النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 463 : -

[ الفصل السادس ]
[ في بعض ما كان من معاوية ]
[ المورد - ( 88 ) - : إلحاق معاوية لزياد بأبي سفيان ]

وذلك أنه انما ألحقه بأبيه أبي سفيان بدعوى أنه عاهر في الجاهلية سمية وهي على فراش عبيد فحملت بزياد ، مستندا في ذلك إلى شهادة أبي مريم ، المتجر بالخمر والقيادة - كما في المختصر لابن الشحنة - ( 705 )

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ( 706 ) وقال صلى الله عليه وآله من

  ( 705 ) الكامل لابن الأثير ج 3 / 220 ، الغدير للأميني ج 10 / 223 ، الفصول المهمة لشرف الدين ص 115 ، العقد الفريد ج 3 / 2 ، تاريخ ابن عساكر ج 5 / 409 . وراجع أيضا في استلحاق معاوية زيادا : دلائل الصدق ج 3 ق 1 ص 217 .
( 706 ) هذا الحديث مشهور بل متواتر فقد رواه أصحاب الصحاح الستة وغيرهم عن أبى هريرة : صحيح البخاري ك الفرائض ج 2 / 199 ، صحيح مسلم ك الرضاع ج 1 / 471 ، صحيح الترمذي ج 1 / 150 وج 2 / 34 ، سنن النسائي ج 2 / 110 ، سنن أبي داود ج 1 / 310 ، سنن البيهقي ج 7 / 402 و
412
 
 

- ص 464 -

حديث ( 1 ) : " . . ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

وحسبنا قوله عز من قائل : ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ) ( 707 ) .

وكان فعل معاوية هذا أول عمل جاهلي عمل به في الإسلام علانية ، فأنكر عليه كافة الناس فلم يرعوا ولم يبال بذلك ، وكان يغضب إذا لم يدع زياد إلى أبيه ، فأنكر عليه بعض معاصر به فقال :

أتغضب أن يقال أبوك عف * وترضى أن يقال أبوك زان ( 708 )
 

[ المورد - ( 89 ) - عهده بالخلافة إلى ابنه يزيد : ]

عهد بها إليه وانه للصبي الجاهل ، يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، والقردة ، ولا يعرف من الدين موطئ قدمه ، مسرف في لهوه كل الإسراف ، وأبوه يعرف ليله ونهاره ، وإعلانه وإسراره ( 709 ) ويعرف منزلة الحسين عليه السلام من الله

  => وعن عائشة : رواه الحفاظ إلا الترمذي كما في نصب الراية ج 3 / 236 . وعن عمر وعثمان : في سنن البيهقي ج 7 / 412 . وراجع أيضا : مسند أحمد ج 1 / 104 وج 2 / 409 وج 5 / 326 . الغدير للأميني ج 10 / 216 ، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 / 52 ح 551 ، الفصول المهمة لشرف الدين ص 115 .
( 1 ) أخرجه البخاري في باب النجش من كتاب البيوع ص 12 من الجزء الثاني من صحيحه ( منه قدس ) .
( 707 ) سورة الأحزاب : 5 .
( 708 ) يروى هذا البيت لزياد ( يزيد ) بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر الشهير وقيل لعبد الرحمن بن الحكم . راجع الغدير للأميني ج 10 / 220 - 221 .
( 709 ) مقتل الحسين للمقرم ص 12 و 13 - 16 ، الفصول المهمة لشرف الدين ص 116 ، نيل الاوطار ج 7 / 147 ، روح المعاني للالوسي ج 6 / 73 تفسير آي
ة =>
 
 

- ص 465 -

ومكانته من رسول الله [ ص ] ومحله في نفوس المؤمنين ( 710 ) .

على أنه كان يومئذ في المهاجرين والأنصار - وبقية البدريين وأهل بيعة الرضوان - ( 711 ) جم غفير ، وعدة وافرة كلهم قارئ للقرآن ، عالم بمواقع الأحكام ، خبير بالسياسة ، حقيق ( على رأي الجمهور ) بالخلافة والرآسة ، فلم يراع سابقتهم في الإسلام ولا عناءهم في تأييد الدين ، وأمر عليهم شريره المتهتك وسكيره المفضوح ، فكان منه في طف كربلاء مع خامس أصحاب الكساء ، وسيد شباب أهل الجنة ما أثكل النبيين وأبكى الصخر الأصم دما ، ورمى المدينة الطيبة بمجرم بن عقبة ، - بعهد إليه في ذلك من أبيه ( 712 ) -

  => فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ ، النجوم الزاهرة ج 1 / 163 ، الإمامة والسياسة ج 1 / 153 و 155 الغدير ج 3 / 260 : تاريخ الطبري ج 11 / 358 ط قديم ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 163 .

( 710 ) ويكفى في فضله ما تقدم من نزول آية التطهير والمودة وسورة هل أتى وآية المباهلة وحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرها فيه وفى أبيه وأمه وأخيه راجع ما تقدم من مصادر تحت رقم ( 105 و 106 و 107 و 108 و 109 و 113 و 15 و 16 و 17 ) .

( 711 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 116 ، الغدير ج 3 / 255 .
( 712 ) كما نص عليه الإمام ابن جرير الطبري في الصفحة الأخيرة من حوادث سنة 63 من أوائل الجزء 7 على تاريخه ، وابن عبد ربه المالكي حيث ذكر وقعة الحرة في الجزء الثاني من عقده الفريد ، ولم يبال يزيد ولا أبوه بقول رسول الله صلى الله عليه وآله : من أخاف المدينة أخافه الله عزوجل وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أخرجه الإمام أحمد من حديث السائب بن خلاد بطريقين إليه في ص 96 من الجزء 4 من مسنده ( منه قدس ) .

ضرب الكعبة الكعبة بالمنجيليق وحرقها : راجع : الفصول المهمة لشرف الدين ص 116 ، مقتل الحسين للمقرم ص 11 ، رسائل الجاحظ ص 298 ، الرسالة الحادية عشر في بني أمية ، سير أعلام النبلاء =>

 
 

- ص 466 -

فكانت أمور تكاد السماوات يتفطرن منها ، وحسبك أنهم أباحوا المدينة الطيبة ثلاثة أيام ، حتى افتض فيها ألف عذراء ( 1 ) من بنات المهاجرين والأنصار ، وقتل يومئذ من المهاجرين والأنصار وأبنائهم وسائر المسلمين عشرة آلاف وسبعمائة وثمانون رجلا ، ولم يبق بعدها بدري ( 2 ) وقتل من النساء والصبيان عدد كثير ، وكان الجندي يأخذ برجل الرضيع فيجذبه من أمه ويضرب به الحائط حتى ينثر دماغه على الأرض وأمه تنظر إليه ( 713 )

ثم أمروا بالبيعة ليزيد على أنهم حول وعبيد ، ان شاء استرق وان شاء أعتق ، فبايعوه على ذلك

  => للذهبي ، وفاء الوفاء ج 1 / 127 وص 137 . وأما الأحاديث في حرمة المدينة ولعنة صلى الله عليه وآله من أخاف أهل المدينة وغير ذلك فراجعها في : الغدير للأميني ج 11 / 34 - 36 ، وفاء الوفاء ج 1 / 43 - 47 .

( 1 ) كما نص عليه السيوطي في تاريخ الخلفاء وعلمه جميع الناس حتى قال ابن الطقطقى في ص 107 من تاريخه المعروف بالفخري ما هذا نصه : فقيل أن الرجل من أهل المدينة بعد ذلك كان إذا زوج ابنته لا يضمن بكارتها ، ويقول لعلها افتضت في وقعة الحرة . أه‍ وقال الشبراوي في ص 66 من كتابه ( الإتحاف ) وافتض فيها نحو ألف بكر وحمل فيها من النساء اللاتي لا أزواج لهن نحو من ألف امرأة .
( قلت ) وقال ابن خلكان حيث ذكر وقعة الحرة في ترجمة يزيد بن القعقاع القارئ المدني من وفياته ما هذا لفظه : كان يزيد بن معاوية في مدة ولايته قد سير إلى المدينة جيشا مقدمه مسلم بن عقبة المرى فنهبها وأخرج أهلها إلى هذه الحرة فكانت الوقعة فيها ، وجرى فيها ما يطول شرحه وهو مسطور في التواريخ ، حتى قيل أن بعد وقعة الحرة ولدت أكثر من ألف بكر من أهل المدينة بسبب ما جرى فيها من الفجور ( منه قدس ) .

( 2 ) نص على ذلك ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة وغير واحد من أهل الأخبار ( منه قدس ) .
( 713 ) راجع ص 200 من كتاب الإمامة والسياسة للإمام ابن قتيبة الدينوري ( منه قد
س ) =>

 
 

- ص 467 -

وأموالهم مسلوبه ، ورحالهم منهوبة ، ودماؤهم مسفوكة ، ونساؤهم مهتوكة ، وبعث مجرم بن عقبة برؤس أهل المدينة إلى يزيد . فلما ألقيت بين يديه تمثل بقول القائل : ليت أشياخي ببدر شهدوا الأبيات ( 714 ) .

ثم توجه مجرم لقتال ابن الزبير ( وهو إذ ذاك في مكة ) وقد بويع بالخلافة فهلك المجرم في الطريق ، وتأمر بعده الحصين بن نمير بعهد من يزيد ، فأقبل بجيشه حتى نزل على مكة المكرمة ونصب عليها العرادات والمجانيق ، وفرض

  => وقعة الحرة : قتل فيها من حملة القرآن سبعمائة نفس وقتل من وجوه قريش سبعمائة سوى من قتل من الأنصار . وممن قتل من الصحابة صبرا عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة وقتل معه ثمانية من بنيه وقتل أيضا معقل بن سنان الاشجعي وعبد الله بن زيد ، والفضل بن العباس بن ربيعة ، واسماعيل بن خالد ، ويحيى بن نافع ، وعبد الله بن عتبة ، والمغيرة بن عبدالله ، وعياض ابن حمير ، ومحمد بن عمرو بن حزم ، وعبد الله بن أبى عمرو ، وعبيد الله وسليمان ابنا عاصم ، ونجا الله أبا سعيد وجابرا وسهل بن سعد . راجع : الغدير ج 10 / 35 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 / 42 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 258 ، تاريخ ابن كثير ج 2 / 221 ، الإصابة ج 3 / 473 . وقال السمهودي : وقتل من سائر الناس أكثر من عشرة آلاف . وذكر جرائم أخرى في هذه الواقعة ج 1 / 125 - 137 ط 3 بيروت .

( 714 ) مقتل الحسين للمقرم ص 461 ، اللهوف في قتل الطفوف لابن طاووس ص 102 ، الفصول المهمة لشرف الدين ص 117 ، روح المعاني للالوسي ج 6 / 73 في تفسير آية : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ ) ، الغدير للأميني ج 3 / 260 ، تاريخ الطبري ج 11 / 358 ط قديم . وذكر السمهودي بايعوا على انهم خول ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم بما شاء. وفاء الوفاء ج1 / 131 ( * )

 
 

- ص 468 -

على أصحابه عشرة آلاف صخرة في يوم يرمونها بها ، فحاصروهم بقية المحرم وصفر وشهري ربيع يغدون على القتال ويروحون حتى جاءهم موت طاغيتهم يزيد ، وكانت المجانيق أصابت البيت الحرام فهدمته مع الحريق الذي أصابه ( 715 ) .

وفظائع يزيد من أول عمره إلى انتهاء أمره أكثر من أن تحويها الدفاتر ، أو تحصيها الأقلام والمحابر ، وقد شوهت وجه التاريخ ، وسودت صحائف السير ، وكان أبوه معاوية يرى كلابه وقروده ، وصقوره وفهوده ، ويطلع على خموره وفجوره ، ويشاهد الفظائع من أموره ، ويعاين لعبه مع الغواني ويعرف لؤمه وخبثه بكل المعاني .

ويعلم أنه ممن لا يؤتمن على نقير ، ولا يولى أمر قطمير ، فكيف رفعه والحال هذه إلى أوج الخلافة عن رسول الله ؟ ! وأحله عرش الملك وإمامة المسلمين ؟ ! وملكه رقاب الأمة ؟ ! فغشها بذلك ( 716 )

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ( فيما أخرجه البخاري من الورقة الأولى من كتاب الأحكام ص 155 من الجزء 4 من صحيحه ) : " ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة " ( 1 )
وقال صلى الله عليه وآله ( فيما أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي بكر في الصفحة السادسة من الجزء

  ( 715 ) شهداء الفضيلة للأميني ص 191 ، مقتل الحسين للمقرم ص 8 و 12 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، الفصول المهمة لشرف الدين ص 118 ، روح المعاني للآلوسي ج 6 / 73 تفسير آية ، ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ ) رسائل الجاحظ ص 298 ، الرسالة الحادي عشر في بني أمية .
( 716 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 118 ، الغدير ج 3 / 260 .
( 1 ) وأخرجه مسلم في باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته ص 67 من ج 1 من صحيحه ( منه قد
س ) ( * ) .
 
 

- ص 469 -

الأول من مسنده ) : " من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله ، لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم " .

وقال صلى الله عليه وآله ( فيما أخرجه البخاري في الورقة الانفة الذكر من صحيحه ) : " ما من عبد استرعاه الله رعيته فلم يحطها بنصيحة الا لم يجد رائحة الجنة " .

 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب