![]() |
![]() |
كما يحتمل ان يكون المراد بالآيات المحكمات آيات توحيد صريح القرآن الكريم والحجج البينات الأدلة العقلية التي تنفي عن اللّه سبحانه أي شبيه ونظير.
ويؤيد هذا الاحتمال العبارات اللاحقة: «وأنك أنت اللّه الذي لم تتناه في العقول، فتكون في مهب(3) فكرها مكيفاً، ولا في رويات خواطرها فتكون محدوداً مصرفاً».
فقد أشار الإمام(عليه السلام) في العبارة الاولى إلى عدم إدراك العقول لكنه ذاته وصفاته سبحانه التي أشير إليها في بداية الخطبة. كما أشار في العبارة الثانية إلى عدم إحاطة الأفكار بهذه الذات المطهرة، وذلك لأنّ هذه الأفكار لو أحاطت به، لكان محدوداً بالضرورة، وما كان محدوداً طرأ عليه التغيير والزمان والمكان والجهات الاُخرى.
—–
1. سورة فصلت /9.
2. سورة البقرة/22.
3. «مهب» اسم مكان من مادة «هبوب» بمعنى موضع هبوب الرياح، وقد شبهت العبارة المذكور الفكر بالنسيم الذي يهب من موضع; إلاّ أنّ كنه ذات اللّه وصفاته سبحانه خارجة عن ذلك الموضع.
ومنها: «قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ وَدَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ وَلَمْ يَقْصُرْ دُونَ الاِنْتِهاءِ إِلَى غايَتِهِ وَلَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرادَتِهِ فَكَيْفَ وَإِنَّما صَدَرَتِ الاُْمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ».
—–
الشرح والتفسير
ذكرَّ الإمام(عليه السلام) هنا مرّة اُخرى بعالم الخليقة والتدبير الإلهي في تنظيم شؤون الخلق وأنّ هذا التدبير والنظام إنّما يستند إلى جلال الحق وجماله، الذي خلق كل شي بمقدار واخضعه لتدبيره وهداه إلى سبيله: «قدر ما خلق فأحكم تقديره، ودبره فألطف تدبيره، ووجه لِوِجهته» وهكذا يكون الإمام(عليه السلام) قد بين المراحل الثلاث «التقدير»و«التدبير» و«التوجيه». فالتقدير خلق الكائنات بمقدار، والتدبير إدارة شؤونها وفق الخطة والمسيرة المرسومة لها، والتوحيد تمهيد السبيل وإعداد الظروف اللازمة لهذه الحركة من أجل بلوغ الهدف وتحقيق الغاية، حيث تسير كل هذه المراحل على ضوء برنامج معين منظم غايه في الدقة بالشكل الذي لم يدع مجالا لكائن من كان أن يسير بطريق عشوائي، لا في انبثاق خلقه ولا في ديمومته بحيث يشذ عن ذلك النظام والقانون. ومن هنا أشار الإمام(عليه السلام) إلى هذا الأمر في أنّ أحداً من الموجودات لم يتجاوز حدوده، ولم يقصر في بلوغ الهدف، ولم ينطلق في حركته الاعلى أساس ارادة اللّه سبحانه وأنى له التمرد على هذه الإرادة التي تستند إليها جميع الإرادات: «فلم يتعد حدود منزلته، ولم يقصر دون الانتهاء إلى غايته، ولم يستعصب إذ أمر بالمضي على إرادته، فكيف وإنّما صدرت الاُمور عن مشيئته؟».فالواقع هذه العبارات تحول دون التصور بأنّه حركات كافة
الكائنات الأرضية والسماوية بما فيها النباتات والحيوانات والناس والكواكب واجتيازها لمراحل النحو والتكامل يجرى بصورة عشوائية. فهى تسير بوحى من أمره وإرادته على ضوء الخطة المعدة لها سلفاً ولايسعها تخطى تلك الخطة بأي حال من الاحوال. وعليه فعالم الوجود يدار بمنتهى النظام والدقة. و لعلنا نلمس الإشارة إلى المراحل الثلاث المذكورة في الآيات القرآنية، ومن ذلك الآيات 38ـ40 من سورة يس: (وَالشَّـمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذ لِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِـيمِ* وَالقَمَرَ قَـدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْـعُرْجُونِ القَدِيمِ * لا الشَّـمْسُ يَنْبَغِـي لَها أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلا اللَّـيْلُ سابِـقُ النَّهارِ وَكُـلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ).
ناهيك عن سائر الآيات القرآنية التي أشارت إلى هذه الحقيقة وهنا لابدّ من الالتفات إلى أمرين: الأول هو أنّ ما ورد في العبارات المذكورة بشأن الأوامر و تبعية المخلوقات للمشيئة الإلهية إنما هو إشارة إلى الاوامر التكوينية، أو بعبارة اُخرى: إشارة إلى القوانين التي أجراها اللّه سبحانه في عالم الوجود وسيره على أساسها، بالشكل الذي يحول دون تجاوزها لهذه القوانين.والأمر الثاني أنّ هذا الكلام لا يعنى إجبار الإنسان على أفعاله وذلك لأنّ اللّه سبحانه جعل صفة الاختيار وحرية الإرادة أحد تلك القوانين التي تسير عالم الوجود، وليس للإنسان قط أنّ يسلب نفسه هذه الصفة، وبعبارة اُخرى فانّ حرية الإنسان أيضاً بأمره سبحانه وتعالى.
—–
«الْمُنْشِىُ أَصْنافَ الاَْشْياءِ بِلا رَوِيَّةِ فِكْر آلَ إِلَيْها، وَلا قَرِيحَةِ غَرِيزَة أَضْمَرَ عَلَيْها، وَلا تَجْرِبَة أَفادَها مِنْ حَوادِثِ الدُّهُورِ وَلا شَرِيك أَعانَهُ عَلَى ابْتِداعِ عَجائِبِ الاُْمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِطاعَتِهِ، وَأَجابَ إِلَى دَعْوَتِهِ، لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِىِ، وَلا أَناةُ الْمُتَلَكِّىِ، فَأَقَامَ مِنَ الاَْشْياءِ أَوَدَها، وَنَهَجَ حُدُودَها، وَلاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضادِّها، وَوَصَلَ أَسْبَابَ قَرائِنِها، وَفَرَّقَها أَجْناساً مُخْتَلِفات فِي الْحُدُودِ وَالاَْقْدارِ، وَالْغَرائِزِ وَالْهَيْئاتِ، بَدايا خَلائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَها وَفَطَرَها عَلَى ما أَرادَ وَابْتَدَعَها!».
—–
الشرح والتفسير
خاض الإمام(عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة في كيفية خلق الموجودات على أنّ اللّه سبحانه وتعالى خلقها من دون حاجة إلى التفكير، أو غريزة مستترة في الباطن، إلى جانب الغنى عن تجارب الماضى وسالف الدهور، وبالتالي دون الحاجة إلى عضيد وشريك «المنشى أصناف الأشياء بلا روية فكر آل إليها، ولا قريحة(1) غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من حوادث الدهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور».
فالواقع هو أنّ أُسس علمنا ومعرفتنا بالحقائق إنّما تستند إلى أحد أربع: الفكر والتروي، أو الالهام الباطني الذي يصطلح عليه بالغريزة، أوالتجربة التي يحصل عليها الإنسان من
1. قريحة: كما أسلفنا سابقاً في الأصل، بمعنى أول ماء يخرج من البئر عند ما يحفر، و كذلك يطلق على ما يتفتق من أعمال فكر و ذوق الانسان.
و يشمل ذلك الغريرة التي هى بمعنى الطبيعة، و هو الشيء الذي يحصل عليه الانسان بمساعدة ذوقه و طبعه.
و يصح هذا المعنى أيضاً على غير الانسان، فمثلا أكثر الطيور تقوم ببناء أعشاشها و تربية فراخها و الهجرة الطويلة و بشكل جماعي و أمثال ذلك، كل هذا يتم بواسطة القريحة و الغريزة.
خلال تكرار الحوادث، و أخيرا العون الذي يحصل عليه من الاستعانة الخارجية لأصحاب الفكر الذين يعينونه في القيام ببعض الأعمال والابداعات. وبالطبع فانّ الحق سبحانه وتعالى ليس بحاجة لأي من هذه الاُسس والمصادر فهو العالم بكل الأشياء، وهى حاضرة عنده، وليس هنالك من حقيقة خارجة عن دائرة علمه المطلق. فالفكر إنّما يستفيده من كان له معلومات ومجهولات، يروم توظيف معلوماته لكشف أسرار هذه المجهولات. والالهام الغريزي إنّما يعتمده من غابت عنه الحقائق ولاتتضح له إلاّ من خلال هذا الالهام. وأمّا التجربة وتكرار العمل للوقوف على النتائج فانما ترتبط بمن يجهل نتائج الاُمور وأخيراً فان الاستعانة بافكار الآخرين إنّما يختص بضعف الأفراد وعجزهم إلى جانب قصور فكرهم; فما حاجة الذات المطلقة لمثل هذه الاُمور وهى بتلك الخصائص والصفات؟
وبغض النظر عما سبق فانّ العبارات بدورها ترشد الإنسان الجاهل إلى الظفر بمصادر المعرفة، وأنّ هذه المصادر الأربعة تمكننا من حل المشاكل التي تواجهنا في حياتنا اليومية. ثم أشار الإمام(عليه السلام) إلى نقطة اُخرى بهذا الشأن وهى قطعية حاكمية قوانين الخلق على كافة الكائنات: «فتم خلقه بأمره وأذعن لطاعته، وأجاب إلى دعوته، لم يعترض دونه ريث(1)المبطئ، ولا أناة(2) المتلكي»(3).
فهذا الموضوع إشارة أيضاً إلى قدرة اللّه ونظامه الرصين في عالم الخلق، حيث تسير كافة هذه الموجودات على ضوء قوانين معينة وهى مؤتمرة بأمره، فهى لا تتخلف عن هذه القوانين ولا تتقدم عليها. فقد صرح القرآن الكريم بهذا الخصوص قائلاً: (ثُمَّ اسْتَوى إِلى السَّماءِ وَهِىَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلاَْرْضِ ائْتِـيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِـينَ)(4).
أضف إلى ذلك فهى تشتمل على رسالة واضحة لكافة الناس في الانسجام وعالم الخلق وتبعية هذه القوانين الإلهية، دون التقدم عليها أو التخلف عنها، بهدف بلوغ الغاية والظفر بالفلاح والسعادة.
ثم اختتم(عليه السلام) كلامه بالاشارة إلى خمسة اُمور جديرة بالتأمل بشأن نظام الخلق وأسرار عالم
1. «الريث» التثاقل عن الامر والقيام بالعمل.
2. «أناة» بمعنى الوقار المقرون بالفكر حين القيام بالعمل.
3. «متلكئ» من مادة «لكأ» على وزن هدف الوقوف في مكان، ثم اطلقت على من يتوقف في مسألة ويفكر فيها.
4. سورة فصلت/11.
الخلقة، الأول: استواء هذه الموجودات دون أى اعوجاج او انحراف: «فأقام من الأشياء أودها»(1) الثاني: أنّه عين لها المسار الذي ينبغي لها أن تسلكه «ونهج حدودها». الثالث: تأليفه بين الأشياء المتضادة بقدرته «ولاءم يقدرته بين متضادها». الرابع: ربطها مع نظائرهأ«ووصل أسباب قرائنها». والخامس: تقسيمها إلى أنواع مختلفة على أساس الحدود والأجناس والمقادير والغرائز والاشكال والهيئات «وفرقها أجناسا مختلفات في الحدود والأقدار والغرائز والهيئات» وهكذا تمّ نظام الخلق وتكامل من جميع الجهات ليقوم بوظائفه على اختلاف أنواعه وأجناسه كوحدة واحدة ضمن قانون واحد. وأبعد من ذلك تعاضدت وتعاونت حتى الأشياء المتضادة لتفرز نتائج باهرة، كما إتصلت الأشباه والنظائر، لتشكل بالتالى مجموعة بديعة عجيبة تشير إلى مدى قدرته المطلقة سبحانه وعلمه التام.
ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المراد بالقرائن في العبارة هى نفوس البشر التي أقرها اللّه في الأبدان، حيث يبدو في الظاهر أنّ هناك تضاد بين البدن الذي ينتمى إلى عالم المادة والنفس التي تنتمي إلى عالم المجردات.
طبعاً وان كان أحد معاني القرينه (وجمعها قرائن) في اللغة هو النفس الإنسانية إلاّ أننا لا نمتلك الدليل الذي يجعلنا نصرف المعنى المذكور ليقتصر على هذه النفس: بل الهدف هو بيان جمع الأضداد ووصل القرائن والأشباه في جميع أنحاء عالم الوجود والذي يعد الوجود الإنساني أحد مصاديقه، وأنّ أصل إطلاق القرينة على نفس الإنسان إنّما يعزى لاقترانها ببدنه.
ثم إختتم(عليه السلام) كلامه بالقول على أساس الخلوص إلى نتيجة واضحة: «بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد وابتدعها»(2).
يعتبر تأكيد الإمام(عليه السلام) على التفكير في عالم الخلق والتأمل في خلق المخلوقات دون
1. «أود» بمعنى الاعوجاج.
2. الجملة من حيث النحوهي أنّ «بدايا» خير لمبتدأ محذوف تقديره هذه، واضافة بدايا إلى الخلائق من قبيل اضافة الصفة إلى الموصوف، التي تعنى في الأصل خلائق بدايا، وبدايا جمع بديئه المصنوع البديع.
الاستغراق في ذات اللّه، من الاُصول الأساسية في الأبحاث ذات الصلة بمعرفة اللّه. وذلك لأنّ الأول يقود الإنسان إلى الإيمان والتوحيد; التوحيد المفعم بالعشق والحب والاخلاص، بينما يسوقه الثاني إلى الشرك والتشبيه. أمّا سائر الأدلة والبراهين في معرفة اللّه من قبيل برهان الوجوب والإمكان والغنى والفقر التي تدور حول محور الدور والتسلسل، فهى دلائل جافة توصل إلى المعرفة إلاّ أنّها لا تختزن أي حب أو عشق وإخلاص. والحال لم يقم نظام الخلق سوى على هذه المفردات. فقد جاء في الحديث القدسي: «كنت كنزاً مخفياً فأجببت أن أعرف، فخلقت الخلق لكي أعرف». فاذا فكرنا بعظمة السموات والكواكب التي تربو على الملايين في مجرتنا فقط والحال يقول العلماء بوجود ملياردات المجرات في هذا العالم. وإذا أمعنا النظر في العالم المذهل لخلايا جسم الإنسان والذي تمتاز كل خلية فيه بان بنيتها قد تنطوى عليه مدينة صناعية من الخفايا والأسرار. وعندما نتامل التنوع العجيب للنباتات والحيوانات، وأنّ هناك الملايين من أنواع النباتات والحيوانات التي تعيش في أعماق الغابات والبحار والتي لم يراها أو يتوصل اليها الإنسان لحد الآن، ونقر بأنّ هذه الموجودات العجيبة إنّما تستمد حياتها من موجودين بسيطين هما الماء والتراب. وأخيراً حين نتدبر روعة الورود والأزهار ولطافة الأوراق ودقة نظام الدورة الدموية. وعمل الاوردة والشرايين المخ والدماغ وايعازات الأعصاب، ثم نلتفت إلى أنّ كل هذا ليس إلاّ جانباً من عجائب عالم الخلقة، لانملك سوى الالتحاق بقافلة هذا العالم ومشاركتها التسبيح والتقديس والحركة نحو اللّه، ونحن نردد ما يردده الملأ الأعلى (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا)(1) و(رَبَّنا ما خَلَقْتَ هـذا باطِلاً)(2)وقلوبنا مقعمة بحب اللّه والإيمان به والخشوع له والتواضع أمام عظمته وجبروته.
وعبارات الإمام(عليه السلام) المارة الذكر إشارة عميقة إلى هذه الحقائق.
—–
1. سورة البقرة/32.
2. سورة آل عمران/191.
«وَنَظَمَ بِلا تَعْلِيق رَهَواتِ فُرَجِها، وَلاحَمَ صُدُوعَ انْفِراجِها، وَوَشَّجَ بَيْنَها وَبَيْنَ أَزْواجِها، وَذَلَّلَ لِلْهابِطِينَ بِأَمْرِهِ، وَالصّاعِدِينَ بِأَعْمالِ خَلْقِهِ، حُزُونَةَ مِعْراجِها، وَناداها بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخانٌ، فالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْراجِها وَفَتَقَ بَعْدَ الاِرْتِتاقِ صَوامِتَ أَبْوابِها، وَأَقامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّواقِبِ عَلَى نِقابِها، وَأَمْسَكَها مِنْ أَنْ تُمُورَ، فِي خَرْقِ الْهَواءِ بِأَيْدِهِ وَأَمَرَها أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لاَِمْرِهِ».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام(عليه السلام) في المقطع السابق من هذه الخطبة إلى الكليات في تدبير عالم الخلق والقوانين التي تسوده، إلى جانب تنوع الموجودات وكثرتها. ويخوض(عليه السلام) في هذا الجزء من الخطبة والجزء القادم في جزئيات ذلك. فيتعرض بصورة عميقة بعيدة المعنى لخلق السموات والملائكة والأرض والعالم السفلى وخلق آدم وما إلى ذلك. فقد استهل كلامه بادئ ذى بدء بخلق السموات فقال(عليه السلام): «ونظم بلا تعليق رهوات(1) فرجها، ولاحم(2) صدوع(3) انفراجها»
1. «رهوات» جمع «رهوة»، قال بعض أرباب اللغة (كتاب العين) تعنى المرتفع فوق الجبال، بينما فسرها أغلب أرباب اللغة على انها من مادة «رهو» على وزن سهو بمعنى المكان الخالى والمفتوح. والانسب أن يكون معناها في الخطبة النقاط المفتوحة. وأخير اعتبرها البعض من الأضداد; أي تعني المكان المرتفع والمنخضض أيضاً.
2. «لاحم» من مادة «لحم» بمعنى ملأ فراغ الشي، مايصطلح عليه باللحيم، ولعل أصلها اللحم الذي يملأ الفاصلة بين العظام.
3. «صدوع» جمع «صدع» على وزن حرف بمعنى الشق.
فالواقع هو أنّ الإمام(عليه السلام) قد أشار بالعبارة الاولى إلى ما ورد في القرآن الكريم: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمـواتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَها)(1) ويصرح علماء الفلك بان الكرات السماوية منفصلة عن بعضها وأنّ التوازن القائم بين القوة الجاذبة والطاردة هى التي تبقى على كل واحدة في موضعها. بينما أشارت العبارة الثانية إلى إرتباط أجزاء كل كرة وتماسكها مع بعضها. وعليه فليس هنالك من تضاد بين العبارتين «ونظم بلا تعليق رهوات فرجها، ولاحم صدوع انفراجها». فالاولى ناظرة للكل والاخرى للأجزاء (ووحدة الضمائر هنا لا تسبب أى اشكال، لأنهما تعودان إلى السموات، أحدهما إلى المجموع والآخر إلى الجزاء) (لابدّ من الدقة والتمعن هنا).
ثم أشار في العبارة الثالثة إلى الرابطة بين الكرات السماوية القرينة لبعضها، فقال(عليه السلام): «ووشج(2) بينها وبين أزواجها»يمكن أن تكون هذه العبارة إشارة إلى منظومات العالم العلوى المتألف من كرات شبيهة لبعضها إلى جانب النظام الذي كل كرة(3) ثم أشار(عليه السلام) في العبارة الرابعة إلى طرق هبوط وصعود الملائكة إلى السموات: «وذلل للهابطين بأمره، والصاعدين بأعمال خلقه، حزونة معراجها»(4).
وهنا يتبادر هذا السؤال: هل الملائكة وجودات مادية ولها صعود وهبوط مادى من وإلى السموات، أم أنّ المراد بهذا الصعود والهبوط هو الصعود والهبوط المعنوي؟ هنالك عدّة أقوال لشرّاح نهج البلاغة بهذا الخصوص.
ظاهر هذه العبارات الواردة في الخطبة وأغلب الروايات والأخبار والآيات القرآنية، أنّ الملائكة وجودات نورية لها بعد جسمي رغم لطافتها التي تحول دون قدرتنا على مشاهدتها، وعلى هذا الأساس يجوز عليها الصعود والنزول والذهاب والاياب. وسنخوض أكثر في هذا الموضوع في المقطع القادم من الخطبة بأذن اللّه السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك
1. سورة الرعد/2.
2. «وشج» من مادة «وشج» على وزن نسج أى شبك.
3. فسّر البعض «الأزواج» هنا بمعنى الأرواح (النفوس الفلكية) وترمز إلى عقيدة بعض الفلاسفة الذين يرون لكل فلك روحا مجردة، إلاّ أنّ الانصاف هو عدم ثبوت هذه النظرية بدليل واضح، كما لا تدل العبارة المذكور على هذا الأمر.
4. «حزونة» (ولها معنى المصدر واسم المصدر) بمعنى الصعوبة، وقدوردت في الخطبة بمعنى المشاكل والصعاب.
من مكان يضم اللّه في السموات لتهبط منه الملائكة فتوصل الرسالات والأوامر ثم تصعد إليه باعمال العباد؟ قطعاً لا يمكن تصور مثل هذا الأمر على الحق سبحانه الذي يفوق عالم المادة ولا يجري عليه زمان ولا يحويه مكان ولا يتركب من أجزاء. اذن فما معنى هذا الصعود والهبوط؟ يبدو أنّ الإجابة على هذا السؤال تتضح من خلال الالتفات إلى هذه المسألة الدقيقة وهى: صحيح أنّ السموات والأرضين مخلوقات اللّه، إلاّ أنّ هناك بعض المراكز في هذا العالم المادي التي تعد من مواضع إنعكاس الأنوار الإلهية. أو بعبارة اُخرى هناك بعض المواضع التي لها قداسة خاصة. على غرار الأرض التي لا تتساوى جميع بقاعها. على سبيل المثال فقد اتجه موسى بن عمران(عليه السلام) إلى الطور حين أراد أن يأخذ الألواح، كما كان نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله) يتجه قبيل انبثاق الدعوة إلى غار حراء; والحال هذان الموضعان ليسا باقرب من غير هما إلى اللّه، إلاّ أنّ قديسة بعض المواضع تجعلها أعظم اشعاعاً للأنوار الإلهية كالطور وحراء والمسجد الحرام. وهكذا الأمر بالنسبة للملائكة، فهناك بعض المراكز القدسية في العالم العلوى تتسلم فيها الملائكة الأوامر الإلهية، وهى المراكز التي بلغها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في معراجه، بل جاوزها لما هو أقرب ليفيض اللّه عليه من لطفه وعنايته، وهناك تستودع الأعمال الخيرة للعباد وتحفظ إلى يوم القيامة.
ثم خاض الإمام(عليه السلام) في تفاصيل ما أورده سابقا على نحو الاجمال، حيث عرض بالشرح بخمس عبارات لمراحل خلق السموات. فأشار في العبارة الاولى إلى أمره (ويراد به الأمر التكويني لا جتياز مراحل الخلقة والتكامل) السماء حين كانت على هيئة دخان «وناداها بعد إذ هى دخان» فهذه العبارة في الحقيقة أشارت إلى أولى مراحل خلق العالم التي تعرضت لها الآية من سورة فصلت (ثُمَّ اسْتَوى إِلى السَّماءِ وَهِىَ دُخانٌ)(1) وهو الأمر الذي يقره العلم المعاصر في أنّ العالم برمته كان في البداية كتلة عظيمة جداً من الغاز. وقال في العبارة الثانية (حيث وردت الخلقة مرحلة جديدة) «فالتحمت عرى أشراجها».
فبالنظر إلى أنّ معنى الالتحام هو الوصل، والعرى جمع عروة بمعنى المقبض، والاشراج جمع
1. لابدّ من الالتفات هنا إلى أنّ ثم الواردة في الآية تعنى التأخير في البيان لا الزمان. وعليه فهى لا تدل على أنّ خلق السموات جاء بعد خلق الأرض (راجع التفسير الأمثل/11 من سورة فصلت).
شرج بمعنى الشق. فانّ مفهوم الجملة المذكورة هو أنّ اللّه ضغط تلك الكتلة العظيمة للدخان. ثم أدال الشقوق وربط أطرافها مع بعضها، وكأنّ هذه الشقوق كالصناديق التي تغلق مقابضها وتوصل مع بعضها لحفظ ما فيها. والعبارة تتفق و ما توصل إليه العلم الحديث الذي صرح بضغط كتلة الغاز بفعل الجاذبية الداخلية. ثم واصل كلامه(عليه السلام) حول فصل السموات عن بعضها وفتح أبوابها المؤصدة (وقد جعل مسافة بينها) «وفتق بعد الارتقاء صوامت أبوابها». ولعل هذه العبارة إشارة إلى ما توصل إليه العلماء الذين يعتقدون أنّ تلك الكتلة الغازية الهائلة قد شهدت انفجارا داخليا عظيما لتتلاشى وتظهر منها الكواكب والمجرات. وعلى ضوء الفرضية الاخرى فان بعض أجزائها أخذت بالانفصال عن البعض الآخر إثر حركتها الدورانية الشديدة والقوة الطاردة عن المركز، فابتعدت عن بعضها البعض في هذا الفضاء لتتشكل منها الأجرام السماوية. فقد قال القرآن الكريم بهذا شأن (أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمـواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتْقاً فَفَـتَقْناهُما)(1).
ثم أشار في العبارة الرابعة إلى خلق الشهب السماوية (التي تشاهد في السماء على هيئة خطوط من النور تتحرك بسرعة) ثم تنطفئ، فقال(عليه السلام): «وأقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها»(2).
لابدّ من الالتفات هنا إلى أنّ الرصد على وزن الصدف ذات معنى مصدرى في الأصل وتعنى الاستعداد والتأهب لمراقبة الشي وحراسته. كما تطلق على الفاعل وتستخدم في المفرد والجمع. ونقاب جمع نقب بمعنى الطريق أو الفاصلة بين شيئين. وعليه فالعبارة تعنى أنّ اللّه زود طرق السموات بهذه الشهب لتحول دون نفوذ الشياطين إلى السموات; الأمر الذي أشير إليه كرارا في عدة آيات من القرآن الكريم، ومن ذلك الآية الثامنة من سورة الصافات «لايسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحوراً ولهم عذاب واصب إلاّ من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب»، فالذي يستفاد إجمالاً من هذه الآيات وسائرها الواردة
1. سورة الأنبياء/30.
2. المراد بالرؤية هنا تلك التي تحصل عن طريق الفكر والتأمل، لا عن طريق المشاهدة الحسية; وذلك لأنه لم يكن الإنسان في ذلك الزمان كما احتمل في تفسير هذه الآية ان المراد من رتق السموات عدم وجود المطر ونمو النباتات، والمراد بفتقها هو نزول المطر ونمو النباتات.
بهذا الشأن أنّ هناك أحاديث تدور في العالم العلوى بين الملائكة المأمورة من قبل اللّه سبحانه في إدارة شؤون العالم بشأن بعض الأخبار المهمة لهذا العالم، وأنّ الشياطين تحاول أحياناً الاقتراب من السماوات لاستراق السمع، إلاّ أنّ الشهب تدفعها عن السماوات.
طبعا صحيح أنّ الشهب على ضوء العلم الحديث، ليست إلاّ صخوراً تائهة تشتعل حين تقترب من الكرة الأرضية وتصطدم بها، إلاّ أنّ هذا لا يمنع أن تكون هذه الشهب ماُمورة بحراسة فضاء السماء من الشياطين; وأنّ تعذرت علينا رؤية الشيطان، وخفيت علينا على وجه الدقة حركات الشهب (للوقوف بصورة أعمق على هذا الموضوع المهم، عليك بمراجعة الجلد 19 من التفسير الأمثل ذيل الآيات المذكورة) ثم أشار في العبارة الخامسة إلى موضوع مهم آخر ذا صلة بنظام كواكب السماء في أن اللّه سبحانه أمسكها بيد القدرة من الحركات الطائشة في الفضاء، وأمرها بالتسليم لأمره: «وامسكهامن أن تمور(1) في خرق الهواء بأيده(2)وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره».
فالعبارة تنجسم تماما والعلم الحديث الذي صرح بأنّ الكواكب والمنظومات والمجرات في حالة حركة حول مداراتها بفعل تاثرها بالقوة الجاذبية المتناسبة مع كتلتها والقوة الدافعية التي تظهر فيها من جراء الحركة وقوة الطرد المركزى، دون أن تستند إلى شي أو ادنى انحراف عن مدارتها. بعبارة اُخرى فان التوازن الدقيق للقوة الجاذبية و الطاردية لاتدعها تبتعد عن بعضها لتصبح كتلة واحدة. وقد يتضح هذا المطلب من خلال مفردة تمور (الحركة الطائشة) وخرق الهواء. إلاّ أنّ بعض قدماء شرّاح نهج البلاغة الذين عاشوا أجواء نظرية الهيئة البطليموسية القائلة بالأفلاك التسع كقشور البصل، شهدوا بعض المشاكل في تفسير هذه العبارات، فاضطروا لحمل بعض الألفاظ المذكورة على معناها المجازى، والحال أنّ تفسيرها على ضوء الهيئة المعاصرة لم يعد خافياً على أحد.
والعبارة «أمرها» و«لأمره» أشارة إلى معنيين; فالأمر في بداية العبارة الأخيرة يعنى الأمر
1. «تمور» من مادة «مور» على وزن قول بعدّة معاني في اللغة ومنها الحركة السريعة والغبار الذي تبعثره الرياح هنا وهناك، والذي يستفاد من تعبيرات أرباب اللغة أنها تعنى الاضطراب في الهواء.
2. «أيد» على وزن صيد بمعنى القدرة والنعمة، وجاء في القرآن ذا الأيد بمعنى صاحب القوة وهذا هو المعنى المراد بها في الخطبة.
الإلهي التكويني، والأمر في آخر الجملة يعنى قوانين الخلق. أي أنّ اللّه خلقها بهذا الشكل لتكون منقادة مستسلمة لهذه القوانين.
لقد رسم الإمام(عليه السلام) بهذه العبارات صورة رائعة بليغة عن الخلقة العجيبة للسموات، فأشار أولاً: إلى بداية خلقها على أنّها كانت في البداية بمثابة كتلة غازية عظيمة.
ثانياً: الانفجار الهائل الذي وقع في تلك الكتلة العظيمة، والانفصال الذي شهدته الكواكب والمجرات عن بعضها البعض.
ثالثاً: تعلق الكواكب في هذا الفضاء الواسع على أنه آية من آيات عظيمة وقدرته سبحانه تعالى.
رابعاً: الحركات المنظمة للكرات السماوية حول مداراتها والخالية من أية حركات عشوائية (بفعل توازن قوتى الجذب الطرد).
خامساً: حركة الملائكة وصعودها وهبوطها بين الأرض والسماء و المراكز المقدسة، حيث تهبط بالاوامر وتصعد بأعمال العباد.
سادساً: ارسال الشهب التي ترجم الشياطين حين تحاول الصعود إلى السماء بغية استراق السمع، حيث بينها الإمام(عليه السلام) على سبيل الاختصار بعبارات قصيرة وبليغة حيث يتطلب كل منها بحثا مستقلا.
ولاينبغي أن ننسى هنا أنّ كل ذلك قد حصل في زمان لم تكن تحكم العقول والأفكار فيه سوى نظرية بطليموس في الأفلاك والسماوات. ولابدّ من الاذعان بأنّ بيان هذه الحقائق في ذلك الوقت قد يبلغ حدّ الاعجاز، ليدل دلالة واضحة على مدى علم الإمام(عليه السلام)الذي استقاه من مصادر غير عادية متعارفة(1).
1. ورد شرح مفصل لهذا الموضوع في المجلد الأول من هذا الكتاب / 102 ـ 120.
«وَجَعَلَ شَمْسَها آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهارِها، وَقَمَرَها آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِها، وَأَجْراهُما فِي مَناقِلِ مَجْراهُما، وَقَدَّرَ سَيْرَهُما فِي مَدارِجِ دَرَجِهِما، لِيُمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِهِما، وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ وَالْحِسابُ بِمَقادِيرِهِما، ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّها فَلَكَها، وَناطَ بِها زِينَتَها، مِنْ خَفِيّاتِ دَرارِيِّها وَمَصابِيحِ كَواكِبِها، وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَواقِبِ شُهُبِها، وَأَجْراها عَلَى أَذْلالِ تَسْخِيرِها مِنْ ثَباتِ ثابِتِها، وَمَسِيرِ سائِرِها، وَهُبُوطِها وَصُعُودِها، وَنُحُوسِها وَسُعُودِها».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام(عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة إلى خلق الشمس والقمر والكواكب وفلسفتها الوجودية، ثم شرح بعبارات بليغة الفوائد والبركات لهذه الكواكب، حيث أشار إلى خلق الشمس وما يختزنه ضياؤها من بركات: «وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها».
ثم أضاف(عليه السلام) قائلاً: «وقمرها آية ممحوة من ليلها».
حيث إختلفت أقوال شرّاح نهج البلاغة في تفسير هذه العبارة فقال البعض المراد ممحوة بليالى المحاق الليالى الظلماء في آخر الشهر. وقال البعض الآخر القطع السوداء على سطح القمر. وقيل أيضاً المراد بهوت لون القمر تدريجياً بعد منتصف الليل. ولكن لا يبدو أي من هده التفاسير تاماً، والمراد بقوله ممحوة هو قلّة ضياء القمر بالنسبة لضياء الشمس. على كل حال فانّ هذه العبارة تتفق تماماً والآيات القرآنية التي عدت الليل والنهار من آيات اللّه:
(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ)(1) ولاتخفي بركات ضياء النهار وأشعة الشمس على حياة البشرية التي يعزي إليها كافة الأنشطة والفعاليات والسعى والحركة من أجل العيش والحياة، كما أنّ الضياء المتواضع واللطيف للقمر في الليالى الظلماء والذي يقود إلى حل أغلب مشاكل الحياة البشرية، كما كان يستعين الإنسان حين الضرورة في الطرق بضياء القمر ولاسيما في الصحراء. وفي ذات الوقت فانّه ليس على درجة من القوة بحيث يعيق حركته ونشاطه في النهار، وهذه نعمة اُخرى من نعمه سبحانه.
![]() |
![]() |