[241]

وإن الخلق لا مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى .
[ و ] منه : قد شخصوا من مستقر الاجداث وصاروا إلى مصائر الغايات لكل دار أهلها لا يستبدلون بها ولا ينقلون عنها .
وإن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه وإنهما لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق .
وعليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين والنور المبين والشفاء النافع والري الناقع والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق لا يعوج فيقام ولا يزيغ فيستعتب ولا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع من قال به صدق ومن عمل به سبق .
وقام إليه رجل فقال : [ يا أمير المؤمنين ] أخبرنا عن الفتنة وهل سألت عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) ؟ فقال عليه السلام : لما أنزل الله سبحانه قوله : * ( ألم أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) * [ 1 - 2 / العنكبوت : 29 ] علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أظهرنا فقلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها ؟ فقال : يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي .
فقلت : يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت عني الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي : أبشر فإن الشهادة من ورائك ؟ فقال لي : إن ذلك لكذلك فكيف صبرك إذا ؟ فقلت : يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر ! ! وقال : يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم ويتمنون رحمته ويأمنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والاهواء الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع .
فقلت : يا رسول الله فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك أبمنزلة ردة أم بمنزلة فتنة ؟ فقال : بمنزلة فتنة .

[242]

بيان قوله ( عليه السلام ) : " أن يعتقل " أي يحبس نفسه على طاعة الله .
" وفلانة " كناية عن عائشة ولعله من السيد رضي الله عنه تقية .
قوله ( عليه السلام ) : " وضغن " أي حقد .
[ وكان من أسباب حقدها لامير المؤمنين ( عليه السلام ) سد النبي صلى الله عليه وآله باب أبيها من المسجد وفتح بابه ، وبعثه ( عليه السلام ) بسورة برائة بعد أخذها من أبي بكر ، وإكرام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة عليها السلام وحسدها عليها إلى غير ذلك من الاسباب المعلومة .
والمرجل كمنبر : القدر .
والقين : الحداد أي كغليان قدر من حديد .
قوله ( عليه السلام ) : " من غيري " يعني به عمر كما قبل أو الاعم وهو أظهر أي لو كان عمر أو أحد من أضرابه ولي الخلافة بعد قتل عثمان على الوجه الذي قتل عليه ونسب إليه أنه كان يحرض الناس على قتله ودعيت إلى أن تخرج عليه في عصابة تثير فتنة وتنقض البيعة لم تفعل - وهذا بيان لحقدها له ( عليه السلام ) .
والبلوج : الاضائة .
قوله ( عليه السلام ) : " لا مقصر " أي لا محبس ولا غاية لهم دونه " مرقلين " أي مسرعين " قد شخصوا " أي خرجوا .
" والاجداث " : القبور .
ووالخلق بالضم وبضمتين : السجية والطبع والمروءة والدين والرجل إذا روى من الماء فتغير لونه يقال [ له ] : نقع .
قوله ( عليه السلام ) : " لا يزيغ فيستعتب " أي لا يميل فيطلب منه الرجوع .
والعتبى : الرجوع والمراد بكثرة الرد الترديد في الالسنة .
قوله ( عليه السلام ) : " لا تنزل بنا " قال ابن أبي الحديث لقوله تعالى : * ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فهيم ) * " وحيزت عني " أي منعت " والاهواء الساهية " أي الغافلة .
قوله ( عليه السلام ) : " بمنزلة فتنة " أي لا يجري عليهم في الظاهر أحكام الكفر وإن كانوا باطنا من أخبث الكفار .

[243]

أقول : قال ابن ميثم وابن أبي الحديد ( 1 ) : هذا الخبر رواه كثير من المحدثين عن علي ( عليه السلام ) قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لي إن الله كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب علي جهاد المشركين .
قال : فقلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة التي كتب [ علي ] فيها الجهاد ؟ قال : قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وهم مخالفون للسنة .
فقلت : يا رسول الله فعلام أقاتلهم وهم يشهدون كما أشهد ؟ قال : على الاحداث في الدين ومخالفة الامر .
فقلت : يا رسول الله أنت كنت وعدتني الشهادة فاسئل الله أن يعجلها لي بين يديك .
قال : فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين أما إني قد وعدتك الشهادة وستستشهد تضرب على هذه فتخضب هذه فكيف صبرك إذا ؟ فقلت : يا رسول الله ليس هذا بموطن صبر هذا موطن شكر .
قال : أجل أصبت فاعد للخصومة فإنك تخاصم .
فقلت : يا رسول الله لو بينت لي قليلا .
فقال : إن أمتي ستفتن من بعدي فتتأول القرآن وتعمل بالرأي وتستحل الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع وتحرف الكتاب على مواضعه وتغلب كلمة الضلال فكن حلس ( 2 ) بيتك حتى تقلدها فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور وقلبت لك الامور فقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فليست حالهم الثانية بدون حالهم الاولى .
فقلت : يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين ؟ أبمنزلة فتنة أم بمنزلة رده ؟ فقال : [ أنزلهم ] بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل .
فقلت : يا رسول الله أيدركهم العدل منا أم من غيرنا ؟ قال : بل منا فبنا فتح [ الله ] وبنا يختم وبنا ألف بين القلوب بعد الفتنة فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله .

___________________________________________________________
( 1 ) رواه ابن ميثم رحمه الله في آخر شرحه على المختار : ( 156 ) - وهو المختار المتقدم الذكر - من نهج البلاغة : ج 3 ص 265 ط 3 .
وأما ابن أبي الحديد فهو أيضا رواه أيضا في شرح المختار المذكور : ج 3 ص 277 ط بيروت وفي ط مصر : ج 9 .
ص 206 .
( 2 ) أي كن ملازما لبيتك كملازمة الحلس لظهر البعير .
والحلس : الكساء الذي يلي ظهر .
البعير تحت القتب .
( * )

[244]

بيان : " كن حلس بيتك " بالكسر أي ملازما له غير مفارق بالخروج للقتال ودفع أهل الضلال .
والضمير " في تقلدها " و " قلدتها " على المجهول فيهما راجع إلى الخلافة والامارة ، والتقليد مأخوذ من عقد القلادة على الاستعارة وتقليدهم : إطاعتهم وتركهم العناد " وجاش القدر " بالهمز وغيره : غلا .
" وقلبت لك الامور " أي دبروا أنواع المكائد والحيل لدفعك .
192 - نهج قيل : إن الحارث بن حوط أتاه عليه السلام فقال : أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة ؟ فقال : يا حار إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت .
إنك لم تعرف الحق فتعرف أهله ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه ! ! فقال الحارث : فإني أعتزل مع سعد بن مالك وعبدالله بن عمر .
فقال : إن سعدا وعبدالله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل .
بيان " نظرت تحتك " أي نظرت في أعمال الناكثين بظاهر الاسلام الذين هم دونك في الرتبة لبغيهم على إمام الحق فاغتررت بشبهتهم واقتديت بهم ولم تنظر إلى من هو فوقك وهو إمامك الواجب الطاعة ومن تبعه من المهاجرين والانصار ولا سمعت حكمهم بكون خصومهم على الباطل فكان ذلك سبب حيرتك .
ويحتمل أن يكون [ معنى ] نظره تحته كناية عن نظره إلى باطل هؤلاء وشبههم المكتسبة عن محبة الدنيا ، ونظره فوقه كناية عن نظره إلى الحق وتلقيه من الله .
أو المعنى نظرت إلى هذا الامر الذي يستولي عليه فكرك وهو خطر قتال أهل القبلة ولم تنظر إلى الامر العالي الذي هو فوق نظرك من وجوب قتالهم لبغيهم وفسادهم وخروجهم على الامام العادل .

___________________________________________________________
192 - رواه السيد الرضي في المختار : ( 262 ) من قصار نهج البلاغة ، وقد رويناه عن مصادر في المختار : ( 96 ) من نهج السعادة : ج 1 ، ص 312 ط 2 .
( * )

[245]

193 - نهج ومن كلام له ( عليه السلام ) لما أظفره الله بأصحاب الجمل وقد قال له بعض أصحابه : وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعداءك .
فقال ( عليه السلام ) : أهوى أخيك معنا ؟ قال : نعم قال : فقد شهدنا ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الايمان .
بيان " سيرعف بهم الزمان " الرعاف : الدم الخارج من أنف الانسان والمعنى : سيخرجهم الزمان من العدم إلى الوجود .
[ وهذا ] من قبيل الاسناد إلى الظرف أو الشرط .
194 - نهج ومن كلام له ( عليه السلام ) : في دم البصرة وأهلها : كنتم جند المرأة وأتباع البهيمة رغا فأجبتم وعقر فهزمتم أخلاقكم رقاق وعهدكم شقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه .
كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها .
وفي رواية أخرى : وأيم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة .

___________________________________________________________
193 - رواه السيد رحمه الله في المختار : ( 12 ) من نهج البلاغة .
194 - رواه السيد الرضي قدس الله نفسه في المختار : ( 13 ) من نهج البلاغة .
وفي شرح ابن أبي الحديد زيادة عما رواه المصنف ها هنا .
ولعلها سقط عن نسخة المصنف عند الطباعة وإليكم نص الزيادة .
وفي رواية أخرى : بلادكم أنتن بلاد الله تربة ، [ و ] أقربها من الماء ، رابعدها من السماء وبها تسعة أعشار الشر ، المحتبس فيها بذنبه ، والخارج بعفو الله .
كأني أنظر إلى قريتكم هذه قد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر .
( * )

[246]

وفي رواية أخرى : كجؤجؤ طير في لجة بحر .
أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء خففت عقولكم وسفهت حلومكم [ أحلامكم " خ ل " ] فأنتم غرض لنابل وأكلة لآكل وفريسة لصائد [ لصائل " خ " ] .
بيان [ إنما قال ( عليه السلام ) : ] وأتباع البهيمة لان جمل عائشة كان راية عسكر البصرة .
والرغا : صوت الابل .
قوله ( عليه السلام ) : " أخلاقكم دقاق " .
قال ابن أبي الحديد : الدق من كل شئ : حقيره وصغيره يصفهم باللؤم وفي الحديث : أن رجلا قال : يا رسول الله إني أحب أن أنكح فلانة إلا .
أن في أخلاق أهلها دقة فقال له : إياك وخضراء الدمن .
والشقاق : الخلاف والافتراق .
والزعاق : المالح .
وسبب ملوحة مائهم قربهم من البحر وامتزاج مائه بمائهم .
قيل : ذكرها في معرض ذمهم لعله من سوء اختيارهم هذا الموضع أو كونها سببا كسوء المزاج والبلادة وغير ذلك كما تقوله الاطباء .
قوله ( عليه السلام ) : " بين أظهركم " أي بينكم على وجه الاستظهار والاستناد إليكم وأما كونه مرتهنا بذنبه فلان المقيم بينهم لابد وأن ينخرط في سلكهم ويكتسب من زذائل أخلاقهم فيكون موثقا بذنوبه أو أن كونه بينهم يجري مجرى العقوبة بذنبه والخارج من بينهم لحقه رحمة الله فوفقه لذلك .
وجؤجؤ السفينة : صدرها .
ويقال : جثم الطائر جثوما وهو بمنزلة البرك للابل .
وقال ابن ميثم .
أما وقوع المخبر عنه فالمنقول أنها غرقت في أيام القادر بالله ، وفي أيام القائم بالله غرقت بأجمعها وغرق من في ضمنها وخرجت دروها ولم يبق إلا مسجدها الجامع [ ثم ] .
قال : ويمكن أن يكون المراد بقربها من الماء وبعدها من السماء كون موضعها هابطا قريبا من البحر .

[247]

وقيل : المراد ببعدها من السماء كونها بعيدة من دائرة معدل النهار فإن الارصاد دلت على أن أبعد موضع في المعمورة عن معدل النهار الابلة قصبة البصرة .
وقيل : المراد [ من ] بعدها عن سماء الرحمة [ كونها ] مستعدة لنزول العذاب انتهى .
ولعل مراده أنها أبعد بلاد العرب عن المعدل وإلا فظاهر أن الابلة ليست أبعد موضع في المعمورة والابلة - بضم الهمزة والباء وتشديد اللام المفتوحة - : إحدى الجنات الاربع وهي الموضع الذي فيه الدور والابنية الآن .
والسفه : رذيلة مقابل الحلم .
والنابل : ذو النبل .
والاكلة : المأكول .
والفريسة : ما يفترسه السبع .
والصولة : الحملة والوثبة .
195 - نهج ومن كلام له ( عليه السلام ) : [ في بيان بعض شئون النساء ] .
معاشر الناس إن النساء نواقص الايمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول .
فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن .
وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين منهن كشهادة الرجل الواحد .
وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر .

___________________________________________________________
195 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 80 ) - أو قبله - من نهج البلاغة .
( * )

[248]

توضيخ : الغرض ذم عائشة وتوبيخ من تبعها وإرشاد الناس إلى ترك طاعة النساء .
ونقصان الايمان بالقعود عن الصلاة والصيام لعله مبني على أن الاعمال أجزاء الايمان وقعودهن وإن كان بأمر الله تعالى إلا أن سقوط التكليف لنوع من النقص فيهن وكذا الحال في الشهادة والميراث .
وترك طاعتهن في المعروف إما بالعدول إلى فرد آخر منه أو فعله على وجه بطهر أنه ليس لطاعتهن بل لكونه معروفا أو ترك بعض المستحبات فيكون الترك حينئذ كما ورد تركها في بعض الاحوال كحال الملال .
196 - نهج : ومن خطبة له ( عليه السلام ) : فتن كقطع الليل المظلم لا تقوم لها قائمة ولا ترد لها راية تأتيكم مزمونة مرحولة يحفزها قائدها ويجهدها راكبها أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم يجاهدهم في الله قوم أذلة عند المتكبرين في الارض مجهولون وفي السماء معروفون فويل لك يا بصرة عند ذلك من جيش من نقم الله لا رهج له ولا حس وسيبتلى أهلك بالموت الاحمر والجوع الاغبر .
إيضاح : قطع الليل جمع قطع بالكسر وهو الظلمة .
قال تعالى : * ( فأسر بأهلك بقطع من الليل ) * [ 81 / هود ] كذا ذكره ابن أبي الحديد ولعله سهو [ منه ] والظاهر أنه جمع قطعة .
" لا تقوم لها قائمة " أي لا تنهض لحربها فئة ناهضة أو قائمة من قوائم
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 248 سطر 19 الى ص 256 سطر 18 الخيل أو قلعة أو بنية قائمة بل تنهدم يعني لا سبيل إلى قتال أهلها ( 1 ) .
" ولا ترد لها راية " أي لا تنهزم راية من رايات تلك الفتنة بل تكون

___________________________________________________________
196 - رواه السيد الرضي في ذيل المختار : ( 100 / أو 102 ) من نهج البلاغة .
( 1 ) جملة : " يعني لا سبيل إلى قتال أهلها " كانت في أصلي قبل قوله : " أو قلعة أو بنية قائمة بل تنهدم " .
( * )

[249]

غالبة دائمة أو لا ترجع لحربها راية من الرايات التي هربت عنها " مزمومة مرحولة " : عليها زمام ورحل أي تامة الادوات يدفعها قائدها والحفر : السوق الشديد .
ويجهدها أي يحمل عليها في السير فوق طاقتها .
" قليل سلبهم " أي ما سلبوه من الخصم أي همتهم القتل لا السلب .
وقيل : إن هذه إشارة إلى صاحب الزنج وجيشه .
وفيه أن الذين جاهدوهم لم يكونوا على الاوصاف المذكورة إلا أن يقال : لشقاوة الطرف الاخر أمدهم الله بالملائكة وهو بعيد .
وقيل : إشارة إلى ملحمة أخرى في آخر الزمان لم تأت بعد .
وهو قريب .
والرهج : الغبار .
قال ابن أبي الحديث كنى بهذا الجيش عن طاعون يصيبهم حتى يبيدهم .
وقال ابن ميثم : إشارة إلى فتنة الزنج وظاهر أن لم يكن لهم غبار ولا أصوات إذ لمن يكونوا أهل خيل ولا قعقعة لجم فإذن لا رهج لهم ولا حس .
وقال ابن أبي الحديد : الموت الاحمر كناية عن الوباء ، والجوع الاغبر [ كناية ] عن المحل ( 1 ) والحمرة كناية عن الشدة ، ووصف الجوع بالاغبر لان الجائع يرى الآفاق كأن عليها غبرة وظلاما .
وقيل : الموت الاحمر إشارة إلى قتلهم بالسيف .
وقال ابن ميثم .
أقول : قد فسره عليه السلام بهلاكهم من قبل الغرق كما سيأتي .

___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الظاهر الموجود في شرح ابن أبي الحديد : ج 2 ص 650 ط بيروت .
وفي أصلي من البحار ، طبع الكمباني : " والجوع الاغبر عن الموت ... " .
( * )

[250]

197 - نهج [ و ] من كلامه ( عليه السلام ) فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة : يا أحنف كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم ولا حمحمة خيل يثيرون الارض بأقدامهم كأنها أقدام النعام .
[ قال الرضي رحمه الله ] يؤمى بذلك إلى صاحب الزنج .
ثم قال ( عليه السلام ) : ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة من أوئلك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم ! ! أنا كأب الدنيا لوجهها وقادرها بقدرها وناظرها بعينها .
ومنه يؤمى [ عليه السلام ] به إلى وصف الاتراك : كأني أراهم قوما كان وجوههم المجان المطرقة يلبسون السرق والديباج ، ويعتقبون الخيل العتاق ، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشي المجروح على المقتول ويكون المفلت أقل من المأسور .
فقال له بعض أصحابه : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ! ! فضحك ( عليه السلام ) وقال للرجل وكان كلبيا : يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلم من ذي علم وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده سبحانه بقوله : " إن الله عنده علم الساعة " الآية فيعلم سبحانه ما في الارحام من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد ومن يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا

___________________________________________________________
197 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 126 / أو 128 ) من نهج البلاغة .
( * )