![]() |
![]() |
الشرح والتفسير
كما ورد سابقاً هذه الخطبة حسب بعض الروايات المعتبرة جزء من الخطبة رقم 126، والتي اعترض فيها بعض الجهّال على الإمام (عليه السلام) بسبب تسويته بين الناس في العطاء من بيت المال المسلمين، فكلّموه لم لا تزيد في عطاء أشراف القبائل ليطروه ويثنوا عليه ويقفوا إلى جانبه عند الشدائد، أمّا الإمام (عليه السلام) فقد وبّخهم في هذه الخطبة في أنّ البذل والعطاء في غير موضعه لا يوجب غضب الله وسخطه فحسب، بل به آثاره السلبية حتى في الدنيا أهونها ثناء الأشرار وإنسحاب الأخيار، فقال (عليه السلام): «وَلَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ، مِنَ الْحَظِّ فِيَما أَتَى إِلاَّ مَحْمَدَةُ(1) اللِّئَامِ، وَثَنَاءُ الاَْشْرَارِ، وَمَقَالَةُ الْجُهَّالِ».
1. «محمدة»: بمعنى الحمد والثناء وهو ضد الذم.
أضف إلى ذلك فانّ هذا المدح والثناء قائم مادام البذل والعطاء ومد يد الجود والسخاء، ولكن بمجرّد أن يقطع هذا البذل لا يبقى من أثر لذلك المدح ولاثناء، هذا في الوقت الذي يكون فيه بخيلاً عن البذل في سبيل الله تعالى: «مَادَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ: مَا أَجْوَدَ يَدَهُ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللّهِ بَخِيلٌ!».
وقد جربنا كلام الإمام (عليه السلام) مراراً في حياتنا والذاكرة البشرية تحتفظ بالكثير من ذلك طيلة التاريخ، فقد حفلت الدنيا بالأفراد المتكالبين على الدنيا ممن تحكموا بثروات المجتمع وقد أغدقوها على المتملقين من الأشرار ممن حولهم وبطانتهم وقد ولو ظهورهم بالمرّة عن معاناة المحرومين وآلام المساكين، فان دارت عليهم الدوائر وتنكرت لهم الدنيا، هب المحرومون للوقوف بوجههم ولم يكتف الأمر عند هذا الحدّ، بل تنكر لهم حتى أنصارهم من المتملقين وعرضوا لهم بالذم والتوبيخ، فلم يتركوهم وشأنهم فحسب، بل سارعوا للتمرد عليهم وأعدوا أنفسهم للإنسجام مع من يخلفونهم من الحكّام، وهذه هى عاقبة من ولى ظهره للحق تبارك وتعالى والخلق والتحق بركب النفعيين.
ورد في الحديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «مَنْ طَلَبَ مَحامِدَ النَّاسِ بِمعاصِي اللهِ عـادَ حـامِدُهُ مِنهُم ذَامَّاً»(1)، وعن المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إِذا أَرَدتَ أَنْ تَِعلَمَ إِلى خَير يَصيِيرُ الرَّجُلُ أَم إِلى شَرِّ؟ اُنظُر إِلى أَينَ يَضَعُ مَعرُوفَهُ؟ فَإنْ كَانَ يَضَعُ مَعرُوفَهُ عِندَ أَهلِهِ فاعلَم أَنَّهُ يَصِيرُ إِلى خَير وَإِنْ كَانَ يَضَعُ مَعرُوفَهُ عِندَ غَيرِ أَهلِهِ فاعلَم أَنَّهُ لَيسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاق»(2).
—–
1. بحار الانوار 74/178.
2. منهاج البراعة 7/439.
«فَمَنْ آتَاهُ اللّهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الاَْسِيرَ وَالْعَانِيَ، وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ، فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ; إِنْ شَاءَ اللّهُ».
—–
الشرح والتفسير
عرض الإمام (عليه السلام) بالذم الشديد لصانع المعروف في غير أهله كما ورد ذلك في المقطع الأول من الخطبة والذي كان يمثل الجانب السلبي من القضية، أمّا في هذا القسم فقد تعرض إلى جانبها الإيجابي فبيّن الموارد الطبيعة التي تستحق الانفاق والبذل والعطاء، حذراً من استغلال البعض لما مرّ معنا سابقاً في العبارات، فيعتمد البخل وعدم الانفاق فقال: «فَمَنْ آتَاهُ اللّهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الاَْسِيرَ وَالْعَانِيَ(1)، وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ(2)».
فقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى ستة موارد للانفاق والبذل وفي مقدمتها القرابة من ذوي الحاجة، فمما لا شك فيه أنّ هؤلاء مقدمون على غيرهم، وهذا ما ورد في الخبر المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله)أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفضَلُ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): عَلَى ذِي الرَّحِمِ الكَاشِحِ»(3)، ثم ركز الإمام على قضية الضيافة وهى الأمر الذي يؤدّي إلى إشاعة أجواء المودّة
1. «العاني»: من ماد «عنى» بمعنى الشدّة والتعب، وعدها البعض من شرّاح نهج البلاغة مرادفة لأسير، ويبدو أنّ معناها واسع يشمل كل إنسان يعيش التعب والإرهاق.
2. «الغارم»: من مادة «غرامة» من عليه الديون.
3. الكافي 4/10.
والمحبّة بين الأصدقاء ويزيل الأحقاد، كما يوطد العلاقات العاطفية والاجتماعية وقد أولى الإسلام هذه المسألة الإنسانية والأخلاقية أهميّة قصوى حتى ورد في الخبر أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) سأل أحد أصحابه: «أَتُحِبُّ إِخوانَكَ يـا حُسَين؟ قُلتُ: نَعم، قَالَ: تَنفَعُ فُقَرائَهُم؟ قُلتُ: نَعم، قَالَ: إِنَّهُ يَحُقُّ عَلَيكَ أَنْ تُحِبَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ، أَمَا وَاللهِ لا تَنْفَعُ مِنهُم حَتّى تُحِبَّهُ، أَتَدعُوهُم إِلى مَنزِلِكَ؟ قُلتُ: نَعم، مَا أَكُلُ إِلاّ وَمَعِي مِنْهُم الرَّجُلانِ والثَّلاثَة وَالأقَلُّ وَالأَكثَرُ، فَقالَ أَبُوعَبدِاللهِ (عليه السلام): أَمَ إنَّ فَضْلَهُم عَلَيكَ أَعظَمُ مِنْ فَضلِكَ عَلَيهِم، فَقُلتُ: فِداكَ أَطعِمُهُم طَعامِي وَأَوطِئُهم رَحلِي وَيَكُونُ عَلَيَّ فَضْلَهُم عَلَيَّ أَعظَمُ؟ قَالَ: نَعم، إِنَّهُم إِذا دَخَلُوا مَنزِلَكَ دَخَلُوا بِمَغفِرَتِكَ وَمَغفِرَةِ عِيالِكَ، وإِذا خَرَجُوا مِنْ مَنزِلِكَ خَرَجوا بِذُنُوبِكَ وَذُنُوبِ عِيالِكَ»(1).
ولمّا كان دفع الحقوق الواجبة والمستحبة وتعويض الخسائر شاقاً على النفس فقد أكد الإمام (عليه السلام) على الصبر والتحمل فقال: «وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ(2)، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ».
وبناءاً على هذا فالتعبير بالحقوق يشمل الواجبة والمستحبة، والنوائب جمع نائبة والحادثة الأليمة، وتشير هنا إلى جميع الأمور التي تتضمن الخسارة المالية، سواء كان من جانب ظلم الظلمة وحكّام الجور، أو الحوادث غير المتوقعة التي تصيب الإنسان طيلة حياته.
والعبارة «ابتغاء الثواب» إشارة إلى أنّ الصبر تجاه كل هذا البذل وصرفه في الموارد المذكورة لابدّ أن يكون لله تعالى ليحصل الأجر والثواب.
وإختتم كلامه بالإشارة إلى الآثار العظيمة لهذا البذل فقال (عليه السلام): «فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ; إِنْ شَاءَ اللّهُ»، فالحقّ أنّ البذل في الموارد الستة المذكورة يؤدّي إلى حسن سمعة الإنسان في المجتمع، كما يوجب فوزه في الحياة الآخرة، وأفضل شاهد على ذلك ما روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: «مَنْ جَادَ سَادَ»(3)، وقد أصبحت هذه العبارة مثل يضرب لتأكيد المعنى المذكور، وكذلك ما روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:
1. المصدر السابق 2/401، ح8 .
2. «النوائب»: جمع «النائبة» تعني الحوادث الأليمة التي تصيب الإنسان، ولكن فسّرها بعض أرباب اللغة بمطلق الحوادث سواء المطلوبة منها أو غير مطلوبة.
3. كشف الغمة 2/242.
«وَأَحسن إلى مَنْ شِئتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ»(1)، بل يؤيد ذلك ما نلمسه في حياتنا اليومية، وهذا على مستوى الدنيا.
أمّا من حيث الآخرة فانّ البذل من أهم أسباب النجاة ولاسيّما إعانة المحتاجين، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «أَوَّلُ مَنْ يَدخُلُ الجَنَّةَ المَعرُوفُ»(2).
والتعبير بـ «فوزاً» بصيغة النكرة يفيد حقيقة في أنّ هذا البذل وإن كان قليلاً فانّه يوجب عزّة الدنيا ورفعة الآخرة.
—–
1. الإرشاد 1/303; وبحار الانوار 74/433.
2. ميزان الحكمة، 12611.
وَمِنْ خُطبَة لهُ (عليه السلام)
في الاستسقاء
وفيه تنبيه العباد على وجوب استغاثة رحمة اللّه إذا حبس عنهم رحمة المطر
الخطبة كما ورد في عنوانها بشأن الاستسقاء والتضرع إلى الله سبحانه في طلب نزول الأمطار، وهى الخطبة الثانية من خطب نهج البلاغة في باب الاستسقاء (الخطبة الاُولى رقم 155)، وتتألف هذه الخطبة في الواقع من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يشير إلى هذه الحقيقة في أنّ السماء والأرض مطيعة لأمر الله فان شاء أخرج بركاتهما إلى الناس، وبناءاً على هذا فانّ الذي ينبغي التوجه إلى قبل عالم الأسباب هو ذات مسبب الأسباب.
القسم الثاني: ناظر إلى هذا المطلب وهو أنّ أعمال السوء والذنوب والمعاصي تؤدّي إلى إغلاق أبواب الخير والبركة بأمر الله تبارك وتعالى، ومفاتحها الاستغفار من الذنوب والإنابة إلى الله تعالى.
1. سند الخطبة:
وردت هذه الخطبة حسب تصريح صاحب مصادر نهج البلاغة في كتاب «أعلام النبوة» للديلمي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أميرالمؤمنين علي (عليه السلام)، وفي «النهاية» لابن الأثير في مادة بطن بمناسبة المفردة بطنان التي وردت في آخر الخطبة، (مصادر نهج البلاغة 2/319) كما وردت في بحار الانوار، ج88 عن «أعلام» النبوة للديلمي، لكن لم يتضح على وجه الدقة في أي قرن عاش الديلمي مؤلف الكتاب.
القسم الثالث: يعرض إلى رفع الإمام (عليه السلام) يده بالتوسل إلى الله سبحانه في مراسم صلاة الاستسقاء حيث يطلب نزول المطر بعبارات دقيقة رائعة عميقة المعنى، والأمطار المفعمة بالبركة والتي تروي الأرض وتسقي الأشجار والثمار وتسرّ الناس.
—–
«أَلاَ وَإِنَّ الاَْرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ ]تحملكم[، وَالسَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ، وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ، وَلاَ زُلْفَةً إِلَيْكُمْ، وَلاَ لِخَيْر تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ، وَلكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا، وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا».
—–
الشرح والتفسير
من الوصايا الإسلامية التي وردت بصورة موسعة في الكتب الفقهية الوصيّة بصلاة الاستسقاء، حيث يقبل فيها الناس على الله تبارك وتعالى ويتوبون إليه من ذنوبهم معاصيهم ويسألونه نزول المطر، وقد حدث هذا الأمر كراراً ومراراً في الإتيان بهذه الصلاة ونزول الرحمة الإلهيّة، ويبدو أنّ الإمام (عليه السلام) قد دعى الناس حين الاستسقاء، ومن هنا فقد خطب بهذه الخطبة المليئة بدروس التوحيد والتهذيب والتربية، فقد قال (عليه السلام) بادىء الأمر بهدف إعداد الناس وإحياء روح التوحيد فيهم والتوجه إلى الله تعالى الذى يمثل مصدر الخير والبركة والعطاء: «أَلاَ وَإِنَّ الاَْرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ(1) ]تحملكم[، وَالسَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ».
ثم قال (عليه السلام): «وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ، وَلاَ زُلْفَةً إِلَيْكُمْ، وَلاَ لِخَيْر تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ، وَلكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا، وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا»، والتعبير بالسماء إشارة إلى الغيوم المحلية، لأنّ العرب تستعمل السماء بمعنى الجانب العلوي،
1. «تقلكم»: من مادة «اقلال» بمعنى حمل الشيء وأخذه، ولمّا كان الإنسان يعيش على الأرض فكأنّها تحمله على أكتافها، وقد وردت تحملكم بدلاً من تقلكم في أغلب شروح نهج البلاغة والتي تفيد نفس المعنى.
فتطلقه أحياناً على موضع النجوم فتقول نجوم السماء، وتطلقه أحياناً أخرى على موضع الشمس والقمر، وأخيراً على موضع السحب والغيوم وحتى الموضع الذي يضم الغصون المرتفعة للأشجار، ومن ذلك الآية القرآنية: (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(1).
—–
هذا الكلام يشتمل على درس مهم في التوحيد والأخلاق، فقد قال الإمام (عليه السلام) من جانب أنّ الله أمر السماء والأرض بمنافعكم، وكأنّ السماء أشبه بالأب والأرض بالاُم اللذان يتحدان لتزويد الإنسان بما يحتاجه من غذاء وشراب ولباس ودواء ومركب دون التمييز بين المطيع والعاصي والمؤمن والكافر، لأنّهما مظهر رحمانية الحق.
الطريف في الأمر أنّ المائدة الإلهيّة لا تنضب فالأجيال متعاقبة في الذهاب والإياب وهما قائمان على خدمتهم، ومن جانب آخر فانّ السماء والأرض ورغم تقديمها لكل هذه الخدمات فهما لا يرحوان أي عوض من الإنسان، بل يخدمان بكل إخلاص، وهذا درس مهم للإنسان يشدّه إلى خدمة الآخرين بعيداً عن الأجر والثواب.
—–
1. سورة ابراهيم / 24.
«إِنَّ اللّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الاَْعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الَّثمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ. وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الاِسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) فَرَحِمَ اللّهُ امْرَءاً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة إلى نقطة مهمّة من أجل إعداد الناس لصلاة الاستسقاء فقال: «إِنَّ اللّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الاَْعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الَّثمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ».
ثم إعتمد الإمام (عليه السلام) بعد ذلك أسلوب الطبيب الماهر الذي يصف العلاج بعد تشخيص المرض فقال: «وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الاِسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ(1) الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ
1. «درور»: من مادة «درّ» على وزن جرّ بمعنى تقاطر الحليب من الثدي، ثم استعملت في المطر وأمثاله، و«درور الرزق» بمعنى نزول الرزق من الله تعالى.
بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً)».
وأخيراً يخلص إلى نتيجة: «فَرَحِمَ اللّهُ امْرَءاً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقَالَ(1) خَطِيئَتَهُ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!». نعم، حين تغلق أبواب الرحمة الإلهيّة بفعل كثرة الذنوب فليس هنالك من سبيل لفتحها سوى الاستغفار والتوبة والنصوح.
والجدير بالذكر أنّ الإمام (عليه السلام) وبهدف إثبات هذا الأمر قد استدلّ بأنسب أية قرآنية، وهى الآية التي وردت على لسان نبي الله نوح (عليه السلام) حين خاطب قومه باستغفار الله والتوبة إليه والذي يؤدّي إلى نزول البركات والخيرات ومضاعفة الأرصدة المادية والمعنوية وتقوية الوجود الإنساني وتحسين الأوضاع الاقتصادية والزراعية.
والعبارة وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!»، إشارة إلى أنّ التوبة لا تقتصر على بلوغ الرفاه المادي في الحياة الدنيا، بل الهدف الأهم من ذلك النجاة في الآخرة، وذلك لأنّ الموت إن سبق التوبة فلا سبيل للتدارك، وإن كان العكس وسبقت التوبة والأعمال الصالحة الموت، كان مفتاح النجاة بيده في الدار الآخرة.
—–
لقد قيل الكثير في فلسفة البلاء، والذي يستفاد من أغلب الآيات القرآنية والروايات الإسلامية هو أنّ الذنوب والمعاصي تشكل أحد علل الآفات والحوداث الصعبة في الحياة البشرية، حيث تحدث عدّة آيات عن التلازم بين هذين الأمرين، بل يستفاد من بعض الروايات والأخبار الترابط الوثيق بين نوع الذنب والبلاء الذي يترتب عليه، على سبيل المثال فانّ الزنا وعدم العفة وشرب الخمر والتطفيف والربا وقطع الرحم كل ذلك يؤدّي إلى سلب نعمة معينة كما أشار إلى ذلك الحديث النبوي الشريف، من ذلك روى أبي حمزة عن الإمام الباقر أنّه قال: «وَجَدنا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): إِذا ظَهَرَ الزِّنا مِنْ بَعدِي كَثُرَ مَوتُ
1. «استقال»: من مادة «إستقالة» بمعنى معونة من وقع على الأرض للقيام، ثم اطلقت على فسخ المعاملة أو طلب العفو على الذنب.
الفُجأة، وإِذا وإِذا طَففَ المِكيالَ وَالمَيزانَ أَخَذَهُم اللهُ بِالسِّنِينِ وَالنَّقصِ إِذا مَنَعُوا الزَّكاةَ مَنَعَتْ الأِضُ بَرَكَتَها مِنَ الزَّرعِ وَالـثِّمارِ وَالمَعادِنِ كُلُّها، إِذا جَارُوا فِي الأحكَامِ تَعاونُوا عَلَى الظُّلمِ والعُدوانِ، إِذا نَقَضُوا العَهدَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم عَدُوَّهُم، إِذا قَطَعُوا الأَرحامَ جُعِلتْ الأَموالُ فِي أَيدِي الأشرارِ إِذا لَم يَأمرُوا بالمَعرُوفِ وَلم يَنهُوا عَنِ المُنكَرِ وَلَم يَتَّبِعُوا الأخيارَ مِن أَهلِ بَيتِي سَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم شِرارَهمُ فَيَدعُوا خِيارهُم فَلا يُستَجابُ لَهُم»(1)
والدليل العقلي يؤكد هذا الأمر على أنّ هناك إرتباط بين الذنب وقطع النعم، فالفيض الله يتوقف على الاستعداد والاستحقاق، فان قارف الإنسان الذنب وأفضح عن عدم استعداده كان من الطبيعي أن يقطع عن نفسه الفيض الإلهي.
أضف إلى ذلك فالذي يستفاد من الآيات القرآنية أنّ هناك هدفاً مهمّاً آخر يتمثل بايقاظ الغافلين وإعادتهم إلى الله تبارك وتعالى، حتى صرّحت بعض الآيات بأنّ البلاء يعمّ الأقوام المشركة حين بعث الأنبياء والرسل لهدايتها من أجل تمهيد السبيل أمامهم لقبول الدعوة ومن ذلك الآية 94 من سورة الأعراف التي قالت: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِىّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ).
وهكذا فانّ القضية التربوية تشكل أحد الأهداف المهمّة للبلاء والحوداث الأليمة، على كل حال فانّ مفتاح الأبواب الموصدة وإخماد جذوة أمواج البلاء إنّما يكمن في العودة إلى اللّه سبحانه كما صرّح بذلك القرآن الكريم إذ قال:(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنْ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(2).
وهكذا سائر الآيات، وورد في الخبر أنّ شخصاً قال لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) لقد أسرفت في المعاصي فادعوا الله أن يغفر لي، قال علي(عليه السلام): عليك بالاستغفار، وقال الآخر: مزارعنا تشكو من قلّة الماء، فادعوا الله أن يرسل علينا المطر، فقال (عليه السلام): عليك بالاستغفار، وشكى الثالث من الفقر فأشار عليه الإمام (عليه السلام) بالاستغفار، وشكى الرابع العقم وكان له مال كثير فأشار عليه الإمام بالاستغفار، وشكى له الخامس من قلّة ثمار البستان فنصحه (عليه السلام) بالاستغفار، وشكى
1. الكافي 2/374، ح2.
2. سورة الأعراف / 96.
السادس من جفاف الآبار وعيون الماء فقال له (عليه السلام) عليك بالاستغفار، فتعجب ابن عباس من إشارته على الجميع بالاستغفار وقد كان لكل مشكلته التي تختلف عن غيره، فقال (عليه السلام) أولم تسمع إلى القرآن والآيات 10، 11، 12 من سورة نوح إذ قال: (وَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً)(1).
—–
1. تفسير نهج الصادقين 10/19 (بتصرف، وقد ورد هذا الحديث بصورة مختصرة عن الإمام المجتبى(عليه السلام)) (مجمع البيان 10/361).
«اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الاَْسْتَارِ وَالاَْكْنَانِ، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلْدَانِ، رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ، وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ، وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ. اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، وَلاَ تُؤَاخِذْنَا (بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا) يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ، وَأَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الُْمجْدِبَةُ، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ، وَتَلاَحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ ]المحن [الْمُسْتَصْعِبَةُ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِينَ، وَلاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ، وَلاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا، وَلاَ تُقَايِسَنَا ]تناقشنا [بِأَعْمَالِنَا. اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ، وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ; وَاسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً ]نافعة [مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وَتُحْيِي بِهَا مَا قَد مَاتَ. نَافِعَةَ الْحَيَا، كَثِيرَةَ الُْمجْتَنَى ، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ، وَتُسِيلُ الْبُطْنَانَ، وَتَسْتَوْرِقُ الاَْشْجَارَ، وَتُرْخِصُ الاَْسْعَارَ; «إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ»».
—–
الشرح والتفسير
بعد أن مهد الإمام (عليه السلام) قلوب الناس ودعاهم إلى التوبة من الذنوب والإنابة إلى الله سبحانه في هذه الخطبة التي خطبها بمناسبة صلاة الاستستقاء، إلتفت إلى الحق تبارك وتعالى فتوسل إليه بعبارات وهو يسأله اللطف والرحمة، كما فرض عدّة مطالب من خلال خمس عبارات يستهلها بالقول اللّهم، فقد قال بادىء ذي بدء: «اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الاَْسْتَارِ
وَالاَْكْنَانِ(1)، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلْدَانِ، رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ، وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ، وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ».
إشارة إلى أنّ خروجنا من المنازل وقدومنا إلى الصحراء من أجل أداء صلاة الاستسقاء دليل على إسرافنا على أنفسنا، فان كنّا من عبادك الخاطئين فما ذنب هذه الماشية والأطفال العطاشى، وليس لنا من دافع في هذا الخروج سوى طلب رحمتك وفضلك وكرمك وقد أقبلنا عليك وأتينا إليك واستجرنا بك من عذابك وعقوبتك، وقد صرّحت الروايات الإسلامية الواردة في باب آداب صلاة الاستستقاء بحمل حتى الرضع من الأطفال والهيم العطاشى إلى الصحراء، بل وردت الوصيّة بتفريق الأطفال عن اُمهاتهم لترق القلوب لبكاء الأطفال ويزداد الإقبال على الله تبارك وتعالى(2).
ولا يخفى ما لهذا المنظر من عظيم الأثر في إثارة عواطف الناس وحضور قلوبهم وجريان دموعهم والذي يؤدّي إلى استجابة الدعاء، إلى جانب كونه سبب المزيد من لطف الله ورحمته.
ثم طرح طلبه الرئيسي فقال (عليه السلام): «اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ(3)، وَلاَ تُؤَاخِذْنَا (بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا) يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»، أي وإن فعل فريق من الجهّال ما يوجب قطع الفيض الإلهي عنهم، ولكن عاملنا بكرمك وفضلك ولا تعاملنا بعدلك، فلا طاقة لنا بعدلك وليس لنا سوى عفوك ورحمتك، ولما كان شرط استجابة الدعاء في إذعان الفرد بعجزه وأنّ الله على كل شيء قدير فقد قال (عليه السلام): «اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ(4)، وَأَجَاءَتْنَا(5) الْمَقَاحِطُ(6)الُْمجْدِبَةُ(7)، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ، وَتَلاَحَمَتْ(8) عَلَيْنَا الْفِتَنُ ]المحن [الْمُسْتَصْعِبَةُ».
1. «الأكنان»: جمع «كن» على وزن «جن» بمعنى واسطة الحفظ والصون ومن هنا تطلق الأكنان على الغيران.
2. راجع الخطبة 155 بشأن آداب صلاة الاستستقاء.
3. «السنين»: جمع «سنة» وإن استعملت مع مفردة الهلكة أو الأخذ عنت الجدب والقحط.
4. «الوعرة»: بالتسكين كناية عن صعوبة الحياة.
5. «أجاءت»: من مادة «مجيىء» من باب إفعال بمعنى ألجأته.
6. «مقاحط»: جمع «مقحطة» من مادة «قحط» بمعنى سنين الجدب.
7. «مجدية»: من مادة «جدب» على وزن جعل قلّة النعمة، وعليه المجدبة تطلق على السنين التي يعاني فيها الناس من الشدّة في أرزاقهم.
8. «تلاحمت»: من مادة «تلاحم» بمعنى الاتصال.
فقد أشار الإمام (عليه السلام) بهذه العبارات إلى مسألة وهى إننا إن عددنا حاجاتنا ومشاكلنا الواحدة بعد الأخرى لا على أساس إنّك لا تعلمها، بل لأنّك تحبّ أن يطرح العباد مشاكلهم بألسنتهم ويقرون بعجزهم وسعة حاجاتهم، ثم أشار إلى أربع مشاكل تشترك مع بعضها من جهات وتشترك في أخرى وهى: صعوبات الحياة والجدب والقحط و الرغبات التي يتعذر نيلها في الشرائط العادية، وأخيراً الفتن الصعبة والمزعجة، وهى المشاكل التي لا يرجى حلّها إلاّ من الله تبارك وتعالى، ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ حَاجَتَكَ وَما تُريدُ وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ أَن تَبُثَّ إِلَيهِ الحَوائِجَ»(1).
ثم واصل الإمام (عليه السلام) كلامه فقال: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِينَ، وَلاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ(2)، وَلاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا، وَلاَ تُقَايِسَنَا ]تناقشنا[ بِأَعْمَالِنَا».
فليس هنالك من سبيل للنجاة إن عاملتنا على أساس أعمالنا، فنسألك أن بحملنا على لطفك وكرمك وألاّ نرجع خائبين من بابك، والطبع فانّ هذه الأدعية وإن اشتملت على الطلبات المؤكدة من الله تبارك وتعالى، فهى تنطوي على الدروس العميقة المعنى للسامعين ليقضوا على آثار ذنوبهم وشناعة أعمالهم فيسارعوا لإصلاح أنفسهم، وتشتمل أغلب الأدعية التي تردنا عن المعصومين (عليه السلام) على هذه الأمور التربوية.
![]() |
![]() |