وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ( 1 ) * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) ( 696 ) .

وحسبهما من الله تعالى حجة عليهما ، مثله العظيم ، الذي ضربه لهما في سورة التحريم ، أعني قوله عز من قائل : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ( 697 ) .

ولله قول من يقول من أبطال أهل البيت علما وعملا :

عائش ما نقول في قتالك * سلكت في مسالك المهالك
وحسبك ما أخرج البخاري * من الصحيح مومئا للدار
( 2 )

  ( 1 ) هذه هي الغاية في الاستعداد لمكافحتهما في نصرته والدفاع عنه صلى الله عليه وآله بحيث لو تظاهر عليه أهل الأرض في الطول والعرض ، ما أعد لمكافحتهم أكثر من هذه القوة كما لا يخفى ( منه قدس ) .
( 696 ) سورة التحريم : 4 و 5 . راجع ما تقدم من مصادر تحت رقم ( 620 ) .
( 697 ) سورة التحريم : 9 و 10 . راجع : تفسير القرطبي ج 18 / 202 ، فتح القدير للشوكاني ج 5 / 255 .
( 2 ) يشير في هذا البيت إلى ما أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير ص 125 من الجزء الثاني من صحيحه عن عبدالله قال : قام النبي صلى الله عليه وآله فأشار إلى مسكن عائشة فقال : ههنا الفتنة ههنا الفتنة حيث يطلع قرن الشيطان ، ولفظه عند مسلم : خرج رسول الله ( ص ) من بيت عائشة فقال رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان . فراجعه في كتاب الفتن واشراط الساعة ص 503 من الجزء الثاني من صحيحه ( منه قدس ) ( * ) .
 
 

- ص 457 -

قد قيل تبت وعلي غمضا * " فلم سجدت الشكر لما قبضا " ( 1 )
ولم ركبت البغل في يوم الحسن * تؤججين نار هاتيك الفتن
( 698 )

 

( 1 ) اشارة إلى ما كان من أم المؤمنين ، حين بلغها نعى على عليه السلام من أنها سجدت لله شكرا ثم رفعت رأسها قائلة :

فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم سألت : من قتله ؟ . فقيل لها : رجل من مراد . فقالت :

فان يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب

فأنكرت عليها زينب بنت أم سلمة قائلة لها ، العلى تقولين هذا يا عائش ؟ ! . فأجابت عائش : أنى نسيت ، فإذا نسيت فذكروني ! ! ( منه قدس ) .

( 698 ) كان الإمام أبو محمد الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة ، أنذر الهاشميين قبل وفاته بفتنة يخشاها من بني أمية إذا أراد الهاشميون دفنه عند جده رسول الله ( ص ) ، وعهد إلى أخيه سيد الشهداء أن يتدارك الشر إذا هبت عواصفه ، بدفنه في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد ، وأقسم عليه أن لا يريق في سبيله مل‌ء محجمة من دم . فلما قضى ( بأبي وأمي ) نحبه ، أراد الهاشميون أن يجددوا به العهد بجده رسول الله ، أو أنهم أرادوا أن يدفنوه عنده إذا أمنوا الفتنة ، فقامت قيامة بني أمية ، وأعدوا للحرب عدتها متجهزين بجهازها ، وعلى رأسهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص ، وكان مروان ينادى يا رب هيجاء هي خير من دعة ، أيدفن أمير المؤمنين ( عثمان ) في أقصى المدينة ، ويدفن الحسن مع رسول الله . وجاؤا بعائشة وهي على بغل ، تذودهم عن بيتها قائلة : لا تدخلوه بيتي .

ففي ترجمة الحسن من كتاب ( مقاتل الطالبيين ) لأبي الفرج الاصفهانى المروانى عن على بن طاهر بن زيد يقول : لما أرادوا دفنه ، أي الحسن ، ركبت عائشة بغلا واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل : يوما على بغل ، ويوما على جمل . وذكر المسعودي ركوب عائشة البغلة الشهباء ، ليومها الثاني من أهل البيت قال : فأتاها القاسم بن محمد بن أبى بكر فقال : يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر أتريدين أن يقال : يوم البغلة الشهباء . أه‍ . وفى ذلك يقول القائل : =>

 
 

- ص 458 -

. . . . . . .

 

=> تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت * لك التسع من الثمن وفى الكل تصرفت -

ولنا هنا أن نبحث عن الوجه في كون بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيتها تدخل فيه من تحب ، وتنرود عنه من لا تحب ؟ شأن المالك يتصرف في ملكه المطلق كيف يشاء ، فهل يا ترى ملكها رسول الله صلى الله عليه وآله بيته ببيع أو هبة أو نحوهما ؟ كلا . وما أظن ان أحدا قال ذلك أو توهمه .

نعم أسكنها في حجرة من حجرات داره ، كما أسكن غيرها من نسائه في حجرات اخر ، وكما يسكن كل رجل زوجته في بيته قياما بواجب المرأة على زوجها فان اسكانها من نفقاتها الواجبة لها عليه اجماعا وقولا واحدا . والمرأة انما تسكن في بيت زوجها . فيدها على مسكنها ليست من امارات الملك في شئ ، لان المتصرف في مسكنها في الحقيقة ، انما هو الرجل ، حيث انه هو الذى أسكنها فيه وحيث انه كان يساكنها في نفس البيت ، ولو في يومها وليلتها في أقل الفروض .

على انه لو سلمنا ان يد عائشة على حجرتها ، امارة تملكها ، فلم لم تكن يد الزهراء على فدك امارة على تملكها ؟ ! وشتان بين هاتين اليدين ، فان يد البنت على شئ من أملاك أبيها تتصرف فيه على عهده بمنظر منه ومسمع ، لمن امارات الملك بلا كلام ، ولاسيما إذا كانت نازحة على بيت أبيها إلى بيت زوجها . بخلاف يد الزوجة على حجرة من حجرات دار زوجها ، ونحن نحكم العرف البشرى في هذه الفرق بين هاتين اليدين .

ولعل الخليفة يومئذ وهو أبوها ، ملكها بيت رسول الله بعد وفاته صلى الله عليه وآله بولايته العامة ، وهذا ليس بالبعيد ، لكنا كنا نأمل منه ، أن يعامل بنت رسول الله فيما كان في يدها ، معاملة بنته ، ولو فعل لكان ذلك أقرب إلى اجتماع الكلمة ، ولم شعث الأمة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ( منه قدس ) . هذه الأبيات . ( * ) 

 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب