[401]
أما بعد فإنه من لم ينتفع بما وعظ لم يحذر ما هو غابر ، ومن أعجبته الدنيا
رضي بها وليست بثقة فاعتبر بما مضى تحذر ما بقي واطبخ للمسلمين قبلك
من الطلا ما يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه .
وأكثر لنا من لطف الجند واجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند فإن
للولدان علينا حقا وفي الذرية من يخاف دعاؤه وهو لهم صالح والسلام ( 1 ) .
وكتب [ إلى بعض ولاته ] :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله على أمير المؤمنين إلى عبدالله بن
عامر ( 2 ) .
أما بعد فإن خير الناس عند الله عزوجل أقومهم لله بالطاعة فيما له وعليه
وأقولهم بالحق ولو كان مرا فإن الحق به قامت السماوات والارض ولتكن
سريرتك كعلانيتك ، وليكن حكمك واحدا وطريقتك مستقيمة فإن البصرة
مهبط الشيطان فلا تفتحن على يد أحد منهم بابا لا نطيق سده نحن ولا أنت
والسلام .
وكتب [ عليه السلام إلى عبدالله بن العباس ] :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى عبدالله بن -
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في طبع الكمباني من كتاب البحار ، وفي طبع مصر من كتاب صفين : " الاسود بن
قطنة " .
والكتاب رواه السيد الرضي على نهج آخر في المختار : ( 59 ) من باب كتب أمير
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 401 سطر 19 الى ص 409 سطر 18
المؤمنين عليه السلام من نهج البلاغة ، وفيه : " الاسود بن قطبة " .
( 2 ) كذا في الاصل ومثله في كتاب صفين ، وهذا سهو من الرواة أو الكتاب فإن عليا عليه
السلام لم يول ابن عامر آنا من الزمان حتى يكتب إليه ، والصواب : " إلى عبدالله بن
عباس ... " .
( * )
[402]
عباس أما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين وفيئهم فاقسمه على
من قبلك حتى تغنيهم وابعث إلينا بما فضل نقسمه فيمن قبلنا والسلام .
و [ أيضا ] كتب [ عليه السلام إلى عبدالله بن عباس ] :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى عبدالله بن
عباس أما بعد فإن الانسان قد يسره [ درك ] ما لم يكن ليفوته ، ويسؤه فوت ما
لم يكن ليدركه وان جهد ، فليكن سرورك فيما قدمت من حكم أو منطق أو
سيرة وليكن أسفك على ما فرطت لله من ذلك ودع ما فاتك من الدنيا فلا
تكثر به حزنا وما أصابك فيها فلا تبغ به سرورا وليكن همك فيما بعد الموت
والسلام .
أقول : ثم ذكر كتابه عليه السلام إلى معاوية وجوابه كما سيأتي ثم قال :
وكتب إلى عمرو بن العاص :
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها وصاحبها مقهور فيها لم يصب منها
شيئا قط إلا فتحت له حرصا وأدخلت عليه مؤنة تزيده رغبة فيها ولن يستغني
صاحبها بما نال عما لم يبلغه ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، والسعيد من وعظ
بغيره فلا تحبط أجرك أبا عبدالله ولا تجارين معاوية في باطله فإن معاوية
غمص الناس وسفه الحق .
فكتب إليه عمرو بن العاص : من عمرو بن العاص إلى علي بن أبي
طالب أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا وألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق وأن
تجيب إلى ما تدعون إليه من شورى فصبر الرجل منا نفسه على الحق وعذره
الناس بالمحاجزة والسلام .
فجاء الكتاب إلى علي ( عليه السلام ) قبل أن يرتحل من النخيلة .
[403]
قال نصر : روى عمر بن سعد عن أبي روق قال : قال زياد بن النضر
الحارثي لعبد الله بديل بن ورقاء : إن يومنا ويومهم ليوم عصيب ما يصبر عليه
إلا كل قوي القلب صادق النية رابط الجأش وأيم الله ما أظن ذلك اليوم
يبقى منا ومنهم إلا رذالا .
قال عبدالله بن بديل : وأنا والله ما أظن ذلك .
فقال علي ( عليه السلام ) ليكن هذا الكلام [ مخزونا ] في صدوركما لا تظهراه
ولا يسمعه منكم سامع ( 1 ) إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين
وكل آتية منيته كما كتب الله لكم فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في
طاعته .
فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : سر بنا إلى
هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في
عباد الله بغير رضاء الله فأحلوا حرامه وحرموا حلاله واستهواهم الشيطان ( 2 ) ووعدهم
الاباطيل ومناهم الاماني حتي أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى وحبب
إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجازنا
موعود ربنا وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه
وآله رحما وأفضل الناس سابقة وقدما وهم يا أمير المؤمنين يعلمون منك مثل
الذي علمنا ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الاهواء وكانوا ظالمين فأيدينا
مبسوطة لك بالسمع والطاعة ، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة وأنفسنا
___________________________________________________________
هذا هو الظاهر الموافق لما في كتاب صفين ص 111 ، ط مصر ، وفي ط الكمباني :
" في صدوركم لا تظهروه ولا يسمعه منكم سامع ... " .
( 2 ) كذا في ط الكمباني من البحار وط القديم من كتاب صفين .
وفي شرح المختار : ( 46 ) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد : ج 1
ص 628 : " واستهوى بهم الشيطان ... " .
( * )
[404]
بنورك جذلة على من خالفك وتولى الامر دونك والله ما أحب أن لي ما على
الارض مما أقلت وما تحت السماء مما أظلت وإني واليت عدوا لك أو عاديت
وليا لك .
فقال علي ( عليه السلام ) : اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة
لنبيك .
ثم اإن عليا صعد المنبر فخطب الناس ودعاهم إلى الجهاد فبدأ بحمد الله
والثناء عليه ثم قال :
إن الله قد أكرمكم بدينه وخلقكم لعبادته فانصبوا أنفسكم في أدائها
وتنجزوا موعوده واعلموا أن الله جعل أمراس الاسلام متينة وعراه وثيقة ثم
جعل الطاعة حظ الانفس ورضا الرب وغنيمة الاكياس عند تفريط العجزة ،
وقد حملت أمر أسودها وأحمرها ولا قوة إلا بالله .
ونحن سائرون إنشاء الله إلى من سفه نفسه وتناول ما ليس له وما لا
يدركه معاوية وجنده الفئة الطاغية الباغية يقودهم إبليس ويبرق لهم بيارق
تسويفه ويدليهم بغروره .
وأنتم أعلم الناس بالحلال والحرام فاستغنوا بما علمتم واحذروا ما
حذركم [ الله ] من الشيطان وارغبوا فيما هيأ لكم عنده من الاجر والكرامة
واعلموا أن المسلوب من سلب دينه وأمانته والمغرور من آثر الضلالة على
الهدى فلا أعرفن أحدا منكم تقاعس عني وقال في غيري كفاية فإن الذور إلى
الذود إبل من لا يذد عن حوضه يهدم .
[405]
ثم إني آمركم بالشدة في الامر والجهاد في سبيل الله وأن لا تغتابوا مسلما
وانتظروا النصر العاجل من الله إنشاء الله .
ثم قام ابنه الحسن [ عليه السلام ] فقال : الحمد لله لا إله غيره وحده لا
شريك له .
ثم إن مما عظم الله عليكم من حقه وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى
ذكره ولا يؤدى شكره ولا يبلغه قول ولا صفة ونحن إنما غضبنا لله ولكم فإنه
من علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه قول يصعد إلى الله فيه
الرضا وتنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا ، ونستوجب فيه المزيد من
ربنا ، قولا يزيد ولا يبيد فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم
واستحكمت عقدتهم .
فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده فإن قد حضر ولا تخاذلوا فإن
الخذلان يقطع نياط القلوب إن الاقدام على الاسنة نجدة وعصمة لانه لم
يمتنع قوم قط إلا دفع الله عنهم العلة وكفاهم جوائح الذلة وهداهم إلى معالم
الملة .
ثم أنشد :
والصلح تأخذ منه ما رضيت به * والحرب بكفيك من أنفاسها جرح
ثم قام الحسين ( عليه السلام ) فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وقال :
يا أهل الكوفة أنتم الاحبة الكرماء والشعار دون الدثار فجدوا في إحياء
ما دثر بينكم وتسهيل ما توعر عليكم .
ألا إن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع وهي جرع مستحساة فمن أخذ
لها أهبتها واستعد لها عدتها ولم يألم كلومها عند حلولها فذاك صاحبها ومن
عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن أن لا ينفع قومه
[406]
وأن يهلك نفسه نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفئة ( 1 ) ثم نزل .
قال نصر : فأجاب عليا ( عليه السلام ) إلى المسير جل الناس إلا أن
أصحاب عبدالله بن مسعود أتوه وفيهم عبيدة السلماني وأصحابه فقالوا له :
إنا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم ونعسكر علا حدة حتى ننظر في أمركم
وأمر أهل الشام فمن رأيناه أراد ما لا يحل له أو بدا لنا منه بغي كنا عليه .
فقال لهم علي ( عليه السلام ) : مرحبا وأهلا هذا هو الفقه في الدين
والعلم بالسنة من لم يرض فهو خائن جائر .
وأتاه آخرون من أصحاب عبدالله بن مسعود فيهم ربيع خثيم وهم
يومئذ أربعمائة رجل فقالوا : يا أمير المؤمنين إنا شككنا في هذا القتال على
معرفتنا بفضلك ولا غناء بنا ولا بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل العدو فولنا
بعض هذه الثغور نكون به نقاتل عن أهله .
فوجهه علي عليه السلام إلى ثغر الري فكان أول لواء عقده بالكوفة لواء
ربيع بن خثيم .
[ نصر ، عن عمر بن سعد ] عن ليث بن أبي سليم قال : دعا علي ( عليه
السلام ) باهلة فقال : يا معشر باهلة أشهد الله أنكم تبغضوني وأبغضكم
فخذوا عطاءكم واخرجوا إلى الديلم وكانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه إلى
صفين ( 2 ) .
وعن عبدالله بن عوف قال : إن عليا ( عليه السلام ) لم يبرح النخيلة حتى
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ، وفي كتاب صفين : " نسأل الله بعونه أن يدعمكم بألفته " .
( 2 ) ما بين المعقوفين مأخوذ من كتاب صفين ، وما نقله المصنف عنه في الباب : " ... "
الآتي في ص 603 من طبعة الكمباني .
( * )
[407]
قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة قال : وكان كاتب علي ( عليه السلام ) إلى
ابن عباس :
أما بعد فاشخص إلي بمن قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي
عندهم وعفوي عنهم واستبقائي لهم ورغبهم في الجهاد وأعلمهم الذي لهم في
ذلك من الفضل والسلام .
قال فلما وصل كتابه إلى ابن عباس بالبصرة قام في الناس فقرأ عليهم
الكتاب وحمد الله وأثنى عليه وقال :
يا أيها الناس استعدوا للشخوص إلى إمامكم وانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا
بأموالكم وأنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرأون القرآن
ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين وابن عم
رسول الله صلى الله عليه وآله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والصادع
بالحق والقيم وبالهدى والحكم بحكم الكتاب الذي لا يرتشي في الحكم ولا
يداهن الفجار ولا تأخذه في الله لومة لائم .
فقام إليه الاحنف بن قيس فقال : نعم والله لنجيبنك ولنخرجن معك على
العسر واليسر والرضا والكره نحتسب في ذلك الخير ونأمل به من الله العظيم
من الاجر .
وقام إليه خالد بن المعمر السدوسي فقال : سمعنا وأطعنا فمتى استنفرتنا
نفرنا ومتى دعوتنا أجبنا .
وقام إليه عمرو بن مرحوم العبدي فقال : وفق الله أمير المؤمنين وجمع له
أمر المسلمين ولعن المحلين القاسطين الذين لا يقرؤن القرآن نحن والله عليهم
حنقون ولهم في الله مفارقون فمتى أردتنا صحبك خلينا ورجلنا إنشاء الله .
فأجاب الناس إلى المسير ونشطوا وخفوا واستعمل ابن عباس على البصرة
أبا الاسود الدئلي وخرج حتى قدم على علي ( عليه السلام ) بالنخيلة .
[408]
وأمر علي الاسباع من أهل الكوفة ( 1 ) [ فأمر ] سعد بن مسعود الثقفي على
قيس وعبدالقيس ، ومعقل بن قيس اليربوعي على تميم وضبة والرباب وقريش
وكنانة والاسد ، ومخنف بن سليم على الازد وبجيلة وخثعم والانصار وخزاعة ،
وحجر بن عدي الكندي على كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة وزياد بن
النضر على مذحج والاشعريين وسعيد بن قيس بن مرة على همدان ومن معهم
من حمير ، وعدي بن حاتم على طئ .
قال نصر : وأمر علي ( عليه السلام ) الحارث الاعور أن ينادي في الناس :
أخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة فنادى بذلك واستخلف عقبة بن عمرو
الانصاري على الكوفة ثم خرج وخرج الناس .
بيان : " بقية الاحزاب " أي أحزاب الشرك الذين تحزبوا على رسول الله
( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
[ وقوله عليه السلام : ] " الطريق مشترك " أي
طريق الحق مشترك بيني وبينكم يجب عليكم سلوكه كما يجب علي " والدبرة "
بالتحريك : الهزيمة في القتال أي هم المنهزمون عن الحق المدبرون عنه وإن
ظفروا أو يلحقهم ضررها وعقابها .
و " طمأ البحر " : ارتفع بأمواجه " والهب " الاتتباه من النوم ونشاط كل
سائر وسرعته ، وهب يفعل كذا : طفق ذكرها الفيروز آبادي وقال : رجل
" محل " أي منتهك للحرام أو لا يرى للشهر الحرام حرمة .
" وأكثر لنا من لطف الجند " أي ابعث " الطلا إلينا كثيرا من جملة لطف
الجند أي طعامهم قال في القاموس : اللطف بالتحريك : اليسير من الطعام
وغيره وبهاء الهدية انتهى .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في كتاب صفين ، وفي ط الكمباني من البحار : " وأمر على الاشياع من أهل
الكوفة وسعد بن مسعود ... " .
( * )
[409]
ويمكن أن يقرأ " لنأمن " على الفعل من الامن أي إذا علم الجند أن
أرزاق أولادهم موفرة لا يخونوننا في لطفهم وعطفهم " وهم لهم صالح " أي
الطلا صالح للذرية والاطفال .
" غمص الناس " أي احتقرهم ولم يرهم شيئا " وسفه الحق " أي جهله أو
عده سفها " ويوم " عصيب وعصبصب : شديد وفلان رابط الجأش : شجاع
" وهو جذل " بالذال أي فرح .
وبالرأي أي صاحب رأي جيد وشديد .
والامراس : الحبال " إلى من سفه نفسه " أي جعلها سفيهة استعمل استعمال
المتعدي فهو في قوة سفه نفسا .
" وما لا يدركه " أي الخلافة الواقعية " وبرقت السماء " : لمعت أو جاءت
تبرق والبارق : سحاب ذو برق .
وقال الجوهري : الذود من الابل ما بين الثلاث إلى العشر وهي مؤنثة لا
واحد لها من لفظها والكثير أذواد وفي المثل : الذود إلى الذود إبل .
قولهم " إلى "
بمعنى مع أي إذا جمعت القليل مع القليل صار كثيرا .
وقال الزمخشري في المستقصى : " من لا يزد عن حوضه يهدم " من قوله
زهير :
ومن لا يزد عن حوضه بسلاحه * يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
يضرب [ مثلا ] في تهضم غير المدافع عن نفسه انتهى .
وقال أبوعبيد أي من لا يدفع الضيم عن نفسه يركب بالظلم .
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 409 سطر 19 الى ص 417 سطر 18
أقول : روى ابن أبي الحديد أكثر ما رويناه ( 1 ) عن نصر فجمعنا بين
الروايتين .
___________________________________________________________
( 1 ) روى ابن أبي الحديد ما مر وما يأتي عن نصر في كتاب صفين - في شرح المختار :
( 46 ) من نهج البلاغة من شرحه : ج 3 ص 180 ، ط مصر ، وفي طبع بيروت : ج 1 ،
ص 617 - 636 .
( * )
[410]
ثم قال نصر وابن ابي الحديد : ودعا [ علي عليه السلام ] زياد بن النضر
وشريح بن هانئ وكانا على مذحج والاشعريين فقال :
يا زياد اتق الله في كل ممسى ومصبح وخف على نفسك الدنيا الغرور ولا
تأمنها على حال من البلاء واعلم أنك إن لم تزعها عن كثير مما تحب مخافة
مكروهه سمت بك الاهواء إلى كثير من الضرر فكن لنفسك مانعا وازعا من
البغي والظلم والعدوان فإني قد وليتك هذا الجند فلا تستطيلن عليهم إن
خيركم عند الله أتقاكم وتعلم من عالمهم وعلم جاهلهم واحلم عن سفيههم
فإنك إنما تدرك الخير بالحلم وكف الاذى والجهل .
فقال : زياد أوصيت يا أمير المؤمنين حافظا لوصيتك مؤدبا بأدبك يرى
الرشد في نفاذ أمرك والغي في تضييع عهدك .
فأمرهما أن يأخذا على طريق واحد ولا يختلفا ، وبعثهما في إثني عشر ألفا
على مقدمته وكل منهما على جماعة من هذا الجيش .
فلما سارا اختلفا وكتب كل منهما إليه يشكو من صاحبه فكت ( عليه
السلام ) إليهما :
من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن النضر وشريح بن هانئ سلام
عليكما فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فإني وليت زياد بن النضر مقدمتي وأمرته عليها وشريح على طائفة
منها أمير فإن جمعكما بأس فزياد على الناس كلهم وإن افترقتما فكل واحد منكما
أمير على الطائفة التي وليته عليها .
واعلما أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم وإذا أنتما خرجتما
من بلادكما ودنوتما من بلاد عدوكما فلا تسأما من توجيه الطائع ومن نفض
الشعاب والشجر والخمر في كل جانب كيلا يعتريكما عدو أو يكون لهم