النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 459 : -

[ الفصل الخامس ]
[ تأول خالد بن الوليد ]
[ المورد - ( 86 ) - : ذلك ما فعله خالد بن الوليد يوم فتح مكة  ]

وقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ عن القتل والقتال ، كما نص عليه أهل السير والأخبار ، ورواه أثبات المحدثين بأسانيدهم الصحيحة ، وقال صلى الله عليه وآله له يومئذ وللزبير : " لا تقاتلا إلا من قاتلكما " .

ولكن خالدا قاتل مع ذلك وقتل نيفا وعشرين رجلا من قريش وأربعة نفر من هذيل فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله مكة ، فرأى امرأة مقتولة ، فسأل حنظلة الكاتب : من قتلها ؟ : قال : خالد بن الوليد . فأمره أن يدرك خالدا فينهاه أن يقتل امرأة أو وليدا ، أو عسيفا - أي أجيرا - ( 699 ) إلى آخر ما تجده من هذه القضية في " عبقرية عمر " للأستاذ العقاد ص 266 .

  ( 699 ) هذه الحادثة رواها ابن هشام في غزوة حنين في السيرة النبوية ج 14 100 ولعلها قد تكررت من خالد . ( * )   
 

- ص 460 -

 [ المورد - ( 87 ) - بطشته الجاهلية في بني جذيمة : ]

وقد أرسله صلى الله عليه وآله إليهم ، داعيا لهم إلى الإسلام ( 1 ) ، ولم يبعثه مقاتلا ، وكان بنو جذيمة قتلوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة . فلما جاءهم بمن معه قال لهم : ضعوا أسلحتكم فان الناس قد أسلموا . فوضعوا أسلحتهم ، وأمر بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم مقتلة عظيمة ( 2 ) فلما انتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه وآله رفع يديه إلى السماء فقال - كما في باب بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كتاب المغازي من صحيح البخاري ( 3 ) - : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد . مرتين " ( 700 ) .

ثم أرسل عليا - كما في تاريخي ابن جرير وابن الأثير وغيرهما - ومعه مال وأمره أن ينظر في أمرهم ، فودى لهم الدماء والأموال حتى انه ليدي

  ( 1 ) في ثلثمائة من المهاجرين والأنصار ، وكان ذلك في شوال بعد فتح مكة وقبل وقعة حنين ( منه قدس ) .
( 2 ) لم يقتصر خالد هنا على مخالفة النص الصريح في عهد النبي إليه في بني جذيمة ، بل كان في بطشته هذه بهم خارجا على عدة قواعد للإسلام الأساسية ، كهدر دماء الجاهلية ، وككون الإسلام يجب ما قبله .
وكقوله عز من قائل في محكم فرقانه العظيم ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ) وقد أسرف هذا الرجل في القتل على ان عمه كان مهدور الدم لا قيمة له ، وعلى أنه لا ولاية له على عمه ، ففعله هذا مع كونه مرسلا من قبل رسول الله ، من أفحش المنكرات التي لا تنسى إلى يوم القيامة ولا تقل عن منكراته يوم البطاح ( منه قدس ) .
( 3 ) ص 48 من جزئه الثالث حيث أخرج البخاري حديث خالد مع بني جذيمة وقتله إياهم ، وأخرجه أيضا الإمام أحمد من حديث عبدالله بن عمر في مسنده ( منه قدس ) .
( 700 ) الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 153 ، الغدير للأميني ج 7 / 168 و
169 ( * ) .
 
 

- ص 461 -

ميلغة الكلب وبقى معه من المال فضلة فقال لهم : هل بقي لكم مال أو دم لم يؤد ؟ قالوا لا . قال : فاني أعطيكم هذه البقية احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وآله ففعل ثم رجع فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فقال : أصبت وأحسنت - هذا ما نقله المؤرخون ومترجموا خالد - حتى قال ابن عبد البر بعد ان ان ذكر هذا الخبر عنه في ترجمته من الاستيعاب ما هذا لفظه : وخبره في ذلك من صحيح الأثر . آه . ( 701 ) .

وأورد هذه القضية من أساتذة أهل الفضل وحفظة الآثار عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية " عمر " فقال : بعث رسول الله خالدا إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام ، ولم يبعثه للقتال ، وأمره ألا يقاتل أحدا ان رأى مسجدا أو سمع أذانا . ثم وضع بنو جذيمة السلاح بعد جدال بينهم واستسلموا . فأمر بهم خالد فكتفوا ، ثم عرضهم السيف فقتل منهم ، وأفلت من القوم غلام يقال له السميدع حتى اقتحم على رسول الله وأخبره وشكاه إليه ، فسأله رسول الله هل أنكر عليه أحد ما صنع . قال نعم رجل أصفر ربعة ، ورجل أحمر طويل . .

وكان عمر حاضرا فقال : أنا والله يا رسول الله أعرفهما أما الأول : فهو ابني . وأما الثاني : فهو سالم مولى أبي حذيفة . وظهر بعد ذلك ان خالدا أمر كل من أسر أسيرا أن يضرب عنقه . فأطلق عبدالله بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة أسيرين كانا معهما . . فرفع رسول الله يديه حين علم ذلك وقال : " اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد " . . ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام وأمره أن يقصد إلى القوم ومعه ابل وورق ، فودى لهم الدماء وعوضهم من الأموال ( 702 ) .

  ( 701 ) تاريخ الطبري ج 3 / 122 ، الكامل لابن الأثير ج 2 / 173 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 153 ، الغدير للأميني ج 7 / 169 ، دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 33 و 34 .
( 702 ) راجع قضية بني جذيمة في كل من
=>
 
 

- ص 462 -

قلت ولم يقتل صلى الله عليه وآله بقتلاهم أحدا ، إذ كان القاتلون لهم من المسلمين ، والمقتولون لم يقولوا : أسلمنا . وانما قالوا : صبأنا . وهي ليست صريحة في إسلام ، ولا يقتل مسلم بكافر . وقد ارتكب خالد يوم البطاح من مالك بن نويرة وقومه ما قد أتينا على كثير منه في الفصل الأول من هذا الكتاب ص 61 ، فليراجع بامعان وتحرر ( 703 ) ليعلم من المسؤول عن تلك الفظائع والفجائع ، وكيف ذهبت أموال المسلمين ودماؤهم وأعراضهم سدى ، وفيم تعطلت حدود الله وانتهكت حرماته .

وبم هدأت ثورة الثائرين على خالد ، وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب وبم كان خالد في السقوط عن درجة الاعتبار لدى الخليفة الثاني بمثابة أوجبت عليه المبادرة إلى عزله فعزله فورا وبعث بعزله وبنعي أبي بكر إلى الشام مع بريد واحد ، كما صرح به ابن الأثير وغيره ( 704 ) .

  => الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 153 ، الإصابة ج 1 / 318 و 227 وج 2 / 81 ، السيرة النبوية لابن هشام ج 4 / 53 ، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 / 147 ، تاريخ أبى الفداء ج 1 / 145 ، أسد الغابة ج 3 / 102 ، الغدير ج 7 / 168 - 169 ، صحيح البخاري ك المغازي باب بعث خالد إلى بني جذيمة ، دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 34 .
( 703 ) راجع في جرائم خالد بن الوليد : الغدير للأميني ج 7 / 158 - 169 ، وما تقدم تحت رقم ( 171 ) وما بعده .
( 704 ) الكامل لابن الأثير ج 2 /
293 ( * ) .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب