[191]
فثنى علي عنان فرسه إليه فبدره ابن خلف بضربة فأخذها علي في جحفته ثم
عطف عليه بضربة أطار بها يمينه ثم ثنى بأخرى أطار بها قحف رأسه واستعر
الحرب حتى عقر الجمل فسقط وقد احمرت البيداء بالدماء وخذل الجمل
وحزبه ، وقامت النوادب بالبصرة على القتلى .
وكان عدة من قتل من جند الجمل ستة عشر ألفا وسبعمائة وتسعين
إنسانا وكانوا ثلاثين ألفا فأتى القتل على أكثر من نصفهم وقتل من أصحاب
علي عليه السلام ألف وسبعون رجلا وكانوا عشرين ألفا .
وكان محمد بن طلحة المعروف بالسجاد قد خرج مع أبيه وأوصى علي
( عليه السلام ) أن لا يقتله من عسامه أن يظفر به وكان شعار أصحاب علي
( عليه السلام ) " حم " فلقيه شريح بن أوفى العبسي من أصحاب عليه ( عليه
السلام ) فطعنه فقال : " حم " وقد سبق - كما قيل - السيف العذل فأتى على
نفسه وقال شريح هذا :
وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الاذى فيما ترى العين مسلم
شككت بصدر الرمح حبيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم
على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لم يتبع الح ؟ ؟ يندم
يذكرني " حم " والرمح شاجر * فهلا تلا " حم " قبل التقدم
وجاء علي حتى وقف عليه وقال : هذا رجل قتله بره بأبيه .
وكان مالك الاشتر قد لقي عبدالله بن الزبير في المعركة ووقع عبدالله
إلى الارض والاشتر فوقه فكان ينادي : اقتلوني ومالكا .
فلم ينتبه أحد من
أصحاب الجمل لذلك ولو علموا أنه الاشتر لقتلوه ثم أفلت عبدالله من يده
وهرب .
فلما وضعت الحرب أوزارها ودخلت عائشة إلى البصرة دخل عليها
عمار بن ياسر ومعه الاشتر فقالت : من معك يا أبا اليقظان ؟ فقال : مالك
الاشتر .
فقالت : أنت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخا
كبيرا وطاويا لقتلته وأرحت المسلمين منه .
قالت : أو ما سمعت قول النبي
[192]
( صلى الله عليه وآله ) : إن المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد إيمان أو زنى بعد
إحصان أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟ فقال : يا أم المؤمنين على أحد
الثلاثة قاتلناه ثم أنشد :
أعائش لولا أنني كنت طاويا * ثلاثا لالفيت ابن اختك هالكا
عشية يدعو والرجال تجوزه * بأضعف صوت اقتلوني ومالكا
فلم يعرفوه إذ دعاهم وعمه * خدب عليه في العجاجة باركا
فنجاه منى أكله وشبابه * وإنى شيخ لم أكن متماسكا
بيان الحاسر الذي لا مغفر عليه ولا درع ذكره الجوهري وقال : رجل
مدجج ومدجج أي شاك في السلاح تقول : متنه مدجج في شكته أي دخل في
سلاحه .
وقال : الزهو : الكبر والفخر .
قوله : " وقد سبق كما قيل " قوله كما قيل
معترضة بين المثل ، وأصل المثل " سبق السيف العذل " والعذل بالتحريك :
الملامة .
قال الميداني : قاله ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر لما لامه
الناس على قتله قاتل ابنه في الحرم وذكر لذلك قصة طويلة .
وقال الزمخشري يضرب في الامر الذي لا يقدر على رده قال جريرة .
تكلفني رد الغرايب بعدما * سبقن كسبق السيف ما قال عاذلة .
وشجرة بالرمح : طعنه .
قوله : قتله بره أي لم يكن يرى الخروج جائزا لكن
خرج لطاعة أبيه فقتل مع أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 192 سطر 19 الى ص 200 سطر 18
قوله : " وعمه " يعني نفسه و " رجل خدب " بكسر الخاء وفتح الدال
وتشديد الباء أي ضخم .
[193]
141 - فر جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن جابر بن عبدالله
الانصاري رضي الله عنه قال : أخبر جبرئيل النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن
أمتك سيختلفون من بعدك فأوحى الله إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) " وقل
رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين " قال أصحاب
الجمل قال : فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأنزل الله عليه * ( وإنا على أن
نريك ما نعدهم لقادرن ) * قال : فلما نزلت هذه الآية جعل النبي ( صلى الله
عليه وآله ) لا يشك أنه سيرى ذلك .
قال جابر بينهما أنا جالس إلى جنب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو بمعنى
يخطب الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس أليس قد
بلغتكم ؟ قالوا : بلى فقال : ألا لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم
رقاب بعض أما لئن فعلتم ذلك لتعرفنني في كتيبة أضرب وجوهكم فيها
بالسيف فكأنه غمز من خلفه فالتفت ثم أقبل علينا محمد فقال : أو على بن أبي
طالب ( عليه السلام ) فأنزل الله تعالى " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو
نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون " وهي واقعة الجمل .
142 - كا علي عن أبيه عن ابن محبوب رفعه أن أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) خطب يوم الجمل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إني أتيت هؤلاء القوم ودعوتهم واحتججت عليهم فدعوني إلى
أن أصبر للجلاد وأبرز للطعان .
فلامهم الهبل وقد كنت وما أهدد بالحرب ولا
___________________________________________________________
141 - رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في الحديث : ( 353 ) في آخر تفسير سورة الحج من
تفسيره ص 101 ، ط النجف .
ورواه عنه الحسكاني مع أحاديث أخر في معناه - في تفسير الآية : ( 93 ) من سورة
" المؤمنون " في الحديث : ( 562 ) من شواهد التنزيل ج 1 ، ص 405 ط 1 .
142 - رواه ثقة الاسلام الكليني في الحديث ( 4 ) من الباب : ( 25 ) من كتاب الجهاد من
الكافي : ج 5 ص 53 ، وله مصادر أخر .
( * )
[194]
أرهب بالضرب أنصف القارة من راماها فلغيري فليبرقوا وليرعدوا فأنا أبو
الحسن الذي فللت حدهم وفرقت جماعتهم وبذلك القلب ألقى عدوي وأنا
على ما وعدني ربي من النصر والتأييد والظفر وإنى لعلى يقين من ربي وغير شبهة
من أمرى .
أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب ليس عن الموت
محيص ومن لم يقتل يمت ( 1 ) وإن أفضل الموت القتل والذي نفسي بيده لالف
ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على فراشي .
واعجبا لطلحة ألب الناس على ابن عفان حتى إذا قتل أعطاني صفقته
بيمينه طائعا ثم نكث بيعتي اللهم خذه ولا تمهله وإن الزبير نكث بيعتي وقطع
رحمي وظاهر علي عدوي فاكفينه اليوم بما شئت .
143 - مد صحيح البخارى بإسناده إلى الحسن بن أبي بكرة قال : لقد
نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله أن فارسا
ملكوا ابنة كسرى فقال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة .
وبإسناده أيضا عن عبدالله بن زياد الاسدي قال : لما سار طلحة والزبير
وعائشة بعث علي ( عليه السلام ) إلى عمار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا
الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من
___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الصواب ، وفي أصلي : " ومن لا يمت يقتل ... " .
143 - رواه يحيى بن الحسن بن البطريق في الحديث : ( 900 ) وما بعده قبيل آخر كتاب
العمدة - بقليل - ص أو الورق 236 / أ .
ورواه أيضا ابن أبي الجديد من دون ذكر مصدر للحديث في شرح المختار : ( 79 )
من نهج البلاغة : ج 2 ص 416 ط الحديث ببيروت .
ورواه أيضا الحاكم النيسابوري بسند آخر في أواسط كتاب الفتن والملاحم من
كتاب المستدرك : ج 4 ص 524 .
والحديث رواه البخاري في كتاب الفتن من صحيحه : ج 9 ص 70 .
( * )
[195]
الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول : إن عائشة سارت إلى البصر والله
إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخرة ولكن الله عزوجل
ابتلاكم [ بها ] ليعلم إياه تطيعون أم هي .
وبإسناده عن حذيفة اليمان رضي الله عنه قال : إن المنافقين اليوم شر
منهم على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكانوا يومئذ يسرون واليوم
يجهرون ( 1 ) .
144 - نهج من كلامه عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية
يوم الجمل : تزول الجبال ولا تزل عض على ناجذك ، أعر لله جمجمتك ، تد
في الارض قدمك ، ارم ببصرك أقصى القوم ، وغض بصرك واعلم أن النصر
من عند الله سبحانه .
بيان قوله ( عليه السلام ) " تزول الجبال " خبر فيه الشرط فالمعنى إن
زالت الجبال فلا تزل .
والنواجذ .
أقصى الاضراس وقيل الاضراس كلها .
والعض على الناجذ يستلزم أمرين :
أحدهما رفع الرعدة والاضطراب في حال الخوف كما يشاهد ذلك في حال
البرد .
وثانيها أن الضرب في الرأس لا يؤثر مع ذلك كما ذكر عليه السلام في
موضع آخر [ وقال : ] " وعضوا على النواجذ فإنه أنبا للسيوف عن الهام "
فيحتمل أن يراد به شدة الحنق والغيظ .
قوله : " أعر الله " أمر من الاعارة أي ابذلها في طاعة الله .
والجمجمة :
عظم الرأس المشتمل على الدماغ .
___________________________________________________________
( 1 ) والحديث رواه أيضا الحاكم .
144 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 10 ) من نهج البلاغة .
( * )
[196]
قيل : [ وفي ] ذلك اشعار بأنه لا يقتل في ذلك الحرب لان العارية مردودة
بخلاف ما لو قال : " بع الله جمجمتك " .
وهذا الوجه وإن كان لطيفا لك الظاهر أن إطلاق الاعارة باعتبار الحياة
عند ربهم وفي جنة النعيم .
قوله ( عليه السلام ) : " تد " أي أثبتها في الارض كالوتد .
قوله ( عليه
السلام ) : " ارم ببصرك " أي اجعل سطح نظرك أقصى القوم ولا تقصر نظرك
على الاداني واحمل عليهم فإذا حملت عزمت فلا تنظر إلى شوكتهم وسلاحهم
ولا تبال ما أمامك .
قوله ( عليه السلام ) : " وغض بصرك " أي عن بريق السيوف ولمعانها لئلا
يحصل خوف بسببه .
145 - ما : ابن الصلت عن ابن عقدة عن محمد بن جبارة عن سعاد بن
سلمان عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمان بن أبي ليلى قال : شهد مع علي
( عليه السلام ) يوم الجمل ثمانون من أهل بدر وألف وخمسمائة من أصحاب
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
146 - الكافية لابطال توبة الخاطئة : عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي
جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) أن أمير المؤمنين واقف طلحة والزبير في يوم
الجمل وخاطبهما فقال في كلامه لهما : لقد علم المستحفظون من آل محمد - وفي
حديث آخر : من أصحاب عائشة ابنة أبي بكر وها هي ذه فاسألوها - أن
أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد خاب من
افترى .
___________________________________________________________
145 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه في المجلس : ( 26 ) من المجلد الثاني من أماليه
ص 90 ط 1 ، وللكلام شواهد ذكرناه في تعليق المختار : ( 175 ) من كتاب نهج
السعادة : ج 2 ص 91 ط 1 .
146 - ما ظفرنا على مخطوطة هذا الكتاب .
( * )
[197]
فقال له طلحة : سبحان الله تزعم أنا ملعونون وقد قال رسول الله ( صلى
الله عليه ) : عشرة من أصحابي في الجنة .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
هذا حديث سعيد بن زيد بن نفيل في ولاية عثمان سموا إلى العشرة ؟ قال :
قسموا تسعة وأمسكوا عن احد فقال لهم : فمن العاشر ؟ قالوا : أنت قال :
الله أكبر أما أنتم فقد شهدتهم لي أني من أهل الجنة وأنا بما قلتما من الكافرين
والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لعهد النبي الامي ( صلى الله عليه وآله ) الي
أن في جهنم جبا فيه ستة من الاولين وستة من الآخرين على رأس ذلك الجب
صخرة إذا أراد الله تعالى أن يسعر جهنم على اهلها أمر بتلك الصخرة فرفعت إن
فيهم أو معهم لنفرا ممن ذكرتم وإلا فأظفركم الله بي وإلا فأظفرني الله بكما
وقتلكما بمن قتلتما من شيعتي .
147 - ج : عن سليم بن قيس الهلالي قال : لما التقى أمير المؤمنين أهل
البصرة يوم الجمل نادى الزبير يا أبا عبدالله اخرج إلي فخرج الزبير ومعه
طلحة فقال : والله إنكما لتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي
بكر أن أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله ) وقد
خاب من افترى .
قال الزبير : كيف نكون ملعونين ونحن أهل الجنة ! ! فقال علي ( عليه
السلام ) : لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم .
فقال له الزبير :
أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي أنه سمع رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) يقول : عشرة من قريش في الجنة قال علي ( عليه
السلام ) : سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته .
فقال الزبير : أفتراه يكذب
على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقال علي ( عليه السلام ) : لست أخبرك
بشئ حتى تسميهم .
قال الزبير : أبوبكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد -
الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبوعبيدة بن الجراح وسعيد بن
___________________________________________________________
147 - رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج : ج 1 ، ص 162 .
( * )
[198]
عمرو بن نفيل .
فقال له علي ( عليه السلام ) : عددت تسعة فمن العاشر ؟
قال : أنت .
قال له علي ( عليه السلام ) : قد أقررت بالجنة وأما ما ادعيت
لنفسك وأصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين .
قال الزبير : أفتراه كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قال : ما
أراه كذب ولكنه والله اليقين ووالله إن بعض من ذكرت لفي تابوت في شعب
في جب في أسفل درك من جهنم على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر
جهنم رفع تلك الصخرة سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا
أظفرك الله بي وسفك دمي على يديدك وإلا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك
وعجل أرواحكم إلى النار .
فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي .
148 - ج روى نصر بن مزاحم أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين رفع
القتال وقتل طلحة تقدم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله الشهباء بين
الصفين فدعا الزبير فدنا إليه حتى اختلف أعناق دابتيهما فقال : يا زبير أنشدك
بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنك ستقاتل عليا وأنت له
ظالم ؟ قال : اللهم نعم .
قال : فلم جئت ؟ قال : جئت لاصلح بين الناس
فأدبر الزبير وهو يقول : .
ترك الامور التي تخشى عواقبها * لله أجمل في الدنيا وفي الدين
نادى علي بأمر لست أذكره * إذ كان عمر أبيك الخير مذحين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن * فبعض ما قتله ذا اليوم يكفيني
فاخترت عارا على نار مؤججة * ما إن يوم لها خلق من الطين
أخاك طلحة وسط القوم منجدلا * ركن الضعيف ومأوى كل مسكين
قد كنت أنصر أحيانا وينصرني * في النائبات ويرمي من يراميني
حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره * فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني
قال : فأقبل الزبير على عائشة فقال : يا أمة والله ما لي في هذا بصيرة وأنا
منصرف .
قالت عائشة : أبا عبدالله أفررت من سيوف ابن أبي طالب فقال
إنها والله طوال حداد تحملها فتية أنجاد .
[199]
ثم خرج [ الزبير ] راجعا فمر بوادي السباع وفيه الاحنف بن قيس قد
اعتزل في بني تميم فأخبر الاحنف بإنصرافه فقال : ما أصنع به إن كان الزبير
لف بين غارين ( 1 ) من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثم هو يريد اللحاق بأهله
فسمعه ابن جرموز فخرج هو ورجلان معه وقد كان لحق بالزبير رجل من
كلب ومعه غلامه فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير حرك الرجلان
رواحلهما وخلفا الزبير وحده فقال لهما الزبير : ما لكما ؟ هم ثلاثة ونحن ثلاثة .
فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير : إليك عني فقال ابن جرموز : يا أبا
عبدالله إنني جئتك أسألك عن أمور الناس ؟ قال : تركت الناس على الركب
يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف .
قال ابن جرموز : يا أبا عبدالله أخبرني
عن أشياء أسألك عنها .
قال : هات .
قال : أخبرني عن خذلك عثمان وعن
بيعتك عليا وعن نقضك بيعته وعن إخراجك أم المؤمنين وعن صلاتك خلف
ابنك وعن هذه الحرب الذي جنيتها وعن لحوقك بأهلك ؟
قال : أما خذلي عثمان فأمر قدم الله فيه الخطيئة وأخر فيه التوبة .
وأما بيعتي عليا فلم أجد منها بدا إذ بايعه المهاجرون والانصار .
وأما نقضي بيعته فإنما بايعته بيدي دون قلبي .
وأما إخراجي أم المؤمنين فأردنا أمرا وأراد الله غيره .
وأما صلاتي خلف ابني فإن خالته قدمته .
فتنحى ابن جرموز وقال قتلني الله ن لم أقتلك .
توضيح : قال [ إبن الاثير ] في [ مادة عور من كتاب ] النهاية في حديث علي
( عليه السلام ) يوم الجمل : " ما ظنك بامرء مع بين هذين الغارين " أي
___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الصواب ، وفي الاصل : " كف " .
( * )
[200]
الجيشين .
والغار : الجماعة هكذا أخرجه أبوموسى في الغين والواو ، وذكره
الهروي في الغين والياء وقال : ومنه حديث الاحنف قال في الزبير منصرفة من
الجمل : ما أصنع به إن كان جمع بين غارين ثم تركهم .
والجوهري ذكره في الواو ، والواو الياء متقاربان في الانقلاب .
149 - ج روي أنه جئ إلى أمير المؤمين برأس الزبير وسيفه فتناول
سيفه وقال : طال ما جلى به الكرب عن وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
ولكن الحين ومصارع السوء .
بين الحين بالفتح الهلاك : أي الهلاك المعنوي أو أجل اموت .
150 - ج روي أنه عليه السلام لما مر على طلحة بين القتلى قال : أقعدوه .
فأقعد
فقال : إنه كانت لك سابقة لكن الشيطان ذخل منخريك فأوردك النار .
151 - ج روي أنه مر عليه فقال : هذا الناكث بيعتي والمنشئ للفتنة في
الامة والمجلب علي والداعي إلى قتلي وقتل عترتي اجلسوا طلحة فأجلس فقال
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا طلحة بن عبيدالله لقد وجدت ما وعدني ربي
حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثم قال اضجعوا طلحة وسار .
فقال بعض من كان معه .
يا أمير المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله ؟ فقال :
أما والله لقد سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله
عليه وآله يوم بدر .
وهكذا فعل ( عليه السلام ) بكعب بن سور لما مر به قتيلا وقال : هذا
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 200 سطر 19 الى ص 208 سطر 18
الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنه ناصر أمه يدعو الناس إلى ما فيه
وهو لا يعلم ما فيه ثم استفتح " وخاب كل جبار عنيد " أما إنه دعا الله أن
يقتلني فقتله الله .
___________________________________________________________
149 - 151 - رواها الطبرسي في عنوان : " احتجاج أمير المؤمنين على الزبير ... وطلحة "
من كتاب الاحتجاج : ج 1 ، ص 162 ط بيروت .
( * )