[171]
131 - شا من كلام أمير المؤمنين صلوات الله [ عليه ] حين دخل البصرة
وجمع أصحابه فحرضهم على الجهاد وكان مما قال :
عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم فإنهم نكثوا
بيعتي وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة وقتلوا
السبابجة ومثلوا بحكيم بن جبلة العبدي وقتلوا رجالا صالحين ثم تتبعوا منهم
من نجى يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية ثم يأتون بهم فيضربون
رقابهم صبرا مالهم قاتلهم الله أنى يؤفكون .
انهدوا إليهم وكونوا أشداء عليهم والقوهم صابرين محتسبين تعلمون أنكم
منازلوهم ومقاتلوهم ولقد وطنتم أنفسكم على الطعن الدعسي ( 1 ) والضرب
الطلحفي ومبارزة الاقران .
وأي امرء أحسن من نفسه رباطة جأش عند اللقاء ورآى من أحد من
___________________________________________________________
131 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الفصل : ( 24 ) مما اختار من كلم أمير المؤمنين عليه
السلام في كتاب الارشاد ، ص 134 ، ط النجف ، وفيه : " ومن كلامه عليه السلام
حين دخل البصرة .
.
فكان مما قال " .
( 1 ) هذا هو الصواب المذكور في طبع النجف من كتاب الارشاد ، وفي ط الكمباني من .
البحار : " على القتل الدعسى ... " .
( * )
[172]
إخوانه فشلا فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء
الله لجعله مثله .
بيان : نهد إلى العدو ينهد بالفتح أي نهض ذكره الجوهري وقال : برح به
الامر تبريحا أي جهده .
وضربه ضربا مبرحا .
وقال : السبابجة قوم من السند
كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن .
والدعسي - بفتح الدال والياء
المشددة - قال في القاموس : الدعس : شدة الوطئ والطعن والطعان .
المداعسة : المطاعنة .
والطلحف بكسر الطاء وفتح اللام وسكون الحاء :
الشديد وسيأتي شرح بعض الفقرات .
132 - قب جمل أنساب الاشراف أنه زحف علي ( عليه السلام ) بالناس
غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين على
ميمنته الاشتر وسعيد بن قيس وعلى ميسرته عمار وشريح بن هانئ وعلى
القلب محمد بن أبي بكر وعدي بن حاتم وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن
عدي وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير وعلى الرجالة أبو
قتادة الانصاري .
وأعطى رايته محمد بن الحنفية أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة
الظهر يدعوهم ويناشدهم ويقول لعائشة : إن الله أمرك أن تقري في بيتك
فاتقي الله وارجعي ويقول لطلحة والزبير خبأتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) واستفززتماها ! ! فيقولان : إنما جئنا للطلب بدم عثمان
وأن يرد الامر شورى .
وألبست عائشة درعا وضربت على هودجها صفائح الحديث وألبس الهودج
___________________________________________________________
132 - رواه محمد بن علي بن شهر آشوب رحمه الله في عنوان " ما ظهر منه عليه السلام في
حرب الجمل " من كتاب مناقب آل أبي طالب : ج 2 ص 339 ط النجف .
( * )
[173]
درعا ، وكان الهودج لواء أهل البصرة وهو على جمل يدعى عسكرا ( 1 )
روى ابن مردويه في كتاب الفضائل من ثمانية طرق أن أمير المؤمنين
( عليه السلام ) قال للزبير : أما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدثني إذ خرج
رسول الله فرآك معي وأنت تتبسم إلي فقال لك : يا زبير أتحب عليا ؟ فقلت :
وكيف لا أحبه وبيني وبينه من النسب والمودة في الله ما ليس لغيره .
فقال :
إنك ستقاتله وأنت ظالم له ! ! فقلت : أعوذ بالله من ذلك .
وقد تظاهرت الروايات أنه قال ( عليه السلام ) إن النبي صلى الله عليه
وآله قال لك : يا زبير تقاتله ظلما وضرب كتفك ؟ ! قال : اللهم نعم .
قال :
أفجئت تقاتلني ؟ فقال : أعوذ بالله من ذلك .
ثم قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : دع هذا بايعتني طائعا ثم جئت
محاربا فما عدا مما بدا ؟ فقال : لا جرم والله لا قاتلتك .
حلية الاولياء قال عبدالرحمان بن أبي ليلى : فلقيه عبدالله ابنه فقال :
جبنا جبنا ؟ ! فقال : يا بني قد علم الناس أني لست بحبان ولكن ذكرني علي
شيئا سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحلفت أن لا أقاتله .
فقال :
دونك غلامك فلان اعتقه كفارة ليمينك .
نزهة الابصار عن ابن مهدي أنه قال همام الثقفي :
أيعتق مكحولا ويعصى نبيه * لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق ( 2 )
لشتان ما بين الضلالة والهدى * وشتان من يعصى الاله ويعتق
___________________________________________________________
( 1 ) من أول الحديث إلى قوله : " وألبس الهودج درعا " ذكره البلاذري في الحديث : ( 269 )
من ترجمة أمير المؤمنين من كتاب أنساب الاشراف : ج 2 ص 239 .
( 2 ) كذا في هامش البحار ، وكتب بعده : " خ ل " .
وفي متن البحار " ثم عرق " .
( * )
[174]
وفي رواية : قالت عائشة : لا والله بل خفت سيوف ابن أبي طالب أما
إنها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد ولئن خفتها فلقد خافها الرجال من
قبلك .
فرجع إلى القتال فقيل لامير المؤمنين ( عليه السلام ) إنه قد رجع فقال :
دعوه فإن الشيخ محمول عليه ثم قال :
أيها الناس غضوا أبصاركم وعضوا على نواجذكم وأكثروا من ذكر ربكم
وإياكم وكثرة الكلام فإنه فشل .
ونظرت عائشة إليه وهو يجول بين الصفين فقالت : أنظروا إليه كان فعله .
فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم بدر أما والله لا ينتظر بك إلا زوال
الشمس .
فقال علي ( عليه السلام ) : يا عائشة عما قليل لتصبحن نادمين .
فجد الناس في القتال فنهاهم أمير المؤمنين وقال : اللهم إني أعذرت
وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين .
ثم أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم " وإن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا فأصلحوا بينهما " .
الآية فقال مسلم المجاشعي : ها أنا ذا فخوفه بقطع
يمينه وشماله وقتله فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله ! !
فأخذه ودعاهم إلى الله فقطعت يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فقطعت فأخذه
بأسنانه فقتل فقالت أمه :
يا رب إن مسلما أتاهم * بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب الله لا يخشاهم * فرملوه رملت لحاهم
فقال ( عليه السلام ) : الآن طاب الضراب .
وقال لمحمد بن الحنفية والراية في يده : يا بني تزول الجبال ولا تزل عض
على ناجذك ، أعر الله جمجمتك تد في الارض قدميك ارم ببصرك أقصى القوم
وغض بصرك واعلم أن النصر من الله .
[175]
ثم صبر سويعة فصاح الناس من كل جانب من وقع النبال فقال عليه السلام :
تقدم يا بني فتقدم وطعن طعنا منكرا وقال :
اطعن بها طعن أبيك تحمد * لا خير في حرب إذا لم توقد
بالمشرفي والقنا المسدد * والضرب بالخطى والمهند
فأمر الاشتر أن يحمل فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل .
وكان زيد يرتجز ويقول :
ديني ديني وبيعي وبيعي .
وجعل مخنف بن سليم يقول :
قد عشت يا نفس وقد غنيت * دهرا وقبل اليوم ما عييت
وبعد ذا لا شك قد فنيت * أما مللت طول ما حييت
فخرج عبدالله بن اليثربي قائلا :
يا رب إني طالب أبا الحسن * ذاك الذي يعرف حقا بالفتن
فبرز إليه علي عليه السلام قائلا :
إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن * فاليوم تلقاه مليا فاعلمن
وضربه ضربة مجزمة [ مجرفة ] .
فخرج بنو ضبة وجعل يقول بعضهم :
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * والموت أحلى عندنا من العسل
ردوا علينا شيخنا بمرتحل * إن عليا بعد من شر النذل
وقال آخر :
نحن بنو ضبة أعداء علي * ذاك الذي يعرف فيهم بالوصي
[176]
وكان عمرو بن اليثربي يقول : إن تنكروني فأنا ابن اليثربي * قاتل علباء وهند الجمل
ثم ابن صوحان على دين علي
فبرز إليه عمار قائلا :
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي * أثبت أقاتلك على دين علي
[ فطعنه ] وأرداه عن فرسه وجر برجله إلى علي فقتله بيده .
فخرج أخوه قائلا :
أضربكم ولو أرى عليا * عممته أبيض مشرفيا
وأسمرا عنطنطا خطيا * أبكى عليه الولد والوليا
فخرج [ إليه ] علي [ عليه السلام ] متنكرا وهو يقول :
يا طالبا في حربه عليا * يمنحه أبيض مشرفيا
أثبت ستلقاه بها مليا * مهذبا سميد عا كميا
فضربه فرمى نصف رأسه .
فناداه عبدالله بن خلف الخزاعي صاحب منزل عائشة بالبصرة أتبارزني ؟
فقال [ علي ] ( عليه السلام ) : ما أكره ذلك ولكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك
في القتل وقد علمت من أنا ؟ فقال : ذرني من بذخك يا ابن أبي طالب ثم
قال :
إن تدن مني يا علي فترا * فإنني دان إليك شبرا
؟ صارم يسقيك كأسا مرا * ها إن في صدري عليك وترا
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 176 سطر 19 الى ص 184 سطر 18
[177]
فبرز علي ( عليه السلام ) قائلا :
يا ذا الذي يطلب مني الوترا * إن كنت تبغي أن تزور القبرا
حقا وتصلى بعد ذاك جمرا * فادن تجدني أسدا هزبرا
أصعطك اليوم زعاقا صبرا
فضربه فطير جمجمته .
فخرج مازن الضبي قائلا :
لا تطمعوا في جمعنا المكلل * الموت دون الجمل المجلل
فبرز إليه عبدالله بن نهشل قائلا :
إن تنكروني فأنا بن نهشل * فارس هيجا وخطيب فيصل
فقتله .
وكان طلحة يحث الناس ويقول : عباد الله الصبر الصبر في كلام له
البلاذري ( 1 ) [ قال : ] إن مروان بن الحكم قال : والله ما أطلب ثاري بعثمان
بعد اليوم أبدا فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته والتفت إلى أبان بن عثمان
وقال : لقد كفيتك أحد قتلة أبيك .
معارف القتيبي أن مروان قتل طلحة يوم الجمل بسهم فأصاب ساقه .
[ وقال السيد ] الحميري :
___________________________________________________________
( 1 ) رواه البلاذري في الحديث : ( 304 ) وما حوله في عنوان : " مقتل طلحة " من ترجمة
أمير المؤمنين من أنسب الاشراف : ج 2 ص 246 ط 1 .
( * )
[178]
واختل من طلحة المزهو جنته * سهم بكف قديم الكفر غدار
في كف مروان مروان اللعين أرى * رهط الملوك ملوك غير أخيار
وله :
واغتر طلحة عند مختلف القنا * عبل الذراع شديد أصل المنكب
فاختل حبة قلبه بمدلق * ريان من دم جوفه المتصبب
في مارقين من الجماعة فارقوا * باب الهدى وحيا الربيع المخصب
وحمل أمير المؤمنين على بني ضبة فما رأيتهم إلا كرماد اشتدت به الريح
في يوم عاصف .
فانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز وجز رأسه وأتى به إلى أمير المؤمنين
( عليه السلام ) القصة .
قال [ السيد اسماعيل ] الحميري ( 1 ) :
أما الزبير فحاص حين بدت له * جاؤا ببرق في الحديد الاشهب
حتى إذا أمن الحتوف وتحته * عارى النواهق ذو نجاء صهلب
أثوى ابن جرموز عمير شلوه * بالقاع منعفرا كشلو التولب
وقال غيره .
طار الزبير على إحصار ذي خضل * عبل الشوى لا حق المتنين محصار
حتى أتى واديا لاقى الحمام به * من كف محتبس كالصيد مغوار
فقالوا : يا عائشة قتل طلحة والزبير وجرح عبدالله بن عامر [ كذا ] من
يدي علي فصالحي عليا .
___________________________________________________________
( 1 ) من قوله : " قال الحميري - إلى قوله - فقالوا : يا عائشة قتل طلحة " مأخوذ من كتاب
المناقب وقد سقط عن طبع الكمباني من بحار الانوار .
( * )
[179]
فقالت : كبر عمرو عن الطوق وجل أمر عن العتاب ثم تقدمت .
فحزن علي ( عليه السلام ) وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون فجعل يخرج
واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتى قتل [ قطع " خ ل " ] ثمان وتسعون رجلا .
ثم تقدمهم كعب بن سور الازدي وهو يقول :
يا معشر الناس عليكم أمكم * فإنها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى التى تعمكم * لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الاشتر
فخرج ابن جفير الازدي يقول :
قد وقع الامر بما ولم يحذر * والنبل يأخذن وراء العسكر
وأمنا في خدرها المشمر
فبرز إليه الاشتر قائلا :
اسمع ولا تعجل جواب الاشتر * واقرب تلاق كأس موت أحمر
ينسيك ذكر الجمل المشمر
فقتله ثم قتل عمر الغنوي وعبدالله بن عتاب بن أسيد ثم جال في
الميدان جولا وهو يقول :
نحن بنو الموت به غذينا
فخرج إليه عبدالله بن الزبير فطعنه الاشتر وأرداه وجلس على صدره
ليقتله فصاح عبدالله : اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معى فقصد إليه من كل
جانب فخلاه وركب فرسه فلما رأوه راكبا تفرقوا عنه .
وشد رجل من الازد على محمد بن الحنفية وهو يقول : يا معشر الازد كروا
فضربه ابن الحنفية فقطع يده فقال : يا معشر الازد فروا ! ! !
[180]
فخرج الاسود بن البختري السلمي قائلا :
ارحم إلهي الكل من سليم * وانظر إليه نظرة الرحيم
فقتله عمرو بن الحمق .
فخرج جابر الازدي قائلا :
يا ليت أهلي من عمار حاضري * من سادة الازد وكانوا ناصري
فقتله محمد بن أبي بكر .
وخرج عوف القيني قائلا :
يا أم يا أم خلا مني الوطن * لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن
فقتله محمد بن الحنفية .
فخرج بشر الضبي قائلا :
ضبة أبدى للعراق عمعمة * وأضرمي الحرب العوان المضرمة
فقتله عمار .
وكانت عائشة تنادي بأرفع صوت أيها الناس عليكم بالصبر فإنما يصبر
الاحرار .
فأجابها كوفي :
يا أم يا أم عققت فاعلموا * والام تغذوا ولدها وترحم
أما ترى كم من شجاع يكلم * وتجتلي هامته والمعصم
وقال آخر :
قلت لها وهي على مهوات * إن لنا سواك أمهات
في مسجد الرسول ثاويات