—–

 

الشرح والتفسير

إصراركم على البيعة

أشار الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة إلى مسألة البيعة فقال: «فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ(1) الْمَطَافِيلِ(2) عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا».

فقد أشار الإمام (عليه السلام) في الواقع إلى هذه الحقيقة وهى أنّ عليكم أن تقارنوا بي الزاعمين الطالبة بدم عثمان ليجعلوا ذلك ذريعة للوصول إلى الخلافة والحكومة وهم طلحة والزبير، فهما لا يتورعان عن أية حيلة وخدعة من أجل تحقيق أهدافهما، أمّا أنا فقد أريتكم منذ البداية أنّي لا أطلب المقام، وأنتم الذين أصررتم عليَّ البيعة، ولأن قبلت بيعتكم فإنما ذلك بسبب القيام بالمسؤولية التي تتمثل باجراء الحق وبسط العدل والقسط وإحياء الإسلام فعبارات الإمام(عليه السلام)


1. «العوذ»: بضم العين جمع «عائذ» الإنسان أو الحيوان الذي يلد حديثاً.

2. «المطافيل»: جمع «مطفل» على وزن مسلم ذات الطفل من الإنسان والوحش، وعليه فالعوذ والمطافيل قريبة المعنى وهما هنا للتأكيد.

[ 334 ]

تكشف مدى شوق الناس للبيعة، وفي ذات الوقت مدى زهد الإمام (عليه السلام) بها.

ثم إتّجه إلى الحق تبارك وتعالى فشكى إلى الله الظلمة الذين نقضوا العهد وجعلوا من إراقة دماء الأبرياء وسيلة لتحقيق أطماعهم وأغراضهم، ثم أخذ بالدعاء عليهم ولعنهم: «اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِي وَظَلَمَانِي، وَنَكَثَا بَيْعَتِي، وَأَلَّبَا(1) النَّاسَ عَلَيَّ».

ثم قال: «فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيَما أَمَّلاَ وَعَمِلاَ»، والتفت إلى الناس قائلاً: «وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا(2) قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ(3) بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ(4)، فَغَمَطَا(5) النِّعْمَةَ، وَرَدَّا الْعَافِيَةَ»، لعل العبارة الأخيرة مواصلة شكوى الإمام (عليه السلام) لله سبحانه، ويمكن أن تكون خطاباً للناس،، يبدو المعنى الثاني أنسب، على كل حال فانّ هذه العبارات تبيّن مدى سعي الإمام (عليه السلام) لاجتناب الحرب وسفك الدماء وقد بذل قصارى جهده لوعظ أصحاب الجمل ومثيري الفتن علّهم يعودون إلى رشدهم وتثار حميتهم الدينية، فيعودا عن سبيل الغي، إلاّ أنّ حبّ الخلافة والجاه والمقام قد أعمى أبصارهم وأصم أسماعهم بحيث لم يعد لنصائح الإمام (عليه السلام) ومواعظه من تأثير عليهم، بالتالي حلّت عليهم لعنة الإمام (عليه السلام) ففشلوا في تحقيق أهدافهم، فانهزموا شرّ هزيمة وقتلوا بذلة وهوان.

—–

 

القاتل يطالب بالثأر

لا شك أنّ طلحة والزبير كانا ممن أثارا الناس ضد عثمان، فقد أورد ابن قتيبة في كتابه «السياسة والإمامة» أنّ أهل الكوفة ومصر حين قاما ضد عثمان وحاصروه في داره كان


1. «ألبا»: من مادة «تأليب» بمعنى الافساد وإثارة الناس.

2. «استثبت»: من مادة «ثوب» على وزن صوم بمعنى رجوع الرميض إلى العافية ومفهوم العبارة أني أردت من طلحة والزبير الرجوع عن انحرافهما.

3. «استأنيت»: من مادة «أناة» على وزن قناة بمعنى الصبر والانتظار ومفهوم الجملة أنّي كنت أنتظر تأثير اقتراحي عليهما فيعودا إلى رشدهما ويسلكا سبيل العافية والسلامة، لكن من المؤسف...

4. «وقاع»: بمعنى الحرب وتستعمل هذه المفردة أحياناً بمعنى المصدر وأخرى الجمع «وقيعة».

5. «غمطا»: من مادة «غمط» على وزن غصب بمعنى استصغار الشيء وكفران النعمة والعبارة المذكورة إشارة إلى أنّ طلحة والزبير استخفا بما منحتهم من فرصة وكفرا بالنعمة.

[ 335 ]

طلحة ممن أثار الفريقين ضد عثمان ويقول: أنّ عثمان لا يهتم لمحاصرتكم طالما يحمل إليه الماء والغذاء فاقطعوا عنه الماء(1)، كما ورد عن ابن أبي الحديد بشأن الزبير أنّه كان يقول: اقتلوا عثمان فقد أحدث في دنيكم، فقالوا له: ابنك على باب دار عثمان يدافع عنه، قال: إن قتل عثمان فليقتل ابني قبله(2)، فقد كان تصور طلحة العكس حين قتل عثمان وبايع الناس علياً (عليه السلام)فتغيّرت الأوضاع تماماً، ولم تكن الاُمة مستعدة لبيعتهما على حدّ قول الكاتب المصري المعروف العقاد، حيث لم يكن أمرهما يختلف عن عثمان(3)، وكانت عائشة من الناقمين على عثمان(4)، إلاّ أنّ هؤلاء الأفراد الثلاث انقلبوا على عقبهم بعد بيعة الاُمة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) فاصبحوا من أنصار عثمان وهبوا للمطالبة بدمه، وكثيرة هى هذه الانقلابات التي تسود حركة الساسة المحترفين، وبالتالي ذاق الثلاث العاقبة المريرة لإثارتهم الفتن، فقد هزم طلحة والزبير وقتلا في المعركة، وعادت عائشة تجر أذيال الخيبة إلى المدينة، وقد تناولنا بالتفصيل موقعة الجمل وطيش عائشة ودور طلحة والزبير في المجلدات السابقة من هذا الشرح(5).

ولكن ما ينبغي إضافته هنا أنّ اتباعهم ممن حاول توجيه أعمالهم قد خسروا أنفسهم في زواية حرجة، فمن جانب اعتبروا طلحة والزبير من الصحابة، كما يجرون عليهم نظرية عدالة الصحابة (طهارة وقدسية جميع صحابة النبي (صلى الله عليه وآله))، ومن جانب آخر يعتبرونهما من ضمن العشرة المبشرة، تارة يزعمون أنهّم كانوا مجتهدين وإن أخطاؤا في اجتهادهم، وعليه فهم معذورون ومأجورون، والحال لو وجهنا أعمالهم تحت هذا الغطاء لأمكن تبرير كل جريمة ومن كل فرد، ذلك لأنّ الاجتهاد لا يقتصر على هؤلاء الأفراد، وهذا بدوره يؤدّي إلى تجاوز البديهيات العقلية والنصوص القرآنية، وتارة أخرى يزعمون أنّهم تابوا، وتوبتهم مقبولة عند الله، ولكن هل يمكن اشعال فتيل حرب تؤدّي بسبعة عشر آلف شخص ثم تنسلخ مسؤولية هذه الدماء بمجرّد لقلقة اللسان بالقول استغفر الله؟! فهل أدّوا حق تلك الدماء لأصحابها؟ أم


1. السياسة والإمامة 1/38.

2. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 9/36.

3. في ظلال نهج البلاغة 2/294.

4. الكامل لابن الأثير 3/206; تاريخ الطبري 3/477.

5. ج1 شرح الخطبة الثالثة عشرة، ج2 شرح الخطبة الثلاثون والحادية والثلاثون ج 3، ص 209 ـ 301.

[ 336 ]

هل عوضوا تلك الأموال التي ذهبت هدراً بهذا الخصوص؟ وهل اعترف طلحة والزبير وعائشة بخطأهم أمام الملأ العام؟

إنّ مثل هذا الدفاع العابث هو نتيجة للأغماض عن الحقائق والتعصب الأعمى، أو ليس من الأجدر بنا تقسيم صحابة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى طائفتين، طائفة كانت صالحة على عهده وأخرى منافقة وطالحة، كما تقسم الطائقة الصالحة إلى فئتين، فئة واصلت صلاحها، وأخرى انقلبت على عقبها فجانبت الحق والعدل والإيمان والسلاح، كما علينا أن نعلم بأنّ المراد من بشارة القرآن الكريم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنجاة شخص أو أشخاص في ذلك الزمان هو شمولها بهذا الحكم، على أنّهم ربّما غيروا مسيرتهم، فممكن أن يقوم الإنسان بعمل بحيث تجب له الجنّة، ثم يفعل بعد ذلك ما يوجب دخوله النار.

—–

[ 337 ]

 

 

الخطبة(1) 138

 

 

 

وَمِنْ خُطبَة لهُ (عليه السلام)

 

يومئ فيها إلى ذكر الملاحم

 

نظرة إلى الخطبة

تتألف هذه الخطبة في الواقع من ثلاثة أقسام مرتبطة مع بعضها:

القسم الأول: إشارة إلى ولي من أولياء الله سبحانه ينطلق في عمله على أساس هداية القرآن، ويرى أغلب شرّاح نهج البلاغة أنّ ذلك الولي واستناداً إلى صفاته هو الإمام المهدي «عجلّ الله تعالى فرجه الشريف».

والقسم الثاني: إشارة إلى الأحداث الدامية التي يفرزها قيام ذلك الولي من أجل بسط العدل في ظلّ الحكومة الإلهيّة حيث يملأ الأرض بالقسط والعدل.

القسم الثالث: إشارة إلى الحوادث دامية أخرى تظهر من الشام، ولعل ذلك إشارة إلى حكومة البعض من بني مروان، أو ظهور بعض الأفراد كالسفياني الذي يسبق ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).

—–


1. سند الخطبة:

ورد في مصادر نهج البلاغة أنّه نقل جانباً من هذه الخطبة عن الآمدي في «غرر الحكم» وقال بالنظر إلى أنّ بعض شرّاح نهج البلاغة اعتبروا القسم الأول إشارة إلى قيام الإمام المهدي (عليه السلام) فانّ ذلك يدل على أنّهم نقلوا الخطبة من مصدر آخر أشار إلى هذه القيام (مصادر نهج البلاغة 2/302) لكننا لا نعتقد بتوجيه هذا الاستنتاج، ولعلهم استنبطوا ذلك من خلال بعض القرائن الواردة في الخطبة.

[ 338 ]

[ 339 ]

 

 

القسم الأول

 

«يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى، إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ».

—–

 

الشرح والتفسير

خصائص الإمام المهدي (عليه السلام)

كما ورد سابقاً فانّ هذه الخطبة تشير إلى الحوادث المستقبلة حيث تطرقت إلى ثلاث حوادث، الاُولى عدّها أغلب شرّاح نهج البلاغة في الإمام المهدي (عليه السلام)، لأنّه قال يجعل رغبات النفس وهواجس القلب تابعة للهدى حين يسود العكس باتباع الهدى للهوى، ويجعل الرأي والفكر منقاداً للقرآن في الوقت الذي يجعلون القرآن فيه تابعاً للرأي: «يَعْطِفُ(1) الْهَوَى عَلَى الْهُدَى، إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ».

والسؤال هل للعبارتان مفهوم واحد ويؤكد كل منهما الآخر؟ أم أنّ العبارة الاُولى إشارة إلى الهداية العقلية والعبارة الثانية إلى الهداية القرآنية؟ يبدو المعنى الثاني أنسب، يعني في ذلك اليوم الذي يغيب فيه الناس منطق العقل والهداية بسبب عبادة الهوى فانّه يزيل حجب الهوى، ويجعل السيادة لهداية العقل، كما يجعل القرآن هو ميزان التقييم بعد أن يقصي التفسير بالرأي حين يحاول ذوي الاطماع تطبيق النصوص القرآنية على ضوء تفسيرهم إيّاه حسب أرائهم


1. يعطف من مادة عطف على وزن فتح بمعنى الميل والرغبة أو الترغيب بشيء، وقد تستعمل أحياناً بصيغة المتعدي فتعني الترغيب، كما تتعدى أحياناً بحرف إلى فتعني الرغبة في شيء، وتتعدى أيضاً بحرف على فتعني الرجوع إلى الشيء وأخيراً تتعدى بحرف عن فتعني الانصراف عن الشيء.

[ 340 ]

من أجل تحقيق أطماعهم للامشروعة، ولو تأملنا أسباب البؤس والشقاء لرأيناها تتمثل بهذين الدائين، تحكيم هو النفس على العقل وتطبيق الرغبات الخفية على آيات القرآن من التفسير بالرأي، وإن زال هذان السبيلان تمهد السبيل من أجل بلوغ حكومة العدل الإلهي، ولعل جميع القضايا التي أصابت المسلمين منذ البداية لحدّ الآن إنما تعود إلى هذين الانحرافين كما يعود سبيل الصلاح إلى إصلاحهما.

—–

ذكر العلماء في بحث المعرفة أنّ الهوى من بين حجب المعرفة، حيث قال القرآن الكريم: (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً...)(1).

وما أورع ما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في الخطبة 109: «وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ»، والتفسير بالرأي وحمل الآيات القرآنية عليه إحدى مكائد الشيطان الكبرى في تحريف العبارات عن معناها الواقعي وإسقاط الوحي عن قيمته، ومن هنا فقد عدت الأحاديث الإسلامية هذا العمل بمنزلة الكفر حيث قال الإمام الصادق (عليه السلام): «مَنْ فَسَّرَ بِرَأيهِ آيَةً مِنْ كِتَابَ اللهِ فَقَد كَفَرَ»(2)، ولمّا كان الوقوف بوجه هذين الانحرافين من خصائص الإمام المهدي (أرواحنا فداه) فانّ الضمير في هذه العبارات يعود كما يعتقد شرّاح نهج البلاغة إلى الإمام المهدي (عليه السلام).

—–


1. سورة الجاثية / 23.

2. بحار الانوار 1/19.

[ 341 ]

 

 

القسم الثاني

 

و منهَا: «حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق، بَادِياً نَوَاجِذُهَا، مَمْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا. أَلاَ وَفِي غَد ـ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ـ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِىِ أَعْمَالِهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ الاَْرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا، وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ، وَيُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ».

—–

 

الشرح والتفسير

جانب من الحوادث المرعبة آخر الزمان

يمثل هذا القسم من الخطبة في الواقع استمراراً للقسم السابق وهو إشارة إلى حوادث آخر الزمان يتعرض بادىء الأمر فيها إلى المعارك الدموية المدمرة التي تثقل كاهل المجتمعات البشرية ويعمّ الظلم والجور كافة الأماكن، ثم يظهر رمز العدل الإلهي فينهي النزاعات والاقتتال ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويوفر كافة مستلزمات الراحة والرفاه، فقال (عليه السلام) بأنّ هذا الوضع سيتواصل: «حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق، بَادِياً نَوَاجِذُهَا(1)»، ثم أشار إلى الانتصارات التي تتحقق في بداية الحرب والمرارة التي تختتم بها فقال: «مَمْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا(2)، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً(3) عَاقِبَتُهَا»، وكأنّ الحرب تنطوي على لبن حلو وفي نفس الوقت مسموم


1. «نواجذ»: جمع «ناجذ» أقصى الأضراس أو الأنياب، كما فسّر بجميع الأسنان وهذا هو المعنى المراد منها في العبارة.

2. «أخلاف»: جمع «خلف» بالكسر بمعنى حلمة ضرع الناقة، كما وردت بمعنى حلمة ضرع سائر الحيوانات كالبقرة والشاة.

3. «علقم»: برعم شديد المرارة يطلق عليه الحنظل، وتطلق هذه الكلمة على كل شيء مرّ.

[ 342 ]

بحيث يجذب الأفراد المهوسين ليأملوا بتحقيق نصر خاطف سريع، بينما يصرعون ويهلكون في نهاية الأمر، ثم أشار الإمام إلى ظهور حكومة العدل الإلهي: «أَلاَ وَفِي غَد ـ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ـ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِىِ أَعْمَالِهَا».

ثم تطرق إلى ذكر الأوضاع المطلوبة المفعمة بالخير والبركة والتي تحصل بعد قيامه فقال: «وَتُخْرِجُ لَهُ الاَْرْضُ أَفَالِيذَ(1) كَبِدِهَا، وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ، وَيُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ»، فمن جانب: يتم اكتشاف المعادن النفيسة باطن الأرض بسهولة.

ومن جانب ثان: بيده مقاليد تلك الكنوز أو مقاليد حكومة أرجاء الأرض.

ومن جانب ثالث: يبسط العدل والقسط بالاستناد إلى التمتع بتلك المصادر الغنية وهذه الحكومة الشاملة.

ومن جانب رابع: يحيى التعاليم المندرسة والقيم المغيبة للقرآن والكريم والسنّة الشريفة، وهكذا تسير البشرية باتجاه التكامل على المستوى المادي والمعنوي، فالعقول تتم في ظلّ حكومة الإمام المهدي (عليه السلام)، وتحيى القيم الإنسانية وتفيض النعم بأنواعها على الناس ويطاح بصنم الظلم والجور.

وقد وردت مثل هذه العبارات في الروايات المتعلقة بقيام الإمام المهدي (عليه السلام) فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «وتَظهرُ لَهُ الكُنُوزُ ويَبلُغُ سُلطَانُهُ المَشرِقَ والمَغرِبَ، وِيُظْهِرَهُ دِيَنهُ عَلىَ الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكوُنَ فَلا يَفقَى عَلَى وَجهُ الأَرضِ خَرابٌ إِلاّ عُمِّرَ»(2).

وقا في موضع آخر: «يَملأُ اللهُ بِهِ الأَرضَ عَدلاً وَقِسطَاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلمَاً وَجَوراً، فَيَفتَحُ اللهُ لَهُ شَرقَ الارضِ وَغَربِهـا»(3).

—–


1. «أفاليذ»: جمع «أفلاذ» وهذا جمع «فلذ» على وزن فكر بمعنى كبد الناقة، أو كبد كل إنسان أو حيوان،: وفلذة تعني قطعة من الكبد، والمراد بها في هذه العبارة الأشياء النفيسة والكنوز والمعادن الثمينة في جوف الأرض.

2. شرح نهج البلاغة لعلاّمة الخوئي 8/353.

3. بحار الأنوار 52/390.

[ 343 ]

 

 

القسم الثالث

 

منهَا: «كَأَنِّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ،وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ، فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ، وَفَرَشَ الاَْرْضَ بِالرُّؤُوسِ. قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ، وَثَقُلَتْ فِي الاَْرْضِ وَطْأَتُهُ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ. وَاللّهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ الاَْرْضِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، فَلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ، حَتَّى تَؤُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا! فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ، وَالاْثَارَ الْبَيِّنَةَ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ».

—–

 

الشرح والتفسير

خصائص ذلك الحاكم الدموي

أشار الإمام (عليه السلام) في هذا القسم من الخطبة إلى حاكم دموي وغاشم ومقتدر يظهر مستقبلاً بالشام فيشهر سيفه ويستولي على جميع البلاد الإسلامية، ثم ذكر له تسع صفات، فقال: «كَأَنِّي بِهِ قَدْ نَعَقَ(1) بِالشَّامِ،وَفَحَصَ(2) بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي(3) كُوفَانَ(4)».


1. «نعق»: من مادة «نعق» على وزن كعب تعني في الأصل صوت الغراب أوالصوت الذي يخرج من الشاة حين يذودها الراعي وتشير هنا إلى زعيق الظالم في الشام.

2. «فحص»: من مادة «فحص» على وزن بحث تعني في الأصل البحث، كما وردت بمعنى البسط وهذا هو المعنى المراد بها في الخطبة.

3. «ضواحي»: جمع «ضاحية» من مادة «ضحو» على وزن سهو بمعنى التعرض للشمس كما تطلق الضواحي على المناطق أطراف المدن.

4. «كوفان»: اسم آخر للكوفة وتعني في الأصل تلال الرمل الحمراء الدائرية.

[ 344 ]

ثم قال: «فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ(1)، وَفَرَشَ الاَْرْضَ بِالرُّؤُوسِ. قَدْ فَغَرَتْ(2)فَاغِرَتُهُ، وَثَقُلَتْ فِي الاَْرْضِ وَطْأَتُهُ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ(3)، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ(4)». ثم أقسم قائلاً: «وَاللّهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ(5) فِي أَطْرَافِ الاَْرْضِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ».

فهذه الصفات التسع لذلك الحاكم الدموي المقتدر والتي تكشف عن شخصه بصورة تامة تشير إلى أنّه يدك أهل الإيمان دكاً بحيث لا يبقى منهم إلاّ القليل، فهو يكتم الأنفاس في الصدور ويخنق كل حركة ونشاط، ويستولي على البلاد بعد سفكه للدماء وانطلاقه من الشام إلى الكوفة ثم سائر المناطق، أمّا من هو هذا الشخص الذي يتصف بهذه الصفات؟ هناك رأيان لشرّاح نهج البلاغة، رأي يراه عبدالملك بن مروان خامس خلفاء بني أمية، كان جباراً طاغياً ودموياً، فقد تحرك بجيش عظيم من الشام ليقضي على مصعب بن الزبير الذي كان يحكم الكوفة، فاستولى على العراق والكوفة، ثم وجه جشياً بقيادة الحجاج إلى الحجاز فقتل عبد الله بن الزبير فسيطر على مكة والمدينة، كما هدم جانباً من الكعبة بعد أن لاذ بها جمع من جيش عبدالله بن الزبير.

والرأي الآخر أنّ ذلك الشخص هو السفياني الذي يسبق ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) حيث يظهر في الشام ويسفك الدماء ويدعو الناس إلى نفسه، وبالنظر إلى أنّ الأقسام السابقة من الخطبة بشأن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) لذلك يبدو أنّ هذا القسم في الظهور أيضاً، والعبارات المذكورة إشارة إلى ظهور السفياني.

وقد ورد في الخبر عن حذيفة بن اليمان أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشار إلى فتنة بين أهل الشرق والغرب فيخرج السفياني حتى يرد دمشق فيبعث بجيش إلى الشرق وآخر إلى المدينة حتى


1. «ضروس»: من مادة «ضرس» بمعنى عض الشيء والضغط عليه، وتطلق الضروس على الناقة السيئة الخلق التي تعض حالبها.

2. «فغرت»: من مادة «فغر» على وزن فقر بمعنى فتح الفم، وهي هنا كناية عن الحرص في الاستيلاء على كل شيء، وافغر اسم فاعل من هذه المادة.

3. «جولة»: من مادة «جول» على وزن قول بمعنى الحركة والدوران حول مكان، وهى كناية عن السعي والجهد المتواصل.

4. «الصولة»: من مادة «صول» على وزن قول بمعنى الحملة في الحرب أو القفز علي شيء.

5. «ليشردنكم»: من مادة «تشريد» بمعنى النفي والطرد والتفريق.

[ 345 ]

يصل بابل وبغداد، فيقتل أكثر من ثلاثة الاف وينتهك عرض أكثر من مئة إمرأة، ثم يتّجهون إلى الكوفة فيخربون أطرافها، ثم يعودن إلى الشام، فتظهر راية هدى في الكوفة وينطلق جيشها إلى جيش السفياني فيقتله ولا ينجو منه إلاّ واحد يخبر عن الحادثة (وهكذا تخمد الفتنة).

قال المرحوم العلاّمة المجلسي نقل أصحابنا هذا الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) ضمن أحاديث المهدي (عليه السلام)(1).

ولكن القسم الأخير من هذه الخطبة لا ينسجم مع هذا التفسير، ثم قال الإمام (عليه السلام): بأنّ هذا الوضع من الاضطراب وسفك الماء والابعاد والتشتت يستمر حتى يعود إلى العرب رشدها وعقلها فتتخلص بهذا العقل من فرقتها واختلافها وتتحد كلمتها: «فَلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ، حَتَّى تَؤُوبَ(2) إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ(3) أَحْلاَمِهَا!(4)».

ثم أمر الناس بأربع من شأنها نصرهم على حكّام الظلم والجور، وإعادة الأمن والسلام إليهم فقال (عليه السلام): «فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ، وَالاْثَارَ الْبَيِّنَةَ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي(5) لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ».

والمراد بالسنن القائمة ضروريات الإسلام وتعاليمه التي ينبغي أن تكون محور الأنشطة السياسية والاجتماعية والفردية في كل زمان، والمراد بالآثار البيّنة هى الأخبار والروايات التي ثبتت من الطرق المعتبرة والتي تختزن أغلب التعاليم والوصايا الإسلامية، والمراد بالعهد القريب وصيّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بولاية علي (عليه السلام)، والمراد بالعبارة «واعلموا...» مراقبة الشيطان والحذر منه في الإتيان بالأمور المذكورة، وذلك لأنّ الشيطان يسهل طرقه ليصد الناس عن طاعة الله والأئمة المعصومين (عليه السلام) والذي لا يخلو عادة من المصاعب، أمّا الأفراد الذين اعتبروا


1. بحار الانوار 52/186 ـ 187 بتصرف.

2. «يؤوب»: من مادة «أوب» الرجوع من السفر أو مطلق الرجوع.

3. «عوازب»: جمع «عازبة» في الأصل من مادة «عزبة» من لا زوجة له، لكنها وردت أحياناً بمعنى الخفاء والابتعاد، وهذا هو المراد بها في العبارة.

4. «أحلام»: جمع حلم بمعنى العقل.

5. «يسني»: من مادة «سنو» تعني في لأصل ري الأرض من الغيوم، ثم استعملت بمعنى مطلق التسهيل من أجل القيام بعمل.

[ 346 ]

القسم الأخير من الخطبة بشأن حكومة عبدالملك بن مروان فيرد عليهم إشكالات:

الأول: مفهوم العبارة هو أنّ اسقاط حكومة بني أمية ومجيىء حكومة بني العباس قد تمّ في ظلّ عقل العرب ودرايتها والعودة إلى الطريق الصحيح، والحال نعلم أنّ بني العباس قد واصلوا جنايات بني أمية ولم تكن حكومتهم أقلّ استبداداً من حكومة بني أمية، إلاّ أن يقال بعقلائية سقوط بني أمية وشروع حركة بني العباس وإن انحرفوا في مواصلة الطريق.

الثاني: لم يكن ظهور بني العباس مباشرة بعد موت عبدالملك، بل استغرق عشرات السنين حيث حكم ولد عبدالملك ثم أعقب ذلك سقوط بني أمية، إلاّ أن يقال في جواب هذا الإشكال أنّ حكومة ولد عبدالملك كان امتداداً لحكومته، ولكن من اعتبر القسم الأخير من الخطبة إشارة إلى خروج السفياني قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) قد فسّر العبارات المذكورة على أنّها بعد سفك الدماء الطائش في آخر الزمان والفساد الذي يحصل الناس مع خروج السفياني، حيث يطرح حجب الغفلة وتتم العقول وتستعد الناس لقبول حكومة المهدي (عليه السلام)لابدّ في تلك الشرائط ومن أجل مزيداً من الاستعداد من حفظ السنن الإسلامية والولاء للولاية، وقد مرّ علينا في الخطبة 101 العبارات المشابهة لما ورد في هذه الخطبة، وقد وردت الابحاث بشأن تطبيقها على حكومة عبدالملك.

—–

[ 347 ]

 

 

الخطبة(1) 139

 

 

 

وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)

 

في وقت الشُّورَى

 

نظرة إلى الخطبة

نعلم أنّ عمر حين أشرف على الموت عهد بتشكيل الشورى المؤلفة من ستة أفراد لتعيين الخليفة، كان أحدهم علياً (عليه السلام) وعثمان، وكان إختيار الأفراد قد جرى وفق تخطيط وسياسة، وكان الهدف واضحاً منذ البداية في إقصاء علي (عليه السلام) وتسلم عثمان لزمام الأمور بصفته الخليفة السابق، بل بصفته منتخب شورى كبار المسلمين وقد مضى شرح ذلك في الخطبة الشقشقية(2).

أمّا الإمام علي (عليه السلام) الذي كان ينظر لما هو أبعد من الشورى فقد خطب هذه الخطبة ليحذر أصحاب الشورى، وقد ذكر المرحوم السيد الرضي جانب منها.

—–


1. سند الخطبة:

نقل هذه الخطبة الطبري في تاريخه في شرح حوادث عام 23 هـ (عام قتل عمر) وقال ابن أبي الحديد هذا جزء من خطبة خطبها علي (عليه السلام) في أصحاب الشورى بعد وفاة عمر، وقد ورد في الكلمات القصار رقم 22 «لنا حق...» وهو جزء من هذه الخطبة (مصادر نهج البلاغة 2/302).

2. نفحات الولاية 1/244.

[ 348 ]

[ 349 ]

 

 

«لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ، وَصِلَةِ رَحِم، وَعَائِدَةِ كَرَم. فَاسْمَعُوا قَوْلِي، وَعُوا مَنْطِقِي; عَسَى أَنْ تَرَوْا هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِ هذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ، وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لاَِهْلِ الضَّلاَلَةِ، وَشِيعَةً لاَِهْلِ الْجَهَالَةِ».

—–

 

الشرح والتفسير

تحذير من الحوادث المستقبلية

يتألف هذا الكلام في الواقع من ثلاثة أقسام:

الأول: أشار فيه الإمام (عليه السلام) إلى جانب من فضائله، ولم يكن ذلك بدافع الفخر ومدح النفس، بل ليمهد السبيل أمام الآخرين للقبول.

الثاني: طلب فيه من مخاطبيه سماع ما يقول وقبول نصائحه التي تستبع خيرهم ومصالحهم وسعادتهم.

والقسم الثالث: تطرق فيه إلى الحوادث الأليمة التي يشهدها المجتمع الإسلامي في حالة عدم قبول مواعظه وإشراته.

فقد قال في القسم الأول: «لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ، وَصِلَةِ رَحِم، وَعَائِدَةِ كَرَم».

فقد أشار في هذه الفضائل الكبرى الثلاث إلى قبول الإسلام فقال إنّ علياً (عليه السلام) هو أول من أسلم ومن الطبيعي أنّ مثل هذا الفرد يكون أكثر وعياً به من غيره وأحرص، والآخرى إلى سبقه في صلة الرحم، لأنّه وقف إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ إنبثاق الدعوة الإسلامية حتى وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد فدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه في المواطن الصعبة من قبيل مبيته على فراش النبي (صلى الله عليه وآله) واقعة أحد وأمثال ذلك، كما كان الأبرز في البر والخير والإحسان حتى نزلت

[ 350 ]