[481]
417 - قال نصر : وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال : لما حمل ذو الكلاع ذلك
اليوم بالفيلق العظيم من حمير على صفوف العراق ناداهم أبوشجاع الحميري
تبت أيديكم أترون معاوية خيرا من علي أسد الله أضل الله سعيكم ثم أنت
يا ذا الكلاع قد كنا نرى أن لك نية في الدين فقال ذو الكلاغ : إيها يا أبا
شجاع والله ما معاوية بأفضل من علي ولكني أقاتل عن دم عثمان .
قال :
فأصيب ذو الكلاع حينئذ قتله حندف البكري في المعركة .
قال نصر : وقال معاوية لما قتل ذو الكلاع : لانا أشد فرحا بقتل ذي
الكلام مني بفتح مصر لو فتحتها قال : لان ذا الكلاع كان يحجر على معاوية
في أشياء كان يأمر بها .
قال نصر : فلما قتل ذو الكلاع اشتدت الحرب وشدعك ولخم وجذام
والاشعريون من أهل الشام على مذحج من أهل العراق .
418 - وقال نصر : وحدثنى عمرو بن الزبير : [ قال : ] لقد سمعت الخصين بن المنذر
يقول : أعطاني علي ذلك اليوم راية ربيعة ومضر وقال : بسم الله سر يا حضين
واعلم أنه لا تخفق على رأسك براية مثلها أبدا هذه راية رسول الله .
قال : فجاء أبوعرفاء جبلة بن عطية الذهلي إلى الحضين فقال : هل لك
أن تعطيني الراية أحملها فيكون لك ذكرها ويكون لي أجرها ؟ فقال الحضين وما
غناي يا عم عن أجرها مع ذكرها فقال : إنه لا غناء بك عن ذلك ولكن
اعرها عمك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك قال حضين : فعلمت أنه قد
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 481 سطر 19 الى ص 489 سطر 18
استقتل ( 1 ) وأنه يريد أن يموت مجاهدا قال فقلت له : خذها فأخذها ثم قال
لاصحابه إن عمل الجنة كره كله وثقيل وإن عمل النار خف كله وحبيب إن
الجنة لا يدخلها إلا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض الله وأمره
وليس شئ مما افترض الله على العباد أشد من الجهاد هو أفضل الاعمال ثوابا عند
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في شرح ابن أبي الحديد : ج 2 ص 249 ، وفي كتاب صفين ص 305 : " فعلم
أنه يريد أن يستقل ... " وفي ط الكمباني من البحار : " فعلمت أنه قد استقبل ... " .
( * )
[482]
الله فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا ويحكم اما تشتاقون إلى الجنة ( 1 ) أما تحبون
أن يغفر الله لكم .
فشد وشدوا معه وقاتلوا قتالا شديدا فقتل أبوعرفاء وشدت
ربيعة بعدها شدة عظيمة على صفوف أهل الشام .
وقال نصر : فاضطرب الناس ذلك اليوم بالسيوف حتى قطعت وتكسرت
وصارت كالمناجل وتطاعنوا بالرماح حتى تناثرت أسنتها ( 2 ) ثم جثوا على الركب
فتحاثوا بالتراب ثم تعانقوا وتكادموا بالافواه ثم تراموا بالصخرة والحجارة ثم
تحاجزوا فكان الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول : كيف أصير
إلى رايات بني فلان ؟ فيقول : ها هنا لا هداك الله ويمر الرجل من أهل الشام
على أهل العراق فيقول : كيف أمضي إلى رايات بني فلان ؟ فيقولون : ها هنا لا
حفظك الله .
فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا وربيعة محدقة بعلي عليه السلام
إحداق بياض العين بسوادها .
قال نصر : وحدثني عمرو أنه لما وقف عليه السلام تحت رايات ربيعة قال
عتاب بن لقيط : يا معشر ربيعة حاموا عن علي منذ اليوم فإن أصيب فيكم
افتضحتم ألا ترونه قائما تحت راياتكم .
فقال لهم شقيق بن ثور : يا معشر ربيعة ليس لكم عذر عند العرب إن
أصيب علي وفيكم رجل حي فامنعوه اليوم واصدقوا عدوكم اللقاء .
فتعاقدت ربيعة وتحالفت بالايمان العظيمة وتبايع منهم سبعة آلاف على أن
لا ينظر رجل خلفه حتى يردوا سرادق معاوية فقاتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا لم
___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الصواب الموافق لكتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد ، وكان مذكورا في هامش
طبع الكمباني من كتاب البحار بعنوان : " خ .
ل " وكان في متنه : " أما تشتان إلى
الموت ... " .
( 2 ) كذا في أصلي - غير انه كان فيه : " حتى قطعت وتكسرت " - وصوبه تحقق كتاب صفين
ب " تعطفت " أى تلوت وثنت .
وفيه أيضا : " وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت " .
وفى شرح ابن أبي الحديد : " وتطاعنوا بالرماح حتى تقصفت وتناثرت أسنتها .
.
" .
( * )
[483]
يكن قبله مثله وأقبلوا نحو سرادق معاوية فلما نظر إليهم قد أقبلوا قال :
إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت * كتائب منها كالجبال تجالد
ثم قال لعمرو يا عمرو ما ترى ؟ قال : أرى أن لا تحنث أخوالي اليوم
فقام معاوية وخلا لهم سرادقه ورحله وخرج فارا عنه لائذا ببعض مضارب
العسكر في أخريات الناس وانتهبت ربيعة سرادقه ورحله وبعث إلى خالد بن
المعمر إنك قد ظفرت ولك إمرة خراسان إن لم تتم فقطع خالد القتال ولم يتمه
وقال لربيعة قد برت أيمانكم فحسبكم .
فلما كان عام الجماعة وبايع الناس معاوية أمره معاوية على خراسان وبعثه
إليها فمات قبل أن يبلغها .
419 - قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد أن عليا ( ع ) صلى بهم هذا اليوم صلاة
الغداة ثم زحف بهم فلما أبصروه استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم
إن خيل الشام حملت على خيل العراق فاقتطعوا من أصحاب علي عليه السلام
ألف رجل أو أكثر فأحاطوا بهم وحالوا بينهم وبين أصحابهم فلم يروهم .
فنادى علي عليه السلام ألا رجل يشرى نفسه لله ويبيع دنياه بآخرته ؟ !
فأتاه رجل من جعف يقال له عبدالعزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه
غراب مقنعا في الحديد فقال : يا أمير المؤمنين مرني بأمرك .
فقال علي عليه
السلام :
سمحت بأمر لا يطاق حفيظة * وصدقا ( 1 ) وإخوان الحفاظ قليل
___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الظاهر الموافق لما في ط مصر ، ومن كتاب صفين ، وفي ط الكمباني من البحار :
شربت لامر لا يطاق حفيظة * حياء وإخوان الحفاظ قليل
وفي شرح ابن أبي الحديد هكذا :
سمحت بأمر لا يطاق حفيظة * وصدقا وإخوان الوفاء قليل
جزاك إله الناس خيرا فإنه * لعمرك فضل ما هناك جزيل
والحفيظة : الحمية والحفاظ كالمحافظة : الدفاع والمحامات عن المحارم وما ينبغي
أن يذب ويدافع عنه .
( * )
[484]
جزاك إله الناس خيرا فقد وفت * يداك بفضل ما هناك جزيل
فقال عليه السلام [ يا أبا الحارث ] شد الله ركنك احمل على أهل الشام
حتى تأتي أصحابك فتقول لهم : إن أمير المؤمنين عليه السلام يقرأ عليكم
السلام ويقول لكم : هللوا وكبروا من ناحيتكم ونهلل ونكبر من ناحيتنا
واحملوا ونحمل عليهم فضرب الجعفي فرسه وقاتلهم حتى خلص إلى أصحابه
فلما رأوه استبشروا به وفرحوا وقالوا : ما فعل أمير المؤمنين ؟ قال : صالح
يقرئكم السلام ويقول : هللوا وكبروا واحملوا حملة رجل واحد ونحمل من
جانبنا ففعلوا ما أمرهم به وهللوا وكبروا وهلل علي وكبر هو وأصحابه وحمل
على أهل الشام وحملوهم ومن وسط أهل الشام فانفرج القوم عنهم وخرجوا
وما أصيب منهم رجل واحد ولقد قتل من فرسان الشام يومئذ زهاء سبعمائة
نفر وكان علي عليه السلام من أعظم الناس اليوم عناء .
قال : وكان علي لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق ذلك على مضر
وأظهروا لهم القبيح وأبدوا ذات أنفسهم .
فقام أبوالطفيل عامر بن واثلة وعمير بن عطارد وقبيصة بن جابر وعبد
الله بن الطفيل في وجوه قبائلهم فأتوا عليا عليه السلام فتكلم أبوالطفيل
فقال : إنا والله يا أمير المؤمنين ما نحسد قوما خصهم الله منك بخير وإن هذا
الحي من ربيعة قد ظنوا أنهم أولى بك منا فاعفهم عن القتال أياما واجعل
لكل امرئ منا يوما نقاتل فيه فإنا إذا اجتمعنا اشتبه عليك بلاؤنا فقال عليه
السلام نعم أعطيكم ما طلبتم .
وأمر ربيعة أن تكف عن القتال وكانت بإزاء
اليمن من صفوف الشام .
فغدا أبوالطفيل في قومه من كنانة وهم جماعة عظيمة
فتقدم أمام الخيل واقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف إلى علي عليه السلام وأثنى
عليه خيرا .
[485]
ثم غدا في اليوم الثاني عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم وهو يومئذ
سيد مضر كوفة فقاتل أصحابه قتالا شديدا
ثم غدا في اليوم الثالث قبيضة في بني أسد فقاتل القوم إلى أن دخل
الليل .
ثم غدا في اليوم الرابع عبدالله بن الطفيل في جماعة هوازن فحاربهم حتى
الليل فانصرفوا .
قال نصر : وكتب عقبة بن مسعود عامل علي عليه السلام على الكوفة
إلى سليمان بن صرد الخزاعي وهو مع علي عليه السلام : أما بعد فإنهم " إن
يظهروا عليكم ويرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا " ( 1 ) فعليك
بالجهاد والصبر مع أمير المؤمنين عليه السلام والسلام .
420 - قال نصر : وحدثنا عمر بن سعد وعمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر
عليه السلام قال : قام علي عليه السلام فخطب الناس بصفين فقال :
الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر والفاجر وعلى
حججه البالغة على خلقه من أطاعه منهم ومن عصاه إن يرحم فبفضله ومنه ،
وإن عذب فبما كسبت أيديهم ( 1 ) وإن الله ليس بظلام لعبيد .
___________________________________________________________
( 1 ) اقتباس من الآية : ( 20 ) من سورة الكهف .
( 2 ) كذا في ط الكمباني من البحار ، ومثله في شرح ابن أبي الحديد ، وفي ط مصر من
كتاب صفين : " إن رحم فبفضله ومنه ، وإن عذب فبما كسبت أيديهم ... " .
وفي رواية الصدوق رحمه الله : " إن يعف فبفضل منه ، وإن يعذب فبما قدمت
أيديهم وما الله بظلام للعبيد ... " .
( * )
[486]
أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء وأستعينه على ما نابنا من أمر الدنيا
والآخرة وأتوكل عليه وكفى بالله وكيلا ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ارتضاه
لذلك وكان أهله واصطفاه على جميع العباد لتبليغ رسالته وجعله رحمة منه على
خلقه وكان كعلمه فيه رؤوفا رحيما أكرم خلق الله حسبا وأجمله منظرا وأسخاه
نفسا وأبره بوالد وأوصله لرحم وأفضله علما وأثقله حلما وأوفاه بعهد وآمنه على
عقد لم يتعلق عليه مسلم ولا كافر بمظلمة قط بل كان يظلم فيغفر ويقدر
فيصفح فيعفو حتى مضى صلى الله عليه وآله مطيعا لله صابرا على ما
أصابه مجاهدا في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله فكان
ذهابه أعظم المصيبة على جميع أهل الارض البر والفاجر .
ثم [ إنه ] فيكم كتاب الله يأمركم بطاعة الله وينهاكم عن معصيته ( 1 )
وقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله عهدا فلست أحيد عنه وقد
حضرتم عدوكم وعلمتم أن رئيسهم منافق بن منافق يدعوهم إلى النار وابن عم
نبيكم معكم وبين أظهركم يدعوكم إلى الجنة وإلى طاعة ربكم والعمل بسنة
نبيكم .
ولا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بالصلاة مع رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أحد ( 2 ) وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق بن طليق ، والله
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ومثله في شرح ابن أبي الحديد ، غير أن ما بين المعقوفين غير موجود في
أصولي وإنما هي زيادة تجميلية منا .
وفي كتاب صفين : " ثم ترك كتاب الله فيكم يأمر بطاعة الله وينهى عن
معصيته " .
( 2 ) كذا في ط الكمباني من البحار ، وفي ط مصر من كتاب صفين : " لم يسبقني بصلاتي
مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله وسلم ] أحد ... " .
وفي شرح ابن أبي الحديد : " لم يسبقني بصلاة مع رسول الله أحد ... " .
( * )
[487]
إنا على الحق وإنهم على الباطل ولا يجتمعن عليه وتتفرقوا عن حقكم ( 1 ) حتى
يغلب باطلهم حقكم * ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ) * فإن لم تفعلوا ليعذبنهم
الله بأيدي غيركم ( 2 ) .
فقام أصحابه فقالوا : يا أمير المؤمنين عليه السلام انهض بنا إلى عدونا
وعدوك إذا شئت فو الله ما نريد بك بدلا بل نموت معك [ ونحيا معك ] .
فقال لهم : والذي نفسي يده لنظر إلي النبي صلى الله عليه وآله
[ و ] أضرب بين يديه بسيفي هذا فقال : " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي "
فقال لي : " يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
وموتك وحياتك يا علي معي " والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل
بي ولا نسيت ما عهد إلي وإني على بينة من ربي وعلى الطريق الواضح ألقطه
لقطا ( 3 ) .
ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق
الاحمر وما كانت صلاة القوم في ذلك اليوم إلا تكبيرا .
421 - قال نصر : وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن صعصعة بن
صوحان قال : برز في أيام صفين رجل اشتهر بالبأس والنجدة اسمه كريب بن
الوضاح فنادى من يبارز ؟ فخرج إليه المرتفع ابن الوضاح فقتله ثم نادى من
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في الاصل المطبوع ، وفي كتاب صفين : " فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا
وتفرقون عن حقكم حتى يغلب باطلهم حقكم .
وفي شرح ابن أبي الحديد : " فلا يجتمعن ع ؟ ؟ باطلهم وتتفرقوا عن حقكم ... " .
( 2 ) كذا في أصلي ، وما بين القوسين مقتبس من الآي : " 14 " من سورة التوبة .
وفي
كتاب صفين وشرح ابن الحديد : " فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم " .
( 3 ) هذا هو الصواب الموافق لما في أمالي الصدوق رفع الله مقامه ، ومعنى ألقطه لقطا :
كنت أخذت منه أخذا كأخذ الفرخ من أمه ، أي علمنيه بحنان وعناية وحرص
وأخذت منه برغبة وولع وحرص .
وها هنا في أصلي وكتاب صفين ط مصر ، وشرح
ابن أبي الحديد ط بيروت تصحيف .
( * )
[488]
يبارز ؟ فخرج إليه الحارث بن الجلاح فقتله ، ثم نادى : من يبارز ؟ فخرج إليه
عائذ بن مسروق الهمداني فقتله ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ونادى
من يبارز ؟ .
فخرج إليه علي عليه السلام وناداه : ويحك يا كريب إني أحذرك الله
وبأسه ونقمته وأدعوك إليه سنة الله وسنة رسوله ويحك لا يدخلنك معاوية النار
فكان جوابه أن قال : ما أكثر ما قد سمعت منك هذه المقالة ولا حاجة لنا فيها
أقدم إذا شئت من يشتري سيفي وهذا أثره .
فقال علي : ولا حول ولا قوة إلا
بالله ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه .
ثم نادى من يبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث ثم
نادى من يبارز ؟ فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني فقتل مطاعا ثم نادى من
يبرز ؟ فلم يبرز إليه أحد فنادى * ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات
قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله
واعلموا أن الله مع المتقين ) * [ 194 / البقرة : 2 ] يا معاوية هلم إلي فبارزني ولا
يقتلن الناس فيما بيننا .
فقال عمرو بن العاص : اغتنمه منتهزا قد قتل ثلاثة من أبطال العرب
وإني أطمع أن يظفرك الله به ! ! فقال معاوية : والله لن تريد إلا أن أقتل فتصيب
الخلافة بعدي إذهب إليك فليس مثلي يخدع .
قال نصر : وخطب عبدالله بن العباس في هذا اليوم وقال بعد الحمد والثناء
والشهادة بالتوحيد والرسالة :
وقد ساقنا قدر الله إلى ما ترون حتى كان مما اضطرب من حبل هذه الامة
وانتشر من أمرها أن معاوية بن أبي سفيان وجد من طغام الناس أعوانا على
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصهره وأول ذكر صلى معه
بدري قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله كل مشاهده التي منها
الفضل ومعاوية مشرك يعبد الاصنام والذي ملك الملك وحده وبان به وكان
أهله لقد قاتل علي بن أبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول
" صدق الله ورسوله " ومعاوية يقول : " كذب الله ورسوله " .
( * )
[489]
فعليكم بتقوى الله والجد والحزم والصبر والله إنكم لعلى حق وإن القوم
لعلى باطل فلا يكونن أولى بالجد على باطلهم منكم في حقكم وإنا لنعلم أن
سيعذبهم الله بأيديكم أو بأيدي غيركم .
اللهم أعنا ولا تخذلنا وانصرنا على عدونا ولا تخل عنا وافتح بيننا وبين
قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين .
422 - قال نصر : وحدثنا عمرو عن عبدالرحمن بن جندب بن عبدالله قال : قام
عمار يوم صفين فقال : انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون
بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله إنما قتله الصالحون
المنكرون للعدوان الآمرون بالاحسان فقالوا هؤلاء الذين لا يبالون إذا
سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين : لم قتلتموه ؟ فقلنا : لاحداثه فقالوا : إنه
لم يحدث شيئا وذلك لانه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو
انهدمت الجبال والله ما أظنهم يطلبون بدم إنهم ليعلمون أنه لظالم ولكن القوم
دانوا للدنيا فاستحبوها واستمرؤها وعلموا أن صاحب الحق لو وليهم لحال
بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها ( 1 )
إن القوم لم تكن لهم سابقة في الاسلام يستحقون بها الطاعة والولاية
فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوما .
ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا
تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولاها ما بايعهم من الناس رجلان .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من أصلي ، وفي كتاب صفين : " وذلك لانه مكنهم من الدنيا
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 489 سطر 19 الى ص 497 سطر 18
فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدت عليهم الجبال ! ! والله ما أظنهم يطلبون دمه
إنهم ليعلمون أنه لظالم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمروها ، وعلموا لو أن
صاحب الحق لزمهم لحال بينهم وبين [ ما يأكلون و ] يرعون فيه منها .
وفي ط بيروت من شرح ابن أبي الحديد : " ولكن القوم ذاقوا الدينا فاستحلوها
واستمرؤها وعلموا أن صاحب الحق لو وليهم لحال ... "
وقريبا منه رواه الطبري بسند آخر في عنوان : " مقتل عمار " من تاريخ الامم
والملوك : ج 5 ص 39 ، وفي ط : ج 1 ، ص 3318 .
( * )
[490]
اللهم إن تنصرنا فطال ما نصرت وإن تجعل لهم الامر فادخر لهم بما
أحدثوا لعبادك العذاب الاليم .
ثم مضى ومضى معه أصحابه فدنا من عمرو بن العاص فقال : يا عمرو
بعت دينك بمصر فتبا لك فطال ما بغيت الاسلام عوجا .
وفي كتاب نصر : ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر وذلك قبل مقتله فقال :
يا ابن عمر صرعك الله بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الاسلام ؟ قال :
كلا ولكني أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم .
قال : كلا أشهد على علمي فيك
أنك أصبحت لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله وإنك إن لم تقتل اليوم
فتموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك ( 1 ) .
ثم قال : اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي
هذا البحر لفعلت .
اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني
ثم أنحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت .
اللهم إني أعلم مما علمتني أني لا أعمل عملا اليوم هذا هو أرضى لك
من جهاد هؤلاء القاسطين ولو أعلم اليوم عملا هو أرضى لك منه لفعلته ( 2 ) .
___________________________________________________________
( 1 ) رواه نصر في أواسط الجزء ( 5 ) قبيل قضية ليلة الهرير من كتاب صفين ص 320 ط مصر .
ورواه أيضا الطبري بسندين عن أبي مخنف في عنوان : " مقتل عمار بن ياسر "
من تاريخه : ج 5 ص 39 ط بيروت .
وها هنا في ط بيروت من شرح ابن أبي الحديد : ج 2 ص 257 ما بنبغي أن
يتثبت فيه فإن أمره داثر بين أن يكون محرف هذا الحديث ، أو أنه حديث آخر سقط
عن كتاب صفين والبحار ؟ !
( 2 ) وهذا رواه أيضا الاسكافي المتوفى عام : ( 240 ) في كتاب المعيار والموازنة ص 106 ،
ط 1 ، والطبري في أول عنوان : " مقتل عمار بن ياسر " من تاريخ الامم والملوك :
ج 1 ، ص 3317 ، وفي ط الحديث ببيروت : ج 5 ص 38 .
( * )