[231]
المهتدون ، وقضى أن نقمته وسطواته وعقابه على أهل معصيته من خلقه ،
وبعد الهدى والبينات ما ضل الضالون فما ظنكم يا أهل البصرة وقد نكثتم
بيعتي وظاهرتم على عدوي ؟ !
فقام إليه رجل فقال : نظن خيرا ونراك قد ظهرت وقدرت فإن عاقبت
فقد اجترمنا ذلك ، وإن عفوت فالعفو أحب إلى الله تعالى .
فقال : قد عفوت عنكم فإياكم والفتنة فإنكم أول الرعية نكث البيعة
وشق عصا هذه الامة .
قال : ثم جلس للناس فبايعوه ، ثم كتب ( عليه السلام ) بالفتح إلى أهل
الكوفة :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى
أهل الكوفة سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فإن الله حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا
أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ومالهم من دونه من وال .
أخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة ومن تأشب إليهم من
قريش وغيرهم من طلحة والزبير ونكثهم صفقة أيمانهم فنهضت من المدينة
حين انتهى إلي خبر من سار إليها وجماعتهم وما فعلوا بعاملي عثمان بن حنيف
حتى قدمت .
ذاقار فبعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر وقيس بن سعد
فاستنفرتكم بحق الله وحق رسوله وحقي قأقبل إلي إخوانكم سراعا حتى قدموا
علي فسرت بهم حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء قمت بالحجة وأقلت
العثرة والزلة من أهل الردة من قريش وغيره واستتبتهم من نكثهم بيعتي
وعهد الله عليهم ، فأبوا إلى قتالي وقتال من معي والتمادي في الغي فناهضتهم
بالجهاد فقتل الله من قتل منهم ناكثا وولى من ولى إلى مصرهم وقتل طلحة
والزبير على نكثهما وشقاقهما .
وكانت المرأة عليهم وأشأم من ناقة الحجر فخذلوا وأدبروا وتقطعت بهم
[232]
الاسباب فلما رأوا ما حل بهم سألوني العفو عنهم فقبلت منهم وغمدت السيف
عنهم وأجريت الحق والسنة فيهم واستعملت عبدالله بن العباس على البصرة
وأنا سائر إلى الكوفة إنشاء الله تعالى :
وقد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعفي لتسائلوه فيخبركم عنا وعنهم
وردهم الحق علينا ورد الله لهم وهم كارهون والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته .
توضيح : كلمة ما في قوله ( عليه السلام ) : " ما ضل " زائدة أو مصدرية
والاول أظهر .
" وشق العصا " مثل يضرب لتفريق الجماعة وأصله من أن
الاعرابيين إذا [ إجتمعا ] كانت لهما عصا واحدة فإذا تفرقا شقا العصا وأخذ كل
منهما شقا منها .
وقال الجوهري : تأشب القوم : اختلطوا .
وائتشبوا أيضا يقال : جاء فلان
فيمن تأشب إليه أي انضم إليه .
وقال : ناهضته أي قاومته .
وتناهض القوم
في الحرب إذا نهض كل فريق إلى صاحبه .
وقال .
فولى عنه أي أعرض وولى
هاربا أي أدبر .
والحجر بالكسر : منازل ثمود .
قال تعالى : * ( كذب أصحاب
الحجر المرسلين ) * .
183 - شي عن الحسن البصري قال : خطبنا علي بن أبي طالب ( عليه
السلام ) على هذا المنبر وذلك بعدما فرغ من أمر طلحة والزبير وعائشة صعد
المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 232 سطر 19 الى ص 240 سطر 18
قال :
___________________________________________________________
183 - رواه العياشي مع الحديثين التاليين في تفسير الآية : ( 12 ) من سورة التوبة من
تفسيره .
ورواها البحراني مع أحاديث أخر عنه وعن غيره في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان :
ج 2 ص 107 ، ط 3 .
( * )
[233]
أيها الناس والله ما قاتلت هؤلاء بالامس إلا بآية تركتها في كتاب الله إن
الله يقول : * ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة
الكفر إنم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) * أما والله لقد عهد إلي رسول الله صلى
الله عليه وآله وقال لي : يا علي لتقاتلن الفئة الباغية والفئة الناكثة والفئة
المارقة .
184 - شي عن الشعبي قال : قرأ عبدالله * ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد
عهدهم ) * إلى آخر الآية ثم قال : ما قوتل أهلها بعد .
فلما كان يوم الجمل .
قرأها علي ( عليه السلام ) ثم قال : ما قوتل أهلها
منذ يوم نزلت حتى كان اليوم .
185 - شي عن أبي عثمان مولى بني أقصى قال : سمعت عليا ( عليه
السلام ) يقول : عذرني الله من طلحة والزبير ( 1 ) بايعاني طائعين غير مكرهين ثم
نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته والله ما قوتل أهل هذه الآية مذ نزلت حتى
قاتلتهم * ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم ) * الآية .
186 - كا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن
محبوب عن محمد بن نعمان أبوجعفر الاحول عن سلام بن المستنير عن أبي
جعفر ( عليه السلام ) قال : إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما انقضت القصة
فيما بينه وبين طلحة والزبير وعائشة بالبصرة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) ثم قال :
أيها الناس إن الدنيا حلوة خضرة تفتن الناس بالشهوات وتزين لهم
___________________________________________________________
( 1 ) كذا .
186 - رواه ثقة الاسلام الكليني في الحديث : ( 368 ) من كتاب الروضة من الكافي : ج 8
ص 256 .
( * )
[234]
بعاجلها وأيم الله إنها لتغر من أملها ، وتخلف من رجاها ، وستورث غدا أقواما
الندامة والحسرة بإقبالهم عليها وتنافسهم فيها وحسدهم وبغيهم على أهل
الدين والفضل فيها ظلما وعدوانا وبغيا وأشرا وبطرا .
وبالله إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنيا
ولا دائم تقوى في طاعة الله والشكر لنعمه فأزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير
من أنفسهم وتحويل عن طاعة الله والحادث من ذنوبهم وقلة محافظة وترك
مراقبة الله عزوجل وتهاون بشكر نعم الله لان الله عزوجل يقول : * ( إن الله
لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له
ومالهم من دونه من وال ) * .
ولو أن أهل المعاصي وكسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعم الله
وحلول نقمته وتحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت
أيديهم فأقلعوا وتابوا وفزعوا إلى الله جل ذكره بصدق من نياتهم وإقرار منهم
بذنوبهم وإساءتهم لصفح لهم عن كل ذنب وإذا لاقالهم كل عثرة ولرد عليهم
كل كرامة نعمة ثم أعاد لهم من صالح أمرهم ومما كان أنعم به عليهم كلما
زال عنهم وأفسد عليهم .
فاتقوا الله أيها الناس حق تقاته واستشعروا خوف الله عز ذكره وأخلصوا
النفس وتوبوا إليه من قبيح ما استنفركم الشيطان من قتال ولي الامر وأهل
العلم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) وما تعاونتم عليه من
تفريق الجماعة وتشتت الامر وفساد صلاح ذات البين إن الله عزوجل يقبل
التوبة ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون .
187 - نهج [ و ] من كلام له ( عليه السلام ) قاله لمروان بن الحكم
بالبصرة .
___________________________________________________________
187 - رواه السيد الرضي رضي الله عنه في المختار : ( 71 ) من كتاب نهج البلاغة .
( * )
[235]
قالوا : أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل فاستشفع بالحسن والحسين
إلى أمير المؤمنين عليهما السلام فكلماه فيه فخلى سبيله فقالا له : يبايعك يا أمير
المؤمنين فقال ( عليه السلام ) : أو لم يبايعني بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في
بيعته إنها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته أما إن له إمرة كلعقة الكلب
أنفه وهو أبوالاكبش الاربعة وستلقى الامة منه ومن ولده يوما أحمر .
إيضاح : الحكم بن أبي العاس أبومروان هو الذي طرده رسول الله
( صلى الله عليه وآله وسلم ) وآواه عثمان كما مر .
والضمير في " إنها " يعود إلى
الكف المفهوم من البيعة لجريان العادة بأن يضع المبايع كفه في كف المبتاع
والنسبة إلى اليهود لشيوع العذر فيهم .
والسبة بالفتح : الاست أي لو بايع في
الظاهر لغدر في الباطن .
وذكر السبة إهانة له .
والامرة بالكسر مصدر
كالامارة .
وقيل : اسم .
ولعقه - كسمعه - : لحسه .
والغرض قصر مدة إمارته
وكانت تسعة أشهر .
وقيل : ستة أشهر .
وقيل : أربعة أشهر وعشرة أيام .
والكبش - بالفتح - : الحمل إذا خرجت رباعيته .
وكبش القوم :
رئيسهم .
وفسر الاكثر الكبش ببني عبدالملك : الوليد وسليمان ويزيد وهشام ،
ولم يل الخلافة من بني أمية ولا من غيرهم أربعة إخوة إلا هؤلاء .
وقيل : هم
بنو مروان لصلبه عبدالملك الذي ولي الخلافة وعبدالعزيز الذي ولي مصر
وبشر الذي ولي العراق ومحمد الذي ولي الجزيرة ولكل منهم آثار مشهورة .
والولد بالتحريك مفرد وجمع .
واليوم الاحمر : الشديد .
وفي بعض النسخ :
" موتا أحمر " وهو كناية عن القتل .
188 - ما بإسناده قال : خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالبصرة فقال :
___________________________________________________________
188 - رواه الشيخ الطوسي قدس الله نفسه في الحديث ( 6 ) من المجلس : ( 22 ) من
أماليه : ج 2 ص 78 ط 1 .
( * )
[236]
يا جند المرأة ويا أصحاب البهيمة رغا فأجبتم وعقر فانهزمتم الله أمركم
بجهادي ؟ أم على الله تفترون ؟
ثم قال : يا بصرة أي يوم لك لو تعلمين وأي قوم لك لو تعلمين إن لك
من الماء يوما عظيما بلاؤه .
وذكر كلاما كثيرا .
189 - نهج [ و ] من كلام له ( عليه السلام ) : أنتم الانصار على الحق
والاخوان في الدين والجنن يوم البأس والبطانة دون الناس بكم أضرب المدبر
وأرجو طاعة المقبل فأعينوني بمنا صحة خلية من الغش سليمة من الريب
فو الله إني لاولى الناس بالناس .
بيان قال ابن أبي الحديد : قاله للانصار بعد فراغه من حرب الجمل
ذكره المدايني والواقدي في كتابيهما ( 1 ) .
وبطانة الرجل : خاصته وأصحاب سره .
والمدبر : من أدبر وأعرض عن
الحق .
قوله ( عليه السلام ) " وأرجو ... " أي من أقبل إلي إذا رأى أخلاقكم
الحميدة أطاعني بصميم قلبه ويمكن أن يراد بالمقبل من كان من شأنه الاقبال
والطاعة .
190 - شا من كلامه ( عليه السلام ) حين قتل طلحة وانفض [ جمع ] أهل
البصرة :
___________________________________________________________
189 - رواه السيد الرضي في المختار : ( 116 ) من نهج البلاغة وما ذكره المصنف في ذيل
الكلام عن ابن أبي الحديد ، ذكره ابن أبي الحديد في ذيل هذا الكلام من شرحه : ج 2
ص 779 .
( 1 ) كتب في هامش الاصل المطبوع بأن ها هنا كان في النسخة بياضا .
190 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الفصل : ( 25 ) مما اختار من كلام أمير المؤمنين عليه
السلام من كتاب الارشاد ، ص 135 .
( * )
[237]
بنا تسنمتم الشرف وبنا انفجرتم عن السرار وبنا اهتديتم في الظلماء .
وقر سمع لم يفقه الواعية [ و ] كيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة ربط
جنان لم يفارقه الخفقان .
[ و ] ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر وأتوسمكم بحلية المغترين سترني
عنكم جلباب الدين وبصرنيكم صدق النية أقمت لكم الحق حيث تعرفون
ولا دليل وتحتفرون ولا تميهون .
اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان عزب فهم امرئ تخلف عني ما
شككت في الحق منذ رأيته .
كان بنوا يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا أباهم وباعوا أخاهم
وبعد الاقرار كان توبتهم وباستغفار أبيهم وأخيهم غفر لهم .
بيان [ هذا الكلام ] رواه [ السيد الرضي ] في النهج بأدنى تغيير وأوله :
" بنا اهتديتم في الظلماء وتسنمتم العلياء وبنا انفجرتم عن السرار وقر
سمع .
- إلى قوله - أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة حيث تلتقون ولا
دليل - إلى قوله - : ما شككت في الحق مذ رأيته لم يوجس موسى خيفة على
نفسه أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال .
اليوم تواقفنا على سبيل الحق والباطل من وثق بماء لم يظمأ ( 1 ) .
قوله
" وتسنمتم العليا " أي ركبتم سنامها .
وسنام كل شئ : أعلاه أي بتلك
الهداية على قدركم " وبنا انفجرتم " وروي " أفجرتم " .
___________________________________________________________
( 1 ) رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار الرابع من نهج البلاغة .
( * )
[238]
قال ابن أبي الحديد : هو نحو أغد البعير أي صرتم ذوي فجر ، وعن
للمجاوزة أي متنقلين عن السرار ، والسرار : الليلة والليلتان يستر فيهما القمر
في آخر الشهر .
أقول : وعلى الرواية الاخرى لعل المعنى انفجرتم انفجار العين من
الارض أو الصبح من الليل .
" وقر سمع " دعاء على السمع الذي لم يفقه
كلام الداعي إلى الله بالثقل والصمم " كيف يراعى النبأة " أي من أصمته
الصيحة القوية فإنه لم يسمع الصوت الضعيف والمعنى من لم ينتفع بالمواعظ
الجلية كيف ينتفع بالعبر الضعيفة ولعله كناية عن ضعف دعائه بالنسبة إلى
دعاء الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) .
" ربط جنان " دعاء للقلوب الخائفة الوجلة التي لا تزال تخفق من خشية
الله والاشفاق من عذابه بالسكينة والثبات والاطمئنان والتقدير : ربط جنان
نفسه .
ومن روى بضم الراء فالمعنى : ربط الله جنانا كانت كذلك وهو أظهر .
والخفقان بالتحريك : التحرك والاضطراب " ما زلت أنتظر بكم "
الخطاب لبقية أصحاب الجمل أو مع المقتولين أو الاخير فقط .
وإضافة " عواقب الغدر " بياينة أو لامية .
والتوسم : التفرس أي كنت
أتفرس منكم أنكم ستغترون بالشبه الباطلة .
" سترني عنكم جلباب الدين " أي الدين حال بيني وبينكم فلم تعرفوا ما
أقوى عليه من الغلظة عليكم وقتلكم وسترني من عين قلوبكم ما وقفني عليه
الدين من الرفق والشفقة وسحب ذيل العفو على الجرائم .
ويحتمل أن يكون المعنى إظهاركم شعار الاسلام عصمكم مني مع علمي
بنفاقكم فأجريتم مجرى المخلصين وهذا أنسب بما رواه بعضهم " ستركم
عني " .
" وبصرنيكم صدق النية " أي جعلني بصيرا بكم إخلاصي لله تعالى
وبه صارت مرآة نفسي صافية كما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : المؤمن
ينظر بنور الله .
ذكره ابن ميثم والراوندي .
[239]
ويحتمل أن يكون المردا بصدق النية العلم الصادق الحاصل له عليه
السلام بنفاقهم من العلامات كما قال تعالى * ( فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في
لحن القول ) * أي أنزلكم منزلة المخلصين لظاهر إسلامكم مع علمي واقعا
بنفاقكم .
وقال الراوندي رحمه الله : ويحتمل وجها آخر وهو أن يكون المعنى إنما
أخفى رتبتي ومنزلتي عليكم ما أنا متباطئه من التخلق بأخلاق الديانة : وهو أنه
لا يعرفهم نفسه بمفاخرها ومآثرها فيكون من باب قوله " إن ها هنا علما جما لو
أصبت له حملة " وعلى هذا يكون معناه إنكم إن صدقت نياتكم ونظرتم بعين
صحيحة وأنصفتموني أبصرتم منزلتي .
" أقمت لكم على سنن الحق " أي قمت لكم على جادة طريق الحق
حيث يضل من تنكب عنه ولا دليل غيري وحيث تحتفرون الآبار لتحصيل الماء
" ولا تميهون " أي لا تجدون ماء .
" اليوم أنطلق لكم العجماء ... " كني بالعجماء ذات البيان عن العبر
الواضحة وما حل بقوم فسقوا عن أمر ربهم وعما هو واضح من كمال فضله
( عليه السلام ) وعن حال الدين ومقتضى أوامر الله تعالى فإن هذه الامور
عجماء لا نطق لها مقالا ذات البيات حالا ولما بينها عليه السلام وعرفهم ما
يقوله لسان حالها فكأنه ( عليه السلام ) أنطقها لهم .
وقيل : العجماء صفة لمحذوف أي الكلمات العجماء والمراد بها ما في هذه
الخطبة من الرموز التي لا نطق لها مع أنها ذات بيان عند أولي الالباب .
" عزب " أي بعد ويحتمل الاخبار والدعاء " وأوحبس في نفسه خيفة " :
أضمر [ ... ] .
" اليوم توافقنا " أي أنا واقف على سبيل الحق وأنتم على الباطل " ومن
وثق بماء " لعل المراد من كان على الحق وأيقن ذلك واعتمد على ربه لا يبالي
بما وقع عليه كما أن من وثق بماء لم يفزعه عطشه .
[240]
وقال الشارحون أي إن سكنتم إلى قولي ووثقتم به كنتم أبعد عن
الضلال وأقرب إلى اليقين .
وقال القطب الراوندي رحمه الله [ في شرحه على هذه الخطبة من نهج
البلاغة ] : أخبرنا بهذه الخطبة جماعة عن جعفر الدور يستي عن أبيه محمد بن
العباس عن محمد بن علي بن موسى عن محمد بن علي الاسترابادي عن
علي بن محمد بن سيار عن أبيه عن الحسن العسكري عن آبائه عن أمير
المؤمنين .
191 - نهج ومن كلام له ( عليه السلام ) خاطب به أهل البصرة على جهة
اقتصاص الملاحم :
فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على الله فليفعل فإن أطعتموني
فإني حاملكم إنشاء الله على سبيل الجنة وإن كان ذا مشقة شديدة عظيمة
ومذاقة مريرة .
وأما فلانة فأدركها رأي النساء وضغن غلا في صدرها كمرجل القين ، ولو
دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل ! ! ! ولها بعد حرمتها الاولى
والحساب على الله .
ومنه .
سبيل أبلج المنهاج أنور السراج فبالايمان يستدل على الصالحات
وبالصالحات يستدل على الايمان وبالايمان يعمر العلم وبالعلم يرهب الموت
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 240 سطر 19 الى ص 248 سطر 18
وبالموت تختم الدنيا وبالدنيا تحرز الآخرة .
___________________________________________________________
191 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 154 ) من نهج البلاغة .
ورويناه بزيادات كثيرة وشواهد جمة في المختار : ( 122 ) من نهج السعادة : ج 1 ،
ص 372 ط 2 .
( * )