![]() |
![]() |
«أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِىءَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا. فَأَسْأَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوني، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بَيَدِهِ لاَتَسْأَلُونِي عَنْ شَىْء فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، ولاَ عَنْ فِئَة تَهْدِي مِئَةً وَتُضِلُّ مِئَةً إِلاَّ أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا، وَمُنَاخِ رِكَابِهَا، وَمَحَطِّ رِحَالِهَا، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً، وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً. ولَوْ قَدْ فَقَدْتُمُوني وَنَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الأُمُورِ، وَحَوَازِبُ الْخُطُوبِ، ولأَطْرَقَ كَثيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ، وَفَشِلَ كَثيرٌ مِنَ المَسْؤُولِينَ، وَذلِك إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ، وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاق، وَضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً، تَسْتَطِيلُونَ مَعَهُ أَيَّامَ الْبَلاءِ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ لِبَقِيَّة الأَبْرَارِ مِنْكُمْ».
—–
الشرح والتفسير
بعد أن حمد الإمام(عليه السلام) الله وأثنى عليه خاطب الناس قائلاً: « أمّا بعد حمدالله، والثناء عليه، أيها الناس! فانى فقأت(1) عين الفتنة، ولم يكن ليجترىء عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها(2) واشتد كلبها(3)».
1. «فقأت» من مادة «فقأ» على وزن فقر القلع بمعنى تغلبه عليها.
2. «غيهب» من مادة «غهب» على وزن وهب الظلمة وشدة السواد، وتستعمل في الليالي الدامسة الظلام، كما تعني في الأصل الغفلة والنسيان المناسب للظلمة.
3. «كلب» على وزن طلب من مادة «كلب» على وزن قلب داء معروف يصيب الكلاب، فكل من عضته 2أصيب به فجن ومات إن لم يبادر بالدواء. ومن هنا يستعمل في الحوادث الأليمة والحروب الطاحنة وهجوم الحيوانات الوحشية المفترسة.
وقد اختلفت أقوال الشرّاح في المراد بهذه الفتنة، فقد ذهب البعض إلى أنّ المراد بها وقعة الجمل، حيث أصابت فيه الحيرة السذج من الأفراد وحتى من لم يكن يمتلك الإيمان والعلم العادي، في أنّه هل يجوز قتال فئة تنتحل الإسلام ظاهرا و هى من أهل القبلة؟ كيف وفيها بعض كبار الصحابة كطلحة والزبير، وكذلك زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله) عائشة، وناهيك عما سبق فاذا تمت الحجة ونشبت الحرب، فهل يمكن السيطرة على أموالهم كغنائم؟ وكيف سيعامل أسراهم؟ إلاّ أنّ الإمام(عليه السلام) كان يعلم بأنّ هذا النقض للعهود والمواثيق، وشق عصا الاُمّة وتمزيق وحدتها، إذا استمر فانّ الفتنة ستعم كافة البلاد الإسلامية حتى لايبقى من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه وستطمس معالم الدين. فبذل الإمام(عليه السلام) بادىء الأمر قصارى جهده من أجل اتمام الحجة محذرا الطرف المقابل من العواقب الوخيمة وذلك من خلال الكتب والرسل التي كان يبعث بها إليهم، فلما لم يستجيبوا، لم يكن أمام الإمام(عليه السلام) من سبيل إلا القتال، ومن هنا واجههم الإمام(عليه السلام)بتلك الشدة والصرامة حتى أخمد فتنة الجمل، بينهما ذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد بها فتنة الخوارج من النهروان لأن ظاهر الخوارج كان يتصف بنوع من الصلاح والقدسية، رغم انحرافهم الباطني وحماقتهم وجهلهم بالتعاليم الإسلامية، بينما كانوا يولون عناية فائقة لأدنى المستحبات والمندوبات، ولذلك تردد الكثير من السذج في قتالهم، بينما نهض الإمام(عليه السلام)بالأمر ليواجه هذه الفتنة ويفقأ عينها، كما ذهب بعض الشرّاح إلى أنّ المراد بها الفتنة بمفهومها العام، حيث يعتقدون أنّ هذه الفتن قد بدأت على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)في موقعة بدر واستمرت في سائر الغزوات، ثم استفحلت وتفاقم خطرها بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ثم امتدت لتشتد في زمان عثمان، فلما قتل وبايع الناس الإمام(عليه السلام) تجذرت هذه الفتنة لتتخذ أشكالاً اُخرى، ليواجهها الإمام(عليه السلام) بالسيف أحياناً، وبالصبر والتحمل والتحذير والنذير أحياناً اُخرى ولكن يبدو تفسيرها بالجمل أنسب من غيره أمّا التعبير: «عين الفتنة» فيفيد أنّ الإمام(عليه السلام)قد شبه الفتنة بشبح وحشي كاسر، وإذا فقأت عينه سلبت قدرته وحيويته، كما تشير إلى أنّ الإمام(عليه السلام) كان يتجه في مجابهته للفتنة إلى مراكزها الأصلية ورموزها الأساس،
ولايقصد العناصر الثانوية هناوهناك، فالفتنة تزول إذا مازال مركزها; وهذا هو الطريق الافضل الذي ينبغي اتخاذه في مواجهة الفتن والدسائس. ثم تطرق الإمام(عليه السلام) إلى مسألة ذات أهمية بالغة جدا فقال(عليه السلام): «فاسألونى قبل أن تفقدوني». كما ذكر سابقا فقد قال المحققون لم يكن ليقول هذا الكلام غير علي بن أبي طالب، و ذلك لأنه كان واسع العلم بأحداث الماضي و الحاضر و المستقبل بحيث يجيب يرد على كل سؤال بشأن المعارف و الأحكام، و هو العلم الذي تعلمه من رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي أخذه عن الوحي.
قال الشارح المعتزلي روى صاحب كتاب الاستيعاب عن جماعة من الرواة والمحدثين قالوا لم يقل أحد من الصحابة عنهم سلوني إلاّ علي بن أبي طالب، وقال أبو جعفر الاسكافي في كتاب نقض العثمانية: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر سلوني إلاّ علي بن أبي طالب(عليه السلام).
وقيل إنّ ابن الجوزي قال يوماً على منبره: سلوني قبل أن تفقدوني، فسألته أمرأة عما روى أنّ علياً سارفي ليلة إلى سلمان فجهزه ورجع، فقال: روى ذلك، قالت: فعثمان ثم ثلاثة أيام منبوذاً في المزابل وعلي(عليه السلام) حاضر، قال: نعم، فقالت: قد لزم الخطاء لأحدهما، فقال: ان كنت خرجت من بيتك بغير اذن زوجك فعليك لعنة الله وإلاّ فعليه، فقالت: خرجت عائشة لحرب علي باذن النبي(صلى الله عليه وآله) أم لا؟ فانقطع ولم يحر جواباً(1) ثم قال(عليه السلام): «فو الذي نفسي بيده! لاتسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولاعن فئة تهدي مئة وتضل مئة إلاّ أنبأتكم بناعقها(2) وقائدها وسائقها، ومناخ(3) ركابها، ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً، ومن يموت منهم موتاً» ربّما يتكهن الكثير من الناس بصورة كلية ومبهمة عن بعض حوادث المستقبل، وهذا ما نلمسه بوضوح لدى الساسة الذين يتكهنون ببعض الاُمور التي قد تصيب وقد تخطىء. إلاّ أنّ أحداً لم يتمكن بالتكهن بدقائق الاُمور وأدنى التفصيلات وبالنسبة
1. منهاج البراعة 7/74.
2. «ناعق» من مادة «نعق» على وزن ضرب من نعق بغنمه صاح بها لتجتمع وتستعمل في الافراد السذج الذين يتحركون بواعز من المفسدين.
3. «مناخ» من مادة «نوخ» بمعنى أقام، و «مناخ» يطلق على المكان الذي يبرك فيه البعير، وتستعمل بشكل واسع ككناية عن محل الإقامة.
لتلك الأزمان البعيدة، إلاّ لمن ارتبط بمصادر الوحي واستند إلى المدد الإلهي والعلم المطلق.
والعجيب في الأمر أنّ الإمام(عليه السلام) أكد في هذه العبارة أني أستطيع أن أخبركم بكافة الحوادث القادمة إلى يوم القيامة من جانب، ومن جانب آخر أشار إلى جزئيات هذه الحوادث وتفاصيلها. الأمر الذي لا يتيسر إلاّ للنبي ومن يستقي علومه ومعارفه منه، وهنا يبرز هذا السؤال: هل للنبي أو الإمام العلم بالغيب، وبهذه السعة والشمولية، والحال هذا القرآن يصرح: (قُـلْ لا يَعْـلَمُ مَنْ فِـي السَّمـواتِ وَالأَرْضِ الغَـيْبَ إِلاّ اللّهُ)(1)، وتبدو الاجابة واضحة ومعروفة على هذا السؤال، على ضوء ما ورد في الآيات القرآنية، وكلمات الائمة(عليه السلام)ولاسيما الإمام(عليه السلام) في أن علم الغيب بالذات مختص بالله سبحانه، والله سبحانه يطلع من يشاء من أوليائه على ذلك العلم، كما ورد ذلك في الآية 26 ـ 27 من سورة الجن: (عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُول)، وسيأتى عما قريب أنّ الإمام(عليه السلام) حين أخبرعن بعض الحوادث، فتبادر هذا السؤال إلى ذهن أحد الأفراد بشأن علم الإمام(عليه السلام)للغيب، ردّ عليه(عليه السلام) بالقول: «ليس هو بعلم غيب، وإنّما هو تعلم من ذي علم»، في إشارة واضحة إلى أنّ الغيب الذاتي لله، وعلم الإمام(عليه السلام)إكتسابي، فقد تعلم جميع هذه الاُمور من رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي تعلمها من الله سبحانه وتعالى (وسيمر علينا في البحث القادم شرح هذا الكلام). على كل حال، لم يقل مثل هذا الكلام بعد رسول الله أحد سوى أميرالمؤمنين، إلاّ أنّ الإمام أورد ذلك كراراً ومراراً ليقع عين ما كان يخبر به(عليه السلام).وقد أفرد ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة فصلاً أسماه الاُمور الغيبة التي أخبر عنها الإمام(عليه السلام)أورده في ذيل هذه الخطبة، وسنشير إليه في البحث القادم.
والعبارة: «ولاعن فئة تهدى مئة...» إشارة إلى أنّ الإمام(عليه السلام) لايخبر عن الجماعات الكثيرة والوقائع الخطيرة فحسب، بل يستطيع الأخبار عن صغائر الحوادث ببركة ذلك التعليم الإلهي. ثم أشار(عليه السلام) إلى نقطتين بهذا الشأن:
الاولى: لتشجيع أولئك على السؤال عن المسائل المصيرية، حذراً من ندمهم يوماً حين
1. سورة النمل/65 (كما ورد شبيه هذا المضمون في آيات متعددة اُخرى).
تضطرب عليهم الاُمور فيحل مشاكلهم: «ولو فقدتموني ونزلت بكم كرائه(1) الاُمور، وحوازب(2) الخطوب، لأطرق كثير من السائلين، وفشل كثير من المسؤولين» أي أسألوني مادمت بينكم، فليس لأحد بعدي أن يرد على ما يدور في أذهانكم، آنذاك ليس لكم سوى الندم.
الثانية: إشارة إلى الأزمات والخطوب المرتقبة، ليستعدوا لها، كما تبشر من جانب آخر الأخيار والصالحين بالفتح «وذلك إذا قلصت(3) حربكم، وشمرت(4) عن ساق، وضاقت الدنيا عليكم ضيقاً، تستطيلون معه أيام البلاء عليكم، حتى يفتح الله لبقية الأبرار منكم»، فالإمام(عليه السلام)أشار ـ إلى سيطرة الجناة من حكام بني أمية وسيطرتهم على مقدرات الاُمّة الإسلامية وغصب أموالها، وليس لمن يقف بوجههم سوى الضربات الماحقة الشديدة، والحق أنّ جرائمهم وجناياتهم لتفوق الخيال والتصور، وما أروع عبارة الإمام(عليه السلام) بهذا الشأن حين قال: «ضاقت الدنيا عليكم ضيقاً» لتصور بعض الفضائع التي ارتكبها بني أمية بحق الناس.
أمّا قوله(عليه السلام): «حتى يفتح الله لبقية الابرار منكم»، فيمكن أن يكون إشارة إلى زوال حكومة بني أمية، ليتنفس المسلمون بعدها الصعداء، حيث سيتربص بهم العباسيون الذين لم تشتد قوتهم آنذاك. كما يمكن أن تكون إشارة إلى الحكومة العالمية للإمام المهدي(عليه السلام)التي تقتلع جذور الظلم والجور وتنهي كافة أشكال التسلط والهيمنة وترسي قواعد العدل والقسط، وإليك طائفة من الاُمور الغيبية التي أخبر عنها الإمام(عليه السلام) ثم تحققت، تأمل نبوءات الإمام(عليه السلام)أفرد ابن أبي الحديد فصلاً بهذا الشأن فقال: واعلم أنّه عليه السّلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنّهم لايسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلاّ أخبرهم به، وأنّه ما صحّ من طائفة من الناس يهتدى بها مائة وتضلّ بها مائة، إلاّ وهو مخبرٌ لهم ـ إن سألوه ـ برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها; ومَنْ يقتل منها قتلاً، ومَنْ يموت منها
1. كرائه جمع كريهة.
2. حوازب جمع حازب من مادة حزب على وزن جذب الأمر الشديد.
3. «قلص» من مادة «قلوص» بتشديد اللام تمارت واستمرت.
4. «شمر» من مادة «تشمير» ويطلق على عملية رفع الثوب عن الساقين و التهيؤ والاستعداد للقيام بعمل ما.
و «شِمر» تطلق على الاشخاص ذوي الجد و التجربة، وكذلك تطلق على الاشرار.
موتاً; وهذه الدعوى ليست منه عليه السلام ادّعا الرّبوبية، ولا إدّعاء النبوة; ولكنه كان يقول: إنّ رسول صلى الله عليه وآله أخبرَه بذلك; ولقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة، كإخباره عن الضربة التي يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته، وإخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السلام; وما قاله في كربلاءِ حيث مرّبها، وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج; وعن يوسف بن عمر; وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى صحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم وصلب من يصلب وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص عليه السلام إلى البصرة لحرب أهلها، هذه شهادة ضد من لايعتقد بإمامته(عليه السلام) على أنه الإمام المعصوم; بينما المسألة واضحة لنا تماما. فالائمة ورثة علوم النبي(صلى الله عليه وآله) إلى جانب إدراكهم للحقائق القرآنية التي يعجز عن دركها الاخرون، مع مالهم من إلهامات غيبية و سنبحث في حينه في ذيل بعض الخطب بشأن سعة علم الإمام.
—–
«إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ; يُنْكَرْنَ مُقْبِلات، وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَات، يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّياحِ، يُصِبْنَ بَلَداً وَيُخْطِئْنَ بَلَداً. أَلاَ وإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي اُمَيَّةَ، فإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ: عَمَّتْ خُطَّتُهَا، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا، وَأَصَابَ الْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا، وَأَخْطَأَ الْبَلاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا، وَايْمُ اللهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوْء بَعْدِي، كَالنَّابِ الضَّرُوسِ، تَعْذِمُ بِفِيهَا، وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا، وَتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا، وَتمنَعُ دَرَّهَا، لاَيَزَالُون بَلاؤُهُمْ عَنْكُمُ حتّى لايَكُون انْتِصارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إلاّ كَانْتِصارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، وَالصَّاحِبِ مِنْ مُستَصْحِبِهِ، تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً، وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدىً، وَلاَ عَلَمٌ يُرَى».
—–
الشرح والتفسير
أخبرالإمام(عليه السلام) في القسم الأول من هذه الخطبة عن جانب من الحوادث المستقبلية والفتن التي ستصيب المسلمين، ثم واصل هنا الكلام عن أولاً: الإشارة إلى القانون العام ذات الصلة بالفتن; القانون الذي يؤدي العلم به إلى الحد من خطر هذه الفتن، ثانياً: الحديث عن فتنة خاصة ـ وهى في الواقع من أهم الفتن ـ وتحذير الناس منها، وهى فتنة بني أمية التي تطرق الإمام(عليه السلام)إلى أغلب مميزاتها. فقد قال(عليه السلام) بادىء ذي بدء، أنّ الفتن عادة ما تتلبس بلباس الحق إذا أقبلت، فاذا أدبرت نبهت الناس إلى ما هيتها «إن الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت».
ثم أشار(عليه السلام) إلى نقطة في الحقيقة هى علة هذا الأمر، وهى أنّ هذه الفتن مجهولة عند الاقبال، معروفة عند الإدبار «ينكرن مقبلات ويعرفن مدبرات»، فهذه نقطة اجتماعية سياسية غاية في الأهمية، وهى أنّ أصحاب الفتنة والانحراف إنّما يحاولون تنميق ظاهرهم ليخفون صورتهم الكريهة في إطار الحق ليستقطبوا الناس إليهم، فاذا استتب لهم الأمر كشفوا عن أنيابهم الكريهة حتى يطاح بهم.
ومن هنا فانّ دعاة الحق مطالبون على الدوام بالنظر بمنتهى الحيطة والحذر إلى الأحداث والوقائع خشية الانخداع والاغترار، فحسن الظن والنظرة السطحية في مثل هذه الاُمور لن تؤدي سوى إلى الضرر والخسران.
ثم أشار(عليه السلام) إلى نقطة مهمّة وهى أنّ الفتن ليست شاملة، بل هى كالرياح التي تصيب موضعا وتترك آخر: «يحمن(1) حوم الرياح، يصبن بلداً ويخطئن بلدا».
لأنّ أرضية كافة المدن والامصار ليست واحدة لتحتضن الفتن، بل هناك عدة عوامل متوفرة هنا وليست متوفرة هناك، وبناء على هذا فلا ينبغي الاغترار إذا لم تشاهد بعض آثار الفتن في موضع دون آخر.
ثم يتطرق(عليه السلام) إلى فتنة بني أمية ليحذر من خطورتها فيقول: «ألا وإنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فانّها فتنة عمياء مظلمة».
فتنة عمياء مظلمة لاتبقى أمامها من قيم ومفاهيم ومثل، وتتجاوز كافة الأشخاص دون الالتفات إلى سوابقهم ومواقفهم، والحق أنّ فتنة بني أمية كانت كذلك! فقد استعادت أعراف الجاهلية حياتها على عهدهم وفي ظل حكومتهم، حيث تمكنت حثالات رجالهم من التسلط على رقاب المسلين وإشغال المواقع الحساسة في الحكومة، فتنحت تلك الشخصيات الصالحة وأقصيت عن الميدان، بينما مورست أبشع أنواع البطش والتعذيب بحق أولئك الذين رفعوا أصواتهم بوجه هذه الحكومة. ثم أشار(عليه السلام) إلى بعض خصائص هذه الفتنة في أنّ حكومتها عامة شاملة بحيث يخضع الجميع لهذه السلطة الغاشمة، غير أنّ بلائها يختص بطائفة وجماعة;
1. «يُحمن» من مادة «حوّم» على وزن قوّم بمعنى الدوران.
فمن كان بصيراً في تلك الفتنة (ووقف بوجهها) شمله ذلك البلاء، بينما يسلم منها من كان أعمى «عمت خطتها،(1) وخست بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها».
طبعاً أنّ آثار الفتنة ستعم بالتالي كافة القوم، ولعل هذا هو المعنى الذي أشارت إليه العبارة «عمت خطتها»; إلاّ أنّ شدتها وحدتها إنّما تطيل المجاهدين الاشداء، بينما يكون الجهال من عديمي الشعور بالمسؤولية في أمان من ذلك البلاء ثم تطرق(عليه السلام) إلى خاصية اُخرى من خصائص حكومة بني أمية، ليقسم قائلاً: «وآيم الله(2) لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي كالناب(3) الضروس(4) تعذم(5) بفيها، وتخبط(6) بيدها وتزبن(7) برجلها، وتمنع درها(8)».
ياله من تشبيه رائع في الإنسان يتوقع أن يستفيد من لبن ناقته ويركبها ليصل إلى المكان الذي يريد، كما أنّ الإنسان ينتظر من الحكومة أن تساعده وتحل مشاكله وأن تكون سنده في مسيرة الرقي والتقدم الفردي والاجتماعي. أمّا الحكام الظلمة الذين يفتقرون إلى المنطق والرحمة ـ والذين لايفكرون إلاّ في تحقيق منافعهم ـ ليس فقط لايحلون مشاكل المجتمع فحسب، بل يجعلونه يعيش في خضم هالة من المصاعب والمشاكل ويوجهون له الضربات الماحقة الموجعة وهذه المعاملة الجافة العنيفة، و يالها من نبوءة صحيحة حيث كان(عليه السلام) يرى ببصيرته كل تلك الأحداث و عظم البلاء الذي صبته هذه الفئة القاسية على المسلمين. حتى لايبقى منكم إلاّ من ينفعهم أو لايضرهم: «لايزالون بكم حتى لايتركوا منكم إلاّ نافعالهم، أو غير ضائر بهم».
1. «خطة» من مادة «خط» به معنى وضع العلامة، ولفظ «خطة» يأتي أحياناً بمعنى حالة أو موضوع.
2. «أيم» يرى بعض الاُدباء أن أصلها (أيمن) أسقطت نونها، فان قيل وأيم الله تفيد القسم (ومن أراد المزيد فليراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7/54).
3. «الناب» الناقة المسنة.
4. «ضروس» الحيوان السئ الخلق يعفى حباله.
5. «تعذم» من مادة «عذم» من عذم الفرس إذا أكل بحفاء أوعض.
6. «تخبط» من مادة «خبط» الضرب باليد.
7. «تزبن» من مادة «زبن» على وزن دفن تضرب.
8. «درّ» جريان اللبن توفير، كما يطلق على كل خير وبركة.
فهم يخنقون أصوات دعاة الحق في حناجرهم ويلتقطون من يعارضهم أينما كان ولايرون لأي أحد من حق في الحياة سوى من يقوم على خدمتهم، أو لايشكل أي خطر على مصالحهم، ولايفرق لديهم أن يكون داع الحق هذا وطالب العدل ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو من صحابته أم كان من كبار علماء الاُمّة وأعلامها وهكذا تتضح عمومية الفتنة وشموليتها التي أشار إليها الإمام(عليه السلام). كما أشار في الخاصية الرابعة إلى نقطة وهى أنّ المشكلة العظيمة في هذه الحكومة تكمن في عدم وجود أي ملاذ من شأنه توفير الأمن للآخرين والنجاة من ظلم هؤلاء الظلمة، وليس هنالك من يسمع شكواهم، الأمر الذي يضطرهم إلى شكوى ظلم الظلمة إلى أنفسهم ومعلوم بالطبع نتيجة مثل هذه الشكوى: «ولايزال بلاؤهم عنكم حتى لايكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربّه، والصاحب من مستصحبه».
والحق هذا هو مصير الأُمّة التي تقوم حكومتها الجائرة والظالمة بقطع ألسن كافة دعاة الحق وتحاصر العلماء وتفرض عليهم الاقامة في بيوتهم، وتعز الذليل وتذل العزيز وتحطم عناصر القوة في الاُمّة وتسخرها من أجل منافعها. ثم أشار في الخاصية الخامسة والأخيرة ـ والتي تؤكد في الواقع الخصائص السابقة ـ إلى تتابع هذه الفتن وهى عماء وصماء خالية من الأدلة وسبل النجاة: «ترد عليكم فتنتهم شوهاء(1) مخشية(2) وقطعاً جاهلية، ليس فيها منار هدى، ولاعلم يرى»، وهكذا يكون الإمام(عليه السلام) قد رسم بهذه الخصائص الصورة القاتمة لظروف وأوضاع حكومة بني أمية، كما أشار إلى نهايتها; وكأنّه كان قد عاش تلك الفترة المظلمة التي دامت ثمانين سنة، وكان يرى تفاصيلها رأى العين. فقد كانت حكومة لاتقيم وزناً للقيم والمثل الإسلامية ولاتعترف بالقوانين الإسلامية، بل هى حكومة مستبدة طاغية تفتقر إلى المنطق والموازين مليئة بالفتن الحاكية عن عصر الجاهلية، الحكومة التي قد لاتفكر حتى في مصالحها، لتمارس أقصى درجات الظلم والجور فترتكب ما قل نظيره في التأريخ البشري. والعبارة: «أرباب سوء بعدي»، إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة وهى أنّكم لم تستجيبوا لحكومتي الإسلامية والإنسانية العادلة، فليس أمامكم سوى الحكام الظلمة وأرباب السوء. وقد أورد
1. «شوهاء» من مادة «شوه» على وزن قوم قبيحة المنظر.
2. «مخشية» من الخشية مخوفة مرعبة.
بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ بني أمية كانت تعامل طائفة من الناس كعبيد. حتى جاء في شرح نهج البلاغة للعلاّمة التستري أنّهم كانوا يأخذون الجزية ممن أسلم من أهل الذمة ويقولون فروا من الجزية، ويأخذون الصدقة من الخيل، وكانوا يختمون في أعناق المسلمين كما توسم الخيل، وينقشون في أكفهم علامة لاسترقاقهم كما يصنع بالعلوج من الروم والحبشة.(1)
الفتنة مفردة يخشاها الجميع، ويرون نتيجتها هى الشؤم والألم، ولكن هنا يطرح هذا السؤال: ما هى الفتنة؟ وما هى علامتها وملامحها؟ فالإمام(عليه السلام) بين في هذه الخطبة علامات الفتنة، كما عرفها على أساس هذه العلامات والملامح. فالفتنة إنّما تطلق على الحوادث المعقدة التي لاتتضح ماهيتها; لها ظاهر براق وباطن مملوء بالفساد; تؤدي بالمجتمعات البشرية إلى الفوضى والعداوة والتناحر والاقتتال وسفك الدماء ونهب الأموال وهتك الاعراض ـ والأنكى من كل ذلك تعذر السيطرة عليها.
غالباً ما تتلبس بلباس الحق لتجذب اليها السذج من الناس ولايلتفتون إليها، إلاّ بعد أن تسدد إليهم سهام حقدها. والفتن لاتعرف القانون، فقدتأتي على منطقة لتحرقها عن بكرة أبيها، بينما لاتشهد منطقة اُخرى أثراً لهذه الفتنة وهى تعيش في أمن وأمان منها، وقد شبهها الإمام(عليه السلام) في الخطبة بالريح التي تصيب منطقة وتخطىء منطقة اُخرى، وقد تلف هذه الريح كل شيء معها من قبيل الناس والسيارات لتقذف بهم هنا وهناك حسب سرعتها وشدتها! وهذا ما تفعله الفتن بكبار الشخصيات الدينية والاجتماعية السياسية، إلى جانب فعلها بأموال الاُمّة وثروات المجتمع والحرب التي وقعت على عهد أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) تعد كل واحدة منها نموذجاً بارزاً للفتنة; فقد شهدت واقعة الجمل حضور زوج النبي(صلى الله عليه وآله) عائشة التي ركبت الجمل، وإلى جانبها طلحة والزبير وهما من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ ومن أهل السابقة
1. شرح نهج البلاغة للتستري 6/106.
الحسنة في الإسلام، بحسب الظاهر ـ حتى بثوا أولى بذور النفاق والفرقة والشقاق في صفوف الاُمّة الإسلامية، ولم تضع الحرب أوزارها إلاّ بعد مقتل أكثر من عشرين ألف من المسلمين، حتى تم الأمر لعلي(عليه السلام) فأخمد نيران تلك الفتنة.
قضية أهل الشام وموقعة صفين والمطالبة بدم عثمان ورفع المصاحف على أسنة الرماح نموذج بارز آخر لهذه الفتنة، ولم تنطفى نيرانها طائفة من الجهال المتنسكين وهم يرفعون شعار «لاحكم إلاّ الله» ليشعلو فتيل موقعة النهروان فالواقع أنّ تأمل هذه النماذج العينية يمكنه أن يعلم الإنسان بصورة علمية كافة مميزات الفتنة ومداخلاتها كما بينها الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة.
بناءاً على ما أورده الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة فانّ حكومة بني اميّة كانت من أعظم وأعقد الفتن التي عصفت بالمسلمين منذ انبثاق الدعوة الإسلامية حيث قلبت الحضارة الإسلامية رأساً على عقب وصبغت الحكومة الإسلامية بصبغة الاستبداد والتسلط والغطرسة، تنتمي طائفة بني أمية إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ومنها أبو سفيان أعدى أعداء الإسلام الذي أثار أغلب الحروب ضد رسول الله(صلى الله عليه وآله)وقد بذل قصارى جهده من أجل القضاء على الإسلام، إلاّ أنّ إرادة الله وقدرته حالت دون ذلك، حتى استسلم أخيراً بجحافل الإسلام بينهما أسر الكفر وظل يخطط من أجل كسر شوكة الدين، بينما صفح النبي(صلى الله عليه وآله)عن جرائمه. روى ابن أبي الحديد عن الشعبي أنّ عثمان لما ولي الخلافة، اجتمع بنوأمية في داره فاغلقوا الباب، وكان حينها أبوسفيان قد كف بصره فالتفت إليهم وسألهم: هل فيكم غيركم؟ قالو:لا، فقال عبارته المشهورة: «يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة! فو الذي يحلف به أبو سفيان! ما من عذاب ولاحساب ولاجنّة ولانار ولابعث ولاقيامة»(1).
وهى ذات العبارة التي أطلقها معاوية بعد ان سمع مقالة المغيرة، كما وردت مثلها في الأشعار المعروفة ليزيد حين جاءوا إليه برأس الإمام الحسين(عليه السلام). هذا وقد ألف علماء الفريقين عدة
1. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9/53.
كتب ومقالات بشأن الجنايات والجرائم التي ارتكبتها حكومة بني أمية، والتى تدل على عمق الحقيقة التي صرحت بها الروايات الإسلامية قبل استيلاء بني أمية على دفة الحكم، وأنّهم آفة هذه الاُمّة.
—–
«نَحْنُ أهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاة، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاة، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الاَْدِيمِ: بِمَنْ يَسْمُهُمْ خَسْفاً، وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْس مُصَبَّرَة لاَ يَعْطِيهِمْ إِلاَّ السَّيْفَ، وَلاَ يُحْلِسُهُمْ إِلاَّ الْخَوْفَ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشُ ـ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ـ لَوْ يَرَوْنَني مَقَاماً وَاحِداً، وَلَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُور، لاَِقَبْلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَومَ بَعْضَهُ فَلا يُعْطُونِيهِ!».
—–
الشرح والتفسير
إختتم الإمام(عليه السلام) الخطبة بالأخبار عن بعض الحوادث المستقبلية الحلوة والمريرة، حيث يلفت النظر إلى أنّ أهل البيت(عليهم السلام)بمنجاة من هذه الفتنة وأنّهم ليسوا دعاة حكومة آنذاك: «نحن أهل البيت منها بمنجاة(1)، ولسنا فيها بدعاة».
يبدو أنّ هناك إختلاف بين شرّاح نهج البلاغة في تفسير هذه العبارة، لأن الفتنة من حيث العينية الخارجية قد شملت أهل البيت، ونموذج ذلك شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وصحبه الكرام. وعليه فنجاة أهل البيت من تلك الفتنة بمعنى عدم مسؤوليتهم في هذه الفتنة، وتقع مسؤوليتها على الاُمّة التي ولت ظهورها عن أهل البيت والتحقت بسليلي الكفر والشرك والجاهلية. والعبارة «ولسنا فيها بدعاة» قرينة على هذا المعنى، لأنّ أهل البيت حين اجبروا على
1. «منجاة» من مادة «نجاة» الأرض المرتفعة التي لايصلها السيل، ثم اطلقت على كل موضع يكون سبباً للنجاة، إلاّ أنّها وردت أيضاً بمعنى الاقصاء عن التدخل في أمر، وقد جاءت بهذا المعنى في العبارة; أي ليس هنالك أي دور لأهل البيت في حكومة بني أمية، وعلى بني أمية وزرها خاصة.
السكوت ولم تندفع الاُمّة خلفهم، بات من الطبيعي عدم تحملهم لأية مسؤولية. ثم بشرهم الإمام(عليه السلام)بعدم استمرار هذه الفتنة وأنّ الله سيكشفها عن الاُمّة كما يكشف الجلد عن اللحم: «ثم يفرجها(1) الله عنكم كتفريج الأديم.»(2) فهذا التشبيه يشير إلى اخماد فتنة أمية بصورة تامة في ذلك الزمان، لأن الجلد حين يفصل عن اللحم لاتبقى ذرة منه على اللحم بحيث يتغير شكل الحيوان المذبوح تماماً.
والسؤال المطروح من الذي ينهي هذه الفتنة ويقضي على حكومة بني أمية وكيف؟
قال(عليه السلام): في مواصلة كلامه بشكل عام «بمن يسومهم خسفاً(3)، ويسوقهم عنفاً، ويسقيهم بكأس مصبرة لايعطيهم إلاّ السيف، ولايحلسم(4) إلا الخوف».
العبارة «مصبرة» من مادة صبر على وزن خشن نبات شديد المرارة، إشارة إلى مرارة الحياة التي سيعيشها بني أمية في ظل حكومة بني العباس، والعبارة «لايعطيهم...» تأكيد لهذا المعنى في ابتلاء بني أمية ببني العباس، الذين يضعون السيف في أعناقهم، ومن حالفه الحظ في الهرب فليس له إلاّ الخوف والرعب.
![]() |
![]() |