![]() |
![]() |
«حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمَداً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، شَهِيداً وبَشيراً، وَنَذيراً، خَيرَ الْبَرِيَّةِ طَفْلا، وَأنْجَبَها كَهْلا، وأطْهَرَ الْمُطَهَّرينَ شِيمَةً، وَأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ ديمَةً».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام(عليه السلام) في القسم الأول من هذه الخطبة إلى النعمة الوفيرة بظهور نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله)وقد أثنى على سبع من صفاته البارزة، فقال(عليه السلام): (أن الناس كانوا في هالة من الضلال) حتى بعث الله سبحانه محمداً(صلى الله عليه وآله) شهيدا على أعمالهم وبشيراً (بالثواب الإلهي على الأعمال الصالحة) ونذيراً (بين يدي عذاب شديد على السيئات) وقد كان خير الخلق طفلاً وانجبهم كهلاً، أخلاقه تفوق أخلاق الجميع، وكرمه وسخاؤه ليس له من مثيل«حتى بعث الله محمداً(صلى الله عليه وآله)لشهيداً وبشيراً ونذيراً، خير البرية طفلاً، وانجبها كهلاً(1)، وأطهر المطهرين شيمة(2)، وأجود المستمطرين ديمة»(3).
فصفة الشهيد إشارة لما ورد في الآية الشريفة: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِـيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِـيداً عَلى هـؤُلاءِ)(4). وصفة البشير والنذير إشارة لما وردت كراراً في الآيات القرآنية كالآية (إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالحَـقِّ بَشِـيراً وَنَذِيراً)(5).
1. «كهل» متوسط العمر، وقيل تطلق على من جاوز الثلاثين، ولا تعني العجز.
2. «شيمة» بمعنى الأخلاق وجمعها «شيم».
3. «ديمه» بكسر الدال المطر المستديم الذي يخلو من الرعد والبرق.
4. سورة النحل/89.
5. سورة البقرة/119.
ثم تحدث الإمام(عليه السلام) عن طفولته(صلى الله عليه وآله) حيث كان متميزاً فيها. حيث ورد في مناقب ابن شهر آشوب عن ابن عباس أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يخالط الأطفال دون أن يأتي ببعض أعمالهم التي تستند إلى الجهل. كما ورد عن أبي طالب قوله: لم أعهد فيه كذبة ولم يتخلق بأخلاق الجاهلية، و لم يضحك عبثا. كما يروى أن عبدالمطلب كان يفرش في ظل الكعبة ولم يجلس على فرشه أحد حتى يخرج سوى رسول الله(صلى الله عليه وآله) و حين يحاول أعمامه إبعاده كان يرد عليهم عبدالمطلب: دعوه، فوالله إن له لشأنا عظيما.(1)
و قد أنشد ابوطالب في خلقه هذين البيتين:
ولقد عهدتك صادقا *** في القول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصوا *** ب و أنت طغل أمرد(2)و العجيب ما روى أنه كان يكتفي بالثدي الأيمن من مرضعته حليمة السعدية و كأنه كان حريصا على العدل ليترك الثدي الايسر لولد حليمة.(3)
ثم أشار(عليه السلام) إلى نجابة النبي(صلى الله عليه وآله) وكرامته في الكهولة; الأمر الذي يشهد به التأريخ، كما لايخفى على أحد.
أماتواضعه ورأفته وفطنته وعفوه وصفحه فقد دوت في أرجاء كافة المعمورة وهى أشهر من نار على علم. كان يهب كل مالديه للآخرين ويجود بالعطاء.
كان أسخى الجميع بحيث لم يبق عنده دينار أو درهم، وان زاد لديه شيء لم تكن تغمض عينيه دون أن يوصله إلى المحتاجين.
كان يكرم الفضلاء، ويجهد في صلة الأرحام، وكان يقبل العذر ويصفح عن المسيىء.
—–
1. مناقب ابن شهر آشوب 1/34 ـ 37 (طبق نقل شرح نهج البلاغة للشوشتري 2/204) و سيرة ابن هشام 1/178.
2. المصدر السابق.
3. ابن شهر آشوب طبق نقل بحار الأنوار 15/332.
«فَمَا احْلَوْلَتْ لَكُمُ الدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا، وَلاَ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلَافِهَا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلا خِطَامُهَا، قَلِقاً وَضِينُهَا، قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَام بِمَنْزِلَةِ السِّدْر الْمَخْضُودِ، وَحَلَالُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُود، وَصَادَفْتُمُوهَا، وَاللّهِ، ظِلّاً مَمْدُوداً إِلى أَجَل مَعْدُود. فَالأرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ. وَأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ; وَأَيْدِي الْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ، وَسُيُوفُكُمْ عَلَيْهُمْ مَسَلَّطَةٌ، وَسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ دَم ثَائِراً، وَلِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً وَإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِم في حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ اللّهُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ، وَلاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ. فَأُقْسِمُ بِاللّهِ، يَا بَني أُمَيَّةَ، عَمَّا قَلِيل لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ وَفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ! أَلاَ إِنَّ أَبْصَرَ الأبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي الْخَيْرِ طَرْفُهُ! أَلاَ إِنَّ أَسْمَعَ الأَسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْكِيرَ وَقَبِلَهُ!».
—–
الشرح والتفسير
صرح أغلب شرّاح نهج البلاغة بأنّ هذا المقطع من الخطبة ـ والذي يبدو أنّ هناك حذف بينه وبين القسم الأول، جريا على عادة السيد الرضي في اقتطاف بعض كلمات الإمام(عليه السلام) ـ في بني أمية، والشاهد على ذلك أن اسمهم ورد صراحة في أواخر هذا القسم، بينما يرى جمع من شرّاح نهج البلاغة أنّ المخاطب هو من تبقى من الصحابة والتابعين، وذيلها في بني أمية، والعبارات التي استهل بها هذا القسم إنّما تؤيد المعنى الثاني; لأنّ هذه العبارات تبين أن الإمام(عليه السلام) إنّما عاتب أفرادا لم يكن يتوقع منهم الانحراف عن جادة الحق، ونعلم أنّ بني أمية
طائفة ظالمة طيلة التاريخ معروفة بانحرافها عن الإسلام. على كل حال قال الإمام(عليه السلام): «فما احلولت(1) لكم الدنيا في لذتها، ولا تمكنتم من رضاع اخلافها(2) إلاّ من بعد ما صادقتموها جائلا(3) خطامها،(4) قلقا(5) وضينها(6)».
المراد أنّكم تكالبتم على لذات الدنيا وزخارفها في عهد عثمان وبعد الفتوحات الإسلامية والتطاول على بيت المال، وهذا ماجعلكم تبتعدون عن الله، فقد انهمك الحكام بجمع الثروات، بينما انشغلت الاُمّة بدنياها ولذاتها.
ومن هنا قال(عليه السلام) أنّ حرام الدنيا أصبح سهلاً يسيراً كالسدر الخالي من الشوك، بينما أصبح الحلال بعيداً غائباً: «قد صار حرامها عند أقوام بمنزلة السدر المخضود، وحلالها بعيداً غير موجود»، فقد انهال البعض على بيت المال فنهب ماشاء، ثم اتسعت هذه الأموال الحرام بين الناس.
العبارة «السدر المخضود» إشارة إلى أن نهي الله وتحريمه كالشوك تجاه لذات الدنيا المحظورة، أمّا الأفراد من عديمي الورع والتقوى فهم لايكترثون للنواهي الإلهية، والحرام عندهم كالسدر المخضود، وقد صرح ارباب اللغة أنّ شجرة السدر أنواع، لبعضها ثمار شديدة الحلاوة فواحة العطر تفيض رائحته على يد الإنسان وثيابه إذا ما تناول منه.(7)
نعم فاصحاب الدنيا يبتلعون الأموال الحرام وكأنّها ثمار لذيذة كالسدر المنضد الذي قطع شوكه، ولا يلتفتون إلى أوامر الله ونواهيه، وبالطبع فانّ الحرام إنّما ينتشرويعم مثل هذا الوسط فلا يبقى للحلال من مكان.
1. «احلولت» أصبحت حلوة من مادة «حلو».
2. «اخلاف» جمع «خلف» على وزن جلف حلمة ضرع الناقة.
3. «جائل» من مادة «جولان» تعني في الأصل إزالة الشي من مكانة، وتطلق على الحيوان الذي ينزل عنانه وينطلق اينما يشاء.
4. «خطام» ما يوضع في أنف البعير ليقاد به.
5. «قلق» من مادة «قلق» الاضطراب وتحريك الشيء.
6. «وضين» بطان عريض منسوج من سيور أو شعر يكون للرحل كالخرام للسرج.
7. لسان العرب، مادة سدر.
ثم قال(عليه السلام): «وصاد فتموها والله، ظلاً ممدوداً إلى أجل معدود، فالأرض لكم شاغرة(1)، وأيديكم فيها مبسوطة; وأيدي القادة عنكم مكفوفة، وسيوفكم عليهم مسلطة، وسيوفهم عنكم مقبوضة».
فهذه العبارات تبيّن أنّ الكلام هنا بخصوص فريق من المؤمنين من بقية الصحابة والتابعين الذين لم يتمالكوا أنفسهم حين الاختبار الإلهي، فيميلون حيثما مالت الريح.
فقد شغلتهم الدنيا وغرتهم بزينتها وزخرفها وبالطبع قد حصل هذا في وقت لم يسع الإمام(عليه السلام) حتى في زمان حكومته أن يصدهم عنه; وذلك لأنّهم غرقوا في هذه الدنيا على عهد عثمان بالشكل الذي لم يبق معه من أمل لانقاذهم بسهولة.
ثم هددهم(عليه السلام) ليعلموا أن المسألة ليست بهذه السهولة وهناك الحساب الذي ينتظرهم، محذرهم قائلاً: اعلموا أنّ لكل دم شائراً، ولكل حق طالباً: «ألا وإن لكل دم ثائراً،(2) ولكل حق طالباً، وإن الثائر في دمائنا كالحاكم في حق نفسه، وهو الله الذي لايعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب».
فاذا تأخر العذاب والانتقام الإلهي عن بعض العصاة المردة الذين يجاهرون بجناياتهم، فهذا لايعني نسيان هذه الأعمال الشائنة، أو قدرة هؤلاء الجناة على الفرار من مخالب العدل الإلهي.
والعبارة «إن الثائر في دمائنا...» تعني أنّ الثائر لدمائنا أهل البيت والتي تسفك بغير حق هو الله سبحانه وتعالى، فهى تسفك في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمته، فلا تشتمل هذه الدماء على جانب شخصي أو قبلي، وقطعاً أن مثل هذا الثائر لايعجزه شيء، ولايفوته شيء وهو بالمرصاد.
ثم حذر بني أمية قائلاً: «فاقسم بالله، يا بني أمية، عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم».
1. «شاغرة» من مادة «شغور» خالية.
2. «ثائر» من مادة «ثأر» على وزن قعر «وقد بُدلت الهمزة بألف. و «ثأر» تقرأ على وزن غار.
وفي الاصل جاءت بمعنى الثأر والانتقام، وتأتي أحيانا بمعنى الدم، وهو كناية عن الثأر أيضاً.
وتعبير «ثاراللّه» اُطلق على الإمام الحسين والإمام على(عليهما السلام) «يا ثاراللّه وابن ثاره»، ومعنى ذلك ان ثأر هذين الامامين لا يتعلق بعائلة او قبيلة، بل يرتبط باللّه سبحانه وتعالى وبكل بني الانسان في هذا العالم.
إيّاكم والظن بأنّكم أن سفكتم دماء الأبرياء ولم ترحموا صغيراً وتوقروا كبيراً، ورسختم دعائم حكومتكم على الظلم والعدوان ونهب الأموال وقتل الناس، فانّ هذه الحكومة دائمة لكم! فسرعان ما ينهض لكم الأعداء ويسددوا لكم ضرباتهم الماحقة حتى يطيحوا بحكومتكم ويقضوا عليكم، بل سوف لن يرحموا حتى موتاكم، فسيخرجونهم من قبورهم ويحرقون أجسادهم.
ويشير التأريخ إلى تحقق كل ما أخبر به الإمام(عليه السلام)، وقد مر شرح ذلك في الخطبة 87.(1)
ثم إختتم الكلام بقوله(عليه السلام): «ألا إنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخبر طرفه! ألا إنّ أسمع الاسماع ما وعى التذكير وقبله».
أي إن كان لكم بصر وسمع مفتوح، لم تعد عليكم من صعوبة في الظفر بسبيل الخير والسعادة، غير أنّه لمن المؤسف أن أهوائكم النفسية وطغيانكم قد غطى أبصاركم وأسماعكم بالحجب، بحيث لايسعكم رؤية الحق ولاسماع المواعظ.
جدير ذكره سئل بعض شيوخ بني أمية عقيب زوال الملك عنهم:
ما كان سبب زوال ملككم؟ فقال: جار عمالنا على رعيتنا، فتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فجلوا عنا، وخربت ضياعنا فخلت بيوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أموراً دوننا، أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم عنا، واستدعاهم عدونا فظافروه على حربنا، وطلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنّا من أوكد أسباب زوال ملكنا.(2)
ونرى هنا يوضوح عمق ما أخبر به الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة.
—–
1. المجلد الثالث من هذا الكتاب في الخطبة 87; ج 4 الخطبة 93.
2. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7/136.
«أَيُّهَا النَّاسُ، اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاح وَاعِظ مُتَّعِظ، وَامْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْن قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْكَدَرِ.
عِبَادَ اللّهِ، لاَ تَرْكَنُوا إلَى جَهَالَتِكُمْ، وَلاَ تَنْقَادُوا لاَِهْوَائِكُمْ، فَإِنَّ النَّازِلَ بِهذَا الْمَنْزلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُف هَار، يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع، لِرَأْي يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْي; يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لاَ يَلْتَصِقُ، وَيُقَرِّبَ مَا لاَ يَتَقَارَبُ! فَا للّهَ اللّهَ أَنْ تَشْكُوا إلَى مَنْ لاَ يُشْكِي شَجْوَكُمْ، وَلاَ يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ».
—–
الشرح والتفسير
خاض الإمام(عليه السلام) هنا في نصح الناس ووعظهم فقال في البداية لإعداد أنفسهم: «أيّها الناس، استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متعظ، وامتاحوا (1) من صفو عين قد روقت(2)من الكدر».
كما أنّ الاشارات الضوئية تنير للإنسان طريقه إذا مشى ليلاً في الظلام وتقيه الوقوع في المطبات أو أن يضل الطريق، فانّ نصائح الواعظ المتعظ تصون الإنسان في مسيرته وسلو كه المعنوي والفكري والأخلاقي من الانحرافات العقائدية، وكما أنّ الماء الزلال والخالي من الكدر هو مادة حياة جسم الإنسان وسائر الكائنات الحية; كذلك نصائح دعاة الحق تشكل مادة حياة روح الإنسان ونفسه.
ومن الواضح أنّ المراد بهذا الواعظ المتعظ الذي ينبغي الاستصباح من شعلته والتروي من
1. «امتاحوا» من مادة «متح» سحب الدلو من بئر الماء.
2. «روقت» من مادة «روق» على وزن فوق بمعنى صفيت، فتأني بمعنى التصفية إذا حملت على باب التفعيل.
صفو عينه هو الإمام(عليه السلام) الذي وظفت الناس بالتمسك به والاستفادة منه: أمّا للأسف لم يفعلوا واننا لنهتدي اليوم بما وصلنا من كلماته(عليه السلام) ونستقي من عينه الصافية.
ثم واصل(عليه السلام) كلامه بخطاب كافة عباد الله وحذرهم من الجهل والهوى والأفكار الباطلة المنحرفة.
فقال(عليه السلام): «عبادالله، لاتركنوا إلى جهالتكم، ولا تنقادوا لأهوائكم» ثم بين(عليه السلام) دليل ذلك قائلاً: «فان النازل بهذا المنزل نازل بشفاً(1) جرف هار، ينقل الردى على ظهره من موضع إلى موضع»، ثم قال(عليه السلام): «لرأي يحدثه بعد رأي; يريد أن يلصق ما لا يلتصق، ويقرب ما لا يتقارب».
فقد بين الإمام(عليه السلام) بهذه العبارات البليغة حقيقة مهمّة وهى أنّ أحد مصادر الضلال إنّما يكمن في الاستناد إلى الاوهام والظنون الباطلة والآراء الفاسدة البعيدة عن البرهان والدليل.
وقد شبههم الإمام(عليه السلام) بحافة النهر حيث يتمتعون بظاهر خلاب، في حين يستبطن الخلاء والجوفية! فاذا وطي الجهال تلك الحافة هووا في القعر.
ثم خلص الإمام(عليه السلام) إلى هذه النتيجة: «فالله الله أن تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم(2)، ولا ينقض برأيه ما قد أبرم لكم».
ولعل هذه العبارة إشارة إلى أن أحد منابع الجهل وعدم العلم والوقوع في متاهات الظنون الباطلة إنّما يتمثل باستشارة غير الاكفاء من الأفراد الذين يفتترون إلى الفكر السليم والرأي القاطع والاطلاع الكافي واللازم للتغلب على المشاكل والصعوبات، فاذا ما استشير حمل معه من استشاره إلى وادي الضلال والهلكة.
كما يحتمل أن تكون إشارة إلى ضرورة عدم الاغترار بالقدرات الكاذبة والجبارة التي لا تفكر سوى في تحقيق أطماعها ومآربها (كبني أمية). وعليه فلا ينبغي لهم الاستعانة بهؤلاء من أجل حل مشاكلهم. فهم ليسوا فقط غير قادرين على حل هذه المشاكل فحسب، بل غالباً ما يسهمون في مضاعفة هذه المشاكل.
1. «شفا» حافة الشيء وتعني في الأصل حافة البئر والنهر، و«الهار» من «هور» على وزن غور بمعنى المتهدم أو المشرف على الانهدام.
2. «شجو» الهم والغم (ولهذه المفردة معنى المصدر واسم المصدر).
«إنَّهُ لَيسَ عَلَى الإمَامَ إِلاَّ مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ: ألإِ بْلَاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، وَالاِجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَإصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا. فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَنَاهَوْ عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بالنَّهْي بَعْدَ التَّنَاهِي!».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام(عليه السلام) في هذا الموضع من الخطبة إلى الوظائف الخمس لإمام المسلمين و وظائف المسلمين فذكر بعض الاُمور المهمة بهذا الشأن، وكأن ما أورده الإمام(عليه السلام) سابقاً يدعو إلى سؤال يقتدح في الاذهان، وهو أننا إذا وقعنا في وادي الجهل أو شكونا ما يحل بنا لغير أهله، فذلك لأنّ الإمام لم يأخذ بايدينا ويهدينا ويدلنا على الطريق.
فقد ردّ الإمام(عليه السلام) على مثل هذا السؤال المقدّر بالقول: «إنّه ليس على الإمام إلاّ ما حمل من أمر ربّه».
والوظائف الملقاة على عاتقه هى:
1 ـ الوعظ لعامة الناس «الا بلاغ في الموعظة».
2 ـ الجد والاجتهاد في الخير والنصح «والاجتهاد في النصيحة».
3 ـ «والإحياء للسنة».
4 ـ «وإقامة الحدود على مستحقيها».
5 ـ «واصدار السهمان(1) على أهلها».
هذه هى وظائف حاكم المسلمين. فعليه أن يوصل الأحكام الإسلامية كاملة إلى الاُمّة بحيث يخرج من نشد الحق عن الجهل والضلال ولا يبقي له من عذر في الجهل بهذه الأحكام. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: يسعى ويجتهد من أجل خير المسلمين وإصلاح أوضاعهم الدينية والدنيوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ومن جانب ثالث: أن يسعى لاحياء السنة النبوية والأحكام الشرعية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو سائر الوسائل.
ومن جانب رابع: إجراء الحدود بحق المستحقين دون التمييز بين أحد وآخر والتساهل في إقامتها بهدف منع الجرائم والجنايات.
ومن جانب خامس: دفع حقوق المستحقين والمحتاجين من بيت المال.
فاذا فعل امام المسلمين ذلك فقد أدى دينه تجاه عبادالله، فان كان هناك من اشكال واضطراب فانّما يعود إلى الناس.
ثم خاض(عليه السلام) في وظائف الاُمّة ليوجزها في ثلاث، تعلم العلم من قبل أن تجف شجرته، وقبل أن ينشغلوا بأنفسهم ويتلوثوا بالدنيا، كما عليهم أن يستقوا هذا العلم من منابعه: «فبادروا العلم من قبل تصويح(2) نبته، ومن قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار(3) العلم من عند أهله».
ولعل المراد بجفاف شجرة العلم شهادته(عليه السلام)، والمراد شخصه(عليه السلام) أيضاً بمركز فيض العلم ـ ومن هنا فقد لفت انتباههم إلى ضرورة السؤال والاستفسار مادامه(عليه السلام) بينهم.
والعبارة تشبه تلك التي أطلقها(عليه السلام) أواخر عمره الشريف: «سلوني قبل أن تفقدوني»(4).
كما يحتمل ان يكون المراد بهذه العبارة جفاف شجرة وجود الإنسان، لأنّ الإنسان لايمتلك
1. «سهمان» على وزن لقمان جمع «سهم» الحظ والنصيب.
2. «تصويح» جفاف النبات.
3. «استثار» من مادة «استيثار» بمعنى الاستثارة والنشر.
4. نهج البلاغة، الخطبة، 93.
القدرة الكافية على تناول العلم في أي سن وعمر وينسجم هذا الاحتمال والعبارة القادمة، لأنّ الإنسان كلما تقدم به العمر ازدادت مشاكله وهمومه، كما يقل استعداده ـ كما يمكن الجمع بين الاحتمالين.
ثم أشار إلى الوظيفة الثانية والثالثة للاُمّة بالقول: «وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فانّما أمرتم بالنهي بعد التناهي».
وعليه فوظيفة الناس أولاً: ان يرفع من مستواه العلمي ويزيد من معارفه، لأنّ الجهل من عوامل التخلف.
وثانياً: الجد في امتثال أوامر الله وعدم نسيان وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعد وظيفة عامة. والحق أنّ السعادة ستعم الاُمّة لو عملت بوظائفها ونهض أئمة المسلمين بوظائفهم.
وقد برز سؤال بين شرّاح نهج البلاغة ـ وهو السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل متتبع ـ وهو; كيف اشترط الإمام(عليه السلام) النهي عن المنكر بانتهاء، الشخص عنه فقال: «فانما أمرتم بالنهي بعد التناهي»؟ رد ابن أبي الحديد على هذا السؤال بالقول: لم يرد (عليه السلام) أنّ وجود النهي عن المنكر مشروط بانتهاء ذلك الناهي عن المنكر، وإنّما أراد: أني لم آمركم بالنهي عن المنكر إلاّ بعد أن أمرتكم بالانتهاء عن المنكر.(1)
بينما اعتبر الشارح الخوئي هذا الرد تكلفاً وقال: الأفضل أن يقال للسائل: أنّه(عليه السلام) أوجب الأمرين (دون اشتراط أحدهما بالآخر) والعبارة الأخيرة إشارة إلى الانتهاء عن المنكرات التي أكدت اكثر عن وجوب النهي عن المنكر. لانّ اصلاح النفس مقدم على اصلاح الآخرين.(2)
إلاّ أنّ الأفضل أن يقال: إنّ الانتهاء عن المنكر لشرط كمال النهي عنه، لا شرط وجوبه، لأنّ الإنسان حين يرتكب الذنب ويريد نهي الآخرين عنه، سوف لن يكون لكلامه من تأثير، ولو علم الناس منه ذلك لسخروا منه وقالوا: «طبيب يعالج الناس وهو عليل».
1. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7/170.
2. شرح نهج البلاغة للمرحوم الخوئي 7/251.
ومن هنا أكد أئمة الدين(عليه السلام) أننا لا ننهاكم عن شيء حتى ننتهي عنه قبلكم.
فقد قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): «أيها الناس، إني والله ما أحثكم على طاعة إلاّ وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلاّ وأتناهى قبلكم عنها»(1).
—–
1. نهج البلاغة، الخطبة 175.
ومن خطبة له(عليه السلام)
وفيها يبين فضل الإسلام ويذكر الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) ثم يلوم أصحابه
كما يتضح من عنوان الخطبة أنّها تتألف من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يتحدث عن أهمية الإسلام وبركاته وآثاره والتركيز على بعض النقاط المهمة بهذا الشأن.
القسم الثاني: يتحدث عن شخصية الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) بعبارات قصار عميقة المعنى، ثم يختتمه بالدعاء للنبي(صلى الله عليه وآله) وعامة المؤمنين.
القسم الثالث: يلوم أصحابه على سكوتهم على الظلم والفساد رغم ما آتاهم من النعم، والسماح لهؤلاء الظلمة بانتهاك الحرمات. و ممارسة كل ما يحلو لهم من أعمال.
وجاء في بعض الرّوايات أن رجلاً سأل أميرالمؤمنين عن الإسلام والإيمان والكفر والنفاق فخطب(عليه السلام) بهذه الخطبة. وفي خبر عن الاصبغ بن نباتة أنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) خطبها في داره أوفي دار الامارة ثم أمر بكتابتها.(2)
1. سند الخطبة: ورد في مصادر نهج البلاغة سنذكر مدارك هذه الخطبة في ذيل الكلمات القصار (الكلمات 30، 31، 26، 268) ويبدو انها في خطبة واحدة للإمام(عليه السلام) (فصلها المرحوم السيد الرضي (ره))، ولكن ليس لدنيا مدارك واضحة لما نقله المصادر. والذي يستفاد من كتاب المستدرك والمدارك لنهج البلاغة ان جانب من هذه الخطبة ورد في كتاب اصول الكافي وجانب آخر منها في الامالي للطوسي (من اول الخطبة إلى العبارة والجنّة سبقته).
2. شرح نهج البلاغة للشوشترى 12/339.
«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي شَرَعَ الإسْلَامَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ، وَأَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ، فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ، وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ، وَنُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ، وَفَهْماً لِمَنْ عَقَلَ، وَلُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ، وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وَتَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ، وَعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ، وَنَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ، وَثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ، وَرَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ، وَجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ، فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَاهجِ، وَأَوْضَحُ الْوَلاَئِجِ; مُشْرَفُ الْمَنَارِ، مُشْرِقُ الْجَوَادِّ، مُضِيءُ الْمَصَابِيحِ، كَرَيمُ الْمِضْارِ، رَفِيعُ الْغَايَةِ، جَامِعُ الْحَلْبَةِ، مُتَنَافِسُ السُّبْقَةِ، شَرِيفُ الْفُرْسَانِ. التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ، وَالصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ، وَالْمَوْتُ غَايَتُهُ، وَالدُّنْيَا مِضْمارُهُ، وَالْقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ، وَالْجَنَّةُ سُبْقَتُهُ».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة ضمن الخطبة 26 إلى الخصائص المهمة للإسلام والمميزات التي ينطوي عليها بعبارات قصيرة ذات معان عميقة. وكما أوردنا سابقاً ـ نظرة إلى الخطبة ـ أنّ الإمام(عليه السلام)خطب بهذه الخطبة في المسجد لعامة الناس، رداً على من سأله عن خصائص الإسلام والكفر والإيمان والنفاق. فقد استهل(عليه السلام) خطبته بحمد الله والثناء عليه قائلاً: «الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه لمن ورده». حيث نعلم أن الشريعة تعني الطريق الذي يشقه الناس إلى جانب الأنهار الكبيرة نحو الماء لستفيد منه الناس.
فقد بين الإمام(عليه السلام) أنّ الإسلام أشبه بالنهر العظيم و وصف طرق الوصول إليه بأنها سهلة
يسيرة. كما أنّ اعتناق الإسلام سهل يخلو من أي تكلف; فيكفي فيه أن ينطق الإنسان من صميم قلبه بالشهادتين ليخرج من صف الكفر والنفاق ويلتحق بصفوف المسلمين والمؤمنين، كما أنّ البرامج الإسلامية هى الاُخرى سهلة يسيرة سمحاء، فهناك الأدلة من قبيل «لاضرر» و«نفي الحرج» التي رفعت أي تكلف وثقل عن كاهل الإنسان! كما منحت الاصالة في الشرع للبراءة وحمل أفعال الآخرين على الصحة. كما رفضت أي إكراه أو إجبار، كما حكم ببطلان كافة العقود التي تبرم على أساس إلاكراه والاجبار والاضطرار. كما صرحت ببعض الواجبات التي لاتدعو إلى المشقة والعسر والحرج. وزبدة الكلام فقد قال النبي(صلى الله عليه وآله): «بعثت إليكم بالحنيفية السمحة السهلة البيضاء»(1).
إلاّ أن لسهولتها لا تعني قدرة أرباب السوء على السيطرة عليها والتغلب عليها، ومن هنا قال: «وأغر أركانه على من غالبه»، ثم بحكم: (أَشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(2) فانّ المسلمين مكلفون بالقوة والشدة تجاه الأعداء والرحمة والرأفة ازاء المؤمنين.
ثم واصل ذكر الصفات الاُخرى للإسلام كونه ملاذاً آمناً لمن لجأ إليه من الأفراد وسلاماً وأمناً لمن دخل حصنه وولج حريمه، ودليلاً وبرهاناً قاطعاً لمن اعتمده في منطقه، وحجة دامغة لمن احتج به على خصمه: «فجعله آمناه لمن علقه(3)، وسلماً لمن دخله، وبرهاناً لمن تكلم به، وشاهداً لمن خاصم به».
نعم فالمسلمون جميعاً يتمتعون بالأمن قاطبة دون استثناء في الإسلام، وأسسه ودعائمة رصينة قوية تدعو دعاة الحق للاستدلال بها، كما تسوقهم للدفاع عنها تجاه خصوم الدعوة وأعدائها.
ثم قال(عليه السلام) في ذكره لعدة صفات أخرى: «ونوراً لمن استضاء به، وفهماً لمن عقل، ولباً لمن تدبر»، فبلوغ الحقيقة يمر عبر ثلاث مراحل: الظفر بموقعها ومن ثم إدراكها وفهمها وأخيراً تحليلها بصورة دقيقة. وقد بين الإمام(عليه السلام) هذه المراحل الثلاث بالعبارات الثلاث
1. بحار الانوار 65/346.
2. سورة الفتح/29.
3. «علق» من مادة «علوق» التعلق بالشيء والالتصاق به.
المذكورة، فقال أولاً أنّ الإسلام نور يستقطب نحوه الأفراد ليصلوا إليه. ثم قال: إنّ من تعقله سيد ركه ويفهمه. وأخيراً من تدبر بلغ حقيقته.
والحق أنّ الإسلام يتمتع بكل هذه الصفات، فالقرآن الذي تكفل بشرح الإسلام وتوضيحه إنّما يستند على الدوام إلى الدليل والبرهان والمنطق والعقل; الأمر الذي نلمسه بوضوح في الآية 15 و16 من سورة المائدة: (قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين* يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلى النُّورِ بِإِذنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراط مُسْتَقِـيم).
![]() |
![]() |