[ 51 ]
ليس لكما ولا لغيركما فيه مطعن فلم تذكراه فهلا اغتفرتما اليسير للكثير ؟ وليس
هذا اعترافا بأن ما نقماه موضع الطعن والعيب ولكنه على جهة الاحتجاج .
وقال ابن ميثم : أشار باليسير الذي نقماه إلى ترك مشورتهما وتسويتهما
لغيرهما في العطاء فإنه وإن كان عندهما صعبا فهو لكونه غير حق في غاية
السهولة والكثيرة الذي أرجاه ما أخراه من حقه ولم يوتياه إياه .
وقيل : يحتمل أن يريد أن الذي أبدياه ونقماه بعض ما في أنفسهما وقد دل
ذلك على أن في أنفسهما أشياء كثيرة لم يظهراه .
والاستيثار : الانفراد بالشئ .
ودفع الحق عنهما أعم من أن يصير إليه ( عليه السلام ) أو إلى غيره أو لم يصير
إلى أحد بل بقي بحاله في بيت المال ، والاستيثار عليهما به هو أن يأخذ حقهما
لنفسه .
وجهل الحكم أن يكون الله قد حكم بحرمة شئ فأحله الامام ،
وجهل الباب أن يصيب في الحكم ويخطئ في الاستدلال أو يكون جهل
الحكم بمعنى التحير فيه وأن لا يعلم كيف يحكم والخطأ في الباب أن يحكم
بخلاف الواقع .
والاربة بالكسر : الحاجة .
والاسوة بالضم والكسر : القدوة أي
أسوتكما بغيركما في العطاء .
ويقال للامر الذي لا يحتاج إلى تكميل مفروغ منه .
والعتبى : الرجوع من الذنب والاساءة .
35 - نهج : [ و ] من كلام له ( عليه السلام ) في وصف بيعته بالخلافة
وبسطتم يدي فكففتها ومددتموها فقبضتها ثم تداككتم على تداك الابل الهيم
على حياضها يوم ورودها انقطعت النعل وسقطت الرداء ، ووطئ
الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير وهدج
إليها الكبير وتحامل نحوها العليل وحسرت إليها الكعاب .
___________________________________________________________
35 - ذكره السيد قدس سره في المختار : ( 227 ) من كتاب نهج البلاغة .
وللكلام شواهد كثيرة بعضها مذكور في الحديث : ( 252 ) من ترجمة على من
أنساب الاشراف .
( * )
[ 52 ]
بيان تداككتم أي ازدحمتم إزدحاما شديدا يدك بعضكم بعضا والدك :
الدق .
والهيم : العطاش .
وقال الجوهري : الهدجان : مشية الشيخ .
وهدج
الظليم إذا مشى في ارتعاش .
وحسرت أي كشفت عن وجهها حرصا على
حضور البيعة .
والكعاب - بالفتح - المرأة حين تبدو ثديها للنهود هي الكاعب
وجمعها كواعب ذكره [ إبن الاثير ] في [ كتاب ] النهاية .
36 - نهج ومن كلام له [ عليه السلام ] يعني به الزبير في حال اقتضت
ذلك : يزعم أنه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه فقد أقر بالبيعة وادعى الوليجة
فليأت عليها بأمر يعرف وإلا فليدخل فيها خرج منه .
بيان الوليجة : البطانة .
والامر يسر ويكتم .
قال ابن أبي الحديد : كان
الزبير يقول : بايعت بيدي لا بقلبي وكان يدعي تارة أنه أكره عليها و [ تارة ]
يدعي أنه ورى في البيعة تورية ! ! فقال عليه السلام : بعد الاقرار لا يسمع
دعوى بلا بينة ولا برهان .
37 - نهج ومن كلام له ( عليه السلام ) : وقد أرعدوا وأبرقوا ومع هذين
الامرين الفشل ولسنا نرعد حتى نوقع ولا نسيل حتى نمطر .
بيان يقال : أرعد الرجل وأبرق إذا توعد وتهدد .
قوله ( عليه السلام ) :
" حتى نوقع " لعل المعنى لسنا نهدد حتى نعلم أنا سنوقع .
قوله عليه السلام
" حتى نمطر " أي إذا أوقعنا بخص ؟ ؟ ا أوعدنا حينئذ بالايقاع غيره من خصومنا .
38 - نهج ومن خطبة له ( عليه السلام ) : ألا وإن الشيطان قد جمع حزبه
واستجلب خيله ورجله وإن معي لبصيرتي ما لبست على نفسي ولا لبس علي
وأيم الله لافرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه ولا يعودون إليه .
___________________________________________________________
36 - 37 - رواها السيد الرضي رحمه الله في المختار ( 8 - 10 ) من الباب الاول من نهج
البلاغة .
( * )
[ 53 ]
بيان قال ابن ميثم : هذا الفصل ملتقط [ و ] ملفق من خطبة له ( عليه
السلام ) لما بلغه أن طلحة والزبير خلعا بيعته وهو غير منتظم .
والرجل : جمع
راجل .
وقال ابن أبي الحديد في قوله : " لافرطن لهم " من رواها بفتح الهمزة
فأصله : فرط ثلاثي يقال فرط القوم : سبقهم ورجل فرط يسبق القوم إلى البئر
فيهئ لهم الارشية والدلاء ومنه قوله : " أنا فرطكم على الحوض " ويكون
التقدير : لافرطن لهم إلى حوض فحذف الجار وعدى الفعل بنفسه كقوله
تعالى : " واختار موسى قومه " ويكون اللام في " لهم " إما للتقوية كقوله :
" يؤمن للمؤمنين " أي يؤمن المؤمنين أو يكون اللام للتعليل أي لاجلهم .
ومن رواها " لافرطن " بضم الهمزة فهو من [ قولهم ] : أفرط المزادة :
ملاها .
" والماتح " [ بالتاء ] : المستقي [ من قولهم ] : " متح يمتح " بالفتح
" والمايح " بالياء الذي ينزل إلى البئر فيملا الدلو .
وقال : [ معنى قوله ] : " أنا
ماتحه " أي أنا خبير به كما يقول من يدعي معرفة الدار : أنا باني هذه الدار
وحاصل المعنى لاملان لهم حياض حرب [ هي من دربتي وعادتي ] أو لاسبقنهم
إلى حياض حرب أنا متدرب بها مجرب لها إذا وردوها لا يصدرون عنها يعني
قتلهم [ وإزهاق أنفسهم ] ومن فر منها لا يعود إليها .
39 - نهج ومن خطبة له عليه السلام : ألا وإن الشيطان قد ذمر حزبه
واستجلب جلبه ليعود الجور إلى أوطانه ويرجع الباطل في نصابه .
والله ما أنكروا علي منكرا ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا وإنهم ليطلبون
___________________________________________________________
39 - ورواه السيد الرضي في المختار : ( 22 ) من الباب الاول من نهج البلاغة ، وللكلام
مصادر وشواهد أخر يجدها الباحث في المختار : ( 79 - 93 ) من كتاب نهج السعادة :
ج 1 ، 258 و 302 ط 2 .
( * )
[ 54 ]
حقا هم تركوه ودما هم سفكوه فلئن كنت شريكهم فيه فإن لهم لنصيبهم
منه .
ولئن كانوا ولوه دوني فما التبعة إلا عندهم وإن أعظم حجتهم لعلى
أنفسهم يرتضعون أما قد فطمت ويحيون بدعة قد أميتت يا خيبة الداعي من
دعا وإلى ما أجيب وإني لراض بحجة الله تعالى عليهم ( 1 ) وعلمه فيهم فإن أبوا
أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من الباطل وناصرا للحق .
ومن العجب بعثهم إلى أن أبرز للطعان وأن أصبر للجلاد ؟ ! هبلتهم الهبول
لقد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب وإني لعلى يقين من ربي وغير
شبهة من ديني .
بيان : قوله [ عليه السلام ] : " قد ذمر " يروي بالتخفيف والتشديد ،
وأصله الحث والترغيب .
و " الجلب " : الجماعة من الناس وغيرهم يجمع
ويؤلف .
قوله ( ع ) : " [ ليعود الجور ] إلى أوطانه " يروى " ليعود الجور إلى قطابه "
والقطاب : مزاج الخمر بالماء أي ليعود الجور ممتزجا بالعدل كما كان .
ويجوز أن
يعني بالقطاب قطاب الجيب وهو مدخل الرأس فيه أي ليعود الجور إلى لباسه
وثوبة .
والنصاب : الاصل .
والذي أنكروه قتل عثمان .
والنصف بالكسر
الاسم من الانصاف .
قوله عليه السلام : " يرتضعون أما " أي يطلبون الشئ بعد فواته لان
الام إذا فطمت ولدها فقد انقضى رضاعها ولعل المراد به أن طلبهم لدم
عثمان لغو لا فائذة فيه .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي وفي غير واحد مما عندي من نسخ نهج البلاغة : " بحجة الله
عليهم ... " .
( * )
[ 55 ]
وقال ابن ميثم : استعار لفظة الام للخلافة فبيت المال لبنها والمسلمون
أولادها المرتضعون وكنى بارتضاعهم لها عن طلبهم منه ( عليه السلام ) من
الصلاة والتفضيلات مثل ما كان عثمان يصلهم .
وكونها قد فطمت عن منعه
( عليه السلام ) .
وقوله : " يحيون بدعة قد أميتت " إشارة إلى ذلك التفضيل
فيكون بمنزلة التأكيد للقرينة السابقة .
ويحتمل أن يكون المراد بالام التي قد فطمت ما كان عادتهم في الجاهلية
من الحمية والغضب وإثارة الفتن .
وبفطامها اندراسها بالاسلام فيكون ما بعده
كالتفسير له .
والنداء في قوله : " يا خيبة الداعي " كالنداء في قوله تعالي : * ( يا حسرة على
العباد ) * أي يا خيبة أحضري فهذا أوانك " والداعي " هو أحد الثلاثة طلحة
والزبير وعائشة ثم قال على سبيل الاستحقار لهم : " من دعا وإلى ما أجيب "
أي احقر بقوم دعاهم هذا الداعي واقبح بالامر الذي أجابوه إليه فما أفحشه
وأرذله .
وقال الجوهري : هبلته أمه بكسر الباء أي ثكلته .
والهبول من النساء :
الثكول .
قوله عليه السلام : " لقد كنت " قال ابن أبي الحديد : أي ما زلت لا
أهدد بالحرب والواو زائدة وهذه كلمة فصيحة كثيرا ما يستعملها العرب وقد
ورد في القرآن العزيز كان بمعنى ما زال في قوله : " وكان الله عليما حكيما " .
40 - أقول : قال ابن ميثم رحمه الله بعد إيراد تلك الفقرات : أكثر هذا الفصل
من الخطبة التي ذكرنا أنه عليه السلام خطبها حين بلغه أن طلحة والزبير خلعا
___________________________________________________________
40 - رواه كمال الدين ابن ميثم رفع الله مقامه في شرح المختار : ( 22 ) من نهج البلاغة :
ج 1 ، ص 333 ط بيروت .
( * )
[ 56 ]
بيعته وفيه زيادة ونقصان ونحن نوردها بتمامها وهي بعد حمد الله والثناء عليه
والصلاة على رسوله :
أيها الناس إن الله افترض الجهاد فعظمه وجعله نصرته وناصره ، والله ما
صلحت دين ولا دنيا إلا به ، وقد جمع الشيطان حزبه واستجلب خليه ومن
أطاعه ليعود له دينه وسنته [ وخدعه ] وقد رأيت أمورا قد تمخضت .
والله ما أنكروا علي منكرا ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا إنهم ليطلبون
حقا تركوه ودما سفكوه فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم لنصيبهم منه ، وإن
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 56 سطر 8 الى ص 64 سطر 8
كانوا لولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم وإن أول عدلهم لعلى أنفسهم ولا اعتذر
مما فعلت ولا أتبرء مما صنعت إن معي لبصيرتي ما لبست ولا لبس علي وإنها
للفئة الباغية فيها الحم والحمة طالت جلبتها وانكفت جونتها ليعودن الباطل
ألى نصابه .
يا خيبة الداعي لو قيل ما أنكر من ذلك وما إمامه وفيمن سننه [ وفيما
سنته " خ ل " ] والله إذا لزاح الباطل عن نصابه وانقطع لسانه وما أظن الطريق
له فيه واضح حيث نهج .
ولالله ما تاب من قتلوه قبل موته ولا تنصل عن خطيئته وما اعتذر إليهم
فعذروه ولا دعا فنصروه .
وأيم الله لافرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه بري ولا يعبون
حسوة أبدان وإنها لطيبة نفسي بحجة الله عليهم وعلمه فيهم وإني داعيهم
فمعذر إليهم فإن تابوا وقبلوا وأجابوا وأنابوا فالتوبة مبذولة والحق مقبول وليس
علي كفيل وإن أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من باطل وناصرا
لمؤمن ، ومع كل صحيفة شاهدها كاتبها .
والله إن الزبير وطلحة وعائشة ليعلمون أني على الحق وهم مبطلون .
وقال رحمه الله : تمخضت : تحركت والتبعة : ما يلحق الانسان من درك .
والحم فتح الحاء وتشديد الميم : بقية الالية التي أذيبت وأخذ دهنها .
والحمة :
[ 57 ]
السواد .
وهما استعارتان لاراذل الناس وعوامهم لمشابهتهم حم الالية وما اسود
منها في قلة المنفعة والخير .
والجلبة : الاصوات .
وجونتها بالضم : سوادها .
وانكفت واستكفت أي استدارت .
وزاح وانزاح : تنحى .
وتنصل من الذنب :
تبرأ منه .
والعب : الشرب من غير مص .
والحسوة بضم الحاء : قدر ما يحسى
مرة واحدة .
والجلاد : المضاربة بالسيف .
والهبول : الثكلى .
والهبل : الثكل .
واعلم أنه عليه السلام نبه أولا على فضل الجهاد لان غرضه استنفارهم
لقتال : أهل البصرة وقوله : " وقد رأيت أمورا " إشارة إلى تعيين ما يستنفرهم
إليه وهو ما يحس به من مخالفة القوم وأهبتهم لقتاله ، وقوله : " والله ما
أنكروا " إشارة إلى بطلان ما ادعوه منكرا ونسبوه إليه من قتل عثمان
والسكوت عن النكير على قاتليه ، فأنكر أولا إنكارهم عليه تخلفه عن عثمان
الذي زعموا أنه منكر ولما لم يكن منكرا كان ذلك الانكار عليه هو المنكر .
وقوله : " وإنهم ليطلبون " إشارة إلى طلبهم لدم عثمان مع كونم شركاء
فيه .
روى الضبري في تاريخه ( 1 ) أن عليا كان في ماله بخيبر لما أراد الناس حصر
عثمان فقدم المدينة والناس مجتمعون على طلحة في داره فبعث عثمان إليه
يشكو أمر طلحة فقال : أما أكفيكه فانطلق إلى دار طلحة وهي مملوءة بالناس
فقال له : يا طلحة ما هذا الامر الذي صنعت بعثمان ؟ فقال طلحة : يا أبا
الحسن أبعد أن مس الحزام الطبيين .
فانصرف علي عليه السلام إلى بيت المال فأمر بفتحه فلم يجدوا المفتاح
فكسر الباب وفرق ما فيه على الناس فانصرفوا من عند طلحة حتى بقي وحده
فسر عثمان بذلك وجاء طلحة إلى عثمان فقال له : يا أمير المؤمنين إني أردت
___________________________________________________________
( 1 ) ذكر الطبري في الحديث : ( 9 ) من عنوان : " خلافة أمير المؤمنين علي ... " في
حوادن سنة : ( 35 ) من تاريخه : ج 4 ص 430 .
( * )
[ 58 ]
أمرا فحال الله بيني وبينه وقد جئتك تائبا ! فقال : والله ما جئت تائبا ولكن
جئت مغلوبا الله حسيبك يا طلحة .
وروى الطبري أيضا أنه كان لعثمان على طلحة خمسون ألفا فقال له
طلحة يوما : قد تهيأ مالك فاقبضه .
فقال : هو لك معونة على مروتك فلما
حصر عثمان قال علي ( عليه السلام ) لطلحة : أنشدك الله إلا كففت عن
عثمان فقال : لا والله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها ( 1 ) فكا علي بعد
ذلك يقول : لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان مثل ما أعطاه وفعل به ما فعل .
وروي أن الزبير لما برز لعلي عليه السلام يوم الجمل قال له : ما حملك يا
أبا عبدالله على ما صنعت ؟ قال : أطلب بدم عثمان .
فقال له : أنت وطلحة
وليتماه ، وإنما توبتك من ذلك أن تقدم نفسك وتسلمها إلى ورثته .
وبالجملة فدخولهم في قتل عثمان ظاهر .
قوله ( عليه السلام ) : " وإن أول عدلهم " أي إن العدل الذي يزعمون
أنهم يقيمونه في الدم المطلوب ينبغي أن يصنعوه أولا على أنفسهم .
قوله : " ولا أعتذر " أي الاعتذار الذي فعلته في وقت قتل عثمان لم يكن
على وجه تقصير في الذي يوجب الاعتذار والتبرء منه .
وقوله ( عليه السلام ) : " طالت جلبتها " كناية عما ظهر من القوم من
تهديدهم وتوعدهم بالقتال : " وانكفت جونتها " أي استدار سوادها واجتمع كناية
عن تجمع جماعتهم لما يقصدون .
وقوله ( عليه السلام ) : " ليعودن " توعد لهم بعود ما كانوا عليه من الباطل
في الجاهلية واستنفار إلى القتال .
___________________________________________________________
( 1 ) إلى هنا رواه الطبري مسندا قبيل عنوان : " ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله أمر عثمان
ابن عباس يحج بالناس سنة : ( 35 ) من تاريخه : ج 4 ص 405 .
( * )
[ 59 ]
وقوله ( عليه السلام ) : " يا خيبة الداعي " خرج مخرج التعجب من عظم
خيبة الدعاء إلى قتاله .
" ومن دعا وإلى ما أجيب " استفهام على سبيل
الاستحقار للمدعوين لقتاله والمناصرين إذ كانوا عوام الناس ورعاعهم
وللمدعو إليه وهو الباطل الدي دعوا لنصرته .
وقوله : " لو قيل " إلى قوله : " وانقطع لسانه " متصلة معناه ولو سأل سائل
مجادلا لهؤلاء الدعاء إلى الباطل عما أنكروه من أمري وعن إمامهم الذي به
يقتدون وفيمن سنتهم التي إليها يرجعون لشهد لسان حالهم بأني أنا إمامه .
وفي سنتهم فانزاح باطلهم الذي أتوا به " وانقطع لسانه " على الاستعارة أو
بحذف المضاف أي لسان صاحبه .
وقوله " وما أظن " عطف على قوله : " وانقطع لسانه " و " واضح " مبتدأ " وفيه "
خبره والجملة في محل النصب مفعول ثان لاظن أي ما أظن لو سأل السائل
عن ذاك أن الطرليق الذي يرتكبه المجيب له فيه مجال بين ومسلك واضح
حيث سلك بل كيف توجه في الجواب انقطع .
وقوله : " والله ما تاب " إلى
قوله : " فنصروه " إشارة إلى عثمان وذم لهم من جهة طلبهم بدم من اعتذر
إليهم قبل موته فلم يعذروه ودعاهم إلى نصرته في حصاره فلم ينصروه مع
تمكنهم من ذلك .
وقوله : " ولا يعبون حسوة " كناية عن عدم تمكينه لهم من هذا الامر أو
شئ منه .
وقوله : " وإنها لطيبة نفسي بحجة الله عليهم " نفسي منصوب بدلا من
الضمير المتصل بإن أو بإضمار فعل تفسير له " وحجة الله " إشارة إلى الاوامر
الصادرة بقتل الفئة الباغية كقوله تعالى : " فقاتلوا التي تبغي " أي أني راض
بقيام حجة الله عليهم وعلمه بما يصنعون .
وقوله " وليس علي كفيل " أي لا احتاج فيما أبذله لهم من الصفح والامان
على تقدير إنابتهم إلى ضامن " وشافيا وناصرا " منصوبان على التميز .
( * )
[ 60 ]
وقوله : " ومع كل صحيفة " الواو للحال أي إنهم إن لم يرجعوا أعطيتهم حد
السيف والملائكة الكرام والكاتبون يكتب كل منهم أعمال من وكل به في
صحيفته ويشهد بها في محفل القيامة انتهى .
قوله [ أي ابن ميثم رحمه الله ] : " من اعتذر إليهم " الظاهر أنه حمل
الكلام على الاستفهام الانكاري ويحتمل وجها آخر بأن يكون المراد نفى توبته
وتنصله واعتذاره ودعوته فيستحق النصرة لكن ما ذكره أوفق بالاخبار والضمير
في أنها يحتمل أن يكون للقصة .
41 - 44 - أقول : قال ابن أبي الحديد ( 1 ) : روى أبومخنف عن مسافر بن
عفيف بن أبي الاخنس قال : لما رجعت رسل علي ( عليه السلام ) من عند
طلحة والزبير وعائشة يؤذنونه بالحرب قام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
رسول ثم قال :
أيها الناس إني قد راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا أو يرجعوا ووبختهم
ينكثهم وعرفتهم بغيهم فلم يستجيبوا ، وقد بعثوا إلي أن أبرز للطعان واصبر
للجلاد إنما تمنيك نفسك أماني الباطل وتعدلك الغرور .
ألا هبلتهم الهبول لقد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب ولقد
أنصف القارة من راماها فليرعدوا وليبرقوا فقد رأوني قديما وعرفوا نكايتي فقد
رأوني أنا أبوالحسن الذي فللت حد المشركين وفرقت جماعتهم وبذلك القلب
ألقى عدوي اليوم وإني لعلى ما وعدني ربي من النصر والتأييد وعلى يقين من
أمري وفي غير شبهة من ديني .
أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب ليس عن الموت محيد
___________________________________________________________
( 1 ) رواه ابن أبي الحديد مع الخطبة التالية في شرح المختار : ( 22 ) من نهج البلاغة من
شرحه : ج 1 ، ص 247 - 249 ط الحديث ببيروت .
( * )