[ 61 ]

ولا محيص من لم يقتل مات [ و ] إن أفضل الموت القتل والذي نفس علي بيده لالف ضربة بالسيف أهون من موته واحدة على الفراش .
اللهم إن طلحة نكث بيعتي وألب على عثمان حتى قتله ثم عضهني به ورماني اللهم فلا تمهله .
اللهم إن الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر علي عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت .
قال : وروى أبوالحسن المدائني عن عبدالله بن جنادة قال : قدمت من الحجاز أريد العراق في أول إمارة علي فمررت بمكة فاعتمرت ثم قدمت المدينة فدخلت مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس وخرج علي عليه السلام متقلدا سيفه فشخصت الابصار نحوه فحمد الله وأثنى عليه وصلى الله على رسوله ثم قال : أما بعد فإنه لما قبض الله نبيه قلنا نحن أهل وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع إذا تنزى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الامرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الاعين منا لذلك وخشنت الصدور وجزعت النفوس .
وايم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه ، فولي الامر ولاة لم يألوا الناس خيرا ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي فبايعتموني على شنأ مني لامركم وفراسة تصدقني عما في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ، ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم بينكم .
اللهم فخذهما بما عملا أخذة رابية ولا تنعش لهما صرعة ولا تقلهما عثرة ولا تمهلهما فواقا فإنهما يطلبان حقا تركاه ودما سفكاه .
( * )

[ 62 ]

اللهم إني اقتضيتك وعدك فإنك قلت وقولك الحق لمن بغي عليه لينصرنه الله اللهم فأنجز لي موعدي ولا تكلني إلى نفسي إنك على كل شئ قدير .
ثم نزل .
وروى الكلبي قال : لما أراد علي عليه السلام المسير إلى البصرة قام فخطب الناس فقال بعد أن حمد الله وصلى على رسوله : إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالامر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم والناس حديثوا عهد بالاسلام والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن يعكسه أقل خلق .
فولي الامر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا ثم انتقلوا إلى دار الجزاء والله ولي تمحيص سيئاتهم والعفو عن هفواتهم فما بال طلحة والزبير وليسا من هذا الامر بسبيل لم يصبرا علي حولا ولا شهرا حتى وثبا ومرقا ونازعاني أمرا لم يجعل الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين يرتضعان أما قد فطمت ويحييان بدعة قد أميتت أدم عثمان زعما [ يطالبان ] ؟ والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم وأنا راض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم فأن فاءا وأنابا فحظهما أحرزا وأنفسهما غنما وأعظم بها غنيمة وإن أبيا أعطيتهما حد السيف وكفى به ناصرا لحق وشافيا من باطل .
ثم نزل .
وروى أبومخنف عن زيد بن صوحان قال : شهدت عليا ( عليه السلام ) بذيقار وهو معتم بعمامة سوداء ملتف بساج يخطب فقال في خطبته : الحمد لله على كل أمر وحال في الغدو والآصال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ابتعثه رحمة للعباد وحياة للبلاد حين امتلات الارض فتنة واضطرب حبلها وعبد الشيطان في أكنافها واشتمل عدو الله إبليس على عقايد أهلها فكان محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الذي أطفأها الله به نيرانها

[ 63 ]

وأخمد به شرارها ونزع به أوتادها وأقام به مليها إمام الهدى والنبي المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) فلقد صدع بما أمره به وبلغ رسالات به فأصلح الله به ذات البين وآمن به السبل وحقن به الدماء وألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور حتى أتاه اليقين ثم قبضه الله إليه حميدا .
ثم استخلف الناس أبا بكر فلم يأل جهده ثم استخلف أبوبكر عمر فلم يأل جهده ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم ونلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني لتبايعوني فقلت : لا حاجة في ذلك ودخلت منزلي فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها وتداككتم علي حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولاجذل وقد علم الله سبحانه أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد صلى الله عليه وآله ولقد سمعته صلى الله عليه وآله يقول : " ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق ثم ينشر كتابه فإن كان عادلا نجا وإن كان جائرا هوى " حتى اجتمع علي ملاؤكم وبايعني طلحة والزبير وأنا أعرف الغدر في أوجههما والنكث في أعينهما ثم استأذناني في العمرة فأعلمتهما أن ليسا العمرة يريدان فسارا إلى مكة واستخفا عايشد وخدعاها وشخص معهما أبناء الطلقاء فقدموا البصرة فقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر .
ويا عجبا لاستقامتهما لابي بكر وعمر وبغيهما علي وهما يعلمان أني لست دون أحدهما ولو شئت أن أقول لقلت .
ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عني وخرجا يوهمان الطغام والاعراب أنهما يطلبان بدم عثمان .
والله ما أنكرا علي منكرا ولا جعلا بيني وبينهم نصفا إن دم عثمان لمعصوب بهما ومطلوب منهما .
يا خيبة الداعي إلى م دعا ؟ وبماذا أجيب ؟ والله إنهما لعلى ضلالة صماء وجهالة عمياء وإن الشيطان قد ذمر لهما حزبه واستجلب منهما خيله ورجله ليعيد الجور إلى أوطانه ويرد الباطل إلى نصابه .

[ 64 ]

ثم رفع يديه فقال : إن طلحة والزبير قطعاني وظلماني والبا علي ونكثا بيعتي فاحلل ما عقدا وانكث ما أبرما ولا تغفر لهما أبدا وأرهما المساءة فيما عملا وأملا .
قال أبو مخنف فقام إليه الاشتر فقال : الحمد لله الذي من علينا فأفضل وأحسن إلينا فأجمل قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين ولقد أصبت ووفقت وأنت ابن عم نبينا وصهره ووصيه وأول مصدق به ومصل معه شهدت مشاهده كلها فكان لك الفضل فيها على جميع الامة فنت اتبعك أصاب حظه واستبشر بفلجه ومن عصاك ورغب عنك فإلى أمه الهاوية ، لعمري يا أمير
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 64 سطر 9 الى ص 72 سطر 9 المؤمنين ما أمر طلحة والزبير وعايشة علينا بمخيل ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه وفارقا على غير حدث أحدثت ولاجور صنعت فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما فإنهما أول من ألب عليه وأغرى الناس بدمه وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنهما بعثمان فإن سيوفنا في عوائقنا وقلبونا في صدورنا ونحن اليوم كما كنا أمس ثم قعد .
توضيح : إرعوي عن القبيح أي كف .
وقال الجوهري : القارة قبيلة سموا قارة لاجتماعهم والتقافهم لما أراد إبن الشداخ أن يفرقهم في بني كنانة وهم رماة وفي المثل : أنصف القارة من راماها .
وقال الجوهري : نكيت في العدو نكاية إذا قتلت فيهم وجرحت .
وقال : عضهه عضها : رماه بالبهتان .
وقال : التنزي : التوثب والتسرع .
وفي بعض النسخ : " إذا انبرى " - [ أي ] اعترض - وهو أصوب .
والسوقة : خلاف الملك .
قوله ( عليه السلام ) : " لم يألوا الناس خيرا " فيه تقية ومصلحة قال الجوهري : ألا يألوا [ من باب " دعا " ] أي قصر .
وفلان لا يألوك نصحا [ أي لا يقصر في نصحك ] .
وقال : قال الفراء في قوله تعالى : * ( آخذة رابية ) * أي زائدة كقولك : أربيت إذا أخذت أكثر مما أعطيت .
وقال : الفواق ما بين الحلبتين من الوقت لانهما تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب يقال : ما أقام عنده إلا فواقا .
قوله ( عليه السلام ) : " لمن بغي عليه " أي قال في حق من بغي عليه والمقول " لينصرنه الله " والآية هكذا : * ( ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم

[ 65 ]

بغي عليه لينصرنه الله " والوطب بالفتح : الزق الذي يكون فيه السمن واللبن .
والمراد بالخلق إما قدم اللبن ومضي زمان عليه أو خلق الزق فإنه يفسد اللبن " وأعظم " بها للتعجب أي ما أعظمها " والجذل " بالتحريك : الفرح " لمعصوب بهما " أي مشدود عليهما .
45 - نهج ومن كتاب له [ عليه السلام ] إلى أبي موسى الاشعري وهو عامله على الكوفة وقد بلغه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل : من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى عبدالله بن قيس أما بعد فقد بلغني عنك قول هو لك وعليك فإذا قدم عليك رسولي فارفع ذيلك واشدد مئزرك وأخرج من جحرك واندب من معك فإن حققت فانفذ وإن تفشلت فأبعد وأيم الله لتؤتين حيث أنت ولا تترك حتى تخلط زبدك بخاثرك وذائبك بجامدك وحتى تعجل عن قعدتك وتحذر من أمامك كحذرك من خلفك وما هي بالهوينا التي ترجو ولكنها الداهية الكبرى يركب جملها ويذل صعبها ويسهل جبلها فاعقل عقلك واملك أمرك وخذ نصيبك وحظك فإن كرهت فتنح إلى غير رحب ولا في نجاة فبالحري لتكفين وأنت نائم حتى لا يقال : أين فلان والله إنه لحق مع محق وما يبالي ما صنع الملحدون والسلام .
بيان : هو لك وعليك قال ابن أبي الحديد : فإن أبا موسى كان يقول لاهل الكوفة : إن عليا إمام هدى وبيعته صحيحة إلا أنه لا يجوز القتال معه لاهل القبلة انتهى .
وأقول كون هذا الكلام له وعليه لاشتماله على الحق والباطل والحق ينفعه والباطل يضره أو ظاهر الكلام له تستحسنه العوام وباطنه حجة عليه إذ بعد

___________________________________________________________
45 - وهذا هو المختار : ( 63 ) من الباب الثاني - وهو باب الكتب - من نهج البلاغة .
وما يذكره المصنف بعد عن ابن أبي الحديد ذكره في أول شرحه على هذا الكتب .
( * )

[ 66 ]

الاقرار بصحة البيعة لا مجال للامر بالمخالفة أو ظن أن هذا الكلام ينفعه وفي الواقع يضره أو ينفعه في الدنيا ويضره في العقبى .
والامر برفع الذيل وشد المئزر كنايتان عن الاهتمام في الامر والخروج من الجحر استهانة به حيث جعله ثعلبا أو ضبعا .
والجحر بالضم كل شئ تحفره السباع والهوام لانفسها .
قوله ( عليه السلام ) : " فإن حققت " أي أمرك مبني على الشك فإن حققت لزوم طاعتي فأنفذ أي فسر حتى تقدم على وإن أقمت على الشك فاعتزل العمل أو إن أنكرت الطاعة فأظهر إنكارك واعمل بمقتضاه .
" والخاثر " اللبن الغليظ " والزبد " خلاصة اللبن وصفوته يقال للرجل إذا ضرب حتى أثخن : " ضرب حتى خلط زبده بخاثره وذائبه بجامده " كأنه خلط مارق ولطف من أخلاطه بما كثف وغلظ منها وهذا مثل ومعناه ليفسدن حالك وليضطربن ما هو الآن منتظم من أمرك .
والقعدة بالكسر هيئة القعود كالحلبة والركبة .
قوله : " وتحذر من أمامك " قيل كناية عن غاية الخوف .
وإنما جعل عليه السلم الحذر من خلف أصلا في التشبيه لكون الانسان من وراءه أشد خوفا .
وقيل حتى تخاف من الدنيا كما تخاف من الآخرة .
ويحتمل أن يكون المعنى حتى تحذر من هذا الامر الذي أقبلت إليه وأقدمت عليه - وهو تثبيط الناس عن الجهاد - كما تحذر مما خلفته وراء ظهرك ولم تقدم عليه وهو الجهاد .
وقال ابن أبي الحديد : أي يأتيكم أهل البصرة مع طلحة ونأتيكم بأهل المدينة والحجاز فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم ومن خلفكم .
وقال في قوله ( عليه السلام ) : " وما بالهوينا " أي ليست هذه الداهية بالشئ الهين الذين ترجو اندفاعه بسهولة فإن قصد الجيوش الكوفة من كلا الجانبين أمر صعب المرام فإنه ليركبن أهل الحجاز وأهل البصرة هذا الامر المستصعب لانا نحن نطلب أن نملك الكوفة وأهل البصرة كذلك فيجتمع عليها الفريقان .

[ 67 ]

وقال [ ابن الاثير ] في النهاية : الهون : الرفق واللين والتثبت " والهوينا " تصغير الهونى تأنيث الاهون .
وقوله : " فاعقل عقلك " يحتمل المصدر : وقيل هو مفعول به " وخذ نصيبك وحظك " أي من طاعة الامام وثواب الله وقيل أي لا تتجاوز إلى ما ليس لك .
" فإن كرهت فتنح " أي عن العمل فإني قد عزلتك .
" إلى غير رحب " أي سعة بل يضيق عليك الامر بعده .
وقال في النهاية : بالحري أن يكون كذا أي جدير .
وقال ابن أبي الحديد : أي جدير أن تكفي هذه المؤونة التي دعيت إليها " وأنت نائم " أي لست معدودا عندنا وعند الناس من الرجال الذين يفتقر الحرب والتدبيرات إليهم فيسغني الله عنك ولا يقال : أين فلان .
46 - نهج ومن كتاب له [ عليه السلام ] إلى بعض أمراء جيشه : فإن عادوا إلى ظل الطاعة فذاك الذي نحب ، وإن توافت الامور بالقوم إلى الشقاق والعصيان فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك ، واستغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك ، فإن المتكاره مغيبه خير من شهوده وقعوده أغنى من نهوضه .
توضيح : قال ابن ميثم : روي أن الامير الذي كتب إليه عثمان بن حنيف عامله على البصرة وذلك حين انتهت أصحاب الجمل إليها وعزموا على الحرب فكتب عثمان إليه يخبره بحالهم فكتب ( عليه السلام ) إليه كتابا فيه الفصل المذكور .
" وإن توافت الامور " أي تتابعت بهم المقادير وأسباب الشقاق والعصيان إليهما ويقال : نهد القوم إلى عدوهم إذا صمدوا له وشرعوا في قتالهم

___________________________________________________________
46 - وهذا هو المختار الرابع من الباب الثاني من نهج البلاغة .
( * )

[ 68 ]

" وتقاعس " : أبطأ وتأخر .
و " المتكاره " من يظهر الكراهة ولا يطيع بقلبه .
" والنهوض " : القيام .
47 - نهج ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة : أما بعد فإني خرجت من حيي هذا إما ظالما وإما مظلوما وإما باغيا وإما مبغيا عليه ، وأنا أذكر الله من بلغه كتابي هذا لما نفر إلي فإن كنت محسنا أعانني وإن كنت مسيئا استعتبني .
بيان " لما نفر " بالتشديد بمعنى إلا أي ذكره في كل وقت إلا وقت النفور كقولهم : سألتك لما فعلت .
وفي بعض النسخ بالتخفيف فكلمة وما زائدة كما قيل في قوله تعالى : * ( لما عليها حافظ ) * فإنه قرء بالتخفيف والتشديد معا والاستعتاب طلب العتبى وهو الرجوع .
48 - ما أحمد بن محمد بن الصلت عن ابن عقدة عن جعفر بن عبد الله العلوي عن عمه القاسم بن جعفر عن عبدالله بن محمد العلوي عن أبيه عن عبدالله بن أبي بكر عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلم قال : حدثني عبدالرحمان بن أبي عمرة الانصاري قال : سماني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عبدالرحمان قال : لما بلغ عليا مسير طلحة والزبير خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال :

___________________________________________________________
47 - وهذا هو مختار : ( 57 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة .
وله مصادر أخر يجد الباحث بعضها في ذيل المختار : ( 26 ) من باب الكتب من نهج السعادة : ج 4 ص 62 ط 1 .
48 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه في الحديث الثاني من المجلس : ( 25 ) من الجزء الثاني من أماليه ص 87 ط 1 .
( * )

[ 69 ]

أما بعد فقد بلغني مسير هذين الرجلين واستخفافهما حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله واستفزازهما أبناء الطلقاء وتلبيسهما على الناس بدم عثمان وهما ألبا عليه وفعلا به الافاعيل وخرجا ليضربا الناس بعضهم ببعض اللهم فأكف المسلمين مؤنتهما واجزهما الجوازي .
وحض الناس على الخروج في طلبهما فقام إليه أبومسعود عقبة بن عمرو فقال : يا أمير المؤمنين إن الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومجلسك فيما بين قبره ومنبره أعظم مما ترجو من الشام والعراق فإن كنت إنما تسير لحرب فقد أقام عمر وكفاه سعد زحف القادسية وكفاه حذيفة بن اليمان زحف نهاوند وكفاه أبوموسى زحف تستر وكفاه خالد بن الويد زحف الشام فإن كنت سائرا فخلف عندنا شقة منك نرعاه فيك ونذكرك به ثم قال أبومسعود : بكت الارض والسماء على الشا * خص منا يريد أهل العراق يا وزير النبي قد عظم الخطب * وطعم الفراق مر المذاق وإذا القوم خاصموك فقوم * ناكسو الطرف خاضعوا الاعناق لا يقولون إذ تقول وإن * قلت فقول المبرز السباق فعيون الحجاز تذرف بالدمع * وتلك القلوب عند التراقي فعليك السلام ما ذرت به الشمس * ولاح السراب بالرقراق فقام قيس بن سعد : يا أمير المؤمنين ما على الارض أحد أحب إلينا أن يقيم فينا منك لانك نجمنا الذي نهتدي به ومفزعنا الذي نصير إليه وإن فقدناك لتظلمن أرضنا وسماؤنا ولكن والله لو خليت معاوية للمكر ليرومن مصر وليفسدن اليمن وليطمعن في العراق ومعه قوم يمانيون قد أشربوا قتل عثمان وقد اكتفوا بالظن عن العلم وبالشك عن اليقين وبالهوى عن الخير فسر بأهل الحجاز وأهل العراق ثم ارمه بأمر يضيق فيه خناقه ويقصر له من نفسه .
فقال : أحسنت والله يا قيس وأجملت .
وكتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي ( عليه السلام ) تخبره بمسير عائشة

[ 70 ]

وطلحة والزبير فأزمع المسير فبلغه تثاقل سعد وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة فقال سعد : لا أشهر سيفا حتى يعرف المؤمن من الكافر .
وقال أسامة : لا أقاتل أجلا يقول : لا إله إلا الله ولو كنت في زبية الاسد لدخلت فيه معك ( 1 ) .
وقال محمد بن مسلمة : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله سيفا وقال : إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد والزم بيتك .
وتخلف عنه عبدالله بن عمر .
فقال عمار بن ياسر : دع القوم أما عبدالله فضعيف ، وأما سعد فحسود ، وأما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت بأخيه مرحبا .
ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة : أما تقاتل المحاربين فو الله لو مال علي جانبا لملت مع علي .
وقال كعب بن مالك : يا أمير المؤمنين إنه بلغك عنا معشر الانصار ما لو كان غيرنا لم يقم معك ؟ والله ما كل ما رأينا حلالا حلال ولا كل ما رأينا حراما حرام وفي الناس من هو أعلم بعذر عثمان ممن قتله وأنت أعلم بحالنا منا فإن كان قتل ظالما قبلنا [ قولك ] وإن كان قتل مظلوما فاقبل قولنا فإن وكلتنا فيه إلى شبهة فعجب ليقيننا وشكك وقد قلت لنا : عندي نقض ما اجتمعوا عليه ، وفصل ما اختلفوا فيه وقال : كان أولى أهل المدينة بالنصر * علي وال عبد مناف للذي في يديه من حرم الله * وقرب الولاء بعد التصافي

___________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من البحار ، وفي ط بيروت من كتاب الامالي ص 725 : " ولو كنت في فم الاسد ... " .
( * )