[381]
السلام ) كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير والاشتر
عند علي ( عليه السلام ) فقال الاشتر : أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني
إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه وأقام عنده حتى لم
يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو يخاف غمه الا سده .
فقال جرير : والله أو أتيتم لقتلوك - وخوفه بعمرو ، وذي الكلاع
وحوشب - وقد زعموا أنك من قتلة عثمان .
فقال الاشتر : لو أتيته والله يا جرير لم يعييني جوابها ولم يثقل علي محملها
ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال : فأتهم إذا .
قال : الآن
وقد أفسدتهم ووقع بيننا الشر ؟
وعن الشعبي قال : اجتمع جرير والاشتر عند علي ( عليه السلام ) فقال
الاشتر : أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته
وغشه وأقبل الاشتر يشتمه ويقول : يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك
بهمدان والله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الارض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم
يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم وأنت والله منهم ولا
أرى سعيك إلا لهم ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليحبسنك
وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستبين من هذه الامور ويهلك الله
الظالمين .
قال : فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسا ولحق به أناس من قيس ولم
يشهد صفين من قيس ( 1 ) غير تسعة عشر رجلا ولكن أحمس ( 2 ) شهدها منهم
سبعمائه رجل .
___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الصواب ، وفي أصلي في الموردين : " قيس " .
وقسر - بفتح القاف - : هم بنو
بجيلة رهط جرير بن عبدالله البجلي .
( 1 ) بنو أحمس هم من بطون بجيلة بن أنمار بن نزار .
وكانت بجيلة في اليمن .
كذا في
هامش كتاب صفين عن كتاب المعارف 29 و 46 .
( * )
[382]
وخرج علي ( عليه السلام ) إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه وخرج
أبوزرعة عمرو بن جرير وقال : أصلحك الله إن فيها أيضا لغير جرير فخرج
علي منها إلى دار ثوير بن عامر فحرقها وهدم منها وكان ثوير رجلا شريفا وكان
قد لحق بجرير .
وفي حديث صالح بن صدقة قال : لما أراد معاوية المسير إلى صفين كتب
إلى أهل مكة وأهل المدينة كتابا يذكرهم فيه أمر عثمان ( 1 ) فكتب إليه عبد
الله بن عمر مجيبا له ولابن العاص :
أما بعد فلقد أخطأتما موضع النصرة وتناولتما من مكان بعيد وما زاد الله
من شك في هذا لامر بكتابكما إلا شكا ( 2 ) وما أنتما والمشورة ؟ وما أنتما
والخلافة ؟
وأما أنت يا معاوية فطليق وأما أنت يا عمرو فظنون ألا فكفا عنا أنفسكما
فليس لكما ولي ولا نصير .
وأجابه سعد بن أبي وقاص أما بعد فإن عمر لن يدخل في الشورى إلا من
تحل له الخلافة من قريش فلم يكن أحد منا أحق من صاحبه إلا باجتماعنا
عليه ، غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يك فينا ما فيه وهذا أمر قد كرهنا
أوله وكرهنا آخره .
وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما والله يغفر لام المؤمنين ما
أتت [ به ] .
___________________________________________________________
( 1 ) ونص كتابه مذكور وفي صفين ص 63 مصر 2 .
( 2 ) كذا في الاصل ، وفي كتاب صفين : " وما زاد الله من شاك في هذا الامر بكتابكما إلا
شكا " .
( * )
[383]
وكتب إليه محمد بن مسلمة أما بعد فقد اعتزل هذا الامر من ليس في يده
من رسول الله صلى الله عليه وآله مثل الذي في يدي فقد أخبرني رسول الله
( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما هو كائن قبل أن يكون فلما كان كسرت سيفي
وجلست في بيتي واتهمت الرأي على الدين إذا لم يصلح لي معروف آمر به ولا
منكر أنهى عنه ولعمري ما طلبت إلا الدنيا ولا اتبعت إلا الهوى فإن تنصر
عثمان ميتا فقد خذلته حيا فما أخرجني الله من نعمة ولا صيرني إلى شك .
إلى آخر ما كتب .
قال : وروى صالح بن صدقة عن إسماعيل بن زياد عن الشعبي أن عليا
( عليه السلام ) قدم من البصرة مستهل رجب وأقام بها سبعة عشر شهرا يجري
الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص .
وفي حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال : لما قدم عبيد الله بن
عمر على معاوية بالشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال : يا عمرو إن
الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله بن عمر ، وقد رأيت
أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان وينال منه ؟ فقال : الرأي ما
رأيت .
فبعث إليه فأتاه فقال له يا ابن أخ إن لك اسم أبيك فانظر بملا عينيك
وتكلم بكل فيك فأنت المأمون المصدق فاصعد المنبر فاشتم عليا واشهد عليه
أنه قتل عثمان .
فقال : يا أمير المؤمنين أما شتمي له فإنه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت
أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه ، وأما بأسه فهو الشجاع المطرق
وأما أيامه فما قد عرفت ولكني ملزمه دم عثمان ! ! فقال عمرو : إذا والله قد
نكأت القرحة .
فلما خرج عبيد الله قال معاوية : أما والله لولا قتلة الهرمزان ومخالفة علي
على نفسه ما أتانا أبدا ألم تر إلى تقريظه عليا .
فلما قام [ عبيد الله ] خطيبا تكلم بحاجته حتى إذا أتى إلى أمر علي
[384]
أمسك ! ! فعاتبه معاوية فاعتذر بأني كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل
عثمان وعرفت أن الناس محتملوها عني ! !
فهجره معاوية واستخف بحقه حتى أنشد شعرا في مدح عثمان وتصويب
طلحة والزبير فأرضاه وقربه وقال حسبي هذا منك .
بيان : قوله ( عليه السلام ) : " من خير ذي يمن " إشارة إلى رواية وردت
في مدحه قال : [ ابن الاثير ] في [ مادة ذوى من كتاب ] النهاية في حديث المهدي
" قرشي يمان ليس من ذي ولا ذو " أي ليس في نسبه نسب أذواء اليمن وهم
ملوك حمير منهم ذو يزن وذو رعين .
وقوله : [ " قرشي يمان " ] أي وهو قرشي
النسب يماني المنشأ ومنه حديث جرير " يطلع عليكم رجل من ذي يمن على
وجهه مسحة من ذي ملك " وكذا أورده أبوعمر الزاهد وقال : ذي ها هنا
صلة أي زايدة انتهى .
والعكم بالكسر : العدل وعكمت المتاع : شددته .
قوله : " على أن لا ينقض " قال ابن أبي الحديد : تفسيره أن معاوية قال
للكاتب : اكتب على أن لا ينقض شرط طاعة يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد
بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشئ وهذا مكايدة لانه لو كتب
ذلك لكان لمعاوية أن يرجع عن مصر ولم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته
ويحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصر لان مقتضي المشارطة المذكورة أن طاعة
معاوية واجبة عليه مطلقا سواء كان مصر مسلمة إليه أو لا .
فلما انتبه عمرو على هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك وقال :
بل اكتب على أن لا تنقض طاعة شرطا .
يريد أخذ إقرار معاوية بأنه إذا
أطاعه لا تنقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه .
وهذا أيضا
مكايدة من عمرو لمعاوية .
وفي النهاية والصحاح : نفضت المكان واستنفضته وتنفضته إذا نظرت جميع
ما فيه ، والنفضة بفتح الفاء وسكونها والنفيضة : قوم يبعثون متجسسين هل
[385]
يرون عدوا أو خوفا .
وقرقيسا بالكسر ويمد ويقصر : بلد على الفرات .
والتقريظ : مدح الانسان
وهو حي بحق أو باطل .
357 - البرسي في مشارق الانوار عن محمد بن سنان قال : بينا أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) يجهز أصحابه إلى قتال معاوية إذا اختصم إليه إثنان
فلغى أحدهما في الكلام فقال له : اخسأ يا كلب .
فعوى الرجل لوقته وصار
كلبا فبهت من حوله وجعل الرجل يشير بإصبعه إلى أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) ويتضرع فنظر إليه وحرك شفتيه فإذا هو بشر سوي ! !
فقام إليه بعض أصحابه وقال له : مالك تجهز العسكر ولك مثل هذه
القدرة ؟ فقال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه
القصيرة في هذه الفلوات حتى أضرب صدر معاوية فأقلبه عن سريره لفعلت
ولكن عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
358 - ختص : محمد بن علي عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن
ابن أبي عمير :
عن أبان الاحمر قال : قال الصادق ( عليه السلام ) : يا أبان كيف ينكر الناس
قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما قال : " لو شئت لرفعت رجلي هذه
فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره " ولا ينكرون
تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس وإتيان سليمان به قبل أن يرتد إليه
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 385 سطر 19 الى ص 393 سطر 18
طرفه ؟ أليس نبينا أفضل الانبياء ووصيه أفضل الاوصياء ؟ أفلا جعلوه كوصي
سليمان حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا .
___________________________________________________________
357 - وانظر كتاب مشارق الانوار للبرسي .
358 - رواه الشيخ المفيد بعد عنوان : " إثبات إمامة الائمة الاثنا عشر " في أواسط كتاب
الاختصاص ص 207 ط النجف .
( * )
[386]
359 - ما : المفيد عن الكاتب ، عن الزعفراني عن الثقفي عن عبيد الله بن
أبي هاشم ، عن عمر بن ثابت عن جبلة بن سحيم قال : لما بويع أمير المؤمين
علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بلغه أن معاوية قد توقف عن إظهار البيعة له
وقال : إن أقرني على الشام وأعمالي التي ولانيها عثمان بايعته .
فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : يا أمير المؤمنين إن
معاوية من قد عرفت وقد ولاه الشام من كان قبلك فوله أنت كيما تتسق عرى
الامور ثم اعزله إن بدا لك .
فقال : [ له ] أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين
توليته إلى خلعه ؟ قال : لا .
قال : لا يسألني الله عزوجل عن توليته على
رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا وما كنت متخذ المضلين عضدا لكن
ابعث إليه أودعوه إلى ما في يدي من الحق فإن أجاب فرجل من المسلمين له
ما لهم وعليه ما عليهم وإن أبى حاكمته إلى الله .
فولى المغيرة وهو يقول فحاكمه إذا فحاكمه إذا فأنشأ يقول :
نصحت عليا في ابن حرب نصيحة * فرد فما مني الدهر ثانية
ولم يقبل النصح الذي جئته به * وكانت له تلك النصيحة كافية
وقالوا له : ما أخلص النصح كله * فقلت له : إن النصيحة غالية
فقام قيس بن سعد رحمه الله فقال : يا أمير المؤمنين إن المغيرة أشار عليك
بأمر لم يرد الله به فقدم فيه رجلا وأخر فيه أخرى فإن كان لك الغلبة تقرب
إليك بالنصيحة وإن كانت لمعاوية تقرب إليه بالمشورة ثم أنشأ يقول :
___________________________________________________________
359 - رواه الشيخ الطوسي في الحديث : ( 42 ) من الجزء الثالث من أماليه : ج 1 ،
ص 85 .
وليلاحظ المختار : ( 70 ) من كتاب السعادة : ج 1 ، ص 238 ط 2 .
( * )
[387]
يكاد ومن أرسى ثبيرا مكانه * مغيرة أن يقوي عليك معاوية
وكنت بحمد الله فينا موفقا * وتلك التي آراكها غير كافية
فسبحان من علا السماء مكانها * والارض دحاها فاستقرت كما هيه
بيان : قوله : " الدهر " منصوب على الظرفية أي ليس مني نصيحة ثانية ما
بقي الدهر .
قوله " ومن أرسى " الواو للقسم أي بحق الذي أثبت جبل ثبير المعروف
بمنى .
360 - شا : من كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما عمد المسير إلى الشام
لقتال معاوية بن أبي سفيان [ قال ] بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
اتقوا الله عباد الله وأطيعوه وأطيعوا إمامكم فإن الرعية الصالحة تنجو بالامام العادل
ألا وإن الرعية الفاجرة تهلك بالامام الفاجر وقد أصبح معاوية غاصبا لما في
يديه من حقي ناكثا لبيعتي طاعنا في دين الله عزوجل .
وقد علمتم أيها المسلمون ما فعل الناس بالامس وجئتموني راغبين إلي في
أمركم حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني فالتويت عليكم لابلو ما عندكم
فراودتموني القول مرارا وراودتكم وتكأكأتم علي تكأكؤ الابل الهيم على حياضها
حرصا على بيعتي حتى خفت أن يقتل بعضكم بعضا .
فلما رأيت ذلك منكم رويت في أمري وأمركم وقلت إن أنا لم أجبهم إلى
القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا يقوم فيهم مقامي ويعدل فيهم عدلي وقلت :
___________________________________________________________
360 - رواه الشيخ المفيد رفع الله مقامه في الفصل : ( 30 ) مما اختار من كلام أمير المؤمنين
عليه السلام في كتاب الارشاد ، ص 139 ، ط النجف .
( * )
[388]
والله لالينهم وهم يعرفون حقي وفضلي أحب إلي من أن يلوني وهم لا يعرفون
حقي وفضلي فبسطت لكم يدي فبايعتموني يا معشر المسلمين وفيكم
المهاجرون والانصار والتابعون بإحسان .
فأخذت عليكم عهد بيعتي وواجب صفقتي [ من ] عهد الله وميثاقه وأشد
ما أخد على النبيين من عهد وميثاق لتفن لي ولتسمعن لامري ولتطيعوني
وتناصحوني وتقاتلون معي كل باغ أو مارق إن مرق ، فأنعمتم لي بذلك جميعا
فأخذت عليكم عهد الله وميثاقه وذمة الله ورسوله فأجبتموني إلى ذلك
وأشهدت الله عليكم وأشهدت بعضكم على بعض وقمت فيكم بكتاب الله .
وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) فالعجب من معاوية بن أبي سفيان
وينازعني الخلافة ويجحدني الامامة ويزعم أنه أحق بها مني جرأة منه على الله
وعلى رسوله بغير حق له فيها ولا حجة ولم يبايعه عليه المهاجرون ولا سلم له
الانصار والمسلمون .
يا معشر المهاجرين والانصار وجماعة من سمع كلامي أو ما أوجبتهم لي
على أنفسكم الطاعة ؟ أما بايعتموني على الرغبة ؟ ألم آخذ عليكم العهد بالقبول
لقولي ؟ أما بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة أبي بكر وعمر ؟ فما بال من خالفني
لم ينقض عليهما حتى مضيا ونقض علي ولم يف لي ؟ أما يجب لي عليكم نصحي
ويلمزمكم أمري ؟ أما تعلمون أن بيعتي تلزم الشاهد عنكم والغائب : فما بال
معاوية وأصحابه طاعنين في بيعتي ؟ ولم لم يفوا بها لي وأنا في قرابتي وسابقتي
وصهري أولى بالامر ممن تقدمني ؟ .
أما سمعتم قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) يوم الغدير
في ولايتي وموالاتي ؟ فاتقوا الله أيها المسلمون وتحاثوا على جهاد معاوية الناكث
القاسط وأصحابه القاسطين .
واسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا فإنه
عظة لكم فانتفعوا بموعظ الله وازدجروا عن معاصي الله فقد وعظكم الله
بغيركم فقال لنبيه ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) : * ( ألم تر إلى الملا من بني
[389]
إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله .
فقال لهم نبيهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلو ؟ قالوا : وما لنا
ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا .
فلما كتب عليكم القتال
تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ، وقال لهم نبيهم : إن الله قد بعث
لكم طالوت ملكا .
قالوا : أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم
يؤت سعة من المال ؟ قال : إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم
والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم ) * [ 246 - 247 /
البقرة : 2 ] .
يا أيها الناس إن لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أن الله تعالى جعل
الخلافة والامر من بعد الانبياء في أعقابهم وأنه فضل طالوت وقدمه على
الجماعة باصطفائه إياه وزيادته بسطة في العلم والجسم فهل تجدون الله عز
وجل اصطفى بني أمية على بني هاشم ؟ وزاد معاوية علي بسطة في العلم
والجسم ؟
فاتقوا الله عباد الله وجاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم
له ، قال الله عزوجل : * ( لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان
داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن
منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) * [ 78 - 79 / المائدة : 5 ]
[ وقال تعالى : ] * ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم
الصادقون ) * .
[ 15 / الحجرات : 49 ] .
[ وقال تعالى : ] * ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من
عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم
ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري
من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ) *
[ 10 - 11 / الصف : 61 ] .
[390]
اتقوا الله عباد الله وتحاثوا على الجهاد مع إمامكم فلو كان لي منكم عصابة
بعدد أهل بدر إذا أمرتهم أطاعوني وإذا استنهضتم نهضوا معي لاستغنيت بهم
عن كثير منكم وأسرعت النهوض إلى حرب معاوية وأصحابه فإنه الجهاد
المفروض .
بيان : التكاكؤ : التجمع .
والتوى عن الامر : تثاقل .
وروى في الامر
تروية : نظر وتفكر .
وأنعم له أي قبل [ قوله ] وأجاب بنعم .
قوله ( عليه السلام ) : " إن الله جعل الخلافة " فيه إشكال وهو أن المشهور
بين المفسرين أن طالوت لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة إذا النبوة
كانت في سبط لاوى والمملكة في سبط يهودا .
وقيل في سبط يوسف وهو كان
من سبط بنيامين فالآيات تدل على عدم لزوم كون الخلافة في أعقاب الانبياء .
ويمكن أن يجاب [ عنه ] بوجوه : الاول القدح في تلك الامور فإنها مستندة
إلى أقوال المؤرخين والمفسرين من المخالفين فيمكن أن يكون طالوت من سبط
النبوة أو المملكة فيكون ادعاؤهم الاحقية من جهة المال فقط .
الثاني أن كونه من ولد يعقوب وإسحاق وإبراهيم كاف في ذلك .
الثالث أن يكون الاستدلال من جهة ما يفهم من الآية من كون النبوة في
سبط مخصوص آباؤهم أنبياء فالمراد بالخلافة رئاسة الدين وإن اجتمعت رئاسة
الدين والدنيا في تلك الامة فلا ينافي الاستدلال بالبسطة في العلم والجسم فإنه
إذا اشترط في الرياسة الدنيوية فقط البسطة في العلم والجسم فاشتراطهما في
الرياستين ثابت بطريق أولى .
361 - شا : [ و ] من كلامه ( عليه السلام ) وقد بلغه عن معاوية وأهل الشام
ما يؤذيه من الكلام فقال :
___________________________________________________________
361 - رواه الشيخ المفيد قدس الله نفسه في الفصل : ( 31 ) مما اختار من كلام أمير المؤمنين
عليه السلام في كتاب الارشاد ، ص 141 .
( * )