النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 519 : -

[ الفصل السابع ]
[ ما فعله جمهور الأمة ]
[ المورد - ( 98 ) - : احتجاج الجمهور بمطلق من صحب النبي صلى الله عليه وآله مسلما ] 

نعم هذا دأبهم ، وعليه سيرتهم ، كأن الصحبة - بما هي من حيث هي - تعصم الصحابي عما ينافي العدالة ( 806 ) وتوجد له إياها ، لذلك اطمأنوا بكل

  ( 806 ) قال النووي في شرح صحيح مسلم بهامش الارشاد ج 8 / 22 : ان الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن بعدهم وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم وإنما جاء التخليط ممن بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة . الغدير ج 10 / 267 .
وحول عدالة الصحابة قاطبة أو في الجملة . راجع : أضواء على السنة المحمدية فصل عدالة الصحابة ص 339 ط 5 دار المعارف بمصر ، شيخ المضيرة أبو هريرة ص 288 ط 3 كلا الكتابين تأليف الشيخ محمود أبو رية المصري ، دلائل الصدق ج 3 ق 2 /
4.
 
 

- ص 520 -

ما يحدثهم الصحابي به عن رسول الله صلى الله عليه وآله من شرائع الله وأحكامه ، يحتجون به ويعملون على مقتضاه ، من غير بحث منهم عن عدالته ، ولا عن استقامته ، ولا عن صدقه وأمانته ، وهذا مالا يمكن أن يقوم على جوازه دليل من عقل أو نقل أبدا فان الصحبة بمجردها وان كانت فضيلة لكنها مما لا دليل على عصمتها بلا ريب فالصحابة من حيث العصمة انما هم كسائر الناس ، فيهم الثقة العدل النزيه عن معصية الله تعالى وهم كثيرون ، وفيهم العصاة العتاة ، وفيهم مجهول الحال .

وقد قامت الأدلة الشرعية على اشتراط عدالة الراوي للخبر الواحد مطلقا ( 807 ) وان كان صحابيا ، أما من لم يكن عدلا فلا وزن لحديثه بحكم الأدلة القطعية مطلقا أيضا ، ومجهول الحال - على الإطلاق - تتبينه حتى تثبت عدالته ، فنحتج حينئذ به في الفروع خاصة ، دون أصول الدين ، وان لم تثبت عدالته ، فلا سبيل إلى العمل بما حدث .

وهذا ما نعلمه من رأي الجمهور في خبر الآحاد ، لا خلاف بيننا وبينهم فيه وانما تجشموا في الاحتجاج بحديث الصحابة من غير بحث ولا تريث بناءا على عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين ، وكأنهم أرادوا تقديس رسول الله صلى الله عليه وآله بتعديل أصحابه عامة ، وحفظه فيهم كافة ، وهذا خطأ واضح ، وجهل نربأ بهم عنه ، فان تنزيهه وحفظه صلى الله عليه وآله انما يكون بتنزيه سنته وحفظهما من تشويه الكذابة عليه ، وقد أنذر أمته وحذرها بقوله صلى الله عليه وآله " ستكثر الكذابة علي

  ( 807 ) كما ثبت ذلك في علم : أصول الفقه . راجع : دروس في علم الأصول للسيد الشهيد الصدر ( قدس ) ، الحلقة الثالثة ج 1 / 223 - 252 ، أصول الفقه للمظفر ج 3 / 69 ، أضواء على السنة المحمدية ص 331 . والصحيح هو اشتراط الوثاقة في قبول الخبر ولا يشترط العدالة كما عليه جمهور المتأخرين من العلماء . ( * )   
 

- ص 521 -

فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ( 808 ) .

ولو تدبر اخواننا - هداهم الله وإيانا - محكمات القرآن لوجداها مشحونة بذكر المنافقين ، وأذى النبي صلى الله عليه وآله منهم ، وحسبك من سورة التوبة - الفاضحة - وإذا جاءك المنافقون ، والأحزاب . ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) إلى آخر السورة ( 809 ) .

وحسبك من آياته المحكمة قوله تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ( 810 )

( لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) ( 811 )

( وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) ( 812 ) .

  ( 808 ) الفتح الكبير للنبهاني ج3 / 234 - 235 ، الغيبة للنعماني ص 76 . وبروايات مختلفة راجع : أضواء على السنة المحمدية ص 59 وما بعدها .
( 809 ) سورة الأحزاب : 10 - 12 .
( 810 ) من يتدبر هذه الآية وغيرها من أمثالها يحصل له العلم الإجمالي بوجود المنافقين في غير معلومي الإيمان والعدالة ، ونحن في غنى عن أطراف هذه الشبهة المحصورة بحديث معلومي العدالة من الصحابة وهم علماؤهم وعظماؤهم وأهل الذكر الذين أمر الله بسؤالهم ، والصادقون الذين أمر الله سبحانه بأن نكون معهم . على أن في حديث الأئمة من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل كفاية ، فهم أعدال الكتاب وبهم يعرف الصواب ( منه قدس ) . سورة التوبة : 101 .
( 811 ) سورة التوبة : 48 .
( 812 ) سورة التوبة : 74 . وراجع فهرس بقية الآيات في كتاب أضواء على السنة المحمدية ص
256 ( * ) .
 
 

- ص 522 -

فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وكانوا قد جرعوه الغصص مدة حياته ، حتى دحرجوا الدباب ( 1 ) وصدوه عن الكتاب ( 813 ) .

وقد أجمع أهل الأخبار أنه صلى الله عليه وآله خرج أحد بألف من أصحابه ، فرجع منهم قبل الوصول ثلاثمائة من المنافقين ( 814 ) وربما بقي من المنافقين من لم يرجعوا خوف الشهرة . على أنه لو لم يكن في الآلف إلا ثلاثمائة منافق لكفى دليلا على أن النفاق كان زمن الوحي فاشيا بينهم ، فكيف انقطع بمجرد انقطاع الوحي ، ولحوق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى ؟ .
فهل كانت حياته سببا في نفاق المنافقين ؟
أو موته سببا في إيمانهم وعدالتهم ، وصيرورتهم أفضل الخلائق بعد الأنبياء ؟ .
وكيف انقلبت حقائقهم بوفاته ؟ .
فأصبحوا - بعد ذلك النفاق - بمثابة من القدس لا يقدح لها فيها شئ مما ارتكبوه من الجرائم والعظائم ؟ ؟ .
وما المقتضي
للالتزام بهذه المكابرات التي تنفر منها الأسماع والأبصار والأفئدة ؟ ؟ .
على أن في الكتاب والسنة ما يثبت بقاء المنافقين على نفاقهم ، لا يؤوبون إلى الله تعالى ولا يرعوون .
وحسبك من محكمات الكتاب قوله عز من قائل :

  ( 1 ) كان قوم من الصحابة دحرجوا الدباب ليلة العقبة لينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته فيطرحوه ، وكان صلى الله عليه وآله إذ ذاك راجعا من وقعة تبوك التي استخلف فيها عليا . وحديث أحمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن أبى الطفيل في هذه الطامة طويل ، وفى آخره : ان رهطا من الصحابة لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ هذا الحديث مشهور مستفيض بين المسلمين كافة ( منه قدس ) .
( 813 ) الذي أراد أن يكتبه الرسول صلى الله عليه وآله في مرضه : هو الأمان للأمة من الضلال ولكن عمر بن الخطاب مانعه وزعم أن النبي صلى الله عليه وآله يهجر . راجع : ما تقدم تحت رقم ( 199 - 206 ) .
( 814 ) نص على هذا كل من أرخ غزوة أحد من أهل السير والأخبار فراجع ( منه قدس ) . الكامل في التاريخ ج 2 / 105 وكان الذين رجعوا بقيادة عبدالله بن أبى
. ( * ) 
 
 

- ص 523 -

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) ( 815 ) .

ويكفيك من صحاح السنن ما أخرجه البخاري في باب الحوض وهو في آخر كتاب الرقاق ص 94 من الجزء الرابع من صحيحه - بالإسناد إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : " بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم ، خرج رجل من بيني وبينهم ، قال : هلم ( 1 ) قلت : أين قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، قال : هلم . قلت : أين ؟ . قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أرى يخلص منهم الا مثل همل النعم " ( 816 ) .

وأخرج في آخر الباب المذكور عن أسماء بنت أبي بكر . قالت : قال النبي صلى الله عليه وآله : " اني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني . فأقول : يا رب مني ومن أمتي فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟

 

( 815 ) سورة آل عمران : 144 .
( 1 ) هلم في لغة أهل الحجاز يستوي فيها المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث . تقول : هلم يا زيد . وهلم يا زيدان . وهلم يا زيدون وهلم يا هند . وهلم يا هندات . فهي اسم فاعل وفاعلة ضمير مستتر تقديره في هذا الحديث : أنتم لان المخاطبين بها انما هم الزمرة ( منه قدس ) .

( 816 ) قال السندي في تعليقته على صحيح البخاري : همل النعم بفتح الهاء والميم الإبل بلا راع ، أي لا يخلص منهم من النار الا قليل ( منه قدس ) . أضواء على السنة المحمدية ص 354 ط 5 بمصر وفيه روايات أخرى أيضا ، دلائل الصدق ج 3 ق 2 / 11 عن الجمع بين الصحيحين للحميدي . ( * ) 

 
 

- ص 524 -

والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم . فكان ابن مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ، أو نفتن عن ديننا " ( 817 ) .

وأخرج في الباب المذكور أيضا عن ابن المسيب أنه كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وآله قال : " يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلاون عنه ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى " ( 818 ) .

وأخرج في الباب المذكور عن سهل بن سعد قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : " إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا . ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم .

قال أبو حازم : فسمعني النعمان ابن أبي عياش . فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول انهم مني . فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ . فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي " ( 819 ) .

وأخرج في الباب المذكور أيضا عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلاون على الحوض فأقول : يا رب أصحابي . فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ،

  ( 817 ) الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 455 ، أضواء على السنة المحمدية ص 355 .
( 818 ) الفتح الكبير للنبهاني ج 3 / 423 .
( 819 ) قال القسطلاني في شرح هذه الكلمة من أرشاد الساري ما هذا لفظه : لمن غير بعدى أي دينه لأنه لا يقول في العصاة بغير الكفر : سحقا سحقا بل يشفع لهم ويهتم بأمرهم كما لا يخفى ( منه قدس ) . الفتح الكبير للنبهاني ج 1 / 455 ، أضواء على السنة المحمدية ص 355 ، دلائل الصدق ق 2 ج 3 / 2 عن الجمع بين الصحيحين أقول : والحديث متفق عليه
. ( * ) 
 
 

- ص 525 -

انهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى " ( 820 ) .

وأخرج في أول الباب المذكور عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وآله قال : " أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك " ( 821 ) قال البخاري : تابعه عاصم عن أبي وائل وقال حصين : عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله .

وأخرج أيضا - في باب غزوة الحديبية ص 30 من صحيحه - عن العلاء ابن المسيب عن أبيه . قال : لقيت البراء بن عازب . فقلت له : طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وآله وبايعته تحت الشجرة . فقال : يا ابن أخي انك لا تدري ما أحدثنا بعده ( 822 ) .

وأخرج أيضا - في أول باب قوله تعالى ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) من كتاب بدء الخلق ص 154 من جزئه الثاني - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال من حديث : " وان أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : صحابي أصحابي . فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم . ( الحديث ) " ( 823 ) .

  ( 820 ) الفتح الكبير ج 3 / 423 ، أضواء على السنة المحمدية ص 355 .
( 821 ) الفتح الكبير ج 1 / 475 ، أضواء على السنة المحمدية ص 355 .
( 822 ) أضواء على السنة المحمدية ص 355 .
( 823 ) أضواء على السنة المحمدية ص 355 . وتوجد أحاديث أخرى غير هذه راجعها في : دلائل الصدق ج 3 ق 2 / 9 وما بعدها ، مسند أحمد ج 6 / 297 ، صحيح مسلم ك الجنة وصفة نعيمها ج 2 /
350 ( * ) .
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب