3. «دائب»: من مادة «دؤوب» على وزن غروب المداوم في العمل.

4. «كادح»: من مادة «كدح» على وزن مدح الساعي بجهد ومشقة في القيام بعمل.

[ 245 ]

هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً. فَهذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ،وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ(1)».

فهذه العبارات الصريحة والواضحة تشير إلى مدى سقوط الوضع الأخلاقي للمسلمين في ذلك العصر والزمان بفعل الحكومات المستبدة، ومدى الوسط المضحك الذي واجهه الإمام(عليه السلام)في عهده، نعم إن فسد مسؤولوا البلاد ومن كان على رأس الحكومة فانّ الفساد سيشمل كل شيء «النّاس عَلى دينِ مُلُوكِهِم».

فما الذي يمكن توقعه من الناس إن وزع الخليفة أموال بيت المال المسلمين على بطانته، وولى قرابته الطالحة ونصبهم في المواقع الحساسة، وتعاطى عامله الشراب علانية ليدخل المحراب فيصلي بالناس جماعة ثملاً، ويمارس الآخرون الرذيلة والأعمال البشعة، أو ليست سلطة الشيطان بالتكالب على الدنيا وإبتاع الأهواء؟

نعم، إنّ سادت هذه الأمور تيسرت حكومة الشيطان، فقد ورد في الخبر أنّ ابن عمر وبعض ولد أبي بكر وسعد بن أبي وقاص قصدوا علياً (عليه السلام) حين خلافته وسألوه زيادة العطاء من بين المال، فصعد (عليه السلام) المنبر وخطب الناس قائلاً: «... إذا مَنعتُهُم مَا كانُوا فِيهِ يَخُوضُونَ وَصَيّرتُهُم إلى مَا يَستَوجِبُونَ فَيَفقِدون ذَلكَ فَيسأَلُونَ وَيَقُولُونَ: ظَلَمنا ابنُ أبي طالب وَحَرَمنا وَمَنعنا حُقوقَنا ـ إلى أن قال ـ أَمّا أَنَّي أَعلَمُ الّذي تُرِيدُونَ وَيُقِيمَ أَودكم، وَلَكن لا أَشتَري صَلاحَكُم بِفَسادِ نَفسِي...»(2).

ثم قال: «اِضْرِبْ بِطَرْفِكَ(3) حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ ]تنظر [إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ(4)فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللّهِ وَفْراً(5)، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً(6)!».


1. «فريسة»: من مادة «فرس» على وزن قرض بمعنى الصيد.

2. اصول الكافي 8/551.

3. «طرف»: وردت أحياناً بمعنى العين، وأخرى حركة جفن العين، كما استعملت بمعنى النظر لأنّ الأجفان تتحرك حين النظر.

4. «يكابد»: من مادة «كبد» بمعنى تحمل المشقة وهذا هو المعنى المراد بها في العبارة، كما وردت بمعنى الجعل في المشقة.

5. «الوفر»: بمعنى الوفير والكثير.

6. «الوقر»: بمعنى الثقل.

[ 246 ]

فقد ركز الإمام (عليه السلام) بهذه العبارات البليغة والرائعة على أربع فئات محرومة أو منحرفة تشكل أساس فساد المجتمع وإنهياره:

الأولى: الفقراء الذين يقعون أسرى الفقر، وهو الفقر الذي عبرت عنه الروايات بالقول: «كَادَ الفَقرُ أَنْ يَكُونَ كُفراً».

الثانية: الأغنياء الذين غرقوا في النعم والملذات والشهوات حتى نسوا كل شيء وهووا في الكفر.

الثالثة: البخلاء الذين تصوروا أنّ البخل سبب زيادة الثروة.

الرابعة: المتمردون الذين عاشوا الغرور ولم تعد آذانهم تسمع كلام الحق.

فعبارة الإمام (عليه السلام) التي قال فيها: «اِضْرِبْ بِطَرْفِكَ(1) حَيْثُ شِئْتَ...» فلا تبصر أحداً سوى هذه الفئات الأربع دليل على أنّ الفقر والفساد أصبح على درجة من الشمولية بحيث ظهرت أثارهما في كل مكان، والدليل على تلك السعة والشمولية ما اُشير إليه في العبارة المذكورة.

—–


1. «طرف»: وردت أحياناً بمعنى العين، وأخرى حركة جفن العين، كما استعملت بمعنى النظر لأنّ الأجفان تتحرك حين النظر.

[ 247 ]

 

 

القسم الثاني

 

«أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ! وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ! وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ، وَالْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ! أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَالْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ. وَهَلْ خُلِقْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَة لاَ تَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ! فـَ(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ)، فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَلاَ زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ. أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟ هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اللّهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ. لَعَنَ اللّهُ الاْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!».

—–

 

الشرح والتفسير

أين الأخيار؟

استعمل الإمام (عليه السلام) عبارات بليغة رائعة في هذا المقطع من الخطبة ليكشف النقاب عن فساد الزمان والتولي عن الصالحات والاقبال على السيئات فقال: «أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ! وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ!(1) وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ(2) فِي مَكَاسِبِهِمْ، وَالْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ!».

فقد بحث الإمام (عليه السلام) بهذه العبارات عن ستة طوائف في المجتمع ليدل فقد انها أنذاك على مدى الانحطاط والفساد، والطوائف الست هى: الأخيار، الصالحون، الأحرار، السمحاء،


1. «سمحاء»: جمع «سميح» الشخص الرؤوف وصاحب الكرم، وقيل من يبذل حين وفرة النعمة وضيقها.

2. «متورع»: من مادة «ورع» بمعنى اجتناب الذنب والشبهة.

[ 248 ]

المتورعون، والمتنزهون، حقّاً إنّ افتقرت المجتمعات البشرية إلى هذه الطوائف الشريفة والنجيبة في المجتمع، فليس هناك سوى الفساد والانحراف، والمراد من المتورعين في مكاسبهم، الأفراد الذين لا يطففون في البيع ولا يغشون ولا يكذبون ولا يقسمون بالباطل ولا يرابون والذين ينقضون عهودهم ومواثيقهم، فمن يرى المجتمع الصالح العامر بالأخيار والصلحاء والأحرار والسمحاء على أنّهم نماذج المجتمع إنّما يشعر بالامتعاظ لا سيّما إن رأى بدلاً منهم الأشرار والطلحاء والأسرى والبخلاء فلا يمتلك سوى الصراخ: اين اُولئك الأعزة؟ كيف خلى مكانهم؟

ثم قال الإمام (عليه السلام): «أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا(1) جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَالْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ(2)».

فأردفها (عليه السلام) بالقول: «وَهَلْ خُلِقْتُمْ(3) إِلاَّ فِي حُثَالَة(4) لاَ تَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ! فـَ(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)».

وقد انبثقت هذه الظروف العصيبة والأفراد المنحطين منذ انحراف الخلافة الإسلامية عن محورها الأصلي وقد بلغ الأمر ذروته على عهد عثمان، فقد فوضت المواقع الحساسة من الحكومة الإسلامية إلى أصحاب الدنيا البعيدين عن الورع والتقوى وقد تغلغلوا في المجتمع الإسلامي بحيث كان من المتعذر تغييرهم ابان حكومة علي (عليه السلام)، كما كان هؤلاء الأفراد هم السبب لكافة المعارك التي حدثت ضد الإمام (عليه السلام).

ثم أشار الإمام (عليه السلام) إلى الوظيفة التي ينبغي أن يقوم بها أصحابه تجاه تلك الظروف والأوضاع فقال: «ظَهَرَ الْفَسَادُ، فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَلاَ زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ. أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟».


1. «ظعنوا»: من مادة «ظعن» السفر والرحيل.

2. «المنغصة»: من مادة «نغص» على وزن نقص الكدر وعدم الصفاء ماء الشرب، ثم اطلقت على كدورة العيش ومنه العيش المنغص.

3. وردت هذه المفردة في أغلب شروح نهج البلاغة خلقتم التي لا تختلف كثيراً عن «خُلِّفتُم» كما لم تذكر إلاّ في العبارة إلاّ بذمهم.

4. «حثالة»: تعني في الأصل راسب الدهن ثم استعملت بشأن الأفراد الأراذل الذين لا شخصية لهم.

[ 249 ]

طبعاً إنّ هذا الاستفهام إستفهام استنكاري، والمراد على ضوء هذا الوضع الذي سلكتموه وقد سكتم إزاء الفساد أو أعنتم عليه، فلا من أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، فليس لكم أن تنالوا القرب الإلهي وتكونوا في صفوف أولياء الله، فأكد ذلك بالقول: «هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اللّهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ».

فاُولئك المسلمون ظاهراً ويحسبون في صفوف أهل الإيمان لكنّهم راضون بالفساد ساكتون باطناً، لا يقدرون على خداع الله العالم بأسرارهم وأعمالهم، لعلم يخدعون الآخرين، بل وأنفسهم لمدّة، ولكن أنى لهم ذلك يوم القيامة يوم لا يخفى على الله منهم خافية، فليس أمامهم سوى الندم.

ورد في الحديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لَيسَ الإيمـانُ بِالتَّحلّي وَلا بِالَّتمنِّي وِلَكن الإِيمـانَ ما خَلصَ فِي القَلبِ وَصَدَّقَهُ الأَعمـالُ»(1).

ثم إختتم الخطبة مشدداً في التأكيد فقال: «لَعَنَ اللّهُ الاْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!».

صحيح أنّ عمل الإنسان لا يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعبارة أخرى فانّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفتان مستقلتان وإن كان نفس الإنسان تاركاً للمعروف وعاملاً بالمنكر.

كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مُروا بِالمَعرُوفِ وَإن لَم تَفعَلوهُ وَانهُوا عن المُنكَرِ وإن لَم تَجتَنِبُوا كُلَّهُ»(2).

ولكن أن يأمر الإنسان بالمعروف ولا يأتمر به وينهى عن المنكر ولا ينتهي عنه بحدّ ذاته نوع من النفاق الواضح، والمنافق يستحق اللعن واللوم والعقاب.

وبعبارة أخرى فانّ اختلاف الظاهر والباطن الذي يكون سبباً لخداع الناس وروح النفاق من أسوأ الصفات التي يحعل الإنسان يستحق اللعن فيوجب بُعده عن الله ورحمته.

—–


1. بحار الانوار 66/72، ح26.

2. كنز العمال 3/66، ح5522.

[ 250 ]

شكوى أهل الزمان

من المسائل الغاية في الصعوبة والمرارة في التاريخ الإسلام هو أنّ علياً (عليه السلام) بدلاً من أن يأخذ بزمام أمور الاُمة الاسلامية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لينشر الإسلام في الشرق والغرب ويحفظ مبادىُ الإسلامية، قد تسلم الحكومة الإسلامية والاُمّة الإسلامية عاشت الانحراف عن العدالة والزهد بفعل اضطراب عهود الخلفاء ولا سيّما عهد عثمان الذي ضاعت فيه القيم الإسلامية وقد وضعت الأموال والمناصب تحت تصرف حثالة بني أمية وآل مروان، فهم لا يفكرون إلاّ في المال والثروة والمقام والسيطرة على الناس، وقد انتعشت أغلب مثل الجاهلية، فقد قام الإمام (عليه السلام) في ظل هذه الظروف العصيبة من أجل إحياء القيم الإسلامية وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإطفاء فتن الجاهلية، من خلال الحث والتبشير أحياناً والانذار واللوم أحياناً أخرى، ون خلال الاستشهاد بحوادث عصر النبي الأكرم (عليه السلام) ومقارنتها بالأوضاع السائدة، كما يستعين أحياناً بتاريخ سالف الأنبياء والعذاب الذي صبّ على العتاة الذين تمردوا عليهم، وهكذا أخذت تظهر الفضائل الإسلامية والإنسانية شيئاً فشيئاً بين أصحاب الإمام (عليه السلام) حتى استقرت وتبلورت بعد أن رويت شجرتها بدم الإمام (عليه السلام)، وكادت أن تثمر، ولكن مع الأسف الشديد أنّ تلك الأجواء تعكرت بفعل فتن الناكثين والقاسطين والمارقين، وقد بلغت الجريمة بأحدهم لأن ينهال بالسيف على رأس الإمام (عليه السلام) لتبقى تلك البرامج ناقصة، فتنشط من جديد الشياطين لتعيث في الأرض الفساد.

—–

[ 251 ]

 

 

الخطبة(1) 130

 

 

 

وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)

 

لأبي ذرّ رحمه اللّه لمّا أخرج إلى الربذة

 

نظرة إلى الخطبة

لما إنهال أزلام بني أمية وبني مروان على بيت مال المسلمين بتلويح من عثمان فجعلوا ينهبون ما يريدون، واجههم أبو ذر(رحمه الله) ذلك الصحابي الشجاع والاُسوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأصبح يشكل خطراً جدّياً على منافعهم، فأشاروا على عثمان بنفيه إلى ربذة التي تعتبر أسوأ المناطق مناخاً، أمّا الإمام (عليه السلام) فقد أراد أن يثبت عدم شرعية هذا الحكم الجائر من جهة، وأن يشد من عزيمة أبي ذر من جهة أخرى، فيعينه على تحمل ما يواجهه من صعوبات، ومن هنا شايع أبي ذر وقد واساه بكلمات رائعة وعميقة وأمله بالمستقبل الزاهر الذي ينتظره، كما أضاف ورقة سوداء أخرى إلى سجل بني أمية ومروان المظلم.

—–


1. سند الخطبة:

ذكرها المرحوم الكليني في كتاب «روضة الكافي» باختلاف طفيف ويستفاد من ذيلها أن ليس علي (عليه السلام) شيعه إلى الربذة فقط، بل شيعه الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار (وعقيل حسب بعض الروايات)، وبعبارات رائعة سيأتي بيانها في الأبحاث القادمة (الكافي 8/206، ح25)، قال صاحب مصادر نهج البلاغة بعد الإشارة إلى رواية الكافي نقلها ابن أبي الحديد عن كتاب «السقيفة» لأحمد بن عبدالعزيز الجوهري (مصار نهج البلاغة 2/291).

[ 252 ]

[ 253 ]

 

 

القسم الأول

 

«يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلّهِ، فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ. إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ، وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَاهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ، فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ، وَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ! وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً، وَالاَْكْثَرُ حُسَّداً ]خسّراً[. وَلَوْ أَنَّ السَّموَاتِ وَالاَْرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْد رَتْقاً ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ لَجَعَلَ اللّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً! لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ. فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لاََحَبُّوكَ، وَلَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لاََمَّنُوكَ».

—–

 

الشرح والتفسير

أبو ذر(رحمه الله) بطل مقارعة الفساد

كما ذكرنا فانّ الإمام (عليه السلام) أورد هذا الكلام حين نفي أبو ذر من قبل عثمان إلى الربذة، جاء في الخبر: لما أخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان، فنودي في الناس ألا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به، فخرج به، وتنحّى عنه الناس إلاّ علي بن أبي طالب(عليه السلام)وعقيلاً أخاه وحسناً وحسيناً (عليهما السلام) وعماراً (رحمه الله)، فانّهم خرجوا معه يشيعونه، فجعل الحسن (عليه السلام)يكلم أبا ذر، فقال مروان إيها حسن ألا تعلم أنّ أمير المؤمنين (عثمان) قد نهى عن كلام هذا الرجل، فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل علي (عليه السلام) على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال: تنحّ لحالك الله إلى النار، فرجع مروان مغضباً إلى عثمان فأخبره الخبر(1).


1. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/252.

[ 254 ]

وهنا وقف أبو ذر (رحمه الله) فودعه القوم، وخطب الإمام (عليه السلام) بهذه الكلمات التي تتضمن كل واحدة منها نقطة مهمّة بهدف مواساة أبي ذر وتحمله المصاعب التي ستواجهه في المستقبل، فقد أشار (عليه السلام) إلى ست نقاط فقال أولاً:«يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلّهِ، فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ».

أمّا قوله (عليه السلام) فارج من غضبت له ولم يقل ارج الله، فالواقع بيّن الإمام (عليه السلام) دليل ذلك الأمل، لأنّ كل شخص يغضب لآخر بالنسبة لشيء يؤذيه، فمن الطبيعي أنّ ذلك الشخص سيقف إلى جانبه.

وقال في الثانية: «إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ، وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَاهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ».

إشارة إلى أنّهم شعروا بالخطر على حكومتهم ومنافعهم المادية إثر صراحة كلامك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يستطيعوا تحمل وجودك في المدينة، لكنّك قاطعتهم ولم تقبل بذلهم، وذلك لأنّك شعرت بالخطر على دينك، فلما قمت بوظيفتك واطلعت الناس على أعمال هؤلاء الحكام، فاتركهم واهرب بدينك وإيمانك.

ثم قال الإمام (عليه السلام): «فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ، وَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ! وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً، وَالاَْكْثَرُ حُسَّداً»، فهم بحاجة إلى دينك، الدين الذي لم تكن مستعداً للتضحية به من أجل دنياهم، لكنّك لست بحاجة إلى دنياهم وإن منعوها عنك(1)، والعبارة «وستعلم...» مواساة أخرى لأبي ذر فعمر الدنيا قصير كأنه ويوم وغدا تقوم القيامة، أنذاك سيفتضح الظلمة عبدة الدنيا ويغبطون الأتقياء على درجاتهم العالية، ثم ضاعف من ذلك الرجاء في قلب أبي ذر فقال في الثالثة: «وَلَوْ أَنَّ السَّموَاتِ وَالاَْرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْد رَتْقاً(2) ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ لَجَعَلَ اللّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً!».

والواقع هو أنّ هذه العبارة إشارة إلى الآية الشريفة: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)(3).


1. وعليه تفسير «ما» بالموصولة بمعنى الدين لأنّهم أرادوا أن يستفيدوا من دين أبي ذر لصالح دنياهم، فحال أبو ذر دون ذلك، كما يحتمل أن يكون الدين بصورة مطلقة، إلاّ أنّ هناك تقديراً في العبارة حيث يكون المعنى ما أحوجهم إلى الدين، الدين الذي حذرت عليه من إفسادهم له.

2. «رتق»:إلتحام شيء بآخر وتعني في العبارة إغلاق طرق الخلاص والفرار.

3. سورة الطلاق / 2 ـ 3.

[ 255 ]

ثم قال في الرابعة والخامسة: «لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ».

فليكن أنسك في الحق ولا تخشى شيئاً مادمت في هذا السبيل، ولتكن وحشتك من الباطل وإنّك لسعيد مادمت هارباً من الباطل، فلا ضير عليك إنّك قمت لله وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر في الله، فلو قبلت دنياهم وعاونتهم في نيل أطماعهم المادية لأحبّوك، ولو أخذت من ذلك شيئاً وهادنتهم لأمنوك، ولذا قال في السادسة: «فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لاََحَبُّوكَ، وَلَوْ قَرَضْتَ(1) مِنْهَا لاََمَّنُوكَ»، فهم تجار ظلمة ذائبون في الدنيا وأهل معاملة فيها، فمن وافق على مظالمهم وهادنهم بقبول سهم من أموالهم، أحبّوه وقدّسوه ودافعوا عن ماله وعرضه.

فعبارته (عليه السلام) مواساة لأبي ذر من جانب وصاعقة شديدة على الحكام الظلمة من جانب آخر، فالحق أن نفي «أبوذر» ذلك العبد الصالح والزاهد الورع كان نموذجاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان وصمة عار في جبين الحكام الظلمة وأعوانهم، فقد كانوا يعلمون أنّ لسان ذلك الصحابي الجليل يعدل مئة ألف سيف.

—–

 

تأمّلات

1 ـ من هو أبو ذر(رحمه الله)

تعتبر حياة أبي ذر مليئة بالأحداث مقارنة بحياة سائر صحابة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والتي يمكنها أن تكون أسوة لكافة المجاهدين في سبيل الحق طيلة التاريخ البشري، ولا غرو فحياته إقتباس من حياة مولاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) مع فارق بسيط هو أنّه خضع لظروف صعبة جدّاً، لكنّه لم يتوان قط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوقوف بوجه الظلمة والفساد، وإليك جانب من سيرته:

اسمه جندب وأبوه جنادة(2) وأسماه رسول الله عبدالله، ينسب إلى طائفة معروفة من طوائف


1. «قرضت»: من مادة «قرض» تعني في الأصل قطع الشيء ومن هنا يقال المقراض للمقص، كما يقال القرض لما يعطى من مال، ووردت في العبارة المذكورة بمعنى قطعت منها جزءاً من المال لنفسك، ومهادنة الظالمين.

2. روت أغلب المصادر «جندب وجنادة» بضم الجيم، وكنيته أبو ذر، حيث كان له ولد بهذا الاسم.

[ 256 ]

العرب وهى بني غفار، كانت له ضيعة أطراف مكّة، سمع ببعث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فاتجه إلى مكّة، فلما دخل المسجد رأى فيه طائفة من قريش وهى تتحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهى تسبه وتشتمه، فدخل أبو طالب، فقالوا: إسكتوا هذه عمّه، عرف أبو ذر، أبا طالب، فلما خرج من المسجد تبعه فالتفت إلى أبو طالب وسأله هل من حاجة؟ قال: اُريد الإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فقال له أبو طالب تعال هنا غداً، فقضى أبو ذر ليلته في المسجد الحرام، وفي اليوم التالي إلتقى حمزة، ثم تعرف بجعفر وعلي وأخيراً حمله علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأسلم وآمن طواعية.

ثم أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالرجوع إلى أهله وقال له: فان لك ابن عم قد توفي وليس به وارث غيرك فاستعن بتلك الأموال حتى يؤذن لي بالدعوة العلنية آنذاك عد إلينا، كان أبو ذر من أوائل من أسلم، وإلتحق بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعد غزوة بدر وأحد و الخندق وحين أنفق كل ما لديه في سبيل الله، وقد وصفه النبي (صلى الله عليه وآله) بصدّيق الأمّة وشبيه عيسى بن مريم.

قال العلاّمة المجلسي(رحمه الله) في كتاب «عين الحياة» يستفاد من مصادر الفريقين أنّه لم يكن من بين الصاحبة بعد المعصومين من هو أجل قدراً من سلمان و أبي ذر والمقداد وقد قال فيه  رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَا أظَلَّتِ الخضرَاءُ ولا أَقَلَّتِ الغَبرَاءُ عَلَى ذِي لَهجَة أَصدَقُ مِن أَبِي ذَر يَعيشُ وَحدَهُ وَيَمُوتُ وَحدَهُ وَيُبعَثُ وَحدَهُ وَيَدخُلِ الجَنَّةَ وَحدَهُ»(1).

—–

لازم أبو ذر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة، ولمّا ولى عثمان الخلافة وأعطى مروان من بيت المال، جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ...)(2).

في إشارة إلى عثمان وبطانته الذين أخذوا ينهبون بيت مال المسلمين، كان أبو ذر يردد تلك الآية ويرفع بها صوته، فرفع ذلك مراراً إلى عثمان وهو ساكت، ولم تمض مدّة حتى صعب على الخليفة وبطانته تحمل كلام أبي ذر، فأرسل إليه عثمان مولى من مواليه أن إنته عمّا بلغني عنك، فقال أبو ذر: أو ينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى؟ فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان


1. بحار الانوار 22/298.

2. سورة التوبة / 34.

[ 257 ]

أحبّ إليّ وخير لي من أن أسخط الله برضا عثمان، فأغضب ذلك عثمان وأحفظه، فتطاير وتماسك، إلى أن قال يوماً والناس حوله: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال شيئاً قرضاً، فاذا أيسر قضى؟ وكان في المجلس كعب الأحبار وأبو ذر، فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال: أبو ذر: يابن اليهودية أتعلمنا ديننا؟ (فمثل هذه الأمور لا تجوز في بيت مال المسلمين) فقال عثمان: قد كثر أذاك وتولعك بأصحابي، إلحق بالشام، فأخرجه إليها.

ولم يسكت أبو ذر في الشام حين شاهد الخضراء التي بناها معاوية في دمشق إلى جانب البيوت المتواضعه للفقراء من الناس والمحرومين، فقال لمعاوية: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهى الخيانة، وإن كانت من مالك فهى الاسراف، والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هى في كتاب الله ولا سنّة نبيّه، والله إنّي لأرى حقاً يطفأ وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه، فثقل ذلك الكلام على معاوية، فكتب إلى عثمان، فكتب عثمان أن إحمل جندباً إلي على أغلظ مركب وأوعره حتى قدم به المدينة.

—–

فلما دخل أبو ذر(رحمه الله) على عثمان، سعى عثمان لأن يضطره للقول بخلاف ما يريد فقال له: أنت الذي تزعم أنا نقول: «إِنّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحنُ الأغنِياء»، فقال أبو ذر: لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده، ولكنّي أشهد أنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «إِذا بَلَغَ بَنو العـاصِ ثَلاثِينَ رَجُلاً، جَعَلُوا مـالَ اللهِ دُولاً، وَعِبادَهُ خِولاً، وَدِينَهُ دَخلاً»، فقال عثمان لمن حضر: أسمعتموها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: لا؟ قال عثمان: ويلك يا أبا ذر! أتكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: ادعوا لي علياً، فما جاء قال عثمان لأبي ذر: اقصص عليه حديثك في بني العاص، فأعاده، فقال عثمان لعلي أسمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا; وقد صدق أبو ذر، فقال: كيف عرفت صدقه؟ قال: لأنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: «مَا أظَلَّتِ الخضرَاءُ ولا أَقَلَّتِ الغَبرَاءُ عَلَى ذِي لَهجَة أَصدَقُ مِن أَبِي ذَر...». فقال من حضر: أما هذا فقد سمعناه كلّنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فندم عثمان.

وجاء في الخبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ عثمان بعث غلامين بمئتي دينار إلى أبي ذر وقال: قولا له إنّ عثمان يقرأك السلام وبعث بهذا المال لتستعن به على معيشتك، فقال أبو ذر:

[ 258 ]

فهل أعطى سائر المسلمين، قالا: لا، فقال: لا حاجة لي به، قالا: إنّ عثمان يقول إنّه من خاصة مالي ولم يخالطه الحرام، فلم يقبل أبو ذر وقال: إنّني لأغنى الناس بولاية علي بن أبي طالب، فعودا بالمبلغ إليه والله يحكم بيني وبينه»(1).

وأخيراً ضاق عثمان ذرعاً بأبي ذر واستشار من حوله، فأشاروا عليه بنفيه من المدينة، فاختار أبو ذر الشام والعراق، فلم يوافقوه حيث كانوا يخشون منه، إلى انتهى بهم الأمر لنفيه إلى الربذة(2) المعروفة بسوء أحوالها ومناخها حتى توفي فيها، ولم يكن لديه حتى الكفن مرّت
جماعة وفيهم مالك الأشتر فأخبرتهم بنته في الطريق، فكفنوه وصلى عليه صحابي رسول الله(صلى الله عليه وآله) عبدالله بن مسعود، ثم دفنوه(3).

—–

 

2 ـ أبو ذر (رحمه الله) والاشتراكية

لقد سعى البعض من المتعصبين بدافع حبّه لمعاوية وبني أمية أو لفرط ذوبانه في عثمان لإثارة بعض الغبار على شخصية أبي ذر، وذلك لعدم إمكانية الجمع بين كون أبا ذر من أولياء الله أنّه أصدق من على الأرض وأنّ عثمان خليفة المسلمين ومعاوية من الصحابة، ومن هنا فلم يروا أخف وطأة عليهم من أبي ذر فقالوا: إنّ أبا ذر لا يؤمن بالملكية الفردية وكانت له نزعة اشتراكيه.

وقال الرزكلي في كتاب «الاعلام في أبي ذر»: «ولعله أول اشتراكي طادرته الحكومات»(4).

وهذا في الوقت الذي لم يتطرق فيه أبو ذر قط إلى نفي الملكية الفردية، بل شدد من حملاته ضد الأثرياء كمعاوية ممن يوزعون الثروة بصورة غير عادلة، ولذلك لم يكن يشن مثل هذه


1. بحار الانوار 22/398.

2. ورد في معجم البلدان أنّ الربذة من القرى الواقعة أطراف المدينة حيث تبعد عنها ثلاثة أميال (حدود 150 كيلومتر).

3. لخصت هذه المطالب من عدّة كتب معروفة كشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وشرح المرحوم التستري، وشرح المرحوم الخوئي، وبحار الانوار.

4. الأعلام للزركلي، ذيل كلمة جندب.

[ 259 ]

الحملات على عهد الخيفة الأول والثاني، قال البعض وردت عبارة «مال الله» في كلمات أبي ذر، فاستفادو منها نفيه للملكية الخاصة، والحال التعبير بمال الله عن بيت المال هو تعبير متداول وسائد، فقد صرّح المرحوم العلاّمة الأميني في المجلد الثامن من الغدير حين نقل نعت أبي ذر بالاشتراكية أنّ التعبير بمال الله كثير في أقوال الصحابة، ثم نقل عدّة روايات عن عمر عبّر فيها صريحاً بمال الله، كما وردت عدّة روايات عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عبّر فيها بمال الله(1).

لا شك أنّه يمكن التعبير عن تلك الأموال بمال الله، بل يمكن اطلاق مال الله حتى على الأموال الشخصية للناس، فقد جاء في القرآن الكريم مثل هذه التعبير: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ...)(2).