![]() |
![]() |
—–
1. في ظلال نهج البلاغة 2/319.
2. «واجم»: من مادة «وجم» على وزن نجم من اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام.
3. «معشبة»: من مادة «عشب» على وزن شرف نمو النبات.
4. «الحيا»: بمعنى المطر ووفرة النعمة.
5. «القيعان»: جمع «قاع وقاعة» الأرض السهلة الواسعة كما تطلق أحياناً على الأرض التي تتجمع فيها المياه.
6. والجدير بالذكر قد نزلت الآن (حين كتابتي لهذه السطور في العاشر من رمضان عام 1423 هـ) أمطار مفعمة بالبركة والخير بعد جفاف طويل، ويبدو أنّ هذا المطر ينطوي إن شاء الله تعالى على جميع الصفات التي ذكرها الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة.
تحدثنا باسهاب في ذيل الخطبة 155 عن صلاة الاستسقاء وآدابها، ونخوض هنا في الإجابة عن سؤال وهو لم شرح الإمام (عليه السلام) الصفات المذكورة في المطر حين استغاثته بالله سبحانه في نزوله (حيث ذكر في هذه الخطبة تسع صفات وفي الخطبة السابقة عشرين صفة) والحال الله عليم بكل هذه الصفات ولا داعي من شرحها؟
وللإجابة عن هذا السؤال لابدّ من الالتفات إلى أنّ شرح الطلبات بجميع جزئياتها وبالنظر إلى طلب الحاجات من الله تعالى، تفيد هذا المعنى وهو ضرورة سؤال الناس من الله عزّ اسمه عن جميع وحاجاتهم وطلباتهم، وذلك لأنّ هذه الأدعية تفيد مدى حاجة الناس، وهذا بدوره يضاعف من عشق الناس لله سبحانه، ومن جانب أخر لابدّ أن يعلموا كم هو حيوي المطر النافع وأي بركات وخيرات فيه.
—–
وَمِنْ خُطبَة لهُ (عليه السلام)
مبعث الرسل
تحدث الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة عن ثلاثة محاور هى:
المحور الأول: الذي بيّن فيه بعض الأمورالمهمّة بشأن مبعث الأنبياء ورسالاتهم.
المحور الثاني: الذي تطرق فيه إلى فضائل أهل البيت (عليه السلام) وأفضليتهم على من سواهم.
المحور الثالث: الذي يتضمن إشارات عميقة المعنى إلى نهج الضالين وعاقبة أمرهم
—–
1. سند الخطبة:
أورد الآمدي جانباً من هذه الخطبة في كتابه «غرر الحكم» وفيها إضافات لما في نهج البلاغة مما يدلّ على أنّه استقاها من مصدر أخر غير نهج البلاغة (مصادر نهج البلاغة 2/322).
«بَعَثَ اللّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الاِْعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ. أَلاَ إِنَّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ كَشْفَةً; لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَمَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ; وَلكِنْ «لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَالْعِقَابُ بَوَاءً».
—–
الشرح والتفسير
يعتقد جمع من شرّاح نهج البلاغة أنّ دافع الإمام (عليه السلام) من هذه الخطبة بيان الرد القاطع على المغرضين الذين ينكرون فضائل الإمام (عليه السلام)، والطبع فانّ جانباً من الخطبة قد عالج هذا الأمر، وإن إشتملت سائر الأقسام على إبعاد كلية.
وعلى كل حال فقد أشار الإمام (عليه السلام) في المقطع الأول من هذه الخطبة إلى أمرين: هما فلسفة بعثة الأنبياء وفلسفة الامتحان الإلهي، فقال (عليه السلام): «بَعَثَ اللّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الاِْعْذَارِ(1) إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ».
فهذه العبارة تشير إلى نقطة مهمّة وردت كراراً في الآيات القرآنية وهى عدم مؤاخذة الله سبحانه العباد دون بعث الرسل وإبلاغهم أوامره ونواهيه سبحانه عن طريق الوحي، فقد جاء
1. «الاعذار»: مصدر باب إفعال من مادة «عذر» بمعنى إتمام الحجة.
في الآية 15 و16 من سورة الاسراء: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا * وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)، هنا يطرح هذا السؤال وهو عدم انسجام ما ورد في هذه الخطبة والآيات القرآنية الواردة بهذا الشأن ومبدأ استقلال حكم القتل، فالحجة تتم على الإنسان من خلال العقل الذي يحكم بحسن وقبح الأشياء (كإدراكه لحسن العدل وقبح الظلم) وعليه فهو يستحق العقاب أو الثواب حتى دون بعث الأنبياء والرسل، ونقول في الإجابة عن هذا السؤال صحيح أنّ هناك استحقاقاً للثواب والعقاب وإرادة الحق تبارك وتعالى ومن باب اللطف بالعباد واقتضت عدم مؤاخذة العباد وعقابهم ما لم تويد المستقلات العقلية بواجبات الشرع ومحرماته التي تعين عن طريق الوحي.
ومن هنا تتضح عدم الحاجة للإجابة التي ذكرها بعض شرّاح نهج البلاغة حيث صرّحوا بأنّ هذه الآية في حكم العموم الذي يخصص في المستقلات العقلية.
وبعبارة أخرى: إنّ الله تعالى لا يعاقب شخصاً دون بعث الأنبياء ونزول الوحي سوى في المستقلات العقلية من قبيل قبح الظلم والجور والسرقة وقتل النفس، ثم خاض الإمام (عليه السلام) في مطلب آخر في إطار مواصلة لكلامه والذي يتمثل بفلسفة الإمتحان الإلهي فقال: «أَلاَ إِنَّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ كَشْفَةً; لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَمَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ; وَلكِنْ «لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَالْعِقَابُ بَوَاءً(1)».
فقد كشف الإمام (عليه السلام) بهذه العبارة اللثام عن مسألة مهمّة حيث لا معنى لمفهوم الامتحان بالنسبة لله بالشكل الذي تعارف على العباد، فالهدف من اختبار العباد لرفع الجهل والإبهام، لمعرفة الأشياء و التعرف على الأشخاص، وليس لمثل هذه الأمور من مفهوم لمن كان الغيب والشهادة والظاهر والباطن عنده سواء، بل هدف البلاء الإلهي هو أن يظهر الإنسان ما يبطنه لتتحقق مسألة استحقاق الثواب والعقاب.
وبعبارة أوضح: لا يمكن إثابة الفرد أو معاقبته على ما يضمره من نيّات حسنة أو سيئة، بل يترتب الثواب والعقاب على ما يصدر منه من أعمال وأفعال تفرزها النيّات، وهذا ما بيّنه
1. «بواء»: تعني في الأصل العودة والنزول ثم أطلقت على العقوبة المستمرة والمتواصلة وهذا هو المعنى المراد بها في الخطبة.
الإمام (عليه السلام) في إحدى قصار كلمات في تفسير للآية القرآنية: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ...)(1)، معنى أن يختبرهم بالأموال والأولاد... «وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلكِنْ لِتَظْهَرَ الاَْفْعَالُ الَّتي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ»(2).
فلم يرد في الفقه ولا في دستور أي بلد التصريح بعقاب شخص بسبب نيّة القتل أو السرقة، وكما لا يثاب بسبب نيّته الحسنة في الخدمة، وإن شمل مثل هؤلاء الأفراد بنوع من التكريم تفضلاً بسبب تلك النيّات وقد تظافرت الروايات التي صرّحت بجزاء الخير تفضلاً منه سبحانه كونه أرحم الجميع، لكنّه لايعاقب على نيّة الشرّ كما ورد في الحديث: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَة فَلَمْ يَعْمَلها كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً... وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَة لَم تُكتَبْ عَلَيهِ»(3).
—–
1. سورة الانفال / 28.
2. نهج البلاغة، قصار الكلمات 93.
3. وسائل الشيعة 1/36، من أبواب مقدمة العبادات، الباب 6، ح6.
«أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا، أَنْ رَفَعَنَا اللّهُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ. بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى، وَيُسْتَجْلَى الْعَمَى . إِنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ قُرَيْش غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِم; لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ».
—–
الشرح والتفسير
خاض الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة في الرد على التخرصات في مجال العلم والمعرفة الإسلامية تجاه أهل البيت (عليهم السلام) ويقدمهم على أنّهم أعلم من غيرهم بكذبهم، وأنّ الساسة المحترفين آنذاك كانوا يثيرون تلك التخرصات بهدف النيل من مسألة خلافة وإمامة أهل البيت(عليهم السلام)فقال: «أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا».
وأضاف (عليه السلام) أينهم اُولئك ليروا كيف رفعنا الله تعالى وفضلنا وأعطانا ووضعهم وحرمهم وأدخلنا في سعة رحمته وأخرجهم منها: «أَنْ رَفَعَنَا اللّهُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ».
في إشارة إلى أنّ إتّباع أهل البيت(عليهم السلام)في معارفهم والإسلامية ووقوفهم على القرآن والوحي والسنّة النبوية الشريفة ليس بالشيء الخفي على أحد، فهم كهف الاُمة الذي كان يلوذ به حتى الخلفاء في ما يعترضهم من مشاكل وصعوبات، وهذا من البديهيات التي لا يختلف عليها إثنان، وأمّا اُولئك الذين تدفعهم القضايا السياسية والحب والبغض الناشيء من العلاقات المادية بانكار هذه الحقيقة فإنّما يفضحون أنفسهم.
ثم قال (عليه السلام): «بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى، وَيُسْتَجْلَى الْعَمَى»، والشواهد التاريخية المستفيضة والأحاديث النبوية القطعية إنّما تؤيد هذا الكلام، وهذا ما سنتعرض له في البحث القادم.
وأخيراً إختتم الإمام (عليه السلام) هذا المقطع من الخطبة بالإشارة إلى الحديث النبوي الشريف بشأن اقتصار الإمام على قريش وبني هاشم فقال: «إِنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ قُرَيْش غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِم; لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ».
فالإمام بإشارته إلى الحديث النبوي المعروف: «إِنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ قُرَيْش»، ومن ثم حصرها في بني هاشم أوضح بأنّ أدعياء الخلافة من غير بني هاشم لا يستحقون هذا المقام ولابدّ من التحري عن بني هاشم في كل زمان للعثور على الإمام الحق.
—–
لقد عمد تجّار السياسة بهدف نيل أهدافهم وتحقيق مآربهم إلى إنكار أوضح المسائل أحياناً أو المرور عليها من خلال التوجيهات الجوفاء وأحد مصاديق ذلك منح بعض الصحابة الأفضلية على علي (عليه السلام) حتى قدموا عليه تلميذه في التفسير والذي كان يفخر بذلك هو ابن عباس(1)، وزيد بن ثابت في العلم بأحكام الميراث وأبي بن كعب في القراءة، ولم ينسبوا للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حديثاً بهذا الشأن، في حين تظافرت مصادر الفريقين (الشيعة والسنّة) التي تؤكد أعلميّة علي (عليه السلام) على سائر الصحابة قاطبة بما لا يمكن إنكارها ومن ذلك:
1 ـ حديث الثقلين وهو من أشهر الأحاديث التي روتها مصادر العامّة ـ وقد استشهدنا به سابقاً(2) ـ بالكتاب وأهل البيت(عليهم السلام)الذين لا يفترقون عنه والكل يعلم بأنّ القرآن هو مصدر جميع العلوم المعارف.
1. نقل الدكتور الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» عن ابن عباس: «مَا أَخَذتُ مِنْ تَفسِيرِ القُرآنِ إِلاَّ مِنْ عَليِّ بنِ أَبِي طَالِب» ج1، ص89، كما روي عن ابن عباس أنّه قال: «وَمَا عِلمِي وَعِلْمُ أَصحَابِ مُحَمَّد فِي عَلْمِ عَليِّ إِلاّ كَقَطرَة فِي سَبعَةِ أَبحُر» (الغدير 2/45 في شرح ديوان حسان).
2. ذكرنا أسناد حديث ثقلين في نفحات القرآن 9/62 ـ 71.
2 ـ الحديث المعروف «أقضاكُم عليّاً»(1)، هو الشاهد الآخر على هذا الأمر، وذلك لأنّ القضاء واصدار الأحكام الإسلامية يتطلب إحاطة علمية بأصول الإسلام وفروعه، ومن كان الأعلم كان هو الأقضى.
3 ـ الحديث المروي عن علي (عليه السلام) أنّه قال: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ أَلفَ بَابِ كُلُّ بَاب يَفْتَحُ (منه) أَلفَ بَاب»(2)، وهو دليل آخر يكشف بوضوح أن ليس بين الاُمّة من يماثله في العلم والمعرفة وذلك لأنّ هذا الحديث لم يرد في شخص سواه.
4 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تفسير الآية: «(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(3) إنّما هو علي»(4).
لابدّ من الإلتفات هنا إلى أنّه طبق الآية 40 من سورة النمل فقد تمكن آصف بن برخيا: (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ...)، من الإتيان بعرش بلقيس من اليمن إلى الشام، فما بالك بقدرة من لديه علم بكل الكتاب.
5 ـ الكلام المشهور لعلي (عليه السلام) حين قال: «سَلُونِي قَبلَ أَنْ تَفقِدُونِي» والذي صرّح كبار علماء العامّة أنّ شخصاً غير علي (عليه السلام) لم يقل ذلك إلاّ افتضح(5).
6 ـ العارفون بتاريخ الإسلام في عصر الخلفاء يعلمون أنّ عليّاً (عليه السلام) كان الكهف العلمي الحصين للاُمة حتى قال الخليفة الثاني كراراً ومراراً: «لولا علي لهلك عمر»، وقال في عبارة اُخرى: «اللّهمّ لا تُبقِنِي لِمعضلَة لَيسَ لَها ابن أَبِي طالب»، وقال: «لا أَبقَانِي اللهُ بِأَرض لَستَ فِيها (يا) أَبا الحَسن»(6).
وهذا المطلب على درجة من الوضوح حتى أصبح المثل يضرب به بين الناس، فكلما
1. روى هذا الحديث جمع من حفاظ العامّة كابن عبد البر في «الاستيعاب»، والقاضي في «الموقف»، وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»، وابن طلحة الشافعي في «مطالب السئول»، (الغدير 3/69، وابن عساكر في (التاريخ المختصر لدمشق 17/301).
2. ورد هذا الحديث في كنزل العمال 13/114، ح 36372.
3. سورة الرعد / 43.
4. انظرو مصادر هذا الحديث في كتب العامّة في إحقاق الحق 3/280، كما وردت روايات بهذا الخصوص في شواهد التنزيل للحسكاني 1/307 ـ 310.
5. ذكرنا شرح هذا الموضوع في المجلد الرابع من هذا الكتاب ذيل الخطبة 93.
6. المرحوم العلاّمة الأميني أورد هذه العبارات بمصادر دقيقة من كتب العامّة (الغدير 3/97) تحت عنوان آراء الصحابة بعلي (عليه السلام).
عصيت قضية على أحد ولم يكن هنالك من يحلّها قالوا: «قَضِيةٌ وَلا أَبَا حَسَن لَها»(1).
—–
نشير في الخطبة إلى هذه النقطة وهى أنّ الأئمّة من قريش ومن بني هاشم وليس للآخرين صلاحية الخلافة والإمامة وينسجم هذا الكلام مع عدّة روايات التي وردت في أشهر مصادر العامّة ومنها:
1 ـ روي عن جابر بن سمرة في صحيح مسلم أنّه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «لا يَزالُ الإِسلامُ عَزِيزاً إِلى إِثني عَشَرَ خَلِيفة ـ ثُم قال كلمة لم أفهمها ـ فقلتُ لأبِي مَا قَالَ؟ قال: فقال: كُِلُّهُم مِن قُرَيش»(2)، وقد وردت هذه الروايات بعبارات مختلفة.
والجدير بالذكر إننا نقرأ في أحد طرق هذا الحديث في صحيح مسلم أنّ جابراً قال في ذيل الحديث «فَقَالَ (صلى الله عليه وآله) كَلِمِةً أَصَمنِيها النَّاسُ فَقُلتُ لأَبِي مَا قَالَ؟ قَالَ: كُلُّهُم مِن قُرَيش»، كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لا يَزالُ الدِّينُ قَائِماً حَتّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَو يَكُونَ عَلَيكُم إِثنا عَشَرَ خَلِيفَةً كَلُّهُم مِن قُرَيش».
2 ـ جاء في صحيح البخاري عن جابر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «يَكُونُ إِثني عَشَرَ أَمِيراً فَقَالَ كَلِمَةً لَم أسمَعها فَقالَ: أَبِي أَنّه قَالَ: كَلُّهُم مِن قُرَيش»(3).
3 ـ وورد مثل هذا المضمون في صحيح الترمذي مع اختلاف طفيف وقال فيه: «هذا حِديثٌ حسَنٌ صَحيحٌ»(4).
4 ـ كما ورد نفس هذا المضمون في صحيح أبي داود ويفيد تعبير الحديث أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قاله في جماعة، حيث جاء في الخبر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) حين قال: «لا يَزالُ الإِسلامُ عَزِيزاً إِلى إِثني عَشَرَ خَلِيفة كَبَّرَ النَّاسُ بِأَعلَى أَصواتِهِم»(5).
1. التفسير والمفسرون 1/89 .
2. صحيح مسلم 3/1453; طبع بيروت دار التراث العربي.
3. صحيح البخاري 3/101، جزء 9، طبع دار الجيل بيروت.
4. صحيح الترمذي 4/501 طبع دار التراث الاحياء العربي بيروت.
5. صحيح أبي داود 4/106 (كتاب المهدي).
4 ـ كما ورد الحديث في عدّة موارد في مسند أحمد بن حنبل(1).
وقد ذهب بعض المحققين إلى أنّ عدد طرقه في مسند أحمد 34 طريق(2).
لقد أسهب علماء العامّة بشأن تفسير الأحاديث المذكورة والتي وردت في أشهر مصادرهم، إلاّ أنّهم لم يقدموا تفسيراً قانعاً حول الإثني عشر خليفة أو أمير، وذلك لأنّهم يعتقدون بعدم انطباق هذا العدد والخلفاء، ولا يمكن تفسيره إلاّ على ضوء اعتقاد أتباع أهل البيت(عليهم السلام).
—–
اُشير في الخطبة إلى منزلة بني هاشم في قريش، والذي أقتبس في الواقع من كلمات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ومن ذلك ما روي عن عائشة في كتاب «فضائل الصحابة» لأحمد بن حنبل قالت: قَال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قَالَ لِي جِبرَائيلُ يَا مُحَمِّد قَلَّبتُ الأَرضَ مَشَارِقَها وَمَغَارِبَها فَلَم أَجِدْ وُلْدَ أَب خَيْرَاً مِنْ بَنِي هَاشِم»(3).
ومن الواضح أنّ المقصود ليس جميع بني هاشم، والحديث يبدو ناظراً إلى الأئمّة المعصومين(عليهم السلام).
—–
1. مسند أحمد 5/ 89 ـ 90 ـ 101.
2. انظر كتاب منتخب الأثر /12; إحقاق الحق /13.
3. فضائل الصحابة 2/628، ح 1073.
منهَا: «آثَرُوا عَاجِلاً وَأَخَّرُوا آجِلاً، وَتَرَكُوا صَافِياً وَشَرِبُوا آجِناً; كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ، وَبَسِئَ بِهِ وَوَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ لاَ يَحْفِلُ مَاحَرَّقَ!».
—–
الشرح والتفسير
أشار الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة إلى الأفراد الذين وقفوا بوجه أئمّة الحق وقد ولوا ظهورهم للحق من أجل الحكومة لبضعة أيّام فقال: «آثَرُوا عَاجِلاً وَأَخَّرُوا آجِلاً، وَتَرَكُوا صَافِياً وَشَرِبُوا آجِناً(1); كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ، وَبَسِئَ بِهِ(2)وَوَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ(3)».
ثم قال مواصلة لكلامه (عليه السلام): «ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً(4) كَالتَّيَّارِ(5) لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ(6) لاَ يَحْفِلُ(7) مَاحَرَّقَ!».
1. «آجن»: من مادة «اجن» على وزن فجر الماء المتغير اللون والطعم والرائحة.
2. «بسىء به» من مادة بسوء ألفه وإستأنس به.
3. «خلائق»: أحياناً جمع «خلق» بمعنى المخلوق وأخرى جمع «خليقة» بمعنى الخلق والملكة وهذا هو المعنى المراد بها في العبارة.
4. «مزبد»: من مادة «زبد» رغوة الماء وما شابه ذلك ومزبد اسم فاعل.
5. «تيار»: يعني في الأصل الموج الشديد الذي يقذف الماء خارج البحر، ويطلق أحياناً على مطلق الموج.
6. «الهشيم»: من مادة «هشم» تطلق على النباتات الجافة المتكسرة.
7. «يحفل»: من مادة «حفول» بمعنى الاعتناء بالشيء وعليه فلا يحفل تعني لا يهتم.
هنالك خلاف بين شرّاح نهج البلاغة بشأن الضمير وعودته في هذه العبارات، فقد ذهب البعض إلى أنّ المراد بالخلفاء الأوائل، وذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد بعض الصحابة الذين انحرفوا، وقال البعض يراد بها مفهوماً عاماً وأخيراً رآه البعض إشارة إلى بني اُمية، ويبدو الاحتمال الأخير أنسبها جميعاً، لأنّهم آثروا الدنيا على الآخرة جهرة وقد تنكروا للحق وسقطوا في مستنقع الدنيا العفن، وبناءاً على هذا فالمراد بالعبارة «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِم»، هو عبدالملك بن مروان حيث كان من أقدر عناصر بني اُمية، وقد إرتكب الكثير من الجرائم وباشرها بنفسه، وما أبشع الجنايات التي إرتكبها واليه الغاشم الحجاج، فقد كان كالنار الملتهبة التي تحرق الأخضر واليابس ولا يقف أمامها شيء، والعبارة كأنّي انظروا إلى فاسقهم إشارة إلى فرد يظهر في المستقبل، فلا يمكن تطبيقها على الماضين أو المعاصرين له (عليه السلام) إلاّ مع تكلّف.
—–
«أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَالاَْبْصَارُ الْلاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى! أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ لِلّهِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللّهِ! ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ، وَتَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ، وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ; وَدَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا، وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا!».
—–
الشرح والتفسير
تحدّث الإمام (عليه السلام) في المقطع الأخير من هذه الخطبة عن فئتين: فئة عاقلة ومتقية ومطيعة للحق وأخرى تكالبت على حطام الدنيا وتسابقت مع بعضها من أجل نيل الأموال الحرام فقال: «أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَالاَْبْصَارُ الْلاَّمِحَةُ(1) إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى! أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ لِلّهِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللّهِ!»، إشارة إلى أنّ جماعة عظيمة من الناس سلكت سبيل المخالفة، وقد قل الصالحون وكأن الإمام (عليه السلام) يبحث عنهم ليجدهم.
ثم تطرق (عليه السلام) إلى الفئة الثانية التي تهافتت على الدنيا فقال: «ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ(2)، وَتَشَاحُّوا(3) عَلَى الْحَرَامِ، وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ،
1. «لامحة»: من مادة «لمح» على وزن لمس تعني في الأصل لمعان البرق، ثم جاءت بمعنى النظرة الخاطفة، كما وردت بمعنى النظر إلى الشيء وهذا هو المعنى المراد بها في العبارة.
2. «حطام»: الشيء المكسور الفاني الذي لا قيمة له ويقال حطام الدنيا لأموالها بسبب فنائها وزوالها سريعاً.
3. «تشاحوا»: من مادة تشاح واصلها الشح بمعنى البخل المقرون بالحرص ويقال تشاح حيث يتنازع فردان أو طائفتان من أجل الحصول على الشيء.
وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ; وَدَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا(1) وَوَلَّوْا، وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا!».
يبدو أن الفئتين اللتان أشار إليهما الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة، هما تلك الفئتان اللتان ذكرتا سابقاً، فئة سلمت لأئمّة الهدى وانقادت لهم، وأخرى تمردت ووقفت بوجههم سعت لإطفاء نورهم، فهى فئة أخلدت إلى الدنيا ولم تهتم بالحلال والحرام وتتسابق فيما بينها من أجل تبعية الشيطان وطاعته.
—–
1. «نفروا»: من مادة «نفر» و«نفور» بمعني الابتعاد عن الشيء والفرار منه.
وَمِنْ خُطبَة لهُ (عليه السلام)
فناء الدنيا وذم البدع
الخطبة ناظرة إلى موضوعين:
الموضوع الأول: إشارة إلى تقلب الدنيا ووزال نعمها، حيث يتعرف الإنسان أكثر فأكثر على حقيقة هذا العالم المتغير حين يتأمل هذه العبارات التي تضمنت مواعظ توقظ السامع من غفلته.
الموضوع الثاني: حول ذم البدع حيث تتغيب سنة كلّما شاعت بدعة بين الناس.
—–
1. سند الخطبة:
أورد ابن شعبة الحراني في كتابه «تحف العقول» جانباً من هذه الخطبة ضمن خطبة تعرف باسم الوسيلة، كما ذكرها المرحوم الشيخ المفيد(رحمه الله) في كتاب «الإرشاد» مع اختلاف طفيف، كما نقلها المرحوم الشيخ الطوسي في الأمالي وأشار أبو العتاهية في أشعاره إلى مضمون بعض عبارات هذه الخطبة ويحتمل أنّه أخذها من كلام الإمام (عليه السلام)، ووردت أجزاء من هذه الخطبة في الكلمات القصار في كلمة رقم 191. (مصادر نهج البلاغة 2/323)
«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا، مَعَ كُلِّ جَرْعَة شَرَقٌ، وَفِي كُلِّ أَكْلَة غَصَصٌ! لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلاَ يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ، يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ، إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، وَلاَ تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أَكْلِهِ، إِلاَّ بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ. وَلاَ يَحْيَا لَهُ أَثَرٌ إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ. وَلاَ يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ لَهُ جَدِيدٌ. وَلاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ. وَقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا، فَمَا بَقَاءُ فَرْع بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ!».
—–
الشرح والتفسير
![]() |
![]() |