تأمّلات

1 ـ ما هو علم النجوم؟ وما المحظور منه؟

السؤال الأول الذي يطرح نفسه هنا: ما المراد بعلم النجوم الذي عرض أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) بذمه بشدّة في هذه الخطبة حتى عدّه بمصاف الكفر؟ قطعاً ليس المراد العلم بأحوال النجوم وحركاتها وابتعادها وإقترابها من بعضها; لأنّه وكما أشرنا سابقاً فان حركات النجوم وأوضاعها في السموات من الآيات الإلهية، وقد دعي الناس للاهتداء بها في ظلمات البحار والصحاري، كما أشير إلى ذلك في ذيل هذه الخطبة أيضاً. فالوقوف على أسرار عالم الخلقة والتفكر في خلق السموات والأرض لايستحق الذم فحسب، بل يعد من الاُمور التي دعي

[ 167 ]

أولي الألباب إلى تأملها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمـواتِ وَالأَرضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لاَيات لاُِولِي الأَلْبابِ)(1). وعليه فما شدد على ذمه شئ آخر هو العلم بأحكام النجوم، ويراد بها العقائد التي تنسب حياة الإنسان ومصيره في الكرة الأرضية إلى أوضاع النجوم وأحوالها، والإخبار عن بعض الحوادث استنادا إلى حركة الأفلاك، ولا يقتصر هذا الإخبار على المسائل العامة والاجتماعية، بل يتجاوزها إلى الاُمور الشخصية والجزئية; ومن هنا نرى إستعانة الملوك والسلاطين بالمنجمين الذين يسعون لقراءة أوضاع الكواكب على ضوء رغبات أولئك الملوك، فاذا ما نظروا إلى الكواكب أخبروا بأنّها تشير إلى سلامة صاحب السعادة والسمو وتنامي قوته وشوكته، فاذا ما فرغوا من الأخبار الكلية عمدوا إلى بعض الجزئيات التي يمكن إطلاقها حتى من قبل عوام الناس دون تأمل أوضاع الكواكب من قبيل فقدان بعض الشخصيّات وبروز الاختلاف في بعض أصقاع العالم وغلاء أسعار بعض الأشياء وإصابة بعض الزرع بالافات وبرودة الجو في الشتاء وحرارته في الصيف وما إلى ذلك. وهذه هى ا لتكهنات والأخبارات التي قد تصيب وقد تخطئ وقد ورد ا لذم عليها في الروايات الإسلامية ولا سيما في هذه الخطبة.

—–

 

2 ـ الكهانة والكفر

السؤال الآخر الذي يرد بهذا الشأن وهو فساد الاعتقاد بوجود الإرتباط بين حياتنا والنجوم، بل ليس هنالك من منطق يقر بذلك; ولكن ما سبب كل هذا التشدد في الذم وجعل هذه المسألة في مصاف الكفر؟ ولا تصناح الاجابة على هذا السؤال لابدّ من الالتفات إلى هذه النقطة وهى أنّ أصحاب نظرية الإرتباط (بين الحوادث وحركة الافلاك والنجوم) على عدة أقسام:

1 ـ من يعتقد بأزلية وألوهية الكواكب وأنّها ذات تأثير على عالم الوجود وحياة الإنسان والحوادث التي تقع في الأرض.


1. سورة آل عمران / 190.

[ 168 ]

2 ـ من يعتقد بتدبير الكواكب وإدارتها لعالم الوجود، وان سلبها الاستقلال وأسند فعلها إلى إذن اللّه.

3 ـ من يعتقد بأنّ لها تأثير طبيعي على الأرض، وكما أنّ حرارة الشمس تؤدي إلى نمو الأشجار وحملها للثمار والفاكهة، فانّ لاوضاع الكواكب تأثير في شؤون حياة الإنسان وقد إنكشف لنا بعضه بينما ظل البعض الآخر خافياً علينا.

4 ـ من لايعتقد بتأثيرها في شؤون حياة الإنسان، إلاّ أنّها تستطيع أن تخبر عن الحوادث الحاضرة والماضية وبعبارة أخرى: فهى إمارات وعلامات على الحوادث لا أنّها علل وأسباب. فمما لاشك فيه أنّ الطائفة الاولى في زمرة الكفار وإن اعتقدت باللّه سبحانه، لأنّها مشركة قد جعلت لها إلها آخر تعبده.

أمّا الطائفة الثانية فهى خاطئة من جهتين وان لم تكن كافرة: الاولى: أن زعمها لتأثير الكواكب على حياة الإنسان هو زعم فارغ يفتقر إلى المنطق والدليل والبرهان، الثانية: أنّ هذا الكلام يخالف ظاهر الايات القرآنية والروايات الإسلامية القطعية التي تنفى عن هذه الكواكب أي شعور وحياة وتدبير للخلق، بل تنسب تدبير الخلق والحياة والموت والرزق إلى الحكيم المتعال، ولا تتطرق إلى النجوم والكواكب والأجرام السماوية والشمس والقمر الا بصفتها آيات من آيات الحق، ولو كان لها حقا بعض العلم والحياة والقدرة والتدبير والتصرف في العالم لإشارت الروايات والآيات إلى هذا الأمر. نعم أنّها مسخرات بأمر اللّه ولكل وظيفته، فالشمس تشع بضيائها، والقمر يضيئ في الليالي الظلماء و...

وأمّا الطائفة الثالثة التي تعتقد بالتأثير الطبيعي لهذه الكواكب على أوضاع الأرض، فهو كلام لايخالف الواقع، إلاّ أنّ السؤال المطروح هو ما مدى هذا التأثير واين؟ والحق أنّ ذلك ليس واضحا لدينا. نعم نعلم أن لضوء الشمس تأثير على كل شئ، كما القمر أثره في ظاهرة المد والجزر، وأنّ للنجوم تأثير، ولكن هل لهذه الكواكب تأثير في حوادث حياتنا أم لا؟ هل للانفجارات الشمسية تأثير على الهيجان الفكري للإنسان على وجه الكرة الأرضية، وهل لها من تأثير في نشوب الحروب والنزاعات أم لا؟ وهكذا سائر المسائل من هذا القبيل التي لانعرف كنهها وليس لدينا رؤية واضحة عنها، وكل ما نقوله فيها إنّما هو قول بغير علم، وكلام

[ 169 ]

دون دليل، وعليه فانّ مثل هذا الكلام لايجوز شرعاً، إلاّ أن تثبت هذه التأثيرات وما شابهها بالأدلة العلمية والقطعية. بعبارة أخرى: لامانع من الأخبار عن التأثيرات الطبيعية للاوضاع الفلكية الثابتة في الأرض وحياة الناس، وما لم يثبت يجوز التحدث عنه على مستوى الاحتمال، لا على سبيل الحكم القطعي، عل كل حال فانّ الاعتقاد بمثل هذا التأثير ليس كفراً ولا مخالفاً لاحكام الشرع، والروايات التي صرحت بالنهي عن تعلم علم النجوم ليست ناظرة لهذا الأمر البتة، كما لم يكن المنجمون السابقون يعنون بهذا الأمر في أحكامهم. والذي يستفاد من كلمات المنجمين السابقين أنّهم كانوا يقولون بالطبائع التي تشتمل عليها هذه الكواكب على أن لبعضها طبع حار وأخرى بارد وما شابه ذلك. ومما لا شك فيه ان القول بهذه الطبائع للنجوم إنّما نشئ من بعض الاستحسانات والعقائد، فكانوا يصدرون على ضوئها بعض الأحكام ويصرحون بأنّ الكواكب الفلاني سيقترب هذا الشهر من الكوكب الفلاني ولما كانت طبيعتيهما كذا وكذا فستشهد الأرض الحادثة الفلانية. وحيث يفتقر هذا الاعتقاد إلى الدليل والحكم القطعي لأنّه يقوم على أساساً الحدس والاستحسان فانّ المنجمين المسلمين إنما يذكرون هذه الاُمور على سبيل الاحتمال ويصرحون قائلين: يحتمل ظهور مثل هذه الحوادث.

وأخيرا الطائفة الرابعة التي ذهبت إلى أنّ أحوال الكواكب والنجوم علامات على الحوادث التي تقع في المستقبل، أو تقول جرت السنة الإلهية على وقوع الحادثة الفلانية في الكرة الأرضية إذا حدثت بعض التغييرات في الأفلاك والكواكب، دون أن تعتقد بالالوهية والربوبية لهذه الكواكب، وعليه فعقيدته لاتوجب الكفر، إلاّ أنّ فعلهم حرام، لأنّ كلامهم يفتقر إلى الدليل وهو قول بغير علم ولا يستند سوى إلى الظن والوهم والخيال، وذلك لأننا نعلم أنّ الشرع يحرم كل قول يصدر من الإنسان دون أن يستند إلى علم ويقين وحجة شرعية (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(1) كما صرح القرآن قائلاً: (أَتَقُولُونَ عَلى اللّهِ مالاتَعْلَمُونَ)(2)وقال بشأن الكفار (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِنْ يَتَّـبِّعُونَ إِلاّ الظَّـنَّ وَإِنَّ الظَّـنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً)(3). ومن جانب آخر فاننا نعلم أنّ الغيب للّه ووحده العالم بحركة الإنسان وما يواجهه


1. سورة الاسراء / 36.

2. سورة يونس / 68.

3. سورة النجم / 28.

[ 170 ]

من أحداث وكيف تكون عاقبته ومتى يفارق الدنيا وفي أي أرض يموت. وبالطبع فأنّ لأولياء اللّه نصيب من العلم ولاسيما بهذه الاُمور من خلال تعليم اللّه لهم، ولكن ليس لديهم مثل هذا العلم ببعض الحوادث من قبيل قيام القيامة أو ظهور المصلح العالمي، وليس لأي أحد من غير المعصومين(عليه السلام)إدعاء علم الغيب سواء استند هذا الادعاء إلى علم النجوم أو الارتباط بعالم الأرواح أو إخبار الجن وما شاكل ذلك.

ويتضح مما مر معنا لم إعتبر الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة علم النجوم على أنّه مصدر الكهانة، وأنّ المنجم بمنزلة الكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر، كما اتضحت كيفية كون تصديق المنجمين نعني تكذيب القرآن، وكيف أن الاعتماد على أقوال هؤلاء تجعل الإنسان غنياً عن التوكل على اللّه والاستعانة بذاته المقدسة. والواقع هو أنّ الإمام(عليه السلام)أورد الكلام بشأن عدّة طوائف من المنجمين التي تعتقد بالتأثير ا لمستقل للنجوم أو تربط الحوادث بأوضاع النجوم وأحوالها وما إلى ذلك من عقائد موهومة. والإسلام من جانبه لايرى من إعتبار لمثل هذا النوع من علم النجوم الذي لايستند سوى إلى الوهم والظن، فرفضه وصرح ببطلانه، بينما حث المسلمين ودعاهم إلى تعلم علوم النجوم الذي يهدف إلى الاطلاع والتعرف على أسرار النجوم وسبر أغوارها.

—–

 

3 ـ كيفية ظهور التكهنات النجومية

ليس هناك من وضوح في الدافع الذي يقف وراء ظهور علم النجوم بمعناه الانحرافي لا العلمي; إلاّ أنّه يمكن اعتبار بعض الاُمور المؤثرة في هذا الأمر على نحو الاحتمال، من قبيل:

1 ـ تصادف إقتران بعض الحوادث على الأرض مع بعض الاوضاع الفلكية.

2 ـ الاستحسانات والخيالات التي استندت إليها التحليلات في أغلب القضايا الاجتماعية.

3 ـ إصرار البشر ـ ولا سيما السلاطين وأصحاب السطوة ـ على الالمام بالحوادث المستقبلية وما يرتبط بها.

4 ـ استغلال هذا الأمر لتبرير الاعتقاد بالجبر فيصرحون مثلاً بانّ ما نواجهه من حوادث

[ 171 ]

إنما هى معلولة لأوضاع الأفلاك، فهذه الحوادث واقعة شئنا أم أبينا.

5 ـ تبرير القضايا السياسة وتوظيفها في محاربة أفكار الخصوم على أنّ ذلك من مقتضيات أوضاع الأفلاك ولا يسع أحد الوقوف بوجهها. وهنا يبرز هذا السؤال: لقد وردت عدّة روايات صرحت بتجنب عقد الزواج والقمر في العقرب، أو ليس هذا دليلاً على الأثر الذي تلعبه أوضاع الأفلاك على حياة الإنسان؟ ولا تبدو الإجابة على هذا السؤال صعبة. فنحن لاننكر التأثير الطبيعي لأوضاع الأفلاك على حياة الناس، لأنّ كافة أجزاء العالم وحدة واحدة يؤثر كل منها على الآخر. وكل ما قلناه هو أنّ إثبات التأثير الطبيعي لاوضاع الافلاك على حياة الناس في كل حال ودون إستثناء إنّما يتطلب الدليل والبرهان، ولا يمكن للوهم والخيال أن يثبت شيئاً، وعليه فاذا ثبت شئ عن طريق المعصوم(عليه السلام) فلا مناص من قبوله بتلك الحدود. ونخلص من هذا إلى أنّ روايات «القمر في العقرب» لاتتناقض وما ورد في هذا البحث.

—–

[ 172 ]

[ 173 ]

 

 

الخطبة(1) 80

 

 

 

ومن خطبة له (عليه السلام)

 

بعد فراغه من حرب الجمل، في ذم النساء ببيان نقصهن

 

نظرة إلى الخطبة

وردت هذه الخطبة بعد الجمل وهزيمة جيش عائشة في الجمل، حيث عرض فيها بالذم للنساء; قطعاً النساء اللاتي أججن نار موقعة الجمل ومن تبعهن واحتذى بأقوالهن، فالإمام(عليه السلام) يذم هؤلاء بفعل بعض النقائص التي تدعو إلى إرتكاب بعض الأعمال الطائشة ويحذر المؤمنين من التأثر بما يصدر عنهم من سوء.


1. سند الخطبة: أنّ هذا الكلام من جملة كتاب له(عليه السلام) كتبه بعد احتلال عمرو بن العاص لمصر وقتل محمد بن أبي بكر، استعرض فيه الأحداث من أيام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) إلى اليوم الذي حرر فيه ذلك الكتاب وأمر أن يقرأ على الناس، وأنّه ليس من البعيد أنّه(عليه السلام) قال هذا الكلام بالخصوص أكثر من مرة، منها في ذلك الكتاب ومنها بعد حرب الجمل كما ذكر السيد الشريف في هذا الموضع. وإنّما قلت ذلك إعتماداً على نص الشريف هنا وما ذكره السبط بن الجوزي في التذكرة حيث قال: ذكر علماء السير: أنّ علياً(عليه السلام)لما فرغ من حرب الجمل صعد المنبر البصرة فخطب الناس وقال: إنّ النساء... بأدنى تفاوت عما ذكر الرضي. ومن نقلها قبل السيد الرضي أبوطالب المكي في قوت القلوب والشيخ الكليني في الكافي المجلد الخامس وابراهيم بن هلال الثقفي في الغارات وابن قتيبة في الإمامة والسياسة والطبري في المسترشد. (مصادر نهج البلاغة 2/86).

[ 174 ]

[ 175 ]

 

 

 

«مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ النِّساءَ نَواقِصُ الاِْيمانِ، نَواقِصُ الْحُظُوظِ، نَواقِصُ الْعُقُولِ: فَأَمّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاةِ والصِّيامِ فِي أَيّامِ حَيْضِهِنَّ، وأَمّا نُقْصانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وأَمّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الاَْنْصافِ مِنْ مَوارِيثِ الرِّجالِ. فاتَّقُوا شِرارَ النِّساءِ، وكُونُوا مِنْ خِيارِهِنَّ عَلَى حَذَر، ولا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ».

—–

 

الشرح والتفسير

مكانة المرأة في المجتمعات البشرية

هنالك خلاف بين شرّاح نهج البلاغة ولا سيما المعاصرين منهم بشأن تفسير هذه الخطبة، ومن هنا نرى ضرورة التمهيد قبل الخوض في تفاصيل هذه الخطبة. فقد حفل التأريخ بكثرة الكلام والإفراط والتفريط بشأن موقعها وشخصيتها، فقد نزلوا مقامها أحياناً دون مقام الإنسان، بل ترددوا في إنسانيتها بينما ذهب إلى البعض الآخر إلى أنّها الجنس الراقي الذي يفوق الواقع حتى إقترح سيادتها للجماعة البشرية، ويمكن اعتبار هذين الرأيين من قبيل الإفراط ورد فعله التفريط. أمّا اليوم فقد كثر الكلام أيضاً في المجتمعات الغريبة ومن يناغمها في إرساء التجربة الديمقراطية بشأن المرأة. فالساسة يرون أنفسهم بحاجة إلى رأي النساء اللاتي يشاركن في الانتخابات ويدلين بأصواتهن، كما يحتاجها الرأسماليون لاستخدامها في المعامل والمصانع ولا سيما أنّهم يتوقعون مطالبتهن باُجور أقل من الرجال إلى جانب تحليهن ببعض الصفات التي لاتتوفر في الرجال، وأخيراً هناك الجهاز الأعلامي الذي يعد الشريان الرئيسي للميدان السياسي والاقتصادي هو الأخر يرى نفسه بحاجة ماسة إلى المرأة. كل هذه الاُمور

[ 176 ]

أدت إلى الدفاع المستميت عن حقوق المرأة والسعي الحثيت لرفع شخصيتها إلى أقصى ما يمكن على مستوى الكلام، أمّا على مستوى العمل فالقضية معكوسة تماما. فما زالت المرأة تعيش اليوم شتى أنواع الحرمان; الأمر الذي كان له أثره على تفسير بعض النصوص الدينية الواردة بشأن المرأة وتأويلها بالشكل الذي يتناسب وطباع أغلب النساء ويشبع رغباتهن وتطلعاتهن وإن كانت فارغة تفوق الخيال. ولم تسلم هذه الخطبة وسائر شبيهاتها من الخطب في نهج البلاغة من ذلك التقصير، بل هنالك من يتردد في سند هذه الخطبة، وآخر يتحرج في تفسيرها حذراً من المساس بمقام المرأة والاساءة لها، وإلى جانب هؤلاء فهناك من سلك سبيل التفريط بحق المرأة ليصورها على أنّها مجموعة من العيوب والنقص. وهنا نقول لاينبغي التنكر لأمرين: الأول: أنّ هذه الخطبة وردت بعد الجمل، ونعلم أنّ القطب الرئيسي فيها كان زوج النبي(صلى الله عليه وآله)عائشة التي وردت الميدان إثر التحريض العجيب الذي قام به طلحة والزبير وقد سالت فيها دماء غزيرة ذهب البعض إلى أنها خلفت ما يربو على سبعة عشر ألف قتيل، طبعاً صحيح أنّ تلك المرأة أعربت عن ندمها بعد هزيمة عسكر الجمل، وانّ أميرالمؤمنين علي(عليه السلام)واحتراماً لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أمر بردها معززة مكرمة إلى المدينة، إلاّ أنّ الآثار السيئة لتلك المعركة ظلت باقية في صفحات التأريخ الإسلامي والثاني إننا نرى أغلب الآيات القرآنية التي عرضت بالذم للجنس البشري فقد صرح القرآن قائلاً: (إِنَّ الإِنْسانَ خُلِـقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّـرُّ جَـزُوعاً * وَإِذا مَسَّـهُ الخَيْرُ مَنُوعاً)(1) وقال: (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَـهُولاً)(2) وقال: (إِنَّ الإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ)(3)(كَـلاّ إِنَّ الإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)(4) وما شابه ذلك من الآيات. فمما لاشك فيه أنّ الإنسان في طبيعته ليس «كفور مبين» ولا «ظلوم جهول» ولا «طاغي»، ويبدو أن هذه الاُمور تتعلق باُولئك الأفراد الذين لم يترعرعوا في ظل التربية الدينية، فهم غارقون في أهوائهم وذواتهم وليس لهم من مرشد أو دليل. ومن هنا نرى القرآن يكيل المدح والثناء للإنسان الذي يتحلى بالطاعة والورع والتقوى، بل أشار القرآن إلى


1. سورة المعارج / 19 ـ 21.

2. سورة الاحزاب / 72.

3. سورة الزخرف   / 15  .

4. سورة العلق / 6 ـ 7.

[ 177 ]

بني آدم على أنّهم أكرم من في عالم الوجود (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّـيِّباتِ وَفَـضَّلْناهُمْ عَلى كَثِـير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِـيلاً)(1). وبصدق ما أوردناه سابقا على جنس المرأة، فهناك المتميزات من بين النساء بما يقل العثور على نظيرهن في الرجال، وبالعكس هناك النساء المنحرفات اللائي يشكلن بؤرة فساد المجتمعات البشرية. والان نخوض بعد هذه المقدمة في شرح الخطبة، وسنثير آخر الخطبة إلى بعض الاُمور ذات الصلة بهذا الخصوص. كما ذكر سابقاً فانّ الإمام(عليه السلام) خطب هذه الخطبة في الجمل كتحذير لجميع المسلمين من مغبة التعرض لمثل هذه الحوادث في المستقبل، فقال(عليه السلام):«معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول» ثم قدم(عليه السلام)الدليل على ما ذهب إليه فقال: «وأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأمّا نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد، وأمّا نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد، وأمّا نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال» ومما لاشك فيه أنّ لكل نقص دليله فقعود النساء عن الصلاة والصوم حين العادة الشهرية لسببين أحدهما أنّ المرأة قد تعيش حالة شبه مرضية زمان العادة فهى بحاجة إلى الراحة، والآخر أنّ وضعها لايتناسب وحالة العبادة والدعاء. وأمّا كون شهادة إمرأتين بشهادة رجل واحد فذلك لغلبة الجانب العاطفي عند النساء، وهى تتأثر وتنفعل بهذه العواطف، الأمر الذي قد يدفعها للشهادة لصالح أحد والاضرار بآخر. وأمّا كون ميراثهن نصف ميراث الرجال فأولاً: إنّما يختص هذا الأمر بالبنات والزيجات، بينما الميراث واحد بالنسبة للآباء والاُمهات وأولادهما، وهكذا الحال بالنسبة للاخوة والاخوات وأولادهما. بعبارة أخرى فانّ المرأة كأم أو أخت تتقاضى سهماً مساوياً لسهم الرجل في الميراث. وثانيا: تختص النفقة بالرجال، والمرأة ليست فقط لا تتحمل نفقات الأولاد فحسب، بل يتوجب على الرجل تغطية نفقاتها وإن حصلت على أموال طائلة عن طريق الارث أو غيره. ونخلص من هذا إلى أنّ هذه الفوارق قد حسبت بمتهى الدقة في الإسلام، مع ذلك هنالك


1. سورة الاسراء / 70.

[ 178 ]

مسألة لاينبغي إنكارها وهى أنّ المرأة ليست مساوية للرجل في كل الاُمور، وأمّا أولئك الذين يرفعون شعار المساواة وأحياناً أفضلية المرأة على الرجل فانّما يتبنون ذلك قولاً وينا قضونه عملاً. فهل هناك من رئيس جمهورية ـ رفع شعار المساواة بين الجنسين ـ ووزع الحقائب الوزارية بالتساوي على الرجال والنساء، أم هناك مدير وزع الوظائف الإدارية بهذا التساوي، بل يتعذر ذلك حتى في البلدان الغربية وتلك العلمانية والوطنية. أمّا الرؤية الحق التي تستند إلى الواقع وتجانب الشعار والرياء فهى تلك التي تدعو إلى العدل في التعامل مع الجنسين على أساس الاستعدادات والكفاءات التي أودعت كل منهما، ليتمكن كل طرف من توظيفها بالشكل الصحيح بما يخدم شخصه ومجتمعه; الأمر الذي سنخوض في تفاصيله في مباحث التأملات لاحقاً.

ثم يخلص الإمام(عليه السلام) إلى نتيجة فيقول: «فاتقوا شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لايطمعن في المنكر» ومن الطبيعي أنّ عدم طاعتهن في المعروف لايعني مخالفتهن إذا دعين إلى الاُمور المعروفة كالصوم والصلاة والعدل والاحسان، بل المراد عدم الاستسلام لمقترحاتهن دون الإكتراث لأي قيد أو شرط، وبعبارة اُخرى لابدّ من القيام بالمعروف لذاته لامن خلال الاستجابة المطلقة للازواج، حذراً من تمددهن والمطالبة بالخضوع لكل رغباتهن وطلباتهن. فالعبارة الواردة في نهج البلاغة وان لم تختص بالزيجات وأنّها تقصد عامة النساء، إلاّ أنّ المفروغ منه هو أنّ هذه الاُمور إنّما تحدث عادة بين الازواج والزيجات. وبناءا على هذا فان ما جاء في هذه الخطبة لايتنافى والآيات التي توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يشمل الرجل والمرأة; لأنّ لاخطبة لاتقصد ترك المعروف، بل المراد أن العمل لاينبغي أن يحمل صفة الطاعة العمياء بصيدا عن كل قيد وشرط. كأن يرد الزواج على الزوجة حين إقتراحها المعروف، أجل كنت قد فكرت بالقيام بهذا العمل (فى حالة إذا كانت لديه حقانية القيام به)، أو أن يؤخر العمل لمدة قصيرة إن أمكن تأخيره كي لاتشعر الزوجة بانّه منقاد لها دون حدود وشروط. نعم أنّ النساء المؤمنات الملتزمات الفاضلات مستثناة من هذا الحكم; فهناك النساء اللاتي سخطهن سخط اللّه ورضاهن رضا اللّه كالزهراء(عليها السلام). وهذه النقطة واضحة أيضاً حين قال: «كونوا من خيارهن

[ 179 ]

على حذر» أنّ المراد الخير النسبي لا الخير المطلق، فالأخيار المطلقين ليس فقط لاينبغي الحذر منهم، بل لابدّ من إغتنام الفرصة للتحدث إليهم وسماع وصاياهم. ومن هنا صرحت بعض الآيات القرآنية بضرورة إستشارة النساء، ومن ذلك فطم الطفل عن الرضاعة: (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراض مِنْهُما وَتَشاوُر فَلا جُناحَ عَلَيْهِما).(1)

 

تأمّلان

1 ـ الفوارق والمساواة بين الجنسين

هناك عدة أبحاث في أوساط العلماء بشأن هذا الموضوع: هل يتساوى الرجل والمرأة حقاً من وجهة النظر الحقوقية والخلقية أم يتفاوتان. أمّا الاعتقاد السائد فهو القول بالفارق بين الرجل والمرأة على صعيد البنية البدنية والجوانب العاطفية والعقلائية، دون أن يكون هذا الفارق مدعاة للحد من شخصية المرأة أو الارتقاء بشخصية الرجل; إلاّ أنّ هذا الفارق يمكن أن يكون سبباً لاختلاف المسؤوليات والوظائف التي ينهض بها كل منهما في المجتمع.

أمّا على المستوى الاجتماعي فقد ذهبت جماعة إلى ضرورة سيادة الرجل، فكان لهذا الاُسلوب الافراطي في التفكير رد فعله التفريطي الذي رأى ضرورة سيادة المرأة. بينما انتهجت جماعة ثالثة أسلوباً منطقياً يفند الاسلوبين المذكورين ويتمثل بسيادة الإنسان. والذي يفهم من المصادر الإسلامية والمنطق والعقل بهذا الخصوص هو أنّ شخصية الإنسان تنطوي على ثلاثة أبعاد:

1 ـ البعد الإنساني والمعنوي

2 ـ البعد العلمي والثقافي

3 ـ البعد الاقتصادي

أمّا البعد الأول الذي يتضمن أسمى المثل والقيم الإنسانية فليس هنالك من فارق بين المرأة والرجل، وهما متساويان فيهما عنداللّه ولكل منهما أن يواصل مسيرة التقرب من اللّه، وبعبارة


1. سورة البقرة / 233.

[ 180 ]

أخرى فان طريق التكامل واحد أمامهما. ولذلك خاطبهما القرآن معا: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثى وَهُـوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِـيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّـهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).(1)

وصرحت الآية القرآنية قائلة: (إِنَّ المُسْلِمِـينَ وَالمُسْلِماتِ وَالمُـؤْمِنِـينَ وَالمُـؤْمناتِ وَالقانِتِـينَ وَالقانِتاتِ وَالصّادِقِـينَ وَالصّادِقاتِ... أَعَـدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِـيماً)(2). من جانب نوع الجنس (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ)(3) وهكذا سائر الآيات التي لايسع المقام ذكرها. ولم يتقصر بيان هذه الحقيقة على الآيات القرآنية، بل تطرقت لها الروايات الإسلامية أيضاً، فقد جاء في الخبر:

إنّه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور و اختاروا محمد بن علي النيسابوري فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وشقة من الثياب، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت: إنّ اللّه لايستحي من الحق. فلم يقبل الإمام(عليه السلام) سوى الأموال المتعلقة بشطيطة ورد ما سوى ذلك.(4)

ويتضح من هذه الرواية أن ليس هنالك من تفاوت في القيمة الإنسانية بين الرجل والمرأة. ومن هنا فان المرأة قد تسبق الرجل أحيانا في هذا المضمار.

الطريف في الأمر أنّ صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) كانوا يرون الامتياز للرجل، أمّا النبي(صلى الله عليه وآله)ليس فقط لم ير له من إمتياز فحسب، بل قدم على شخص أخته في الفضل انطلاقاً من المبادئ والقيم الإنسانية الحقة. ولما سئل عن ذلك، أجاب(صلى الله عليه وآله): لأنّها كانت أبر بوالديها منه.(5)

أمّا قصة نسيبة بنت كعب الأنصارية وشجاعتها في ميدان القتال ـ أحد ـ وجلبها الماء وتضميد جراح المقاتلين وصمودها بوجه الأعداء حتى أصيبت بثلاثة عشر جرحاً، ثم التحاقها بصفوف المقاتلين المسلمين في اليمامة في قتال مسيلمة حتى نالت الشهادة لهي قصة


1. سورة النحل / 97.

2. سورة الاحزاب / 35.

3. سورة الحجرات / 13.

4. بحارالأنوار 48 / 73.

5. الكافي 2/162.

[ 181 ]

معروفة. وقد جاء في الخبر أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال يوم أحد: «لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان».(1)

وأمّا بالنسبة للبعد العلمي والثقافي فهنا أيضاً لايوجد فارق بين المرأة والرجل، أي أنّ أبواب العلم مفتحة لهما على السواء والدليل على ذلك ما ورد في الحديث المعروف: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»(2) حتى وإن لم ترد مفردة المسلمة في الحديث، لأنّ المراد بالمسلم هنا النوع الإنساني، كما ورد شبيه ذلك في أغلب الروايات والأحاديث. وعليه فليس هنالك من محدودية من وجهة النظر الإسلامية بالنسبة لانفتاح المرأة على العلوم، ولها أن تطوي مسيرتها نحو الكمال أسوة مع أخيها الرجل. وبغض النظر عن كل ما سبق فانّ التاريخ الإسلامي حافل بكبار الشخصيّات النسوبة بصفتهن محدثات وراويات للأحاديث والأخبار.

وأخيراً ليس هنالك من فارق بين الجنسين في البعد الاقتصادي فلكل منهما ملكيته المحترمة ولا سيما بالنسبة للأعمال، بل للمرأة استقلال اقتصادي خاص، على الخلاف مما تعارف بين المجتمعات الغربية التي حظرت عليها التصرف في أموالها دون إذن الزوج فجردتها من هذا الاستقلال، بينما ليس هنالك من ضرورة لاذن الزوج من أجل تصرف الزوجة بأموالها في الإسلام، ولها أن تتصرف في أموالها حسبما يحلو لها في المصارف المشروعة. ولاننسى هنا إذا أردنا أن ننحي الشعارات جانباً أنّ القدرة الانتاجية للرجل إنّما تفوق نظيرتها لدى المرأة، ويستند ذلك إلى سببين: الأول: أنّ للرجال طاقة أعظم للأتيان بالأعمال الثقيلة; الأمر الذي يمنحهم بعض التفوق الاقتصادي على النساء. الثاني: ما تفقده المرأة من طاقاتها البدنية بفعل مشاكل الحمل والوضع والرضاع وتربية الأطفال التي تستغرق مدة مديدة من عمرها، ولو إفترضنا أنّ للمرأة على الأقل ثلاثة أولاد وأنّها ترصد مدة أربعة


1. سفينة البحار، مادة نسب.

2. ان رواية «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة» وردت في كتاب بحارالانوار للعلامة المجلسي، نقلها من كتاب «عوالى اللئالي» منقولة عن الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) وكذلك وردت في كتاب ميزان الحكمة منقولة من مجموعة ورام.

[ 182 ]

سنوات لكل منهم منذ زمان الحمل ومرورا بتلك المراحل حتى يستوي كصبي فانّها ستصرف إثنتي عشرة سنة من شبابها في هذا الأمر. ولعل هذا هو السبب الذي دفع بكافة المجتمعات حتى تلك التي تتبنى مساواة المرأة بالرجل والتي لاتستند حكوماتها إلى المبادئ الدينية لأنّ تسند الأعمال الشاقة ذات المسؤولية الجسيمة إلى الرجال، وأن تختار الرجل أيضاً لمزاولة المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبناءاً على ما تقدم فان وجود بعض الفوارق في المسؤوليات بين الرجل والمرأة من قبيل التصدي لمنصب القضاء أو الاختلاف في عدد الشهود بينهما أو الاختلاف في الميراث الذي أوردنا دليله آنفا، لايمكنه قط أن ينقض الاُصول الكلية للمساواة بين الجنسين في البعد المعنوي والإنساني والبعد العلمي والثقاني وبالتالي البعد الاقتصادي. وعلى كل حال فلابدّ من الإذعان لوجود التفاوت الطبيعي بين الجنسين وعدم خداع النفس والآخرين بالشعارات البراقة الكاذبة.

—–

 

2 ـ أخبار عائشة

عائشة بنت أبي بكر من قبيلة تيم طائفة قريش. أمها «أم الرومان» بنت عامر بن عويمر. ولدت في العام الرابع من البعثة النبوية، تزوج منها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد خديجة. وقفت الى جانب خلافة أبي بكر وعمر وشطرا من خلافة عثمان حتى أصبحت من الناقمين عليه ـ فلما قتل عثمان ظنت أن ابن عمها «طلحة» سيلي الخلافة ولما انتهى أمر الخلافة إلى علي(عليه السلام)سارعت للمطالبة بدم عثمان، فكان من ذلك معركة الجمل في البصرة. فلما قتل طلحة والزبير وهزم أصحاب الجمل أعادها(عليه السلام) إلى المدينة. ذكر ابن سعد في طبقاته ان عمرا جعل عشرة الاف دينار لازواج النبي لكن عائشة كانت تأخذ اثني عشر الف دينارا ثم قطعها عنها عثمان. وقد اشتد الخلاف بين عائشة وعثمان بشأن الوليد بن عقبة المعروف بفسقه وشربه للخمر وتعرضه لبعض صحابة النبي(صلى الله عليه وآله) مثل عبدالله بن مسعود وقد شهد عليه الناس بذلك فما كان من عثمان الا أن أقام الحد عليهم حسبما صرح البلاذري في أنساب الاشراف. فلما سمعت

[ 183 ]

عائشة بذلك أخذت بنعلي رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهى تنادي هذا ثوب رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يبل وقد أبلى عثمان سنته. فلما قتل عثمان سرت عائشة ولم يدم سرورها بعد أن آلت الخلافة لعلي(عليه السلام).

قال الطبري في تاريخ الالم والملوك وابن سعد في الطبقات وابن اثير في الكامل لما سمعت عائشة بقتل علي سجدت وانشدت.

فالقت عصاها واستقر بها النوى *** كما قر عينا بالأياب المسافر

وابعد من ذلك ثناءها على ابن ملجم، فلما سمعت زينب بنت ام سلمة منها ذلك انكرته عليها فقالت بلغني الكبر فنسيت ولا أعود لذلك.

ومن عجائب سيرة عائشة موقفها تجاه عثمان حيث قال كل من صنف في السير والاخبار بما فيهم «ابن أبي الحديد» ان عائشة كانت من أشد الناس على عثمان وهى أول من سمى عثمان نعثلا وقالت «اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا» والنعثل الكثير شعر اللحية كما تعني العجوز الاحمق وكذلك قيل نعثل فرد يهودي كثيف اللحية ولا يعلم أي المعاني أرادت عائشة. فلما قتل عثمان وآل الأمر لعلي(عليه السلام) قالت: «قتلوا ابن عفان مظلوما». واضاف ابن أبي الحديد قائلا: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان. فقالت لها أم سلمة: إنك كنت بالأمى تحرضين على عثمان، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا، وانك لتعرفين منزلة علي(عليه السلام) عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أفأذكرك؟ قالت: نعم. فروت لها عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما يؤكد أحقيته بالخلافة فوافقتها عائشة. فسألتها: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت: انما أخرج للاسلاح بين الناس.(1)