النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
551
: - |
|
[ المورد
( 100 ) - : الدعوة إلى الصفاء ]
حتى م يا اخوتاه هذه
الشحناء ؟ . وفي م هذه العداوة والبغضاء ، نعوذ بالله
أليس الله عزوجل وحده لا شريك له ربنا جميعا ؟ .
والإسلام ديننا ؟ . والقرآن الحكيم كتابنا ؟ ! والكعبة
مطافنا وقبلتنا ؟ . وسيد النبيين وخاتم المرسلين محمد
بن عبدالله صلى الله عليه وآله نبينا ؟ . وقوله وفعله
وتقريره سنتنا ؟ . والفرائض الخمسة اليومية وصوم شهر
رمضان المبارك ، والزكاة المفروضة وحج البيت فرائضنا ؟
.
والحلال ما أحله الله ورسوله . والحرام ما حرماه ،
والحق ما حققاه ، والباطل ما أبطلاه ، وأولياء الله
ورسوله أولياءنا ، وأعداء
الله ورسوله أعداءنا وأن
الساعة آتية لا ريب فيها ، وان الله يبعث من في القبور
( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) ( 875 ) أليس الشيعيون والسنيون في ذلك كله
سواء ؟ . ( كُلٌّ آمَنَ
بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) ( 876 ) .
والنزاع بينهما في جميع
المسائل الخلافية صغروي في الحقيقة ، ولا نزاع بينهما
في الكبرى عند أهل النظر أبدا . ألا تراهما إذا تنازعا
في وجوب شئ ، أو حرمته ، أو في استحبابه ، أو في
كراهته ، أو في اباحته ، أو تنازعا في
|
(
875 ) سورة النجم : 31 . |
( 876 ) سورة البقرة :
285 ( * ) |
|
|
صحته أو بطلانه ، أو في جزئيته أو في شرطيته أو في مانعيته ، أو في غير ذلك ، كما لو تنازعا في عدالة شخص
، أو فسقه ، أو في إيمانه ، أو في نفاقه أو في وجوب
موالاته ، لأنه ولي الله ، أو وجوب معاداته ، لأنه عدو
الله ، فانما يتنازعان في ثبوت ذلك بالأدلة المثبتة
شرعا - من كتاب أو سنة أو إجماع أو عقل - وعدم ثبوته ،
فيذهب كل منهما إلى ما اقتضته الأدلة الشرعية . ولو
علم الفريقان ثبوت الشئ في دين الإسلام ، أو علما
جميعا عدم ثبوته في الدين الإسلامي أو شكا كلاهما في
ذلك لم يتنازعا ولم يختلفا أبدا . وقد أخرج البخاري في
صحيحه ( 1 ) عن أبي سلمة وغيره عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم انه قال : " إذا حكم الحاكم واجتهد ثم أصاب
فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد " (
877 ) .
وقال ابن حزم حيث تكلم فيمن يكفر أو لا يكفر -
ص 247 من الجزء الثالث من كتابه - الفصل في الملل
والنحل - ما هذا لفظه : وذهبت طائفة إلى انه لا يكفر ،
ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وان كل
من اجتهد في شئ من ذلك ، فدان بما رأى انه الحق فانه
مأجور على كل حال . ان أصاب فأجران ، وان أخطأ فأجر
واحد .
( قال ) : وهذا قول ابن أبى ليلى ، وأبي حنيفة
، والشافعي ، وسفيان الثوري ، وداود بن علي ، وهو قول
كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة ، لا
نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا إلى آخر
|
(
1 ) راجع باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ .
وهو في أواخر كتاب الاعتصام
بالكتاب والسنة قبل كتاب التوحيد بأقل من
ورقتين تجده في ج 4 ص 177 من الصحيح ( منه قدس ) .
( 877 ) ورواه أيضا مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي
والترمذي وابن ماجة . الفتح
الكبير ج 1 / 102 ( * ) . |
|
|
كلامه ( 878 ) .
والذين صرحوا بهذا ونحوه من أعلام الأمة كثيرون . فأي وجه
إذن لهذه المشاغبات أيها
المسلمون ؟ . والله عز وجل يقول : (
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (
879 )
( وَلاَ تَنَازَعُواْ
فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ( 880 )
( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ
الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
) ( 881 ) .
وقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : ذمة المسلمين واحدة ، يسعى
بها أدناهم ، وهم يد على من سواهم فمن اخفر مسلما
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل
منه يوم القيامة صرف ولا عدل ( 882 ) .
والصحاح في هذا
ونحوه متواترة ، ولاسيما من طريق العترة الطاهرة . وفي
فصولنا المهمة ما يشرح صدور الأمة ( 883 ) .
|
(
878 ) بل اعتذروا لأشخاص صدرت منهم جرائم وأفعال
سودت وجه التاريخ وأخرجتهم من ربقة الإسلام
. اعتذروا لمعاوية في قتاله
سيد الوصيين بالاجتهاد وكذلك ابنه يزيد في قتله سبط
الرسول صلى الله عليه وآله وابن ملجم قاتل إمام
المتقين عليه السلام وقاتل عمار بن ياسر وطلحة والزبير
وعائشة وغيرهم . اعتذروا لهم بالاجتهاد فلا جرم عليهم
بل لهم أجر واحد . راجع : الغدير ج 10 / 340 وما بعدها
. وراجع ما تقدم من الأحاديث في حقن الدماء تحت رقم (
149 و 152 ) .
( 879 ) سورة الحجرات : 10 .
( 880 ) سورة الأنفال : 46 .
( 881 ) سورة آل عمران : 105 .
(
882 ) صحيح البخاري ك 58 ب 10 و 17 وك 96 ب 5 ،
مسند
احمد ج 1 / 81 وج 2 / 192 و 211 و 398 كما في
مفتاح
كنوز السنة .
( 883 ) فلتراجع منها الفصول السبعة الأول ، فانها في 7 مواضيع ( منه قدس
)
=> |
|
|
. . . . . .
|
الوحدة الإسلامية :
الإسلام الذي جاء به سيد المرسلين من قبل رب العالمين
هو دين الوحدة والتعاطف والتكاتف والتحابب وحث على هذه
الأمور بلا مزيد عليه في أي دين أو مذهب كما انه حذر
من الاختلاف والتنازع والتباغض والتنابز وغيرها من
الأمور التي تؤدى إلى تفتيت الأمة وتمزيقها ، وشدد
النكير عليه . قال تعالى : (
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاء بَعْضٍ )
وقال تعالى : ( وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ )
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ
مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) .
وتوجد سورة في القرآن باسم " الصف " لأجل
توحيد الصفوف وتراصها لما لها من الموقعية والقوة
فيقول فيها : ( إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا
كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) .
وقد وردت عشرات الروايات ان لم تكن المئات بهذا الصدد
ولنقتصر على جملة منها :
قال رسول الله صلى الله عليه
وآله : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى
تحابوا ، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم :
افشوا السلام بينكم " .
وقال صلى الله عليه وآله : "
الدين النصيحة . قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه
ولرسوله ولائمة المسلمين ولعامتهم والذي نفسي بيده لا
يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .
وقال صلى
الله عليه وآله : " إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث
ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا
تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " .
وقال الصادق
عليه السلام : " المسلم أخو المسلم ، هو عينه ومرآته
ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا
=> |
|
|
. . . . . . .
|
=>
يكذبه ولا يغتابه " . إلى غير ذلك من الروايات التي بهذا المضمون . ونحن
نفهم من هذه النصوص الإسلامية وغيرها اهتمام الإسلام
بالوحدة ان المؤمن لا يكمل إيمانه إلا إذا كان يحب
لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه . وان المسلمين جميعا كتلة
واحدة لا تتجزأ وهم كالجسد الواحد لإنسان واحد فخالقهم
واحد ودينهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة وهم لاب
واحد ولام واحدة فما هذا الاختلاف والتشاجر والتناحر .
نعم الإسلام حذر المسلمين جميعا من الاختلاف والتنازع
وطعن البعض في البعض الأخر وجعل ذلك سببا للفشل
والخذلان وعدم العز في الدنيا والعقاب في الآخرة فيقول
تعالى : ( وَلاَ تَنَازَعُواْ
فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) وذهاب
الريح هنا هو ذهاب النصر الذي يؤيد به المسلمين حالة
قتالهم ومجابهتهم العدو فعدم نصرهم مسببا عن تنازعهم
واختلافهم
وعن عبد المؤمن الأنصاري قال : دخلت على
الإمام أبى الحسن ( الكاظم ) عليه السلام وعنده محمد
بن عبدالله الجعفري ، فتبسمت إليه فقال عليه السلام :
" أتحبه ؟ قلت : نعم وما أحببته إلا لكم . فقال عليه
السلام : هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه ملعون
ملعون من اتهم أخاه ، ملعون ملعون من غش أخاه ، ملعون
ملعون من لم ينصح أخاه ملعون ملعون من استأثر على أخيه
، ملعون ملعون من أغتاب أخاه " . بل في نصوص
إسلامية أخرى قد سلبت عنوان الإسلام الحقيقي عن الشخص إذا لم
يهتم بأمر أخيه فضلا عن الطعن فيه ومحاولة هتك حرمته .
والاستعمار الشرقي والغربي لما أراد أن يستولى على
بلاد المسلمين ويأخذ ثرواتهم ويستعبدهم ويجعلهم طعمة
سائغه درس حالتهم الاجتماعية والنفسية فرأى من أهم
الأسباب التي يتمكن بها على استعبادهم - بعد انحرافهم
عن دينهم وعدم تمسكهم به - . هي الفرقة والاختلاف فصدر
القاعدة المعروفة " فرق تسد " والى يومنا هذا
الاستعمار يستعملها كسلاح
فتاك لأجل تمزيق وحدة المسلمين وإذلالهم . فها هي دويلة
إسرائيل الصهيونية تغتصب الأراضي الإسلامية والعربية
بما فيها القدس الشريف القبلة الأولى للمسلمين وعددها
لا يتجاوز المليونين بينما المسلمون مع
=> |
|
|
. . . . . . .
|
= قوتهم وعددهم الذي
يتجاوز مليار مسلم في أنحاء العالم وليس ذلك إلا لأجل
تفرقهم واختلاف كلمتهم وكل واحد يريد أن يأكل الأخر .
أليس من العار على العرب 18 سنة يهرجون ويطبلون
ويرفعون عقيرتهم ليلا ونهارا بأنهم يريدون أن يحرروا
فلسطين ولم يتمكنوا أن يحرروا شبرا واحدا بل نرى
إسرائيل بين الفينة والفينة تستولى على أرض أخرى
وتجعلها تحت سيطرتها . كيف يحررون فلسطين وهم خدام
وعملاء إلى الشرق أو الغرب ويأكل بعضهم البعض الأخر .
ومن أهم الأسلحة الفتاكة
التي اتخذها الاستعمار في
إضعاف المسلمين والاستيلاء عليهم واستعبادهم هو
التفرقة باسم السنة والشيعة فكان يثير التشاجر وكيل
الاتهام لكل طرف من الطرف الأخر والسباب والشتم
والتكفير وغيرها ولعل هذه الأمور لا أصل ولا موجب لها
، بل لو رجعوا جميعا إلى الإسلام والى منابعه الأصلية
الأولية مع الموضوعية وعدم التعصب لمذهب معين أو لفئة
أو لشخص لعاشوا بسلام ووئام وان عمل كل على حسب ما
يؤدى إليه نظره وبحثه العلمي .
وهذا الكتاب الذي بين
يديك بالرغم من انه يتعرض إلى مواضيع حساسة جدا الا
انه يحاول أن يبحثها بحثا موضوعيا متجنبا التعصب
المذهبي والتحيز القومي .
فنرجوا من الله أن يكون هذا
سببا للتعرف على الحقيقة ووحدة المسلمين حتى ترجع
إليهم عزتهم ومجدهم التليد
والحمد لله رب العالمين
. ( * )
|
|
|
|