![]() |
![]() |
ثم قال بالاستناد إلى إذعان الجميع بالفضل فيما ذكر: «فَاسْمَعُوا قَوْلِي، وَعُوا مَنْطِقِي»، لا تتعجلوا الأمور بانتخاب عثمان، فهذا عمل خطير له عواقب وخيمة على المسلمين، وتطرق (عليه السلام) إلى المصير الصعب الذي سيفرزه هذا الانتخاب فقال: «عَسَى أَنْ تَرَوْا هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِ هذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى(4) فِيهِ السُّيُوفُ، وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لاَِهْلِ الضَّلاَلَةِ، وَشِيعَةً لاَِهْلِ الْجَهَالَةِ».
هناك خلاف بين شرّاح نهج البلاغة في أنّ هذا الإخبار إشارة لحادثة قتل عثمان وشهر السيوف ونقض البيعة من قبل بعض الأفراد كطلحة والزبير وأمثالهما أم إشارة إلى تمرد الناكثين والقاسطين والمارقين (أصحاب الجمل وصفين والنهروان)، ولكن بالنظر إلى الظروف التي وردت فيها هذه الخطبة (حين تشكيل الشورى لانتخاب الخليفة الثالث)، يبدو المعنى الأول أقوى، وكما تكهن الإمام (عليه السلام) فبمجرّد تسلم عثمان زمام الأمور حتى بدأ التبذير والبذخ في بيت مال المسلمين وحصل أقرباؤه وبطانته على المراكز الحساسة في البلد الإسلامي فتهافتوا على بيت المال ليفعلوا فيه ما شاؤوا، وهو الأمر الذي أثار غضب المسلمين فثاروا عليه وكان في مقدمة من ثار عليه طلحة والزبير، وقد تبعهم طائفة من الناس فحصل ما لم ينبغي أن يحصل، والحال لو لم تسود الشورى تلك العصبيات والملاحظات الشخصية وفوضت الخلافة لأهلها، لما وقعت تلك الحوادث المريرة ولا ما تبعها من نتائج، وذلك لأنّ جذور فتنة الناكثين والقاسطين والمارقين إنّما ترعرعت في ظلّ حوادث عصر عثمان.
—–
1. سورة المائدة / 55.
2. سورة الدهر / 8 .
3. سورة البقرة / 274.
4. «تنتضي»: من مادة «نضو» و«نضي» على وزن نظم بمعنى سل السيف، أوالخروج من البيت وشحوب اللون وما شباه ذلك، والمراد بها في العبارة المعنى الأول.
ذكرنا في المجلد الأول من هذا الكتاب في شرحنا لخطبة الثالثة المعروفة بالخطبة الشقشقية قصة الشورى المؤلفة من ستة أفراد والتي شكّلها عمر وأدّت إلى انتخاب عثمان كخليفة والتي تمثل في الواقع مؤامرة ضد خلافة علي (عليه السلام)، وقد أوردنا جانباً من الأقوال بهذا الشأن استناداً إلى التواريخ المعتبرة والذي نود إضافته هنا إلى ما ذكرناه هو أننا لو أنعمنا النظر في تركيب هذه الشورى وحوادثها السلبية وسنرى أنّ أغلب مشاكل المسلمين قد أفرزتها تلك الشورى، ومن ذلك أيضاً حكومة عثمان واستيلاء بني أمية وبني مروان على المناصب الحساسة للبلاد الإسلامية وبيت المال المسلمين وحكومة معاوية ومعارك الجمل وصفين والنهروان ومن ثم حكومة يزيد وأمثال عبدالملك.
والجدير بالذكر هنا ما أورده شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد حيث قال بخصوص الشورى: «إنّ ذلك كان سبب كل فتنة وقعت وتقع إلى تنقضي الدنيا»(1).
فهذه الشورى هى التي أدّت بالتالي إلى تغييب القيم الإسلامية وأحيت السنن الجاهلية والمعايير المادية والدنيوية وشادت المجتمع الإسلامي وقطعت ألسن دعاة الحق ونفت وشردت أبي ذر وأثارات النقمة ضد عمّار بن ياسر حين اعترض على نتيجة الشورى فلم يكترث أحد لما كان يقول: فقد استوى اُوالئك العتاة على عرش الغرور والحمية فعاثوا الفساد في أوساط المجتمعات الإسلامية، الفساد في الحكومة والفساد في الإيمان والأخلاق، ولو سمحت النعرات الطائفية بالتعامل الدقيق مع هذه الأحداث لاتضحت فداحة الخسارة التي مني بها المسلمون من جراء الشورى.
—–
1. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 11/11.
وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)
في النهي عن غيبة الناس
نهى الإمام (عليه السلام) الناس في هذه الخطبة عن اغتياب بعضهم البعض الآخر وقد عزز ذلك بعدّة أدلة، فقد ذكر بادىء الأمر وجوب الشكر على من تطهر من العيوب والذنوب، ويتمثل شكرها بتجنب الغيبة واقتفاء عيوب الآخرين، الأمر الآخر لو تأمل صاحب الغيبة نفسه لإكتشف فيها العيوب التي يحاول العثور عليها في الآخرين، فكيف والحال كذلك يسعى لذم الآخرين على عيوبهم وهم يحملونها، وأخيراً لعل الإنسان يقارف الصغيرة وهو يظن بأنّه لم يرتكب الكبيرة من الذنوب فيخوض في غيبة الآخرين، وتقصي معايبهم وهذا بحدّ ذاته من الكبائر، أضف إلى ذلك فما يدري من يغتاب الآخرين أنّ الله قد غفر لهم بينما لم يغفر لمن فتش عن عيوب الآخرين، وزبدة الكلام فانّ الله قد أغلق الطريق على أصحاب الغيبة والباحثين عن عيوب الناس ليطهر المجتمع الإسلامي من هذه الفاحشة.
—–
1. سند الخطبة:
ذكر الآمدي في كتاب «غرر الحكم» مع فارق وما ورد في نهج البلاغة وهذا يدل على أنّ مصدره غير نهج البلاغة (مصادر نهج البلاغة 2/314)، كما وردت هذه الخطبة في بعض المصادر كجزء من خطبة تعرف بالديباج (كتاب تمام نهج البلاغة).
«وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لاَِهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلاَمَةِ أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ، وَالْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ، فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ، وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ. أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللّهِ عَلَيْهِ مِنَ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ! وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْب قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ! فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللّهَ فِيَما سِوَاهُ، مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَايْمُ اللّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ، لَجَرَاتُهُ ]لَجُرأَتُه [عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ!».
—–
الشرح والتفسير
إهتم الإسلام بقضية الغيبة وإقتفاء عيوب الآخرين على أنّها من المشاكل الاجتماعية الكبرى التي تشيع روح التشاؤم والنفاق وتفكك عرى الثقفة وتقضي على روح الاتحاد والأخوة، ومن هنا عدّها الإسلام من الذنوب الكبيرة، وقد قسم الإمام (عليه السلام) الناس إلى خمس طوائف، الطائفة الاُولى التي شملتها عناية الله سبحانه فلم تتلوث بالذنوب المعاصي، فقال بشأن هذه الطائفة: «وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لاَِهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلاَمَةِ أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ، وَالْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ»، فأي نعمة أعظم من أن يتلطف الله تعالى على إنسان ويصونه من مقارفة الذنب، وأي شكر أعظم من شكر هذه النعمة الإلهيّة الكبرى بأن يحفظ لسانه من إغتياب الآخرين واقتفاء عيوبهم.
الطائفة الثانية التي تحمل العيوب وتذم الآخرين على مثلها، أي إنّ حب الذات لا يدعهم
يرون عيوبهم بينما دقيق هو في متابعة عيوب الآخرين، وقد قال فيها علي (عليه السلام): «فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ، وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ. أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللّهِ عَلَيْهِ مِنَ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ!».
إشارة إلى أنّ الإنسان المؤمن يجب أن يتحلى بقبسات من صفات الله سبحانه، فالله ستار العيوب، فينبغي عليه أن يستر عيوب الآخرين.
الطائفة الثالثة التي ترتكب الذنوب وتذم الآخرين على مثلها، والحال من الطبيعي أن يكون الإنسان أحرص على نفسه من الآخرين، فكيف لهذا الإنسان بالتفكير في عيوب الآخرين دون أن يهم بإصلاح نفسه وعيوبه، أي عقل يسوّل للإنسان نسيانه لذاته بصورة كلية ويلقي بها في مستنقع البؤس والشقاء فيخوض في ذنوب الآخرين، ناهيك عن أنّ الدافع من ذلك هوالفساد لا الإصلاح، فقد قال الإمام (عليه السلام): «وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْب قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ!».
الطائفة الرابعة من تذم الآخرين على ذنوب لم ترتكبها، لكنّها إرتكبت ما هو أفضع منها، وهو غافل عن هذه الذنوب غير مكترث لها، فقال الإمام (عليه السلام) بشأنها: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللّهَ فِيَما سِوَاهُ، مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ».
الطائفة الخامسة التي ربّما لم ترتكب تلك الذنوب التي تذم الآخرين على إرتكابها، حيث لم تصدر منها سوى بعض الصغائر من الذنوب فقال قال الإمام (عليه السلام) بشأنها: «وَايْمُ اللّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ، لَجَرَاتُهُ ]لَجُرأَتُه [عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ!».
وهكذا أغلق الإمام (عليه السلام) جميع الطرق على اُولئك الذين يقتفون عيوب الآخرين ويسلبهم أية ذريعة بعد أن يذكرهم بكافة العواقب الوخيمة التي تترتب على شنائع أعمالهم، ليبتعدوا عن وساوس الشياطين ويطلعهم على أهوائهم وقبح أفعالهم ليجسدها أمام أنظارهم.
—–
«يَا عَبْدَاللّهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ. فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ».
—–
الشرح والتفسير
أكد الإمام (عليه السلام) في هذا القسم من الخطبة تلك المبادىء التي أوردها في القسم السابق وقد حذر كافة العباد من تتبع عيوب الآخرين وغيبتهم، ثم تابع هذا الأمر من خلال الأدلة المنطقية فقال (عليه السلام): «يَا عَبْدَاللّهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ».
في إشارة إلى أنّ ذنب الآخرين قد يغفر بسبب التوبة أو شفاعة المعصومين (عليه السلام) أو على أساس القيام بأعمال الخير بينما يؤاخذ هذا الإنسان بذنبه مهما كان صغيراً بفعل الغرور والغفلة، وعليه كيف يسمح العاصي لنفسه بذم الآخرين على معايبهم ومثالبهم فيغتابهم؟
ثم واصل الإمام (عليه السلام) كلامه فقال: «فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ»، فالله هو المنزه من العيوب والطاهر من الذنب هوالمعصوم، وعليه فلا يجيزنا العقل بأن نصوب سهام غيبتنا وذمّنا للآخرين ونحن غارقون في العيوب والذنوب.
ثم إختتم الخطبة بالإشارة إلى المطلب الذي ذكره في القسم الأول من الخطبة ولكن بعبارة أخرى فقال (عليه السلام): «وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ».
فو فرضنا تنزه شخص عن كل عيب أو عيوب معينة، فذلك نعمة كبيرة تستحق شكر الله والشعور بلطف الله تعالى وعنايته، والحق إنّ مثل هذا الشكر يشغل الإنسان بنفسه إلى الحد الذي يسلبه فرصة البحث عن عيوب الآخرين.
نعم، فهذا المعلم الرباني يعتمد مختلف الأدلة المنطقية بغية القضاء على هذه الرذيلة القبيحة المتمثلة بالغيبة وتحري عيوب الآخرين، كما يغلق جميع الطرق على أصحاب الحجج والذرائع.
—–
الغيبة تعني إفشاء عيوب الأفراد ومثالبهم، والمؤسف له هو أنّ هذه الظاهرة شائعة في أغلب المجتمعات البشرية، وبما لا شك فيه أنّها تختزن مختلف الآثار السلبية على المستوى الأخلاقي وكذلك الاجتماعي، وذلك لأنّ السند الرصين لكل مواطن في المجتمع هو ماء وجهه، والغيبة تزيل ماء الوجه وتطعن في شخصية الفرد وتقضي على روح الثقة وبين أفراد المجتمع والتالي تلعب دوراً سلبياً في إضعاف التعاون الاجتماعي، ومن هنا عدّها الشارع وحداة من أقبح وأشنع الذنوب حتى شبهها القرآن الكريم يأكل لحم الأخ الميت، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبة حجّة الوداع وهى خطبة حساسة: «أيُّها النَّاسُ إِنَّ دِمـاءَكُم وَأَموالَكُم وَأَعراضَكُم عَلَيكُم حَرامٌ كَحُرمَةِ يِومِكُم هذا فِي شِهْرِكُم هـذا فِي بَلَدِكُم هـذا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الغِيبَةَ كَمَا حَرَّمَ المَالَ والدَّمَ»(1).
وكفى بقباحة الغيبة ما ورد في الحديث القدسي أنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى بن عمران: «مَنْ ماتَ تَِائِباً مِنْ الغِيبَةِ فَهُوَ آخِرُ مَنْ يَدخُلُ الجَنَّةَ وَمَنْ مَاتَ مُصِراً عَلَيها فَهُوَ أَولُ مَنْ يَدخُلُ النَّارَ»(2).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الشأن: «مَنْ مَشى فِي غِيبَةِ أَخِيهِ وَكَشَفَ عَورَتَهُ كَانَ أَولُ خُطوة خَطَاهَا وَضَعَهـا فِي جَهَنَّمَ»(3).
1. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9/162.
2. جامع السعادات 3/302; بحار الانوار 72/257.
3. جامع السعادات / 303.
كما قال (صلى الله عليه وآله): «مَا عَمَرَ مَجلِسٌ بِالغِيبَةِ إلاّ خَرِبَ بِالدِّينِ»(1).
وكثيرة هى الأحاديث التي وردت بهذا الخصوص والتي لا يسع المجال ذكرها، ونكتفي هنا بذكر حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): ونحيل من أراد المزيد إلى المجلد الثالث من كتاب الأخلاق في القرآن في مبحث الغيبة وكتاب جامع السعادات المجلد الثاني والمجلد الثامن من وسائل الشيعة، حيث قال: «الغِيبَةُ حَرامٌ عَلَى كُلِّ مُسلِم وَأَنَّها تَأكُلُ الحَسَناتِ كَمَا تَأكُلُ النَّارُالحَطَبَ»(2).
والحقيقة هى أنّ الإسلام يرى حرمة ماء وجه المسلم والتي تعدل حرمة دمه، وقد اقترن العرض بالدم في الروايات والأخبار الإسلامية وبناءاً على ما تقدم فانّ من إغتاب شخصاً آخر وانتهك حرمته الاجتماعية وأراق ماء وجهه فكأنه قتله، ومن هنا تواترت الروايات التي أكدّت الثمن الباهض الذي سيدفعه صاحب الغيبة يوم القيامة وما سيؤخذ منه حسنات بسبب ما اقترف من غيبة فتضاف إلى حسنات من إغتابه، فانّ لم يكن له من حسنات، أخذت من سيئات من إغتابه وأضيفت إلى سيئات صاحب الغيبة.
نعم، الغيبة حق الناس على غرار قتل النفس وجرح الأفراد، ولهذا فلو إلتفت المؤمنون إلى تبعات السيئة لهذه الذنوب والتي صورتها الروايات الإسلامية لما سعى لمقارفة هذه السيئة، وهذا ما دفع بالإمام (عليه السلام) للإتيان بعدّة أدلة منطقية لبيان الآثار السيئة لهذه السيئة وقد حذر الجميع من مقارفتها، ويبدو بحث موضوع الغيبة من الأبحاث الواسعة كما صورها علماء الأخلاق ونكتفي هنا بذكر بعض الأمور بهذا الشأن:
1 ـ لابدّ أن نتّجه قبل كل شيء نحو دوافع الغيبة وذلك لأنّه يمكن الاستدلال على قبح النتائج من خلال قبح الدوافع، فدافع الغيبة غالباً هوالحسد وحبّ الذات والغرور والتكبر والحقد والرياء وحبّ الدنيا والثأر والسخرية والاستهزاء بالآخرين وما شاكل ذلك، حيث يحاول الأفراد الملوثون بهذه الأمراض بلوغ أهدافهم السيئة عن طريق الغيبة وبالنظر إلى أنّ الداوفع المذكورة جميعاً من الكبائر فانّه يمكن الوقوف على قباحة الغيبة.
—–
1. بحار الانوار 75/259.
2. جامع السعادات 3/305.
2 ـ إنّ أهم أرصدة المجتمع وسنده الأصل والذي من شأنه توحيد الأفراد ويدفعهم باتّجاه الأهداف النبيلة هو الثقة المتبادلة وممّا لا يشك فيه أنّ أولى النتائج السيئة للغيبة تتمثل بالقضاء على هذا السند، وذلك لأنّ كل فرد في الغالب ينطوي على عيب أو عيوب فانّ بقيت خفية لن تنعكس سلباً على الآخرين ويبقى التفاؤل ثقة الأفراد بعضهم بالبعض الآخر قائمة، أمّا كشف هذه العيوب عن طريق تحريها والبحث عنها وممارسة الغيبة وذم كل فرد آخر إنّما يحيل المجتمع إلى جهنم محرقة بحيث يسيىء كل فرد الظن بالآخر وينفر منه، بالنتيجة تزعزع النظام العام للمجتمع وتعرّضه للقلق والاضطراب.
وبعبارة أخرى كما يتهدد الأمن العام للمجتمع بفعل نهب الأموال وسفك دماء الأبرياء، فانّ سلب ماء الوجه وسرقته من الآخرين عن عن طريق الغيبة إنّما يشيع تلك الفوضى ويقضي على الأمن، وذلك لأنّه كما ورد في الرواية المذكورة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانّ التعرض لحيثيات الآخرين بمثابة التعرض لأنفسهم وأموالهم، لا يمكن كتمان الغيبة عادة وتفشي على صاحبها فتشتعل فيهم نيران الحقد والكراهية، الحقد الذي يمهد السبيل أمام سفك الدماء وعظام المشاكل، والغيبة أحد أسباب إشاعة الفحشاء وعامل مهم من عوامل سوء الظن، إلى جانب كونها تجعل الآثم جريئاً في ذنوبه، لأنّ المذنب الآثم يراعي عادة جانب الاحتياط إن بقيت معصيته خفية مستورة، فان هتكت زال حجاب الحياء والخجل.
—–
3 ـ الغيبة حق الناس، والمسألة المهمّة بشأن الغيبة أنّها ليست معصية بين الإنسان وربّه تبارك وتعالى يمكن غسلها بماء الندم فتحصل التوبة، بل كما لا يمكن تلافي الخسائر الناجمة عن سفك الماء وغصب الأموال دون القصاص أو الدية ودفع التعويضات المالية، فانّه لا يمكن غفران إزالة ماء وجه الآخرين دون تعويض، سيّما إن توفي من أغتيب ولم يكن هناك من سبيل لمن إغتابه للوصول إليه ولم يبق أمامه سوى الحساب والقيامة، يعني حين لا يكون هنالك من سبيل للتعويض سوى إضافة حسناته إلى ذلك الفرد أو تقبل سيئاته، وهذه بحدّ ذاته مصيبة كبرى.
—–
4 ـ إنّ أفضل علاج للغيبة يتمثل بما ذكره مولى الموحيد أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) في الكلام المذكور وقد لفت انتباه الإنسان إلى هذه الحقيقة وهى إن رأى الإنسان عيباً ومنقصة في شخص آخر وليس فيه مثلها، فقد وجب عليه شكر الله، الشكر الذي يصده عن تحري عيوب الآخرين، وإن قارف معصية وقد إرتكبها مثله، فلا ينبغي له أن يتجاهل عيبه وينشغل بعيوب الآخرين، وإن إرتكب الصغيرة وجب عليه أن يفكر في أنّ كبيرة غيره ربّما غفرت ولم يغفر له، بل جرأته على تقصي عيوب الآخرين لأكبر من ذنونهم مهما كبرت.
أضف إلى ذلك فكما أنّ الأمراض البدنية لن تعالج بصورة تامة ما لم تزول جذورها فانّ الأمراض الروحية كالغيبة لابدّ من إقتلاع جذورها حتى تزول الرغبة في مقارفتها.
—–
5 ـ استماع الغيبة أحد الذنوب ـ كما سيأتي شرح ذلك في الخطبة القادمة ـ ذلك لأنّ السامع شارك في إراقة ماء وجه مسلم فهو شريك في الجرم، سيّما إن إستمع مختاراً بما يجعله سبباً لتشجيع صاحبه الغيبة.
—–
6 ـ لا يقتصر سبيل التوبة عن الغيبة على الاستغفار، بل لابدّ من محاولة تعويض من أغتيب واُريق من ماء وجهه إلى جانبي الندم والتوسل إلى الله تعالى في طلب العفو الرحمة، فان أمكن مناشدته إبراء الذمّة، وأمّا إن تعذّر ذلك بسبب ترتب مفسدة، أو توفى الشخص، فلابدّ من القيام بأعمال الخير من أجله حتى يرضى، وكل هذه الأمور تشير إلى مدى فضاعة الغيبة وصعوبة التخلص من تبعاتها، ومن أراد المزيد بشأن المسائل المتعلقة بالغيبة ومن ذلك موارد الاستثناء عليه مراجعة الجلد الثالث من كتاب الأخلاق في القرآن(1).
—–
1. للمؤلف.
وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)
في النهي عن سماع الغيبة وفي الفرق بين الحقّ والباطل
يبدو أنّ هذا الكلام مواصلة للخطبة السابقة، فقد ورد الحديث في الخطبة السابقة عن نهي الناس عن الغيبة، وجرى الكلام هنا في النهي عن سماع الغيبة، كما أكد (عليه السلام) عدم تصديق كل ما يصدر من الشخص بهدف حفظ شخصية الآخرين، فالخطأ جائز حتى على الصادقين.
وإختتم (عليه السلام) الخطبة بوصيّة الجميع بعدم تصديق الشيء ما لم يره، فما أكثر الخطأ واللبس في السماع.
—–
1. سند الخطبة:
نقلها القاضي القضاعي في كتاب «دستور معالم الحكم»، كما نقل جزءاً منها علي بن هذيل في كتاب «عين الأدب والسياسة»، وكذلك المرحوم الصدوق في «الخصال» وابن عبد ربه في «العقد الفريد»، (مصادر نهج البلاغة 2/315)
«أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِين وَسَدَادَ طَرِيق، فَلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ. أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي، وَتُخْطِئُ السِّهَامُ، وَيُحِيلُ ]يُحيك [الْكَلاَمُ، وَبَاطِلُ ذلِكَ يَبُورُ، وَاللّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ. أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ.
فَسُئِل،(عليه السلام)، عَن مَعْنى قولِهِ هذَا، فجمع أَصابِعَهُ وَوَضعهَا بين أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ ثمَّ قَالَ: الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ: سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ: رَأَيْتُ!».
—–
الشرح والتفسير
كما ورد سابقاً، يبدو أنّ هذا الكلام جزء من الخطبة السابقة فصلها عن بعضها المرحوم السيد الرضي، وذكرها بصورة مستقلة، والواقع أنّ الهدف من الخطبتين واحد هو حفظ ماء الوجه وإشاعة أجواء الثقة بين أفراد المجتمع والابتعاد عن الآثار السيئة للغيبة وتحري العيوب.
فقد بيّن الإمام (عليه السلام) في الخطبة السابقة طرق معالجة الغيبة، وسعى هنا للحد من الآثار الهدامة للغيبة أو القضاء عليها تماماً.
فقال بادىء ذي بدء: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِين وَسَدَادَ(1) طَرِيق، فَلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ».
فالواقع هو أنّ الإمام (عليه السلام) قد أبطل بهذه العبارة القصيرة ومن خلال عدّة طرق الآثار
1. «سداد»: بمعنى الصحيح من الكلام والعمل وتستعمل هذه المفردة كمصدر واسم مصدر، ويبدو أنّها قريبة من مادة سد بمعنى الجدار المحكم الذي يقام ضد السيول وما شابه ذلك، لأنّ للكلام الحق استحكام خاص.
السيئة للغيبة في المستمع، وأول تلك الطرق ما ورد في العبارة المذكورة، لانّ الإنسان إن عرف أحداً بحسن السيرة والورع والتقوى كان عليه أن يوقن بخطأ ما يقال فيه من أمور مخالفة، لأنّ الموارد المشكوكة غالباً ما تحمل على الموارد المعلومة وعلى حدّ التعبير المشهور: «الظَّنُّ يَلحَقُ الشَّيءَ بِالأَعَمِّ الأغلَبِ»، وبالطبع فانّ هذا الكلام لا يعني قبولنا لغيبة الأفراد وتتبعهم لعورات الآخرين الذين ليس لهم من سابقة، بل الهدف مضاعفة التأكيد بالنسبة للأفراد من ذوي السوابق الحسنة، بحيث لا ينبغي التصديق مطلقاً بما يقال بشأن اُولئك.
ثم أشار الإمام (عليه السلام) إلى نقطة أخرى وهى لو فرضنا أنّ المتكلم كان صادقاً، ولكن من الموقن به أنّه ليس بمعصوم، وعليه فالخطأ محتمل من جميع الناس سوى المعصومين، وعليه فلا ينبغي تصديق المقابل بكل سهولة في ما ينسبه إلى الآخرين، ناهيك عن عدم مطابقة الظن والحدس إلى الواقع على الدوام، فقال: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي، وَتُخْطِئُ السِّهَامُ»، أضف إلى ذلك وعلى ضوء كلام الإمام (عليه السلام): «وَيُحِيلُ(1) ]يُحيك [الْكَلاَمُ، وَبَاطِلُ ذلِكَ يَبُورُ(2)، وَاللّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ»، في إشارة إلى أنّ أغلب الناس لا يلتزمون بكلام الحق ويتفوهون بكل ما يرد على ألسنتهم، ومن هنا لا ينبغي قبول ما ينسبونه إلى الآخرين من عيوب، فقد يكون ذلك من الأقوال الباطلة التي تنسب إلى الأفراد دون تريث.
ثم أشار (عليه السلام) إلى نقطة مهمّة أخريس فقال: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ».
وفي هذه الأثناء سأله أحد الحاضرين: «عَنْ مَعْنى قولِهِ هذَا، فجمع أَصابِعَهُ وَوَضعهَا بين أُذُنِهِ وَعَيْنِهِ ثمَّ قَالَ: الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ: سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ: رَأَيْتُ!».
فالعبارة في الواقع إشارة إلى الشائعات التي تتناقها الألسن فيطالعك هذا وذاك وهم يرددون يقال كذا ويقال كيت وليس الأمر سوى شائعات لا أساس لها، وقد قال (عليه السلام) لا تلتفتوا إلى الشائعات ولا تنسبوا إلى الآخرين ما لا ترون، ومن هنا تتضح الإجابة على السؤال الذي
1. «يحيل»: من مادة «إحالة» كل تغير أو حركة تخرج عن الحق والاستقامة وتحيل إلى الانحراف والاعوجاح.
2. «يبور»: من مادة «بوار» تعني في الأصل شدّة كساد الشيء وحيث يبعث ذلك على الفساد حسبما ورد في المثل كسد حيا فسد فقد اطلقت هذه المفردة على الفساد ومن ثم الهلكة.
أورده أغلب شرّاح نهج البلاغة ومفاده: إنّ الآيات القرآنية والوحي السماوي وسنّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)كلها عن طريق السمع فكيف يحكم ببطلانها؟
فليس مراد الإمام (عليه السلام) بطلان أخبار الثقاة والأحاديث المتواترة والمستفيضة التي وصلتنا عن طريق السمع، بل مراده ذلك المعنى العرفي والمتداول بشأن الشائعات، والشاهد على ذلك ما روي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) لما سئل: كم بين الحق والباطل؟ فقال (عليه السلام): «أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع باُذنيك باطلاً كثيراً»(1).
وزبدة الكلام ليس كل ما يراه الإنسان حق، وذلك لأنّ العين قد تخظىء أحياناً، وليس كل كما يسمعه باطل، وذلك لأنّ المتكلم قد يكون فرداً عادلاً وثقة، لكن قليل هو الخطأ على مستوى العين، أمّا الكلام الباطل عن طريق السمع فهو كثير، وهذا ما أشارت إليه العبارة الواردة عن الإمام (عليه السلام).
ولعل هذا هو أنسب التفاسير للعبارة المذكورة، بينما أورد البعض من شرّاح نهج البلاغة تفسيراً آخر خلاصته أنّ العبارة: «ليس بين الحق والباطل إلاّ أربع أصابع» إشارة إلى العيوب التي تقال في حق الأفراد، أغلب هذه العيوب ناشيء من سوء الظن وعدم التحقيق والحسد، والحقد والكراهية وما شاكل ذلك، وعليه فهناك الكثير من الكذب والباطل في هذه الأقوال، ولكن يمكن للإنسان القول بأنّ العيوب الفلانية في الشخص الفلاني إن رآها بعينه.
—–
لو وضع الناس نصب أعينهم واستحضروا على الدوام وفي كل مكان عبارة الإمام (عليه السلام)ليس بين الحق ولباطل إلاّ أربع أصابع وعملوا بها في حياتهم، قطعاً كل التفاؤل محل التشاؤم وحسن الظن بدل سوء الظن والثقة والاعتماد بدل عدمهما والمحبّة بدل البغض والكراهية، وسوف تبهت الإشاعات ولا يكون لها ذلك الصدى والتأثير وبالتالي سوف لن يبلغ أصحابها
1. بحار الانوار 72/196.
ما يرومونه من أهداف فلا يسود المجتمع سوى الحب والأخاء، والمؤسف له أنّ الشائعات في الوقت الحاضر قد جاوزت الأفراد لتطيل فئات البلاد وتجمعاته بحيث ألقت بظلالها الوخيمة على جميع أرجاء العالم وما ذلك إلى للغفلة عن الفارق بين الحق والباطل التي أشير إليها في كلام الإمام (عليه السلام)، وإننا لنلمس الثمن الباهظ الذي يدفعه العالم بسبب عدم التزامه بهذا الأمر.
—–
وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)
المعروف في غير أهله
تدور هذه الخطبة حول محورين:
المحور الأول: يشرح النتائج السلبية للمعروف والإحسان إلى غير أهله.
والمحور الثاني: الموارد المؤهلة لأن يصنع الإنسان إليها المعروف لينال من خلالها شرف الدنيا والفوز بفضائل الآخرة.
—–
1. سند الخطبة:
ذكرها المرحوم الكليني في كتاب «الكافي» (مصادر نهج البلاغة 2/302)، والمرحوم الشيخ المفيد والشيخ الطوسي في الآمالي وابن قتيبة في كتاب «الإمامة والسياسة»، والجدير بالذكر أنّه يستفاد من بعض المصادر المذكورة مثل كتب الكافي أنّ هذه الخطبة هى استمرار للخطبة 126 (مصادر نهج البلاغة 2/282 بتصرف).
«وَلَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ، مِنَ الْحَظِّ فِيَما أَتَى إِلاَّ مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ، وَثَنَاءُ الاَْشْرَارِ، وَمَقَالَةُ الْجُهَّالِ، مَادَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ: مَا أَجْوَدَ يَدَهُ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللّهِ بَخِيلٌ!
مواضع المعروف
فَمَنْ آتَاهُ اللّهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الاَْسِيرَ وَالْعَانِيَ، وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ، فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ; إِنْ شَاءَ اللّهُ».
![]() |
![]() |