الواقع هنالك فارق واضح بين هذين الأمرين. فالنهي إنّما جاء بشأن الكلام الفارغ الذي


1. بحارالأنوار 19 / 224.

[ 314 ]

ينطوي على الرعد والبرق الكاذب والذي تصطلح عليه بالبلف حيث تفيد القرائن والشواهد بعدم وجود أي عمل خلف ذلك الكلام. ولا شك أنّ مثل هذا البلف والكلام الفارغ أنّما هو ديدن الشيطان واتباعه من الأفراد عديمي المنطق. أمّا الترغيب والترهيب الذي يتبع ذلك والعمل والنشاط الذي يخرج الكلام من دائرته ليزج به في ميدان العمل الذي ينتهجه الفريق الثاني فانّه ليس فقط غير مذموم فحسب، بل إنّما يأتي في نطاق الحرب النفسية التي تفعل فعلها في الواقع. وبالطبع فان التذكير بهذه النقطة ضروري وهى أنّ الانهماك بالرجز والخطابة أثناء المعركة إنّما يشغل قسما من طاقات الإنسان ويحد من الأثر المطلوب لصولاته وحملاته، ومن هنا ورد النهي عن ذلك.

—–

[ 315 ]

 

 

الخطبة 10

 

 

 

ومن خطبة له(عليه السلام)

 

يريد الشيطان أو يكني به عن قوم

نظرة إلى الخطبة

تشير هذه الخطبة إلى موقعة الجمل والحوادث الاليمة التي تخللتها; حيث يصف الإمام(عليه السلام)اعوان طلحة والزبير بانهم جنود الشيطان، ثم يشير إلى خصائصه في الميدان، كما يتطرق إلى تبيين خطته المستقبلية بهذا الشأن في عبارات قصيرة وقارعة مشوبة بتوعد العدو مع تكهن بما ستؤول إليه هذه المعركة.

 

«أَلا وَإِنَّ الشَّيْطانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي: ما لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي، وَلا لُبِّسَ عَلَيَّ. وَايْمُ اللّهِ لاَُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنا ماتِحُهُ! لا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَلا يَعُودُونَ إِلَيْهِ».(1)

—–

 

الشرح والتفسير

تحذير المسلمين ثانية

كما ذكرنا سابقاً فانّ خطبة الإمام(عليه السلام) تعالج القضايا المرتبطة بموقعة الجمل، واستنادا إلى


1. جاء في مصادر نهج البلاغة أنّ المرحوم المفيد نقل هذه الخطبة في الإرشاد / 188.

[ 316 ]

العلاقة الوثيقة بين هذه الخطبة والخطبة الثانية والعشرين وأبعد من ذلك إرتباطها بالخطبة 173، والواقع هو أنّ هذه الخطبة قد استوعبت في تلك الخطبة وأصبحت جزءاً منها، فلا يبقى هنالك من مجال للشك والترديد في أنّ الهدف من هذه الخطبة هو الإشارة لموقعة الجمل، وكأنّي باُولئك الذين فسّروها بالإشارة إلى موقعة صفين وأهل الشام قد أهملوا تلك العلاقة. فالمحور الأول لهذه الخطبة هو تشبيه أعوان طلحة والزبير بجنود الشيطان فقال(عليه السلام): «ألا وان الشيطان قد جمع حزبه، واستجلب خيله ورجله».

و كيف لايكونوا جنود الشيطان وقد نقضوا عهدهم مع الإمام(عليه السلام) وقد دفعهم الحرص على المناصب لبث بذور الفرقة والنفاق بين صفوف الاُمّة الإسلامية واشعال فتيل الحرب الذي أودى بحياة الكثيرين حتى احترقوا بتلك النيران. امّا التعبير بالحزب فهو إشارة إلى الانسجام بين أهداف هؤلاء وأهداف الشيطان، وأمّا التعبير بالخيل والرجل فهو إشارة لتنوع الجنود. القرآن الكريم من جانبه أشار إلى حزب الشيطان بقوله: (إِنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ لِـيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِـير)(1)، ويشير في موضع آخر إلى حزبه من الراجلة والخيالة الذين يختبر بهم بني آدم (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)(2). ولاشك أن تتابع هذه التنبيهات إنّما تستهدف تحلي المؤمنين باليقظة والوعي والحذار من الوقوع في حبائل الشيطان والانضمام إلى حزبه والالتحاق بجنوده، غير أنّ هذا المصير المشؤوم قد طال طلحة والزبير وأعوانها ومن سار على نهجهما قد دفعهم حب الجاه والمنصب لأن يكون لقمة سائغة للشيطان.

ثم تناول(عليه السلام) المحور الثاني الذي بين فيه سماته وعمق بصيرته بما لايجعل للشبهة والشك من سبيل إليه «و إنّ معي لبصيرتي ما لبست على نفسي، ولا لبس علي». الحق أنّ مصدر ضلال أي فرد إنّما يمكن في أحد ثلاث: الأول ألا يمتلك البصيرة والمعرفة اللازمة بالعمل الذي يقدم عليه، فيرد الميدان جهلا فيتصرف بما لايرضى الله. والثاني قد يتمتع بالمعرفة إلاّ أنّ حجب هوى النفس وحب الذات إنّما تحول دون رؤيته للحق وتسوقه للخطأ والزلل، وما أكثر الأفراد الذين يعلمون ببشاعة الذنب إلاّ أنّهم يصطنعون لأنفسهم الاعذار الناشئة من


1. سورة فاطر / 6.

2. سورة الاسراء / 64.

[ 317 ]

وساوس النفس والدوافع الشيطانية التي تسول لأنفسهم عد تلك الذنوب من الفرائض، وكما صورهم القرآن الكريم (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَ نَّـهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(1). والثالث أن يمنع شياطين الجن والانس الاذن بالنفوذ إلى قلبه ويشوهوا عليه الحقيقة. ولم يكن لأي من هذه المحاور الثلاث من سبيل إلى الإمام(عليه السلام); وذلك لأنّه أوصد كافة الأبواب الباطنية والظاهرية للخطأ والانحراف بوجه الوساوس والأهواء وتحلى بتقوى وورع وبصيرة جعلته يرى الحقيقة كما هى.

ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المراد يقول(عليه السلام): «إنّ معي لبصيرتي»، أنّ البصيرة التي كانت معى في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله)في كافة الأحداث المهمّة التي وقعت على عهده مازالت معي ولم تتغير. والعبارة إشارة إلى الآية الشريفة (قُلْ هـذِهِ سَبِـيلِي أَدْعُوا إِلى اللّهِ عَلى بَصِـيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(2). بينما يرى البعض الآخر أن قوله (عليه السلام): «ما لبست على نفسي، ولا لبس علي» هو تفسير لقوله «و إنّ معي لبصيرتي» إلاّ أنّ ما ذكر سابقاً أنسب.

الجدير بالذكر أنّ الإمام(عليه السلام) قال: ما لبست على نفسي، ثم قال: ولا لبس علي; الأمر الذي يكشف عن ترتيب طبيعي ينبغي فيه ألا يخدع الإنسان من قبل نفسه أولا ثم يأمن مكر الآخرين وخداعهم. ثم خاض فى المحور الثالث ليكشف عمّا ستؤول إليه نتيجة موقعة الجمل محذرا خصومه بشدة «و آيم(3) الله لاُفرطن (4) لهم حوضا أنا ماتحه(5)! لايصدرون عنه ولا يعودون إليه». والواقع هو أنّ الإمام(عليه السلام) شبه ميدان القتال بالحوض الذي يريد ملأه بالماء بحيث لايبقى معه من مجال; أراد(عليه السلام) لأملأن لهم حياض الحرب التي هى دربتي وأنا مجرب لها، ثم يشير(عليه السلام) إلى النتيجة التي سيؤول إليها أهل الجمل وهى لن تكون سوى القتل وإزهاق


1. سورة الكهف / 104.

2. سورة يوسف / 108.

3. يرى بعض أرباب اللغة أن «آيم» جمع «يمين» بمعنى القسم وقد سقطت النون وهى مبتدأ لخبر محذوف تقديره (و ايمن الله قسمي).

4. «اُفرطن» من مادة «إفراط» بمعنى تجاوز الحد (ما يقابل التقريط)، كما تأتي بمعنى ملأ الشيء حتى يفيض، وقد جاءت بهذا المعنى في العبارة.

5. «ماتح» بمعنى امتداد الشيء ثم اطلقت على المستسقي الذي يدلي بدلوه لاستخراج الماء من البئر. وقيل إنّ الماتح لمن يستسقى الماء من أعلى البئر، بينما المايح من تحته.

[ 318 ]

الأنفس، وإن كان هنالك من سبيل إلى الفرار فانّ الفار لن يعود إلى الميدان ثانية.

و هنا لابدّ من الالتفات إلى أنّ قوله(عليه السلام): «لأفرطن» لا تعني أنّي سأفرط في هذا السبيل، بل المراد أنّي سأبذل قصارى جهدي لسد جميع الطرق على العدو (لابدّ من الدقة هنا). وهذا بعينه ما جعل عائشة تعتبر من تلك المعركة ولم تشترك في المعارك اللاحقة.

 

تأمّل

جند الشيطان

ما نستفيده من الخطبة المذكورة أنّ الشيطان لايمارس وظيفته في الاغواء والاضلال لوحده; بل له جنوده وأعوانه والذين عبر عنهم فى الخطبة بالخيالة والرجالة (خيل ورجل) كماله اتباعه وانصاره الذين عبر عنهم بالحزب، وكما ذكرنا فان القرآن هو الذي أورد هذين التعبيرين (لابدّ من الالتفات إلى الخيل تعني أحيانا الفارس وهذا هو المراد في العبارة لأنفس الفرس). وبالطبع لايراد بحزب الشيطان ورجالته ما يتعارف اليوم في المجتمعات المعاصرة وتشكيلات الجيوش; إلاّ أننا نعلم بأنّ له مساعدوه من بني جنسه ومن جنس بني آدم الذين ينشطون في إغواء الناس وإضلالهم، بل حتى الأحزاب القائمة اليوم والجنود الذين أصجوا آلة بيد السلطان الظالمة والمستبدة إنّما هى جنود الشيطان وأحزابه. فما كان من الجنود أشد وأقوى فهو من خيله وما كان أضعف وأصغر فهو من رجله. بل هناك من يرى نفسه في صفوف حزب الله وهو في زمرة حزب الشيطان. امّا أتباع الحق فان عليهم أن يتكلوا على الله وينضووا تحت ولايته ليكونوا مصداقا لقوله: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلى النُّورِ)ليحظوا بعناية الله ولطفه ويفوزوا بمضمون «إلهي لاتكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً». أمّا شرط الوصول إلى هذا المقام فهو ما ذكره الإمام(عليه السلام)في الخطبة المذكورة، أي لابدّ من التحلي بالبصيرة والمعرفة والحذر من خداع النفس، إلى جانب الحذر من الوقوع فريسة لحبائل خداع الآخرين ومكرهم.

—–

[ 319 ]

 

 

الخطبة 11

 

 

 

ومن كلام له (عليه السلام)

 

لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل

«تَزُولُ الْجِبالُ وَلا تَزُلْ! عَضَّ عَلَى ناجِذِكَ. أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ. تِدْ فِي الاَْرْضِ قَدَمَكَ. ارْمِ بِبَصَرِك أَقْصَى الْقَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ سُبْحانَهُ».

—–

 

نظرة إلى الخطبة

ما تفيده الروايات هو أنّ أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) كان شديد الحرص على عدم نشوب معركة الجمل بغية الحيلولة دون سفك دماء المسلمين، كما ورد أنّه سلم الراية يوم الجمل ابنه محمد بن الحنفية، فاستغل الفرصة من الصباح حتى الظهر ليدعوهم إلى الصلح والصلاح والالتزام بالبيعة، ثم خاطب عائشة قائلا: اتق الله وعود إلى بيتك فقد أمركن الله سبحانه (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ). ثم التفت إلى طلحة والزبير وقال لهم: صنتم نسائكم وابرزتم زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ثم خرجتم تطالبون بدم عثمان بعد أن آلت الخلافة إلى الشورى (و قد انتخب الناس أميرالمؤمنين وقد مددتما إليه يد البيعة). ثم قال للزبير أتذكر كنّا نتحدث يوما في المدينة فسألك رسول الله(صلى الله عليه وآله): أتحب علي؟ فقلت: كيف لاأحبه وهو قرابتي وإنّي لأحبه في الله. فقال لك رسول الله(صلى الله عليه وآله)فاعلم إنّك ستقاتله وأنت له ظالم! فقلت أعوذ بالله من ذلك اليوم. ثم واصل

[ 320 ]

الإمام علي(عليه السلام)نصحهم ووعظهم حتى قال اللّهم إشهد أنّي نصحت لهم وأمهلتهم، ثم تناول القرآن وقال من يحاججهم بالقرآن فيقرأ عليهم الآية (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ المُـؤْمِنِـينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما)(1) وهو مقطوع يمينه وشماله ومقتول؟ فتناوله مسلم المجاشعي فاقترب من العدو وحمل القرآن بيمينه وتلى عليهم الآية، فحملوا عليه وقطعوا يمينه، فتناول القرآن بشماله فقطعوها أيضاً، فاخذ القرآن بأسنانه فقتلوه. فقال علي(عليه السلام): اُحل لي الآن قتالهم عن آخرهم. ثم إلتفت إلى محمد بن الحنفية وخاطبه بتلك الكلمات.(2) على كل حال فان الإمام(عليه السلام) يسلط الضوء على الفنون القتالية المهمّة والمسائل ذات الاثر من الناحية النفسية والجسدية في الجندي المسلم والتي تعده للتأهب والاستبسال في ساحة المعركة. والكلام يشتمل على سبع جمل: تضمنت الجملة الاولى الأوامر الكلية بشأن المقاومة والصمود في ميدان الحرب، بينما أشارت الجمل الخمس الاُخرى إلى الجزئيات والاُمور التي تلعب دوراً في الصمود وتحقيق النصر. أمّا الجملة السابعة والأخيرة فهى تؤكد على الإتكال على الله وأنّ النصر من عنده سبحانه ليمكن من خلال ذلك وبقوة الإيمان تحمل المشاق والصعاب والتحلي بالروحية العالية من أجل الصمود أمام العدو ومقاتلته.

 

الشرح والتفسير

كن كالجبل

كما اُشرنا سابقاً فانّ الخطبة تعالج مجريات موقعة الجمل حيث أعطى الإمام(عليه السلام) الراية ولده الشجاع محمد بن الحنفية، وقد أوصاه عدّة وصايا مهمّة بشأن القتال وتحقيق النصر منها:

أنّه قال: «تزول الجبال ولا تزل»(3). فالواقع إنّ أهم مسألة في ميدان القتال هى الاستقامة والصمود التي لايمكن تحقيق النصر بدونها، وهذا ما أكده الإمام(عليه السلام) في بداية الأمر. ويمكن أن تكون هذه العبارة إشارة لمضمون الرواية المعروفة «المؤمن كالجبل الراسخ لاتحركه


1. سورة الحجرات / 9.

2. منهاج البراعة للخوئي 3 / 167 ـ 169.

3. قال بعض شرّاح نهج البلاغة أن هذه العبارة جملة شرطية من حيث المعنى، تقد يرها لوزالت الجبال لاتزل (شرح ابن ميثم 1 / 287).

[ 321 ]

العواصف» كما ورد عن النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله) انّه قال: «المؤمن أشد في دينه من الجبال الراسية وذلك انّ الجبل قد ينحت منه والمؤمن لايقدر أحد على أن ينحت من دينه شيئا»(1)، ثم تناول(عليه السلام) ما من شأنه أن يؤثر في مسيرة المعركة فقال: «عض على ناجذك». فالناجذ قد يعنى أقصى الضرس، كما فسّر بسن العقل، وقيل بل جميع الإنسان. وقيل أنّ العض على النواجذ يتضمن فائدتين: الاولى أنّه يزيل الخوف والقلق والاضطراب ومن هنا يعض الإنسان على أسنانه في مواطن الخوف ليهدأ وتسكن فورته، والثانية أنّهم ذكروا أنّ العاض على نواجذه ينبو السيف عن دماغه، لأنّ عظام الرأس تشتد وتصلب; وقد جاء في كلامه(عليه السلام)هذا مشروحاً في موضع آخر وهو قوله(عليه السلام): «وعضوا على النواجذ، فإنّه أنبى للصوارم عن الهام»(2). أمّا في الجملة الثالثة فقد قال(عليه السلام): «أعر الله جمجمتك» تعنى إستعد للتضحية والفداء والشهادة في سبيل الله فان هذا الاستعداد أساس الشجاعة والاستبسال. هذا وقد ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ في العبارة إشعار له أنّه لايقتل في تلك الحرب، لأنّ العارية مردودة، ولو قال له: بع الله جمجمتك، لكان ذلك إشعار له بالشهادة. ثم قال(عليه السلام) في الجملة الرابعة: «تد في الأرض قدمك». في إشارة واضحة إلى الثبات في المعركة ورباطة الجأش في مقابل العدو وعدم التفكير قط بالانسحاب أو الفرار من الميدان; الأمر الذي أوصى به القرآن الكريم المؤمنين من قبل: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِـيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا)(3). ولعل الفارق بين هذه العبارة والعبارة الاولى، هو أنّ الجملة الاولى تحدثت عن عدم التزلزل في الفكر والمعنويات بينما أشارت العبارة الأخيرة إلى عدم التزلزل الظاهري والبدني وعدم الانسحاب والتراجع وفي الجملة الخامسة قال(عليه السلام): «ارم ببصرك أقصى القوم» فمثل هذه النظرة تجعله يحيط بالميدان والعدو والسيطرة على حركة الجنود بحيث يتعرف على نقاط الضعف والقوة فيصيب في الدفاع والهجوم والكر والفر. ثم قال(عليه السلام): «و غض بصرك». ليس هنالك من تناقض بين قوله «ارم ببصرك»قوله «غض بصرك» وذلك لأنه في الاولى أمره أن يفتح عينه ويرفع طرفه، ويحدق إلى أقاصي القوم


1. سفينة البحار، مادة أمن.

2. نهج البلاغة، الخطبة 124.

3. سورة الانفال / 45.

[ 322 ]

ببصره، فعل الشجاع المقدام غير المكترث ولاالمبالي، لأن الجبان تضعف نفسه ويخفق قلبه فيقصر بصره ولا يرتفع طرفه ولا يمتد عنقه، ويكون ناكس الرأس، غضيض الطرف. وفي الثانية أمره أن يغض بصره عن بريق سيوفهم ولمعان دروعهم، لئلا يبرق بصره ويدهش ويستشعر خوفا. والشاهد على ذلك ما أورده(عليه السلام)في موضع آخر من نهج البلاغة بهذا الشأن إذ قال: «و غضوا الأبصار فانه أربط للجأش واَسكن للقلوب»(1). أمّا في الجملة السابعة والأخيرة فقد أشار(عليه السلام)إلى نقطة مهمّة وأساسية تنطوي على أبعاد روحية معنوية تطمئن النفوس وتحدوها بالتطلع إلى الله «و اعلم أن النصر من عند الله سبحانه» فالنصر لايستند إلى الأسباب والمقدمات الظاهرية، بل المهم إرادة الله سبحانه ونصره، فتوكل على الله وثق به واسأله الغلبة فهو القادر على كل شيء وهو الرحمن الرحيم بعباده المؤمنين المجاهدين (وَما النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِـيمٌ)(2). والطريف في الأمر أن القرآن الكريم تحدث عن نصرة الملائكة إلاّ أنّه حث المؤمنين بالتضرع إلى الله بنزول النصر لا الملائكة «بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وماجعله الله إلا بشرى لكم وتطمئن قلوبكم به وما النصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم».

 

تأمّلان

1 ـ محمد بن الحنفية ونسبه وبعض أخباره

هو أحد أبناء أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) و«حنفية» لقب أمه واسمها خولة بنت أحد أشراف قبيلة «بني حنيفة» وقد اسرت في أحد المعارك الإسلامية وأرادوا بيعها، فأعتقها(عليه السلام)وتزوجها. ورث محمد الشجاعة من علي(عليه السلام) وقيل كان يشق الدرع بيده لقوته. ومن هنا سلمه(عليه السلام) الراية يوم الجمل، كما أسند إليه مع محمد بن أبي بكر وهاشم المرقال ميسرة جيشه في صفين. وكان شديد التواضع للحسن والحسين(عليهما السلام).


1. نهج البلاغة، الخطبة 124.

2. سورة آل عمران / 126.

[ 323 ]

دفع أميرالمؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه (عليه السلام)، وقد استوت الصفوف، وقال له: احمل، فتوقّف قليلاً، فقال له: احمل، فقال يا أميرالمؤمنين، أماترى السّهام كأنّها شابيبُ المطر! فدفع في صدره، فقال: أدركك عِرْق من أمّك، ثم حمل وحمل الناس خلفه، فطحن عسكر البصره. قيل لمحمد لِمَ يُغرِّرُ بك أبوك في الحرب ولا يغرّر بالحسن والحسين عليهما السلام؟ فقال: إنّهما عيناه وأنا يمينه، فهو يدفع عن عينيْه بيمينه.

إتهم البعض محمد بن الحنفية بأنه إدعى الإمامة بعد الإمام الحسين(عليه السلام)، بل قيل إدعى المهدوية، إلا أن الشيخ المفيد أبطل ذلك وقال لم يدع الإمامة (بل نسب الآخرون ذلك إليه وهم من إدعى الإمامة والمهدوية من الكيسانية. توفى بن الحنفية عام 81 هـ ـ و اختلف في محل دفنه، فقيل توفي في الطائف ودفن فيها. وقيل في البقيع، كما قيل في الجبل الرضوي قرب المدينة.

أمّا إحد الشواهد الحية على رفعة مكانته وعلو منزلته فهو أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) حين أراد الخروج من المدينة إلى مكة جعله خليفته ووصيه في المدينة ليطلعه على الأخبار، كما أودعه وصيته طبق لنقل أرباب المقاتل.

 

2 ـ الشرط المهم في النصر على الأعداء

تفيد الآيات القرآنية والروايات الإسلامية أنّ العنصر الرئيسي الذي يقف وراء النصر والغلبة إنّما يكمن في الصبر والمقاومة والثبات. فالقرآن يصف الفئة القليلة الصابرة بانها هى المنتصرة في مقابل الفئة المعادية الكثيرة العدد والعدة: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَ نَّـهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(1). كما ورد تأكيده(عليه السلام)على الصبر في سائر خطبه في نهج البلاغة ومن ذلك قوله (عليه السلام): «و عليكم بالصبر فان الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس معه ولا في إيمان لا صبر معه»(2).


1. سورة الانفال / 65.

2. نهج البلاغة، الكلمات قصار / 82 .

[ 324 ]

و هو المعنى الذي ورد التأكيد عليه كرارا في الخطبة التي نحن بصددها، فقد قال(عليه السلام)كإشارة لمواطن الصبر «تزول الجبال ولا تزل» وقال: «تد في الأرض قدمك»، وهكذا سائر عباراته من قبيل العض على النواجذ واعارة الله الجمجمة والإيمان بانّ النصرة والغلبة من الله سبحانه، حيث من شأن كل هذه الاُمور أن تلهم الإنسان الصمود والثبات والمقاومة التي تستبطن النصر، وهذا بعينه ما جعل المسلمين ينتصرون على خصومهم حتى في المعارك التي لم تكن متكافئة، وهذا ما ينبغي أن يؤمن به ويستشعره جيلنا الإسلامي الجديد ليحقق الانتصارات الباهرة على الأعداء.

—–

[ 325 ]

 

 

الخطبة 12

 

 

 

ومن كلام له (عليه السلام)

 

لما أظفره الله بأصحاب الجمل وَقَدْ قالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحابِهِ: وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كانَ شاهِدَنا لِيَرَى ما نَصَرَك اللّهُ بِهِ عَلَى أَعْدائِك «فَقالَ(عليه السلام): لَهُ أَهَوَى أَخِيك مَعَنا؟ فَقالَ: نَعَمْ. قالَ فَقَدْ شَهِدَنا، وَلَقَدْ شَهِدَنا فِي عَسْكَرِنا هَذا أَقْوامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجالِ وَأَرْحامِ النِّساءِ، سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمانُ وَيَقْوَى بِهِمُ الاِْيمانُ».(1)

—–

 

نظرة إلى الخطبة

يتضح ممّا قاله السيد الرضي بشأن الخطبة أنّها متعلقة باحداث الجمل والنصر المبين الذي حققه الإمام(عليه السلام)حيث إلتفت إليه أحد أصحابه وكان شديد الحب لأخيه فقال له: ليت أخي كان معنا ليشهد ما نحن فيه من النصر والغلبة على هؤلاء البغاة. فاورد الإمام(عليه السلام) هذه الكلمات الرائعة ليطمئنه بالحضور المعنوي لأخيه وكل من سار على نهجه(عليه السلام) من حماة العقيدة، فالإسلام يرى الرابطة الدينية تفوق كافة الروابط العرقية والسياسية والاقتصادية وما إلى ذلك. فقد تظافرت الروايات الإسلامية التي صرّحت بأنّ من أحبّ عمل قوم حشر فيه معهم


1. سند هذه الخطبة هو ماورد في كلام الشريف الرضي، وقد ورد شبيه هذا الكلام في كتاب مصابيح الظلم من كتب المحاسن البرقي. أنّ أحد أصحاب الإمام(عليه السلام) قال بعد أنّ أظفر الله الإمام(عليه السلام) بالخوارج في النهروان، طوبى لنا قاتلنا بين يديك فقتلنا الخوارج، فرد الإمام(عليه السلام)بعبارات شبيهة بما ورد في هذه الخطبة (مصادر نهج البلاغة 1 / 339).

[ 326 ]

و الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم. وبعبارة اُخرى فان الإمام(عليه السلام) أشار في هذه الخطبة إلى أنّه قد شهده في عسكره وشركه في نصره كافة الأفراد الذين يقيمون اليوم في كافة أصقاع العالم والذين لم يشهدوا ـ لأسباب ـ ميادين القتال إلاّ أنّهم وبسبب تعاطفهم العقائدي وكذلك الأفراد الذين مازالوا نطف في أصلاب الرجال وقرارات الفساد.

 

الشرح والتفسير

اللحمة العقائدية

يتضح ممّا مر معنا أنّ الإمام(عليه السلام) اورد هذا الكلام في إطار ردّه على أحد أصحابه الذي أعرب عن تمنيه في أن يكون أخيه قد حضر معه في تلك المعركة ويشهد النصر المؤزر الذي من الله به على جيش الإمام(عليه السلام)فالتفت إليه الإمام(عليه السلام): «فقال له: أهوى أخيك معنا؟»، «فقال: نعم»، فرد عليه الإمام(عليه السلام): «فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في اصلاب الرجال وارحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان».(1)

أجل من كان على عقيدتنا أينما كان فهو معنا وإن لم يكتب لهم الله الحضور الفعلي في الميدان. أمّا قوله(عليه السلام)سيرعف بهم الزمان فهى إشارة إلى أنّ الدم وان جرى مستتراً في عروق الإنسان إلاّ أنّه يظهر في أية لحظة وينتشر بكل سهولة، فهؤلاء مستترون في باطن هذا العالم إلاّ أنّهم سيظهرون تدريجيا طبق التصنيف الزماني الإلهي ومن خصائصهم «و يقوى بهم الإيمان» فهم يتحركون باتجاه الحق; الأمر الذي يسهم في تقوية أواصر الدين والإيمان. هذا وقد كثر الكلام بين شرّاح نهج البلاغة بشأن طريقة هذا الشهود والحضور للغائبين فهل هو حضور روحي؟ أي هل أرواحهم حاضرة في ذلك المكان قبل أن تخلق الأبدان، أم هو حضور بالقوة؟ أي هم حاضرون وان غابوا عن الميدان ظاهريا؟ يبدو أنّ مراد الإمام(عليه السلام) بهذا الحضور هو شركتهم في الثواب والحسنات والنتائج; أي أنّ هؤلاء الذين قلوبهم معنا وهم على خطتا وحركتنا (حزب الله) فهم شركاءنا في الأجر والثواب، وعليه فلهم حضورهم الروحي الفعلي في كافة ميادين صراع الحق ضد الباطل. فالواقع هو أنّ المسار واحد والحركة واحدة والجميع كتلة


1. «الرعاف» خروج الدم من الأنف.

[ 327 ]

واحدة إن تعا نقت عقائدهم وأهدافهم وليس للزمان أن يفصل بعضهم عن البعض الآخر. وهذا يصدق أيضاً على خط الباطل، فالكل سائر على طريق الشيطان ويحمل نفس العقائد الفاسدة ويعيش حالة الظلم والعدوان ومقارفة الذنوب والمعاصي فالمتأخر شريك للمتقدم في الجزاء والعقاب.

 

تأمّل

الرابطة الحق

ما ورد في الخطبة يكشف عن حقيقة معنوية ليس للمعادلات الدنيوية المادية من سبيل إلى الوقوف على كنهها والاحاطة بها. فالإمام(عليه السلام) يرى أنّ أهم رابطة تحكم المؤمنين هى رابطة الدين والعقيدة التي لاتضاهيها رابطة (من قبيل رابطة الدم والجنس واللون والعرق واللغة والحزب والطائفة والقبيلة وما إلى ذلك) فهى أروع وأقوى وأعظم، ومن شأن هذه الرابطة أن تشمل كافة الأزمنة والأمكنة وجميع أفراد البشر في الماضي والحاضر والمستقبل ليصهرها في بوتقة الهية واحدة. فقد قال(عليه السلام) «لقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وارحام النساء، سيرعف بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان» فالمعركة ليست صراع شخصي من أجل السيطرة، بل هى معركة بين الحق والباطل، وهما صفان متقابلان خالدان حتى ينفخ في الصور، وأنّ المؤمنين سيهبون لمجابهة الباطل والذود عن الحق مازالت هنالك آثار للباطل، وكل من كان على الحق فهو شريك في كل ما يترتب على هذه المجابهة من أجر وثواب. والدليل واضح على ذلك حيث الحقيقة واحدة لاينشد أتباع الحق سواها فهم يتحركون بهذا الاتجاه ويشهرون سيوفهم من أجل تحقيق هذا الهدف. وعلى أساس هذا الاصل الأساسي تكون قد حلت أكثر المسائل الواردة في القرآن والأحاديث والتي قد تبدو مستغربة للبعض. فقد صرّح القرآن الكريم بشأن قوم ثمود قائلا: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّئها)(1). بينما صرّحت التواريخ أنّ الذي عقر الناقة كان واحداً منهم، في حين نسب الله العقر للجميع بفعل تضامنهم العقائدي معه فشملوا جميعاً بالعذاب. وهذا هو


1. سورة الشمس / 14.

[ 328 ]

المفهوم الذي أوضحه الإمام(عليه السلام)بقوله: «أيّها الناس انّما يجمع الناس الرضى والسخط وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد منهم فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا»(1) وقوله(عليه السلام): «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كل راض بالاثم ذنبان; ذنب الرضى به وذنب العمل به». وورد في زيارة الأربعين لجابر بن عبدالله الانصاري أنّه انكب على قبر الحسين(عليه السلام)وجعل يزوره بهذه العبارت: «أشهد أنّك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف نهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين، والذي بعث محمداً بالحق لقد شاركناكم فيما دختلم فيه» فلما سمعه صاحبه عطية تعجب من قوله قائلا: كيف ذاك ولم نهيط وادياً وقد قاتل القوم دون الحسين(عليه السلام)فطاحت رؤوسهم وترملت نسائهم ويتمت أولادهم فقال جابر: سمعت حبيبي رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: من أحبّ قوماً حشر معهم ومن أحبً عمل قوم اُشرك في عملهم، أمّا والذي بعث محمدا(صلى الله عليه وآله)بالنبوة لنيتنا نية الحسين(عليه السلام)وأصحابه»(2)القرآن من جانبه خاطب كراراً يهود المدينة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)وبخهم على الأعمال التي أتى به أصحابهم على عهد نبي الله موسى(عليه السلام); بينما كانت هنالك عدّة قرون بين القومين، فجعلهم القرآن كاُولئك لانتهاجهم مسيرتهم ورضاهم باعمالهم، ومن ذلك قوله (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِـينَ)(3). وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق(عليه السلام)في ذيل هذه الآية أن الله إعتبر هؤلاء ـ ممن عاصر النبي(صلى الله عليه وآله) من اليهود ـ قتلة الأنبياء السابقين رغم عدم ارتكابهم لجريمة القتل ولكن حيث كانوا على عقيدة أولئك القتلة وراضين بفعلهم فقد عدهم قتلة»(4). وقد روى المحدث الكبير عدّة روايات في المجلد الحادي عشر من وسائل الشيعة بهذا المضمون في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(5)

ومن شأن هذا اللون من التفكير أن يفتح أمامنا آفاقا واسعه ويجعلنا نقف على مضمون الآيات والروايات ويساعدنا في سلوك طريق الحق.


1. نهج البلاغة، الخطبة 201.

2. بحارالانوار 65 / 131.

3. سورة آل عمران / 183.

4. بحارالانوار 97 / 94.