والأدهى من كل ذلك لجنة فتوى الأزهر قد أصدرت فتوى عام 1367 ق تحت تأثير بعض المتعصبين في نفي الشيوعية لتنقل عقيدة أخرى لأبي ذر وحكمت ببطلانها لتعتبرها معلولة لبعده عن مبادىء الإسلام، وهى أنّه كان يعتقد بوجوب اعطاء المال الزائد عن حاجته إلى أهل الحاجة ولا ينبغي أن يحتفظ بتلك الأموال، قال المرحوم الأميني بعد ذكره لهذه الفتوى لو اُوكل شيخ الأزهر مطالعة هذه المسألة لمن هو أعرف بأبي ذر وحكموا فيها بعيداً عن التعصب، لعلم أنّ ليس هناك مثل هذه العقيدة لأبي ذر، والأسوأ من ذلك ماذكروه من عذر لأبي ذر بعدم معرفة بمبادىء الإسلام، وهذا ما يضحك الثكلى ويبكي كل مسلم غيور، فهل يصح مثل هذا الكلام بشأن صحابي جليل قضى شرطاً من حياته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد شبّهه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعيسى خلقاً وخلقاً(4)، والطريف في الأمر أنّ أبا ذر ثقة عند بعض


1. الغدير 8/343.

2. سورة النور / 33.

3. سورة التوبة / 34.

4. الغدير 8/312 و 363.

[ 260 ]

المحدثين كالبخاري ومسلم حيث نقلوا عنه 81 حديثاً(1)، وهذا بدوره يكشف عن مدى بعد لجنة فتوى الأزهر عن الحقيقة.

—–

 

3 ـ العاقبة المريرة لأبي ذر

إنّ الحديث في أبي ذر وما لم يقال فيه لكثير ويتطلب كتاباً مستقلاً، ولكن يبدو من الضروري ذكر هذه النقطة في أنّ ما منح أبي ذر القوة والصلابة وأرعب خصومه هو زهده الممزوج بصراحة لسانه، فهم لم يستطيعوا الاعتراض عليه لزهده من جانب، ومن جانب آخر لم يطيقوا تحمل صراحته، وإليك نموذج من ذلك.

روى ابن أبي الحديد عن الجاحظ عن جلاّم بن جندل الغفاري قال: كنت غلاماً لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان، فجئت إليه يوماً أسأله عن حال عملي، إذا سمعت صارخاً على باب داره يقول: أتتكم القطار بحمل النار (إشارة إلى الجمال التي كانت تحمل أموال بين المال)، اللّهم إلعن الآمرين بالمعروف التراكين به، اللّهم إلعن الناهين عن المنكر المرتكبين له، فازبأر معاوية وتعيّر لونه وقال: يا جلاّم أتعرف الصارخ؟ فقلت: اللّهم لا. قال: من عذيري من جندب بن جنادة، يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت! ثم قال: أدخلوه عليَّ، فجيئى بأبي ذر بين قوم يقودونه، حتى وقف بين يديه، فقال له معاوية: يا عدوّ الله وعدوّ رسوله تأتينا كل ويوم فتصنع ما تصنع، أمّا لو أني كنت قاتل رجلاً من أصحاب محمد من غير أذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك، ولكني أستاذن فيك. فقال أبو ذر: ما أنا بعدوّ لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك  رسول لله (صلى الله عليه وآله) ودعا عليك مرات ألا تشبع.. فغضب معاوية وأمر بحبسه وكتب إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية أن إحمل جندباً على أغلظ مركب وأوعره، فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف ليس عليها إلاّ قتب، حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، ثم نفاه عثمان إلى الربذة(2).


1. الأعلام للرزكلي 2/140.

2. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/257.

[ 261 ]

ونختتم هذا البحث بحديث نبوي شريف ورد في كتاب أسد الغابة، فقد أسلم أبو ذر لثلاث سنوات قبل البعثة، وكان يعبد الله: «وَبَايَع النَّبِي (صلى الله عليه وآله) عَلَى أَنْ لا تَأخُذُهُ فِى اللهِ لَومَةَ لائِم وَعَلَى أَن يَقُولَ الحَقَّ وإرن كَانَ مرّاً»(1).

—–

 

4 ـ كلمات الموّدعين لأبي ذر

جاء في الكتب التاريخية أنّ عقيلاً وحسناً وحسيناً (عليهم السلام)وعماراً(رحمه الله) قد ودعوا أبا ذر إلى جانب علي (عليه السلام) وكل قال في وداعه كلمة، فققد قال عقيل:

«ما عسى أن نقول يا أبا ذر وأنت تعلم إنّا نُحبّك، وأَنت تُحبّنا! فاتق الله فان التقوى نجاة واصبر فان الصبر كرم».

ثم تكلّم الحسن (عليه السلام) فقال:

«يا عمّاه، لولا أنّه ينبغي للمودع أن يسكت، وللمشيّع أن ينصرف، لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتى القوم إليك ما ترى، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها، وشدّة ما إشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقى نبيّك (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض».

ثم تكلّم الحسين (عليه السلام) فقال:

«يا عمّاه، إن الله تعالى قادر أن يغير ما قد ترى، والله كل يوم هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك وأحوجهم إلى منعتهم، فأسأل الله الصبر والنصر، واستعذ به من الجشع والجزع، فانّ الصبر من الدين والكرم...».

ثم تكلّم عمار (رحمه الله) فقال: «لا آنس الله من أوحشك، ولا آمن من أخافك، أما والله لو أردت دنياهم لأمنوك، ولو رضيت أعمالهم لأحبّوك، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلاّ الرضا بالدنيا، والجزع من الموت، مالوا إلى ما سلطان جماعتهم عليه، والملك لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم، ومنحهم القوم دنياهم، فخسروا الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين».


1. اُسد الغابة 1/301.

[ 262 ]

فبكى أبو ذر (رحمه الله) وكان شيخاً كبيراً، وقال: رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم، والله ما أريد إلاّ الله صاحباً، وما أخشى مع الله وحشة، توكلت على الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله(1).

—–

 


1. الكافي 8/208، بتصرف، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/253.

[ 263 ]

 

 

الخطبة(1) 131

 

 

 

وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)

 

وفيه يبيّن سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحقّ

 

نظرة إلى الخطبة

أشار الإمام علي (عليه السلام) في هذا الكلام إلى عدّة مطالب:

1 ـ قبوله الحكومة من أجل رفع راية الدين والعدل في المجتمع الإسلامي وإصلاح البلاد وأمان العباد واستقرار المظلومين.

2 ـ أشار (عليه السلام) في جانب آخر من الخطبة إلى الاختلافات الفكرية لأصحابه فقال: لا يمكن بسط العدل في ظل هذه الظروف واعطاء الحقوق إلى أصحابها، ويستحيل بلوغ هذه الأهداف ما لم تتحد قلوبكم وتتفق أعمالكم.

3 ـ خاض (عليه السلام) في تعريف نفسه فقال: أني أول من سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فآمنت به، ولم يسبقني إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلاة.

4 ـ أشار في القسم الأخير من الخطبة إلى صفات الزعيم المقتدر، فعدد أوصافه بكل دقّة، وهى الأوصاف التي يؤدّي توفرها في الزعيم الإسلامي إلى الديمومة والثبات.

—–


1. سند الخطبة:

أشار ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» إلى هذه الخطبة وقال: ابتدأ الإمام هذه الخطبة حين استوى على منبر الكوفة بالقول: الحمد لله وأومن به ثم خطب الخطبة، وأورد القاضي نعمان الفصل الأخير من الخطبة في المجلد الثاني من «دعائم الإسلام»، كما أشار إلى بعضها ابن أثير في «النهاية» في مادة ظار ومادة دعا (مصادر نهج البلاغة 2/295) وتدلّ هذه المصادر على أنّ الخطبة وردت في عدّة كتب قبل السيد الرضي.

[ 264 ]

[ 265 ]

 

 

القسم الأول

 

«أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الُْمخْتَلِفَةُ، وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ، الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، وَالْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، أَظْأَرُكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ الْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ الاَْسَدِ! هَيْهَاتَ أَنْ أَطْلَعَ بِكُمْ سَرَارَ الْعَدْلِ، أَوْ أُقِيمَ اعْوِجَاجَ الْحَقِّ»».

—–

 

الشرح والتفسير

لستم من الأصحاب الأخيار

من الحوادث الأليمة في التاريخ الإسلامي أن يبتلى إمام عالم وكفوء مقتدر كعلي (عليه السلام) بناس جهّال وعبدة للأهواء يعيشون النتاحر والفرقة، فقد كانوا وسائل سيئة لإقامة حكومة الحق والعدل، وقد رأينا منذ بداية الكتاب لحدّ الآن في مختلف خطب نهج البلاغة أنّ الإمام علي (عليه السلام)كان يتألم بشدّة من هذا الأمر وكان دائم الشكوى، باحثاً عن مختلف الأساليب لعلاج أمراضهم النفسية والأخلاقية، فقد قال (عليه السلام) مستهلاً هذه الخطبة: «أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الُْمخْتَلِفَةُ، وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ، الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، وَالْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ».

فقد ركز الإمام (عليه السلام) هنا على الجذور الأصلية لداء المجتمعات والاُمم، ألا وهو الاختلاف والتشتت والذي يؤدّي إلى النزاعات وهدر الطاقات، والعبارة: «الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُم...» إشارة إلى حضورهم الجسماني في المجتمع وغيابهم الفكري والروحي عن الحوادث الخطيرة التي تصيب المجتمع، أمّا أهمية هذا الموضوع فقد دفعت بالإمام إلى ذكر مثل هذه العبارات مع اختلاف طفيف في الخطب الأخرى، كالذي ورد في الخطبة 29 و 97 حيث قال في الأولى: «أَيُّهَا النَّاس، الُْمجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ، والُْمخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ».

[ 266 ]

وقال في الثانية: «أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الُْمخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ».

ثم قال (عليه السلام): «أَظْأَرُكُمْ(1) عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ الْمِعْزَى(2) مِنْ وَعْوَعَةِ(3)الاَْسَدِ!»، العبارة «أظأركم» بالنظر إلى أنّ «ظأر» جاءت في اللغة بمعنى القابلة، فهى تشير إلى مراده أنّي كالقابلة الشفيقة قد رويتكم على الدوام من عين الحق الجياشة، لكنّكم كنتم تفرون من ذلك دائماً، تفرون فراركم من الأسد، وهذه أسوأ حالة يمكن أن تعرض لإنسان فينفر من الحق ويهرب منه بالشكل الذي يفوق التصور، والعبارة «وَعْوَعَةِ الاَْسَدِ!»، تعبير رائع فلم يقل «من الأسد» بل قال «وَعْوَعَةِ الاَْسَدِ!» يعني إنّ هذا الحيوان على درجة من الجبن بحيث لا ينظر إلى أطرافه ليرى هل هو أسد أم لا، بل يهرب لمجرّد سماعه الصوت، وهذا هو حال بعض الحيوانات التي تهرب إذا سمعت زئير الأسد مهما كانت المسافة بعيدة في الصحراء.

ثم قال (عليه السلام): «هَيْهَاتَ أَنْ أَطْلَعَ(4) بِكُمْ سَرَارَ(5) الْعَدْلِ، أَوْ أُقِيمَ اعْوِجَاجَ الْحَقِّ».

قطعاً ليس للحق من إعوجاج ليراد قيامه، والمراد يخلطونه بالباطل وقد سعى أئمة الهدى(عليهم السلام) لتخليص الحق من شوائب الباطل، كما ليس في العدل من ظلمة ليجلوها عنه، فالظلم الذي غالباً ما يخالط العدل ويلبسه على حال لا شك أنّ إزالة الظلمة عن العدالة وتمييز الباطل عن الحق، يتطلب أعواناً وأنصاراً من أهل الوعي والتضحية، ولم يكن للجهال والغدرة المشتتين كأهل الكوفة من قدرة للإستعانة بهم في إزالة الظلمات وتسوية الاعوجاجات، وهذا داء دوي عرض لإمام عادل وشجاع كعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

—–

 


1. «أظأر»: من مادة «ظأر» على وزن ضرب تعني في الأصل المراقبة والمواظبة على الشيء ولما كان عمل القابلة الإرضاع ومراقبة الطفل فقد استعملت هذه المفردة لها.

2. «المعزى»: بمعنى السخلة في مقابل الضأن بمعنى الخروف.

3. «وعوعة»: بمعنى الضراخ والضجة والزئير، وتطلق على الأموات المتداخلة.

4. «اطلع»: لها معنى اللازم وهو الطلوع والظهور وكذلك معنى المتعدي، وهنا بالنظر لسرار مفعولها فقد وردت متعدية، والباء في بكم للاستعانة أو السبب.

5. «سرار»: من مادة «سر» تعني في الأصل آخر ليلة من الشهر «ليلة المحاق التام) ويراد بها شدّة الظلمة.

[ 267 ]

العوامل الرئيسية للفشل

أشرنا سابقاً إلى إبتلاء الإمام (عليه السلام) بالأصحاب الذين اعتادوا الحياة المرفهة والدعة والراحة، وقد اعتمدوا مختلف الذارئع للهروب من الجهاد ومقاتلة العدو، وقد سعى الإمام (عليه السلام)جاهداً لتطهير روحيتهم من هذه الأدران عن طريق الحث والتشجيع تارة واللوم والعتاب والذم تارة أخرى.

وقد أشار في هذه الخطبة إلى نقاط ضعفهم ليخلصها في ثلاث هى الاختلاف و التشتت وغياب العقل والهروب من الواقع، ثم صرّح إثر ذلك: كيف يمكن تطهير المجتمع من رواسب بني أمية وعناصرهم المنافقة المتبقية من عصر الجاهلية وإقامة الحق وتسوية العوج، وأنتم بهذه الأحوال.

وكما أراده الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة قانون كلي دائم يحكم كل عصر ومصر ويصدق في المشاريع السياسية والاجتماعية والعسكرية، وهى الاُمة المتحدة الواعية التي تستقبل الحق وتعمل به مهما كان مريراً.

—–

[ 268 ]

[ 269 ]

 

 

القسم الثاني

 

«اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَان، وَلاَ الِْتمَاسَ شَىْء مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الاِْصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللّهِ(صلى الله عليه وآله) بِالصَّلاَةِ».

—–

 

الشرح والتفسير

الهدف هو إقامة الحق وبسط العدل

بيّن الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة أهداف الحكومة الإسلامية ـ ومنها حكومته ـ بعبارات غاية في الروعة والدقة ليضمنها دروساً خالدة لجميع الحكّام المؤمنين والمخلصين فقال: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً(1) فِي سُلْطَان، وَلاَ الِْتمَاسَ شَىْء مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ».

ربّما كانت هذه العبارة إشارة إلى أصل قبول بيعة الاُمة على الخلافة، أو إشارة إلى المعارك التي وقعت بينه وبين الأعداء في صفين وأمثالها، وهى تعكس الأهداف الرئيسية لحكّام الاستبداد الذين يهدفون إلى أمرين: الحصول على المنصب مهما كان الثمن والاستيلاء على الأموال أينما كانت ومن أي كان، والواقع ليس ذلك سوى حب الجاه وحب المال الذي ساد تاريخ البشر واجتاح حتى الحكومات المستبدة، وقد أثبت الإمام (عليه السلام) عملياً ما قال، فقد


1. «منافسة»: تعني في الاصل سعي فردين يريد كل منهما الظفر بشيء نفيس يمتلكه الآخر، فالواقع هى مسابقة شريفة بين فردين من أجل بلوغ كمال من الكمالات، ولكن قد تستعمل هذه المفردة في الموارد السلبية، كما تستعمل بشأن الأفراد الذين يتسابقون من أجل نيل المال والمقام، والمراد بها في الخطبة المعنى الثاني.

[ 270 ]

اشترط على الإمام (عليه السلام) من قبل الشورى التي عينها عمر نيل الخلافة شريطة الانحراف عن مسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يستجب الإمام (عليه السلام) كما وقف بقوّة بوجه طلحة والزبير وما قدماه من اقتراح ليس بصواب، كيف يستجيب لهما الإمام (عليه السلام) هو يرى الدنيا كعطفة عنز، ثم بيّن الإمام أهدافه الأربعة من أجل قبول الحكومة وهى: «وَلكِنْ لِنَرِدَ(1) الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الاِْصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ».

فالواقع أشار الإمام (عليه السلام) في العبارات الأربع التي أوردها كدافع أصلية لقبول البيعة، إلى برامجه المعنوية في الحكومة ومشاريعه المادية والظاهرية، فلابدّ في الدرجة الأولى من إعادة معالم الدين التي تعين للناس مسيرتها نحو الله سبحانه وقد اندثرت بفعل الحكومات المستبدة، ومن ثم الإصلاحات في كافة الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية، ونصرة المظلوم من الظالم وإجراء الحدود الإلهيّة بحيث يشعر المظلومون بالأمن والاستقرار حقاً، وإن كان هذه الأهداف الأربعة هى مراد الحكومات لعاشت المجتمعات السعادة والمادية والمعنوية، وإن كان هدفهم الحصول على المناصب ونيل الأموال والثروات، فليست هناك من نتيجة سوى الفساد والظلم وتعطيل الحدود الإلهيّة ومحو الأخلاق والدين، وهذا بحدّ ذاته درس لجميع المسلمين في كافة الأزمنة والعصور، وهذه هى الأمور التي ذكرها القرآن الكريم كأهداف لبعثة الأنبياء وتشكيل الحكومة الإسلامية، فقد ذكر التعليم والتهذيب والنجاة من الظلال المبين كهدف للبعثة فقال: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُْمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُبِين)(2)، كما ذكر في موضع آخر هذا الهدف المتمثل ببسط العدل والقسط: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ...)(3)، كما قال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَْرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَللهِِ عَاقِبَةُ الاُْمُورِ)(4).


1. يبدو أنّ هذه المفردة «لنَرِدَ» من مادة وورد قد وردت خطأ في نسخة نهج البلاغة لصبحي والصحيح لنرد بالتشديد من مادة الرد بمعنى الإعادة، كما وردت كذلك في أغلب نسخ نهج البلاغة.

2. سورة الجمعة / 2.

3. سورة الحديد / 25.

4. سورة الحج / 41.

[ 271 ]

ثم إختتم الإمام (عليه السلام) هذا المقطع من الخطبة بذكر شهادة واضحة على صدق قوله بالنسبة لداوفعه في قبول البيعة فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله) بِالصَّلاَةِ».

إشارة إلى أنّ الإسلام كان غريباً آنذاك، والرسول لوحده وليس إلى جانبه سوى خديجة (عليها السلام) زوجته الوفية، فكان الجهر بالإسلام إزاء المشركين المتعصبين غاية في الخطورة، فقد بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنقاد له، فكان أول من إلتحق به، ولم يكن همّه سوى طاعة الله سبحانه وإحياء الحق والتوحيد والعدل، ومازال ذلك الهدف هوالدافع له من أجل قبول البيعة.

ليس هناك من خلاف بين علماء الفريقين بشأن خديجة على أنّها أول إمرأة أمنت بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأنّ علياً (عليه السلام) أول من آمن به من الرجال، وإن تذرع البعض من علماء العامّة بصغر سن علي حين أمن، ليسقطوا عنه تلك الفضيلة ويلصقوها بالآخرين، ولكن يتضح خواء هذه الذريعة من خلال قبول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لإسلام علي (صلى الله عليه وآله) وأبعد من ذلك تسميته بوصيّه في يوم الدار(1).

—–


1. ورد شرح إسلام علي (عليه السلام) وأنّه أول من أسلم في أغلب مصادر الفريقين والرد على التخرصات في المجلد الثالث من هذا الكتاب، والمجلد التاسع، ص326 من نفحات القرآن.

[ 272 ]

[ 273 ]

 

 

القسم الثالث

 

«وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالاَْحْكَامِ، وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ، وَلاَ الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُْمَّةَ».

—–

 

الشرح والتفسير

شرائط حكّام العدل

خاض الإمام في المقطع الأخير من الخطبة في بيان خصائص ولاة العدل ودعاة الحق حيث أشار إلى ست صفات من صفاتهم، وهكذا يختتم هذه الخطبة التي أوردها بشأن الحكومة الإسلامية، والحذير بالذكر أنه استهل الكلام بالعبارة «وقد علمتم» حيث يرى الالتزام بهذه الصفات من الأمور العقلية الواضحة والمسلمة التي يعرفها كل شخص، أو على الأقل ينبغي معرفتها من كل شخص، فقال: «وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالاَْحْكَامِ، وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ(1)».

والواقع هو أنّ هذه الأمور تشكل أصول الحياة الفردية والاجتماعية للناس وهى الفروج، والأرواح، والأموال، والقوانين، وإدارت الدولة التي ينبغي لللإمام المدبّر والواسع الآفاق والعادل المنصف أن يؤدّي حقوقها جميعاً، فتأمن الأمّة على أرواحها وأموالها وأعراضها،


1. «النهمة»: تعني في الأصل الحاجة وشدّة الحب لشيء والمبالغة في الحرص عليه.

[ 274 ]

وتطبق القوانين والأحكام وتوكل زعامة الاُمة وإمامتها إلى الصالحين من أفرادها، فان كان إمام الخلق بخيلاً اقتصرت همّته وشهوته على جمع الأموال وضحى بكل شيء من أجل بلوغ هذا الهدف، فلا من أمن واستقرار، ولا من احترام للقوانين والأحكام.

ثم قال (عليه السلام) في بيان الصفة الثانية: «وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ»، فلا شك أنّ العلم بالأحكام والموضوعات والأساليب الصحيحة تعدّ من أهم دعائم الحكومة وليس للجهّال من الأفراد قدرة إدارة شؤون الحكومة وإن صفت نيّتهم واتصفوا بالورع و التقوى، فهم يقودون الاُمة إلى المجهول بجهلهم.

وقال (عليه السلام) في بيان الصفة الثالثة: «وَلاَ الْجَافِي(1) فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ»، فمن أبرز صفات والي العدل العطف والمحبّة والسماحة والمدارسة، ونعلم بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد استقطب القلوب البعيدة عن الحق بهذه الشفقة والمحبّة، وهذه رحمة إلهيّة كبرى كما وصفها القرآن الكريم بالقول: (فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...)(2).

ثم قال (عليه السلام) في الصفة الرابعة: «وَلاَ الْحَائِفُ(3) لِلدُّوَلِ(4) فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم»، وهذا هو البلاء الذي أصاب عثمان، وقد سدّد الضربات المهلكة للمجتمع الإسلامي بحيث لا يمكن معالجتها، فقد أغدق أموال بيت المال المسلمين على قرابته وبطانته ومتملقيه، ممّا أدّى إلى قيام المظلومين عليه حتى قتلوه فظهرت الخلافات العظيمة بين الناس آنذاك وما زالت أثارها باقية.

ثم قال (عليه السلام) في الصفة الخامسة: «وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ(5)»، فأهم عامل للحكم بالظلم والجور هو الرشوة التي يقدمها أصحاب الثراء والقدرة فيغيرون مسار القضاء ليصدر أحكامه لصالحهم ضد أصحاب الحق فيحولون دون إجراء الحق والعدل.


1. «الجافي»: من مادة «جفاء» تعني قي الأصل العنف وأخذ الشيء.

2. سورة آل عمران / 159.

3. «الحائف»: من مادة «حيف» بمعنى الظلم والجور وتعني في الأصل الانحراف في الحكم التمييز.

4. «دول»: جمع «دولة» بمعنى المال.

5. «المقاطع»: جمع «مقطع» بمعنى أخر كل شيء، كما تطلق هذه المفردة أحياناً على الحدود الإلهيّة التي تنتهي بجرم المجرمين وقد وردت بهذا المعنى في العبارة، وفي إشارة إلى أنّ القاضي إن كان مرتشياً فانّه لا يأذن باجراء حدود الله تعالى.

[ 275 ]

طبعاً فلسفة القوانين والمحاكم حفظ حقوق الضعفاء، وإلاّ فالأقوياء يحفظون حقوقهم، وإن تسللت هذه الرشوة إلى المحكمة ونفذت إلى ذهن القاضي والتي لا يقوى على دفعها سوى الأثرياء والأقوياء، فعندما تسلب قدرة الضعفاء على الدفاع فتضيع حقوقهم، وهذا هو الأمر الذي نشهده في كافة أنحاء عالمنا المعاصر، ومن الضروري الالتفات إلى هذه النقطة أنّ الرشوة لا تقتصر على الجانب المالي، فقد تتخذ أشكالاً أخرى كتصفية الحسابات السياسية والوصول إلى المناصب والمقامات والشهوات الجنسية والمدح الكاذب وأمثال ذلك، وهكذا تتحرك عجلة المحكمة باتجاه الظلم والجور.

وقال (عليه السلام) في الصفة السادسة الأخيرة: «وَلاَ الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُْمَّةَ»، طبعاً يمكن أن يكون المراد بالسنّة سنّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو السنن والقوانين التي أمضاها الله في عالم الخلقة أوالسنين الاجتماعية الحسنة التي أشير إليها في عهد مالك الأشتر: «وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ لاُْمَّةِ»، أو جميعها وإن بدا المعنى الأول هو الأقرب.

—–

 

آفة الحكومات

كما ورد في بداية هذه الخطبة، فهى تتألف في الواقع من ثلاثة أقسام مرتبطة مع بعضها تماماً، الأول ذم الإمام (عليه السلام) القوى الجاهزة التي ينبغي لها أن تنشط في إقامة الحق والعدل، لكنّها عاشت الضعف والجز بفعل الاختلاف وعدم توظيف العقل والفكر، ثم أشار إلى أهداف ودوافع حكومة العدل الإسلامية والإنسانية، بينما ذكر آخر الخطبة الأركان الأصلية لمواصفات حكّام العدل، طبعاً إن كانت القوى المؤمنة والمتحدة من جانب، والأهداف والدوافع المقدّسة والوالي الذي يتحلى بالصفات الست المذكورة من جانب آخر، فانّ ذلك سيؤدّي إلى قيام حكومة من شأنها حفظ الأمن والاستقرار وإحياء القيم الإنسانية، وبالعكس لو:

حل البخل بدل الكرم.

والجهل بدل العلم.

[ 276 ]

والعنف بدل الرأفة والرحمة.

وخاض الحكّام في البذخ ونهب الأموال والثروات والتمييز والظلم والجور، وتسللت الرشوة إلى الجهاز القضائي، وعطلت السنن الحسنة، فتتأسس حكومة فاسدة ينعدم فيها الدين كما تزول فيها الدنيا... ويا له من درس وعبرة لحكّام الحق. —–

 

[ 277 ]

 

 

الخطبة(1) 132

 

 

 

وَمِنْ خُطبَة لهُ (عليه السلام)

 

يعظ فيها ويزهّد في الدنيا

 

نظرة إلى الخطبة

تشمتل هذه الخطبة كما ورد في عنوانها على المواعظ والإرشادت والنصائح والوصية بالزهد في الدنيا، وتتألف من أربعة أقسام هى:

1 ـ حمد الله والثناء عليه مع ذكر صفات الله سبحانه الخاصة والشهادة الخالصة للنبي (صلى الله عليه وآله)بالنبوة.

2 ـ إشارة إلى انتهاء الأجل وسلخ الإنسان من كافة ممتلكاته التي حازها في الحياة الدنيا.

3 ـ لزوم الاعتبار بحياة الاُمم السالفة، واُولئك الذين جمعوا الأموال والثروات، فكان عاقبة دورهم أن أصبحت قبورهم، كما خلّفوا للآخرين أزواجهم وأموالهم.

4 ـ ضرورة اغتنام فرض الدنيا وإعداد المتاع والزاد للآخرة.

—–


1. سند الخطبة:

نقلها بصورة متفرقة الآمدي ـ من علماء القرن الخامس ـ في كتاب «الغرر»، ويفهم من اختلافها مع ما ورد في نهج البلاغة أنّها كانت في مصدر آخر غير نهج البلاغة، كما أشار ابن الأثير المتوفى عام 606 هـ في «النهاية» إلى جوانب من هذه الخطبة (مصادر نهج البلاغة 2/298).

[ 278 ]

[ 279 ]

 

 

القسم الأول

 

«نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى ، وَعَلَى مَا أَبْلَى وَابْتَلَى . الْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّة، وَالْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَة. العَالِمُ بِمَا تُكِنُّ الصُّدُورُ، وَمَا تَخُونُ الْعُيُونُ. وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُهُ ]نجيّه[ وَبَعِيثُهُ شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الاِْعْلاَنَ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ».

—–

 

الشرح والتفسير

صفات الله الخاصة

استهل الإمام (عليه السلام) الخطبة بحمد الله والثناء عليه وذكر أوصافه الخاصة فقال: «نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى ، وَعَلَى مَا أَبْلَى وَابْتَلَى».