النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 469 : -

[ المورد - ( 90 ) - : عيثه في اليمن ]

وذلك ان معاوية بعث بسر بن ارطاة إلى اليمن سنة أربعين ليعيث فيها ، وكان الوالي عليها يومئذ من قبل أمير المؤمنين ابن عمه عبيد الله بن العباس وأهلها كانوا من أولياء أمير المؤمنين والمخلصين لله تعالى في ولايته . فسامهم بسر سوء العذاب ! يذبح أبناءهم ! ويستحيي نساءهم ! ! على سنة من فرعون ، وعهد إليه بذلك من معاوية .

وحسبك ما أجمع أهل الأخبار على نقله ، فراجع ما شئت من كتبهم مما يشتمل على أحداث تلك السنة ، لتعلم فظاعة هذه الواقعة ، من قبل الشيوخ الركع ، وذبح الأطفال الرضع ، ونهب الأموال ، وسبي العيال ( 717 ) .

وما ينسى فلن ينسى ما فعله بنساء همدان ( بإخلاصهن لله في ولاية آل محمد ) إذ سباهن فأقامهن ، ( كما في ترجمة بسر من الاستيعاب ) في السوق وكشف عن سوقهن ! ! فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها ! ! 

  ( 717 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 122 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 / 453 - 457 ، تاريخ الطبري ج 5 / 140 ، الكامل لابن الأثير ج 3 / 383 ، الغدير ج 11 / 16 و 20 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 65 و 66 ، وفاء الوفاء ج 1 / 31 ، البداية والنهاية ج 7 / 319 - 322 ، تاريخ ابن عساكر ج 3 / 222 و 459 ( * ) .  
 

- ص 470 -

قال ابن عبد البر في الاستيعاب : كن أول مسلمات سبين في الإسلام ( 718 ) .

وما أدري أهذه أفظع وأفجع وأوجع ، أم فعله بطفلي عبيد الله بن العباس ؟ ! الوالي يومئذ على اليمن ، فهرب من بسر واستخلف عبيد الله بن عبد المدان الحارثي وهو جد الطفلين لامهما ، فقتله بسر فيمن قتلهم يومئذ من الألوف المؤلفة من خيار المسلمين ، وقتل ابنه وبحث عن الطفلين حتى وجدهما عند رجل من كنانة في البادية ، فلما أراد بسر قتلهما قال له الكناني ( كما في تاريخ ابن الأثير ) : لم تقتلهما وهما طفلان لا ذنب لهما ؟ ! فان كنت قاتلهما فاقتلني قبلهما . فقتله ! ثم ذبحهما بين يدي أمهما ! ! ( كما نص عليه ابن عبد البر في ترجمة بسر من الاستيعاب ) فهامت أمهما على وجهها جنونا مما نالها ، وكانت تأتي الموسم تنشدهما فتقول :

يا من أحس بابني الذين هما * كالدرتين تشظي عنهما الصدف
يا من أحس بابني الذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف
يا من أحس بابني الذين هما * قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف
من دل والهة حيرى مدلهة * على صبيين ذلا إذ غدا السلف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا * من افكهم ومن الاثم الذي اقترفوا
احني
( 1 ) على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الاثم يقترف ( 719 )

  ( 718 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 122 .
( 1 ) كذا في رواية ابن الأثير ، لكن في رواية الاستيعاب وأبى الفداء ، أنحى ( منه قدس ) .
( 719 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 122 ، الغدير ج 11 / 17 ، الأغاني ج 15 / 44 ، تاريخ ابن عساكر ج 2 / 223 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 65 ، النزاع والتخاصم ص 13 ، تهذيب التهذيب ج 1 /
435 ( * ) .
 
 

- ص 471 -

وقالت له امرأة من كنانة لما ذبحهما ( كما في تاريخ ابن الأثير ) : يا هذا قتلت الرجال ! فعلام قتلت هذين ؟ ! والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية ، والله يابن أبي ارطاة ان سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير ، والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء . ( إلى آخر ما أوردناه من هذه الفظائع التي تربأ عنها البرابرة فلتراجع في الفصول المهمة ) ( 720 ) .


[ المورد - ( 91 ) - : قتله للصالحين من عباد الله ]

وحسبه ظلما وعدوانا أن قتل الحسن الزكي سيد أهل البيت في عصره ، وإمامهم بعد أبيه صلوات الله وسلامه عليهما بسم دسه إليه فسقته إياه جعدة بنت الأشعث ، والنصوص في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة .

وقد اعترفت به جماعة من أهل الأخبار ، قال أبو الحسن المدائني ( كما في أوائل الجزء 16 من شرح النهج الحديدي الحميدي في ص 4 من المجلد 4 طبع مصر ): كانت وفاة الحسن سنة 49 ، وكان مريضا 40 يوما وكان سنه 47 سنة ، دس إليه معاوية سما على يده جعدة بن الأشعث ( قال ) وقال لها : ان قتلتيه بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد .

فلما مات الحسن عليه السلام وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد ، وقال : أخاف أن تصنعي بابني كما صنعت بابن رسول الله صلى الله عليه وآله . اه‍ .

ونقل المدائني عن الحصين بن المنذر الرقاشي ( كما في ص 70 من المجلد 4 من شرح النهج الحميدي طبع مصر أيضا ) أنه كان يقول : والله ما وفى معاوية للحسن بشئ مما اعطاه ، قتل حجرا وأصحابه وبايع لابنه يزيد

  ( 720 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 123 ، تاريخ الطبري ج 6 / 77 ، كامل ابن الأثير ج 3 / 162 ، وفاء الوفاء ج 1 / 31 ، الغدير ج 11 / 20 ( * ) .  
 

- ص 472 -

وسم الحسن . اه‍ .
وقال أبو الفرج الاصفهاني المرواني في كتابه مقاتل الطالبين ما هذا لفظه : وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن شئ اثقل عليه من أمر الحسن بن علي ، وسعد بن أبي وقاص ، فدس إليهما سما فماتا منه .

وروى ابن عبد البر في ترجمة الحسن من استيعابه عن قتادة وأبي بكر بن حفص : ان بنت الأشعث سقت الحسن بن علي السم ، ( قال ) : وقالت طائفة كان ذلك منها بتسديس معاوية إليها ( 721 ) .

وقد علم الناس ما ارتكبه في مرج عذراء من الفظاعة بقتل أولئك الأخيار الأبرار صبرا وهم حجر بن عدي الكندي الصحابي وأصحابه ، قتلهم إذ لم يلعنوا له عليا عليه السلام ، وكانوا من ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) ( 722 ) .

وكان قتلهم سنة إحدى وخمسين للهجرة المباركة وأنكرها على معاوية جميع من كان في ذلك العهد من الصحابة والتابعين ومن كان بعدهم من أولي الألباب .

وقد فصلها كل من أرخ حوادث تلك السنة

  ( 721 ) وفى ص 17 من المجلد الرابع من شرح النهج لابن أبى الحديد طبع مصر ما نلفت إليه المتتبعين . وما أولاهم بالوقوف عليه ( منه قدس ) .
معاوية هو الذي قتل الإمام الحسن عليه السلام : راجع : تاريخ اليعقوبي ج 2 / 191 ، مروج الذهب للمسعودي ج 2 / 427 ، صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين ص 364 - 368 ، دلائل الصدق للمظفر ج 3 ق 1 / 233 الفصول المهمة لشرف الدين ص 120 ، مقاتل الطالبين لأبي الفرج الاصفهانى ص 73 تحقيق أحمد صقر ، الغدير ج 11 / 8 - 15 ، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 16 / 49 ، نزل الأبرار بالهامش ص 142 عن عدة مصادر .
( 722 ) سورة آل عمران :
191 ( * ) .
 
 

- ص 473 -

من المتقدمين والمتأخرين ، فراجع منها ما شئت ( 723 ) .

وما أخالك تنسى قتله عمرو بن الحمق الخزاعي ( 724 ) وكان بحيث أبلته

 

( 723 ) راجع : الغدير للأميني ج 11 / 53 ، تاريخ الطبري ج 5 / 277 ، كنز العمال ج 15 / 157 ح 445 ط 2 ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 184 .

بل قتل معاوية بن أبى سفيان خلقا كثيرا من شيعة آل محمد : منهم :
 1 - حجر بن عدى الكندي الصحابي الجليل وستة من أصحابه وهم :
 2 - شريك بن شداد الحضرمي .
 3 - وصيفى بن فسيل الشيباني .
 4 - وقبيصة بن ضبيعة العبسى .
 5 - ومحرز بن شهاب المنقرى .
 6 - وكدام بن حيان العنزي .
 7 - وعبد الرحمن بن حسان العنزي .
 كلهم في مرج عذراء . وقد وفقنا الله في هذه السنة في شوال 1403 ه‍ لزيارتهم والجمهورية الإسلامية مشغولة بتجديد ضريح لهم .
 8 - وقتل أيضا عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي العظيم وحمل رأسه وهو أول رأس حمل في
الاسلام .
 9 - مسلم بن زيمر الحضرمي .
 10 - عبدالله بن نجى الحضرمي .
 11 - مالك بن الحارث الأشتر النخعي .
 12 - محمد بن أبى بكر قتل ووضع في جيفة حمار ثم احرق .
كل هؤلاء من أولياء الله ورسوله وعظماء الأمة . راجع : تاريخ الطبري ج 5 / 253 - 280 و 95 - 105 ، عيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 / 147 ، الكامل لابن الأثير ج 3 / 352 - 357 و 482 - 488 ، الغدير للأميني ج 11 / 37 - 70 ، أحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري ج 1 / 257 - 260 ، الأغاني لأبي الفرج الاصفهانى ج 16 / 2 - 11 .
( 724 ) راجع : الغدير ج 11 /
41 ( * ) .

 
 

- ص 474 -

العبادة ، ورأسه أول رأس حمل في الإسلام ، قتله وهو من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا ذنب له غير حبه علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذ ان عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .

ولم يقتصر معاوية على قتل أولياء الله ، حتى قتل في ذلك اخص أوليائه به ، وأشدهم ملازمة له ، عبدالرحمن بن خالد بن الوليد حارب معه في صفين ، وحالفه على عداوة أمير المؤمنين ، ثم بعدها باعه بالتافه الزهيد ، وقتله مخافة أن ترغب الناس به عن يزيد ، وقصته مشهورة عند أهل الأخبار ، مستفيضة بين أهل السير والآثار ، فراجع ترجمة عبدالرحمن من الاستيعاب تجد التفصيل ( 725 ) .


[ المورد - ( 92 ) - : بوائق أعماله وعماله ]

ولو أردنا أن نتصدى الأحكام التي بدلها ، والحدود التي عطلها ، والبوائق التي ارتكبها ، والفواقر التي احتقبها ، والأحداث التي أحدثها في زمانه ، والغاشمين الذين أشركهم في سلطانه ، كابن شعبه ، وابن العاص ، وابن ارطاة ، وابن جندب ، ومروان ، وابن السمط ، وزياد ، وابن مرجانة ، والوليد وأمثالهم ممن فعلوا الأفاعيل ، وقهروا الأمة بالأباطيل وساموا عباد الله سوء العذاب ، يذبحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، لأفنينا المحابر ، واستغرقنا الصحف والدفاتر ، وهيهات أن نبلغ غايتنا المقصودة أو نظفر ( فيما بذلناه من وسع ) بضالتنا المنشودة ( 726 )

والحمد لله رب العالمين من المستبصرين آل محمد صلى الله عليه وآله ، وضلال أعدائهم .

  ( 725 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 121 ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 175 .
( 726 ) راجع : الغدير ج 11 / 16 - 36 ، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 11 / 43 ، الفصول المهمة لشرف الدين ص 115 - 129 ، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية لمحمد بن عقيل ، تقوية الإيمان في الرد على بن أبى سفيان له أيضا ، صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين ، المراجعات لشرف الدين ص 296 تحت رقم 700 وما بعده ، سبيل النجاة في تتمة المراجعات ص 215 تحت رقم ( 699 ) ط بيروت . ( * ) .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب