![]() |
![]() |
3. سورة القيامة / 36.
4. «كنه»، الحقيقة وباطن الشئ ، كما تأتي بمعنى العاقبة وأجل الشئ واُريد بها المعنى الأول في العبارة .
5. «تنجز» من مادة «نجز» على وزن عجز ، تستعمل في الوفاء بالعهد ، وتنجز الوعد طلب وفائه على عجل .
التقوى شرف العبد ووسيلته العظمى للقرب من اللّه وهى معيار كرامته، كما أنّها زاد السالكين إلى اللّه ومتاعهم إلى الحبيب، وتشتمل التقوى على أغصان وثمار أشارت لها الخطبة التي تعرضنا لشرحها. وبالطبع فانّ مادة التقوى تكمن في الاذان الصاغية والقلوب الواعية والإرادات القوية والأفكار النيرة التي تعد الإنسان لسلوك سبيل الورع والتقوى; الأمر الذي أشير له في بداية الخطبة. أمّا غصون وثمار شجرة التقوى المباركة فتتمثل بالخشوع للّه سبحانه والاعتراف بالذنب والتوبة منه والاعتبار والاحسان والاقتداء بأولياء اللّه. فاذا نثرت بذور التقوى في القلب الواع وسقيت بماء المراقبة والمحاسبة، حملت هذه البذور ثمار الخوف والخشية والخشوع والتوبة والانابة إلى الحق سبحانه.
—–
«جَعَلَ لَكُمْ أَسْماعاً لِتَعِيَ ما عَناها، وأَبْصاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشاها،أَشْلاءً جامِعَةً لاَِعْضائِها، مُلائِمَةً لاَِحْنائِها، فِي تَرْكِيبِ صُوَرِها، ومُدَدِ عُمُرِها، بِأَبْدان قائِمَة بِأَرْفاقِها، وقُلُوب رائِدَة لاَِرْزاقِها، فِي مُجَلِّلاتِ نِعَمِهِ،مُوجِباتِ مِنَنِهِ، وحَواجِزِ عافِيَتِهِ. وقَدَّرَ لَكُمْ أَعْماراً سَتَرَها عَنْكُمْ، وخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثارِ الْماضِينَ قَبْلَكُمْ، مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاقِهِمْ، ومُسْتَفْسَحِ خَناقِهِمْ، أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنايا دُونَ الاْمالِ، وشَذَّبَهُمْ عَنْها تَخَرُّمُ الاْجالِ. لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلامَةِ الاَْبْدانِ، ولَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الاَْوانِ».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام(عليه السلام) في هذا الموضع من الخطبة إلى جانب من النعم الإلهية التي تثير لدى الإنسان الشعور بالامتنان والشكر، كما تشكل دافعا لمعرفة اللّه والانفتاح على الورع والتقوى، فقد قال(عليه السلام): «جعل لكم أسماعها لتعني ماعناها،(1) وأبصارا لتجلوا(2) عن عشاها،(3) وأشلاء(4) جامعة لاعضائها، ملائمة لاحنائها،(5) في تريكب صورها، ومدد
1. «عنا» من مادة «عناية» بمعنى الاهتمام بالشئ، والضمير في عناها يمكن أن يرجع إلى اللّه فيشير إلى الأهداف الإلهية التي تبلغ الإنسان عن طريق أذنه، أو يرجع إلى الإنسان ليعني الأهداف التي ينالها الإنسان عن طريق الاذان، أو يعود إلى الحرف ما ليعني المطالب المهمة السماع للاذن.
2. «تجلو» من مادة «جلاء» بمعنى تكشف.
3. «عشا» من مادة «عشو» أو «عشي» ضعف البصر وعجزه عن الرؤية وقيل عدم الابصار ليلاً.
4. «أشلاء» جمع «شل» على وزن شكل العضو والجسد، وهنا تعني الجسد، حيث أردفها بالعبارة (جامعة لأعضائها) وقيل قطعة اللحم وهى العضلات ويصدق هذا المعنى على الخطبة المذكورة.
5. «أحناء» جمع «حنو» على وزن حلم ما اعوج من البدن، كأغلب العظام.
عمرها». فالواقع هو أنّ الإمام(عليه السلام)أشار في هذا المقطع من الخطبة إلى النعم لأعضاء البدن الواحد تلوا الآخر، مركزاً على السمع والبصر بفضلها أهموسيلة لإرتباط الإنسان بالعالم الخارجي إلى جانب حصول الانسان على الجانب الأعظم من العلوم والمعارف عن طريقهما، هذا من جهة، ومن جهة اُخرى أشار(عليه السلام)إلى الانسجام القائم بين أعضاء البدن بعضها بالبعض الآخر، ومن ذلك تطرق إلى عضلات البدن التي تعمل متناغمة مع كافة الأعضاء وقد تكيفت مع هيئات العظام. فمسألة تناسق وانسجام أعضاء البدن تعد من أروع ظواهر الخلقة ومن أهم النعم الإلهية، وفى نفس الوقت فان الاستقلال يسود هذه الاعضاء والجوارح، إلاّ أنّها تتحد وتتعاضد بما يدعو للدهشة والذهول إذا ما طرأ على الإنسان طارئ. على سبيل المثال لو حدث ما يضطر الإنسان للابتعاد والفرار عن مركز الحادثة بسرعة، فانّ كافة أعضاء البدن تعبئ نفسها في لحظة واحدة، فدقات القلب تأخذ بالارتفاع، والنفس يصعد وينزل بسرعة ليضخ الدم والاُوكسجين الكافي لعضلات الجسم، كما تتصاعد حدة اليقظة والوعي، ويحتد السمع والبصر، حتى تذوب موانع الجوع والعطش وتنسى بالمرة ليتمكن الإنسان من الهروب سريعاً من مركز الحادث، وبالطبع فانّ هذا التنسيق لم يحصل استجابة لرغبة الإنسان واختياره، بل بواسطة الأوامر والايعازات التي يصدرها الدماغ تلقائياً إلى جميع أعضاء البدن. فهذا التنسيق العظيم كاشف عن قدرة اللّه سبحانه وعظمته، كما يفيد سعة نعمه على العباد; الأمر الذي أشار له الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة. ولا يقتصر هذا التنسيق على ظاهر الاعضاء فحسب، بل يخترق باطنها وكنهها، حتى يؤثر في أعمارها، وهذا ما أشار إليه الإمام بالخصوص.
ثم واصل(عليه السلام) كلامه قائلاً: «بأبدان قائمة بأرفاقها(1) وقلوب رائدة(2) لأرزاقها، في
1. «أرفاق» جمع «رفق» على وزن فكر المنفعة أو ما يستعان به عليها، وهذا هو المعنى المراد في عبارة الخطبة.
2. «رائدة» من مادة «رود» على وزن شوق طلب الماء والمرتع، ثم اطلقت على كل بحث وطلب، كما وردت بمعنى الهادي وذلك لأنّ القوافل كانت تبعث بشخص ليبحث عن مكان مناسب لتوقف القافلة حيث يسمى هذا الشخص الرائد.
مجللات(1) نعمه، وموجبات مننه، وحواجز(2) عافيته». العبارات استمرار لما ورد قبلها من تنسيق بين أعضاء البدن. فمراد الإمام(عليه السلام) أنّ هذا التنسيق والانسجام لايقتصر على الأعضاء، بل الروح والفكر أيضاً ينسقان مع هذه الأعضاء بهدف نيل بعض المنافع ودفع بعض الاضرار. ويعتبر هذا التعاضد الروحي والجسمي الذي يحكم جميع كيان الإنسان من بدائع العجائب الذي تتكشف بعض تفاصيل دقته وروعته على مرور الزمان وفقا لتطور العلم وإزدهاره، حيث تشكل هذه البدائع أعظم نعم اللّه وأهم آيات عظمته سبحانه.
العبارة «مجللات نعمه» تجلل الناس وتعمهم وهى من باب إضافة الصفة إلى الموصوف بمعنى «نعمه المجللة» التي تشمل الناس بأجمعهم مؤمنهم وكافرهم.
«وحواجز عافيته» بمعنى موانع السلامة والجملة تشتمل على تقدير حيث يكون المراد أنّ اللّه علم الإنسان طرق دفع الاضرار ومنافع العافية « ما يمنع حواجز عافيته». ثم أشار(عليه السلام)إلى نوعين من النعم الإلهية الكبرى على الإنسان إلى جانب النعم المذكورة فقال: «و قدّر لكم أعماراً سترها عنكم وخلّف لكم عبراً من آثار الماضين قبلكم من مستمتع خلاقهم(3)ومستفسح خناقهم(4) أرهقتهم(5) المنايا دون الاْمال شذبهم(6) عنها تخرّم(7) الاْجال لم يمهدوا في سلامة الاْبدان ولم يعتبروا في أنف(8) الاْوان» أمّا النعمة الاولى فهى نعمة العمر التي تعتبر
1. «مجللات» من مادة «جلال». ومجللات نعمه غامرات نعمه، النعم التي تغطي جميع كيان الانسان، فهى تفيد السعة والشمولية.
2. «حواجز» جمع «حاجز» المانع والرادع وحواجز العافية موانع السلامة.
3. «خلاق» من مادة «خلق» بمعنى تعيين المقدار ومن هنا أطلق الخلاق على السهم والنصيب، والمراد بمستمتع خلاقهم التي وردت في الخطبة النصيب الوافر من الخير واللذات التي تمتعوا بها في الدنيا.
4. «خناق» من مادة «خنق» حبل يخنق به، وخناق بالكسر على وزن كتاب بمعنى الحبل ومستفسح خناقهم النعم التي يتمتع بها الإنسان قبل الموت.
5. «أرهق» من مادة «إرهاق» أخذ الشئ باستعجال، واصلها رهق على وزن شفق بمعنى الظلم.
6. هناك خلاف بين شرّاح نهج البلاغة في أن «شذبهم» كلمة واحدة أم كلمتان. فمن عدها كلمة واحدة «شذب» من مادة تشذيب بمعنى التقشير ومنه تشذيب الشجرة، ويناسب هذا المعنى ما ورد في الخطبة، ومن ذهب إلى أنّها كلمتان «شذ + بهم»، شذ من مادة شذوذ بمعنى الانفصال والانفراد وهو المعنى الذي يتناسب وما ورد في الخطبة أيضاً.
7. «تخرم» من مادة «خرم» بمعنى الاستصال والاقتطاع.
8. «أنف» بضمتين مفرد بمعنى بداية كل شئ، ومن هنا يطلق على المرعى الذي لم يرع فيه الحيوان حتى ذلك الوقت وكذلك الظرف الذي لم يشرب به الماء.
مصدر سعادة الإنسان وتوفيقه وفلاحه، حيث أنّ ليلة من ليال العمر التي بات فيها أميرالمؤمنين(عليه السلام) ـ والتي تعرف بليلة المبيت ـ على فراش رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)ليفديه بنفسه وينجو من مؤامرة الكفار فأصابه(عليه السلام) ما أصابه من الفضل ببركة تلك الليلة. وأما ضربته لعمر بن عبدود العامري في الخندق والتي كانت أفضل من عبادة الثقلين، فلم تكن سوى سويعة من عمر الإمام(عليه السلام). وأما شهداء الغاضرية الذين صنعوا أكبر ملحمة عرفها التأريخ البشري ليصبحوا كعبة للثوار وطلاب الحق فلم تكن سوى نهاراً من عمرهم المبارك. نعم فنعمة العمر من أعظم نعم اللّه على الإنسان. وقد إقتضى لطف اللّه وحكمته أن يخفى مدة هذا العمر عن الإنسان، لما ينطوي العلم به من مفاسد فقد قال الإمام الصادق(عليه السلام): «فالإنسان لو عرف مقدار عمره وكان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش مع ترقب الموت وتوقعه لوقت قد عرفه، بل كان يكون بمنزلة من قد فنى ماله أو قارب الفناء، فقد استشعر الفقر والوجل من فناء ماله وخوف الفقر، على أنّ الذي يدخل على الإنسان من فناء العمر أعظم مما يدخل عليه من فناء المال لأن من يقل ماله يأمل أن يستخلف منه فيسكن إلى ذلك، ومن أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس، وإن كان طويل العمر ثم عرف ذلك وثق بالبقاء وانهمك في اللذات والمعاصي وعمل على أنّه يبلغ من ذلك شهوته ثم يتوب في آخر عمره، وهذا مذهب لايرضاه اللّه من عباده ولايقبله ومن هنا حجب الإنسان عن معرفة العمر ليعيش دائما بين الخوف والرجاء.(1)
ونخلص من هذا إلى أنّ ساعات العمر وأيامه نعمة، وهكذا حجب مقداره عن الإنسان نعمة اُخرى.
وأمّا النعمة الثانية: وتتمثل بالاعتبار بالاُمم الماضية وما عليه الكبار، وما بقى من القصور والقبور والآثار، فهى نعمة إلهية كبرى; وذلك لأنّ النظر بعين العبرة لهذه الآثار يزود الإنسان بالتجربة وكأنه عمرعمرا مديداً ليكون مع تلك الأمم والأقوام وقد تجرع حلاوة الحياة ومرارتها. فتأريخ الامم الماضية مادة للدروس والعبر، وللإنسان أن يحدد مصيره على ضوء
1. بحارالأنوار 3/83 (بتصرف).
هذا التأريخ من خلال الانفتاح على مقومات النجاح وأسباب الفشل وكيفية التعامل معهما، والحق أنّ هذه نعمة عظيمة منّ اللّه بها على الإنسان. القرآن الكريم صرح بهذا الخصوص قائلاً (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِـهِمْ عِبْرَةٌ لاُِولِي الأَلبابِ)(1) وللاسف فما أكثر الذين خططوا لحياتهم وسبحوا في بحر لجي من الامال والاماني حتى أتاهم الموت بغتة فقضى على تلك الامال والحال أنّهم وقفوا على أخبار الماضين وأثارهم، إلاّ أنّ أهوائهم وطغيانهم كان حجاباً على أبصارهم وبصائرهم فحال دون رؤيتهم للحقائق، فقدموا على ربهم وقد اعتبربهم ممن يعدهم دون أن يعتبروا بمن كان قبلهم.
—–
1. سورة يوسف / 111.
«فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضاضَةِ الشَّبابِ إِلاَّ حَوانِيَ الْهَرَمِ؟ وأَهْلُ غَضارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوازِلَ السَّقَمِ؟ وأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَناءِ؟ مَعَ قُرْبِ الزِّيالِ، وأُزُوفِ الاِنْتِقالِ وعَلَزِ الْقَلَقِ، وأَلَمِ الْمَضَضِ، وغُصَصِ الْجَرَضِ،تَلَفُّتِ الاِسْتِغاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ والاَْقْرِباءِ، والاَْعِزَّةِ والْقُرَناءِ».
—–
أشار الإمام(عليه السلام) ـ في هذا المقطع من الخطبة ـ إلى نقطة مهمّة اُخرى ذات صلة بالحياة الدنيا وما فيها من نعم، وأنّ هذه النعم آيلة إلى الزوال، ومن هنا فلاينبغي الوثوق بها، كما لايجوز الخلود إليها والتعلق بها، فقال(عليه السلام): «فهل ينتظر أهل بضاضة(1) الشباب إلأ حواني(2) الهرم؟(3)وأهل غضارة(4) الصحة إلأ نوازل السقم؟ واهل مدة البقاء إلاّ آونة(5) الفناء» ثم واصل الإمام(عليه السلام) كلامه قائلاً: «مع قرب الزيال(6) وأزوف(7) الانتقال، وعلز(8) القلق، وألم المضض،(9)
1. «البضاعة» مصدر الرقة والحيوية والنشاط.
2. «حواني» تعنى في الأصل أحوال أضلاع الإنسان وهى اِثنان في كل جانب ومفردها حانية، وهى هنا كناية عن الهرم الذي يحدودب فيه الإنسان.
3. «هرم» بمعنى ذروة الضعف والعجز.
4. «غضارة» النعمة والسعة والخصب.
5. «آونة» جمع «آوان» بمعنى الزمان.
6. «الزيال» مصدر زايله مزايلة وزيال بمعنى المفارقة.
7. «أزوف» على وزن خضوع بمعنى الدنو والقرب وتطلق الازفة على القيامة لأنّها ليست بعيدة عن العباد.
8. «العلز» على وزن المرض قلق وخفة وهلع يصيب المريض المحتضر.
9. «مضض» من مادة «مض» على وزن سد بلوغ الحزن من القلب.
وغصص الجرض،(1) وتلفت(2) الاستغاثة بنصرة الحفدة(3) والاقرباء، والأعزة والقرناء» فمن خصائص هذا العالم تقلب نعمه ولذاته; الأمر الذي يدعو الإنسان إلى عدم الاغترار والخلود إلى الدنيا ويضحي بآخرته من أجلها. فالشباب يسرعون نحو الهرم وغضاضة الشباب آيلة إلى ذبول الكهولة وربيع العمر سينتهي إلى خريف التساقط، وسلامة البدن عرضة للزوال وهجوم الأمراض حتى تلوح علامات الوصول والاقتراب من الآخرة وتبدو واضحة للعيان. ورغم كل هذه الخصائص والعلامات، الا أنّ الذين تعلقوا بالدنيا وإغتروا بها ليسوا بالقليل فلم ينشغلوا فيها سوى ببعض النعم والمتع; الأمر الذي يجدر بالتأمل والتوقف عنده! حيث يرى الإنسان كل ملامح فناء الدنيا بأم عينيه ويصر على البقاء. ورد في تأريخ بغداد أنّ السفاح نظر إلى المرآة فقال: اللّهم لا أقول ما قال سليمان بن عبدالملك أني خليفة شاب، لكني أقول: ارزقني عمراً طويلاً بعافية في طاعتك ولم يكديتم حديثه حتى سمع أحد غلمانه يقول لآخر في عقد بينهما أنّ مدته إلى شهرين وخمسة أيام فتطير السفاح من كلامه وكأنه أخبر عما تبقى من عمره، وكان الأمر كذلك(4). القرآن من جانبه أكد هذا الأمر وكشف النقاب عنه (وان لم يكن هناك من نقاب في الواقع) فقد أشار كراراً بأمثاله الحية إلى تقلب أحوال الدنيا، ومن ذلك قوله: (إِنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيا كَماء أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالأَنعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّـنَتْ وَظَـنَّ أَهْلُها أَنَّـهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِـيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْم يَتَفَكَّـرُونَ).(5)
1. «جرض» على وزن «خرج» ابتلاع الريق بمشقة إثر الهم والحزن.
2. «تلفت» من مادة «لفت» الانصراف عن الشئ.
3. «حفدة» من مادة «حفد» على وزن صفد السرعة في العمل، كما تطلق على بنات الولد لسرعتهم في أعمال بيت والدهم ووالدتهم.
4. تأريخ بغداد 10/49.
5. سورة يونس / 24.
«فَهَلْ دَفَعَتِ الاَْقارِبُ، أَوْ نَفَعَتِ النَّواحِبُ، وقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الاَْمْواتِ رَهِيناً، وفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً، قَدْ هَتَكَتِ الْهَوامُّ جِلْدَتَهُ، وأَبْلَتِ النَّواهِكُ جِدَّتَهُ، وعَفَتِ الْعَواصِفُ آثارَهُ، ومَحا الْحَدَثانُ مَعالِمَهُ، وصارَتِ الاَْجْسادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِها والْعِظامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِها، والاَْرْواحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبائِها، مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبائِها، لا تُسْتَزادُ مِنْ صالِحِ عَمَلِها، ولا تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِها، أَ ولَسْتُمْ أَبْناءَ الْقَوْمِ والاْباءَ، وإِخْوانَهُمْ الاَْقْرِباءَ؟ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ، وتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ، وتَطَئُونَ جادَّتَهُمْ؟ فالْقُلُوبُ قاسِيَةٌ عَنْ حَظِّها، لاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِها، سالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمارِها! كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا،كَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرازِ دُنْياها».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام(عليه السلام) هذا الرباني الرائد للأخلاق في عالم البشرية وملهمها في هذا المقطع من الخطبة إلى ذلك اليوم الذي يغمض فيه الإنسان عينيه ويودع هذه الدنيا، فليس هنالك من يدفع عنه هذا الموت، ولا تحل مشكلته ببكاء أقربائه وعويلهم، فيستفهم الإمام(عليه السلام) على سبيل الانكار قائلاً: «فهل دفعت الأرقاب، أو نفعت النواحب،(1) وقد غودر(2) في محلة الأموات
1. «نواحب» جمع «ناحبة» من مادة «نحب» على وزن نذر والنحيب في الأصل الجد في العمل ثم اطلق على رفع الصوت بالبكاء، وعليه فالنواحب الأفراد الذين يرتفع صوتهم بالبكاء والعويل.
2. «غودر» من مادة «غدر» على وزن مكر نقض العهد، كما وردت بمعنى الترك، وهذا هو المراد بها في العبارة.
رهيناً، وفى ضيق المضجع وحيداً» وكأنّ جداراً سمكه آلاف الامتار قد ضرب بينه وبين قرابته ولا يمكن تخطي ذلك الجدار، ولايسع البكاء والعويل أن يقدم من شئ سوى التخفيف من ألم الفراق ولوعة الاشتياق، بينما لايعود بأي نفع على الميت. ثم يبين مصير جسم الإنسان وروحه بعد الموت بعشر عبارات قصيرة فقال(عليه السلام): «وقد هتكت الهوام(1) جلدته، وابلت النواهك(2) جدته،(3) وعفت العواصف(4) آثاره، ومحا الحدثان(5) معالمه، وصارت الاجساد شحبة(6) بعد بضتها، والعظام نخرة(7) بعد قوتها، والارواح مرتهنة بثقل اعبائها،(8) موقنة بغيب أنبائها، لاتستزاد من صالح عملها، ولا تستعتب من سيئ زللها» حقاً ليس هنالك تعبير أجمع وأكمل وأبلغ من هذا التعبير الذي صور وضع جسم الإنسان وروحه بعد الموت، فسرعان ما يتفسخ هذا الجسم ويكون لقمة سائغة للحشرات، وتذهب زلاقة لسانه وحدة ذكائه أدراج الرياح ولن يتبقى منه سوى حفنة من العظام النخرة، والقبور المهدمة. والأنكى من كل ذلك غلق صحيفة الأعمال، فلا من زيادة للحسنات ولا نقصان للسيئات، آنذاك لم يعد هنالك من مجال لتلك القطرة من الدمع التي يمكنها إطفاء بحار من نيران الذنوب، إن أفرزتها حالة الندم والتوبة والانابة إلى اللّه. كما ذهبت فرصة القول «لا اله الا اللّه» التي ثوابها شجرة في الجنّة، فلا سبيل إلى العودة، ولا طريق إلى العمل وقد ختمت صحيفة الأعمال. ثم قال(عليه السلام): «أو لستم أبناء القوم والآباء وا خوانهم والأقرباء؟» فالآباء عادة ما يموتون قبل أولادهم، كما يمكن أن يتوفى الأبناء قبل آبائهم، وربّما يموت بعض الاخوة قبل غيرهم، وعليه فليس
1. «هوام» جمع «هامة» الحشرات المؤذية وتطلق أحياناً على خاصة الحشرات السامة.
2. «نواهك» جمع «ناهكة» ماينهك البدن، وتطلق على من يلبس الثوب حتى يبلى فيقال نهك الثوب.
3. «جده» من مادة «جديد»، الحديث .
4. «عفت» من مادة «عفو» درست وأزالت ومحت، ومنه العفو الذي يزيل الذنب، وقد وردت في الخطبة بمعنى محو آثار الإنسان بعد الموت بواسطة الرياح والحدثان تثنيه بكسر النون وتجمع بضمها بمعنى الحوادث الاليمة.
5. «الحدثان» من مادة «حدوث»، تعاقب الليل والنهار.
6. «شحبة» من مادة «شحوب» تغير الجسم وضعفه، تقابل بضة بمعنى النشاط والغضاضة.
7. «نخرة» صفة مشبهة من مادة «نخر» على وزن ضرر بمعنى البالية، وقد وردت في الخطبة كاشارة إلى العظام بصفتها ممزقة خاوية.
8. «أعباء» جمع «عب» بمعنى الثقل، والأعباء في الخطبة تعني المسؤوليات الثقيلة.
هنالك من زمان معين لدى الإنسان لحلول أجله وإختتام عمره، والكل سواسية أمام الموت وليس هنالك من يرجح عيشه لساعة على آخر أو يضمن أنّه سيعيش لساعة. ثم قال(عليه السلام)موضحاً المعنى المذكور: «تحتذون أمثلتهم، وتركبون قدتهم،(1) وتطؤون جادتهم» لعل الإمام(عليه السلام) أراد توبيخهم بهذه العبارة في أنّكم رأيتم مصير من سبقكم فلم تعتبروا بهم، فاقتفيتم آثارهم وأتيتم بأعمالهم وقارفتم ما قارفوه من الذنوب والمعاصي، والحال كان ينبغي أن تتعظوا بهم وتعتبروا بمصيرهم وعاقبتهم. ثم يخلص الإمام(عليه السلام) إلى نتيجة يبيّن من خلالها علة مشاهدة الناس لكل هذه الدروس والعبر دون الاعتبار فقال: «فالقلوب قاسيةٌ عن حظّها، لاهيةٌ عن رشدها، سالكةٌ في غيرم ضمارها! كأنّ المعنيّ سواها، وكأنّ الرّشد في إحراز دنياها». جاء في نهج البلاغة أنّ الإمام(عليه السلام) تبع جنازة فسمع رجلاً يضحك فقال: «كأنّ الموت فيها على غيرها كتب، وكأنّ الحق فيها على غيرنا وجب، وكأنّ الذي نرى من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون»(2) نعم إذا قسى قلب الإنسان وسيطرت الظلمة والغفلة على روحه أعمته عن كل هذه الحقائق التي من شأنها إيقاظ كافة البشرية; فما ظنك بهذه الحقائق التي تطالعنا كل يوم! القرآن أشار إلى هؤلاء الأفراد بقوله: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُـكُمْ مِنْ بَعْدِ ذ لِكَ فَهِيَ كَالحِجارَةِ أوْ أشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَـشَّـقَّـقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَما اللّهُ بِغافِل عَمّا تَعْمَلُونَ).(3)
نعم فالركون إلى الدنيا يقسى القلب، فاذا قسى قلب الإنسان ضل طريق السعادة وسار على غير هدى، بينما يمر على الآيات مر الكرام ليرى المعني بالوعيد غيره، وهو المعني بالصالحين الفائزين برضوان اللّه.
—–
1. «قدة» من مادة «قد» على وزن سد بمعنى الشق الطولي، وتطلق على الجادة التي تشق المرتفعات والمنخفضات وتسير قدما، وتطلق على الطائفة التي تنفصل عن جماعة، لأنّ طريقتها تختلف عن تلك الجماعة.
2. نهج البلاغة، الكلمات قصار 122.
3. سورة البقرة / 74.
«وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجازَكُمْ عَلَى الصِّراطِ ومَزالِقِ دَحْضِهِ، وأَهاوِيلِ زَلَلِهِ،تاراتِ أَهْوالِهِ، فاتَّقُوا اللَّهَ عِبادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ،أَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ، وأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرارَ نَوْمِهِ، وأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ، وظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَواتِهِ، وأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسانِهِ، وقَدَّمَ الْخَوْفَ لاَِمانِهِ، وتَنَكَّبَ الْمَخالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ، وسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ; ولَمْ تَفْتِلْهُ فاتِلاتُ الْغُرُورِ، ولَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهاتُ الاُْمُورِ، ظافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى، وراحَةِ النُّعْمَى، فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ، وآمَنِ يَوْمِهِ، وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعاجِلَةِ حَمِيداً، وقَدَّمَ زادَ الاْجِلَةِ سَعِيداً، وبادَرَ مِنْ وَجَل،أَكْمَشَ فِي مَهَل، ورَغِبَ فِي طَلَب، وذَهَبَ عَنْ هَرَب، وراقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ، ونَظَرَ قُدُماً أَمامَهُ. فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَواباً ونَوالاً، وكَفَى بِالنّارِ عِقاباً وَبالاً، وكَفَى بِاللّهِ مُنْتَقِماً ونَصِيراً! وكَفَى بِالْكِتابِ حَجِيجاً وخَصِيماً!».
—–
يتطرق الإمام(عليه السلام) في هذا المقطع من خطبته الغراء إلى بعض مواقف الآخرة وأهوالها، وقد شحذ الاُمّة لتتأهب لذلك اليوم وتعد نفسها للعبور من مزالقها الخطيرة. فقال(عليه السلام): «و اعلموا أنّ مجازكم(1) على الصّراط، ومزالق(2) دحضه،(3)أهاويل(4) زلله، وتارات(5) أهواله». يعتبر
1. «مجاز» من مادة «جواز» مصدر ميمي من جاز يجوز، أي قطع المكان وإجتازه.
2. «مزالق» جمع «مزاق» موضع الزلل والانزلاق، من مادة «زلق» على وزن دلو.
3. «دحض» ورد هنا كمصدر أو إسم مصدر هو الانزلاق والسقوط، كما تستعمل أحياناً بشأن زوال الشمس من دائرة نصف النهار نحو المغرب.
4. «أهاويل» جمع «أهوال»، وأهوال جمع هول، وعليه فالأهاويل جمع الجمع و«هول» بمعنى الخوف والخشية.
5. «تارات» جمع «تاره» بمعنى الدفعة من مادة «تأر» على وزن طرد بمعنى النظر لشخص بحدة ، كما تعني الضرب بالعصا .
الصراط أحد مزالق القيامة الذي ورد التأكيد عليه والاشارة إليه في القرآن وآياته، كما صرحت به الروايات الإسلامية على وجه التفصيل والذي يستفاد من الروايات هو أنّ الصراط قنطرة على النار وهى آخر ما يقطعه الإنسان وصولاً إلى الجنّة وأنّ الناس جميعاً كافرهم ومؤمنهم إنّما يردون ذلك الصراط، أمّا المؤمنون الصالحون فيمرون عليه كالبرق ويدخلون الجنّة، بينما يتعذر على الكافر عبوره فيسقطون في نار جهنم. فاجتياز هذا الصراط إنّما يتوقف على إيمان الإنسان وعمله، حتى أنّ سرعة جوازه تتناسب وتقوى الإنسان وعمله. وبالطبع فان الصراط يتجسم بأشكال اُخرى في الدنيا، بعبارة اُخرى الصراط في القيامة هو تجسم صراط الدنيا; وذلك لأنّه وصف بأنّه: «أدق من الشعر، وأحد من السيف»(1) مما لاشك فيه أنّ الحد الفاصل بين الحق والباطل والإيمان والكفر والاخلاص والرياء هو قصد القربة واتباع الهوى وهو على درجة من الدقة والخطورة بحيث يتعذر جوازه الأعلى المخلصين الصالحين، وهذا ما سنعرض له في البحث القادم. على كل حال فان هذا الصراط الحاد ينطوي على عدة عقبات لايمكن إجتيازها دون التأهب والتزود، ومن هنا واصل الإمام(عليه السلام) كلامه قائلاً: «فاتّقوا اللّه عباد اللّه تقيّة ذي لبّ شغل التّفكّر قلبه، وأنصب(2) الخوف بدنه، وأسهر(3) التّهجّد غرار(4) نومه، وأظمأ الرّجاء هواجر(5) يومه، وظلف(6) الزّهد شهواته».
1. بحارالأنوار 8/65.
2. «أنصب» من مادة «نصب» على وزن سبب التعب، وعليه فانصب من باب الأفعال بمعنى أتعب.
3. «أسهر» من مادة «سهر» على وزن سفر اليقظة في الليل، ولما كانت الحوادث الأليمة تسلب العين نومها وهول المحشر فقد اطلق على الاثنين الساهرة.
4. «غرار» مصدر واسم مصدر القليل من النوم وغيره، والمراد بالعبارة الواردة في الخطبة أزال قيام الليل نومه القليل.
5. «هواجر» جمع «هاجرة» نصف النهار عند اشتداد الحرارة، وأصلها من مادة هجر وهجران بمعنى الترك والمفارقة.
6. «ظلف» من مادة «ظلف» بفتح وسكون المنع، «وظلف» على وزن «علف» المكان المرتفع، وكأنّه يمنع الإنسان من الوصول إليه.
نعم فالتفكر من أول لوازم التقوى التي تسهل جواز الإنسان على الصراط، حيث يحيى هذا التفكر قلب الإنسان ويجعله يستعشر خشية اللّه وبالتالي يقوده إلى التهجد وإحياء اليل وصوم أيام الصيف الحارة والتحلي بالزهد والتواضع. التقوى التي تأخذ بيد الإنسان إلى شاطئ الأمان وتجعله يمر كالبرق على ذلك الصراط.
ثم واصل الإمام(عليه السلام) كلامه بشأن التقوى ومعطياتها فقال: «وأوجف(1) الذّكر بلسانه، وقدّم الخوف لاِمانِهِ، وتنكّب(2) المخالِج(3) عن وضحِ(4) السّبِيلِ، وسلك أقصد المسالِكِ إِلى النّهج المطلوب; ولم تفتله(5) فاتلات الغرور، ولم تعم عليه مشتبهات الاْمور» فقد أشار(عليه السلام) إلى عشرة من أوصاف المتقين ـ إلى جانب التفكر الدائم ـ التي تستبطن كل واحدة منها عالم من المعاني والتي تجعل الإنسان إذا تحلى بها قدوة يحتذى بها وتمنحه العزة والرفعة في الدنيا والآخرة وتحقيق النجاحات الباهرة في سيره إلى اللّه سبحانه وتعالى. وقد إتصفت هذه العبارات بتشبيهات لطيفة وكنايات بليغة بعيدة المعنى بحيث تنفذ إلى أعماق النفس. نعم فالمتقون لايخدعون بالوساس الشيطانية ولايسيرون حيارى على الطريق، بل ويسلكون أقرب السبل إلى اللّه سبحانه، كما أنّ خوف اللّه ولهج ألسنتهم بذكر اللّه يحول دون إنحرافهم عن السبيل القويم. ثم خاض الإمام(عليه السلام) في جانب من نتائج هذه الصفات في الدنيا والآخرة فقال: «ظافراً بفرحة البشرى، وراحة النّعمى،(6) في أنعم نومه، وآمن يومه، قد عبر معبرالعاجلة حميداً، وقدّم زاد الاْجلة سعيداً» فالواقع هو أن السبب الذي يقف وراء راحتهم وسكينتهم واستقرار أفكارهم إنّما يكمن في إجتيازهم لعقبة الدنيا وتزودهم للدار الآخرة. والشئ المهم هو أن يتمالك الإنسان نفسه حيال هذه المظاهر الكاذبة والخادعة والفساد
1. «أوجف» من مادة «ايجاف» السرعة في العمل، وأوجف الذكر بلسانه أسرع، كأن الذكر لشدة تحريكه اللسان موجف به كما توجف الناقة براكبها.
2. «تنكب» من مادة «نكب» و«نكوب» بمعنى الميل عن الشئ والعدول عنه، ومن هنا يقال للدنيا نكبت أن أدبرت عن الشخص.
3. «مخالج» جمع «مخلج» من مادة «خلج» على وزن حرج الاُمور المختلجة الجاذبة.
4. «وضح» من مادة «وضوح» بمعنى الظهور ووضح السبيل وسط الجادة.
![]() |
![]() |