![]() |
![]() |
ثم أشار في المرحلة الثانية إلى مهمّة هذه الرياح «فامرها بتصفيق(3) الماء الزخار، واثارة موج البحار» فقامت هذه الريح العاتية العظيمة بمخض الماء كقراب السقّاء «فمخضته(4)مخض السقاء». «وعصفت به عصفها بالفضاء» ثم قال(عليه السلام): «ترد أوله إلى آخره وساجيه(5) إلى مائره(6)».
وقال(عليه السلام) في المرحلة الثالثة بشأن تراكم المياه وارتفاعها «حتى عب عبا(7)» بمعنى ارتفع أعلاه «ورمى بالزبد ركامه(8)». ثم قال(عليه السلام) في المرحلة الرابعة: «فرفعه في هواء منفتق وجو منفهق(9)» فخلق منها تبارك وتعالى السموات السبع «فسوى منه سبع سموات» حيث جعل الأقسام السفلى، كالأمواج المكفوفة الممسوكة والطبقات العليا كالسقف المحفوظ «جعل
1. «مرب» من مادة «ربّ» التي تعني في الأصل التربية، وتطلق الرب على المربي والمالك والخالق (وهو مصدر له معنى الفاعلية) ويفيد معنى الاستمرار والملازمة إذا جاء من باب الأفعال (إرباب) لأنّ التربية متعذرة دون الاستمرار).
وبناءً على هذا فانّ «مربّ» مصدر ميمي بمعنى الدوام والبقاء.
2. «أعصف» من مادة «عصف» على وزن عصر، بمعنى السرعة والحركة والشدة كما ذكرنا.
3. «تصفيق» من مادة «صفق» على وزن سقف بمعنى تقليب الشيء بعضه على بعض بحيث يصاحبه الصوت، ومن هنا اطلق التصفيق على ضرب الكفين ـ وهى هنا بمعنى تحريك المياه وتقليبها على بعضها (لسان العرب، مقاييس اللغة، شرح محمد عبدة).
4. «مَخَضَ» من مادة «مخض» على وزن قرض بمعنى تحريك الموائع في ظروفها، ولذلك يستعمل هذا التعبير أثناء تحريك اللبن في القربة لفصل الزبدة عنه.
5. «ساجي» من مادة «سجو» على وزن سهو بمعنى السكون والهدوء.
6. «مائر» من مادة «مور» على وزن فور بمعنى الحركة السريعة، وتطلق هذه المفردة على الجادة أيضاً لأن الناس يتحركون عليها ذهاباً وإياباً.
7. «عباب» من مادة «عب» بمعنى شرب الماء سريعاً دون تريث، ومن هنا اطلق العباب على الماء الكثير والمطر الغزير والسيل العظيم، وهى هنا بمعنى تراكم المياه على بعضها.
8. «ركام» أشرنا إلى معناها سابقاً (ما تراكم منه بعضه على بعض).
9. «منفهق» من مادة «فهق» على وزن فرق بمعنى المفتوح الواسع، ولذلك يصطلح بالمنفهق على الجزء الواسع من الوادي والوعاء المملوء بالماء.
سفلاهن موجاً مكفوفاً(1) وعلياهن سقفا محفوظاً وسمكاً(2) مرفوعاً».
ثم أشار(عليه السلام) إلى عدم وجود الأعمدة التي تحملها ولا المسامير التي تحكم وثاقها فقال: «بغير عمد(3) يدعمها(4) ولا دسار ينظمها(5)» وأخيراً تأتي المرحلة الأخيرة ـ الخامسة ـ «ثم زينها بزينة الكواكب وضياء الثواقب(6)». ثم أشار(عليه السلام) إلىالقمر والشمس وتحرك كل منهما ضمن مداره «واجرى فيها سراجاً مستطيرا(7) وقمراً منيراً في فلك دائر وسقف سائر ورقيم(8) مائر».
للعلماء المعاصرين نظريات متعددة لا تتجاوز حدود الفرضيات بشأن خلق العالم; حيث لم يكن هناك مخلوق قبل مليارات السنين ليشهد كيفية ظهور العالم، مع ذلك هناك بعض الشواهد والقرائن التي تؤيد صحة بعض هذه الفرضيات. امّا العبارات التي ساقها الإمام(عليه السلام)فهى تنطبق تماماً على بعض الفرضيات المعروفة، سنتعرض لها الآن دون الاصرار على أنّ الإمام(عليه السلام) إنّما أراد هذه الفرضيات. فكما أسلفنا في الأبحاث السابقة أن العالم كان في البداية كتلة ضخمة من الغازات المتراكمة الكثيرة الشبه بالمائعات بحيث يصح نعتها بالماء، كما يصح
1. «مكفوف» من مادة «كف» على وزن سد بمعنى قبض الشيء وجمعه، ولذلك اطلق على راحة اليد الكف لأنّها سبب قبض اليد، كما يطلق المكفوف على الأعمى لقبض بصره.
2. «سمك» بمعنى الارتفاع ولهذا يسمى السقف بالسمك لارتفاعه.
3. «عمد» على وزن سبد وعُمُد كلاهما جمع «عمود» بمعنى الدعامة.
4. «يدعم» من مادة «دعم» على وزن فهم بمعنى دعامة الشيء ودعام ودعامة بمعنى الخشب الذي يحمل الأشياء ويشدها، وتطلق على الشيء والشخص الداعم.
5. «دسار» بمعنى المسمار والحبل الذي يربط به الشيء.
6. «ثواقب» من مادة «ثقب» على وزن سقف بمعنى الشيء; ثقب الشيء واختراقه ومن هنا اطلق الثواقب على الكواكب المضيئة المنيرة، فكأنّ نورها يثقب البصر وينفذ فيه، أو أنّ نورها يخترق السماء ليصلنا.
7. «مستطير» من مادة «طير» بمعنى انتشار الشيء في الهواء، ثم استعمل كل شيء سريع وكذلك الطيور. ومستطير بمعنى واسع ومنتشر. ومن هنا يقال استطار الفجر، أي انتشر ضوءه.
8. «رقيم» من مادة «رقم» بمعنى الخط والكتابة، كما وردت هذه المفردة بمعنى الكتاب. وهو اسم من أسماء الفلك وسمي به لأنّه مرقوم بالكواكب.
الاصطلاح عليها بالدخان على ضوء التصريحات القرآنية. وقد سلط خالق العالم عليه قوتين عظيمتين، حيث عبر عنهما في العبارة المذكورة بالريح:
قوة الجاذبية التي حفظته متماسكاً وحالة دون تشتته وزواله، والقوة الدافعة التي تدفعه إلى الخارج إثر الحركة الدورانية حول نفسه وبفعل قوة الطرد المركزية، وهذه هى الريح والعاصفة الثانية. فاذا أقررنا بالحركة الدورانية للعالم الأول على أنّها كانت متذبذبة تشتد أحياناً وتنخفض أحياناً اُخرى فمن الطبيعي أن تكون قد ظهرت تلك الأمواج العظيمة في تلك الكتلة الغازية العظيمة الشبيهة بالمائع بحث تراكمت تلك الأمواج على الدوام ثم أخذت بالتساقط. وفي الختام فان الطبقات الأكثر خفة والأقل وزناً ـ والتي ورد التعبير عنها بالزبد من قبل الإمام(عليه السلام) ـ قد قذف بها نحو الفضاء الخارجي (أنّ مفردة «الزبد» تطلق على ما يطفو من الماء، وكذلك على الزبدة التي تطفو لخفتها على سطح محتويات القربة).
وبهذا فقد اشتدت الحركة الدورانية، فانفصلت أجزاء كبيرة من هذه الكتلة العظيمة وانطلقت إلى الفضاء، فما كان منها أكثر شدة بلغ نقاطاً مرتفعة وأمّا ما كان منها أقل شدة فقد بلغ نقاطاً أوطئ. لكن الأجزاء التي بلغت نقاطاً مرتفعة أصبحت على هيئة سقف محفوظ وذلك بفعل قوة الجاذبية التي لم تدعها تفلت تماماً، بينما أصبحت الأجزاء السفلى الأقل ضغطاً موجاً مكفوفاً حسب تعبير الإمام(عليه السلام).
ثم ظهرت في ذلك الفضاء المترامي السموات السبع (التي سنتناولها بالحديث لاحقاً) دون أن تكون هناك عمد ترفعها ومسامير تنظمها وتحكم وثاقها، ولم تستقر في مواقعها وتتزن في حركتها ضمن مداراتها سوى من خلال تعادل القوتين الجاذبة والدافعة. كان الفضاء آنذاك مملوءاً بالكرات الصغيرة والكبيرة، فانطلقت قطع متناثرة من هذه الأمواج إلى الخارج، وقد انجذبت القطع الصغيرة تدريجياً نحو الكرات الكبيرة بحكم الجاذبية فأصبح الفضاء وأضاءت النجوم وزينت بالكواكب وأشرقت الشمس واضيء القمر وأخذت الأجرام تتحرك ضمن أغلفتها ومداراتها.
لقد ورد في بعض الفرضيات بشأن ظهور العالم أنّ العامل الذي أدى إلى انفصال المنظومات والكرات السماوية عن الكتلة الاولى إنّما يعزى إلى الانفجار الداخلي العظيم والذي
ظل سببه مجهولاً غامضاً لحد الآن. فالقى الانفجار المذكور بأجزاء عظيمة من الكتلة الغازية الاولى الشبيهة بالمائع إلى الفضاء وكون الكرات والمنظومات ولعل قوله(عليه السلام): «ثم انشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبها وأدام مربها وأعصف مجراها وأبعد منشأها فامرها بتصفيق الماء الزخار...» إشارة إلى هذا الانفجار العظيم الذي انطلق من أعماق المادة الاولى. لكن وكما قلنا سابقاً فان الهدف من هذا الكلام هو ايضاح مدى انسجام عبارات الخطبة مع الفرضيات الواردة بشأن ظهور العالم ولا يمثل إصدار حكم بهذا الشأن أبداً.
—–
تعد مسألة كيفية ظهور العالم من أعقد المسائل التي واجهها العلماء والمفكرون. فالمسألة المذكورة تعود إلى ماقبل ملياردات السنوات، ولعلها القضية التي لم تطرق فكر أحد; الأمر الذي حير كبار العلماء والمفكرين رغم الجهود المفنية والتحقيقات والفرضيات الضخمة التي توصلوا إليها في هذا المجال وبالتالي لم يكن أمامهم سوى الاعتراف بالعجز عن سير تحور هذه المسألة. إلاّ أنّ روح حب الاستطلاع والتعرف على المجهول التي تسود الفكر البشري لم تدعه يقف مكتوف الايدي حيال هذه القضية والصمت إزائها. فالواقع أنّ لسان حال العلماء هو إننا وإن عجزنا عن بلوغ كنه هذا الموضوع، غير أننا نرغب برسم صورة في أذهاننا من شأنها إشباع حب تطلعنا واقتحامنا لهذا الأمر. وبالطبع فانّ الآيات القرآنية والروايات الإسلاميه قد اكتفت بإشارات مقتضية بالنسبة لهذا الموضوع; الأمر الذي لا يؤدي إلاّ إلى رسم صورة باهتة في الذهن لا ترقى إلى إماطة اللثام عن طبيعتها وكنه حقيقتها. على كل حال فان العبارات الواردة في هذه الخطبة انّما تتناغم وما ورد في خطبته رقم 211 التي قال فيها(عليه السلام): «وكان من اقتدار جبروته وبديع لطائف صنعته أن جعل من ماء البحر الزاخر المتراكم المتقاصف يبساً جامداً ثم فطر منه اطباقا ففتقها سبع سموات، بعد ارتتاقها».
من جانب آخر فقد شحنت الروايات الإسلامية بعدة أبحاث بهذا الشأن، والواضح أنّ أغلب هذه الروايات تنسجم وخطب نهج البلاغة الواردة بهذا الخصوص مع فارق جاء في
أغلبها وهو تصريحها بأنّ الزبد أول شيء ظهر على الماء ثم انبعث منه البخار أو الدخان الذي كوّن السموات.(1)
ولكن وكما أوردنا آنفاً فانه ليس هنالك من تضارب بين هذه العبارات، لأنّ المادة الاولى على الأقوى كانت عبارة عن غازات مائعية مضغوطة يصدق عليها وصف الماء والبخار والدخان بالنظر لمراحلها المختلفة. والجدير بالكذر هنا هو أنّه ليس هناك من تضاد بين الروايات التي صرّحت بأنّ أول ما خلق الله الماء، أو الشيء الأول الذي خلقه الله كان نور النبي(صلى الله عليه وآله) أو العقل; وذلك لأنّ بعض الروايات تحدثت عن خلق عالم المادة بينما تحدث البعض الآخر عن خلق عالم المجردات والأرواح. كما يتبيّن عدم وجود التناقض بين ما أوردناه من مضامين الروايات وما صرّحت به الآية 11 من سورة فصلت التي قالت: «ثم استوى إلى السماء وهى دخان».
—–
الطريف أنّه كانت هناك نظريتين بشأن ظهور العالم في الوسط الذي نزل فيه القرآن ـ أو بعبارة أدق في العصر الذي نزل فيه القرآن ـ : الاولى نظرية «بطليموس» التي سادت المحافل العلمية لخمسة عشر قرناً واستمرت حتى أواخر القرون الوسطى. وعلى ضوء هذه النظرية فانّ الأرض كانت مركز العالم وتدور حولها تسعة أفلاك; وهى أفلاك تشبه الأغطية البصلية وشفافة وبلورية ومتراكمة بعضها، وكان كل كوكب سيّار (عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري وزحل) في فلك، كما كان لكل من الشمس والقمر فلكهما. واضافة إلى هذه الأفلاك السبع، هناك فلك يرتبط بالكواكب الثابتة (المراد بالكواكب الثابتة هى تلك الكواكب التي تطلع معاً وتغرب معاً دون أن تغير مواقعها في السماء بخلاف الكواكب الخمس التي ذكرناها). وبعد الفلك الثامن; أي فلك الثوابت هناك فلك الاطلس الذي ليس له أي كوكب، امّا مهمته فهى
1. للوقوف على هذه الروايات، انظر 3 / 10 و57 من بحار الأنوار، طبعة بيروت. وردت أغلب الأحاديث في ج 57.
سوق العالم العلوي للدوران حول الأرض، وهو الفلك الذي يسمى أيضاً بفلك الأفلاك.
أمّا الفرضية الاُخرى فهى الفرضية التي تستمد قوتها من فرضية بطليموس بشأن العالم وتفسره على أساس العقول العشرة.
وعلى ضوء هذه النظرية التي طرحها جمع من الفلاسفة اليونانيين فان الله لم يخلق بادئ ذي بدء سوى شيء واحد هو العقل (الملك أو الروح العظيمة والمجردة التي اصطلح عليها بالعقل). وقد خلق هذا العقل شيئين هما العقل الثاني والفلك التاسع، ثم خلق العقل الثاني العقل الثالث والفلك الثامن، وهكذا خلق عشرة عقول وتسعة أفلاك، ثم قام العقل العاشر بخلق موجودات هذا العالم. والواقع ليس هنالك من دليل على هذه السلسلة من الفرضيات، وهكذا هو الحال بالنسبة لفرضية بطليموس رغم ذلك فقد كانت هذه الفرضيات هى السائدة لقرون. أمّا القرآن والروايات الإسلامية فقد رفضت الفرضية الاولى ـ فرضية بطليموس ـ كما رفضت الفرضية الثانية ـ فرضية العقول العشرة ـ; وذلك لأننا لم نر أثر لهما في الآيات والروايات المعروفة ـ ولا سيما في نهج البلاغة ـ، وهذا بدوره يمثل أحد الأدلة والشواهد على استقلالية القرآن وعظمة الأخبار الإسلامية واستنادها إلى الوحي لا إلى الأفكار البشرية، وإلاّ لاصطبغت بصبغتها.(1)
وقد رأينا الانسجام التام بين كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) وسائر الروايات الإسلامية بشأن ظهور العالم. فالمحور الأصلي في الآيات القرآنية والروايات الإسلامية إنّما كان الحديث عن السموات السبع لا الأفلاك التسع ولا العقول العشرة، وسنتناول لاحقاً تفسير السموات السبع.
لكن من المؤسف أنّ قدماء شرّاح نهج البلاغة ـ ممن تأثروا بفرضية العقول العشرة ونظرية بطليموس بشأن ظهور العالم ـ قد سحبوا هذه الفرضيات على شرح نهج البلاغة
1. لقد أشارت بعض الآيات القرآنية إلى حركة الأرض من قبيل الآية 88 من سورة النمل (وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء)والآية 25 من سورة المرسلات (الم نجعل الأرض كفاتا). (وطبق بعض التفاسير فان الآية 40 من سورة يس (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)تدل على أنّ الشمس والقمر يسبحان في الفضاء العلوي. للوقوف أكثر على التفاصيل. انظر تفسير الأمثل.
فسعوا جاهدين لحمل الخطبة المذكورة عليها دونما أية ضرورة أو حاجة إلى ذلك; فهى لم تكن سوى فرضيات وقد ثبت بطلانها اليوم.
فقد أثبتت التحقيقات والمشاهدات العلمية وتجارب علماء الفلك عدم وجود فلك بالمعنى الذي ذهب إليه بطليموس، وأنّ الكواكب الثابتة والسيارة والتي يفوق عددها بكثير ممّا ظنه القدماء وأنّها تدور في فضاء خال (وَ أنّ السيارات إنّما تدور حول الشمس لا حول الأرض والثوابت على المحاور الأخرى) وأنّ الأرض ليت مركزاً للعالم فحسب، بل هى سيارة صغيرة من سيارات المنظومة الشمسية وهذه الاُخرى منظومة صغيرة من بين ملايين بل مليارات منظومات العالم العلوي. أمّا أنصار فرضية العقول العشرة ورغم تأثرها بفرضية بطليموس ـ التي سلم اليوم ببطلانها ـ إلاّ أنّهم يستندون إلى قاعدّة من القواعد العقلية «والتي تصرح بان الواحد لا يصدر منه إلاّ واحد» لإثبات صحة فرضيتهم ولا نرى هنا من ضرورة للاستغراق في شرح هذه القاعدّة .
ولما كانت هذه القاعدّة تفتقر إلى الدليل من وجهة نظر أغلب العلماء، فانّ أسسها تعتبر جوفاء لا قيمة لها.(1)
—–
لم يقتصر الحديث عن السموات السبع على نهج البلاغة ـ في هذه الخطبة والخطبة 211 ـ فحسب بل سبقه القرآن الكريم للحديث عن هذا الموضوع(2).
وهناك عدّة تفاسير أوردها العلماء القدماء بشأن السموات السبع، ولا نروح الخوض فيها
1. لقد أشار المرحوم «الخواجة نصير الدين الطوسي» في كتابه «تجريد الاعتقاد» إلى الأدلة الخمسة لفرضية العقول العشرة فيفندها جميعاً ويقول في عبارة قصيرة «وأدلة وجوده مدخولة». وللوقوف أكثر على هذا الموضوع راجع كلام الخواجة والعلاّمة الحلي بهذا الشأن.
2. الطريف أنّ القرآن أشار إلى السموات السبع في سبع من آياته، وهى الآية 29 من سورة البقرة، 44 من سورة الاسراء، الآية 86 من سورة المؤمنون، الآية 12 من سورة فصلت، الآية 12 من سورة الطلاق، الآية 3 من سورة الملك والآية 15 من سورة نوح. كما وردت بعض الآيات التي أشارت بعبارات اُخرى إلى هذا الأمر.
جميعاً; الا ان التفسير الوحيد الذي يبدو صحيحاً من بينها هو ذلك الذي قال بأنّ المراد بالسموات السبع هو المعنى الواقعي لهذه الكلمة; فالسماء هى مجموعة من الكواكب والنجوم في العالم العلوي، والسبع هو العدد سبعة المعروف ولا يراد به الكثرة، غاية مافي الأمر أنّ الذي نفهمه من الآيات القرآنية هو أن ما نشاهده من كواكب وسيارات ثابتة ومتحركة كلها مرتبطة بالسماء الاولى. وبناءً على هذا فان وراء هذه السماء العظيمة ستة سموات عظيمة أخر لم يتسنى لحد الآن للعلم البشري التوصل إلى معرفتها.
والآية السادسة من سورة الصافات تؤيد هذا المعنى: (إِنّا زَيَّـنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَة الْـكَواكِـبِ)، كما ورد هذا المعنى في الآية 12 من سورة فصلت (وَزَيَّـنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ)، وجاء في الآية الخامسة من سورة الملك (وَلَقَدْ زَيَّـنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ). والطريف في الأمر أنّ المرحوم العلاّمة المجلسي قد ذكر هذا التفسير ـ في بحار الانوار ـ على أنّه إحتمال اقتدح في ذهنه، أو استنتاجه من الآيات والروايات كما يعبر عن ذلك اليوم.(1)
وهنا لابدّ من القول بأنّ الأجهزة العلمية لم تتمكن حتى اليوم من إماطة اللثام عن هذه العوالم الست، إلاّ انّ الدليل لم يقم على نفيها علمياً، ولعل العلم يكشف أسرار هذا الموضوع مستقبلاً، بل أفادت كشوف العلماء الفلكيين أنّ هناك أشباحاً ترى من بعيد تفيد وجود عوالم اُخرى، على سبيل أوردت بعض المجلات الفضائية نقلاً عن المراصد الجوية المعروفة «بالومار» قولها: لقد تمكن ناظور مرصد بالومار من كشف ملايين المجرات التي يبعد بعضها عنا ألف مليون سنة ضوئية. لكن هناك فضاء عظيم ومهيب مظلم بعد تلك المسافة البالغة ألف مليون سنة ضوئية، غير أنّه يتعذر رؤية مافيه من أشياء. ومما لاشك فيه أنّ ذلك الفضاء المهيب والمظلم يضم مئات الملايين من المجرات بحيث تكفلت جاذبيتها بحفظ البسيطة التي نعيش على وجهها. وما هذه الدنيا العظيمة التي تغص بمئات آلاف الملايين من المجرات إلاّ ذرة تافهة لا قيمة لها مقارنة بدنيا أعظم وأوسع ولسنا متأكدين لحد الآن من وجود دنيا اُخرى
1. بحار الأنوار 55 / 78.
عظيمة فيما وراء هذه الدنيا.(1) ونخلص ممّا سبق إلى أنّ العوالم التي تمّ كشفها من قبل البشرية ورغم عظمتها وما تنطوي عليه من أسرار وأعاجيب ليست إلاّ جزءاً ضئيلاً من عالم ضخم عملاق، ولعل المستقبل سيكشف النقاب عن العوالم الست الاُخرى.
—–
ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أنّ عبارات الإمام(عليه السلام) بشأن ظهور العالم لم ترد بصيغة فرضية واحتمال أبداً، بل صورها(عليه السلام) وكأنّه يشهد ذلك الظهور، وهذا دليل على استناد علمه إلى خزانة علم الغيب الإلهي أو تعليمات النبي(صلى الله عليه وآله)ـ التي تستند إلى الوحي حتى تحدث ابن أبي الحديد بهذا الشأن فقال: «إنّ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) كان يعرف آراء المتقدمين والمتأخرين، ويعلم العلوم كلها وليس ذلك ببعيد من فضائله ومناقبه(عليه السلام)(2)». وكيف لا يكون الإمام(عليه السلام)كذلك وهو القائل: «أنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض».(3)
—–
1. مجلة الفضاء 56 / آذار عام 1972 م.
2. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 80 .
3. نهج البلاغة، الخطبة 189.
«ثُمَّ فَتَقَ ما بَيْنَ السَّمَواتِ الْعُلا فَمَلاَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لا يَرْكَعُونَ، وَرُكُوعٌ لا يَنْتَصِبُونَ، وَصافُّونَ لا يَتَزايَلُونَ، وَمُسَبِّحُونَ لا يَسْأَمُونَ، لا يَغْشاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ، وَلا سَهْوُ الْعُقُولِ وَلا فَتْرَةُ الاَْبْدانِ وَلا غَفْلَةُ النِّسْيانِ وَمِنْهُمْ أُمَناءُ عَلَى وَحْيِهِ، وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضائِهِ وَأَمْرِهِ، وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبادِهِ وَالسَّدَنَةُ لاَِبْوابِ جِنانِهِ، وَمِنْهُمُ الثّابِتَةُ فِي الاَْرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدامُهُمْ، وَالْمارِقَةُ مِنَ السَّماءِ الْعُلْيا أَعْناقُهُمْ وَالْخارِجَةُ مِنَ الاَْقْطارِ أَرْكانُهُمْ، وَالْمُناسِبَةُ لِقَوائِمِ الْعَرْشِ أَكْتافُهُمْ ناكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتارُ الْقُدْرَةِ، لا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ وَلا يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفاتِ الْمَصْنُوعِينَ وَلا يَحُدُّونَهُ بِالاَْماكِنِ وَلا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظائِرِ».
—–
الشرح والتفسير
يواصل الإمام(عليه السلام) خطبته التي تطرق فيها إلى خلق السموات وكيفية ظهور العالم، فيتحدث عن خلق الموجودات السماوية وملائكة العالم العلوي فيشير بعبارات قصيرة بليغة إلى أصناف الملائكة وصفاتهم وخصائصهم وطبيعة أنشطتهم ومهامهم وعظم خلقتهم ومدى علو معرفتهم، فالواقع هو أنّ هذا القسم من الخطبة يختص بالتعريف بالملائكة. فاستهل كلامه
قائلاً: «ثم فتق مابين السموات العلا»(1) فالذي يستفاد من هذا التعبير أنّه كانت هناك فواصل بين السموات وقد التحمت في البداية ثم ما لبثت أن انفصلت، وهذا بالضبط على الخلاف ممّا تضمنته نظرية بطليموس في أن السموات كأغطية البصل متراكمة على بعضها دون وجود أية فجوة. ثم قال الإمام(عليه السلام): «فملأهن أطواراً(2) من ملائكته(3)». وقد ورد نظير هذه العبارة في الخطبة رقم 91 المعروفة بخطبة الأشباح حيث قال: «وملأ بهم فروج فجاجها وحشا بهم فتوق أجوائها» كما ورد في موضع آخر من هذه الخطبة قوله: «وليس في أطباق السماء موضع اهاب إلاّ وعليه ملك ساجد أو ساع حافد».
ثم يتطرق(عليه السلام) إلى أصناف، أو بعبارة أدق أطوار الملائكة فيقسمهم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أرباب العبادة، ثم يقسم هؤلاء إلى أقسام، فمنهم من هو ساجد أبداً لم يقم من سجوده ليركع «منهم سجود(4) لا يركعون»، ومنهم من هو راكع أبداً لم ينتصب قط «وركوع لا ينتصبون» ومنهم الصافون في الصلاة بين يدي خالقهم لا يتزايلون «وصافون(5) لا يتزايلون». ذهب البعض إلى أنّ «صافون» هنا بمعنى الصف في العبادة، بينما ذهب البعض الآخر إلى انّ معناها فتح أجنحتهم في السماء بدليل الآية القرآنية القائلة: (أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّات)(6). وهناك إحتمال آخر أن يكون المراد بها الوقوف في صفوف منظمة والاستعداد لطاعة أوامر الله وامتثالها.
إلاّ انّ الاحتمال الأول أكثر انسجاماً مع الجمل السابقة واللاحقة، والواقع أنّهم يمارسون الحالات الثلاث لعبادتنا في القيام والركوع والسجود. فالتعبير بصافين إمّا أنّه إشارة للصفوف المنظمة للملائكة، أو القيام المنظم لكل منها. وهذا عين ما ورد في خطبته(عليه السلام) في وصف المتقين
1. «العلا» جمع «عليا» بمعنى الأعلى والأشرف.
2. «أطوار» جمع «طور» على وزن قول بمعنى الصنف، كما تعني الحد والحالة أيضاً.
3. ان الضمير «هن» في العبارة كما يشير ظاهرها يعود إلى السموات، إلاّ أنّ المراد الفواصل بين السموات بدليل قوله «ثم فتق...» وفاء التفريع في «فملأهن».
4. «سجود» جمع «ساجد»، كالركوع جمع راكع.
5. «صافون» جمع «صاف» على وزن حاد من مادة «صف» بمعنى المساواة وقد اقتبست في الأصل من «صفصف» بمعنى الأرض المستوية.
6. سورة الملك / 19.
لهمام «أمّا الليل فصافون أقدامهم تالين لاجزاء القرآن»(1). وأخيراً المسبحون الذين لا يملون التسبيح والتحميد له سبحانه «ومسبحون لا يسأمون». فظاهر هذه الجملة يفيد أنّ هؤلاء طائفة اُخرى غير الطوائف الثلاث القائمة والراكعة والساجدة (و ان ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المسبحين هم الطوائف المذكورة سابقاً، حيث يمكن الاستشهاد ببعض الروايات التي تؤيد ماذهبوا إليه. فقد روي أنّه سئل النبي(صلى الله عليه وآله): كيف صلاة الملائكة؟ فأطرق رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى نزل عليه جبرئيل(عليه السلام)فقال له: «أنّ أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي الملك والملكوت وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة يقولون سبحانه ذي العزة وأهل الجبروت وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون سبحان الحي الذي لا يموت»(2).
لكن هل المراد بهذا السجود والركوع والقيام ذات أعمالنا في السجود والركوع والقيام أم إشارة إلى درجات خضوع الملائكة وعبادتهم حسب مراتبهم ومقاماتهم، المسألة محل بحث ونقاش. فاذا اعتبرنا الملائكة أجساماً لطيفة ولهم أيدي وأرجل ووجوه وجبهات فان المعنى الأول أنسب، وإن نفينا عنهم الأجسام، أو أقررنا بأن لهم جسم غير أنّه ليس على غرار أجسامنا فان المعنى الثاني هو الأنسب (وسنتحدث في الأبحاث القادمة عن هذا الأمر).
على كل حال فانّ هذه المجموعة من الملائكة منهمكة في عبادة الله وتسبيحه وتقديسه وكأن مهمتهم مقتصرة على العبادة فقط. والواقع هو أنّ هذه آية بيّنة من آياته سبحانه وعظمة مقامه وعلو شأنه وعدم حاجته إلى عبادة العباد، وبعبارة اُخرى فانّ المحتمل أنّ فلسفة خلقة هؤلاء الملائكة هو عدم اغترار العباد من الناس بعبادتهم وليعلموا على فرض المحال أنّه لو كان بحاجة إلى العبادة فانّ هناك الملائكة المنهمكين بالعبادة فلا ينبغي أن يتصور عباد الله في الأرض ان عبادتهم أو عدمها ليست لها أدنى تأثير على كبرياء الله وعظمته، ولو كفروا جميعاً لما ضره ذلك ذرة (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ)(3). ثم أشار(عليه السلام)إلى صفات هؤلاء الملائكة
1. نهج البلاغة، الخطبة 193.
2. بحار الانوار 59 / 198.
3. سورة الزمر / 7.
فقال(عليه السلام): «لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان». على العكس من الناس الذين يشعرون تدريجياً بالفتور من جراء تكرار العبادة فيخالطهم النعاس فيصاب الجسم بالوهن والضعف ويعرض لهم السهو والنسيان.
إلاّ أنّ الملائكة بعيدون كل البعد عن هذه الحالات والعوارض. فهم على درجة من العشق للعبادة والاستغراق في المناجاة والتسبيح بحيث لا يعرض عليهم النوم والغفلة والفتور قط. وبعبارة اُخرى فان الفتور في إداء الوظائف إنّما يستند إلى اُمور ليست لها من سبيل إلى الملائكة أبداً. فأحياناً تتمثل تلك الاُمور بالتعب وغفو العين وسهو العقول وضعف البدن وأحياناً اُخرى بالغفلة والنسيان ولما كانت أي من هذه الاُمور ليست لها من سبيل إلى الملائكة، فانّهم لا يفترو في عبادتهم قط.
—–
ثم يعرض(عليه السلام) إلى القسم الثاني من الملائكة وهم السفراء بينه تعالى وبين المكلفين من البشر بتحمل الوحي الإلهي إلى الرسل «ومنهم اُمناء على وحيه والسنة إلى رسله ومختلفون بقضائه وأمره» فهم في الواقع الواسطة بين الله والأنبياء. ونفهم من هذه العبارة أنّ السفارة الإلهي لا تقتصر على جبرئيل(عليه السلام)، بل هو في الحقيقة زعيم سفراء الله، القرآن بدوره أشار إلى هذا الصنف من الملائكة: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ)(1)، وقال في آية اُخرى: (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَـزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِـإِذنِ اللّهِ)(2)، كما أشار أحياناً إلى الملائكة من حملة الوحي فقال: (يُنَـزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)(3).
كما أشارت بعض الروايات الإسلامية وسائر خطب نهج البلاغة إلى هذا المعنى أيضاً. وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ المراد بالقضاء والأمر الإلهي الوارد في العبارة التي نخوض فيها هو الأحكام والأوامر الدينية الشرعية، لا القضاء والأوامر التكوينية التي احتملها البعض
1. سورة النحل / 102.
2. سورة البقرة / 97.
3. سورة النحل / 2.
من شارحي نهج البلاغة; وذلك لعدم انسجام هذا الاحتمال والعبارات السابقة ـ التي طرحت مسألة اُمناء الوحي ـ، امّا مختلفون هنا فقد جاءت من مادة الاختلاف بمعنى الذهاب والاياب والتردد على الأماكن.
ثم أشار(عليه السلام) إلى القسم الثالث من الملائكة «ومنهم الحفظة لعباده والسدنة(1) لأبواب جنانه». «حفظة» جمع حافظ بمعنى الحارس، ويمكن أن يكون لها هنا معنيان: أحدهما حفظهما للعباد بمراقبة أعمالهم واحصائها وتسجيلها، كما أشارت إلى ذلك الآية الرابعة من سورة الطارق القائلة (وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِـينَ * كِراماً كاتِـبِينَ ) وضرب آخر من هؤلاء الملائكة الذين يحفظون البشر من المهالك والورطات والبلاء، ولولا ذلك لكان الإنسان مسرحاً للفناء والزوال والاعطاب، وهذا ما صرّحت به الآية الحادية عشرة من سورة الرعد: (لَـهُ مُعَـقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ).
ولكن يبدو أنّ المعنى الأول أنسب بالالتفات إلى العبارات السابقة التي تحدثت عن الوحي والتكاليف الشرعية، والعبارة اللاحقة التي أشارت إلى الجنّة وجزاء الأعمال، وإن لم يستبعد الجمع بين المعنيين عن مفهوم العبارة.
أمّا مفردة سدنة فهى جمع سادن بمعنى البواب، وجنان على وزن كتاب واحدها جنة، والذي يستفاد من هذه العبارة إنّ لله عدّة جنان، ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّها ثمانية كما وصفها القرآن وهى «جنّة النعيم، جنّة الفردوس، جنة الخلد، جنّة المأوى، جنّة عدن، دار السلام، دار القرار وجنّة عرضها السموات والأرض»(2).
![]() |
![]() |